المحرر موضوع: موظف سابق في الكونكرس الأميريكي يكتب عن النهضة السريانية المسيحية: حرب أهلية وإحياء اللغة والثقافة ومستقبل مجهول  (زيارة 2894 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ankawa admin

  • المشرف العام
  • عضو مميز جدا
  • *
  • مشاركة: 2306
    • مشاهدة الملف الشخصي

National Review / سام سويني*
عنكاوا كوم – ترجمة رشوان عصام الدقاق


في شمال شرق سوريا، وتحديداً في القامشلي – الحسكة – وغيرها من البلدات والقرى المحيطة بها، هناك نهضة جارية في المجتمع السرياني المسيحي المحاصر في المنطقة والذي يُحاول إحياء اللغة والثقافة السريانية بعد عقود من الإهمال والإضطهاد. لقد عانت الطائفة المسيحية السورية بجميع أطيافها وبشكل كبير خلال الصراع المستمر منذ ثماني سنوات، ولم تُستثنى الأقلية السريانية في البلاد من ذلك. ومع ذلك، أحدث الصراع تغييرات اجتماعية كان يُعتقد في السابق أنها مستحيلة الحدوث، خاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الديمقراطية السورية التي يقودها الأكراد. وتصعيداً لتهديد تركيا بغزو المنطقة على الرغم من وجود القوات الأميريكية والبريطانية والفرنسية، فمن الممكن لها أن تعكس هذه التغييرات، وحتى تهديد استمرار وجود المجتمع المسيحي هناك.

تقع منطقة شمال شرق سوريا وراء نهر الفرات، في منطقة الجزيرة، وهي منطقة تمتد الى تركيا والعراق وكانت تُعرف تاريخياً "بلاد مابين النهرين العليا"، التي تُمثل خليط من الديانات والأعراق. وقد حافظت المجموعات المختلفة هنا على لغاتها وثقافاتها الفريدة من نوعها في مواجهة عقود طويلة من التعريب. يتحدث السكان في مجتمعاتهم باللغات الكردية والسريانية والأرمنية والتركية ولغات أخرى، وكذلك العربية، مما يجعل المنطقة متميّزة  عن أجزاء أخرى من سوريا، التي يتم فيها التحدث حصرياً باللغة العربية التي تُفرض كلغة رسمية على مستوى البلاد، في المدارس والحكومة ووسائل الإعلام.

في عام 2011 ومع بداية الربيع العربي، حدث التقدم السريع الى الأمام حين بدأ السوريون في المنطقة الشمالية الشرقية يتحدثون من أجل الحرية والديمقراطية، حالهم حال الآخرين في مناطق أخرى من سوريا. وهيأت الاحتجاجات السلمية الطريق للتمرد المسلح، وانسحبت حكومة دمشق في نهاية المطاف من معظم مناطق شمال شرق سوريا تاركة المنطقة الى وحدات حماية الشعب الكردية والجماعات المتحالفة معها، بما في ذلك المجلس العسكري السرياني بقيادة المسيحيين. ومن ثمَّ اجتاحت الفوضى البلاد حيث حققت داعش وغيرها من الجماعات المتطرفة تقدماً في المناطق التي تخلّت عنها الحكومة.

وفي عام 2015، في الشمال الشرقي أيضاً، استولت الدولة الإسلامية على القرى الآشورية المسيحية الواقعة في وادي نهر الخابور، حيث قام المسلحين بإختطاف أكثر من 200 شخص واحتجزتهم لمدة عام الى أن تم دفع ملايين الدولارات التي جمعها المجتمع الآشوري لتُدفع فدية الى داعش، ولم يتم الكشف عن المبلغ المدفوع مطلقاً. وكان قد قُتِل 3 من المحتجزين قبل دفع الفدية، كما لم تعود إحدى الفتيات التي يُعتقد أنها تزوجت من أحد مُقاتلي داعش.

وقادت أحداث مماثلة، مثل حصار داعش لمدينة كوباني ذات الغالبية الكردية في شمال سوريا، ومنطقة سنجار في العراق ذات الغالبية اليزيدية، الى تشكيل تحالف بقيادة الولايات المتحدة للعمل على هزيمة داعش. وضمَّ التحالف المملكة المتحدة وفرنسا وحلفاء آخرين للولايات المتحدة. وفي سوريا، انضمت وحدات الدفاع النسائي التي يقودها الأكراد والمجلس العسكري السرياني بقيادة المسيحيين الى مجموعات أخرى لتشكيل القوات الديمقراطية السورية. ومعاً تحركت قوات سوريا الديمقراطية على الأرض والتحالف الدولي جواً لإستعادة الأراضي التي سيطر عليها داعش في جميع أنحاء شمال سوريا.

نجحت قوات سوريا الديمقراطية في استعادة الأراضي من داعش وأخذت بعد ذلك مسؤولية الحكم. وتحقيقاً لهذه الغاية، شكّل القادة المحليون إدارة الحكم الذاتي في المنطقة لتحكم مناطق سوريا الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية. ولا تعترف الحكومة السورية بتمتع المنطقة بالحكم الذاتي.

إنَّ أحد أهم التغييرات التي أحدثتها إدارة الحكم الذاتي هو الاعتراف بحقوق الشعوب غير العربية في شمال شرق سوريا حيث كانت تُستخدم اللغة العربية حصرياً في جميع الأماكن العامة تقريباً. أما الآن فيتم استخدام اللغة الكردية والسريانية وكذلك العربية، وأحياناً التركية، في الاعلانات المحلية وفي الوثائق الرسمية. بالنسبة للغرباء قد يبدو ذلك غير مهم، لكنه يُمثل تحدياً خطيراً للأيدولوجية الأساسية التي حكمت سوريا منذ استقلالها في عام 1946. وقد يكون ذلك بالنسبة للمسيحيين الناطقين باللغة السريانية في شمال سوريا، كما يقول أنصارهم، المفتاح لبقاء المجتمع وإزدهاره.

قبل العهد، أو العصر المسيحي، كانت اللغة المهيمنة في الشرق الأوسط هي اللغة الآرامية، وهي لغة سامية مرتبطة بالعبرية والعربية واشتركت بها مساحات شاسعة، تشمل حالياً كل من سوريا ولبنان وتركيا والعراق، كما أن السيد المسيح كان يتحدث باللغة الآرامية في الجليل ويهوذا في القرن الميلادي الأول. وحين تبنت المنطقة الديانة المسيحية، أصبحت اللهجة الآرامية التي تتحدث بها ولاية أديسا (سانليورفا، في تركيا الحالية) معروفة بإسم اللغة السريانية. وأصبحت السريانية اللغة القياسية المستعملة في الكتابة في جميع أنحاء المنطقة. من ناحية أخرى، هيمنت اللغة اليونانية على المفكرين المسيحيين في مناطق أقصى الغرب. وكانت اللغة السريانية هي لغة التعليم والثقافة والدين في الشرق. ولكن مع ظهور الإسلام فقدت اللغة السريانية مكانتها لتصبح اللغة العربية هي السائدة، حتى بين الكثير من المسيحيين، وبقيت اللغة السريانية كلغة منطوقة في عدد قليل من الجيوب الصغيرة في الشرق الأوسط. وأدت الإبادة الجماعية في تركيا ضد المجتمعات السريانية والأرمنية واليونانية في عامَي 1915 و 1916 الى تقليص الوجود السرياني في المنطقة الى أبعد من ذلك، وهرب الكثير من المسيحيين الذين يتحدثون السريانية الى سوريا. وبحلول الستينيات من القرن الماضي انقلبت القيادة السياسية السورية على وجود الثقافة والتاريخ والتقاليد غير العربية، في حين واصل المسيحيون السريان استعمال لغتهم فيما بينهم، ولم يكن مسموحاً بها كلغة علمانية في التعليم، ومكانها في المجال العام مقصوراً على الخدمات الدينية. والقليل من الناس يستطيعون قراءتها جيداً، حيث يتم التدريس في المدارس باللغة العربية بشكل كامل، بإستثناء درس الدين الذي يتم خلاله تدريس مباديء اللغة السريانية. لقد كانت اللغة في خطر طريقها الى الانقراض. ومع بزوغ الربيع العربي في عام 2011، رأى العديد من المسيحيين السريان الفرصة المواتية لإحياء لغتهم.

وبناءً على مبدأ الحاجة الى حركة شاملة للحفاظ على المجتمع، ظهرت منظمات سريانية تتمحور حول حزب الاتحاد السرياني ومُكرسة للثقافة والتعليم والمرأة والمساعدات الانسانية والأمن. ولم يدعم جميع المسيحيين في الشمال الشرقي هذه الحركة، وعلى الأرجح واصل العديد منهم تأييد الحكومة السورية التي ما تزال تُسيطر على أجزاء من القامشلي والحسكة. لكن هذه الحركة مهمة وترتبط بالقوة الصاعدة في المنطقة وقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد. وحتى أن العديد من السريان من نُقاد هذه الحركة يتعاطفون معها في الرغبة لإحياء الثقافة والهوية السريانية. وفي رِحلة لي الى شمال شرق سوريا في أوائل شهر نيسان الماضي، قابلتُ العديد من المسيحيين الذين يدعمون هذه الحركة، لكنهم يُواجهون تحديات كبيرة أقلها أن الكثيرين من مجتمعهم ينظرون اليهم على أنهم الوجه المسيحي المميّز لحركة قومية كردية تستخدم الدمى لكسب الدعم الدولي.

وأولئك الذين يدعمون الحركة يجعلون من أنفسهم أعداءاً للدولة ويُخاطرون بأنفسهم من الانتقام في حال إستعادة الحكومة السورية السيطرة على المنطقة. وهذا ما بدا مُرجحاً بعد أن أعلن الرئيس ترامب انسحاب أميريكا. ومن المحتمل أن يجبر هذا القرار منذ صدوره قوات الدفاع عن الحكم الذاتي السماح للحكومة السورية بالعودة الى الشمال الشرقي لصد الغزو التركي، والحكومة السورية لا تتساهل مع من يرفضها علناً. والحماية الوحيدة المؤكدة الآن هي بقاء القوات الأميريكية والبريطانية والفرنسية التي تمنع الحكومة السورية وروسيا من غزو المنطقة واستعادتها. وهذا ما أعلنه الرئيس بشار الأسد في خطابه المتلفز في شهر شباط الماضي، إذ قال في إشارة الى القوات الأميريكية في سوريا، سيتم تحرير كل شبر من سوريا وأي متسلل هو عدواً لنا. ورداً على التهديدات المتجددة لغزو المنطقة، عمِلتْ إدارة ترامب على تهدئة مخاوف أنقرة بشأن أمن الحدود، وفي الوقت نفسه حافظت على علاقات جيدة مع قوات سوريا الديمقراطية، الحليف الرئيسي لها لهزيمة داعش في سوريا.

لقد طغى الخلاف حول المناهج الدراسية المستخدمة في المدارس المسيحية الخاصة العاملة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكم الذاتي. ورفضاً للشوفينية العربية والدعاية البعثية للمناهج السورية الرسمية، استبدلها المسؤولون في شمال شرق سوريا بإخرى موجهة لتعليم الطلاب بلغتهم الأم، سواءً كانت كردية أم سريانية أم عربية، وتعليمهم تاريخ أعراقهم المختلفة.

وفي الخريف الماضي، في القامشلي وأماكن أخرى، اندلعت الاحتجاجات ضد فرض المناهج الجديدة. وأكد النقاد، بمن فيهم مسؤولي الكنيسة ومسيحيون آخرون في المنطقة، بأنه نظراً لعدم الاعتراف بالمناهج خارج هذا الجزء من سوريا، فلن يتمكن الطلاب من مواصلة الدراسة في الجامعات السورية أو في الخارج. وفي بيان صدر في 18 آب من عام 2018 رفض قادة الكنيسة والكهنة في الجزيرة والفرات أية محاولة لفرض تصاريح أو مناهج على المدارس التابعة للكنائس، لأنها مدارس شرعية وقانونية. جاء ذلك في البيان الذي صدر عن اجتماع عُقِد في ذلك اليوم في مكتب الأسقف السرياني الأرثودكسي في القامشلي، لكنه لم يُرفق أي أسم في ذلك البيان. وهذا ما دفع مؤيدي الحكم الذاتي للقول أن نُقادهم كانوا يُحاولون التحدث بإسم جميع رجال الدين في المنطقة.

قال المؤيدون للمناهج، بما فيهم جيلانوش عيسى من منظمة أولاف تاو، التي طوّرت النسخة السريانية من المنهج، أن النقاد يفتقدون فكرة، كما يُشير جيلانوف، كون الهوية السريانية في خطر. ولكي يكون هناك مار أفرام من جديد، الملفان السرياني البارز من القرن الميلادي الرابع، يحتاج الأطفال السريان الى تعلم لغتهم الخاصة وأن يكونوا قادرين على التعبير عن أنفسهم بها. وسيبقى الطلاب يدرسون اللغة العربية الى جانب اللغة الكردية. تقوم منظمة أولاف تاو بتدريب المعلمين على أمل إنشاء جيل جديد من المتحدثين باللغة السريانية. ويتجاوز الاهتمام باللغة السريانية المجتمع السرياني، فهناك 4 أشخاص من العرب و 3 أشخاص من الأكراد الذين تدربوا ليكونوا مدرسين للغة السريانية، إذ أكملوا برنامجهم مؤخراً مع منظمة أولاف تاو.

وبعد الاحتجاجات وما تلاها من اهتمام وسائل الإعلام الدولية، تم التوصل الى حل وسط للحفاظ على منهج الحكومة السورية باللغة العربية في المدارس المسيحية الخاصة مع إضافة موضوعين باللغة السريانية في الصف الأول والصف الثاني. وفي حين أنه تم تصوير المنهج الجديد في وسائل الإعلام على أنه مُعادٍ للمسيحيين، لكن في الحقيقة أن هذا المنهج وضعه بالفعل المسيحيين أنفسهم ومن أجلهم. وفي التسوية النهائية لم يُسمح إلا للمؤسسات المسيحية الحفاظ على مناهج الحكومة السورية. من ناحية أخرى، توجب على جميع المدارس الأخرى الخاضعة لسيطرة الحكم الذاتي استخدام المنهج الجديد. ويُعّد اعتراض العديد من المسيحيين السريان على هذا التغيير مصدر إحباط لمؤيديهم. ومع ذلك، ليس المسيحيون وحدهم عارضوا المناهج الجديدة، إذ أن العديد من الآباء الأكراد والعرب في المنطقة تركوا أبنائهم في المدارس التي تُديرها الحكومة في القامشلي والحسكة بدواعي القلق نفسها التي  أبداها المسيحيون.

ومثل عمل منظمة أولاف تاو، تعمل الجمعية الثقافية السريانية في سوريا على تعزيز الثقافة السريانية وتقوية الروابط الثقافية في المنطقة من خلال المحاضرات والمؤتمرات وقراءات الشعر التي تشارك فيها المجتمعات الكردية والعربية. وترغب حنة حنا، التي تقود فرع المنظمة في مدينة القامشلي، أن يحتفل السريان بتاريخهم القديم وانجازاته مرة أخرى واستخدامه في استحداث موسيقى وفن وأدب جديد. وفي أوج تاريخ السريان قبل مجيء الإسلام، أدار المجتمع السرياني أكثر من 50 مدرسة في جميع بلاد ما بين النهرين وشملت المناهج المستديرة آنذاك موضوع اللاهوت. وترى حنا أن المجتمع السرياني يتميّز بالأهمية التي يوليها للتعليم.

يشعر المجلس العسكري السرياني وغيره ممن قاتلوا ضد المتطرفين، مثل تنظيم الدولة الإسلامية وغيرها، منذ عام 2011 بأنهم فازوا بحريتهم من دون مساعدة الحكومة. وبغض النظر عن النتيجة التي تُخلفها الحرب، لن يقبلوا بالعودة الى الوضع الراهن. وفي بلدة تل التمر، تحدثتُ مع آرام حنا وأبكار داود من المجلس العسكري السرياني حول مستقبل المنطقة. قال آرام، في عام 2015 شكل نهر الخابور خطاً أمامياً مع داعش، وحاول مهاجم انتحاري من داعش اختراق خطوط المجلس العسكري السرياني عند الجسر المؤدي الى المدينة، لكن مقاتلي المجلس وحلفائه الأكراد تمكنوا من منع داعش من الاستيلاء على المدينة. وكان آرام وأبكار قد تركوا دراستهما الجامعية للدفاع عن شعبهما، فقد كان آرام يدرس الأدب الانكليزي وأبكار الهندسة الزراعية. وبسبب انضمامهما الى منظمة تعتبرها الحكومة غير قانونية، فمن غير المرجح أن يلتحقوا مرة أخرى للدراسة في أي من الجامعات السورية.

قال آرام حنا، لا يمكنني السماح لكل ذلك الجهد الذي بذلناه خلال هذه السنوات الأربع أو الخمس التي عشناها، سواءاً كانت مقاومتنا في الرقة أم كوباني أم رأس العين، أن يذهب هباءً. ونحن لا نقول أن الحل هو حل عسكري، ولا نقول اليوم أن الحل الوحيد مع النظام هو الحرب. أذرُعنا مفتوحة للنظام، ولكن ليس على الإطلاق لتعود المنطقة الى ما كانت عليه في عام 2008 أو عام 2007.

ويستمر آرام حنا ويقول، عند النظر الى صوّر القتلى الذين قاتلوا من أجل المجلس العسكري السرياني، يشعر المرء بالحرج مع نفسه، وهذا وحده يمنح الحافز للاستمرار والدفاع عن أنفسنا والدفاع عن قضيتنا. ويُضيف بالقول، أن أياً من أولئك المعلقة صورهم على الجدار سيدعم هذا المشروع الجديد لو كان حياً اليوم. إن النظام يتهمنا بأننا انفصاليون، لكن هدفنا ليس إنشاء دولة داخل دولة بل أن الفكرة هي ترك كل منطقة تحكم نفسها.

وبالنسبة لمستقبل سوريا، قال آرام حنا، أنا سوري وليس عربي سوري، وليس لديَّ مشكلة مع سوريتي، لكن مشكلتي هي العروبة التي فُرِضتْ علينا. أنا لست عربياً، وهناك الأكراد والتركمان والأرمن والسريان وغيرهم، لماذا لا نعطي هؤلاء الناس مكاناً؟ أنا لستُ ضد سوريتي، سوريا لنا جميعاً ولا تنتمي الى الأسد فقط. وليس للأكراد بطاقة هوية سورية، ولا يُسمح لهم التحدث باللغة الكردية، ففي عام 1962 أصدرت الحكومة السورية قانوناً جرد الأكراد من جنسيتهم السورية وعاشوا كمقيمين عديمي الجنسية في سوريا منذ ذلك الحين. وفي عام 2011 أعاد الرئيس الأسد المواطنة الى الكثير من الأكراد، ولكن شعر معظمهم أن الوقت قد جاء متأخراً 50 عاماً.   
واجهت إدارة الحكم الذاتي انتقادات حادة، خاصة من المسيحيين الذين يقولون أن السريان هم بيادق في مشروع قومي كردي. لكن أبكار داود يرى أن إدارة الحكم الذاتي هي أكبر من أية قومية واحدة.

قال أبكار داود، نحن نعمل اليوم على مشروع هو أكبر من مجرد توفير الأمن للمنطقة وحمايتها، نحن نعمل على بناء سوريا الجديدة. وهناك أشخاص مستفيدين من المشروع القديم، وهناك أشخاص يجهلون السياسة نتيجة لِما مررنا به من قبل، وهم يستخدمون هذا الجهل. وإن أي شخص أتحدث معه عن الفكرة العامة للحكم الذاتي أو الديمقراطية أو التعددية، يجد أن الفكرة مُقنعة. ولكن كيف يمكن للمعارضين تغيير هذا الاقتناع؟ إنهم يقولون هذا مشروع كردي، وهذه كردستان. وسيقول شخص غير كردي لماذا أعمل من أجل كردستان؟ لم نكن نعيش في عربستان من قبل، حيث كل شيء عربي. لماذا أقوم بالتجارة من أجل كردستان؟ وعلى الأقل المكان الذي كنت أعيشه من قبل، وأنا أعلم ذلك، أعرف كيف أعمل فيه. هذه الحجج والمناقشات هي الشيء الوحيد الذي يمكن أن يمنع انتشار فكرة الحكم الذاتي متعدد الجنسيات.
لا محالة، إن هذا المشروع الذي يسعى الى إنهاء 50 عاماً من هيمنة القومية العربية لا يخلو من مشاكل بين المجتمعات. وكانت قضية المناهج الدراسية واحدة من أكثرها وضوحاً، ولكن هناك قضايا أخرى أيضاً. وفي عيد الميلاد الماضي، اتهمَ الأسقف السرياني الأرثودكسي في شمال شرق سوريا، موريس امسيح، قوات سوريا الديمقراطية بحفر نفق تحت المقبرة المسيحية في القامشلي. وفيما يتعلق بهذه الصعوبات وغيرها، يقول أبكار، نحن لا نقول لا توجد مشاكل، إنه نظام جديد قيد الإعداد ومن الطبيعي أن تكون هناك مشاكل وأخطاء، وهذا الإدراك موجود ونعلم به، إننا أكثر من شخص واحد، وليس هناك مجتمع وحيد في المنطقة، سواءً كان كردياً أم عربياً أم تركمانياً أم أرمنياً أم سريانياً. وأضاف آرام حنا، إن لدى الأشخاص في مناطق أخرى من سوريا انطباع خاطيء في أن المنطقة تحكمها سُلطة كردية.
التعليقات:

حتى إذا كان الموجودين في الخارج يرون أن الحكم الذاتي هو مشروع كردي، فإن الموجودين في الداخل يقولون أه أصبح للطائفة السريانية المسيحية رأي في مستقبلها السياسي لأول مرة في التاريخ الحديث. وسيقوم المسيحيون السريان بتعليم أطفالهم لغة أجدادهم، وهي اللغة الأم للقدس حيث وُلِدتْ الكنيسة.

هل سيستمر المشروع؟ ربما يعتمد الجواب، على المدى القصير في الأقل، على القرارات التي تُتخذ على بُعد آلاف الأميال في واشنطن. وطالما بقيت الولايات المتحدة والقوات المتحالفة معها في المنطقة، فإن الحكم الذاتي سيبقى في المناطق السورية شرق الفرات. وإذا انسحبت الولايات المتحدة، فلا أحد يعلم ما ستكون النتيجة. تُريد الحكومة السورية  إعادة تأكيد سلطتها في المنطقة، بالقوة إذا لزِمَ الأمر، وتقول تركيا أنها تُريد القضاء على الإرهابيين الأكراد الذين يُشكلون العمود الفقري لهذا المشروع.

وعندما أعلن الرئيس ترامب في 19 كانون الأول من العام الماضي أن الولايات المتحدة سوف تنسحب من سوريا، توقع الكثيرون نهاية الحكم الذاتي. ولكن ذلك القرار انعكس الآن, ولدى المسيحيين السريان الذين سئِموا الحرب سبب للأمل في أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن أولئك الذين هزموا داعش في شمال شرق سوريا. ويمكن للغزو التركي، كما هدد رئيس ذلك البلد، أن يجعل الثقة التي أعطوها للولايات المتحدة على المحك.

*سام سويني كان موظفاً سابقاً في الكونكرس الأميريكي.، وهو كاتب ومترجم مقره في الشرق الأوسط.