المحرر موضوع: من يُحاول إسقاط البابوية  (زيارة 656 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سـلوان سـاكو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 454
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
من يُحاول إسقاط البابوية
سعت منذُ البداية قناة SBS الأسترالية في دعايتها إزاء التأثير الإعلامي على المشاهد، والمتوالي دون انقطاع  لمسلسل  The New Pope والمكون من 9 حلقات إلى خلق مفهوم  Concept رديء فيما يخص منصب الكرسي الرسولي في روما الفاتيكان. ليظهر لنا في النهاية شخصية متمثلة بابويًا، مع النساء العاريات على ساحل البحر وفي وسط كنيسة وعلى مذبح الرب، داخل دائرة من المغامرات العاطفية والمؤامرات الداخلية والتي تُحاك من قبل الكرادلة والأساقفة. حاول المسلسل إعطاء صورة إنسانية زائفة ومُغايرة إلى حد بعيد للبابوات والتقليل من سطوة المؤسسة الدينية وتحيد معايير اليقين عند المؤمن  وتعميق الهوة بين الكنيسة من جهة والمسيحي من جهة أخرى. متونّ المسلسل من حيث الفكرة، إن البابا بيوس الثالث عشر يدخل في غيبوبة، وإن على الكنيسة الرسولية الجامعة، والمعرضة للتهديد من فضائح جنسية والمهددة بهجمات إرهابية محتملة، لا تستطيع البقاء دون حبر أعظم، فيقرر الكاردينال فويلو الترشح للانتخابات، لكنه يدرك أنه يخاطر بالخسارة أمام الكاردينال هيرنانديز، وهو يدعم انتخاب توماسو فيجليتي، معتقدًا أنه وديع وسهل التلاعب به. ولكن في الواقع يفتح البابا الجديد الذي يكون أسمه فرانسيس الثاني أبواب الفاتيكان أمام اللاجئين ويصف ثروات الكنيسة للتبرع بالمال للمحتاجين، فيكتشف أن الأمر ليس بهذه السهولة، وهو ما يفجر صراعًا وشيكًا في قلب الفاتيكان. المسلسل من إخراج وتأليف باولو سورينتينو.
دون شكّ أن المسلسل ضخم من حيث الإنتاج والتوزيع والتمثيل واختيار الأمكان بدقة عالية، الولايات المتحدة، أسبانيا، فرنسا، وإيطاليا، والتي تعطي انطباع من أول حلقة أن المُشاهد في قلب دولة الفاتيكان بحق. بطبيعة الحال المسلسل مُثقل بنقاشات لاهوتية فلسفية، وأسئلة ديكارتية أكثر وجودية لفهم أعمق لنظرية المعرفة (الإبستمولوجيا Epistemology)، والتوغل بعيداً خَلف قناعات الإنسان ومعنى الحياة من حوله ومُسبِّباتها ونشأتها ومآلاتها. هنا وفي منعطف فلسفي حاد ومُقلق تُكرس الدراما لمستويات جديدة New levels للحقيقة ودور الدين في توجيه هذه المستويات، من منطلق الرغبة في بعث وعي جديد New awareness للأفكار الكلية التي ساهمت إلى حد بعيد في تكون شخصية المؤمن من عصور خلتّ، ومحاكاة الحضارة التي أنتجت سلسلة غير متناهية من المفاهيم والصيغْ التي تتمحور داخل الدين والطبيعة والميتافيزيقيا.
الموضوع ليس بالجديد على كل حال فقد أُنتج مسلسل يحمل نفس الأفكار عام 2017 تحت عنوان البابا الشاب (The Young Pope)، لذات المخرج.
 كثيرٌ هي الأفكار المُعمقة والضرورية للفهم، والتي تخص العقيدة والإيمان والعلم والفلسفة... موجودة في كُتب قداسة البابا بندكت السادس عشر (جوزيف راتزنغر م1927)، رئيسًا لمجمع العقيدة والإيمان من عام 1981 إلى 2005. وخاصة في كتاب (جدلية العلمنة، العقل والدين)، وهو نقاش بين البابا والفيلسوف الألماني يورغن هابرماس م1929، متوفر على شكل pdf على الإنترنت، مضمون النقاش هو إيجاد طرق ومسارات عقلانية مشتركة بين الدين من جهة والعلم  من جهة ثانية وسُبل تطوير هذا المسار نحو خلق فضاءات اوسع للفهم والمعرفة على أساس قوي وصحيح والذي أرسى في النهاية لبداية جديدة من نوع فريد من نوعه بين الدين والفلسفة والعلم.
من المؤكد أن يفتح المسلسل مجموعة من التساؤلات بعضها حساس وخطير، من نوع، هل البابوات في وقت مضى يمارسون حياتهم بشكل طبيعي بما ذلك الجنس؟، هل يوجد خفايا وخبايا داخل أروقة الفاتيكان؟، هل البابا معصوم من الخطأ حقاً؟، هل يوجد مؤامرات وتحزب وتكتل بين  الكرادلة على المنصب البابوي، والكثير سوف يُطرح اليوم.
على مرّ العصور تعرضت دولة الفاتيكان لهجمات شرسة، وهذه ليست أولها ولا آخرها، واجتازتها مع كل المصاعب والتحديات لأساساتها المتينة والمبنية على الصخر.
وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضًا: أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا. متى 18:16