المحرر موضوع: د. شعبان: في العراق، لا بدّ من اعتماد آليات توحيد ديمقراطية الأسلوب واجتماعية المضمون  (زيارة 505 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبد الحسين شعبان

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1290
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
د. شعبان: في العراق، لا بدّ من اعتماد آليات توحيد
ديمقراطية الأسلوب واجتماعية المضمون


** الملك فيصل الأول دعا إلى تقديم أولوية الانتماء إلى الوطن بدلاً من الطائفة والعرق
أخبارنا ــ وصف الأستاذ الدكتور أسعد عبد الرحمن، المفكر والباحث العراقي الأستاذ الدكتور عبد الحسين شعبان بــ "الصديق الأثير" المنتمي إلى الجيل الثاني من المجدّدين العراقيين الذي تعكس كتبه وأبحاثه ومقالاته المتنوعة انشغالات خاصة جدا في قضايا الحداثة والديمقراطية والإصلاح والمجتمع المدني مع اهتمامات فكرية لافتة لتطوير الفهم المتجدد خاصة لقضايا حقوق الانسان ونشر ثقافة هذا الفكر، كما وصفه بالخبير الذي لا يمكن تجاهله في ساحة الفكر العربية، إذ توزعت تجربته على حقول المعرفة والفكر والرصد والتأريخ والتعقيب على المألات العربية عموما والعراقية خصوصا.
   وأضاف د. أسعد: أنه رغم انتماء د. شعبان إلى عالم التقدمية واليسار، إلا اننا اخترنا ان يكون حديثه هذا المرة عن الطائفة الشيعية -ليس من منطلق طائفي طبعا وقطعا لانه/ لأننا أصلا لا يؤمن/ نؤمن بالطائفية-؛ إنما بحكم خبرته العميقة باهلنا من هذه الطائفة وتحديدا في العراق الشقيق ودورهم المجتمعي والسياسي، لذا أحببنا أن يكون لدينا المعلومات الموثوقة في مثل هذا الشان الخطير، في الوقت الذي يريد منا اعدائنا ان ننقسم ما بين شيعي وسني وهذا ليس في الحسبان والوارد الا عند الدهماء.
   جاء ذلك خلال تقديم د. أسعد الدافئ للمحاضر، بحكم معرفته الطويلة بمسيرة حياته وتزاملهما سويا في سنوات النضال في بيروت، مع بدء المحاضرة التي نظمتها "مؤسسة فلسطين الدولية" و"المدارس العصرية" مساء الاثنين، وقارب فيها د. عبد الحسين شعبان "الشيعة والشيعة السياسية من ناحية سوسيوثقافية"، وسط حضور نوعي وتفاعل واسع مع مثقفين.
   وقال د. شعبان ينسب بعض مؤرخي الشيعة تأسيس مذهبهم الى الرسول محمد (ص) باعتباره البذرة الأولى في الإسلام، ولعلهم في ذلك لا يختلفون عن المذاهب الأخرى التي هي كذلك تنسب نفسها الى النبي محمد (ص) مثل المذهب الحنفي أو المالكي أو الشافعي أو الحنبلي أو غيره من المذاهب الإسلامية. وعليه، فإن الشيعة هم فرقة إسلامية نشأت على مراحل، وإن الإمامية أو الإثنا عشرية وهو ما يطلق عليهم أحياناً، ظهرت في فترة متأخرة.

   كما أوضح أن الشيعة كمفهوم عام جماعة إلتفّت حول الإمام علي بن أبي طالب، وتحولت لاحقاً من فريق يدعو الى ” أحقيته” في الخلافة، الى تنظيم سرّي، وخصوصاً خلال فترة الحكم الأموي يسعى الى قلب نظام الحكم والثورة عليه، واتخذ العمل السياسي الشيعي خلال فترة الحكم الأموي أشكالاً مختلفة من الحزب السري "تنظيم محمد ابن الحنفية” الى الثورة المسلحة ” حركة التوابين” بقيادة سليمان بن الصرد الخزاعي والمختار ابن ابي عبدالله الثقفي وزيد بن علي بن الحسين إلى "المعارضة الصامتة” التي تمثل قطاعات واسعة.
   وقد استندت الدعوة الشيعية التي تقول أنها تنتمي لآل البيت الى فكرة جوهرية ثار الحسين من أجلها ودفع حياته ثمناً لها، وهي رفض الظلم وإقامة العدل. وأشار شعبان أن الحركة الشيعية أثارت منذ تأسيسها الأول اشكالات كثيرة بخصوص موقفها من السلطة، وفيما بعد بسبب ما تعرّضت له من ملاحقة واضطهادات، واضطرت إلى العمل السري في فترتي الحكم الأموي أو في الحكم العباسي، مما دفع البعض للاعتقاد أنها "حركة باطنية "، وأن الشيعة لا يمكنهم الظهور على السطح، خصوصاً وأن "مبدأ التقية"، كما يقال، يحكمهم. والتقية حسب التفسير الشيعي هي تجنّب الأذى في حالة التعرّض إلى ضغوط شديدة لا يحتملها الانسان وتقديم تنازلات ممكنة أو اخفاء إظهار الرأي بحبّ الإمام علي وآل البيت أو الانتماء اليهم، وهو ما كان يحصل في الزمن الغابر عندما كانوا يجبرون على شتم آل البيت والإمام علي تحديداً، فهناك من أجاز من أوساطهم أن يفعلوا ذلك تجنّباً للأذى ودفعاً للمكاره.
   واوضح د. شعبان أنه عندما تأسست الدولة العراقية المعاصرة في 23 آب (اغسطس) 1921 بعد الاحتلال البريطاني للعراق 1914 -1918، سعت بريطانيا لحكم العراق مباشرة، ثم عبر الانتداب، واضطرت الى قيام ” حكم أهلي” وتأسيس الدولة العراقية خصوصاً بعد اندلاع ثورة العشرين 1920، وورثت الدولة الاحتقان الطائفي والنزاعات المذهبية من فترة الحكم العثماني، خصوصاً وقد تكرّس بسياسة بريطانيا المعروفة ” فرّق تسد” وبعد عزوف رجال الدين الشيعة من المشاركة في ادارة الدولة واستمرار موقفهم الرافض للتشكيلات التي اقامها البريطانيون.
   وكان العراق وفقاً لاتفاقية سايكس بيكو 1916 من حصة بريطانيا، وحتى قبل هذه الاتفاقية كانت هناك محاولات لتقاسم المناطق وإخضاع العراق إلى الإمبراطورية البريطانية.
   وحول جامعة النجف أو ما يطلق عليه الحوزة العلمية أضاف شعبان أنها تعتبر أقدم جامعة في العالم مضى على وجودها أكثر من ألف عام، وأسست قبل جامعة بولونيا في ايطاليا وحتى قبل جامعة الأزهر بنحو مائة عام تقريبا، لافتا بذات السياق إلى الجدل والحوار المستمر في هذه الجامعة التي تتمتع بدينامكية خاصة، وإلى مفارقة اتجاه الكثيرين من الذين درسوا في جامعة النجف، علوم الدين، إلى اتجاهات معاكسة فيما بعد مثل: العلامة الكبير حسين مروة حيث درس في النجف من عام 1924 إلى عام 1938، وكان والده قد أرسله من لبنان إلى النجف وعمره لم يكن يتجاوز 14 عاما. درس مرّوة 14 عاماً في مدينة النجف ثم كتب عام 1938 مقالا بعنوان ” أنا وعمامتي” في مجلة الهاتف التي يصدرها القاص جعفر الخليلي، قال فيه لقد رميت العمامة، وبدأ يتحدث كيف تعرف على ماركس في النجف أي من خلال بحث وجده واقتنع بالرأي الآخر.
   وأوضح د. شعبان أن العراق المتنوع قومياً يضم أيضا تنوّعاً دينياً. فإضافة الى المسلمين، بطائفتيهم الرئيسيتين الشيعة والسنّة، هناك "أقليات" دينية متعايشة، خصوصاً المسيحيين بطوائفهم، وصابئة، ويزيديين، وأرمن وغيرهم. والجميع يؤلفون نسيج الوحدة الوطنية العراقية بفسيفسائها وتمايز ألوانها، واضاف: لقد عانت الدولة العراقية منذ تأسيسها من أزمة حادة، استفحلت مع مرور الأيام بوجود "حكم أقلي" وابتعاد القاعدة الاجتماعية الواسعة عن المشاركة في إدارة الشؤون العامة، وبالتالي تقليص دائرة الحكم، حتى إن دستور العام 1925 "القانون الأساسي" الذي بدا متقدماً حين صدوره، أهمل بالتدرج وتقلّصت هوامش الحريّات، وخصوصاً حرية التعبير، وازداد النفوذ الأجنبي.
   ومنذ ثورة 14 تموز (يوليو) ولغاية الاحتلال العام 2003، حُكم العراق من قبل أنظمة شمولية ارتفعت فيها وتيرة العنف مع مرور الأيام، خصوصاً في ظل ادّعاء الأفضليات والزعم باحتكار الحقيقة، موضحا أنه إذا كان التنوّع من خلال التعايش والوحدة الوطنية دليل قوة، إلاّ أنه لم يكن كذلك في منظور بيرسي كوكس – مس بيل بعد قيام ثورة العشرين (1920). فلم يكن ذلك من وجهة نظرهم ومصالحهم، سوى نوعاً من التناقض والصراع، الذي ينبغي أن يُحل لمصلحة بريطانيا بإحداث التعارض بين القاعدة العريضة وقمة الهرم التي كانت تضيق باستمرار، ومنوها إلى محاولة الملك فيصل الأول تشخيص هذا الوضع قبل ما يزيد على بضعة عقود من الزمان وبعد خبرة في الحكم دامت نحو 12 عاماً حين دعا في مذكرته الشهيرة، التي وجهها قبل وفاته بفترة قصيرة (1932) إلى تقديم أولوية الانتماء إلى الوطن بدلاً من الطائفة والعرق، بسبب نهج لم يعتمد المساواة بين المواطنين أساساً للحكم، وخصوصاً فيما يتعلق بقانون الجنسية رقم 42 العام 1924، الذي قسّم العراقيين إلى فئة أ و فئة ب فيما يتعلق بشهادة الجنسية العراقية، وعلى أساسه والقوانين اللاحقة جرى تهجير عشرات الآلاف من المواطنين العراقيين بحجة التبعية الإيرانية وإنسابهم إلى الفئة (ب)، في حين أن الفئة ( أ ) نسبت إلى التبعية العثمانية وبالتالي إلى التبعية العراقية (بالتأسيس).
   واوضح د. شعبان أن الدولة بعد الاحتلال الأمريكي وبموجب صيغة بول بريمر- زلماي خليل زاده، نغروبونتي توزّعت على ثلاث كيانيات سمّيت "مكوّنات"، هي الشيعة والسنّة والكرد، وفقاً لهذا النظام تمت المحاصصات الطائفية والإثنية وسارت على هذا الطريق من الناحية العملية منذ العام 2003 ولحدّ الآن، ويبدو إنها أصبحت مرتهنة إليه وأسيرة له، بل إن شرنقة تكاد تلف هذه الصيغة على نحو شديد لا يستطيع أحد الفكاك منها.
   ولفت د. شعبان أن من مظاهر الأزمة الراهنة هو: غياب الحد الأدنى من التوافق الوطني حول الوحدة الوطنية قاد إلى رؤية متناقضة للجماعات السياسية والطائفية، وهذه الرؤية تزداد تعقيداً بفعل اشتباك المصالح وتضاربها وبحكم التداخلات الإقليمية والدولية، يضاف إلى ذلك سعي أمراء الطوائف في الحصول على المزيد من الامتيازات لشحن أبناء طوائفهم ضد الآخر بزعم الخطر القادم. فالشيعية السياسية، وخصوصاً الجماعات المسلّحة، سواء في السابق أو في الوقت الحاضر عادة ما تطمح إلى دور أكبر، كما لفت إلى استناد نشاط هذه المجموعات الشيعية، السياسي والعسكري، إلى 3 ركائز أساسية:
الركيزة الأولى – هي التحالف مع إيران والترحيب بالدور الإيراني الذي تقوم به في العراق، سواء في مواجهة داعش أو في دعم العمليات السياسية، أو في "الدفاع عن المذهب"، حتى التدخل العسكري في سوريا، هو بالدرجة الأساس دفاع عن المقامات المقدسة، وخصوصاً في السيدة زينب.
   أما الركيزة الثانية – فهي وقوفها بقوة ضد عودة القديم إلى قدمه، أي الحؤول دون محاولات عودة أتباع النظام السابق، وهو الأمر الذي يجعل من موضوع المصالحة الوطنية مجرد شعار ترويجي، ليس للتطبيق بحكم المخاوف المزروعة والمستمرة بين الأطراف المختلفة، وخصوصاً باستمرار قانون المساءلة والعدالة الذي هو امتداد لقانون اجتثاث البعث الذي أصدره بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي للعراق العام 2003، (وقد صوّت البرلمان العراقي على قانون جديد تحت عنوان "قانون حظر حزب البعث" في 3 آب /أغسطس/ 2016).
   وأما الركيزة الثالثة فهي الوقوف ضد الخطر الوهابي، الذي يجري أحياناً تهويله لدرجة كبيرة. وهذه الركائز الاستراتيجية الثلاث تعمل عليها قوى الشيعية السياسية وإيران بصورة متداخلة ومتكاملة، وهي ضمن برنامج تدرّجي وبعيد المدى، له ركن سياسي وآخر مذهبي، يتعلق بالمصالح والصراعات الإقليمية، إضافة إلى ركن اقتصادي وتجاري ومالي، كما لفت إلى تخويف السنّية السياسية المشاركة في العملية السياسية أو غير المشاركة أبناء المناطق الغربية والسنّة العرب عموماً من:
1 –"الخطر الشيعي"، وخصوصاً محاولات انفراد الشيعية السياسية بالحكم وتهميشها الطائفة السنية، بحجة الأغلبية .
2 – التدخل الإيراني وما تطلق عليه "التمدّد الصفوي" بهدف التعبئة ضد الخصوم السياسيين والنفوذ الإيراني بوجه عام، سواء كان الأمر بصورة مباشرة أو غير مباشرة، والى ارتكازها في مشروعها السياسي على:
أ – اعتبار دول الخليج وتركيا حليفاً للسنيّة السياسية، مقابل تحالف إيران مع الشيعية السياسية، وذلك بهدف إحداث توازن نوعي في ميزان القوى الداخلي.
ب – عادت بعض المجموعات من السنية السياسية بمن فيها قوى ورؤساء عشائر وشخصيات إلى التعويل أكثر من قبل على واشنطن والتقرّب منها مباشرة أو عبر دول الخليج وتركيا، بهدف كسبها للوقوف ضد النفوذ الإيراني من جهة ومن جهة ثانية ضد حلفاء إيران من الشيعية السياسية الحاكمة.
وتساءل د. شعبان في ختام المحاضرة بعد أن وضعت الأزمة العراقية الأخيرة، الدولة ومستقبلها على بساط البحث، فهل سيتعرّض العراق للتفتيت؟ ثم ما هي السيناريوهات؟ وإذا كان هذا السيناريو محتملاً بفعل استفحال الأزمة العراقية وعدم وجود حلول جذرية لإعادة لحمة الدولة باستمرار الطائفية السياسية التي تمثّل جوهر الأزمة، فالدراسات المستقبلية تضع سيناريوهين آخرين لأزمة الدولة، أولهما: سيناريو استمرار الحال على ما هو عليه أو تفاقمه، الأمر الذي يمكن أن يقود إلى احتمالات أخرى، وثانيهما: سيناريو التوحيد، وخصوصاً إذا ما توافرت إرادة سياسية موحدة وظرف موضوعي وذاتي مناسب. ما الذي يمكن أن يحصل؟ وأي السيناريوهات المستقبلية سيكون أقرب إلى الواقع؟
   مؤكدا أنه سيكون على عاتق الطبقة الوسطى، وخصوصاً المثقفين والأكاديميين والمفكرين ومؤسسات المجتمع المدني، دور مهم على صعيد التوحيد والتغيير، ويحتاج الأمر إلى جهود فكرية وثقافية وسياسية لتشكيل قوة ضغط لإعادة النظر بالدستور واعتماد قواعد اللامركزية الإدارية على صعيد الأقاليم الفيدرالية أو المحافظات على نحو صحيح ومن دون صفقات سياسية بوصفها نظاماً لتوزيع الثروة والسلطة، كما لا بدّ من اعتماد آليات توحيد ديمقراطية الأسلوب واجتماعية المضمون.
هذا، وشهدت الأمسية –التي ناهزت الساعة ونصف – حضوراً لافتا ومشاركة واسعة من الجمهور.

 الأربعاء 4/3/2020