المحرر موضوع: لا يستفيد من الفوضى في لبنان سوى حزب الله  (زيارة 886 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31448
    • مشاهدة الملف الشخصي
لا يستفيد من الفوضى في لبنان سوى حزب الله
غيروا التحالفات في لبنان تتغير الحكومات.
ميدل ايست أونلاين/ عنكاوا كوم

الفوضى متروكة للمعسكر الآخر
إذا كان إسقاط الحكومة اللبنانية جزءا من مشروع معارضة، فجريمة أن تبقى هكذا حكومة يوما إضافيا، أما إذا كان إسقاطها بديلا عن إسقاط غيرها، فرحيلها، وحدها، جريمة أكبر. لماذا؟ لأن البديل هو حكومة أخرى من المواد نفسها، أو فراغ حكومي يمتد إلى سائر المؤسسات الدستورية. وفي الحالتين ستسود الفوضى، وتفقد السلطة السيطرة على الأوضاع المالية والأمنية، وستتحول انتفاضة مدنية لشعب جائع فتنة طائفية ومذهبية.

صحيح أننا نمر في حال قلما عرفها لبنان في تاريخه الحديث، فالعهد القوي يفرز أزمة قوية. الدنيا مقامات. لكننا لا نعرف بالضبط ما هو حجم الفعلي من المفتعل في الأزمة المالية. ومن دون أن نكون خبراء اقتصاديين، واضح أن هناك طابورا خامسا في أزمتنا المالية على غرار الطابور الخامس الذي كان، أثناء الحرب، يدب الذعر بين الناس ويشعل الجبهات العسكرية كلما لاح حل أو تسوية أو اتفاق وقف إطلاق نار. فنشر الهلع، قصدا، هو أخطر من الأزمة المالية بحد ذاتها. وفي مثل هذه الحالات، أتحفظ عن تحرك أجهل (أو أعلم جيدا) من يقف وراءه، وما هويته ومداه وهدفه. في هذه الحالات لا أكون معارضا أو مواليا، بل وطنيا فقط. وطلائع التظاهرات المخروقة، أمس، والتي حاولت إلهاء الجيش عن دوره العتيد، تكفي لليقظة.

في المعادلة القائمة، لا "يستفيد" من الفوضى سوى "حزب الله" بحكم تنظيمه وجهوزيته وسلاحه وامتداده، لاسيما أن حلفاءه من خارج الحدود صادقون معه أكثر من صدق حلفاء القوى اللبنانية الأخرى (هذا إذا وجدوا). فالقوى المسيحية والسنية والدرزية منقسمة، بعضها على البعض الآخر. وفي حال نزولها إلى الشارع ستصطدم في ما بينها، قبل اصطدامها بالآخرين: المسيحيون يستقرضون فصلا من اقتتال 1990، والدروز يطبعون نسخا عن قبرشمون، والسنة يستعيدون 7 أيار بيروتي مرفد بجبهات طرابلسية. أما الجيش، الذي يتطلع إليه الشعب منقذا احتياطيا، ومانعا أي طرف من التوسع جغرافيا على حساب طرف آخر، فسيكون مربكا بسبب تعدد بيئته رغم أن الرهان الدولي عليه يتأكد تدريجا.

أخطر ما يتعرض له لبنان حاليا هو محاولة ضمه - مع مفعول رجعي - إلى ما كان يسمى "الربيع العربي" الذي عزز الديكتاتوريات، وأذبل براعم الديمقراطية، وعمم الفوضى، ونشر التطرف الإسلامي، وكسف الاستقامة الدينية. انزلاق لبنان في هذا المنحى الأمني سيؤدي إلى إفلاس البلاد. وإفلاس البلاد سيودي بوحدة الدولة. فلبنان ليس الأرجنتين ولا اليونان. هناك لا تشكيك بالوطن ولا مشاريع دويلات نائمة. أما هنا، فأكثر من مكون يتلهف إلى الساعة التي يستطيع فيها التملص من المواثيق الوطنية وتغيير هوية الوطن والنظام والمجتمع. ومنذ سنة، بدأت الأحزاب الأساسية بوضع خطط تحركها في حال وقعت الكارثة.

نحن بحاجة إلى تغيير هذه الحكومة، بل إلى تغيير نمط الحكم بأسره على أساس مشروع معارضة متكامل ينقل البلاد من الفوضى إلى النظام، ومن التقهقر إلى النهضة، ومن الضياع إلى اليقظة، ومن الانحياز إلى الحياد، ومن العداء مع المجتمع الدولي إلى التعاون الجدي معه، ومن الانقياد إلى القيادة، ومن التبعية إلى الولاء الوطني، ومن الفساد إلى النزاهة، ومن الارتجال إلى التخطيط، ومن الأنانية إلى المسؤولية، ومن اللامبالاة إلى الضمير الحي.

لكن، أين المعارضة وأين المعارضون؟ أين الجبهة المتحالفة وأين مشروعها البديل؟ أين القادة الذين بعد يحوزون على ثقة الناس ليلبي الناس نداءهم ويسيروا وراءهم من دون أن يصدموا، مرة أخرى، بتجيير نضالاتهم وانتفاضاتهم وتضحياتهم وشهدائهم؟ وأساسا إن سبب مصائبنا يعود إلى الانحراف السياسي والتحالف المخالف الطبيعة الوطنية، وإلى خروج قيادات عن ثوابتها ومبادئها منذ تسعينات القرن الماضي وصولا إلى "تسوية" 2016.

يبدأ التغيير المفيد بإسقاط التحالفات قبل إسقاط الحكومات، لأن هذه التحالفات أوصلتنا إلى هذه الحكومات وهذا الحكم وهذا الوضع. ويبدأ التغيير المفيد حين ينشأ تحالف متجانس على أساس مشروع واضح وجريء يحدد "أي لبنان نريد" من دون عقدة ومن دون خشية تهويل أو تهديد. حين كنا نهدد كان الآخرون يهدهدون. ويبدأ التغيير بالاستعداد النفسي، قبل السياسي، للذهاب حتى النهاية في مشروع التغيير مهما كلف من تضحيات ومهما استغرق من وقت، ومهما احتاج إلى شوارع. ويبدأ التغيير حين يكون هدف المعارضة بناء دولة حرة وسيدة وثابتة لا بلوغ مناصب عابرة.

إن أي تغيير دون هذا السقف الوطني لا قيمة له في مسار الأزمة الكبرى التي نجتازها. والمشكلة أن غالبية القيادات اللبنانية هي دون هذا السقف، وإلا لما كنا بلغنا هذه الأزمة. والمشكلة أيضا أن غالبية الشعب اللبناني لا تثق بالطبقة السياسية وبقدرتها على قيادة مشروع التغيير المفيد. لقد لدغ الشعب مرات من هذه الطبقة ومرات غفر لها، حتى فقد منها الأمل وسحب منها الوكالة. مجموع الطبقة السياسية يمثل، اليوم، أقلية الشعب اللبناني. خسرت القوى السياسية عموما بيئاتها الحاضنة واقتصر تأييدها على حلقة الملتزمين.

نعيش واقعا معقدا: الأزمة كبيرة وفرص حلها ضيقة. الطبقة السياسية، صانعة الأزمات، لا تقدم على الحل، ولا تدع الآخرين يقدمون. لذا، لا قيمة لأي تحرك في الشارع ما لم يشكل ضغطا للقبول بحل من خارج المألوف. إن الديمقراطية جميلة لكن ديمومة الوطن أجمل. ومن أجل الوطن، كلنا شرف، تضحية ووفاء.