المحرر موضوع: الُأغنية المفقودة  (زيارة 528 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل بولص آدم

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1185
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الُأغنية المفقودة
« في: 00:17 13/04/2020 »
الُأغنية المفقودة

بولص آدم

حدثني رجل وجد بوصلة حياته ثم فقدها وأنتابه قنوط و حمى شديدة..
حدثتني صديقة يوما ما، عن انهيار نفسي مؤقت نجت منه ..
كان لي جار، لم يٌحدثني بشئ قط، غير التحية فقط، يعود ثملاَ الى شقته  فجرا  و الغناء بأعلى صوته سمته..
حدثني جزائري عن اخيه المكتئب الغائب الحاضر في حياة استنزافية يعيشها رجل كتب على الوالدة لترعاه طيلة حياتها، مثل طفل يتنهد ويبكي بلاسبب، يخشى مغادرة البيت طوال سنوات، طفل مشوه كبر وهو يخاف التلفاز والأقارب ويعتقد بان العالم ملئ بالعقارب.

حدثني باكستاني بانه تجول في الصين بدراجة نارية لأنه لايطيقُ بلاده الا في الحنين اليها وهو يتشوق إلى أهله ، اكد لي بانه كان قويا جدا ومتمردا مغامرا وذلك ما ادى به للتواجد هنا في اوربا .
وما فاجاني به عراقي كان مهندسا والآن لاشئ، بانه يكره نفسه ويتاسف لأنه لم ينتبه الى ضرورة معرفة وممارسة كل انواع الزيف لكسب حصيلة اكبر من المال والعيش قرب حرارة الحظ والبذخ بشكل عام.

حدثتني امراة بانها سعيدة ومطمئنة لأنها ربت وكافحت وهي تشكر الرب ومهما كانت النتائج ..

 جايكوف ايضا، حدثني في قصة قصيرة جدا، عن رجل جمع المليون ثم فرشه على الطاولة امامه واطلق النار على نفسه !

حدثني رجل عراقي بانه ينتظر قوانين التقاعد الجديدة منذ القدم .

.... حدثني احد ما عن موضوع لم افهمه الى هذه اللحظة .

حدثني الشيطان عن تراتيب العهد السعيد باستخدام البنادق .

حدثتني مغربية عن القمل الذي حمله عمها الصياد في قماشة ، مُكَيساً اياه كشاهد على مقتل الأب في جزيرة تنريفا عروس المحيط .

حدثني هذا وحدثني ذاك ولم يسمع اي منهم مارغبت حقا في تلخيصه بما انا مزمع مخلصا للحديث عنه. يبدو بانني ساتذكرهم مرة واضيف الى مجموعتهم متحدثين اخرين، فالحديث لقاء واللقاء نبض العالم ..

حدثني مصري عن تخليه عن وظيفته كشرطي لكي لايضعف..

حدثني اميريكي بانه ضابط بحرية قديم في الفيتنام وبأن الرب رسم له شكل بوصلة الحياة، وقاده ليكون مبشراانجيليا بعد ان تسبب في مقتل محظيته الفييتنامية التي جلبها معه الى ماساتشوستس وماتت هناك فجرا، لأنه أجبرها على السُّكرِ معه حد الموت وهكذا ماتت .

.. حدثني شاعر ومترجم بانه يرغب في زيارتي وقطع مسافات طويلة لكي يفضفض ويرتاح، لأنه وجدني منقذا في ذلك الحين، ولم يتصل ثانية، إتصل بي بعد عقد من السنين وسألني: هل قرأت رسالتي؟!

.. حدثني يماني عن والده الذي قتل في الحرب الثمانية مع ايران، وحمل الحكومة العراقية مسؤولية عدم اعتبار والده شهيدا، وحالة اهله في مدينة القاعدة في اليمن، حالة يرثى لها، وحالته هو مدمنا ، منحرفا والخ .

.. كان ( ويلي ) ذا موهبة عظيمة في مكان عمله منذ يومه الأول لعمله في (الفويست ألبينة) اكبر مصنع للصلب والحديد في اوربا.. وهو بذلك عثر على بوصلة تاريخه الوظيفي الباهر، وتزوج من موظفة تعمل في نقابة العمال، منعته تماما وطيلة كل الأوقات المشتركة لحياتهما معا من رؤية ولده من مغامرة عابرة ، لذا فهو وببرود تام يعيش حياة فقدان البوصلة!

الأنهيار النفسي المؤقت الذي نجت من اغلاله صديقتي تلك كان بسبب اكتشافها المتاخر لكون اوربا مليئة بالأكاذيب وعدم قدرتها على الصمود .هكذا قالت، ثم رحلت الى الهند..

.. يثير رنين الجرس المثبت بشكل مائل اعلى باب شقتي الصغيرة تلك وفي تلك الأيام، إحساس مخيف وبلا سبب واقعي تماما، شعرت دوما بان في صوت تلك الأجراس اعلان لتهديدات تنبعث من اعماق ايام سحيقة وبذلك، خلف ذلك الجرس الرهيب لدي دوما شعورا بان احدهم يترصدني لقتلي وهو يطالب بفتح الباب للفتك بي !

 فتحت الباب، رجل يحمل السلم الصغير، تلوثت بدلة عمله البيضاء، ببقع الأصباغ واقفا امامي في الممر ، ينظر الى باب الشقة المجاورة لشقتي بثبات ولم يعر لي ولامن يرافقه من عمال الشركة اي انتباه . سالتهم :ـ
ـ ولم ايقاضكم الأرعن لي في لحظة كهذه، وانتم تقصدون باب جاري ؟!
ـ  نتاسف حقا، كنا نقصد باب جارك المغني السكير ألمتوفي !
  عدت ذاهلاالى الوراء، وجلست على مقعد قرب الباب وانا اسمع احاديثهم وهم في غمرة عملهم، في إزالة كل شئ يمت بصلة الى ذلك المغني الوحيد الذي ظل غامضا، ولم نره اطلاقا في كل نهاراتنا تلك ولم نتعرف عليه بشكل او بآخر، وما جعلني أعيد بشكل خاطف أحاديث أخرى كثيرة، تجعل الحياة حقلا منتجا للأثارة، تلك الأغنية التي لطالما غناها المغني الراحل والذي يُحَضِّرُ العمال والمرونق شقته لساكن جديد اخر.. تلك كانت اغنية عصية على الفهم وبلغة خاصة خليطة جدا، كنا عند سماعها فجرا ونحن في قلب النوم، نترجى من الرب أن يصمت .. الا أنني الآن، أشتاقُ الى ذلك الصوت الذي رحل.