هل اصيبت كنائسنا باعراض فيروس الكورونا
رأي بقلم: آشورسمسون ـ الدانمارك في مقالتي هذه سوف أطرح اراءي في موضوع (فيروسين) الاول يصيب الانسان اليوم في كل مكان من هذا العالم الذي نعيش فيه والاخر يصيب جسد كنائسنا المشرقية عموما وبالاخص كنيستنا المشرقية الآشورية.
اطرح أراءي كأنسان بانتماء وايمان متواضع بان كنيستنا ورسالتها هي حقيقة تاريخية مشرفة معمدة بدم يسوع المسيح وشهداءها لالاف السنين. واعرف جيدا ان هذه الاراء سوف تغضب البعض او الكثير، ولكن هذا الغضب سوف يزيد من قناعتي باني اصبت الحقيقة عندهم ووضعت يدي على الجرح والداء.
وانا هنا اود في البدء ان اقول اني أكن كل الوقار والاحترام لرجال الدين بادئا من كاهن رعيتنا هنا في الدانمارك ولكل اباء واساقفة وبطاركة كنيستنا المقدسة، لشخصهم ولدرجتهم الكهنوتية، ويشرفني ان تجمعني بالعديد منهم علاقة محبة وود واحترام .كما اني احترم ايضا الاراء والافكار والمواقف المطروحة من قبلهم. وعندما اطرح اراءي، كعادتي في الكتابة، فاني انطلق من تشخيص الظواهر والحالات بعمومية ودون شخصنة، لذا املي ان يكون بالمقابل تلقي واعي واستعداد للاستماع واحترام اراء الاخرين وان كانت مخالفة لاراءهم، وان لا يصفوها في خانة قليلي الايمان، او عابدي الشيطان اوغيرها من الاتهامات الجاهزة.
أراءي اطرحها بحرقة وحسرة واستغراب
ــ اني استغرب واقع امتنا وشعبنا ومجتمعنا. ما من أمر، شأن او حدث ان كان مصيري او كارثي يواجهنا الا ونجد من يستغل الحدث في طرح افكار من اجل ابراز الذات او تأجيج الصراع او المزايدة في الحرص على الايمان والمبادئ اوالانتماء.
في الاونة الاخيرة، كرد فعل للانتشار السريع لوباء الانفلونزا (فيروس الكورونا)، شاهد الكثير منا في مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة لاراء البعض من رجال الدين لكنائسنا المختلفة. وللاسف الكثير منها كان بطريقة استعراضية دراماتيكية (دون كوشيتية) مبالغة في المزايدة في الايمان وكانها هي الشخصية الوحيدة الحامية لمبادئ المسيح ورسالته على الارض، والاخرين محرفين لها.
ــ اني استغرب عندما اسمع من رجل الدين عندما يزايد في الايمان والتضحية ويقول ما معناه حتى لو كنت مصابا بفيروس (كورونا)، تستطيع ان تأتي الى الكنيسة ويكون لك الشفاء التام عندما تتناول جسد المسيح ودمه بايمان، وقوانين البلد تفرض على من يكون مصابا عليه ان ينعزل عن الجميع. وكان استغرابي بل استياءي وتقززي اكبر عندما اسمع من رجل دين يزايد في ( ايمانه وتقواه وتضحيته ) من اجل الرعية ليقول بالنص ( تعالوا وانا سوف الحس فيروس الكورونة منكم ) مهلوسا ومتوهما بانه هو يسوع المخلص. أنا شخصيا ابصم بالعشرة ان رجال الدين بهذه الشاكلة هم اول من ترتعد فرائصهم خوفا ورعبا، لو علموا فعلا بان مصابا بهذا المرض الخطير حاضر بين الرعية. لو كنتم فعلا بهذه الغيرة في التضحية من اجل المستضعفين والمحتاجين، لكنا رأينا خيمتكم مع مخيمات اللاجئيين والنازحين من ابناء شعبنا في احداث الموصل وسهل نينوى والخابور تعايشونهم ولو لاسبوع لتلعقوا جراحاتهم وليس (فيروسهم) وتخففون من الامهم ومعاناتهم. أنا لا استطيع ان افقه كيف لرجل دين ان يلغي بهذا الهراء ويدعوا من هو مصاب ان يحضر ويعدي المئات الاخرين. هل هكذا هي المسيحية وايمانها. والطامة الكبرى عند وقوع الكارثة وانتشارالمرض او عدم شفاء المريض، التبرير جاهز عندهم ـ قلة ايمان الرعية وشكها ووقوعها في براثن وشباك وفخاخ الشيطان (الكبير،القاهر، الجبار والعملاق).
ــ اني استغرب، عندما تطالب حكومات الدول التي نعيش فيها في المهجر(بجدية / وتشديد), وليس الحكومات الفاسدة في بلداننا الاصلية، ان تلغى المناسبات والتجمعات ومنها القداديس لمدة اسبوعين او شهر او اكثر. علما ان هذه الدول سوف تواجه انهيار اقتصادي خطير، ولكن وقاية الانسان هي مسؤولية جسيمة عندهم ولها الاولوية، هل ان هذا الالغاء للقداديس لاسبوعين سوف يزعزع ويهدد ايماننا ويهدد وجود كنيسة عمرها الفين عام. منكم تعلمنا (بان كنيستنا مرت في تاريخها بفترات اضطهاد ومذابح وتطهير لعقود وعهود وسنين ولكن الكنيسة بقت شامخة وراسخة لانها مبنية على صخرة).
ـ أني استغرب أن ارى في كثير من طروحات رجال الدين تراهم يعادون العلم والطب والعلماء ويحاولوا تصغير نتاجهم وعطاءهم للبشرية والانسانية، انهم دائما في تنافس وصراع عقيم معهم ، مما يعكس لي شخصيا هو قلة الايمان والشك والعجز في فهم رسالتهم. في الوقت الذي يستطيعوا ان يركنوا الى ايمانهم ويؤمنوا بان هؤلاء العلماء وذكاؤهم ونتاجهم هي من نعمة الاله الخالق، لذا واجب عليهم ان يباركوهم في علمهم وعطاؤهم ويعاضدوهم في نصائحهم ويستمعوا ويطبقوا ارشاداتهم. وحسب معرفتي المتواضعة جدا في الفكر المسيحي ورسالتها الفقهية واالفلسفية الكثير الكثير ما يساعد رجل الدين بسلاسة ووئام ان يكون ساندا ومكملا على الاقل روحيا للعلم والعلماء. ولا ننسى ايها الاحبة ان في بيوتنا وبيوتكم خزانة مليئة بالادوية والمستحضرات الطبية وعند اصابتكم لا سامح اللـه بمرض عارض، يكون علاجكم ورقادكم اولا في المصحات والمستشفيات وليس في الكنيسة. منكم تعلمنا ( ما لله لله وما لقيصر لقيصر).
ــ اني استغرب ان في كنيسة واحدة تصدر اراء وتصريحات متعددة ومتغايرة ومتناقضة بأسلوب يبرز للمطلع البسيط ان هناك صراع وتنافس ومزايدة ولا احترام للبطريركية المركزية. في الوقت الذي كنت ان امل فيه ان يكون حوار متبادل بين الرعية والكهنة وبين الكهنة والاساقفة وبين الاساقفة والبطريرك او سكرتاريته، لكي يصدر منها بيان وتوضيح مركزي. ليس بالضرورة ان يكون تطبيقا واحدا لكل الابرشيات، لاننا نعرف ان الكنيسة اليوم مبعثرة في كل بقاع العالم وتخضع لقوانين وتقاليد واعراف الدول المختلفة. وهنا أوكد على دور الكاهن في كل بلد في ان يكون من الوعي والثقافة والادراك لواقع المجتمع الذي يعيش فيه وينقل للمرجعية الدينية واقع الحال وتصوراته للحل الامثل في البلد الذي تتواجد فيه الرعية، بدل الانتظار ( للاوامر) والطاعة (العمياء) لبيروقراطية عقيمة لا تلائم هذا العصر.
ــ اني استغرب انه بعد الفين عام والكنيسة في شموخ وثبات وقوة في الايمان والوجود والبقاء، رغم ذلك نسمع ذكر اسم الشيطان في الوعظ والوصايا والخطابات اكثر من ذكر اسم الرب المسيح المخلص، واحيانا نكاد ان نشك في اننا نعيش الفرح والسرور والقوة في المسيح ام اننا نعيش الخوف والرعب والقلق اليومي من رجس الشيطان وشراكه. متى نكف ان نلقي كل ما يحدث في عالمنا اليوم من عوارض وكوارث ومأسي وحروب على الشيطان لنبرر عجزنا امامها، ولنتعامل مع الاحداث والامور بالعقل والعلم والمنطق والحكمة لايجاد الحلول. منكم تعلمنا ( في الصليب أكمل المسيح الغلبة على ابليس)
ــ اني استغرب ايها الاباء الاجلاء ان تنصحوا فينا نحن ابناء الرعية الخطاة ان نحب ونغفر ونسامح بعضنا الاخر ولكن فيكم انتم الرعاة نرى شقاق وصراع وخلاف. تطلبوا منا الطاعة والاحترام لهيبة وقداسة الكنيسة وكهنتها واباءها وبطريركها، وانتم بتصرفاتكم ومواقفكم هذه تسيئون الى الكنيسة وبطريركها وتحطون من قدسيتها وهيبتها، بل يمكن ان تعرضوها الى نتائج كارثية وخيمة لا تحمد عقباها. منكم تعلمنا (أغفر لاخيك سبعين مرة سبع مرات)
ــ اني استغرب كيف لا ينتبه رجال الدين الى ظاهرة ابتعاد الشبيبة عن الكنيسة وخصوصا في دول المهجر. كيف لا تدرك ان في خطاباتها واراءها ومواقفها وتصرفاتها ما لا يلائم التطورات السريعة الحاصلة في العالم المعاصر. كيف لا تدرك ان ابتعاد الرعية عموما والشبيبة خاصة عن الكنيسة يهدد مستقبل الكنيسة ووجودها، ويمكن ان تكون لقمة سائغة (للكنائس المشبوهة) التي تقف متربصة لاخطاءنا لكي تتصيد في مياهنا العكرة باساليبها الماكرة واموالها الوافرة. منكم ننتظر ان تقنعوا شبابنا بحيوية مسيحيتنا وامكانيتها ان تواكب العصر والتطور بفعاليات ونشاطات تلائم هذا المكان والزمان بدل الحنين السلبي الى الماضي البالي الذي عفا عنه الزمن وولى. منكم ننتظر ان تحصنوا رعيتنا وشبابنا من (الانبياء الكاذبة بثياب الحملان وهم ذئاب خاطفة)
الخاتمة
ان فيروس الكورونا فيروس خطير ولكن دعنا نثق بالاطباء والاخصائيين الذين اعطى اللـه لهم العقل والعلم والمعرفة لكي يعالجوا الجسد. ولكن الاخطر هو الفيروس القاتل الذي ينخر في جسد كنسيتنا ورجالها، عندما نستطيع بيسر وسهولة ان نحس الصراع والغيرة والحسد متفشية فيهم. كل واحد انعزل في صومعته وخلق لنفسه مملكة ليكون فيها الحاكم الاوحد الذي يفتي ويشرع ويقرر بارتجال ومزاجية انفرادية دون استشارة البطريركية ولا حتى في الحد الادنى استشارة الكهنة او مجموعة من الناس المقتدرة في تحليل الامور بعقلانية وهدوء وروية. خطابات نسمعها هنا وهناك، مبالغة في التهويل والوعيد والترهيب، متشنجة ومتزمتة في الطرح والتخوين والتأويل، وكأننا احيانا نحس بانها خطابات أئمة قم وقندهار وليست خطابات ممثلي المسيح على الارض. نتحسس بمناوارات وتجاذبات وتكتلات وتيارات تدور في (اروقة) الكنيسة بشكل غير سليم ونزيه. رأينا كيف اختلقتم (جدار برلين) جديد في رعية اوربا ، وجدران اخرى نراها في امريكا وكندا واستراليا والعراق وكل البلدان. تخوفنا وقلقنا هو ان ينعكس صراعكم الهدام هذا في انتخاب البطريرك الجديد القادم. منكم تعلمنا (اكبركم يكون خادمكم)
ايها الاحبة اباءنا الاجلاء انتم مدينون اولا للمسيح المخلص، للكنيسة الرسولية المشرقية المقدسة برسالتها ودم شهداءها، للمؤمنين الذين يقّبلون صليبكم ويمينكم بخشوع ووقار، للشبيبة المستقبلية لكنيستنا وامتنا ووجودنا واخيرا وليس اخرا لقداسة البطريرك العليل، تذرعنا للـه القدير ان يمنحه الصحة والعمر المديد، بان تبتعدوا بنزاهة وشفافية وصدق عن اغوائكم واهوائكم ومزاجكم وتنظروا بعين العقل والحكمة والبصيرة لتختاروا (باجماع ) البطريرك الجديد وتعملوا معا من اجل كنيسة قوية في ايمانها ومؤسساتها. ومن منكم من لا يستطيع ان يساهم في هذا عليه مسبقا ان يمتلك القرار الشجاع في التنحى عن المسؤوليات.
امتي وكنيستي وراء القصد ...