البطريرك ساكو يقحم نفسه في مزاريب الدهاء والنفاق السياسي في العراق ويتدخل فيما لا يعنيه ويلجأ الى الغش والخداع لتبرير سقوطه وفشله كسياسي ورجل دين أيضا
أوقع البطريرك ساكو نفسه في دهاليز النفاق والغش الذي يرافق أغلب الأنشطة السياسية وغيرها في العراق حاليا، وبدلا من ان ينقذ نفسه، يلجأ الى ممارسة الغش والخداع كي يظهر أنه السياسي المحنك الذي لا يشق غبار له وأيضا رجل الدين الذي لا يضاهيه أحد في علمه وأن ما يأتي به هو الصحيح فحسب ومنتقديه ليسوا إلا جهلة.
وفي هذا السياق أتت زيارته الى ساحة التحرير ليصور نفسه أنه جزء من "الانتفاضة" وأن له تأثير على الرأي العام العراقي مثل قائد أي حزب طائفي (كل الأحزاب العراقية طائفية والمنطقة برمتها تحترق في أتون الطائفية) او داعية له ملايين الأتباع او موظف علاقات عامة ما يكتبه من بيانات او بلاغات يتربع على الصفحات الأولى في الصحف ويحتل الصدارة في نشرات الأخبار.
وفي نفس الإطار والسياق أتت زيارته الى المستشفى التي صورها مع زيارة ساحة التحرير وكأنهما فتح من الفتوحات ولكن إن حللنا الوضع تحليلا علميا ومنطقيا لنرى أنه زاد من طينه بلة وأوقع نفسه وشعبه المسكين، الغلبان والمغلوب على أمره، في الحفرة العميقة التي حفرها لنفسه وبيده.
تحليل الحدث وسياقهأي قراءة متأنية للمظاهرات في العراق تظهر أنها في الأساس مسألة شيعية-شيعية. أحد أطرافها البارزين هو مقتدى الصدر من جهة وأغلب الأحزاب الشيعية الباقية من جهة أخرى.
هذه ليست انتفاضة عراقية شاملة. إنها انتفاضة للصدر وأتباعه. وسأبين ذلك لاحقا.
وكم كان السنة من العرب والأكراد حكماء هذه المرة وجنبوا أنفسهم ومناطقهم الدخول في معمعة هذا الصراع المقيت والمخيف حتى الآن الذي إن فلت من عقاله سيأتي على الأخضر واليابس. ربما لأول مرة يلعب السنة الكرة بذكاء وحكمة وفطنة بعد انتكاسات متتالية منذ عام 2003 ، حيث بقوا على الحياد هذه المرة، ولكنهم وبواسطة أخرين، كما سنرى، يذكون نار هذا الصراع كي يلتهب ويحرق اعدائهم من الشيعة.
من هو مقتدى الصدر؟مقتدى الصدر ليس سياسيا محنكا. إنه يعيش على إرث أبيه المرجع الشيعي الكبير في حينه محمد محمد صادق الصدر الذي أعدمه صدام حسين في عام 1999.
وكان لوالده أتباع كثر الى درجة أن هبت "مدينة صدام" في حينه و"مدينة الصدر" حاليا في انتفاضة عارمة سرعان ما وأدها في مهدها صدام حسين مستخدما الرشاشات والمدافع وقتل عددا كبير من المتظاهرين.
وبعد سقوط صدام حسين، ظهر الصدر كأكبر قوة سياسية وعسكرية شيعية، ولكنه رغم العدد الهائل لأتباعه وحصوله على أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات، بقي شخصية هامشية ضمن المرجعية الشيعية، لأن لم يصل او لم يسمح له الوصول الى مرحلة الاجتهاد التي تخوله التصدي للفتاوي والمواقف التي تصدرها المرجعيات الشيعية في النجف او قم او يصبح هو مرجعا لأتباعه. بمعنى أخر، حتى الآن لم يرتق الى مكانة أبيه وهي درجة آية الله.
وحاول كثيرا الحصول على درجة الاجتهاد ولكن في كل مرة كان يرد على أعقابه. وأخر مرة كانت قبل عدة أسابيع في إيران حيث شد الرحال الى قم وطهران وظهر في لقطات وهو يقف بشكل ذليل وخنوع وخشوع أمام المرشد الأعلى خامنئي كي يفتح له باب الاجتهاد.
لم يحصل على مراده. إن حصل الصدر على المرجعية لكان ذلك ضربة قاضية للحوزة ومرجعيتها إن أخذنا عدد اتباعه في العراق بعين الاعتبار.
الذي يقف وراء المظاهرات الحالية في المناطق الشيعية هو الصدر وجماعته في معركة كسر العظم مع الجماعات الشيعية الأخرى وسلطة المرجعية في النجف وقم. وهكذا انحصرت المظاهرات حتى الآن في المناطق الشيعية فحسب ولكن بمرور الزمن دخلتها فئات صغيرة أخرى لأغراض مختلفة.
مزيدا من السياق والقراءة المتأنيةودخل السنة في دول الخليج على الخط بمالهم الوفير وإعلامهم، لأن تحدي الصدر للمرجعية في النجف وقم قد يشفي غليلهم للانتقام من إيران. وانهمر المال والدعم المعنوي والإعلامي للمتظاهرين او المنتفضين وغيرهم من الذين ركبوا الموجة كي يستمروا في زخم التظاهر ذاته ويعززونه لتقويض موقف الشيعة الأخرين ومعهم موقف إيران، وينسون او يتناسون أن لإيران هالة كبيرة لدى الصدر لا أظن في امكانه الخروج من إطارها في نهاية المطاف.
وهكذا شد الصدر الرحال الى طهران مرة أخرى بعد أن غادرها خالي الوفاض قبل بضعة أسابيع وهو الآن (عند كتابة هذه السطور) يلتقي ما يجب عليه عمله من اللواء قاسم سليماني قائد فرقة القدس للحرس الثوري الإيراني.
كما قلت، السنة في العراق، من الكرد والعرب، ظلوا على الحياد وحسنا فعلوا ولسان حالهم يقول: "نارهم وحطبهم وبأسهم بينهم شديد."
أظن لأول مرة منذ الغزو الأمريكي للعراق السنة من العرب والكرد يلعبون الكرة في ساحة الشيعة بذكاء وفطنة.
البطريرك ساكو يقحم نفسه فيما لا يعنيهتدخل البطريرك ساكو ومعه بعض أركان مؤسسة الكنسية الكلدانية في هذا المزراب الوسخ والمنافق للواقع السياسي المرعب في العراق ضرب من الجنون او ضرب من جنون العظمة والنرجسية الفائقة وبرهان على أن البطريرك ساكو يعيش في حالة نكران شديدة، وهذا مرض نفسي خطير لا بد وأن يؤدي في صاحبه في نهاية المطاف الى التهلكة.
ووصل الأمر الى الاحتفاء من قبل من هم بدرجة الاسقف بالمظاهرات التي يؤججها الصدر وجماعته وهم كثر ووصل الى درجة الرقص أمام مذبح الكنيسة المقدس (المذبح يحوي الذبيحة الإلهية أي حسب المعتقد المسيحي فإن المسيح روحا وجسدا ودما متواجد في المذبح.) وهناك فيديو يتم تداوله على نطاق واسع يظهر الأسقف وهو يرقص امام المذبح على أنغام أناشيد عربية علمانية عراقية في الأحد الأول من زمن تقديس البيعة.
هذه من الثمار الحميدة التي يهديها البطريرك ساكو للكلدان في الأحد الأول لتقديس البيعة، بدلا من أن يحث المؤمنين من الكلدان من أتباعه على إنشاد التراتيل الكلدانية الرائعة والتي لا مثيل لها في هذا الأحد وممارسة ما يمكن ممارسته من تراث وطقس وتقاليد وتراث اجداده في هذه المناسبة المقدسة التي تنضح حبا بالمسيح وإنجيله وتحضّرنا لمقدم زمن البشارة، يحث أتباعه وإكليروسه من خلال نشاطات سياسية غايتها التهريج على الرقص في الكنيسة وأمام المذبح على أنغام أناشيد عربية علمانية، وينفذون الأمر ويتباهى بهذا العمل أمام الأخرين.
أربأ بنفسي أن أضع رابطا لهذا الفيديو السمج الذي يشبه ما يفرضه علينا البطريرك ساكو من نصوص معربة هجينة سمجة كصلوات ملغيا تراثنا ولغتنا وريازتنا وفنوننا وطقسنا الكلداني المجيد.
ماذا يجري في أزقة مؤسسة الكنيسة الكلدانية بحق السماء في العهد الساكوي العتيد هذا، والله لست أدري ولكن إن لم يتم تدارك الوضع، فإن التبعات ستكون من الخطورة في مكان.
وللعلم، فإن البطريرك ساكو وبعض رجال الدين الى درجة الأسقف محسوبون في العراق على التيار الشيعي، وعلى الخصوص حركة بدر الشيعية التي هي في صراع مرير وأحيانا دموي مع حركة الصدر، وكلنا نتذكر الراية الحسينية التي كانت ترفرف على قبة إحدى الكنائس الكلدانية في بغداد.
ومزيدا من السياقوالذي لا يعرف مقتدى الصدر، فإنه شخصية زئبقية يتحول من فكر الى أخر وموقف الى أخر بسرعة ومستعد ان يرمي نفسه في أحضان أي كان للوصول الى مراده حتى وإن كان بالنسبة إليه عدوا لدودا. وهذا ليس غربيا على السياسة والأحزاب الطائفية في العراق وجري السياسيين وراء المصالح بصورة عامة.
وكان قبل فترة في السعودية ودول خليجية أخرى حيث أستقبله الملوك والأمراء استقبال الأبطال الميامين.
والكل يتذكر وحسب التقارير الأمريكية أن أغلب فرق الموت التي كانت ترعب أهل بغداد كان يقودها جماعة الصدر، وأن المئات من الأمريكيين الذين قتلوا في جنوب العراق قتلتهم ميليشياته التي لا ترحم – شأنها شأن الميليشيات الأخرى في العراق سنية كانت أم شيعية أم كردية.
تحزب وغرق في أتون الطائفيةوأظن أن أي قارئ ذي بصيرة، ومتابع سيعرف في أي جانب يقف البطريرك السياسي ساكو بقدر تعلق الأمر بالسياج الطائفي اللعين للوضع السياسي في العراق. البطريرك ساكو معروف في الأوساط السياسية العراقية والشيعية منها على وجه الخصوص أن ميوله السياسية تنحو صوب جماعة أو منظمة شيعية محددة من الشيعة وهي منظمة بدر.
لماذا هذه الجماعة بالذات؟ لأن كلنا نتذكر كيف كان البطريرك يطبل للمشروع السياسي الذي اعدته هذه الجماعة وقيادتها في إعلامه. واللبيب في إمكانه أن يسترجع في ذهنه تلك اللحظات الساكوية الدونكيشوتية.
فقط اسأل، هل البطريرك رجل دين أم رجل سياسة؟ الجواب واضح. لقد غادر البطريرك ساكو واجباته الدينية والمسؤوليات الدينية والأخلاقية والثقافية والطقسية والروحية الملقاة على عاتقه ورمى كل إرث اجداده وطقوسهم وتراثهم وثقافتهم وحوذرتهم المقدسة التي أصبحت شيئا منسيا في سنيه العجاف تحت قدميه وركب الموج السياسي وصار يغرق فيه.
غش وخداعووصلت حالة الإنكار الشديدة التي يمر بها – لأنه لا يحاول أن يقرأ الكتابة على الحائط – الى الاعتقاد أن في إمكانه الضحك على ذقوننا وخداعنا وغشنا في بلاغاته وبياناته التي لا تنتهي.
وأخر خداع وخش استخدمه كان ادعاؤه أنه ألغى لقاء أعد له سلفا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كي يتفرغ للتطورات السياسية في العراق؟ خش وخداع أخر، وإن لم يكن فلينشر الدعوة الرسمية التي وجهتها له الرئاسة الروسية لمقابلة بوتين.
ويستمر مسلسل الغش والخداع لتمرير سياسته المدمرة والهدامة للتراث واللغة والطقس الكلداني. فيدعي، من خلال حملة غش وخداع أخرى واضحة في أخر رسالة له أن تلاعبه ورميه الطقس واللغة والتراث الكلداني تحت قدميه يأتي حسب مقررات المجمع الفاتيكاني الثاني وما تطلبه منه روما.
أخاطبكم أيها الكلدان وأقول لا تصدقوا هذه الهراء، لأن المجمع الفاتيكاني له مقررات خاصة بالكناس الكاثوليكية الشرقية ومنها الكنسية الكلدانية وهي النافذة يدعوها لا بل يأمرها كما في قراراته ودساتيره عدم التلاعب بالتراث او تغييره بل تطويره من خلا الحفاظ على روائعه وجواهره وأن يكون أي تغيير لا يحدث الا من خلال تطور الطقس (الكلداني) العضوي والذاتي للطقس نفسه:
"تدعو الكنيسة الشّرقيّين جميعهم بإلحاح، إلى المحافظة الدّائمة على طقوسهم الليتورجيّة الشّرعيّة بكلّ أمانة، وألاّ يُدخلوا عليها أيّة تغييرات إلاّ بسبب تقدّمهم الذّاتي والعضويّ؛ بل عليهم أن يبحروا في معرفتها بطريقة أفضل، وأن يمارسوها ممارسة أكمل. وإذا ما أبعدوا عنها إضطرارياً، بحكم ظروف الزّمان والأشخاص، فليهمّوا بالرّجوع إليها، لأنّ لكلّ شعب تعبيره الإيمانيّ الخاصّ، المرتبط بثقافته وذهنيّته وبيئته . (A.A.S., 57 (1965) 78) (CO 6)"
فعلى من تقرأ مزاميرك، يا غبطة البطريرك الكلداني الذي صار عدوا للغة والتراث والثقافة الكلدانية ومعها الطقس الكلداني؟
تسفيه معارضيه من الكلدان وهم كثرهناك إصرار وتصميم متعمد من قبل البطريرك ساكو لهدم الصرح الثقافي الكلداني المتمثل باللغة والطقس والتراث بحجج واهية غير منطقية لا تنطلي على أحد فكيف تنطلي عليكم أيها الكلدان ويحاول الغطاء على العداء هذا بإقحام نفسه في مزاريب السياسة العراقية التي لا تنضح إلا بالنفاق والكذب والغش والخداع على الشعب العراقي المسكين والمغلوب على أمره وتدميره كوطن.
ولن ينفع معه مهما قدمنا من أدلة وبراهين علمية منطقية وكنسية أنه يوقع بنفسه وشعبه وكنيسته في هاوية بعد تقمصه شخصية داعية في السياسة والعلاقات العامة. لن يسمع ولن يحاور منتقديه من الكلدان ولكنه يحاور أي كان ولكن ليس معارضيه من الكلدان.
على الكلدان يفرض نفسه ووجهات نظره ومواقفه العقيمة مثل التي في أعلاه وغيرها التي تعادي كل ما هو كلداني لغة وترثا وطقسا ويمارس السياسة من أوسع أبوابها ويخفق ويغرق فيها ومعه شعبه. مع الأخرين يحمل المال والمال والمواد والله يعلم قيمتها ويوزعها في الساحات لتمجيد النفس ولكن لا يكترث للكلدان الذين يتضورون جوعا في المنافي في الشرق الأوسط.
خطاب هابط أما عن هبوط الخطاب البطريركي، فحدث ولا حرج حيث ترد فيه عبارات ومفردات تصل حد البذاءة منها ما لا أستطيع نقله لأنني أخشى ان يتم حذفه او ربما المقال كله من قبل محررين مدنيين علمانيين.
لا غرو أن يهرب الكلدان المثقفين والمتضلعين باللغة والطقس والتراث والثقافة الكلدانية زرافات وزرافات ويلتحقون بكنائس أخرى او يشكلوا مجموعات على الفضاء الافتراضي لممارسة تراث وطقس ولغة وفنون وثقافة شعبهم وكنيستهم المجيدة التي يهينها البطريرك ساكو ويحتقرها ويلغيها بتوصيفات قبيحة في حقها وحق محبيها وأخرها كان توصيفه المهين وهو "الجوفاء" للطقس الكلداني الذي ألغاه البطريرك ساكو بعد أن أهانه مستخدما عبارات قبيحة في توصيفه وتوصيف محبيه الذين شبههم في أخر منشور له بأصحاب العقلية السلفية.
مع كل هذه الأدلة حول الحرب الهوجاء التي يشنها على اللغة والتراث والطقس الكلداني، يلجأ مرة أخرى الى الغش والخداع في منشور أخر بعنوان "أستيقظ أيها الكلداني"، حيث يقول: "مُولب ومَلِب لشانا ديمّوخ تا دلا تالِق شمّوخ = تعَلّم وعَلّم لغة الأم حتى لا يضيع اسمك."
ما هذا بحق السماء؟ من ناحية تدمر اللغة والطقس وتهينها وتكتب من عندك وبعربية ركيكة مليئة بالأخطاء مؤلفا نصوص سمجة لا تستحق القراءة في صف لمحو الأمية كي تحل محل النصوص الربانية التي لدينا وتترجم الى العربية أناشيد هي جزء حيوي وجوهري من هويتنا بطريقة سمجة أيضا وتفرضها علينا في الكنائس، ومن ثم تقول: "مُولب ومَلِب لشانا ديمّوخ تا دلا تالِق شمّوخ = تعَلّم وعَلّم لغة الأم حتى لا يضيع اسمك."
سؤالي الأخير، متى يستيقظ الكلدان من سباتهم ويضعوا حدا لحملة الغش والخداع هذه التي طال آمادها. والله، إن لم ننهض ونضع حدا لهذه العهد الأعجف، فنحن زائلون ومنقرضون لا محالة، هذا إن كانت السنين العجاف الأخيرة أبقت لنا شيئا من هويتنا وتراثنا وطقوسنا ولغتنا.
والأنكى، فإن العهد الأعجف هذا أدخلنا في مزاريب السياسة العراقية الوسخة التي فيها من النفاق والكذب والغش والخداع ما لم ينزل الله به من سلطان وأسقطنا معه في هذه المزاريب المظلمة التي يبدو ان لا مخرج منها إن لم نتحرك لإنقاذ أنفسنا.