ضابط الأمن الرقيق ومواقف السيد مقتدى الصدر
اسكندر بيقاشا
عندما كتت طالبا في جامعة بغداد ١٩٧٧ وكنا في السنة الثانية كلية العلوم انضم الى صفوفنا طلابا جددا من دون مقدمات ,اثنان منهم كانا كرديان. كان صادق اكبر منا قليلا مما يوحي بانه تأخر عن الدراسة لسبب او لاخر, كما وان هدوءه وحزنه وميوله الانطوائية كانت تدل على تعرضه لتجربة اليمة. ولاننا نحن العراقيين اجتماعيين بطبعنا فقد استطعنا التقرب جعله شخصا عاديا في مجتمعنا الطلابي. حينها كنت ناشطا في العمل الثقافي وذو ميول سياسية مناهضة لحكم البعث الذي بدأ في حينها في ضرب آخر القوى السياسية المتبقية في الساحة العراقية وهو الحزب الشيوعي العراقي. كما وانني كنت حانقا لانه في احصاء عام ١٩٧٧ اجبر البعث كل مسيحيي العراق خارج منطقة الحكم الذاتي لتسجيل قوميتهم عربية قسرا رغم معارضة الكثير من الكلدان والاشوريين والسريان.
بعد ان وثق بي صادق اعترف انه كان في المعتقل وفهمت منه الى انه تعرض للتعذيب لكنني في الحقيقة لم اسأله عن الاسباب التي جعلته يدخل السجن ولا عن ميول اهله حيث كان يتمتع بثقافة سياسية عالية نسبيا مما يدل على ان له في العائلة اشخاصا نشطين وواعين سياسيا. في الحقيقة لم اكن اريد معرفة اسرارا قد تشكل معرفتها خطرا علي شخصيا.
في لقاء معه يوما في احد زوايا الكلية تطرق صادق باختصار شديد حول ظروف السجن وتعامل رجال الامن وأراد ان يسدي لي نصيحة نابعة عن تجربتة مع السلطات الامنية العراقية. قال لي صادق بأن الامن قد تعتقلك يوما لكن يجب ان تكون على معرفة بأساليبهم في التحقيق وانتزاع الاعترافات. انهم سيعذبونك الى ان تعترف لكن ان لم تعترف بما يتهمونك به رغم ذلك فانه قد يظهر فجأة ضابطا يبدو رقيقا يعارض اساليب التعذيب التي تعرضت لها, ينهر الذين قاموا بهذا الفعل, يبدي تعاطفا معك ويساعدك في بعض الامور. واضاف صادق , يجب عليك ان تعرف ان هذه الضابط الرقيق ليس صديقك ولا يتعاطف معك حقا بل هي وسيلة يستخدمها رجال الأمن كي يكسب احدهم ثقتك عسى ان تكشف عن سر او معلومة تدينك او تساعدهم على الوصول الى مبتغاهم.
لا اعرف لماذا كلما اقترب السيد مقتدى الصدر من النشاطات التي تقام في العراق وتقترب من تغيير المعادلات الطائفيةالتي تعيق تطور العراق اتذكر سيناريو ضابط الامن الرقيق. هذا الشعور تقوى عندي بعدما لعب السيد مقتدى ادوارا مشابهة عدة مرات حيث يتقدم كلما اقتربت القوى المدنية خاصة من قلب المعادلة الطائفية وتهديد حكم الاحزاب الدينية الشيعية.
ففي عام ٢٠١٠ فازت القائمة العراقية باغلبية المقاعد في البرلمان ب ٩١ مقعدا وكان من المفروض ,حسب الدستور العراقي, ان يبدأ اياد علاوي(الشيعي العلماني) من تشكيل الحكومة وكان الصدر يصيح ليلا نهارا بانه ضد الطائفية ويطالب بتغيير النظام الذي فرض بعد سقوط صدام. لكنه في الاخير عاد الى ابناء طائفته وعملوا على تفسير الدستور حسب مقاساتهم وتولى المالكي رئاسة الوزراء للمرة الثانية كما ارادت ايران.
عام ٢٠١٥ انتفض العراقيون المدنيون وعلى رأسم الحزب الشيوعي العراقي وقامت تضاهرات كبيرة واعتصامات في ساحة التحرير كانت تكبر يوما بعد يوم لكن الصدر دعى تيارة الى النزول بمظاهرات مليونية في ساحة التحرير وبعد ايام تقدموا الى البرلمان ودخلوه لكنهم تركوه دون ان يتغير شيئا. الهدف كان يبدو اختطاف الحراك من المدنيين ومن ثم قتله.
في الانتخابات الاخيرة تحالف التيار الصدري مع الشيوعيين ليشكلو كتلة سائرون وقد فازوا باكبر كتلة في البرلمان وكان بامكان الصدر ان يشكل حكومة مع المدنيين وعابرة للطوائف لكنه لم يبدي حسب رايي حماسا لفعل ذلك. وفي النهاية عاد الى طائفته والى احزابه الدينية ليشكل حكومة مقيدة بالتبعية للتيارات التابعة لايران.
واخيرا بعد ثورة تشرين حاول ”ركوب الموجة“ واراد السيطرة على ثورة الشباب من خلال توفير الحماية الامنية من "قوى الامن العراقية" , لكن حينما دعته ايران دعته الى التعاون مع اذرعها الاخرى في العراق ضد الامريكان والعمل على وأد ثورة تشرين,استجاب ومن مدينة قم. سحب اعضاء تياره من ساحات الاعتصام وهددها مما اعتبر ضوءا اخضر لقوى الامن لضرب المتظاهرين على امل القضاء على الانتفاضة. شباب الانتفاضةالذين ذاقوا طعم الحرية واختبروا شعور العزة بالنفس لم يستطيعوا العيش بدونها فعادوا اقوى الى المظاهرات والفعل الثوري.
واليوم يعود الصدر مرة اخرى ويعبر عن تعاطفه مع الثوار داعيا مؤيديه الى التظاهر مرة اخرى معهم وليحاول قيادة ثورة الاصلاح مرة اخرى بعدما هدد المتظاهرون باقتحام المنطقة الخضراء في الايام القادمة. لكنني كما اقرأ تاريخ هذا الشخص فانه لن يقودها الى تغيير فعلي بل هو هناك لحرف مساراتها والابقاء على الوضع الراهن وقتل امل الشبيبة العراقية المنتفضة.
يبدو لي جليا بان السيد مقتدى الصدر يتشارك في الكثير من الصفات مع ضابط الامن الرقيق الذي حذرني منه صادق, وانا بدوري احذر المتظاهرين بعدم تركه يقود المتظاهرين لكن قبوله فقط في الصفوف الخلفية مع الاحتياط الشديد من محاولات الطعن في الظهر.