ملاحظات حول الصلاة على الموتى وهرطقة التراث ولعن اللغة
بولص آدم البشرية قاطبة، وفي كل أنحاء المعمورة، منذ العصور القديمة ومروراً بالعصور الوثنية و عصور الديانات السماوية، وحتى الآن وفي كل المجتمعات ، تقام جنازات ويتم الترحم على الموتى، وهناك مقابر يتم زيارتها ووضع الزهور وإيقاد الشموع عليها، إحتراما للروح وادامة الذكرى،حتى تقاليد حرق الجثة بعد الموت لها طقوس خاصة، وهذا يشمل الملحدين واللآأدريين وعبدة الصفاء والنقاء والطبيعة، يحق لنا أن نستكر إقامة مظاهر التفاخر والمبالغة المناحية أثناءالجنازات، لكننا نستغرب وندين بشدة إنتهاك حرمة الموتى لأي سبب كان.
عندما توفيت طفلتي قبل سنوات طويلة، خُيرنا بين حفظ الرماد، أو الدفن في مقبرة رمزية جماعية للأطفال، أو أن تدفن في قبر خاص رحمها الله، فأخترنا الخيار الأخير، ونحن نهتم بالقبر دوريا، ذلك ساعدنا كثيراً، وخاصة الأُم التي بزياراتها المتكررة هناك، تخفيف لصدمتها صدمة الأم التي حملت بها وكانت تنتظرها بفارغ الصبر ولكن هكذا كان. هل يمكنني بعد موتها أن أقول. لقد توفت ومع السلامة، لن ينفع الصلاة عليها؟ ولانفع في دفنها في قبر خاص؟ لو فعلت ذلك حتى لوكنت مُلحداً لأرتكبت خطأ أخلاقي، أي أنني نكرتُ وازدريت الموتى بهذه الفعلة وهذا عمل لاأخلاقي يرتكبه القساة فقط. لقد تعرفنا الى مختلف الفلسفات والمعتقدات وتجارب الشعوب وآمنا وألحدنا ولكننا لم نتجاوز الأخلاقيات الأنسانية الأساسية التي يتفق عليها البشر بمعزل عن الأديان ومصادر التشريع للأخلاقيات الأخرى.
مارست الكنيسة الصلاة من أجل المؤمنين الراقدين منذ نشأتها في العصر الرسولي، وفقاً للتعاليم الكتابية التي نختار منها بأختصار:
اـ العهد القديم: نقرأ إنهم كانوا يصومون ويصلّون من أجل الراقدين (الموتى) فأهل يابيش جلعاد صاموا وصلّوا سبعة أيام على شاول وابنيه [١صم ٣١: ١٣].
ب ـ العهد الجديد: قال سيدنا يسوع المسيح (من يجدف على الروح القدس فلن يغفر له لا في هذا الدهر ولا في الدهر الآتي) [مت ١٢: ٣٢]. أي أن هناك من الخطايا ما يغفر في الدهر الآتي (بعد الموت). من قول القديس بولس: (إن كان الأموات لا يقومون فلماذا يعتمدون من أجل الأموات) [١كو ١٥: ٢٩] وهذا تصريح من الرسول بولس بالاصطباغ من أجل الموتى (أي التألم من أجلهم بالصلاة والأصوام الشديدة).
من تصريح القديس بولس نفسه إذ صلى لأجل انيسيفورس بعد موته بقوله: (ليعطيه الرب أن يجد رحمة من الرب في ذلك اليوم يوم الدين) [٢تي ١: ١٨]. وهذا أقطع دليل على جواز الصلاة على أنفس الراقدين وطلب الرحمة لهم من الله وكما طلب بولس الرحمة للميت ولأهله الأحياء لذلك جاز للكنيسة أن تصلي عن الراقدين كما تصلي عن الأحياء.
لدينا مُشكلة في نقد النقد، إذ لانفهم النقد ونعتبره التطرق الى السلبيات فقط وهو خطأ شائع، ومن هنا يتم اللجؤ الى حيل الجدل المرائي، من أجل أن يكون رأينا على صواب دائما، وهكذا رأينا دحض دعاوي الناقد بأستخدام كافة الوسائل الممكنة في مرحلة نقد النقد والأنجرار الى إنتهاك حرمة الموتى ووصمهم بالأشرار. والصلاة أثناء مراسيم الجناز والدفن، لايمكننا شخصياً أن نقول أنها خطأ ولكننا نُدينُ المبالغة ووضع المناحات وتقديس الموتى والفرق بين الحالتين كبير، مع إحترامي للأخوة الذين لهم تلك الآراء وأنا هنا أتحدث عن آراء وأكن للمعبرين عنها محبة وأحترام والأختلاف في وجهات النظر حالة طبيعية. بصراحة، هرطقة التراث هو جناية وفهم خاطئ للهرطقة أساساً، ولن استشهد من البعيدين ولكن من باحث قدير وكاتب بارز وعالم في أختصاصه، علم الأجتماع هو الأخ د. عبدالله رابي. ففي مقالته البحثية عن هرطقة نسطورس التي للأسف قرأتها متأخراً، فإنه قد حقق بحثاً نادراَ يستحق التقدير وأتمنى أن يجمع مقالآت مثل هذه في كتاب مستقبلا. إن هرطقة التراث تمت في رد على المقالة المقصودة للأخ د. ليون برخو، في مرحلة نقد النقد وذلك رد فعل خطأ، فقد تم ذلك دون طرحها في بحث مقنع وذلك يختلف عن البحث في تراث الأمم وتنقيحه وطرح الغريب والدخيل عليه، وتلك مهمة الضالعين. أما لعن اللغة والتبرؤ منها على يد نفس الكاتب في رد له على مقالة أخرى فهو رد على رد غير موفق أيضا فما دخل لغتنا بمن يستخدمها لنشر الكراهية والأنقسام، فعليهم نقد طروحات هؤلاء وإدانتها، وليس لعن لغتنا، وليعلم بأنه قد لعن لغته الكلدانية التي يفتخر بها وقد أزال واحدا من مقومات قوميته الأساسية ولو فرضنا أن هذه الآراء المطروحة هذه الأيام صحيحة، فماالذي تبقى لكي تكون الكنيسة مشرقية مثلا؟ وماالذي تبقى من كاثوليكيتها لو نحن وصمنا عقيدة المطهر بأنها شيطانية؟! وبالغنا بطريقة راديكالية، لدحض دعاوي شخص ينتقد، ونفعل ذلك كرد فعل وفي مرحلة نقد النقد، وقد يقول قارئ او يسأل : ما مناسبة التطرق الى ذلك هُنا؟ نعم، تم التلميح مرارا بطريقة غير حميدة وتجاوزتها، لكن تكرار ذلك وعدم المواجهة الصريحة هو عمل لاأتفق معهم عليه، فإذا ترحمنا وعزينا الأخ الدكتور ليون برخو بقريبه فهي حالة طبيعية وأستنكرنا تخوف الكاهن من واجبه وهذه قناعتنا، أما أن يتم الأنتقام اللفظي والمعنوي مني، وأنا انقل وجهة نظري وأمارس تقاليد إجتماعية قبل أن تكون دينية بمواساته، فذلك يستحق منهم مراجعة قناعاتهم أولا وعدم اللجؤ الى التكتل لدحض آراء الآخرين وشخصنتهم. تلك الملاحظات على آراء كاتبين من أخوتي الكتاب، لها فائدة أيضاً فهي تقودني الى الأشارة الى نقص كبير في البحث في تراثنا بأدوات بحثية تقود الى إغناء أفكارنا حول تراثنا بدل هرطقته مع سبق الأصرار. للعلم مرتبة عليا في أحترامه من قبلنا، رد الفعل على تخريفات بعض رجال الدين حول فيروس كورونا وعلاقة الأيمان بعدواه، يجب أن يكون بحدود دحضها علمياً وليس التهجم على الأديان بسبب ذلك، وفي نفس الوقت سيكون ذلك مبررا واهيا للألحاد والنظرة الى الوجود، فالكنيسة وبعد حالة غاليلو المُدانة مثلا، بفترة ليست طويلة حولت نظرتها جذرياً بما يخص العلم، وشجعت العلماء وساعدتهم والأمثلة لمن يريد كثيرة.
نكتفي بهذا القدر ونكرر محبتنا لكم وتمنياتنا الحارة لكم وللجميع بالصحة والسلامة.