المحرر موضوع: الحملان الوردية  (زيارة 806 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل بولص آدم

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1185
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الحملان الوردية
« في: 13:21 19/02/2020 »



الحملان الوردية

بولص آدم

  في صفيحة تحوي ماء مغلي، وضعت أُم بدرية  قشور رمان وفجل وخرق اقمشة وردية للحصول على صبغة، متعمدة في اختيارها لصفيحة طبع على جنباتها، صورة راعي بالزي العربي وهو ينفخ في ناي وسط خرافه، تطابق ذلك الأختيار مع فأل حسن صدقته، صُبغة وردية يُغطس فيه حمل صغير اشترته في الربيع وهي تفكر بما سيوفره لها بعد اشهر.. سيحمل لونا يميزه عن حملان اخرى لو سرق، ستعرفه باكرا في السوق..هكذا فكرت ..
  كانت أُم بدرية، بحاجة الى أنيس في وحدتها على اية حال.. لعب الحمل دورا اكبر لم يخطر على بالها،ليس في تقافزه في قفص كان لدجاج مات ( لم تكن محظوظة مع الدجاج) ، تميز ذلك الحمل بمواصفات كلب ايضا، فهو الذي سمع صوت لص قبل ان يهم بتسلق الجدار واحدث ضجيجا هائلا لاشى كابوس قديم يزور نومتهاعلى وسادةمحشوة تبنا بعد رحيل زوجها،فقد استدرج الفضوليون ابنتها بدرية لتحكي بسذاجةعما يفعله والدها..
ـ لاشئ غير قراءة كتب وشرب العرق ليلا فهو جندي هارب!
 تلقى ( ابو بدرية) صبيحة عيد العمال رصاصا امام المنظمة الحزبية، ليكون ( عبرة لكل من جفت في    عروقه دماء الوطنية) هكذا كانوا يقولون!
 يتبع زلزال زلازل اخرى..توضح زلزال الأبنة (بدرية) في حياة هاوية الحملان بصورة اعمق ماساوية ..فالبُنيّة الجميلة ذات الصوت الحنون، هياة نفسها زمنا للتقديم الى اختبارات الغناء في الأذاعة، منهمكة في تسجيل اغانيها على اشرطة مسجل صغير، تحذف، تسجل وتسمع صوتها من جديد وتحلم بنجوميتها.. ستبني قصرا يُغلفه (حلان موصلي) وتزين حديقته بتماثيل غزلان تطل على حوض اسماك ذهبية.. ستسهر ليلا في الرد على رسائل المعجبين وتنام نهارا، سيكون لها غرفا لكل شئ، تمشط شعرها على تسريحة (نجاة الصغيرة) في غرفة المكياج المغلفة بالفورميكا !
 بعد وشايتها القاتلة، والتي كلفت حياة والدها أبوبدرية، وخلال نوبات ترتيق الضمير في انهيارها نفسيا..اقتنعت تماما، بان مافعلته لاتفعله سوى عاهرة !.. لم تنفع دموع وتوسلات ام بدرية لتثنيها عن قرار اتخذته ..
 وضعت  بدرية الثلاجة المنزلية على عربة بوربرين وباعتها في سوق الجمعة ثمنا لسفرها، استعارت تلك العربة الخشبية من المصور الفوتوغرافي مشترطا تصويرها فهي له(بريجيت باردو) يقبل ساقيها في الملصق المقابل له في محل التصوير، عرضت عليه جسدها، وضع كفه على فمها مرتبكا وقال :
ـ لا يابدرية..عيب!
 اطلقت ( بدرية) ضحكة زردوم، حملتها على اجنحة ثعالب بلا ريش، كفنانة تحت ادارة حسنة ملص في الملهى الذي تملكه في شارع حلب في الموصل واصدرت لها نقابة الفنانين هوية فنانة في كل شئ!
يكثر طلب رجال المخابرات لخدماتها وخاصة اجادتها الشعر الشعبي في سيارات المتعة المركونة تحت اشجار غابات الموصل كغجرية بستان مدللة، يقترحون عليها القاء قصيدة عن (الذين جفت في عرقهم دماء الوطنية) .. تزورها بعد قطع رحلات قطار سرية والدتها مرة في الشهر وتنام معها في شقة الفنانات المطلة على شارع ضيق يؤدي الى حديقة الشهداء، وتحكي لأبنتها (الفنانة) حول مصور فوتوغرافي افشى سرها !
 تناولت بدرية  سماعة الهاتف وادارت رقما..
 قام رجال الأمن بشي جلد المصور جواد بانابيب مطاطية..حد اعلانه صارخا:
ـ لا..لا بدرية شريفة.. شرييييييفة!
 في اليوم التالي،ادارت  بدرية رقما وقهقهت في سماعة الهاتف :
_ألو جواد..عيب!
 ثم قالت لهاوية الحملان أمها:
ـ هيا ارحلي الأن وادخلي بغداد مرفوعة الراس!
 من يعلم ياأُم بدرية بانخفاضة راسك وانت ترعين رائيةالى حملك الوردي والتهامه الشفاف لحشائش جافة حول سكة الحديد في منطقة ( المهدي) تجلسين القرفصاء في فئ عامود كهرباء قديم وترسمين بقصبة جافة في التراب، دوائر حول اقراص خبز وهمية، مثلثات حربية، مربعات تشبه بيوت ريفية، اسهم متقابلة!
 مر القطار الأتي من مصفى الدورة امامك، اختفى الحمل وانت ساهمة!
 .. حاولت  أُم بدرية باكية مهاتفة ابنتها الفنانة، لم يكن هناك ادنى رد ولم تسمع صوتها ثانية والى الأبد..
  لم يَكُ ذاك حَمَلُها الوردي الأول، فحملانها المدللة سجلت تواريخ اختفاء مؤلمة، لم يوقفها ذلك في مسالة المحاولة من جديد والبدء من نقطة صفر جديدة! لكأن مفتاح وجودها، هو في انفاس دافئة لحملان الربيع..انفاس أبو بدرية وهو يحلم بانتهاءالحرب،التسريح من الجيش وقضاء سفرة عائلية في لبنان.. شهقات أنفاس بدرية في أحلامها الفنية التي انتهت الى مرافقة سائق شاحنة نفط تركي، هَرّبها الى اسطنبول..
إختفى جيران ام بدرية القدامى..أين هي الآن جوزة قرياقوس التي كانت تشكو لها، في أن الخطابة يطلبوا يد ابنتها الصغرى دوما فالبنت الكبرى بدينة،وكانت أُم بدرية تشكر حظها في  بدرية ابنتها الوحيدة!..اين هي الآن قاسمية عبد الرحيم، خياطة بدلات العرائس وهي تمضغ علكة(ابو السهم) دوما ؟!   بل ماذا عن صديقة خبيثة لأبنتها، حملت مساء عيد العمال خبرا عن جندي هارب ووضعته في احضان المنظمة الحزبية ؟!
 حتى البيت تقلص..اختفت غرفة بعد تجاوز غرباء عليها.. وتهدمت غرفة أُخرى كان لها شباك يطل على مرعى سكة الحديد، تبقى لها غرفة وسطية ، كوخ يلحقه قفص دجاج نامت فيه حملانها، لم تعد تنام على وسادة محشوة تبنا، خوفا..خوفا...
 في هذا الصباح، أجرت طقوس تحضير الصبغة في صفيحة ( الراعي) من جديد.. حَشَت كيسا بكتب أبو بدرية القديمة .. اشتراها بعد توسلاتها مكتبي عجوز، وانتفعت للمرة الأولى من كلمة حرية، فالكتب احتوت اغلفة ماركسية.. ذهبت مباشرة تحت القيض نحو وقفة العربان في السوق، راق لها حَمَلْ، خَمَّنَت ان حجمه يلائم تغطيسة في صفيحة الصبغة ، مدت ثمن الكتب امام بائع الحملان، قال لها مكتئبا :
ـ ياحجية، دنانيرك هذه لاتكفي ثمن لية حمل!
 مالذي سيساعد في إكمال المبلغ المطلوب، حتى ولو لشراء حمل هزيل حلق صوفه ؟
 ستعود الى الكوخ ، تبحث عن جهاز تسجيل قديم.. هل تعثر عليه؟
  هل ستفكر قبل ذلك، بسماع أخير لأغنية بصوت الفنانة  بدرية ؟!