القدس العربي: مصطفى العبيدي
نينوى-“القدس العربي”: تتصاعد خلافات وصراعات علنية وخفية للسيطرة على منطقة سهل نينوى الاستراتيجية في شمال العراق، تارة بين مكونات المنطقة من المسيحيين والإيزيديين والعرب، وأخرى بين حكومتي بغداد وأربيل للسيطرة عليها، إضافة إلى التدخلات الدولية فيها.
وتشهد منطقة سهل نينوى التي يقطنها خليط من المسيحيين والإيزيديين والعرب، تطورات خطيرة هذه الأيام، أكدت مخاوف العراقيين من تداخل الصراعات المحلية والدولية للسيطرة على المنطقة وتأثيراتها السلبية على الاستقرار والأمن فيها.
فقد تمردت قوّة تابعة للحشد الشعبي على أوامر رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة عادل عبد المهدي، رافضة قرار سحبها من سهل نينوى وإحلال قوة من الجيش والشرطة مكانها، واضعة الحكومة في حرج شديد.
وكان عبد المهدي قد أمر اللواء 30 (المكون من الشبك) في الحشد الشعبي، بالانسحاب فورا من مناطق سهل نينوى، بعد ورود اسم قائد اللواء وعد القدو، على قائمة العقوبات الأمريكية لتورّطه في قضايا فساد وانتهاكات لحقوق الإنسان في منطقة سهل نينوى، إضافة إلى شكاوى من قوى سياسية وشعبية في الموصل بانتهاكاته ضد السكان، إلا أنّ اللواء المذكور رفض القرار وقام بإثارة اضطرابات وفوضى وتشبّث بنقاط تمركزه وتصادم مع قوات الجيش التي جاءت لاستلام مواقعه، إضافة إلى تحريك أتباعه لقطع الطرق ونصب خيام اعتصام بحجة تمسك السكان بحماية الفصيل المسلح للشبك في المنطقة.
وأكد القيادي في لواء 30 في الحشد الشعبي سعد القدو، ان “هناك ضغوطا أمريكية وكردية ومسيحية وراء قرار سحب الحشد” متحدثا عن “حملة منظمة يقودها الحزب الديمقراطي الكردستاني لترويج أكاذيب تستهدف إخراج القوات الاتحادية من سهل نينوى وإحلال البيشمركه بدلا عنها، تمهيداً لضمه إلى إقليم كردستان”.
وقد أثار تمرد الفصيل استنكارا واسعا من القوى السياسية والشعبية السنية في نينوى والأنبار وغيرها، الذين اعتبروا سكوت الحكومة دليلا على ضعفها إزاء تنامي نفوذ الحشد الشعبي في سهل نينوى وبقية المناطق المحررة من تنظيم “داعش” مؤكدين أن هذا السلوك أضعف هيبة الدولة، وسط اتهامات بتورط بعض فصائل الحشد في عمليات تهريب النفط والمخدرات وفرض الإتاوات على سكان المنطقة.
ويذكر أن الحكومة الأمريكية أصدرت مؤخرا عقوبات على أربع شخصيات عراقية من بينهم القياديان في الحشد الشعبي قائد اللواء 30 (الشبك) وعد القدو وزعيم فصيل بابليون (المسيحيين) ريان الكلداني، بتهمة ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في محافظة نينوى، وخاصة في سهل نينوى الذي يتواجد عناصرهما فيه، وهو ما جعل رئيس الوزراء يصدر أمرا بسحب الحشد الشعبي من مناطق السهل.
خلافات المسيحيين
وفي شأن ذو صلة، تفجرت هذه الأيام خلافات حادة بين أطراف من المكون المسيحي، عقب رسالة بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاردينال لويس ساكو، إلى رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، التي عبر فيها عن تأييده لقرار ضم فصائل الحشد إلى القوات المسلحة الرسمية، ورفضه وجود أي فصيل مسيحي مسلح، مما خلق ردود أفعال عنيفة من قادة فصيل بابليون (المسيحي) المنضوي ضمن الحشد الشعبي، والمتواجد في سهل نينوى، الذين شنوا حملة انتقادات عنيفة ضد راعي الكنيسة.
وقد اتهم القيادي في فصيل بابليون ظافر لويس، البطريرك ساكو (من دون ان يسميه) بانه “أصبح دمية بيد إسرائيل وأمريكا” وانه يعمل ضد الحشد، داعيا إلى “تغييره من قبل الفاتيكان” ومهددا بـ “خروج مظاهرات أمام السفارة البابوية” لهذا الأمر.
وكان الكاردينال ساكو عبر عن دعم الكنيسة الكلدانية لـ “حصر السلاح بيد الدولة مما يرصن مؤسساتها، ويرسخ الوعي الوطني عند العراقيين على الهوية الوطنية الواحدة” معلنا “رفضه القاطع لوجود أي فصيل أو حركة مسلحة تحمل صفة مسيحية لأن ذلك يتعارض مع روحانية الدين المسيحي الذي يدعو إلى المحبة والتسامح والغفران والسلام” ومبديا تأييده “لإنخراط المسيحيين في الأجهزة الأمنية الرسمية كالجيش والشرطة الاتحادية والبيشمركه”.
وردا على اتهامات باتصال الكنيسة بدول خارجية، أصدرت الكنيسة الكلدانية بيانا أكدت فيه “ان غبطة البطريرك الكاردينال ساكو لم يوجه رسالة شكر لأي سفارة. كما ان البطريركية تنفي الإتهامات التي نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي بأن الكاردينال زار إسرائيل والتقى بمسؤولين فيها، أو في واشنطن”. وأكدت البطريركية “ان البطريرك ساكو لم يزر في حياته إسرائيل ولم يلتقِ بمسؤول إسرائيلي قط، وعندما زار البابا فرنسيس الأردن عام 2014 ومن بعده فلسطين وإسرائيل رفض غبطته ان يرافق قداسته في هذه الزيارة احتراماً للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة”.
الإيزيديون وسهل نينوى
وفي خضم تداعيات هذا الصراع، كان الإيزيديون الذين يتواجدون في سنجار ضمن سهل نينوى، أحد أدوات القوى المتصارعة للسيطرة على المنطقة الاستراتيجية، حيث يسعى الإقليم إلى اعتبارهم أكرادا لضم مناطقهم إليه، رغم أن المنطقة هي جزء من محافظة نينوى وتتبعها إداريا.
وللتعبير عن الدعم الدولي للإيزيديين في سهل نينوى، قامت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت، بزيارة المنطقة داعية إلى تشكيل إدارة موحدة وهياكل أمنية مستقرة للإيزيديين في قضاء سنجار غربي الموصل.
وذكر المكتب الأممي في العراق في بيان صحافي أن ذلك جاء خلال زيارة بلاسخارت إلى قضاء سنجار في الذكرى السنوية الخامسة للابادة الجماعية التي ارتكبها ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بحق المجتمع الإيزيدي في العراق. وطالبت الحكومة العراقية، اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان استقرار إدارة القضاء والترتيبات الأمنية فيه، وتأمين تدفق المساعدات الإنسانية من دون عوائق لتمكين العودة الآمنة والكريمة للنازحين.
ومن جهة أخرى، أثار تنصيب حازم تحسين بيك قبل أيام، أميراً جديدا للإيزيديين في العراق والعالم، خلافات جديدة بين أبناء الطائفة، حيث تم اختياره من عائلته لمنصب الأمير الجديد، خلفا لوالده الذي توفي بداية العام الحالي.
وتشير المصادر إلى ان ضغوطا مارسها حزب مسعود بارزاني (الديمقراطي الكردستاني) لفرض حازم تحسين رئيسا للطائفة كونه على علاقة جيدة بالقيادة الكردية، حيث صرح بعد تنصيبه، أن الإيزيديين جزء من الكرد وان سنجار ستصبح كردستانية، داعيا إلى تطبيق المادة 140 حول المناطق المتنازع عليها بين حكومتي الإقليم وبغداد. إلا ان مجلس الإدارة الذاتية الديمقراطية في سنجار، ورؤساء بعض العشائر الإيزيدية، أصدروا بياناً صحافياً، أعربوا فيه عن عدم قبولهم بأمير للإيزيدين “خارجاً عن إرادة الإيزيدين” مشيرين إلى أن تعيين حازم تحسين بك أميراً تم من قبل “بعض الأطراف السياسية خدمةً لمصالحها الشخصية”.
ورفض الأمير الإيزيدي أنور معاوية في بيان، الطريقة التي تم فيها تنصيب أمير جديد للطائفة الإيزيدية، مبينا انها تمت وفق أجندة سياسية وتقديم الرشى، مؤكدا أن الأمر منوط بأبناء الطائفة فقط. وشدد على “إننا نرفض وبشكل قاطع تسييس هذا الموضوع واستغلاله كما نرفض التدخل في شؤوننا الدينية وشوؤن الإمارة الإيزيدية لخدمة جهة سياسية معينة”.
وأشار إلى ان “من الغريب والمعيب ان يجري ذلك وأغلب الأراضي الإيزيدية في العراق مسلوبة ونساؤنا في الأسر وتم منع أبناء الإيزيدية من العودة لأراضيهم ودورهم وحصر تواجدهم في مخيمات اللجوء غير الإنسانية وإجبار الآخرين منهم على الهجرة” منتقدا “غياب كامل واهمال مطلق من الحكومة العراقية ومؤسساتها وتنصلها من مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية في حماية ملايين المهجرين والمبعدين من العراقيين ومنهم أبناء الإمارة”.
ومعروف حكومة إقليم كردستان، لها دور مؤثر في مشكلة سهل نينوى، من خلال سعيها المحموم للسيطرة عليها، عبر الدعوة لإخراج القوات الاتحادية والحشد من المنطقة لعجزها عن ايقاف الأعمال الإرهابية فيها، مع ابداء استعدادها لسد الفراغ الأمني هناك. وتعد بعض مناطق سهل نينوى من المناطق المتنازع عليها بين حكومتي بغداد والإقليم، وأصبحت تحت سيطرة أربيل بعد ظهور تنظيم “داعش” وانسحاب القوات الاتحادية منها عام 2014 إلا انه بعد طرد التنظيم من الموصل عام 2017 أعادت القوات الاتحادية والحشد الشعبي، فرض سيطرتها على سهل نينوى. ومنذ ذلك التاريخ تسعى القيادة الكردية لإعادة قوات البيشمركه إلى تلك المنطقة بمختلف الذرائع، مستغلة علاقتها المميزة بعبد المهدي.
وحذر النائب عن تيار الحكمة المعارض حسن فدعم، من “محاولة حكومة بغداد، إعادة سنجار إلى البيشمركه” مشددا على إن “مناطق سهل نينوى وسنجار تحررت بدماء الشهداء من الحشد الشعبي وأبناء تلك المناطق، وان محاولة الحكومة اعادتها الآن لسيطرة البيشمركه ما هي إلا خيانة لتلك التضحيات ونحن لن نسمح بتكرار المأساة مرة أخرى”.
تدويل الصراع في سهل نينوى
وفي مؤشر على الاهتمام الدولي بمنطقة سهل نينوى، حذرت بعض القوى الشيعية والكردية من وجود مخطط أمريكي جديد يهدف إلى إعادة احتضان عناصر وعائلات تنظيم “داعش” الإرهابي في الموصل عبر نقلهم من مخيم الهول في سوريا إلى مناطق سهل نينوى.
وأعلن عضو اللجنة الأمنية النيابية كريم المحمداوي في تصريحات، إن “واشنطن تخطط لإعادة عائلات داعش الإرهابية التي تسكن مخيم الهول في سوريا إلى مناطق سهل نينوى” محذرا من إن “إعادة تلك العائلات إلى الموصل مجددا سيضر بأمن البلاد” نافيا ادعاء الولايات المتحدة بأن تلك العائلات عراقية، وانه لا يمكن بقاءها في سوريا. وقد أكد هذا الخبر أيضا النائب الكردي عن محافظة نينوى شيروان دوبرداني.
كما جاء انضمام بعض أبناء المنطقة إلى تشكيلات عسكرية مرتبطة بحزب العمال التركي الكردي المعارض الذي يتواجد في سنجار، ليزيد التوتر فيها، إضافة إلى تنفيذ الطائرات التركية عدة غارات على مواقعه فيها، إضافة إلى ان المنطقة تدخل ضمن مشروع (طريق إيران وسوريا عبر العراق) مما جعل الصراع السياسي على المنطقة يأخذ أبعادا محلية ودولية.
وهكذا تدور رحى الصراع على منطقة سهل نينوى، وتؤدي إلى زيادة الخلافات والتشتت بين سكانها من المسيحيين والإيزيديين إضافة إلى العرب، الذين توزعت ولاءاتهم بين حكومتي بغداد وأربيل. ومن المؤكد ان هذه المنطقة يراد لها ان تبقى بعيدة عن الاستقرار، لأمد مفتوح، جراء الصراعات السياسية بين القوى المحلية وغياب التوافق بين حكومتي بغداد وأربيل حول المنطقة ومستقبلها، إضافة إلى تأثير التدخلات الدولية في هذا الشأن.