البابا فرنسيس يحطم مفهوم النخبة
بطرس نباتي كلمات قوية قالها البابا فرنسيس بتاريخ 28/ 3 في عظته الصباحية في بيت القديسة مارتا ( لقد أصبحنا الطبقة الحاكمة، لا يمكن لأيدينا ان تتسخ مع الفقراء)
منذ ان تولى البابا فرنسيس ومسالة الفقر في العالم تشغل مساحات واسعة في فكره و في عمله الرسولي ، فهو قد تخلى عن العديد من الهدايا القيمة متبرعا بها لفقراء العالم ، وهو قد شارك الفقراء والمعدومين وأرذل طبقات المجتمعات الفقيرة معيشتهم ، تواضع لحد انه شارك في الاختلاط بالمرضى وحاملي الأوبئة بدون خوف من العدوى وغيرها ، هذا ليس في زمن هذا الوباء الجامح ( كورونا ) بل اختبر هذا البابا قبل ذلك في كافة زياراته فهو لا يخشى من الاختلاط بالطبقة المسحوقة ( اخوة يسوع ) كما يدعوهم ، او زياراته للسجون والمعتقلات ، لكن ما لم يفعله اي بابا اخر او لم يتجرأ اي من كرادلة الكنيسة الكاثوليكية وغيرها من إعلانه قبل هذا الاب الأقدس ، خروجه اليوم وبشجاعته المعهودة في كلمة قيمة وشجاعة جدا ، في تحجيم بل تحطيم مسألة مهمة شغلت العالم الا وهي تحطيمه لمسالة (النخبة ) ، فالنخبوية التي قادت العالم الى الهلاك وقادت الفكر الى الدمار ، انبرى أبانا فرنسيس لها بكلمات شجاعة ( هناك بين معلمي الشريعة نوع من الاحتقار للشعب، بحيث يعتبرون الشعب درجة ثانية لا أهمية لها. الشعب يتبع الرب يسوع الذي لم ينسى أنه من هذا الشعب، واما معلمي الشريعة فقد فصلوا انفسهم وترفّعوا. الشعب يتبع يسوع ولا يتعب. هناك انشقاق بين الشعب و”النخبة)
النخبة سواء كانوا من معلمي الشريعة او من قادة العالم ،او من المؤمنين بأيديولوجيا معينة او من النخبة المثقفة ، ما هم غير جماعة محتكرة لأهم المناصب السياسية والاجتماعية، والدينية ( اكليروس ) وبيدها مقاليد الأمور، تتحكم رغم انها أقلية بأغلبية محكومة منقادة وليس لها صلة بصنع القرار السياسي او اي قرار اخر ديني او اجتماعي ، وهي قادرة بواسطة تحكمها بالأكثرية بان تكون لها قدرة على التحكم بمواقع القرار ( حسب رايت ميلز )
هذه المقدرة تعرض لها الاب الأقدس ، فيما كان غيره من الإكليروس يحاولون بشتى السبل ليس المحافظة عليها بل تنميتها وجعلها واقعا في جميع المجتمعات ، فقد حاولوا كنخبة دينية في فرض سيطرتهم على الأباطرة وتسيير القادة قبل فصل الدين عن الدولة ،كما حاولوا ان يستأثروا بالسلطة الدينية وكانها من الله أعطيت لهم ليتصرفوا برعاياهم وكانهم خراف وليسوا من لحم ودم وفكر ، بهذه الكلمات وبهذه العقلية المتفتحة وبهذه العبارات المقدامة ، يدحض قداسته مسألة القطيع يقول ( لقد اصبحنا الطبقة الحاكمة، لا يمكن لأيدينا ان تتسخ مع الفقراء. عندما لا يتحلى الكهنة والراهبات بالشجاعة لخدمة الفقراء، فهذا يعني ان هناك شيء أساسي ينقص. لقد نسوا الذاكرة. نسوا أن يسوع كان من الشعب. نسوا ان الرب قال لهم “إني من القطيع اخترتك”. فقدوا ذاكرة الانتماء الى هذا القطيع) النخبة التي قادت وتقود العالم نحو الحروب نحو الهلاك في مشاريعها في امتلاكها لكل أسلحة الشر تقف اليوم مشدوهة وعاجزة امام شجاعة البابا فرنسيس ، لقد بدأ اولا بالكنيسة ولكنه يقصد بها كل طبقة اخرى نخبوية سواء كانت سياسية او ثقافية او أيدولوجية او مجتمعية ، جميعها اليوم مهددة بوجودها وديمومتها من قبل بابا عرف بالويلات التي سببتها طبقات النخبة المختلفة للبشر ، وبدأ بتحطيم النخبة وآرائهم البعيدة عن فعل الخير بدأً من الإكليروس ( “قيل لي هذه الأيام: ولكن لماذا يذهب الكهنة والراهبات الى الفقراء لإطعامهم، قد يلتقطون فيروس الكورونا. قل للأم الرئيسة أن تمنع الراهبات من الخروج. وقل للأسقف أن بمنع الكهنة من الخروج هم فقط للاحتفال بالأسرار، ودع الدولة تهتم بإطعام الجياع) من قال له ؟ سوْال قد يطرح بقوة ، بدون ان يجيب الاب الأقدس نفتهم ، بأن النخبة من الإكليروس المحيطين بالأب الأقدس قالوا له هكذا ، مستشاريه الذين يحيطون به ، ولكن هل يصغي اليهم هل يستمع هذا المقدام وينفذ لهم رغباتهم ، كما يفعل عندنا بعض الأساقفة عندما يحيطون انفسهم ببعض الشلة من المنتفعين والمتملقين ، لنقرأ ماذا يقول الاب عن الشعب وليس كما يقول عن الرعية يقول
( الشعب، وحتى وسط الخطيئة، لديه حدس معرفة أين هو الروح ليعود الى طريق الخلاص. أما “النخبة” فقد فقدوا ذاكرة انتمائهم الخاص الى شعب الله. انتقلوا الى طبقة اجتماعية أرف ، طبقة ما نقد نسميه “الاكليروسية)
وفي ختام كلمته الشجاعة هذه يؤكد البابا على النخبة و تسلطها وانه عندما يريد ان تؤدي دورها حسب ما اراده لها الانجيل اي ان تكون مع الشعب وليس فوق الشعب ، أراد البابا ان يمحو من الذاكرة كل عوامل الفوقية التي دخلت الى الإكليروس عبر اباطرة وملوك روما والغرب في ان يحل الكاهن او الأسقف محل سلطة الله على الارض ، اليوم البابا فرنسيس يعلم البشرية درسا اخر بكلماته هذه ( تذكروا ما قاله بولس لتلميذه تيموتاوس الأسقف الشاب: ” تذكّر أمك وتذكّر جدّتك”، بمعنى لا تنسى من أين أتيت. لأن بولس – ختم البابا – “كان يعرف خطر أن يفصل رجل الدين نفسه ليصبح “نخبة )
نعم يا أبانا الأقدس ، كما تقول ، البشرية اليوم بحاجة الى كلماتك الشجاعة ، كما انها بحاجة الى قديسين من امثال ابي الفقراء فرنسيس الأسيزي الى أيادي القديسة تيريزا لذلك تشعر بالألم والحزن وانت تقول :
عندما لا يتحلى الكهنة والراهبات بالشجاعة لخدمة الفقراء، فهذا يعني ان هناك شيء أساسي ينقص. لقد فقدوا الذاكرة. نسوا أن يسوع كان من الشعب. نسوا ان الرب قال لهم (إني من القطيع اخترتك) فقدوا ذاكرة الانتماء الى هذا القطيع.