المحرر موضوع: التعامل العربي مع مخطوطات البحر الميت: التلفيق (2/2)  (زيارة 1045 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عنكاوا دوت كوم

  • مشرف
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 37773
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

التعامل العربي مع مخطوطات البحر الميت: التلفيق (2/2)


عرض لـ"مخطوطات البحر الميت" في متحف الكتاب المقدس في واشنطن


عنكاوا دوت كوم/الحرة/د. عماد بوظو

الأهمية الدينية لمخطوطات البحر الميت تفوق أهميتها السياسية، لأنها تضمنت منظومة من المعتقدات ساهمت في تكوين البنية النفسية والفكرية والثقافية لأغلب سكان العالم، من مسيحيين ومسلمين ويهود وسواهم. فهذه المخطوطات وثّقت التراث اليهودي، وغطّت قرونا طويلة منه كان يعتمد قبلها على النقل الشفهي وهو مصدر غير موثوق أو معتمد في علم التاريخ.

وقبل مكتشفات قمران كان أقدم نص توراة معروف هو النص المازوري الذي يعود إلى عام 916 ميلادي، وقد أكدت مخطوطات البحر الميت التي تعود إلى الفترة بين 150 قبل الميلاد حتى 70 ميلادي على صحّته ودقّته، كما نقلت تاريخ الطوائف اليهودية في ذلك الوقت وخلافاتها والفروق بينها.

كما تضمنت هذه المخطوطات الكثير من النقاط المشتركة مع الديانة المسيحية، حتى أن هناك من قال إن الأسينيين هم الطائفة التي سبقت أو التي تنبّأت أو مهّدت لقدوم المسيح، وأطلق على تفكيرهم اسم الفكر المسيّاني أي المتعلق بالمسيا وانتظاره عند اليهود الأتقياء في الفترة بين العهد القديم والجديد، وقرّبت إلى الأذهان احتمال مجيء المسيح بصورة "معلم بار" مضّطهد من قبل الأشرار وغير مقبول من الكهنة المنافقين لأن الدنيا قد فسدت ولا بد من قدوم المخلّص.

كما أطلقت هذه الطائفة على نفسها اسم العهد الجديد وأبناء النور واستخدمت في كتاباتها عدة عبارات وردت بالأناجيل مثل الحياة الأبدية، نور الحياة، أعمال الله. كما كانت هذه الطائفة من خلال نمط حياتها مصدر إلهام لحياة الرهبنة في الأديرة. كذلك فإن يوحنا المعمدان كان قريبا من برّية اليهودية قرب البحر الميت حيث وجد المغطس والتعميد، ولذلك من الممكن أن يكون القسم المتأخر من الطائفة قد عاصر ظهور المسيح، وبهذا يمكن اعتبار الأسينيين جسرا بين الديانتين اليهودية والمسيحية.

    لجأ بعض الإسلاميين إلى تلفيق قصص وروايات غريبة لنفي صحة هذه المخطوطات

كذلك اشتركت معتقدات هذه الطائفة مع الدين الإسلامي في رفض عبادة الأصنام وفي الكثير من الطقوس والعبادات والوصايا الأخلاقية، وأغلبية أنبياء العهد القديم المذكورين في هذه المخطوطات مع تفاصيل حياتهم هم أيضا أنبياء في القرآن وفي التراث الإسلامي. وتضمنت المخطوطات قصة صعود أخنوخ للسماء بطريقة قريبة من المعراج، وكذلك اشتركت طائفة الأسينيين مع الإسلام في شرط الوضوء قبل الصلاة أو تلاوة الكتاب المقدس أو لمسه.

مصداقية وصحة نقل التراث اليهودي منذ أيام الأسينيين إلى اليوم أدّت إلى الاستقرار الثقافي في فهم أحداث وتاريخ المنطقة، كما أوضحت محتويات المخطوطات القواسم المشتركة الكبيرة بين الديانات الإبراهيمية الثلاث بما يجعل استمرار الصراعات بينها أمرا غير مبرر لأن الخلافات بينها أقل من ثانوية، حتى أن الكاتب والمفكر يوسف زيدان اعتبر أنها دين واحد.

ولكن الفكر المتطرف يصر على تكفير المسيحيين واليهود، ويعتمد في ذلك على الادعاء أن كتبهم المقدسة التي قال القرآن عنها إنها منزلة من عند الله قد جرى تحريفها، ولذلك عندما تؤكد مخطوطات البحر الميت أن العهد القديم في الكتاب المقدس لم يتعرض لتبديل منذ ما قبل عصر المسيح لليوم فهذا يهدد أسس هذا الفكر التكفيري.

لذلك، بينما اكتفى المعترضون على محتويات المخطوطات من منظور قومي بالتشكيك في صحتها، لجأ بعض الإسلاميين إلى تلفيق قصص وروايات غريبة لنفي صحة هذه المخطوطات.

فقد قال موقع "إن الدين عند الله الإسلام" أن سفر أشعيا المكتشف في قمران لا يتطابق مع سفر أشعيا الحالي وادّعى أن العلماء منعوا من مشاهدة نص قمران لمدة 40 سنة ولم يسمح لهم بإجراء المطابقة حتى تم تغيير المكتشفات، وتابع في نفس الخيال: "هناك 500 كتاب اكتشفت في قمران أخفاها الإسرائيليون مثلما فعل الفاتيكان ببعض المخطوطات التي حصل عليها من الجيش الأردني قبل عام 1967!،.. والعجيب أن العلماء الذين استشهد بهم المسيحيون لتأكيد صحة المخطوطات ليسوا سوى أعضاء في حزب التبشير المسيحي، فلا تؤخذ شهادتهم لأنهم طرف في القضية"، وليصل إلى أنه لا يمكن الحديث عن أمانة في نقل الكتاب المقدس.

وقالت الدكتورة زينب عبد العزيز أستاذة الحضارة الفرنسية في جامعة الأزهر: "إن شخصية "سيد العدالة" في المخطوطات تشبه في مسيرتها يسوع الناصري حسب المنظور الإسلامي، ولإخفاء هذه الحقيقة حصلت مساومة كبرى بين الفاتيكان والحركة الصهيونية، حيث قام الفاتيكان بتبرئة اليهود من دم المسيح مقابل إخفاء بعض المخطوطات، لأن التفسير المناسب لحقيقة المخطوطات قد يتسبب في نسف أركان الكنيسة، بأن سيد العدالة بشر وليس ابن الإله وتجسيده".

وقال طارق عبد إسماعيل في دراسة بعنوان "إنجيل قمران: إنجيل النصرانية الأول"، بأن طائفة الأسينيين ربما هي الفئة التي اتبعت رسول الله عيسى بن مريم، والتضييق الذي حصل على نشر المخطوطات كان خشية إظهار التقارب بين رسالة عيسى والإسلام.

كما قال الشيخ عبد المجيد الزنداني أحد كبار مؤسسي حزب الإخوان المسلمين في اليمن: "إن مخطوطات البحر الميت قد تكون تسببت في موت بابا الفاتيكان يوحنا الثالث والعشرين عام 1963 عندما حاول الاعتراف أن هذه المخطوطات قد بينت أن شخصية المسيح الحق هي كما يدين به المسلمون، وأن دين الإسلام هو الدين الحق والمسلمون هم الفرقة الناجية، وحينها اعترض سفير إسرائيل لدى الفاتيكان، وما لبثوا أن رأوا البابا ميتا في فراشه فعاد الفاتيكان إلى سابق عهده في عدائه للحق والإسلام وإخفاء حقيقة المخطوطات"!.

    تثبت المخطوطات أن الكتب المقدسة لأهل الكتاب قد تناقلتها الأجيال بعناية ولم تتعرض للتحريف

حتى أن تنظيم "داعش" انضم إلى هذه الحملة ونشر: "مخطوطات قمران (إنجيل البحر الميت) تهدم العقيدة المسيحية".

وفي كتاب مخطوطات البحر الميت وعقيدة بني إسرائيل الحقيقية قال الدكتور محمد عبد المحسن "إن هناك من قال إن طائفة الأسينيين تلقت تعاليم للعلاج بأعشاب وأحجار أخذتها من الملائكة الساقطة على جبل الشيخ، ومن الواضح أن هذه الملائكة هي إصدار بني إسرائيل للملكين هاروت وماروت وهو شكل من ممارسة السحر وتحضير أرواح بطقوس الشامانية"!. واستشهد نفس الكاتب بالروائي دان براون مؤلف كتب الخيال والإثارة مثل شيفرة دافنشي وكأن كتبه مصادر معتمدة يمكن استخدامها لتأكيد وقائع تاريخية.

هذه مجرد أمثلة بسيطة لردود بعض الإسلاميين الذين سرحوا في الخيال إلى درجة تلفيق قصص وحبكات من الصعب تصديقها بهدف نفي صحة مخطوطات البحر الميت.

ووجدت هذه القصص رغم سذاجتها جمهورا واسعا يرغب في تصديقها من الشريحة الأكثر جهلا وتعصّبا، وساعد على ذلك أن المراكز الإسلامية الكبرى تتفق مع المتطرفين في اعتبار الكتب المقدسة للمسيحيين واليهود قد جرى تحريفها، ولذلك لا تناسبهم أن تثبت المخطوطات أن الكتب المقدسة لأهل الكتاب قد تناقلتها الأجيال بعناية ولم تتعرض للتحريف وأن القواسم المشتركة بين الأديان الإبراهيمية أكثر من أن تعد وأن الخلافات بينها لا تذكر.
أي نشر، أو إعادة تحرير لهذه المادة، دون الإشارة الى " عنكاوا كوم " يترتب عليه أجراءات قانونية