المحرر موضوع: ثلاثون عاماً من الإبادة الجماعية ... "الآشوريون"  (زيارة 914 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل meltha

  • عضو جديد
  • *
  • مشاركة: 1
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
 
ثلاثون عاماً من الإبادة الجماعية ⁕
الآشـــــوريـون
[/color][/b]
             نقله إلى العربية: كَبرئيل إرميا كَوركَيس ـ الدانمارك


هناك ما بين 15.000 ـ 20.000 آشوري في تركيا اليوم، معظمهم في استنبول، ونحو 2.000 في الأناضول الشرقية.[660] أنهم بقايا مجتمع كان تعداده أكثر من نصف مليون نسمة، الذين كانوا يقطنون الامبراطورية العثمانية قبل الحرب العالمية الأولى. معظمهم تقريباً تم ذبحهم أو طردهم ما بين 1914 ـ 1924.
نحو 250.000، وربما أكثر، قُتِلوا على أيدي المسلمين ما بين 1914 و 1919 ، أغلبهم إبان مذابح، كما في المعارك.[661] الآشوريون وآخرون يُشيرون اليوم إلى ما حدث بإبادة الآشوريين. لكن نظراً لكون الآشوريين يسكنون الزوايا القصية من تركيا وبلاد فارس، حيث لم يكن ثمة قناصل غربيين وعدد ضئيل من المبشرين والرحالة، فالمصادر الأولية التي تشهد على تدميرهم نادرة، والصورة التي تظهر غير مكتملة ومشوشة إلى حدٍّ ما. كذلك، الصورة مُعقَّدة بحقيقة أنه كان هناك العديد، من التجمعات الآشورية المنفصلة، التي كان يتعامل معها العثمانيون في أوقات مختلفة وبطرق متباينة.
قبل الحرب العالمية الأولى لم تكن ثمة حركة قومية آشورية، ولا مطالب بالاستقلال ولا حتى "الحكم الذاتي". كما لم يكن ثمة نشاط سياسي أو عسكري معادٍ للعثمانية. لكن، بإستلهام نموذج المطالب القومية للآخرين ومُستفزِّين بالمذابح التركية، دعا وفد كلد ـ آشوري عام 1919 في مؤتمر الصلح بباريس لإنشاء دولة آشورية تضم ولاية الموصل، وجانباً من ولاية ديار بكر، الرها، دير الزور والمنطقة الواقعة مباشرة الى الغرب من بحيرة أورمية.[662] الآشوريون وعلى نحو جلي لا يرغبون بضمَّهم إلى دولة أرمنية، التي، تبعاً للبريطانيين، شعروا بأنها ستكون "بالكاد أقل بِغضةً" من الهيمنة التركية.[663] لكن على الرغم من تعبير بريطانيا عن تعاطفها مع محنتهم، أخفق الآشوريون في نيل دولة وبقوا مشتتين في تركيا وإيران وشمال العراق، وسوريا.[664] أحفادهم ـ مع اليزيديين، وهم أقلية أخرى "كافرة" ـ عانت مؤخراً من إضطهاد شديد من قبل الدولة الإسلامية ومسلمين آخرين.
عمليات القتل الجماعي للآشوريين السابقة للحرب العالمية الأولى، في غضون القرن التاسع عشر، حينما كان الآشوريون يعيشون بأغلبية ساحقة ضمن الإمبراطورية العثمانية، فأنهم، إسوةً بسائر المسيحيين، عانوا من تمييز الدولة ولصوصية الأكراد. في أربعينيات القرن التاسع عشر (1840) ذُبِحَ الآلاف منهم على أيدي الأكراد في منطقة حكاري. في 1894 ـ 1896، كما رأينا، كان الآشوريون يتعرضون لمجازر بأعداد قليلة في ولاية ديار بكر جنباً إلى جنب الأرمن. وأعداد أكثر قضت في مذبحة أضنة عام 1909.[665]
بحسب ضابط بريطاني، خلال السنوات السابقة مباشرة لإندلاع الحرب العالمية الأولى، العشائر الجبلية من الأكراد والآشوريين العنيدين المولعين بالقتال كانوا يُغيرون على بعضهم البعض. وسيطر الروس على سهل أورمية في عام 1912 بعد إنسحاب الأتراك، الذين كانوا سابقاً قد احتلّوا المنطقة الحدودية. كان تعداد سكان إقليم أورمية الإيراني، تبعاً للروس، يبلغ 300.000 نسمة، يُشكِّل المسيحيون 40% منهم. من بينهم، 75.000 آشوري ـ معظمهم نساطرة ـ و50.000 أرمني.[666] قام الروس بتشكيل وتسليح ميليشيا من المسيحيين المحلّيين. وبحسب التقرير البريطاني، حينئذ فرض مسيحيو أورمية"السيطرة عليها، وجعلوا أنفسهم عموماً مبغضين إزاء السكان المسلمين."[667] وفي الجبال نحو الغرب، كانت ثمة مناوشات آشورية ـ تركية متقطعة.
كان السلاطينُ العثمانيون لزمن طويل يسعون إلى ضمِّ أورمية إلى امبراطوريتهم، ولم تكن جمعية الإتحاد والترقي لتختلف عنهم. ففي تشرين الأول (أكتوبر) 1914 قال طلعت وأنور الكثير عن ذلك للسفير الإيراني في القسطنطينية (استنبول). وفي السنة السابقة، كان فريقٌ من الجيش التركي ونشطاء التشكيلات الخاصة، وبضمنهم خليل بك، عمّ أنور، قد توجَّه إلى أورمية بغية استطلاع المنطقة وإقامة التحالفات مع زعماء العشائر المحليِّين إستعداداً للضمّ المُحتمَل.[668]
ثم دخل العثمانيون الحرب العالمية الأولى. وأعلنت إيران موقفها الحيادي. لكن طلعت كان يريد المنطقة، المتاخمة لروسيا، مُطهَّرَةً من المسيحيين. ووفقاً لتقرير، مع بداية الحرب، عبَّرَ البطريرك الآشوري، مار شمعون بنيامين، ومجلس لزعماء الآشوريين الجبليين في كردستان، عن مساندتهم للحلفاء.[669] ورفضَ الشبابُ الآشوريون التعبئة العثمانية الجماعية، مما أدى إلى صدام آشوري ـ تركي تبعته عمليات قمع واسعة النطاق.[670] فرَّ بعض الآشوريين إلى إيران، بينما قاوم آخرون الغارات التركية والكردية، وفي نيسان (أبريل) 1915، أشار الضباط الأتراك إلى مقاومة الآشوريين على إنها "تمرّد النساطرة".[671] وتم إعتقال زعماء آشوريين ونَفي آخرين منهم إلى إيران.
مبكراً، في أيلول ـ تشرين الأول (سبتمبر ـ أكتوبر) 1914، غزت الجيوش التركية، مدعومة بالعشائر التركية، أذربيجان والمناطق الحدودية لإيران. فنهبوا وأحرقوا القرى المسيحية في سهل أورمية، ودمَّروا الكنائس، وذبحوا السكان. وأشار زعماء الأكراد المحليين إلى ذلك لاحقاً "بالجهاد الكبير".[672] ومن المرجَّح أن الأتراك أطلقوا العنان لعمليات العنف على أمل اقناع الآشوريين للإنضمام إليهم، أو على الأقل لإبقائهم على الحياد، في الحرب. وإذا كان ذلك قصدهم، فقد خاب ظنهم.[673]
في السادس والعشرين من تشرين الأول (أكتوبر)، 1914، أمر طلعت والي ولاية وان [ﭬان] بترحيل الآشوريين في منطقة حكاري إلى الداخل، الزاوية الجنوبية الشرقية للولاية، بسبب "إمكانية تأثير الأجانب عليهم ليغدوا "أداةً" لهم". وكان يقصد بالأجانب، الروس، وكان طلعت بلا ريب يُدرك أن تركيا كانت على وشك مهاجمة روسيا.[674] وتبعاً للإستخبارات الروسية، فإن "عهد الارهاب" كان قد أُفلِت من عقاله في حكاري، حيث كان الآشوريون يُشكِّلون 37% من مجموع السكان.[675] بعضهم كان قد تم ترحيلهم إلى داخل البلاد وتشتيتهم في قرى ولايتَي قونية وأنقرة. وآخرين تم إلقاء القبض عليهم أثناء الهجوم التركي الشامل على مجمعات المسيحيين في ولاية وان [ﭬان].[676] وأتهمهم الأتراك بالتَّواطؤ مع الروس، الذين كانوا تارةً يحتلون قرى المسيحيين في حكاري ويتخلون عنها حيناً.
مسبقاً في تشرين الثاني ـ كانون الأول (نوفمبر ـ ديسمبر) 1914، بوقت طويل قبل إندلاع الإنتفاضة الأرمنية في مدينة ﭬان، قامت القوات الحميدية بذبح القرويين المسيحيين في منطقة باشقلة في حكاري ـ "نهبوا وأحرقوا بيوت الأرمن، وقتلوا جميع الرجال و... وسَبَوا الفتيات الجميلات، وتركوا النساء والأطفال بدون طعام وبلا مأوى"[677] جوداد أبداروﭬا، زوجة رئيس القرية الآشورية أرديشاي، شَهدت فيما بعد بأن المسلمين "عذَّبوا" زوجها وأولادها "حتى الموت".
"تم ضربهم من جميع الجوانب وأمروهم بإعتناق الإسلام، لكنهم أبَوا الإنصياع. وأمام عينَيَّ أطلق خورشيد بك [قائد تركي أو كردي] النار من مسدس على أولادي .... حاولتُ حماية زوجي، لكن خورشيد بك ركلَني في وجهي، كاسراً إثنين من إسناني. ثم أطلق ست رصاصات على زوجي .... وأمر خورشيد بك بتلويث الجثث بالغائط. وفي غضون الأيام الأربعة اللاحقة نهشت الكلاب الجثث. عندئذ أمر خورشيد بأن تُلقى الجثث في المرحاض.... وأحرقَ خورشيد القرية برمّتها وقتل إثني عشر رجلاً.... كل النساء والعذارى والأطفال تم أسرهم وأقتيدوا إلى قرية آتيس. وثمة كان عليهم الاختيار ما بين: الإسلام أو الموت. مائة وخمسون إمرأة وفتاة تم قسرهن على الزواج من أقرباء خورشيد بك. ومن بين كل السجناء بقيتُ أنا الوحيدة، لأن خورشيد بك كان على علم بأنني من أقرباء البطريرك.... كنتُ في الطريق طوال يومين. وكنتُ مُتعَبة إلى درجة أنني تركتُ إثنين من أبنائي الصغار تحت ظل شجرةٍ.... ولا أعلم شيئاً عن مصيرهما. أما إبنتي الصغيرة فقد قَضَت نَحْبَها جوعاً في الطريق."[678]
في كانون الثاني [يناير] 1915 تم اعتقال العشرات من وجهاء باشقلة واستُخدِموا من قِبَل الأتراك لنقل المعدّات ـ ربَّما الاسلاك الشائكة ـ إلى أورمية. ثم تمَّ إعدام معظمهم، غير أن ثلاثة منهم نجوا لينقلوا القصة. في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) ذهب المبشِّرُ، الدكتور إي. تي. آلين، للبحث عن الجثث، بغية منحها مواراةً مسيحية. "كانت ثمة واحدة أو إثنتان وسبعون جثة، لم يكن بوسعنا عَدَّها على وجه الدقة، بسبب الظروف .... فبعضها كانت .... قد تَيبَّسَت مثل المومياء. وأخرى كانت قد مزقتها الضواري إرباً إربا .... والغالبية العظمى .... كان قد تم رميها بالرصاص".[679]
في شهر أيار (مايو)، عقب تقهقر القوات التركية ـ الكردية بقيادة خليل من أورمية إلى تركيا، تجددت المجازر في حكاري. وفي ذلك الشهر تعهَّدَ، البطريرك شمعون، رسمياً بولاء الآشوريين لقضية الحلفاء، "اعلان الحرب" على نحو فعّال ضد العثمانيين. ويُقال أنه في باشقلة تم ذبح ما بين 300 ـ 400 إمرأة وطفل، وبعض الحِرَفيين الأرمن.[680] ومجزرة أخرى وقعت في سعرت. وحملة تركية شاملة، غايتها التطهير النهائي لحكاري، تم اطلاق العنان لها خلال الشهر اللاحق. كان يقودها والي الموصل، حيدر بك، بعد أن انضمت إليه فلول فيلق خليل. كان صراعاً غير متكافئ، فالآشوريون مسلحون ببنادقهم العتيقة والأتراك والأكراد ببنادق حديثة ورشاشات ومدفعية. إستولى الأتراك على قرية قوجانس ذات الموقع المهم، وبحلول شهر أيلول (سبتمبر) فرَّ نحو 15.000 ـ 25.000 آشوري، بمعية مار شمعون، إلى أورمية. وكثيرون آخرون بقوا في الجبال، يطاردهم الأتراك أو يحاصرونهم.[681]
في غضون العام 1915 تحولت العمليات المعادية للآشوريين في الجنوب الشرقي إلى مذابح. كما أبلغ طلعت السفارة الألمانية بفترة وجيزة بعد أن أصبحت تركيا طرفاً في الحرب، إن البلاد تعتزم "إنتهاز فرصة الحرب بكل ما في الكلمة من معنى لإقتلاع أعدائهم الداخليين ـ السكان المسيحيين الأصليين بمختلف طوائفهم."[682] ربما لم يكن الأتراك قد حدَّدوا الآشوريين صراحة أو علانية كأعداء، كما فعلوا مع الأرمن، لكن في العقلية التركية الآشوريين أيضاً، كانوا قد أُودِعوا للنسيان النهائي. ليس من الواضح ما إذا كانت اللجنة المركزية للإتحاد والترقي، خلال اجتماعاتها السرِّية في شباط ـ آذار (فبراير ـ مارس) 1915، قد قررت استهداف الآشوريين إسوة بالأرمن.[683] ومهما يكن، فعندما بدأت الحملة ضد الأرمن الشرقيين في أواخر الربيع، قامت السلطات المحلية بسفك دماء الآشوريين أيضاً.[684] وعلى النقيض من ذلك، فأن الآشوريين المدينيين، وعلى نحو خاص في ديار بكر وماردين، تُركوا في البداية بسلام، بصرف النظر عن أنه في ماردين كان قد تم اعتقال العشرات من الوجهاء في نهاية المطاف، وتعذيبهم وقتلهم.[685] لكن بسبب الضغوط الخارجية ـ فمعظم السريان كانوا كاثوليكاً ـ أصدرت القسطنطينية على ما يبدو الأوامر للسلطات المحلية للإحجام عن الترحيل الجماعي للآشوريين.[686]
خلال آذار ـ حزيران (مارس ـ يونيو) 1915 فتك النظاميون الأتراك ورجال القبائل الكردية بالمسيحيين القرويين، وبضمنهم السريان، في ولايتَي بتليس ووان. جودت بك، والي ﭬان والقائد العسكري في المنطقة (وشقيق زوجة أنور)، كان قد سُمِعَ يقول، "لقد إستأصلتُ شأفة المسيحيين من أرض باشقلة وسراي. وأوّدُ اجتثاثهم من ﭬان وضواحيها."[687] وداخل سعرت وأطرافها، في ولاية بتليس، بطش المسلمون المحلّيون وقوات جودت بخمسة آلاف آشوري وجرفوا قراهم.[688] فأصبح جودت يُعرَفُ بـ"نَعّال باشقلة": فهو قد اخترع، أو أَحيا، تعذيباً يتضمن دقّ حَدوات الأفراس على أقدام المسيحيين.[689]
يوحي كيـﭭوركيان بأن الفتك بالآشوريين (واليونانيين) في ولاية ديار بكر، كما في أماكن أخرى، قد يكون مبادرة محلية، غير أنه كان متناغماً مع سياسة الحكومة المركزية. وكيفما كان، ففي حالة الآشوريين، لم يكن بمقدور السلطات الإستفادة من الاعذار التبريرية عن "التخريب" و"التمرّد"، كما فعلوا عندما كان يتعلق الأمر بالأرمن. فالآشوريين لم يكونوا مُنَظَّمين سياسياً ولم تكن لديهم أية تطلعات "قومية".[690]
في ولاية ديار بكر كان يتم التعامل مع الجماعات الآشورية إلى حدٍّ كبير كفئات لاحقة للجماعات المسيحية الأكبر فكانت تُجرَف في عمليات تقتيل الأرمن. أما في أورمية فقد حصل النقيض: حيث كانت جماعة الأرمن هي الأقلية التي تم تدميرها عندما أغارت القوات التركية والكردية على السكان الآشورين الأكبر بكثير. ومع تهديد الجيش التركي لخطوط إتصالاتهم شمالاً، أخلَت القوات الروسية سهل أورمية والمدينة ذاتها في الثاني من كانون الثاني (يناير) 1915، فإندفعت القوات التركية ـ الكردية إلى الأمام، متقدمةً نحو خطٍ خلف تبريز مباشرة. "صيحات الجهاد" كانت تملأ الفضاء، والغزاةُ جعلوا محطةً لتوزيع الفتاوى الجهادية بين الشيعة الفُرس. كان الأتراك يُمنّون النفس بتعبئهم في نشر الحملة.[691] وآلاف الآشوريين المذعورين فرّوا مقتفين آثار الروس. وكان ذلك في عزّ الشتاء، فهلك الكثيرون منهم أثناء رحلة استغرقت أسبوعاً إلى الحدود الروسية.[692] ومات المزيد منهم بعد إجتيازهم للحدود.[693]
لكن معظم مسيحيي أورمية ظلّوا مكانهم.[694] بعضهم "وجدوا ملاذاً لدى مسلمين ودّيين"، بينما تحوَّلَ آخرون إلى الاسلام. في حين استمَّر آخرون في محاربة المعتدين. احتلَّ الأتراك المنطقة حتى الرابع والعشرين من أيار (مايو). وقد إتَّسمت الفترة الممتدة ما بين كانون الثاني ـ أيار (يناير ـ مايو) بإرتكاب المذابح وعمليات الإغتصاب. قيل أن 75 إمرأة وفتاة في أردشاي دخلن مياه البحيرة هرباً من الأتراك فتم رميهن بالرصاص في الماء.[695] في شباط (فبراير) ذكرت التقارير أن الأتراك أعدموا 700 رجلاً آشورياً وأرمنياً في هَفتيـﭭان وألقوا بالجثث في الآبار والأحواض.[696] وأقتيدت النساء إلى الحريم. وفي مكان آخر، تم حرق القرويين وهم أحياء.[697] والحكومة الإيرانية كانت تتذمَّر، عندما تُلفِتُ النظر إلى أنه هنا وهناك، قد قتل القرويون المسيحيون المسلمين.[698]
في آذار (مارس) تم اعدام رجال قرية كَولـﭙاشان في المقبرة المحلية، وتعرَّضت النساء والأطفال "لتعذيب بربري".[699] ويصف أحد المبشِّرين ما حدث في ﭼاركَوشا القريبة:"في فناء الدار، [لوسي، التي رَوَتْ ذلك للمبشر]، شاهدَت شقيقتها الأصغر شيرين، الصبية الحسناء ذات الخمسة عشر ربيعاً، يتم جرّها بعيداً من قِبَل رجل كردي. كانت تتوسل بشقيقتها لوسي لإنقاذها، غير أن لوسي كانت عاجزة.... حاولت [شيرين] إخفاء وجهها، فلطَّخته بالطين، لكن لديها مثل هذه العيون الدُعج الساحرة وهذه الخدود الورديَّة! الأكراد يقبضون على الفتيات والصبايا، ويُعاينون وجوههن، وكل واحد يجد فتاةً حسناء لنفسه، ثم يقتادُها بعيداً".[700] مسؤول روسي، الذي قام لاحقاً بتفتيش عشرين موقعاً في أورمية، وجد تخريباً متعمداً على نطاق واسع ضد الكنائس. "القرى تغصّ بـ .... ضحايا المجازر"، وجدها الروسي. "جثث تحمل آثار قتل وحشي بالفؤوس والخناجر وأدوات مثلومة". في قرية ديلمان الكبيرة، ذكر مبشر أمريكي بأن ألفاً قد قُتِلوا وأن ألفين قضوا نحبهم بسبب المجاعة والأوبئة.[701] وقوة الاستطلاع التركية الخامسة، بقيادة خليل، تتحمل مسؤولية معظم عمليات القتل. ومن بين الضحايا كان أفراد القوة ذاتها من الجنود الأرمن والآشوريين، الذين تم فرزهم واعدامهم جنباً إلى جنب مسيحيي أورمية.[702]
قرابة 20.000 قروي فرّوا بإتجاه مدينة أورمية ولجأوا إلى مُجمَّعات الإرساليات الـﭙرسبترائية (المشيخية) الأمريكية والكاثوليكية الفرنسية.[703] بين كانون الثاني وأيار (يناير ـ مايو) قتَلَ وإغتصب الأتراك والأكراد المئات مِمَّن ضلّوا السبيل إلى مجمعات الإرساليات ـ حتى الأطفال في السابعة من عمرهم. وانتزع الأتراك خمسين شاباً من المجمع الفرنسي وطالبوا بفدية لقاء اخلاء سبيلهم. وحينما أثبت التسديد ضآلته، تم اعدام الشباب. وما يربو على المائتين إمرأة تم خطفهن إلى الحريم. داخل وخارج المجمعات، "ما لا يقلُّ عن أربعة آلاف" لاقوا حتفهم نتيجة سوء التغذية والأوبئة.
الأكراد والأتراك غير النظاميين والأتراك النظاميين، والإيرانيين والأذربيجانيين المحليين، شاركوا كلهم في عمليات القتل. فقد كتب مبشرٌ، "الحسد من الأزدهار الكبير للسكان المسيحيين ... العداء السياسي، البغضاء والتعصب الديني كلها كان لها سهم."[704] تم إعتاق العديد من النساء من يد الأُسَرِ المسلمة عندما استعاد الروس احتلال أورمية في الرابع والعشرين من أيار (مايو).
في الأناضول، بينما تم إهلاك أو ترحيل آلاف الآشوريين، فإن عدداً لا بأس به كانوا قد تُرِكوا على قيد الحياة وفي بيوتهم، بأمر خاص من القسطنطينية.[705] لكن بالنسبة للعديد من المسؤولين المحليين كان يندرج قتل الآشوريين تحت العنوان العريض المدفوع آيديولوجياً بتوجيهات إستئصال شأفة "المسيحيين"، وبناءً عليه مضوا قُدماً بغض النظر عن أي اعتبار آخر.
بعد الرابع والعشرين من أيار (مايو) بسط الروس نفوذهم على سهل أورمية لسنتين. غير أن الثورات المتعاقبة في عام 1917 أسفرت عن تفكك عام في جيشهم، "والعديد من الأعمال الظالمة إزاء المسلمين" وقعت مجدداً في أورمية ومحيطها.[706] الإيرانيون حاولوا إعادة فرض السيطرة. والآشوريون، الذين كانوا مسلحين، طمأنوا الإيرانيين بأنهم لا يبتغون سوى الدفاع عن أنفسهم فحسب. لكن الإيرانيين لم يثقوا بهم. وفي شباط (فبراير) 1918 إنتهى صِدام الإيرانيين والآشوريين بهزيمة الإيرانيين. غير أن عداوات المسيحيين العثمانيين كانت قد تجددت بعد أن أقدم رجال العشائر الكردية، بقيادة إسماعيل آغا الشكاكي (سمكو)، على قتل البطريرك مار شمعون [بنيامين] والعشرات من أنصاره عقب محادثات سلام جرت في السادس عشر أو السابع عشر من آذار (مارس). وسعياً للإنتقام، فتك الآشوريون بالأكراد في أورمية، وما يصل إلى مائتين في القرية المسلمة القريبة كاراسانلوي. والجيش التركي السادس، مستغلاً الضعف الروسي، قام بإجتياح المنطقة. وفي حزيران (يونيو) استولى على سلماس وخوي، حيث قام بذبح الآشوريين والأرمن في الأخيرة. فهرب الآلاف الى أورمية، التي فرض الأتراك الحصار عليها فيما بعد. وفي الحادي والثلاثين من تموز (يوليو) دخل الجيش التركي المدينة، وفرَّ عشرات الآلاف من المسيحيين، في الدرجة الأولى الآشوريين، متوجهين نحو الخطوط البريطانية في بلاد الرافدين. آلافاً ونيّفاً من المسيحيين المتروكين وراءهم لاذوا بالإرساليات الأجنبية، إلاّ أن 600 منهم، معظمهم من السريان، أُزهِقَت أرواحهم في نهاية المطاف.[707]
أثناء النزوح الجماعي جنوباً، نحو بلاد الرافدين، فُقِدَ الكثيرون في الكمائن، وتم خطف النساء والأطفال."السَغَب، والإعياء، والمرض والهلع اختزل شعبنا إلى جلد وعظام .... الأموات والمحتضرين [كانوا قد] تُرِكوا بلا إكتراث على قارعة الطريق.... الأطفال الصغار الذين تم التخلي عنهم أو فقدانهم شوهِدوا وهم يسيرون صعوداً وهبوطاً على سفوح التلال ... وكأنهم في غيبوبة". نحو 30.000 فاضت أرواحهم، أو "فُقِدوا أو تم خطفهم". وزهاء 35.000 آشورياً و10.000 أرمنياً وصلوا في نهاية المطاف إلى الخطوط البريطانية قرب همدان. فتم اسكان معظمهم مؤقتاً في مخيم بعقوبة، ولو أن الآلاف مكثوا في همدان.[708] في عام 1920 صدَّ اللاجئون الآشوريون والأرمن في بعقوبة هجوماً كردياً ـ عربياً عنيفاً أثناء إنتفاضة العراقيين ضد البريطانيين.[709]
في خريف 1920 كان قد أُغلِق مخيم بعقوبة ونُقِلَ الآشوريون إلى مندان، قرب الموصل، بغية العودة النهائية إلى موطنهم. السنة اللاحقة، توجَّه آشوريو أورمية سابقاً،"مدفوعين بحنين الوطن القومي"، نحو الشمال، واجتاز عدّة آلاف منهم التخوم الإيرانية. فقررت إيران عدم السماح بعودتهم إلى أورمية، وأخيراً، سُمِحَ بإعادة توطينهم قرب تبريز وكرمانشاه، بينما تمت إعادة توطين آخرين في بغداد وهمدان. وفي أواخر 1922 ـ 1923 إرتحل عدة آلاف من الآشوريين العراقيين إلى أورمية، وبعض من المنفيين الذين أصلهم من حكاري حطّوا الرحال في نهاية المطاف في منطقة تل تمر شمالي سوريا.
الحكومة التركية، مع ذلك، لم تكن قد إنتهت من الآشوريين. فخلال عام 1924 هاجم الجيش التركي ما تبقى من أديرة الآشوريين وقراهم في الجنوب الشرقي. وقد أشار [مصطفى] كمال على نحو غير مباشر إلى هذا حينما صرَّح، في عام 1927، بأن مؤامرة ضد الحكومة قد تم اكتشافها "بينما كان جيشنا مشغولاً بمعاقبة النساطرة".[710]
أما الآشوريون الجبليون المنفيون، فقد نُقِلوا من مندان إلى القرى الخاوية على خط زاخو ـ دهوك ـ عقرة، على الحافة الشمالية للعراق المحكوم من قبل بريطانيا، العديد منهم يخدمون البريطانيين كقوات الليـﭭـي المحلية أو حرّاس الحدود. وبضعة آلاف منهم عادوا في نهاية المطاف الى موطنهم في تركيا.[711]
ومعظمهم مكثوا في العراق، حيث، في تموز ـ آب (يوليو ـ أغسطس) 1933، قرابة 3.000 منهم أُزهِقت أرواحهم على أيدي القوات العراقية ورجال العشائر العرب والكرد، وحَمْل الكثيرين منهم على النزوح إلى سوريا.
[... إنتهى ...]

الهوامش: Notes 
     
⁕ The thirty-year genocide
Turkey´s destruction of its christian minorities, 1894 – 1924
Bennt Morris & Dror Ze´evi
660. Thomsen,”The Assyrians/ Syriacs of Turkey,” 3. See also Karimova an Deverel,ØMinorities in Turkey,” 12.
661. Gaunt, “Ottoman Treatment of the Assyrians,” 245.
662. Assyrian-Chaldean delegation, Paris.”The Assyrian-Chaldean Question before the Peace Conference,” undated but from 1919, USNA RG 84, Turkey (Constantinople), Vol. 404.
663. Political officer, UK administration Baghdad, to?, 26 December 1918, UKNA FO 371/3386.
664: Gurzan,”Memorandum;” 13 November 1919, , UKNA 371.
665. Kevorkian, Armenian Genocide, 94, cites arepor indicating that 1,272 Syriac Christians were murdered during the Adana massacres.
666. Gaunt, Massacres, 92.
667. Captain G. S. Reed,”Mesopotamia: Assyrian Refugees in Baqubah,” 1 July 1919, , UKNA FO 371/4192.
668. Gaunt, Massacres, 90-92.
669. E. W. McDwell to Allen Dulles, 14 August 1923, and attached untitled memorandum, 14 August 1923, by McDwell, an American missionary, USNA RG 84, Turkey (Constantinople); Vol. 479. Gaunt says the Assyrian tribal “declaration of war” against the Ottomans was issued in May 1915, months after the Turks started butchering them (Gaunt,Massacres, 123).
670. Kaiser, Extermination of Armenians, 125-126; and Gaunt, Massacres, 127.
671. Gaunt, Massacres, 123.
672. E. T. Allen, “Outline of Events in the District of Urmia, and the Syrian Connection Therewith, Since the Beginning of the War,”undated, U.S. Official Records, 603; W. A. Shedd to J. L. Cadwell, US minister, Teheran “[Report from Persia], ” 23 June 1915, U. S. Official Records, 479; and Gaunt, Massacres, 123.
673. Gaunt, Massacres, 137-138.
674. Gaunt, Massacres, 128.
675. Gaunt, “Ottoman Treatment of the Assyrians,” 247-249; and Gaunt, Massacres, 125.
676. Suny, They can Live in the Desert,234.
677. Gaunt, Massacres, 131.
678. Quoted in Gaunt, Massacres, 133-134.
679. Gaunt, Massacres, 136-137.
680. Gaunt, Massacres, 140.
681.”Refugees from the Hakkari District: Series of Extracts from Letters by Members of the Americam Mission Board at Urmia,”and”Refugees from Hakkari: Letters, Dated 26th September/9th October, 1915, from a Relative of Mar Shimun, the Patriarch,”Bryce and Toynbee, eds., Treatment of Armenians, 172-173 and 175-176; and Gaunt, Massacers, 145.
682. Hofmann,”Cumulative Genocide,” 49.
683. Kevorkian, Armenian Genocide, 379-380.
684. Kevorkian, Armenian Genocide, 376.
685. Gaunt, “Ottoman Treatment of the Assyrians,” 246. 
686. Kevorkian, Armenian Genocide, 371-374; and Kaiser, Extermination of Armenians, 324.
687. Gaunt, “Ottoman Treatment of the Assyrians,” 256-257.
688. Kevorkian, Armenian Genocide, 350.
689. Morgenthau, Ambassador Morgenthau´s Story, 307.
690. Kevorkian, Armenian Genocide, 379-380.
691. Shedd to Caldwell, 23 June 1915”[Report from Persia],”U.S. Official Records, 479; and Gaunt, Massacres, 62-64.
692. “Urmia Statement by the Rev. William A Shedd, D. D. …”Bryce and Toynbee, eds., Treatment of Armenians,102.
693. “First Exodus from Urmia, January 1915: Report Dated 1st March 1915, from the Reverend Robert M. Labaree, of the American Mission Station at Tabriz; to the Hon. F. Willoughby Smith U.S. Consul at Tiflis; Communicated by the Board of Foreign Mission of the Presbyterian Church in the U.S.A.,”Bryce and Toynbee, eds., Treatment of Armenians; 108-109.
694. Shedd to Caldwell, 23 June 1915”[Report from Persia],”U.S. Official Records, 478.
695. “Urmia: Narrative of Dr. Jacob Sargis Recorded in a Despatch Dated Petrograd, 12th February, 1916,”Bryce and Toynbee, eds., Treatment of Armenians, 160.
696. to Caldwell, 23 June 1915”[Report from Persia],”U.S. Official Records, 482, Kevorkian, Armenian Genocide, 227; and Gaunt, Massacres, 81-84.
697. Khosroeva, “Assyrian Genocide,” 271.
698. Gaunt, “Ottoman Treatment of the Assyrians,” 253. Gaunt, Massacres, 104-105.
699. “Azerbaijan behind the Russian Front: Extracts from a Series of Letters by the Rev. Robert M. Labaree… Letter Dated Tabriz, 12th March, 1915 (to Mr. Labaree´s Mother), “Bryce and Toynbee, eds., Treatment of Armenians, 110. Khosroeva, “Assyrian Genocide,” 271, says the massacre at Gulpashan took place in January 1915.
700. Entry for 20 January 1915,”Urmia during the Turko-Kurdish Occupation: Diary of a Missionary edited by Miss Mary Schauffler Platt,” Bryce and Toynbee, eds., Treatment of Armenians, 119-120.
701. Both quoted in Gaunt, Massacres, 107; se also 110-111.
702. Scheubner-Richter to Bethmann Hollweg, 4 December 1916. German Foreign Office, 694 ; and Gaunt, Massacres, 109-110.
703. For a description of the work of these missions and conditions in Urmia town during January-May 1915, see Gaunt, Massacres, 112-117. 
704. “Urmia: Statement by the Rev. William A. Shedd …,” Bryce and Toynbee, eds., Treatment of Armenians, 103-104; Gaunt, Massacres, 115-116; and Shedd to Caldwell, 23 June 1915,”[Report from Persia],”U.S. Official Records, 479-481.
705. Kevorkian, Armenian Genocide, 389-390, 394.
706. E. T. Allen,”Outline of Events in the District of Urmia, and the Syrian connection Therewith, Since the Beginning of the War,” undated (but probably from April-June 1917), U.S. Official Records, 605.
707. Allen,”Outline of Events …,” undated, U.S. Official Records, 607-609, and Kevorkian, Armenian Genocide, 707-708.
708. J. M. Yonan and Pera Mirza, Assyrian Refugee Committee,”The Assyrian People and their Relations with the Allies in the Present War,” undated but attached to Cox to Balfour, 30 December 1918, UKNA FO 371/4177; and Reed,”Mesopotamia: Assyrian Refugees at Baqubah,” 1 July 1919, UKNA FO 371/4192.
709. McDowell, memorandum, 14 August 1923, USNA RG 84, Turkey (Constantinople), Vol. 479.
710. Atatürk, Speech Delivered by Ghazi Mustapha Kemal, 689.
711. McDowell, memorandum, 14 August 1923, USNA RG 84, Turkey (Constantinople), Vol. 479.
----------------------------------------------------------------