المحرر موضوع: التاريخ القديم للشعـب الأرمني 1 " مملكة ڤان أو اورارتو "  (زيارة 5963 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Sound of Soul

  • الاداري الذهبي
  • عضو مميز متقدم
  • *******
  • مشاركة: 13100
  • الجنس: أنثى
  • اردت العيش كما تريد نفسي فعاشت نفسي كما يريد زماني
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • http://www.ankawa.com/forum/index.php/board,53.0.html




مملكة فان









في البداية نبدأ باستعراض جغرافي تاريخي لأرض أرمينيا التاريخية، من حيث تميزها بارتفاعها عن البلدان المجاورة، والحديث عن حدود ارمينيا  التي تبدو فيها من الغرب مرتفعات هضبة الأناضول، ومن الشرق أذربيجان، ومن الشمال جورجيا، وإلى الجنوب سلسلة جبال طوروس Taurus التي تتاخمها بلاد آشور وبلاد ما بين النهرين… وبهذا تكون أرمينيا قسماً من الهضبة الكبرى الممتدة من آسيا الصغرى وحتى إيران.

إن الدارس لأرض أرمينيا وتركيبها الجيولوجي ومعالمها الطبيعية، يمكنه أن يسميها بلد الجبال والينابيع والبحيرات والأنهار… ولعل جبال آرارات الأرمنية Ararat – حاضنة المملكة الأورارتية – من أشهر جبال الشرق القديم، بل والعالم القديم بأسره الذي عدد سلاسل جبال أرمينيا ذات العلاقة الوثيقة بالمعطيات الأثرية والتاريخية، وأشهر بحيرات أرمينيا كبحيرة فان – وعلى شواطئها الشرقية مدينة فان – وبحيرة سيفان، وبحيرة أورميا Urmia بالاضافة إلى عديد البحيرات الجبلية الصغيرة.

وإذ نسلط الضوء على أنهار أرمينيا ونذكر أهمها مثل نهر أراكس Arax الذي ينبع من جبل بنغول داغ، وينضم إلى نهر الكورة Kura ليصبّا معاً في بحر قزوين. وثمة نهر جوروخ Djorokh الذي ينبع من جوار مدينة بيبورت، ويصب في البحر الأسود.

أما نهر الفرات Euphrates فينبع من قرية قزيل قليسا على بعد 40 كم شمال مدينة أرضروم، ويجري مسافة 2800 كم ليصب في شط العرب، وكذلك نهر الدجلة Tigris الذي ينبع من جبال طوروس جنوب بحيرة فان، ويسير مسافة  2000كم باتجاه شط العرب…

وهناك أنهار هاليس وإيريس وآليس التي تصب في البحرالأسود، وأيضاً سيحون وجيحون والعديد من الجداول التي تنبع من جبال طوروس وأمانوس وتصب في البحر الأبيض المتوسط…

ومن خلال دراسة انهار أرمينيا -من منابعها إلى مصباتها مروراً بمجاريها-نلاحظ أن تلك الأنهار تعتبر بمثابة الشرايين الممتدة من قلب أرمينيا إلى أهم مناطق الشرق القديم النابضة بالحضارة، فتلك الأنهار – وبإشراف من جبال آرارات العالية – تصل إلى جهات أربع متباعدة هي بحر قزوين والبحر الأسود والخليج العربي والبحر المتوسط، ولعل أهم حضارات الشرق القديم قد ازدهرت على ضفاف الفرات ودجلة وسيحون وجيحون، وبالتالي فنحن في هذا الصدد لا نتحدث عن طرق تجارة أو مواصلات أو محطات “ترانزيت” بين أرمينيا القديمة ومناطق الشرق القديم، وإنما عن اتصال حضاري طبيعي أمّنته – أولاً – الجغرافيا الأرمنية في المنطقة، ثم العناصر الحضارية المشتركة بين الشعب الأرمني القديم وسائر شعوب منطقة الشرق.

وهذه العناصر الحضارية المشتركة، إنما موغلة في القدم، وتعود إلى العصر الحجري بمراحله الثلاث، و هنا نرصد دور أرمينيا القديمة في تطور البشرية خلال عصور ما قبل التاريخ، في حقبة غزيرة بالمعطيات امتدت قرابة مليون عام قبل ميلاد السيد المسيح، وأسست لعلاقة حضارية واضحة بين أرمينيا ودول الشرق القديم، ونعدد سلسلة المكتشفات في أرمينيا “ما قبل التاريخ” والتي نعتبرها أدلة حضارية كبيرة على ارتباط أرمينيا القديمة بالمناطق الحضارية القليلة في العالم والتي عرفت الانسان القديم وتطوره بأدواته وأفكاره كسوريا وفلسطين ولبنان والأردن والعراق ومصر وشمال إفريقيا وإسبانيا وفرنسا وإنكلترا والهند والصين…

أما فيما يتعلق بأصل الشعب الأرمني بين الواقع التاريخي والأسطورة، فالأرمن شعب هندو-أوروبي ينتمي إلى إحدى مجموعتين، عاشت الأولى منهما في قارة آسيا على تخوم الهند، وفي بلاد فارس (إيران) وأرمينيا وبعض مناطق آسيا الصغرى (تركيا)، ثم انتشرت شمالاً باتجاه القفقاس وجورجيا… وهذا الرأي تؤيده التقاليد الشعبية الأرمنية المتجسدة في أسطورة “بيل وهاييك” التي تبرز كأسطورة تبقي الشعب الأرمني في محيطه الآسيوي الشرقي، وتربط تاريخه بتاريخ بابل والشرق… مع التأكيد على ارتباط الشعب الأرمني بشعب بابل وآشور نظراً للمعطيات الغزيرة التي سجلتها الأحداث بين الطرفين…



أما المجموعة الهندوأروربية الثانية فقد عاشت في قارة أروربا لتشكّل شعوب الجرمان والأنكلوساكسون، ويرجّح المؤرخان اليونانيان هيرودوت (485 – 425 ق.م) واسترابون (63 ق.م – 20 م) أن الأرمن من المجموعة الهندوأوروبية التي استقرت في أوروبا، ثم يتفقان على أن الأرمن ومعهم الفريجيون Phrygians والتراقيون عادوا من أوروبا إلى آسيا مغادرين البلقان عبر البوسفور والدردنيل في القرن الثاني عشر ق.م، واستقروا جميعاً في فريجيا (غرب تركيا حالياً)، ثم انفصل الأرمن عن هذين الشعبين وتوغلوا في الأناضول شرقاً وحتى أرمينيا في القرن السابع ق.م، وهذا ما تذهب إليه النظريات الحديثة في أصل الأرمن، وترى تلك النظريات أن الأمة الأرمنية تشكلت منذ وصول الأرمن إلى الأراضي الواقعة بين نهر هاليس ونهري الدجلة والفرات، وهذه المنطقة المسماة بـ هاياسا Hayasa هي الجزء الشرقي من الامبراطورية الحثية Hittite Empire وفيما بعد المرتفعات الشمالية لأرمينيا، ثم التقى الأرمن بالقبائل الحورية Hurrians غربي بحيرة فان، وقد أدى التمازج الأرمني الأورارتي والحثي والحوري والميتاني إلى ظهور الشعب الأرمني بعد بسط نفوذه على تلك القبائل وتشكيله أغلبية سكانية في المنطقة.

ونذكر أن المؤرخ اليوناني هيكاتايوس الملتي Hecataeus OF Miletus أطلق سنة 550ق.م اسم أرمينوي Arminoi على الأرمن، واسم أرمينيا وجد كما هو تقريباً مسطوراً بالمسمارية على صخرة بهيستون Behiston (غربي إيران حالياً) التي تعود إلى سنة521ق.م زمن الملك الفارسي داريوس الأول، وتحمل نصاً بالفارسية والعيلامية والبابلية.

ويجب التأكيد على أن التاريخ الأرمني يبدأ مع ظهور اسم الأرمن المحدد لغوياً وزمنياً، فالشعوب تتبدل أسماؤها عبر العصور، وهذا ما حدث مع الشعب الأرمني الذي تشير الوثائق القديمة إليه من خلال أكثر من اسم، ولعل كل اسم حمله الأرمن عبر تاريخهم الطويل، إنما عبّر عن مرحلة تاريخية لها خصائص واضحة  …وفي هذا الصدد نعود أدراجنا إلى جبال آررات حاضنة الحضارة الأرمنية القديمة ومهبط وحي الأساطير، ومنها أن الأدبيات الكنعانية القديمة كانت قد رأت علوَّ جبال آرارات الشامخة، فأرست سفينة نوح فوقها…

وبعد المقدمات الخاصة بجغرافيّة أرمينيا وعصور ما قبل التاريخ فيها وأصول الشعب الأرمني – كأحد شعوب الشرق القديم – سنتحدث عن مشكلة الدخول إلى التاريخ القديم لأرمينيا التي تجد لها تعريفاً جغرافياً يعود إلى مليون سنة – بدلالة مكتشفات العصور الحجرية فيه – كما لهذا البلد تعريف إثني وعرقي وميثولوجي واضح الملامح  وتابع أننا حين نتحدث عن التاريخ القديم لبلد أو شعب شرقي قديم، فإنما نقصد العودة إلى تاريخه الذي يبدأ مع العصور التاريخية الكتابية التي بدأت في نهاية الألف الرابع ق.من ولنقل إننا نبحث عن تاريخ أرمينيا بدءاً من الألف الثالثة ق.م…فهل تخبرنا وثائق الشرق القديم عن أرمينيا القديمة شيئاً في الألف الثالثة؟

في هذا الاطار نقول إن جل المؤلفات الخاصة بتاريخ أرمينيا – العربية منها والأجنبية وخاصة المراجع الأكاديمية – لا يقدم أرمينيا للدارس أو القارئ كوحدة تاريخية وأثرية ولا حتى جغرافيّة… هناك تقطيع لأوصال الوحدة التاريخية الجغرافية لأرمينيا، وهذا التقطيع ملموس من خلال المراجع الأكاديمية أولاً… إذ لا توجد إشارات موحدة إلى المكونات الحضارية (التاريخية والجغرافية والأثرية) لأرمينيا، والمعطيات الآتية من مجمع الجغرافيا التاريخية الأرمنية – إن صح التعبير – تذكر متفرقة وملصقة بأجزاء هذا المجمع كلاً على حدة، فنرى معطيات تنتمي إلى جبال طوروس دون الربط مع الأرض الأم، وكذلك الأمر معطيات مناطق بحيرة فان وسيفان وجبال زاغروس وأرتين ومجاري الفرات ودجلة وهاليس، وهضبة الأناضول وشواطئ بحر قزوين… كل هذه المناطق المنتمية إلى الأرض الأرمنية، تذكر ضمن الشواهد الأثرية على أنها مناطق جغرافية غير معرّفة على المستوى الوطني المحلي… وهذا يقدم أرمينيا على صورة نموذج مصغر لشرق قديم يعاني نفس المعاناة، أي محاولات تقطيع الأوصال الجغرافية التاريخية والانفراد بمعطيات الأجزاء لتصويرها وكأنها طفرات إنسانية زمنية لا أساس لها ضمن تطور الفكر الجماعي الموحد والمترابط تاريخياً في الشرق القديم…وبالمقابل فإن محاولات التقطيع هذه ترسم لها مخططات لإعادة التركيب التاريخي للمنطقة تتضمن التركيز على الناحية الكرونولوجية الجغرافية المجزأة، والعبث بهوية المعطيات الأثرية ومضامينها…


وقد ننطلق خلال هذا العرض التاريخي من السؤال التالي: هل من علاقة بين الأرمن القدماء والسومريين في العراق القديم؟؟…فبعد دراسة المخلفات المادية للسومريين تبين وجود صلات وعلاقات بينهم وبين جيرانهم في منطقة زاغروس، ويعد تزايد السكان السريع في المناطق الجبلية المجاورة المعتمدة على الزراعات البعلية، يعد سبباً في استيطان مجموعات منهم في الجنوب الرافدي.

من ناحية أخرى فإن الوثائق السومرية لا تقدم شيئاً ملموساً عن أرمينيا في تلك الحقبة، إلا أنه وفي النصف الثاني من الألف الثالثة ق.م، ترد إشارة أكادية إلى جزء هام من أرمينيا القديمة وهو جبال طوروس، التي وصل إليها الملك الأكادي شاروكين(سرجون) – 2350-2284 ق.م – في إحدى حملاته وقد سمى النص الأكادي جبال طوروس بجبال الفضة، وجبال أمانوس بجبال الأرز… وربما أشار النص الأكادي إلى أرض أرمينيا باسم “توغريس”، كإحدى البلدان التي أخضعها.

إن معرفة القليل عن تاريخ أرمينيا في الألف الثاني ق.م تتطلب دراسة الواقع التاريخي للشعوب الحورية-الميتانية والحثية والأورارتية، وقد ورد سابقاً أن التمازج الأرمني الأورارتي والحوري والميتاني والحثي أدى إلى ظهور الشعب الأرمني بعد بسط نفوذه على تلك القبائل وتشكيله أغلبية… وبالتالي نعرف الشعوب ذات الارتباط الوثيق بالأرمن ومنهم: الحوريون والحثيون والأورارتيون الذين هم شعب أرمينيا الأكثر شهرة في الوثائق القديمة، لهم قرابة مع الحوريين، وهم سكان المملكة التي نشأت في أحضان جبال أرارات… وقد ظهرت مملكة أورارتو في بداية القرن الثالث عشر ق.م في منطقة بحيرة فان، وامتدت أراضيها لتشمل جزءاً كبيراً من أرمينيا، فشكلت حدثاً حقيقياً في منطقة الشرق القديم، وخاصة أنها على حدود الامبراطورية الآشورية، فحدث الاتصال الأول مع الآشوريين في عهد الملك الآشوري شلمنصر الأول (1273-1244ق.م) الذي يذكر في إحدى كتاباته:”في ثلاثة أيام أخضعت أورارتو، أحرقت إحدى وخمسين مدينة وسلبت ممتلكاتها…”.

(يتبع)





http://www.ankawa.org/vshare/view/10418/god-bless

ما دام هناك في السماء من يحميني ليس هنا في الارض من يكسرني
ربي لا ادري ما تحمله لي الايام لكن ثقتي بانك معي تكفيني
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,603190.0.html
ايميل ادارة منتدى الهجرةsound@ankawa.com


غير متصل Sound of Soul

  • الاداري الذهبي
  • عضو مميز متقدم
  • *******
  • مشاركة: 13100
  • الجنس: أنثى
  • اردت العيش كما تريد نفسي فعاشت نفسي كما يريد زماني
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • http://www.ankawa.com/forum/index.php/board,53.0.html

مملكة أرمينيا التاريخية استمرارية لمملكة فان أو المعروفة بـ "اورارتو"






وإلى نهاية القرن الثالث عشر ق.م تعود بعض النصوص الآشورية التي تطلق على أورارتو اسم “بلاد نائيري”، أما الأورارتيون فكانوا يطلقون على أنفسهم أيضاً اسم “بياني”، وهو اسم مرادف لبحيرة فان.

وقد مد الملكان الآشوريان توكولتي نينورتا الأول (1243-1207ق.م) وتغلات فلاصر الأول (1112-1074ق.م) سيطرتهما على مملكة أورارتو، وخاصة بعد انهيار الامبراطورية الحثية في بداية القرن الثاني عشر ق.م…

في مطلع القرن التاسع ق.م سجلت مملكة أورارتو تنامياً في قوتها، فاصطدمت من جديد مع الآشوريين، وكان ذلك في عهد الملك الآشوري آشور ناصر بال الثاني (884-859ق.م)، الذي سيّر حملة وصلت إلى بحيرة أورميا في أرمينيا، فأعلن أنه أخضع 250 مدينة نائيرية…وفي عهد الملك شلمنصر الثالث (858-824ق.م) تذكر النصوص الآشورية أن هذا الملك دمّرالمدن الأورارتية – ومنها العاصمة أرزاسكو- وأسر ملكها الأول “آرامو” أو “آرامه” (880-844ق.م)…وبعد سنوات قام شلمنصر الثالث بمهاجمة أورارتو ثانيةً وذلك في عهد ملكها الثاني سردوري الأول، فدمّر عاصمتها الجديدة توشبا الواقعة على الضفة الشرقية من بحيرة فان.


وفي عهد الملك الأورارتي أرغيشتي الأول (785-753ق.م) قام الجيش الأورارتي بمهاجمة مملكة آشور وأسر عدد كبير من الآشوريين (حوالي 20000)…أما في عهد الملك الأورارتي سردوري الثاني (753-735ق.م) فقد جرت معركة سنة 743ق.م بين الآشوريين والأورارتيين في شمال سوريا، حاصر فيها الملك الآشوري تغلات فلاصر الثالث (745-727ق.م) مدينة أرباد القريبة من حلب، والتي كانت متحالفة مع الأورارتيين، فسقطت المدينة، ثم تابع الزحف بعد سنوات إلى أورارتو وحاصر العاصمة توشبا عام 735ق.م، دون أن يتمكن من اقتحامها…

في عام 714ق.م تجددت الهجمات على أورارتو في عهد الملك الآشوري سرجون الثاني (722-705ق.م)… ومنذ ذلك التاريخ بدأت تجتاح أورارتو قبائل السيمريين والسكثيين من البحر الأسود ومناطق باكو، فتم احتلال أورارتو عام 652ق.م، وفي عام 612ق.م تمت هزيمة هذه القبائل على يد التحالف الميدي البابلي الأورارتي الذي أسهم أولاً في القضاء على الامبراطورية الآشورية، ثم القضاء على المملكة الأورارتية من قبل الميديين والفرس، لتدخل أورارتو تحت حكم الفرس الاخمينيين بدءاً من عام 550ق.م، وهو تاريخ بدء تشكل الدولة الأرمنية باسمها الجديد…

ويجدر بالذكر أن مملكة أوراتو وخلال ثلاثة قرون تبدأ بالقرن التاسع ق.م، كانت قد سيطرت على مناطق واسعة في الشرق القديم امتدت غرباً حتى الفرات وشرقاً حتى بحيرة أورميا وشمالاً حتى القوقاز، وشمال سوريا جنوباً…وذلك بالرغم من حالة الحرب المسجلة بينها وبين الامبراطورية الآشورية. إن حالة الحرب هذه لا تعكس عداء قومياً بين الأرمن الأورارتيين والآشوريين، فتاريخ الآشوريين كان قد وصلنا عبر كم هائل من أخبار الحملات العسكرية التي تنطوي أولاً على التباهي والتفاخر والمبالغة في الحديث عن إخضاع الدول المستهدفة، فنرى في نصوص الحملات حديثاً مثيراً عن تدمير مئات المدن وإحراقها، ودك الحصون والمعاقل، وفرار الملوك إلى قمم الجبال وإغراق أفراد الجيش المهزوم في البحار والأنهار وبرك الدم، وأسر الآلاف منهم… ولكن من جانب آخر، نرى أن الحياة تستمر بعد ذلك في الدول المستهدفة، وكأن شيئاً لم يكن، مما يشير إلى أن طابع الخشونة العسكرية الآشورية إنما هو أسلوب أدبي أكثر من كونه حقيقياً على أرض الواقع.. وهذا الأسلوب استعاره الملك الأرمني الأورارتي أرغيشتي الأول حين تحدث عن غزوه لآشور وأسر عشرين ألف آشوري، وكأن الموضوع هو حرب نفسية إعلامية…من ناحية أخرى كانت هناك لغة عتاب بين الطرفين تنفي تماماً وجود حالة عداء قومي، ونلمس ذلك من رسالة أحد حكام أورارتو إلى الملك الآشوري حيث يقول له بلغة الصداقة:”نحن أصدقاء فكيف تسلب مني قلاعي؟!…وبالمقابل تعرف أنني إذا اجتزت حدودك يوماً فسأعتذر…!”.

إن الحملات الآشورية المذكورة على المملكة الأرمنية الأورارتية، إنما كانت ترافقها حملات على الساحل السوري الكنعاني الفينيقي [نفس الحملة..قسم منها يتجه إلى أورارتو، وقسم إلى الساحل السوري]، ونرى في أخبار تلك الحملات نفس الأسلوب من الخشونة في الوصف، وبالمقابل فإن حالة السلم على الأرض كانت أوضح [على سبيل المثال كانت جزيرة أرواد هدفاً للحملات العسكرية الآشورية في الوقت الذي كان يحضر فيه الملك الآشوري حفلات تتويج ملوكها، وفي الوقت الذي قام فيه حرفيون وملاحون أرواديون ببناء أسطول نهري للآشوريين…!…تماماً كما استعان الآشوريون بخبرة الأرمن القدماء في مد قنوات الري في المنطقة.

ونقصد أن نقول إن المنطقة من شواطئ بحر قزوين إلى شواطئ المتوسط مروراً ببحيرة فان وآشور وبابل وسوريا كلها كانت منطقة حضارية واحدة، قامت دولة آشور فيها بدور الحارس القوي في الألف الأول ق.م، وإذا بحثنا عن الدور الفعال الحقيقي للآشوريين في المنطقة فهو الحفاظ على وحدتها الحضارية، من خلال نقل بعض القبائل الغريبة عن المنطقة إلى ما وراء بحار العالم القديم.

وحالة الحرب المبالغ فيها بين الطرفين الآشوري والأرمني كانت تقابلها حالة سلم وتأثير حضاري متبادل واضح على الأرض، مثلاً مشاريع الري الأرمنية التي أدهشت الآشوريين فباتت جزءاً من مكونات الأساطير المتعلقة بهم، كأسطورة الملكة الآشورية سميراميس…ومن ملوك الآشوريين الذين استفادوا من خبرة الأرمن الأورارتيين في مد قنوات الري وشبكاته، الملك سنحريب (705-681ق.م) ففي عهده استُجرت المياه من جبال تاص الأورارتية إلى مدينة نينوى عبر قناة طولها 60كم، وذلك بحماية آلهة الخصب…وما يجدر ذكره أن الباحثين لا يميزون بسهولة بين ما هو آشوري في أرمينيا وما هو أرمني في آشور من الآثار المتبقية كالمنحوتات المختلفة والنصب والمسلات، وخاصة تلك التي تملأ المنطقة الواقعة بين أرمينيا وآشور، وتحديداً بين شواطئ بحيرة فان ومدينة نينوى…

ونختم بالحديث عن أرمينيا في القرون الستة الأخيرة التي سبقت ميلاد السيد المسيح وذلك من خلال استعراض موجز نركز فيه على حكم الملك ديكران الثاني الكبير (94-55ق.م) الذي لقب بملك آسيا لعظيم، والذي وحّد أرمينيا الكبرى، وأسس امبراطورية مترامية الأطراف بلغت مساحتها 700000كم مربع (من بحر قزوين شرقاً إلى البحر المتوسط غرباً، ومن القفقاس شمالاً إلى كيليكيا ثم فلسطين جنوباً مروراً بالمدن الفينيقية كصور وصيدا)…وبذلك يكون الملك ديكران الثاني قد حقق معادلة الأنهار النابعة من قلب أرمينيا والواصلة بينها وبين أهم مناطق الشرق القديم.

لكن عوامل الضعف دبت في أرمينيا في عهود خلفاء ديكران الثاني، وآل الموقف لروما التي فرضت على أرمينيا حكاماً أجانب بدءاً من مطلع القرن الأول ق.م.

وهكذا انتهى مشروع ديكران الثاني الذي استمر قرابة ربع قرن في الشرق القديم، بعد أن سلط الأضواء على الوحدة الحضارية الحقيقية بين أبناء الشرق، وأثبت ارتباط الحضارة الأرمنية بتاريخ الشرق القديم منذ عصور ما قبل التاريخ، وما يميز أرمينيا عبر تاريخ الشرق –وعلى اختلاف تسمياتها عبر العصور- هو حضورها المتميز وبدون انقطاع في كل المراحل التي شهدت ولادات الشرق القديم ومخاضاته، وفي النهاية يجب أن نحث على العمل من أجل تاريخ موحد لأرمينيا، يضم إليه شتات الجغرافيا قبل معطيات التاريخ.

الدكتور ابراهيم خلايلي
باحث مختص بتاريخ الشرق القديم وآثاره،
مدير متحف دمشق التاريخي حالياً
موقع ازتاك العربي للشؤون الارمنية .



http://www.ankawa.org/vshare/view/10418/god-bless

ما دام هناك في السماء من يحميني ليس هنا في الارض من يكسرني
ربي لا ادري ما تحمله لي الايام لكن ثقتي بانك معي تكفيني
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,603190.0.html
ايميل ادارة منتدى الهجرةsound@ankawa.com