المحرر موضوع: قصة مَلكو ومِشكو ومِسكو  (زيارة 1496 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل بولص آدم

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1185
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
قصة مَلكو ومِشكو ومِسكو
« في: 16:54 06/02/2020 »


قصة مَلكو ومِشكو ومِسكو

 
 
بولص آدم
 
بعد بناء سدود على النهر في الخارج، شَحّت المياه تدريجياً وفي هذا الصيف القائض، تقلصَ نُهير البلدة، وتحولَ الى ساقية ترتوي منها المواشي، الحل الوحيد هو حفر الآبار.. كُلِّ بدأ يفكر..
 
كان لِمشكو حديقة صغيرة، جَلَبَ مطرحاً فرشهُ تحت ظل شجرة تفاح تسلل اليها اليباس، فتح كيسا وأخرج منهُ مَنقلة وفرجال وقلماَ فحمياً ، كمدرس رياضيات، إستلقى على بطنه وأنكب بأدواته الهندسية على ورقة بيضاء كبيرة، يحاولُ وضع مخطط أساسي للبئر.. كان بينهُ وبين جارهُ مَلكو الفخار صانع الجرار، سياجٌ صخري واطئ . 
إتكأ مَلكو على وسادة مَسنَد الكَرويتة، هائماً في الخيالات والحسرات، متوتراً يضربُ الكَفَ على الكَف وهو يَسمَعُ أغنية ( قومون أُورزى ).. 
دَخلَت زوجته وقالت:
ــ أُخرج يامَلكو وشاهد جارنا مِشكو، لاأدري ماهو مُنشغِلٌ به في حديقته..
خَرَجَ مَلكو وأتكأ بكوعه على حافة السياج وسَلَّم:
ــ شلاما رابي مِشكو، بمَ انت منشغل، ببناء جنائن مُعلَّقة؟!
ــ لا، لا مَلكو .. أنشغل بتصميم عَرَبانة آثورية!
  فأنهالَ مَلكو حانقاً على مسامع مِشكو بعتابٍ طَنان، وهذا ظَلَّ يَسمَع رافعاً نظارتهُ الطبية عن عينيه وعندَ توقف مَلكو، سألهُ مِشكو بهدؤ:
ــ الكُل في البلدة مُنشغل بحفر الآبار،اما أنت فلسماع، قومُن أورزي؟
ــ رابي مِشكو، حفر البئر لا يحتاج اقلام وهذه التنكات التي بين يديك.. مُجسَّم البئر في رأسي!
  كلاهُما قد باعا بيته في العاصمة، واتجها مع عائلتيهما شمالا نحو هذه البلدة، وبينما هم في السيارات مع امتعتهم، ترائى لهم على أطراف البلدة وفي حقل حنطة، فلاحٌ يتفيأ تحت صريفة قصب صغيرة، توجهوا نحوه ، أستقبلهم مِسكو مُرحباً بهم، وبعد سماع موجز قصة المغادرة القسرية نتيجة العنف المُستشري ضدهم في العاصمة، اقترح عليهم أن يستضيفهم في داره الكبيرة ذات الباحة الشرقية المُسقفة، حتى يعثروا على مساكن خاصة بهم.. وقبل شهرين اشتروا كلًا من مَلكو ومِشكو دارين لمُغتربين مقابلين لدار مِسكو .. 
كانَ مِشكو قد رَسمَ قُطر البئر وحدد مكانه وخَمّنَ عُمقه، على أمل أن يكون في القعر ماء.. بالنورة البيضاء حدد اطراف البئر على أرض الحديقة، كان البابُ الخارجي نصف مفتوح، مَدَّ مِسكو رأسه ورأى الى مِشكو مُمسكا بالقزمة:
ــ شلومو، مِشكو!
ــ أيباخ!.. مُذ متى، شلاما صار شلومو؟!
أدار ظهره مِسكو وهم بالمغادرة، فلحق به مِشكو وترجاهُ ان يَدخُل، فرد عليه مِسكو وهما بأتجاه حلقة فم البئر المُفترضة وقال:
ــ حفر البئر هو المهم، دعني أخدُمك.
ــ حسنا، اهلا بك جاري مِسكو
و..هكذا تناوبا على القَزمة وبدأ الحفر وكانا يتبادلان آخر أخبار الساعة..
ما أن سَمِع مَلكو عما يدور في حديقة مِشكو، حتى فَكَّرَ بمُساعدته، ليس من حلِّ آخر فَدارُه بلاحديقة، وألتحق بمشروع البئر مُشَمِّرا  ساعديه وتناوب مع مِشكو ومِسكو على القزمة والكَرَك والزنبيل.. 
كان جارَهُم خُضر، قد بدأ حفر بئره في حديقة داره أيضاً المُلاصقة لدار مَلكو وبمشاركة أولاده الثلاثة .
الكل في المنطقة يعرف أن حُلم خُضر، هو أن يتزوج الأولاد ويكون لهم دور مُستقلة..
عند أقتراب المساء، وهبوب نسائم باردة كان التعب والعطش قد أخذ مأخذه من مِشكو وضيفيه، وطلب من زوجته أن تناولهم قليلا من ماء الشرب فأعتذرت بأن، لم يتبقى ولو قطرة واحدة منه، لعلَّ التانكَر يمُرُّ بمحلتهم هذا المساء ويشتروا برميل ماء حلو.. اقترحَ مَلكو شُربَ قليل من خمر معتقة اهداها اياه ابن عمه من سُميل، أما مِشكو فقد عارضَهُ وأقترحَ ارتشاف خَمرٍ من صُنع جدَّته في صوريا، فما كان من مِسكو وأن فَضَّلَ شُرب قليل من خَمر بغديدا،أختلفوا على أية قنينة مِنها يشربون!
.. تناهى الى أسماعهم صوت ناقوس الكنيسة، فقرروا الذهاب للصلاة وشرب الماء فيها..
..عند الفجر.. هزَّت البلدة اطلاقات المدافع، وسقطت قذائفُ الهاونات، هُنا وهناك.. قررت العوائل الثلاث حَمل ماخَف، توجهوا جميعا معا نحو الطريق الخارج من البلدة، باتجاه الطريق العام..
في ظهيرة حزيرانية قائضة، قام خُضر وأولاده بجولة حُرة في الدور المهجورة الثلاث، ثُم توجهوا نحو حَديقة مِشكو وأكملوا حَفرَ البئر! 

غير متصل ala ablahhad

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 12
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
رد: قصة مَلكو ومِشكو ومِسكو
« رد #1 في: 09:40 07/02/2020 »
تحية طيبة...
تختزل هذه الحكاية القصيرة في اسطرها الكثير من الالم والمعاناة التي يمر بها مسيحيوا المنطقة بشكل عام. وربما السطحية الفكرية (او ما يعرف بالبساطة لغرض التزويق اللفظي)  التي تسود "مع الاسف" مجتمعاتنا. احببت اختيارك المتقن لاسماء الشخصيات التي وحسب قراءتي فيها الكثير من الرمزية المبطنة (كناية حسب مقاييس الادب).بالطبع كانت الاشارة الى الاغنية والبئر والعربة الاشورية متخمة بالدلالات الحزينة والجميلة في ذات الوقت.قد اكون مخطاً لان كل منا نحن القراء له اسقاطاته الخاصة سواء كانت نفسية ام اجتماعية. كانت حقاً قراءة ممتعة.
اخوكم...
د.علاء   

غير متصل بولص آدم

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1185
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: قصة مَلكو ومِشكو ومِسكو
« رد #2 في: 20:48 07/02/2020 »
الأخ د.علاء عبدالأحد المحترم
تحية طيبة
 القاص ينبغي أن لا يبقى مجرّد مراقب يكتفي بتسجيل الحالات الواقعية، عليه ان يلمس صلب الحالة المسرودة، من جوانب عدة واهمها هنا الحالة الأجتماعية والنفسية في الجو المُضطرب العام والشخصي بما يتعلق بالشخوص، حاولتُ قدر الأمكان رسم جو عام وهدف وشخصيات، بميل شفاف نحو الواقعية الأنتقادية، ولم أُسبغ اي مثاليات او خيالات فتلك مفيدة أحيانا، لكن تجنبها هنا، يجعل القارئ مهتما بالمرموز فهو يؤدي الى فهم المعنى المُبطَّن ودوافع الشخصيات، اذ لولا ان هناك دافع، لن يكون هناك فعل وهكذا.. ارحبُ بك اجمل ترحيب وتأكد بأنك أصبت الهدف، نعم كان علي ان أضع توازنا في كل معيار من معايير النص، وارجو بتواضع، أنني وفقت، فهمك لكل شيفرات النص الدالة كان موفقا وقراءتُك للنص بشكل مُمتع اسعدني ككاتب للقصة، فشكرا لك مع فائق التقدير.
بولص آدم