المصاحبات النصية في اشعار الشاعر الفلسطيني شفيق حبيب
(مناصية للغلاف و العنوان)
شفيق حبيببقلم:حسين شمس آبادي وراضيه کارآمد
إنّ الأعمال الأدبية لا تظهر كنص مكشوف وترتبط دائمًا بعناصر تصويرية أو لفظية، فمن الواضح أن هذه العوامل، باعتبارها عوامل إضافية للنص الرئيسي، يمكن أن تؤثر على اقبال القارئ فيما يتعلق بموضوع النص الرئيسي. يهتمّ هذا البحث بدراسة العنوان و صورة أغلفة دواوين الشاعرالفلسطيني شفيق حبيب (ولد في الثامن من كانون الأول عام 1941م في قرية دير حنـّا في الجليل شماليَّ فلسطين).
ابتدأ البحث بتحديد إطار نظري للعنوان و من ثمّ توجه البحث إلي دراسة العنوان الرئيس (المرکزي) و قام بدراسة العناوين الداخلية و صورة أغلفة دواوينه و سائر الصور الموجودة في صفحات کتبه. تفيد الدراسة من المنهج الوصفي التحليلي و قد توصل إلي عدة نتائج: منها أن الشاعر قد أتقن صياغة العناوين في ديوانه، کما أنّ العناوين قد عملت علي تکثيف الدلالة. صور الغلاف و العناوين الداخلية ترتبط و يتناسب معا و ألوان الغلاف تحکي عما يريد الشاعرتبيينه.
الکلمات الرّئيسية: شفيق حبيب، العنوان، الغلاف، الصورة، المناص.
المقدمة
إنّ النص الأدبي شعراً كان أم نثراً إطار لغوي متعدد الجوانب و اللغة تحكم النص الذي يجب أن يكون قبل كل شيء نسيجاً للقول الرفيع المعبر من شطحات الخيال وأطياره المحلقة في عوالمه بدون حدود. حينما نقرأ نصا أدبيا أو شعرا يلتفت نظرنا ما أحاط به، مثل العنوان، الغلاف، الصور، الفاتحة، المقدمة، التصدير، الهوامش، الخاتمة و... . العلم الذي يبحث عن هذه الأمور هو المناصية؛ المناص أو النص الموازي، هو من النظريات الحديثة حول علاقات التّناص الذي يقدّمه الجيرارد الجينيت لأوّل المرّة (قبادي وشكريان، 1389: 152: منقول من حمداوي، بدري و مداور، 2016: 7-9). و قد يأتي المناص في شکل تعليقات متعلّقة بمقطع ما في النص و هي: مناص داخلي و تفاعل نصي داخلي، أما المقدمة و الملاحق و کلمات الناشر و ما هو علي ظهر الغلاف فتدخل في المناسبات الخارجية. إنّ العتبات الداخلية تعتبر مجموعة من النصوص الموازية لکل کتاب و تکون ضمن خصائصه، وهذا الجزء من أشکال العتبات هو من قائمة طويلة من العناصر التي تبني عليها العتبات الداخلية أو النص المحيط، و عليه تکون العتبات الداخلية کل خطاب مادي يأخذ موقعه داخل فضاء الكتاب مثل: العنوان أو التمهيد ويكون أحياناً مدرجاً بين فجوات النص مثل: عناوين الفصول أو بعض الإشارت (منصر، 2007: 27). تشيرُ العناوين و صورة أغلفة الکتب علي ما يريد الکاتب أن يبين للقرّاء. لهذا هذه الأمور ذو أهمية بالغة عند الکتّاب و القراء. يعتقد شفيعي كدکني، أنّ إسم الكتاب أو العمل يكفي للحصول على وصف للخالق ونفسيته، كما يعتقد أن المؤلف لا يحتاج إلى أن يقرأ المؤلف آثاره، بل يمكنه أن يفصل رأيه عن طريق قراءة عنوان آثاره؛ لأنَّ العنوان تتكفل بتسمية العمل و أن تسمي كتابا يعني أن تعيّنَهُ، تعنونه كما نسمي شخصا تماما (شفيعي كدكني، 1386: 442؛ ابن منظور، 1997، ج4: 437 بالتصرف). العنوان هو الطريقة الأولى التي يتعرف بها الجمهور على الكتاب، وتساعد هذه الاقتباسات في الإجابة أو قبول تأثير الكتاب: كصورة غلاف ونوع غلاف الرسالة ولون الغلاف واسم المؤلف والناشر و تغطي شهرتهم الاسم المحرر أو رسم خرائط للكتاب (بشيري و آقاجاني كلخوران، 1395: 96-97). يعد الغلاف من بين العناصر المناصية التي ذکرها ج. جنيت G.Genette و هو دعامة مادية تحمل الکتاب و نص يوازي نصه الاصلي، و يعد أيضاً من المداخل الأدبية المهمة لأنه يقرأ کنص قبل نص. إن أول ما يتلقي بصرياً، أو يشاهد هو لوحة الغلاف، باعتبارها مناص ذو مظهر أيقوني، أو عتبة بصرية، لها وظيفة افتتاحية أو تمهيدية، فالعلاقة بين لوحة الغلاف و العنوان و النص هي علاقة تبادلية و تفاعلية و تکاملية في آن و هي مقصودة، لايمکن تجاهلها، فلوحة الغلاف هي بنية نصية علي قدر صمتها هي ناطقة، و علي قدر جمودها هي متفاعلة و مفاعلة. يعَدُّ الحديثُ عن الألوان من أساسيات دراسة الأغلفة، و علاقتها بما يحتويه العمل الأدبي حيث تلعب الألوان دوراً هاماً في التأثير علي نفسية الفرد، حيث أنّ الميل إلي بعض الألوان يرجع إلي ظروف حياتنا و ثقافتنا کما يرجع إلي الظروف النفسية التي يمر بها الفرد. باعتبار الغلاف العتبة الأولي التي تصافح بصر الملتقي، فقد أصبح محل عناية و اهتمام القراء الذين حوّلوه من وسيلة تقنية معدّة لحفظ الحاملات الطباعية إلي فضاء المحفزات الخارجية و الموجهات الفنية المساعدة علي تلقي المتون الشعرية. لذلك، يتطرق هذا المقال الي عتبة العنوان في دواوين شفيق حبيب و صورة أغلفة دواوينه و الصورالموجودة في بعض صفحات کتبه التي يرسم بعضَها الشاعرُ نفسُه لأنه يستحق الدراسة و الاهتمام. يعالج هذا المقال تحليل عتبة العنوان والكشف عن مكوناته. کما يهدف إلى دراسة صور اغلفة دواوين الشاعر والصور الأخري فيها محاولة تطبيق نظرية نقدية حديثة، و خاصة محاولة المناص لفحص عتبة العنوان و دراسة مناصية للغلاف في مؤلّفات الشاعر. سيتم المقال علي المنهج الوصفي -التحليلي. لذلك، فإن الأسئلة التالية جعلت البحث ضروريًا:
1-كيف استخدم المؤلف العنوان ومكوناته كنوع من السياق في مؤلّفاته؟
2- ما مدى تأثير هذا العنوان على القراء؟
3-علي أي شيءٍ يدل صور أغلفة و سائر الصور في کتب الشاعر؟
النتائج الأولية هي كما يلي: يختار الشاعر لکتبه عناوين قصيرة ذودلالة واسعة بأشکال عدة و هذا يدلّ علي ثقافته الواسعة و صور أغلفة دواوينه و سائر الصور الموجودة في کتبه يدلّ علي معان متعدّدة يتناسب مع الفکرة التي يلقيها في أشعاره. صور أغلفة المجموعات الشعرية للشاعر جميلة ذوات جاذبية حيث يثير الإنتباه عند القاريء.
الضرورة و خلفية البحث
العنوان يؤدّي دوراً أساسياً في فهم المعاني العميقة للعمل الأدبي و من هنا کان الاهتمام به أمرا حتميا لأنّه أوّل عتبات النص التي يمکن من خلالها الولوج إلي معالم النص و اکتشاف کنهه. لقد أُهْمِلَ العنوان کثيراً سواء من قبل الدارسين العرب، أو الغربيين قديماً و حديثاً، لأنهم اعتبروه هامشا لاقيمة له، و ملفوظا لغويا لايقدم شيئاً الي تحليل النص الأدبي؛ لذلک تجاوزوه إلي النص کما تجاوزوا باقي العتبات الأخري التي تحيط به. (رضا، 2014: 126- 124) هذا الإهمال لا يقلّل من قدر العنوان لأنّ عنوان الكتاب هامّ و نافع في اكتشاف غموض و تعقيد النصوص الداخلية أو النص الأصلي للكتاب. هو و ما رسم علي غلافة هامّان كذلك العتبة التي هي جديرة بالدراسة و الاهتمام. عنيت الدراسات النقدية في السنين الأخيرة بموضوع العنوان بوصفه المدخل أو العتبة التي يجري التفاوض عليها لکشف مخبوءات النص الذي يتقدمه ذلک العنوان، و اذا ما عُدَّ العنوان جزءا مهما من أجزاء النص أو مفتاحا له، و رأسا لجسده، فإن الحاجة الي معرفته باتت ملحة، طالما و فّرت فهما يضاف الي فهم المتلقي للنص. (الثامري، 2010: 13). اضافة إلي أنّ هذا الموضوع أُهمل من جانب الدارسين، الشاعر الذي يتناوله هذا المقال أي عناوينه و أغلفة دواوينه من الشعراء المعاصرين الذين لم يؤلَّف عنه کتاب بل مقالات کثيرة مثل؛ «شفيق حبيب في مرايا النقد» لمجموعة من الدارسين و المؤلّفين، الکتاب الوحيد الذي يعالج شعر و شخصية الشاعر. في ايران، هذا المقال من أول الدراسات و هذا يزيد اهمية الدراسة.
تمّ إجراء الكثير من الأبحاث حول المناص، وخاصةً حول «العنوان» وخصائصه في الأدب؛ كتب الباحثون العديد من الدراسات التي تعدّ الأبحاث التالية ذات صلة بها: «العنوان و سموطيقيا الإتصال الأدبي» للدكتور محمد فكري الجزار سنة (1998) و الكتاب «تاصيلي يعالج فيه موضوع النشأة والتطور» للدكتور محمد عويس في سنة (1993) و کتاب «العتبات النصية في «رواية الأجيال» العربية ل د. سهام السامرائي و «التفاعل النصي في الرواية العربية المعاصرة» عماد خالد. قد تمّ رسالة موسومة بـ «سيمائية العتبات النصية في كتاب أوراق الورد لمصطفى الرافعي» في سنة (2016). أيضاً قد تمّ مقال مسمي بـ «العنوان رواية السراب لنجيب محفوظ: مقاربة سيمائية» (2006). لقد ألف درواش و تورمي الرسالة بالعنوان «العتبات النصيّة في التراث النقدي العربي الشعر والشعراء لإبن قتيبة أنموذجا» (2009).
العنوان
ورد العنوان في لسان العرب لإبن منظور: «في باب العين و في مادة عَنَنَ: عنّ الشيء يَعن و يعُنُّ عَنَنا و عنواناً: ظهر إمامك وعَنَّ ويّعنُّ عناً و عنواناً واعتنّ: إعترَضَ وعرَضَ و عَنَنتُ الكتاب وأعننتُه، أي عرضتُه ﻟﻪ وصرفته إﻟﯾﻪ، وَﻋﱠن الكتاب ﯾﻌﻧﻪُ عّناً وعَّننته: ﻛَﻌﻧوَﻧﺔ وَعَنونَة بمعنى واحد مشتق من المعنى» (إبن منظور، 1997: مجلد4، 315). أﻣﺎ دلالته الاصطلاحية ﻓﻬو «مقطع لغوي أقل من الجملة نصاً أو عملاً فنياً» (علوش، 1983: 155). كما أنه يعتبر الركيزة الأساسية للتعرف على النص فهو يعني إسم الكتاب كما نسمي الأشخاص وهو يحمل من قصدية فاعلية لكشف الباطن بفعل إرادة ملزمة، للبداية وإخراج المعنى (الأسدي، 2009: 154).
لقد غاب الاهتمام بالعنوان في النص الشعري العربي منذ زمن بعيدٍ، حتي أن النصوص الشعرية کانت تُسمّي بمطالعها أو قوافيها و حروف رويها، (بسام، 2001: 34) و يعدُّ ذلک دالا عليها، بل وسما لها، و يرجع رشيد يحياوي ذلک إلي أن المتلقين للشعر قديماً کانوا يستعجلون سماع القصيدة و الدخول المباشر من قبل الشاعر فيها، (يحياوي، 1998م: 107 و 18) و هي سمة ناتجة عن الطابع الشفوي، الذي کان يهيمن علي الشاعر و السامع معا، إذ کانت الأمة العربية -وفقاً لوجهه محمد عويس- أمة ناطقة، و لم تکن تعتني بتدوين الصوت المنطوق، فضلا علي أن الذوق الأدبي کان يقوم علي حسن تقدير الأصوات المسموعة المعبرة عن المشاعر تعبيراً صوتياً مسموعاً. (عويس، 1988م: 46) في حين تري نوره القحطاني «أن ذلک الغياب قد يعزي إلي افتقاد القصيدة العربية القديمة الوحدة الموضوعية، التي تخوّل للشاعر استخلاص عنوانها طبقا لموضوعها» و کلا الرأيين صائب، لکنهما ليسا کل المسألة، إذ لايستطيع أحد أن يجزم بالسبب الحقيقي؛ لأن غياب المستند القاطع يمنع ذلک. (الشمري، 2019: 454 و 455) قد فطن المبدع العربي إلي أهمية العنوان، و أدرک وظائفه من خلال طريقة إخراجه، و مراعاة مقتضي الحال للمتلقين لهذا الإبداع الذي يعکس قراءتهم، فالعنوان حسب الدراسات النقدية الحديثة يؤدي دورالمنبِّه و المُحَرِّض، فسلطته الطاغية تضفي بظلالها علي النص، فيستحيل النص جسدا مستباحا لسلطته، ثم إنه نقطة الوصل بين طرفي الرسالة: ممثلة في ثنائية «المبدع و المستقبل» إنه يعَدُّ بداية اللّذة، هذا ما جعل العنوان يحرک وجع الکتابة الذي يتحول تدريجيا إلي وجع قراءة متواصلة في صيرورة يتساوي فيها النص مع الناص، لذلک کان لزاما علي المبدع أن يراعي فنيات فنّ العنونة ليجعل منه مصطلحا إجرائيا في المقاربات النصية و عليه فالعنوان ضرورة کتابية للولوج إلي أغوار النصوص و استنطاقها من خلاله. (رضا، 2014: 125 و 126)
أَوْلَتْ المناهج النقدية الحديثة اهتمامًا وثيقًا بالعتبات، حيث أكدت بعض الأبحاث في السرد و المنطق و علم الاجتماع على أهمية الدراسات المتعمقة و استخدمت في علوم جديدة، و هي علم العنوان (Tetralogy)، الذي اهتمّ بصياغته و ﺗﺄسيسه باحثون غربيون و حداثيون منهم: جيرار جينيت (Gerard Genetee)، ليوهوك (leo H.Hock)،كما يعد كتاب جيرار جنيت (seuils) أهم دراسة علمية للعتبات و قد شغل العنوان بصفته أحد عناصر العتبات حَيّزاً كبيراً من كتابه. العنوان يعدّ من أهم العناصر المكونة للمؤلّف الأدبي و مكونا داخلياً يشكل قيمة دلالية عند الدارس حيث يمكن اعتباره ممثلاً لسطلة النص و واجهة الإعلامية التي تمارس على المتلقي، فضلاً عن كونه وسيلة للكشف عن طبيعة النص والمساهمة في فك غموضه (حليفي، 2005: 11). ثمّ «العنوان عتبةٌ من عتبات النص أو مفتاحٌ من مفاتيحه، أو بابٌ نلج منه إلى العالم النصي» (موسى، 2000: 73؛ الثامري، 2010: 14) و لذلك يعد بمثابة الرأس من الجسد، الرأس الذي بواسطته يفقه الإنسان ما حوله و يستدل على الموجودات. إن العلاقة بين العنوان و النص علاقة سببية في الغالب أكثر منها ترتيبية لأن وجود العنوان يعني وجود المعنون، و وجود الأخير يفترض وجود العنوان و في الحقل الأدبي فإن العنوان في الغالب يحيل إلى العمل الأدبي و خصوصيته بما يحمل من إشارات تدل على جنس العمل الذي يتقدمه ذلك العنوان. (حليفي، 2005: 14) العنوان ليس مجرد إسم يدل على العمل الأدبي إنما هو مدخل إلى العمارة النص و إضاءة بارعة وغامضة لممراته المتشابكة. ينقسم العنوان إلى نوعين: مركزيٍ وأنواعٍ فرعية، وأحيانًا عناوين النصوص الداخلية أيضًا كما هو الحال في کتب الشاعر شفيق حبيب، استخدم عنوانًا أصليًا واحدًا وعناوين داخلية متعددة.
العنوان الرئيس (العنوان المرکزي)
«العنوان المرکزي هو العنوان الذي تعنون به مجموعه شعرية أو قصصية أو مجموعة من المجاميع، التي تندرج تحت ما يسمي «المجموعة الکاملة»، و هو مرکز العناوين التي تندرج تحته في المجموعة کلها، کما أنّه يعدُّ المرکز الذي تشتقُّ منه، کما يشتق منه المتن کله» (الشمري، 2019: 457) لشفيق حبيب سبعة عشر کتابا و عناوينهم هي: 1. قناديل و غربان، 2. مأساة القرن الضليل، 3. دروب ملتهبة، 4. وطن... و عبير...، 5. أنادي.. أيها المنفي!!!، 6. احزان المراکب الهائمة، 7. الدم و الميلاد، 8. العودة إلي الآتي، 9. ليکون لکم في سلام، 10. في قفص الإتّهام، 11. آه... يا أسوارَ عکّا!!، 12. تعاويذ من خزف، 13. لماذا..؟؟!!، 14. صارخ في البرية، 15. أنا الجاني، 16. شآبيب، 17. ما أمرّ العنب. إنّ السمة الأساسية التي تتمتّع بها أغلب العنوانات هي الإقتصاد اللغوي في مقابل الإتّساع الدلالي، فقد يتألّف العنوان من جملة (أنادي.. أيها المنفي!!!، ليکون لکم في سلام)، أو کلمة (شآبيب)، أو استفهام (لماذا..؟؟!!)، أو تعجّب (ما أمرّ العنب)، أو معطوف (الدم و الميلاد، قناديل و غربان، وطن... و عبير...) أو مع حروف الجر(العودة إلي الآتي، تعاويذ من خزف، صارخ في البرية) و... و هذا الإقتصاد في بنية العنوان يمارس التکثيف للدوالّ المبثوثة في بنيتهِ اللغوية، أو في بنية النص الذي يتعلّق به. نظرا إلي عناوين ديوان الشاعر نري أنّ عناوين الديوان قد تقع في حقول الجملة الاسمية و الفعلية، و الجملة الاسمية في فضاء النحو الدلالي تعبر عن الهدوء و السکينة و الاستقرار عکس الجملة الفعلية التي تدل علي الحرکية. رغم أنّ العنوان لايمکن تحديدُه بکلمة أو جملة، ثمّ إنّ الکلمة الواحدة قد تکون جملة في العُرف النحوي، و قد لا تشکل مجموعة کلمات جملة.
إنّ عناوين الديوان مکونة من کلمة واحدة أو کلمتين أو ثلاث کلمات، تصنف من الموصوفة أو الإضافة أو يکون بصيغة الجملة الاسمية المعطوفة و... کلّ هذا يدلّ علي أنّ الشاعر يريد أن يستفزّ القاريء و يرغمه علي التفکُّر و البحث؛ في عنوان «أحزان المراکب الهائمة»، «مأساة القرن الضليل»، تنتقل النکرة من فضاء المجهول و التنکير إلي فضاء المعلوم و التعريف من خلال المضاف إليه بوصفه معرفة و علي هذا النحو تکتسب النکرة سمة المعرفة لتمارس التحديد و التسمية و بالتالي تمنح التسمية النص شکلا و هُوية. بعض العناوين تعتمد الحذف الصياغي. إذ الدّوالّ الظاهرة تمثل خبرا قد يکون لمبتدأ فيه محذوفاً، تقديره هو أو هي، و قد تکون هذه الدوالّ مبتدأً و النصّ هو الخبر؛ في عنوان «شآبيب»، «صارخ في البرية»، «تعاويذ من خزف»، «العودة إلي الآتي»، «الدم و الميلاد»، «دروب ملتهبة»، «قناديل و غربان»، «وطن... و عبير...»، حذْف الشاعر للمُسند إليه، أدّي إلي شحن المسند بدلالات مضاعفة و ترك ثغرة تصدم القاريء و تستفزّه من خلال خلق العديد من الأسئلة.کما يمنح هذا الحذف فرصة لتخيل المسند إليه الذي يختلف عن الأخري حسب تخيل القاريء و المخاطب. الإضمار يحتاج عادة إلي تقدير للمحذوف، و من ثم يحتاج إلي مزيد من التأويل؛ إذ هو بهذه الهيئة يتعدد تأويله کما تتعدد تقديرات إضماراته. کونه نکرة اسماء كـَ «صارخ»، «تعاويذ»، «دروب» و «قناديل و غربان» يزيد الغموض إضافة علي التخيل و الأسئلة لأنّ کلمة نکرة تدلّ بتنکيرها علي لانهائية التآويل. هذا يرجع إلي إحدي وظائف العنوان هو الإثارة؛ «الوظيفة الأولي للعنوان التي تدفع إلي خلق وظائف أخري له کالإثارة، إذ لا يتوقف العنوان عند الإخبار فحسب، و إنّما هو إخبار فيه شيء من الإضمار، و الحذف ليس علي الصعيد الدلالي فحسب، بل علي صعيد الصياغي أيضاً، إذ إنّه بشکله هذا يضع سؤالا و يثير إشکالاً و يدفع التأويل إلي أقصي مداه. فإنّ العنوان –بترکيبه هذا- يضمر عنصراً محذوفاً صياغياً يتعدّد تقديره بتعدّد القراءات، فقد يکون المضمر مبتدأ محذوف، أو أن الظاهر مبتدأ خَبَرُه النص. إن ذلک کله يعمل علي تشويش وصولا الرسالة بسلاسة إلي القاريء، و من ثمَّ يشکل ذلک علامة تدفع إلي جعل القاريء يسعي إلي إستهلاک النص فعلياً (الشمري، 2019: 458 و 459 نقلا عن عبدالحق بلعابد، عتبات، 74)
لقد جمع ألفاظا كَـ «دروب» و «أحزان» فيبدو أنّه يدلّ علي أنّ الطرق و آلات الوصول إلي الغاية کثيرة و إن کان ذا أخطار و أحزان المراکب الّتي تهيم في البحر ليست واحدا بل ذات تنوّع و کثرة. کلمة «صارخ» تکون نکرة و مفردة لتدلّ علي وحدة و مجهولية الصارخ. «في قفص الاتّهام» حرف «في» يعني الرجل يحصر و يؤسر في القفص و الإتهام يبين أنّ الأسر ليس علي أثر الجريمة بل بسب الاتّهام فقط. عَطْفُ الميلاد علي الدم في «الدم و الميلاد» يمکن أن يقول أن القتل و الشهادة في الحق يسبب الولادة و النضال دون الضعف و الإندثار. استخدم الشاعر اسلوب التعجّب لـ «ما أمرّ العنب!» حتي يستثير التعجّب و السؤال للمخاطَب و القاريء ماهو العنب الذي يکون طعمه مرّا. ديوان (تعاويذ من خزف) علي مستوي الإحالة النحوية، يتألف من جملة اسمية، مکونة من کلمة (تعاويذ)، و هي خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هذه)، جاءت مَتْبوعة مباشرةً بجملة الجارّ، و المجرور (من خزف)؛ ليفيد طابع التخصص لهذه التغاويذ.
العنوان الفرعي (العناوين الداخلية)
«لابد من التفرقة بين العنوان الذي يعد مدخلا لنصوص عدة، و العنوان الذي يکون لنصٍّ واحد، فالعنوان الأول يجمع النصوص و يشير إليها و يحددها باشارته، فهو عندما يتقدم في المجموعة الشعرية فانه يحاول ان يطوِّق جميع نصوص هذه المجموعة ليبوح بها عبر نصه المصغر سواء کان هذا النص/ العنوان/ واضح الدلالة (تقريري) اي انه ينطوي علي ميتالغوية يشترك القاريء في تأويله، و هي مسؤولية کبيرة تقع علي عاتق الناص في اختيار مدخل أو موجة أو تاج للنص، في حين يبدو الامر علي غير ذلك في عنوان النص الشعري الواحد، اذ ان الفکرة تکون واضحة و واحدة مما يستدعي مدخلا واضحا واحدا». (الثامري، 2010: 20 و 21) کُتُب شفيق حبيب تشتمل علي أشعار في موضوعات مختلفة يبدو أنّ هذا التّنوّع و الکثرة يصعب علي القاريء و الدارس فهم الارتباط بينها کمجموعة متشابکة؛ علي أنّ بعض الأشعار يکون قريبا و متصلا مع العنوان الرئيس.
کانت المقدمة تعد ضمن العتبات أيضا حيث أنّ المقدمة عتبة تلحق بالعنوان في معمارية (جيرار جينيت)؛ الشاعر لجأ في ديوانه «ليکون لكم فيَّ سلام» إلي المقدمة النثرية «الظلمقراطية هذا ايماننا... و هذا قدرُنا» و هي مقدمة خطاب إلي القاضي يبين فيها بعض القضايا التي تخصّ التعذيب دون توجيه اتهام له و يدين سياسة قمع الفکر الإنساني. في ديوانه «أحزان المراکب الهائمة» يبدأ و يهدي الديوان بعبارة «الفلسطيني مرکبٌ تُثقله الدّماءُ و الدّموعُ و الأحزانُ في بحارٍ من الألم... و ظلمِ ذوي القُربي...» «الإهداء: إلي المراکب الفلسطينية المتحدية...». لشفيق حبيب قصيدةٌ باسم «زرقاءُ الَيمامة» التي يذکرها في بداية ديوانه «آه يا اسوارعکا» و يستهلُّها بمقال «کلمة في زرقاء اليمامة» من «بدر توفيق»، الشاعر يستهل «لماذا»، «صارخ في البرية»، «أنا الجاني»، بمقالات من الدكتور «يحيي زکريا الآغا».
في بعض الدواوين يسعي الشاعر إلي إنتخاب عنوان إحدي قصائد المجموعة لتحويله إلي مظلة عنوانية تحتوي علي العنوانات الأخري و تُلقي بظلالها علي النحو الذي يتحول فيه إلي عتبة عنوانية کبري.«درج الکثير من الشعراء علي تسمية مجموعاتهم الشعرية باسم قصيدة من قصائدهم، معني هذا أنّ القصيدة أخذت اسمها عن ظرف شعري و کتابي معين و بطبيعة الحال فإنّ عوامل کثيرة تتدخل في هذا الاختيار، (ناصري، 2015: 36) کما فعل شفيق حبيب في قناديل و غربان، مأساة القرن الضليل، انادي ايها المنفي، الدم و الميلاد، العودة إلي الآتي، آه... يا أسوار عکا!!، لماذا...؟؟!!، تعاويذ من خَزَف، ما أمرَّ العِنبَ،أنا الجاني، ولا شك في أنّ عملية انتخاب عنوان إحدي القصائد عنوانا للمجموعة، يعکس تصورا لقيمة هذا العنوان و خصبه و مرونته التشکيلية و التعبيرية، و قدرته علي تمثيل العنوانات الأخري و استيعاب معطياتها السيميائية علي نحو ما. يسعي الشاعر إلي إنتخاب عنوان إحدي قصائد المجموعة لتحويله إلي مظلة عنوانية تحتوي علي العنوانات الأخري و تلقي بظلالها علي النحو الذي يتحول فيه إلي عتبة عنوانية کبري.
الشاعر في «قناديل و غربان» يستخدم العناوين الداخلية المعطوفة كَـ «لقاء و أمل، الغصن و الوصية، مأتم و تفاحة، شاعر و لحظة، اوراقي و اشعاري، سمراء و المطبعة» و في ديوانه «لماذا» من العناوين السؤالية كَـ «لماذا ارتحلنا...؟؟!!، هل الخيلُ خيلي..؟؟، يا حاکمي..؟؟، ماذا تبقّي...؟؟». شفيق حبيب، في «دروب ملتهبة» يختصّ العناوين الداخلية بالوطن و يتبين أنّ الدروب لتحرير الوطن ملتهبة و ذوات سبل صعبة كـَ «وطني، ماذا أکتب يا وطني؟؟، يا أرض!!، عرفت شعوبُ الأرض قِصَّتنا» و في ديوانه «الدّم و الميلاد» يکثر من العناوين الداخلية التي يحرّض الشعب و يبشّرهم بولادة وطن و مصير أحسن من الماضي كَـ «الانتفاضة، طائر الرعد، انقش مصيرك، أرضي تثور، جئنا نحييك». لـِ «ما أمَرَّ العِنَب» أربعة أبواب: ليس عندي سلاح، معزوفات المساء، نصفي الأجمل، علي أجنحة الوجْد»، هذه الأبواب تشتمل علي عدة اشعار بعضها حول الحبّ و الوطن، وبعضها الآخر حول ما يتّصل به و أهله و أصدقائه و أقربائه.
العناوين الداخلية لکتب شفيق حبيب ينقسم إلي عدة أنواع حسب النظرة المدروسة. نلخصها في مايلي:
1- عناوين توثِّق لمناسبات معينة، مثل عزاء، أو تهنئة، و قد يعقّب العنوان شرح إضافي يبين فيه تفصيلاً موجزاً للمناسبة التي قيلت القصيدة لأجلها، نحو عنوان: دمعة (علي الراحل شموخا و إباء... فيصل الحسيني)، مرّت سنة... (إلي روح الراحل الکبير توفيق العفيفي-أبواحمد- الذي لبّي نداء ربّه في29- 4- 2001)، ألسنة الأزمان «بمناسبة رحيل الشاعر الکبير شکيب جهشان 13- 2- 2003»، ساءلتُ عنك «مهداة إلي سيادة المطران بطرس معلّم بمناسبة تنصييه مطرانا في ساوباولو-البرازيل-عام 1990»، نودِّعُکم... «بمناسبة رحيل فقيد الشعر و الفن الدکتور سليم مخولي في 2011. 11. 8 »، أرثيك....«بمناسبة حفل تأبين الراحل الکريم جمال سعيد طربية في المرکز الثقافي البلدي بسخنين تحت رعاية بلدية سخنين و الجبهة الديمقراطية للسلام و المساواة و آل الفقيد في1/9/2012»، نشتاق يا شوقي إليك!!! «إلي روح الراحل المناضل شوقي سعيد خطيب بمناسبة حفل تأبينة في 2011. 05. 21 بدير حنا مسقط رأسه»، مَيسون...!! «إلي الزميلة الإذاعية في راديو 2000 ميسون حمدان التي فقدتْ أخاها عبدالله مساء 1997. 10. 7 بحادث طرق مروّع أثناء إعادته لها من الإذاعة في حي الورود بالناصرة إلي بيتها بعکا....... زرتُها و زوجتي في المستشفي و مازالت ترقد هناك بوضع صعب. ((الصنارة)) في 1997. 10. 17» علي شاطي السبعين... (لذکري يوم مولدي، الإثنين 1941. 12. 8م// 1360. 11. 20هـ) ياغبارَ الزمن..!!! «إلي روح الشاعر محمود درويش.. إنساناً و زماناً و مکاناً»، يا ويلَ الغاب...!!! (إلي الصديق الدکتور عزمي بشارة)، نَعَقوا... «الإهداء: إلي القيادات العربية الهلامية»، ياهداسا...!! «إلي الجَرّاح الکبير بروفسور دوف بوديه»، کُنْ جميلاً... !! «الإهداء: إلي شفيق حبيب- الحفيد»، سماهر... وَ علاء «بمناسبة زواج کريمته سماهر حبيب و علاء غنطوس في 2005. 7. 4»، يا أجمل الناس!!!! (إلي روحَي سالي ذياب و أليکس بوبان) (ضحيتي حادث طرق بحيفا في2010. 1. 16)، عاصفة الدّهور (إلي شهدائنا الخالدين)، إنکسارت حادّة.. (إلي مُدّعي المسؤولية الذين ينکرون علي الشعر صوتَه في مناسباتنا الوطنية وإلي الشعراء الزاحفين علي بطونهم کالأفاعي)، شمسٌ علي البُنّي (إلي الشّاعرة الفلسطينية السيدة أنيسة درويش بمناسبة صدور سيرتها الذاتية «شمسٌ علي البُنّيّ»)، بُکائية في يوم مولدي... «منّي و إليّ في الخامسة و الخمسين»، النِّداءُ... والرّحيل «إلي الصّديق الراحل ميشيل حداد... إنساناً و شاعراً»، ماذا تبقّي...؟؟ «في وداع الکاتب المفکر إميل حبيبي»، إله الصّديد «الإهداء: إلي شهداء الفکر و الفن في العالم العربي»، فُجعنا «إلي روح الصديق علي شدافنة رفيق الدراسة و الشباب»، يا أيها الحَرَمُ المحزون!! «إلي أرواح الشهداء الأبرار، الذين سقطوا برصاص الإحتلال في الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل، فجر الخامس و العشرين من شباط 1994»، العاهرون (الي الوطنيين المزيفين)، الشّهيد (إلي الثّاوي في تراب الوطن.. عطاءًا و خصوبة)، الطفولة (إلي الطفولة الفلسطينية... ذبيحةً و بعثاً.. في زمن الإنتفاضة)، حَرْفي ... و الرّقابة (إلي الرقيب العسکري الذي يحاول خنق کلمتي بعدم اجازة نشرها)، أرضي تثور «بمناسبة مرور عشرين سنة علي الاحتلال الإسرائيلي في حزيران1967»، کبير.. و صغار «إلي روح ناجي العلي، رسام الکاريکاتير الفلسطيني الذي اغتالته يدُ الإثم في لندن»، أخي رجا... «إلي رجا اغبارية.. سجينا خلال الانتفاضة»، واسُلطاناه..!! «إلي روح الشهيدة غالية فرحات»، دموع و شموع «الي روح الصديق الشاعر حبيب زيدان شويري»، جئنا نحييك «إلي روح الصديق د. سامي مرعي..» فوزي..!! «إلي روح الصديق الشاعر فوزي عبدالله»، يافهد!!! «إلي روح الشهيد فهد القواسمي»، ستظلّ اکليلا «إلي روح الشاعر المناضل راشد حسين»، الحرف و المأساة «مُهداة: إلي الحسين بن منصور الحلاج في کل زمان و مکان»، سيعود الزورق «إلي التي تسألني: لماذا لم تکتب لي قصيدة منذ زمن بعيد، فهل نضب معينُ شعرك؟».