المحرر موضوع: مأزق الهوية الوطنية العراقية والعراق  (زيارة 1479 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل تيري بطرس

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1326
  • الجنس: ذكر
  • الضربة التي لا تقتلك تقويك
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
مأزق الهوية الوطنية العراقية والعراق
 
 
تيري بطرس
الكثيرين ينطلقون وبلا اي تساؤل ، من اعتقاد يعتقدونه راسخا،  بان العراقيين يمتلكون هوية وطنية، اي انه من المفترض ان الوطن صهرهم في حالة موحدة بحيث صارت تطلعاتهم الجمعية متقاربة او لنقل متوحدة. وحتى بافتراض ان الهوية الوطنية تتضمن هويات ثانوية (دينية، قومية، مذهبية، مناطقية، جنسية) سيبقى امامنا سؤال حقيقي هو مدى امكانية الهوية الوطنية لجعل كل هذه المكونات تتوحد خلف اهداف مشتركة تجعل من الممكن التعايش وخلق تطلعات مشتركة والعمل في اطارها.
فالعراق الذي لم يكن موجودا، قبل عام 1921 كبلد، وظهر نتيجة ارادة المستعمر، وليس نتيجة ارادة أبناءه،بمعنى اخر انه لم تكن للرادة الحقة دور في خلق وتكوين العراق كبلد.  وهذا يبين كم انه من المستحيل بناء هوية وطنية خلال قرن واحد من زمان، بما تخلله من الحكومات الدكتاتورية، ومذابح بحق مكونات معينة، واضطهادات طالت أفكار وتوجهات محددة. ولو مررنا سريعا على بداية العراق الذي استقال رسميا في 3 تشرين الأول عام 1932، فأننا سنجد انه خلال اقل من عشرون سنة حدثت فيه مذبحة الاشوريين في أب 1933، ومذبحة ضد الازيدية عام 1935، والفرود ضد اليهود عام 1941، وقمع الحركات والتطعلات الكوردية وخاصة الحركة التي قادها مصطفى بارزاني عام 1945 . ونحن هنا لم نبحث في ذاكرة اقليات او مكونات عراقية اخرى مثل الصابئة والكاكائية والزنوج.
 العراق الذي كان يقول في قانونه الاساسي، ان كل من حمل الجنسية العثمانية وتواجد في 6 اب 1924 في العراق يعتبر عراقيا. الا انه سمح لاعلامه بان يجرد مواطنيه من جنسيتهم ولو اعلاميا، ويشهر بهم، رغم انهم من دافع عن حدوده حينما كان جيشه ضعيفا، وسمح لنفسه اقتراف مذابح بحق مواطنيه لمجرد رفع مطالب سياسية محقة، مثل الازيدية والاشوريين واليهود، لا بل جرد اغلب يهوده والكثير من اشوريه وخاصة قياداته الدينية والقومية من جنسياتهم. فهل تسمح مثل هذه الممارسات للقول بان العراق كان يمتلك حقا هوية وطنية؟؟؟؟؟؟
كيف لنا ان نقول بالهوية الوطنية، ولم يتحرك ساكنا احد عن كل ما حدث اعلاه،  بل لقد تركوا لمصيرهم ولمأسيهم، كيف نقول بالهوية الوطنية، ومئات الالاف من الاسر تركت اراضيها وقراها، بعد ان تم حرقها من قبل القوات المساندة للحكومة العراقية خلال فترة 1961 الى 1972 وليس هذا بل تركت لمصيرها فقط ولم تهتم بهم لا جماهير وطنية ولا حكومة وطنية. علما بان بعضها في زمن حكومة عبدالكريم قاسم الموسوم بالوطني. لا بل كيف لحزب وطني يؤسس عصبة لمحاربة الصهيونية وهي حركة قومية تؤطر تطلعات اليهود، ولكنه لم يؤسس عصبة لمحاربة الحركة القومية العربية والكوردية وغيرها، لا بل انه يمكن القول انه كان مدافعا شرسا عن بعض الحركات القومية وشعاراتها مثل الحركة القومية الكوردية والعربية. لا بل كيف  لهذا الحزب ان يشجع اعضاءه من اليهود لاعتناق الاسلام في حلول لا علاقة لها لا بالوطنية ولا بالتقدمية؟ كيف يمكنني القول بالحركة الوطنية العراقية او حتى بالشعور الوطني، وما سمي مثقفيه سكت عن قتل الاشوريين واليهود والازيدين لا بل حتى الكورد، لا بل حتى لم ينظر الى ما يقوله القانون من ان كل من كان في 6 اب 1924 في العراق فهو عراقي. وكل الاشوريين العراقيين، كانوا في العراق في ذلك الوقت. تنقل الدكتور منى ياقو عن عبدالرزاق الحسيني ان السمة المميزة للعراق كانت، هو ان كل اقوامه ودياناته كانت تذوب في بوتقة الوحدة العراقية؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ والذي تقول عنه المؤرخ الكبير، علما انه كان من المطبلين للتيارات العروبية والاسلامية. ولا نعلم كيف كانت اقوامه تذوب قي بوتقة الوحدة العراقية وكل المذابح اعلاه حدثت على اسس قومية ودينية، وكان هو شاهدا عليها ومبررا لها.
كيف يمكن لحركة وطنية، من المفترض ان تكون مكونة من احزاب وحركات وجماهير مثقفين وحركات ادبية وفنية، يجب ان يكون فيها تاثير كل المكونات ظاهرا وملموسا، ان تضمحل وتتحول الى عداء مستحكم، لا يمكن جمعها، وبناء مؤسسات تقوده الوطن وتخرجه من ازمته.
ان هناك من يعتقد او يؤمن بان البوتقة الواحدة هي العروبة، وفي اقليم كوردستان يعتقد البعض ان البوتقة الواحدة هي كردايتي، من غير ان يحسب حساب للاخر ولمشاعره ولحقوقه. في حين ان الوطنية العراقية يجب ان تتمثل  او تحوي تطلعات كل مكوناته في سياساته المختلفة.
فسياسات العراق، كانت شئنا ام ابينا ومنذ تأسيسه لتحقيق مصالح العرب، سواء كان الامر صحيحا بالنتيجة النهائية ام كاذابا، الا ان هذه السياسات تمت تحت شعارات الوحدة العربية. ولم يتم مراعاة مشاعر مكوناته الاخرى في التواصل مع ابناء جلدتها والمشاركة معها في تحقيق ولو تطلعات ثقافية محددة.
يتم رفع شعارات لا اعرف او بالحقيقة لا احد يعرف معناها، لان لها عند كل طرف او حتى شخص مدلول مختلف او مخالف لما يعنيه الاخر، مثل الوطنية، ففي هذه الايام وبمناسبة المظاهرات العارمة التي تجتاح اغلب مدن جنوب العراق، يتم رفع شعار الوطنية وان يكون المسؤولين وطنيين، ولكن من هو الوطني وغير الوطني؟ هل الوطنية هي تعبير عن قبضة من تربة العراق ام عن شئ اخر ايها السادة؟ الوطنية هي خدمة المجموع العام والعمل من اجل تنفيذ سياسية البلد المتفق بشأنها والمتوافقة مع دستوره النافذ والمسن بارادة ابناءه كلهم. وهذا كله غير متوفر في عراق اليوم، فالدستور منحاز الى اطراف معينة واديان محددة، ومكونات تعتبر الاقوى. اما الاخرين فعليهم التسبيح لله واصحاب الشـان لانهم سمحوا لهم بالعيش كخدم لهم.
اذا لكي يكون هناك حكومة وطنية، يجب ان تكون ممثلة لمختلف تطلعات شعبه، لا يمكن مثلا قياس العراق بالمانيا او فرنسا او السويد، فهذه الدول وغيرها حققت نوع من الهوية المشتركة الجامعة، ومن كان فيها من حاملي الهويات الاخرى من مواطنيها، تم منحه حقوقه ودوره للمشاركة في صنع القرار الوطني. وهي خرجت من مرحلة الصراع القومي، وما تتصارع عليه الاطراف يكون في الغالب حول قوانين لا علاقة لها بالهويات القومية او حتى الدينية، فكل انسان فيها يمكن ان يغير دينه او قوميته او ان لا يؤمن بها، بل بالحقوق الفردية ومنها الميزانية وتوزيع الضرائب. وهذا الامر غير متوفر في العراق. ففي العراق قبل سنوات قليلة تم قتل وسبي وفرض دين وتحت راية الله اكبر على ابناء مكونات عراقية، وعندما قيل انها تحت راية الله اكبر غضب البعض، ولا زال البعض او حتى قوى كبيرة تعتقد انه لا يمكن معاقبة حاملي راية الله اكبر، عما اقترفوه لانهم مؤمنون والاخرين كفار، فهل يدرك المتكلمين عن الوطنية البون الشاسع بين الشعار والواقع. ان عملية بناء شعب يؤمن بعراقه وبوطنه، وباخوة ابناءه، تتطلب عملية تربوية سليمة اولها، الغاء تدريس الدين واستبدالة بتدريس الاخلاق، وسن قوانين رادعة وقوية لمن يقترف الاجرام بحق الاخرين وخصوصا لاسباب تتعلق بالهوية الدينية والقومية، وتدريس ما عاناه الاخرين في ظل الحكومات العراقية المختلفة لكي لا يتكرر مرة اخرى. واذا كان المرحوم ماركس قد قال ان الدين افيون الشعوب، فهو لدينا حقا افيون لانه جعل البعض ولمجرد انتماءهم الديني يعتبرون انفسهم في خانة اعلى من الاخرين، متناسين ان الاخرين كانوا ضحايا وتحولوا الى اقليات بفعل فتاوي دينية اباحت قتلهم وابادتهم. العراق لا يحمل هوية وطنية صحيح اننا كلنا نحب التمن واليابسة ولكن هذا ليس بكافي لخلق هوية وطنية.
ܬܝܪܝ ܟܢܘ ܦܛܪܘܤ