متى تتعلم أحزابنا "الكلدانية السريانية الآشورية" من المنظمة الآثورية الديموقراطية (مطكستا)
=======================================
أبرم شبيرا التعلم سمة من سماة الإنسان المتحضر والساعي نحو التقدم والإزدهار خاصة عندما يكون التعلم من تجارب الغير وتحديدأ عندما يكون الإثنان على نفس المنحى والمنهج والهدف وبنفس الظروف. وهنا يستوجب التأكيد المشدد بأن التعلم ليس عيباً أو نقصاً على الإطلاق بل أنه في كثير من الأحيان يكون أكثر تأثيرا وفاعلية في سلوك الإنسان ووعيه من القراءة والدراسة. فالمثل يقول أسأل مجرب ولا تسأل الحكيم. ولكن من المؤسف، ليس على مستوى الأفراد، بل على مستوى الأمة كلها نرى بأن أحد جوانب إخفاق أو فشل حركتنا القومية من تحقيق الحد الإدنى من أهدافها هو عدم دراسة قادة حركتنا القومية للتاريخ والتعلم منه وبالتالي الإستفادة من تجاربها السابقة وتجاوز أسباب إخفاقها. هذا الأمر هو الذي دفعنا لنؤكد مرة أخرى القول القائل بأن من يتعثر بنفس الحجر مرتين فهو جاهل. والأمثلة كثيرة في هذا السياق ولا مجال للتطرق إليها.
مربط الكلام في هذه السطور هو أحزابنا السياسية حيث يرى بعض زعماء هذه الأحزاب بأنه عيب، كل العيب، أن يتعلم من تجارب الغير، فالأمر بالنسبة لهم هو إهانة وتقليل من قدرتهم القيادية وعبقريتهم. والأنكى من كل هذا هو المراوغة في نفس المكان إن لم يكن السير إلى الوراء وبالتالي تخلف عن مواجهة التحديات والتطورات الخطيرة التي تعصف بأمتنا سواء في الوطن أم في المهجر، وهي كلها نتاج التأثر العميق بسياسة الأحزاب العراقية وحتى العربية وبالاخص في ما يتعلق بزعامة هذه الأحزاب وعدم تداول مواقع القيادة بين أعضائها بشكل موضوعي وديموقراطي. فالمؤسف له هو أن تأثر معظم قادة أحزابنا "الكلدانية السريانية الآشورية" بالعقلية السياسية العراقية وحتى العربية في الإستمرار في القيادة حتى الموت هو تطبيق لمقولة القذافي في تفسيره لمفهوم الديموقراطية بقوله بأنها مفهوم عربي متكون من مقطين "ديمو" و "كراسي"، إي ديمومة الحاكم على الكرسي مدى الحياة.
هذه السطور جاءت بمناسبة زيارة ثلاثة أعضاء من قيادة مطكستا في بداية هذا الشهر (شباط 2020) لشمال الوطن واللقاء بقادة بعض أحزابنا السياسية وبغيرهم من التنظيمات القومية والرسمية. وكان يضم الوفد أعضاء في المكتب السياسي للمنظمة كل من المهندس السيد داوود داوود مسؤول مطكستا والسيد بشير سعدي مسؤول مكتب الثقافة والدراسات والسيد غبرييل (كابي) موشي مسؤول مكتب العلاقات الخارجية. أنا شبه متأكد أن لم أكن كامل التأكد بأن هذا الخبر مر، كما يقول المثل مر الكرام، ولم ينتج عنه غير بعض السطور الروتينية الرسمية والتي لا تتجاوز أكثر من كلامات على ورق غير قادرة على النزول إلى الواقع الفعلي. هذه اللقاءات لمطكستا بأعضاء قيادتها الثلاثة لها مغزى كبير ودرس مهم لأحزابنا السياسية ليس من خلال الكلمات والسطور الفارغة التي أفرزتها اللقاءات بل من المغزى الكامن الذي يمكن إدراكه من خلال النظر إلى شخصية الأعضاء الثلاثة وموقعهم في القيادة. غير أن غطاء العقلية العراقية المسيطر على قادة أحزابنا جعلتهم أن لا يدركوا هذا المغزى إطلاقاً وأن يستفيدوا منه في وضع حزبهم على الطريق الديموقراطي القويم. إذن أين يكمن هذا المغزى الذي لم يدركه قادة أحزابنا السياسية "الكلدانية السريانية الآشورية" في العراق؟
وقبل الكشف عن هذا المغزى والإستنتاج المراد بيانه، نشير عبر سطور قليلة عن مؤتمر مطكستا الثالث عشر (الأخير) الذي عقد في بداية شهر شباط من عام 2019 في مدينة القامشلي. ففي هذا المؤتمر الذي حضره 60 مندوباً منتخباً، حسب بيان مطكستا بهذا الشأن، من فروع المنظمة وشارك فيه أيضاً مندبون من فروع المهجر عبر غرف خاصة من بعض الدول الأوربية. ففي هذا المؤتمر تم إختيار سبعة عشر مشاركا لعضوية الأمانة العامة، والتي قد تكون اللجنة المركزية بالمفهوم السياسي الدارج، والذين قاموا بدورهم إنتخاب أعضاء المكتب السياسي لولاية أمدها أربعة أعوام وفيه تم إنتخاب السيد المهندس داوود داوود مسؤولا عن المنظمة، أو السكرتير العام بالمفهوم السياسي الدارج، كما أنتخب السيد بشير سعدي والسيد كابي موشي لعضوية المكتب السياسي وتولوا المسؤوليات المذكورة أعلاه.
أن المغزى المقصود به كامن في مضمون الشخصيات القيادية الثلاث المذكورة التي عقدت هذه اللقاءات وموقعها الفعلي من قيادة مطكستا وتداول السلطة بشكل منطقي وعقلاني لضمان إستمرار القيادة نحو آماد أبعد، لا بل خلق قياديين جدد. للنظر أولاً في السيد بشير سعدي، فهو عضو مخضرم في مطكستا وعضو برلمان سابق أنتخب ديموقراطياً للبرلمان السوري من قبل أبناء شعبنا في التسعينيات، اعتقد كان في نهاية الثمانينيات، من القرن الماضي وكان سكرتيرا، أو مسؤولا لقيادة مطكستا الأسبق. أما السيد كابي موشي فقد كان السكرتير، او مسوؤل قيادة مطكستا السابق حتى المؤتمر المذكور أعلاه، وكلاهما تعرضا للإعتقال والتعذيب والتهديد ولكن لم يستكينوا إلى الراحة والبطلان والتخلي عن الساحة السياسية القومية بل أستمرا في العمل ضمن قيادة مطكستا وبتجارب مفعمة بالحيوية والصمود والإصرار على مواصلة النضال. أما السيد داوود داوود المسؤول الحالي لقيادة مطكستا، حسب معرفتي الشخصية، فأنه لم يكن على مستوى قيادة مطكستا في السنوات الماضية، وأن كان فهو حديث العهد في هذا الموقع القيادي في مقارنة مع السيدين بشير وكابي.
فعلى الرغم من الخبرة الطويلة والتجارب السياسية والحزبية المتفاعلة مع الواقع الوطني والقومي في سوريا لكلا السيدين بشير وكابي وموقعهما القيادي السالبق فأنه يظهر بأنهما تنحا خطوة واحدة ضمن حدود قيادة مطكستا في إنتخابات المؤتمر المذكور لكي يفسحوا المجال للسيد داوود داوود ليتولى مسؤولية القيادة. وقد يبدو من الناحية الشكلية بأن نوع من التراجع عن الموقع القيادي في المنظمة، ولكن الأمر غير ذلك إطلاقاً. فنحن أمة فقيرة بكل المعاني السياسية والتنظيمة خاصة إفتقارنا إلى مراكز أو معاهد لتدريس أو تدريب أو خلق كوادر قيادية تكون قادرة على تولي مسؤوليات هامة في أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية. من هنا تأتي أهمية إنتقال وتفاعل الخبرات بين المتمرسين على مستوى القيادة والأعضاء القياديين الجدد في التنظيم. وليست المرة الأولى التي نرى مثل هذا الإنتقال الديموقراطي في قيادة مطكستا بل سبق وأن حدث مثله في السابق. أنا شخصياً لي أهتمام فكري وإلتزام قومي بأحزابنا السياسية القومية وأحاول دائماً متابعة أخبارهم ونشاطاتهم ولكن للحق أقول بأنني ولأول مرة، شخصياً على الأقل، أرى في مؤتمر عام لحزب أن لا يترشح المسؤول أو السكرتير العام القائم والسابق للحزب خاصة عندما يكونون من المخضرمين والمتمرسين وبعضهم لهم شخصية كرازماتية، لا يرشحون لموقع مسؤول الحزب أو لمنصب السكرتير العام بل يتركون المجال لغيرهم من رفاقهم القياديين لتولى هذا المنصب مع بقائهم إلى جانبهم لنقل خبراتهم وتجاربهم إليهم أثناء ممارسة العمل القيادي للحزب. وهذا ما شاهدناه في المؤتمر الثالث عشر لمطكستا عندما أنتخب المهندس داوود داوود لموقع المسؤول في المكتب السياسي مع بقاء كل من السيد سعدي بشير والسيد كابي موشي إلى جانب المسؤول الجديد وتوليهم مسؤوليات مهمة من خلال المكاتب التنفيذية لمطكستا. هذه الحالة نادرة جداً ولم أشاهدها في السابق عند أحزابنا السياسية القومية. لا بل على العكس من هذا فالتشبث بالكرسي في معظم أحزابنا السياسية أن لم تكن جميعها حالة عامة وسائدة، وحتى أن ترك هذا الكرسي، وهي حالة نادرة لا بل ستكون عجيبة وغريبة، فأنه أما أن يترك التنظيم وينزوي في زاوية النسيان ويأخذ تجاربه المديدة في التنظيم معه وكأنها ملك خاص له من دون أن يستفيد منها رفاقه في قيادة التنظيم، أو يبقى في التنظيم ولكن في موقع بعيد وغير مؤثر إطلاقاً وكأنه صورة معلقة على الحائط لتبقى كذكرى للأيام الخوالي.
لا أحد يستطيع أن يقول بأن طريق نضال أحزابنا السياسية القومية مفروش بالورود والرياحين، بل في الحقيقة والواقع هو طريق ملئه الأشواك والصعوبات والمهالك في ظل الظروف الحالية الماحقة التي تحيط بأمتنا في أرض الوطن. من هذا المنطلق يجب القول عندما ننتقد ونحاسب أحزابنا السياسية على إخفاقاتها وتراجعاتها يجب، لا بل يجب أن ينظر إليها من خلال هذه الظروف الماحقة والمأساة لتي تحيط بأمتنا والتي تخلق تحديات خطيرة أمام أحزابنا السياسية. ومن المؤكد بأن فاعلية وتأثيلار هذه التحديات هي أكثر بكثير من قدرات أحزابنا السياسية المحدودة في مختلف المجالات وحتى على مستوى القيادة التي نحن بصددها للمواجهة والتعامل مع هذه التحديات. فإذا كان يصعب مواجهة التحديات الخارجية والتعامل معها فأن مواجهة التحديات الداخلية المتمثلة في تطوير النظام القيادي للحزب وضمان ديمومته بشكل أكثر فاعلية وقوة أمر يمكن تحقيقة كخطو أولى وقوية لمواجهة التحديات الخارجية. فقيادة ضعيقة و "متزنجرة" لا تستطيع إطلاقاً مواجهة التحديات الخارجية في حين القيادة القوية والفاعلة والمستجدة بدماء جديدة تكون أكثر قدرة على المواجهة والتحدي. من هذا المنطق جاء موضوعنا هذا في تجديد دماء قيادة مطكستا.
حتى لا أعمم الحالة هذه على جميع أحزابنا السياسية وأكون مطلقاً ومن دون إستثناء، فللأمانة أشير إلى الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا). ففي مؤتمرها الأخير قبل ثلاث سنوات تقريباً أنتخب نواب للسكرتير العام لزوعا الذين أظهروا خلال السنوات القليلة الماضية نشاطاً محموماً وفاعلا تصل إلى حد ما إلى مستوى موقع القيادي الأول ولكن مع هذا نرى بأنها حركة خجولة ومترددة نوعا ما يستوجبها نوع من الشجاعة والإقدام أكثر فأكثر نحو خلق قياديين على مستوى عالي من القيادة قادرة على مواجهة التحديات بفعالية أكثر. وعلى طاولة قيادة زوعا العديد من المقترحات التي قدمناها لها بهذا الشأن كسبيل لخلق قيادات جديدة لتكون إلى جانب القيادات الحالية عناصر مهمة في ديمومة الحركة نحو آماد أبعد خاصة في هذه الظروف الماحقة التي تحيط بأمتنا سواء في الوطن أم في الشتات. ونأمل من قيادة زوعا إعادة النظر في تلك المقترحات وطرحها على مؤتمرها العام القادم وليس المقصد من ذلك إلا إهتمامنا وإحترامنا للحركة الديموقراطية الآشورية وتفعيل نشاطها أكثر فأكثر.
وأخيرأً، بعد مرور سنة على إنتخاب السيد داوود داوود لموقع المسؤول الأول عن مطكستا نتمى له دوام التقدم والنجاح والسعى نحو الإستفادة القصوى من خبرات رفاقه، أصدقائنا المديدين بشير سعدي وكابي موشي، ونحن ملئنا الثقة والإيمان بأنهما سوف لا يترددون في العمل مع المسؤول الجديد بكل نشاط وفاعلية وهمة كضمان لإستمرار المنظمة الآثورية الديموقراطية نحو مستقبل مبهر وأكثر أشراقا لطريق نضال أمتنا نحو تخفيف معاناة أمتنا وتحقيق أهدافها القومية المشروعة.
زيارة لأرض الوطن; شمال شرقي سوريا في منتصف التسعينيات من القرن الماضي وأمام دير للكنيسة السريانية الآرثوذكسية: من اليمين بشير سعدي، أبرم شبيرا، سعيد لحدو وكابي موشي... تبقى هذه الصورة وغيرها كرمز لتقديرنا وتثميننا لنضال المنظمة الآثورية الديموقراطية... ومن خلالها نبعث تحياتنا الخالصة لهم.