المحرر موضوع: شاكر مجيد سيفو، أُمي وقيامة الرغيف  (زيارة 745 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل بولص آدم

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1185
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني


شاكر مجيد سيفو، أُمي وقيامة الرغيف

بولص آدم

 ..والعالمُ يعيش ميتات الملائكة الأمهات واحدة بعد الأخرى في كل مكان، على ذمة فيروس فتاك.. لاننسى يوم الأم في العراق، ولاننساه من مجدها وخلدها في أشعاره .. هو معنا كل يوم، روحاً شعرية ناصعة، وهو الآن في بغديدا، على سرير المرض..
  قبل أن أُقدم نص ( أُمي وقيامة الرغيف ) الذي أعتبره، وبدون أدنى شك،  واحدة من ألماسات تاج الشاعر العراقي الكبير، صديقي وأخي شاكر مجيد سيفو، ليس لأنه قد عقده بلآلي محبته الباذخة لأمه في ذروة شعريته الغزيرة، بل لأنه، قد كتبه والمرض العصي قد بدأ إجتياح كيانه الجسدي، مُكملاً دور عقارب السهل من وحوش الزمان الذين هجَّروه ونهبوا منزله وأحرقوا ما أحرقوه من قصائد وكتب وحتى كتابي، اللون يؤدي اليه، الذي أغتيل مع بغديدا، وتم أغتيال براءة هذه البلدة الملقبة بأُم الحزانى وبلدة الشهداء وغيرهما من الألقاب التي تدلُ على نٌبل الأنسان وعبق الأرض التاريخي. فكان هذا الدور، طوفانا أخذ مع أمواجه السوداء العاتية وجود الشاعر معه.. تاركاً لشاعرنا غرين بارد في ليلة ظلماء.. لامَلجأ لموزاييك روحه، سوى عالم الُأم، كعالم وحيد يفتح باب السعد المفقود له..
 قبل أكثر من عقد بقليل، أرسل لي كتابه، نصوص عيني الثالثة، أسر لي بمقدار أعتزازه بهذا الكائن الذي حلَّق حوله ناثراً على أيامه ندى الطمأنينة الزاخرة.. أمي العظيمة، أُمي الأعز ما يمكن أن يكونه كائن من يكون، أُمي.. ثم كتبت عن إبداعه في عين الحدس المؤثث بكل الآلهة والملوك و أجراس الكنائس، الأصدقاء و الأمكنة، المحلة والعالم، البدر والرغيف،وجه الصبح و مطويات النهارات بهمومهاوتأسفاتها اللآنهائية والبلاد تتسرب و تمشي حاملة نعشها في العاصفة..
  يتخيل الشاعر مالايتخيله انسان اخر في هذا العالم،اختيار الشاعر لطريقه جزء من رؤيته لعالمنا ثم تدريجيا وبنصوص متعاقبة خلاقة.. يبدا في مغامرة تمتد لتمتد أكثر وأكثر، انه الشخص الذي يحل محلنا في اي مكان وزمان كنا ويقدم لنا رؤية عجيبة نتبصر من خلال تعرجاتها ولفائفها وذكائها، باننا في اللحظة التي نعجز فيها، نلجأ الى من تولى تنصيب نفسه حكيما، يفسر او يفلسف لنا قليلا، ما هو ابعد كثيرا من مرمى ابصارنا، ويتركنا كاجنة كاملة في رحم الدهشة لنولد اصحاء مندهشين مسحورين..

أُمي وقيامة الرغيف

شاكر مجيد سيفو

مردقوش، إكليل الجبل، مليسا، كركم،
زيزفون، زعتر، قريص، حلبة، دارسين زنجبيل،
هؤلاء ليسوا أصدقائي
حروف الرخام صديقاتي
أصدقائي باخوس وأسخيليوس ونابو وانليل وآنو
كل ليل نحتسي العرق المغشوش
ولا نلتقي أبدا إلا في السرداب ذي الرقم ح .
أمي كانت تنقش بحروف ذهب جبينها أبديتها
فوق رخام جسدي
وتوقظ فيه الرماد
سبعا وسبعين مرة
تحصي سنابل أعوامها الثمانين
وتضحك أسنانها للتسعين
سنابل أعوامها تخضرّ في رماد عيني وتجاعيدي
وارتعاشة النجوم في سمائي الثامنة
في رعشة النارنج والناردين
وسعادة يديّ الراعشتين
تكتب أمي وصيتها
في مظروف من فضة روحها
وتكتبني في ارتجاف الرغيف والقمر فوق جبيني
في رعشة الرغيف وقيامته
وروحه ترفّ
في كفّ يسوع
في رعشة الرماد تكتبني امي بدمعها
وتطفئ رماد أعوامي الستين
في يقظة تنورها
الرغيف يرتجف وأنا في طيشه مثل الياقوت
تارة ألمع وأخرى أقع
في طيش التنور أذهب مع الرغيف في اللهب
أذهب في الطحين من أجل سعادة الأسبرين
أسقي سريري بالقرفة واليانسون والزنجبيل
أمي تأخذني كل صباح إلى بوح القيمر
وفضائح القمر
إلى رعشة النواقيس ودقاتها
أرتق أخطاء قداسي
في رائحة البخور وهرج الصنوج
الطيور هنا تصمت
والمخلوقات والياقوت والبياض
في محلة «السمقو»٭
أمي حفظها الربّ ومار يوحنا الذهبي الفم
تأخذني إلى جراحاتها الرخامية
أنا الذي آكتويت بعشق المدائح والأرق
في ذكرى عيد مار بهنام واخته سارة
حاملا في سرّتي صرّتي والبلاد
وسرّة البرق تهذي في فمي .
أمي كانت تخبز أضلاعي السبعة
لأخوتي السبعة الذين رقدوا
في السابع من آب
ذات مرة
واخرى ذات شتاء ماطر وكليم
دُحسوا في سبعة قرون من قرون السماء الثامنة
قرنا يبلع قرنا
في ارتعاشة الصمت والبياض والكلمات
كانت العصافير تصفق تارة وتصمت أخرى
على أسلاك الكهرباء
وهناك قريبا من روحي ـ في العيادة الشعبية في عنكاوا
أخبرتني د. نهلة بأنّ سعادة جسدي تسطجُّ في لسان السونار
كانت صديقتها زينة ترتب لي شرشفا أبيض
ليقطّر جسدي بياضه فوقه.
أمي كانت تطبخ لنا
بؤبؤ عينها اليمنى
كي ننام هانئين بلا أحلام سود
من خجل البصل وفضائح الثوم
وقيلولة النار
وقيامة الخبز الأسمر
ولعنات الكهرباء
ظلت حروف الرخام رفاً
أو دارا للاستراحة
وعينا أمي معلقتان في سقف المطبخ تدمعان
يقطر منهما السخام والدمع الأسوِد..
٭ المحلة القديمة التي عاش فيها الشاعر طفولته وصباه وشبابه




غير متصل وليد حنا بيداويد

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 3064
    • مشاهدة الملف الشخصي
الأخ بولص ادم المحترم
بعد التحية

ارسل من خلالك تحية عطرة لشاعرنا الكبير العزيز (شاكر سيفو) متمنيا له بالشفاء العاجل
مع الورد

وليد حنا بيداويد
كوبنهاكن
[/color]

غير متصل بولص آدم

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1185
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الأخ وليد حنا بيداويد المحترم
تحية طيبة
 إلتفاتتك الانسانية وباقة الورد ستُفرح شاعرنا شاكر سيفو، ستترك في نفسه أثراً كبيراً، خاصة وكما هو حال كل المبدعين بقامته يصارعون المرض اللعين ذياك بصمت وصبر، لقد منحوا عصارة المحبة شعرا ونقدا لشعبهم وأرضهم وكرامة الانسان وقيمه الأسمى، هؤلاء للأسف قلما نالوا المساندة والرعاية وحتى تذكّر منجزهم الشاسع، فشكرا لك، ولك منه بالتأكيد كل التقدير.
بولص آدم

 
كلُّ هذي الأحداق

شاكر مجيد سيفو

عين في الريحْ
تسأل عن الجسد والروحْ..

****

لو أن عيون السماء
هطلت على فم الأرض
لَنبتَتْ للخلائق أحداق
بحجم عيون الفردوس،
منْ إذن سيُحَمِّلُ هامةَ
الملائكة غير فضّةِ هامة السماء؟

****

مَنْ سيرفُد عينه لها
لو سكنتِ البلادُ
في المحاقْ
الله الله يا عراقْ
خُذْ يديَّ إلى أقفال الدنيا
لأبتكر لها هذي المفاتيح
وأجمع لها كلّ الآفاقْ

****

ولَدَيّ من الواواتِ
لأختصرَ العالمين
في خضرةِ عكازتي!

****

-مرّةً- في طفولاتنا سَرَقْنا القمر
فأعتَمَتْ أحداقنا..

****

بيانُ الحنّاء في كفّيكِ
صدى سعاداتي الأولى
تقدح في صياحات الديكة
ذات زواجاتٍ كاملة..

****

كلُّ هذي الأحداقْ
وتقولُ
ناقصة هذي الآفاقْ!