لماذا يا غبطة البطريرك ؟
في الآونة الأخيرة دعا غبطة البطريرك لويس ساكو إلى إلغاء الإحتفال بعيد الميلاد المجيد بذريعة المآسي التي يمرّ بها العراق كالمجازر البشعة والإختطافات التي تقترفها الحكومة العراقية والميليشيات التابعة لها بحق المتظاهرين سلميا من أبناء الشعب العراقي الغيارى .
قبل أكثر من ألفي عام بشّر الملاك مريم العذراء قائلا : " ستلدين من روح القدس إبنا ويسمّى عمانوئيل
( الله معنا ) " , فهل توجد مسرّة أعظم من أن يكون الله بمعيتنا ؟ .
العقيدة المسيحية تؤمن بأن الله تجسّد في الإنسان في شخص يسوع المسيح الذي جاء ليقودنا إلى الأب ويصالحنا معه , ثمّ يفدي نفسه لأجل خلاص نفوسنا وغفران خطايانا لنكون مؤهلين لدخول مملكة الرب السماوية .
للمسحيين أعياد أهمها عيد الميلاد العظيم وعيد القيامة الأعظم , وفي الأخير سرّ قوة الإيمان المسيحي . إن ميلاد السيد المسيح هو ولادة البشارة والسلام والتضحية والمحبة والمصالحة , فكيف نرفضها جميعا ؟ , إن بهجة ميلاد المسيح هي فوق كلّ الأحزان والمآسي التي تحاصرنا وتحبطنا , علينا أن نخلع رداء الأشجان ونرتدي الأفراح ونصلّي لأجل شهدائنا - من أيّ دين كانوا - الذين هم الآن يحتفلون في الأعالي بميلاد يسوع الفادي لأن يسوع المسيح هو شهيد مثلهم من أجل الإنسانية , فكيف نحن لا نحتفل وكيف نتجرّأ أن نرفض السلام والمحبة والمصالحة ؟ , ونحن المحتاجون أكثر لفعل ذلك .
إننا برفضنا للإحتفال بميلاد المسيح نسهّل للإرهابيين والمتطرّفين وكلّ قوى الظلام ما يسعون إليه وهو صلب المسيح في مهده وتعتيمه عن الخلق , وأوّد هنا أن أعلمكم بأنني لا أدعو إلى إقامة حفلات الرقص والشرب , إنما أدعو إلى عدم إيقاف الإحتفالات , وشتان ما بين الإثنين , فالإحتفال بعيد الميلاد المجيد هو تقليد قد ورثناه من الآباء القديسين وهو العودة إلى الصلوات والشعائر الدينية وتزيين شجرة الميلاد وزيارة الأقرباء والأصدقاء لتهنئتهم بالعيد السعيد وولادة الأمل فلا نجوز أن نلغيه مهما تباينت الأسباب .
إنّ مآسي العراق لا تتوقف عند حدّ معيّن وهي امتداد للمذابح التي مرّ بها الوطن على مر العصور , ونحن نترحم على أرواح الشهداء , فهل من المعقول أن يرضخ هذا الوطن ونرضخ نحن أمام سيف المذابح ونظهر ضعفنا وقلة إيماننا بالمسيح بإلغاء مظاهر الإحتفال بعيد ميلاده ؟ , لا يجوز أن نترجم مشاعرنا وعواطفنا بصورة خاطئة , علينا أن نتحدّى الظروف القاهرة بنصب وإنارة شجرة الميلاد الخضراء والتي تمثّل المسيح , وبهذا نحن نبعث برسالتنا إلى المتشدّدين والطغاة بأنهم مهما حاولوا قهرنا سنبقى ظافرين في اليسوع الظافر الذي يولد كل عام في قلوبنا ويترعرع في وجداننا لأننا متمسكّون بعقيدتنا طالما ردّدت الملائكة " المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرّة " , فهل تأمر يا غبطة البطريرك الملائكة بعدم ترديد هذه المقولة في هذا العام ؟ .
نينوس نيراري