من أرشيف المدارس القومية الآشورية في العراق
-------------------------------------------------------------مدرسة التقدم للطائفة الإنجيلية الآثورية والمعروفة بمدرسة قاشا خندو
======================================
أبرم شبيراأتاحت لنا فرصة "خليك في البيت" في زمن "كورونا"، فسحة جيدة من الوقت للبحث والتنقيب في المراجع المركونة على الرفوف العالية والعثور على بعض المواضيع التي قد تثير أهتمام القراء خاصة التي لم تنشر سابقا أو ليست معروفة لجيل هذا الزمن، ومنها موضوع مدرسة التقدم للطائفة الإنجيلية الآثورية في بغداد والتي كانت تعرف بمدرسة قاشا خندو.
تُكشف لنا بعض من صفحات التاريخ المعاصر لنشوء الفكر القومي الآشوري بأن الآشوريين المنتميين إلى الكنائس الإنجيلية البروتستانتية والكاثوليكية والأرثوذكسية الروسية والسريانية الأرثوذكسية كانوا من رواد الفكر القومي الآشوري وأبدعوا كثيرا في تأسيس الجمعيات والمنظمات القومية والأحزاب السياسية والمدارس التعليمية، ومنها مدرسة موضوعنا هذا "مدرسة التقدم" والتي أرتبطت بأسم القس خندو يونان ثاني مدير المدرسة. يذكر لنا الباحث حارث يوسف غنيمه في كتابه "البروتستانت والإنجيليون في العراق"، مطبعة الناشر المكتبي، بغداد، 1988، بأن الآثوريين الإنجيليين الذين فروا من منطقة أورميا وحلوا في العراق في سنة 1918، أستمروا الإقامة فيه في العقد الثاني من القرن العشرين وكونوا الطائفة الإنجيلية البروتستانتية الآثورية والتي تمتد جذورها إلى إرساليات مجلس الوكلاء الأمريكي للإرساليات الأجنبية وإلى مجلس الإرساليات المشيخية في الولايات المتحدة الأمريكية التي عملت في منطقة أورميا ونجحت في تحويل عدد من الآثوريين إلى البروتستانية. وكانت هذه الطائفة من بين الطوائف البروتستانتية الإنجيلية الثلاث، الطائفة البروتستانتية الوطنية وطائفة الأدفنست السبتيين المعترف بهم من قبل الحكومة العراقية.
ففي سنة 1918 وصل العراق المبشر الأمريكي مكداويل من الإرسالية المشيخية بصفته مستخدما في مؤسسة الإسعاف للشرق الأوسط لمساعدة الآثوريين المنكوبين على إختلاف فرقهم بالأخص أبناء الطائفة الإنجيلية. ثم في عام 1921 وبتوجيه منه أفتتح الآثوريون الإنجيليون مدرسة لتعليم أولادهم اللغتين الآثورية والعربية بأسم مدرسة "التقدم الإبتدائية للبنين" في بغداد وأستقدموا لها معلمين من إرسالية إيران وقدموا لها بسخاء مساعادات مالية إضافة إلى المساعدات التي كانت تتلقاها الطائفة من أمريكا لمواصلة مسيرتها. وهي المدرسة التي شدت من أزر كيان هذه الطائفة والتي كان لها في بغداد كنيسة تعتبر من أكبر كنائسها في العراق، وأول قس رعاها هو القس بيرا مزرا. وفي عام 1928 تسلم إدارة المدرسة القس خندو يونان (1888 – 1950) الذي في الحقيقة هو باني صرح وشهرة هذه المدرسة لهذا السبب عرفت بأسمه بين الآثوريين كـ "مدرسة قاشا خندو". ثم بعد وفاة قاشا خندو تسلم إدارة المدرسة والطائقة قس آخر وهو قاشا كورش يعقوب شليمون الذي كان له شخصية مرموقة لدى معظم الآشوريين في بغداد.
في عام 1924 عندما باشرت الإرسالية الإنجيلية أعمالها بكثافة في العراق توجهت أنظار الآثوريين إليها باعتبارها سندهم الديني، وبالفعل قدمت الإرسالية الى طائفتهم بالإضافة إلى الإرشادات الروحية مساعدات كثيرة ساعدت على تقدم أتباع هذه الطائفة عن غيرهم من أبناء الطوائف الآشورية. ففي عام 1928 شيدت الطائفة بناية على أرض مستأجرة في منطقة السنك ضمت مصلى وصفوفاً للمدرسة التي كان عدد طلابها 600 طالب وطالبة للدراسات الإبتدائية والمتوسطة والثانوية وفي تلك السنة تسلم قاشا خندو أدارتها إضافة إلى رئاسة الكنيسة. ثم في عام 1940 وفي زقاق ضيق مجاور لكنيسة القديس كريكور للأرمن الأرثوذكس في ساحة الطيران ببغداد وعلى أرض شاسعة شيد أبناء الطائفة وبهمة قاشا خندو وبمنحة سخية من الإرسالية المتحدة كنيسة وبناية خصصت لمدرسة التقدم التي ظلت تحت إدارة الطائفة إلى أن وضعت الحكومة العراقية يدها على جميع المدارس الأهلية في سنة 1975.
كما سبق وذكرنا بأن أبناء هذه الطائفة تطوروا من نواحي عديدة مقارنة مع بقية الطوائف الآشورية وتبوؤا مراكز مرموقة سواء على المستوى الآشوري أو على المستوى الرسمي حيث كان الكثير منهم موظفون وبدرجات عالية في بعض المؤسسات الحكومية والبنوك، وظهر بين ظهرانيها شخصيات معروفة منها العميد الطبيب روئيل شاويل كوركيس الذي كان مدير الشعبة الرابعة في مديرية الأمور الطبية العسكرية سنة 1985. ثم بعد تقاعده هاجر إلى الولايات المتحدة الآمريكية وأستقر في شيكاغو ومن هنا لا يزال يخدم الآشوريين من خلال العيادة الطبية التي يديرها، وهو من الشخصيات الآشورية المعروفة هناك سواء من خلال خدماته الطبية أو إنخراطه في النشاطات القومية والإجتماعية والخيرية حيث يعمل بدون كلل وملل وبنشاط شبابي مفعم بالحيوية رغم تعب السنين الطويلة البادية عليه. أنها فرصة لنا وعبر هذه السطور أن نطلب من ربنا أن يعطيه الصحة والعافية ويطيل من عمره. ومن شخصيات المعروف للآشوريين من هذه الطائفة أيضاً السيد يوئيل يعقوب سركيس المعروف بـ (أبو روني) رحمه الله، الذي توفي قبل سنوات في كندا. ونشير أيضا إلى شخصية معروفة من هذه الطائفة وهو السيد بنيامين بطرس توماس (أبو سامي) حالياً يعيش في أربيل فكلاهما هو وأبو روني كانا من الأعضاء النشطين في النادي الثقافي الآشوري في بغداد. ومن الشخصيات التي خدمة هذه الطائفة والمدرسة نذكر السادة شموئيل بابا إبراهيم و سركون أوشانا إبراهيم و بيرا بابا يوسف و أدور عزيز البازي و السيدة ألماس أغاسي ونينوس بولص فيليب و الفرد بطرس و دنخا خوشابا و وليم خمو. ومن المعروف عن هذه الطائفة الإنجيلية الآثورية بأنها لم تكن تختلف عن بقية الطوائف البروتستانتية الإنجيلية في العراق من حيث الإيمان غير تمسكها الشديد بلغتها القومية الآثورية والحفاظ على الثراث القومي الآشوري.
من هذا المنطلق القومي للطائفة، لم تكن لا الكنيسة للعبادة وممارسة طقوس الطائفة فقط، ولا المدرسة للتدريس الطلاب الآشوريين من مختلف الطوائف فحسب، بل كانت مركزا ثقافيا وإجتماعية وفنياً ورياضيا وحتى قومياً سياسياً، حيث تشكلت فيها عدد من اللجان المختصة في هذه المجالات وعملت بنشاط كثيف وأثارت إهتمام ومشاركة أبناء الطوائف الآشورية الآخرى. وأتذكر منها اللجنة التي عرفت بأسم "جالش" التي كانت تقوم بنشاطات إجتماعية وفنية مختلفة وبسفرات عائلية جماعية والتي شاركتُ في أحداها في حدائق منطقة أبو غريب حيث في حينها، وأعتقد كان صيف عام 1966، وأستغربت إستغراباً شديدا، وأنا قادم من مدينة كركوك، من العدد الهائل للمشاركين في هذه السفر من مختلف الفئات العمرية وخاصة الشبابية، لا بل كان إستغرابي وإنبهاري أكثر بكثير من الفعاليات التي أقيمت في هذه السفرة ومنها إغاني قومية لم نكن نسمعها في حينها في المؤسسات الأخرى. ليس هذا فحسب بل كانت الكنيسة والمدرسة مركزا لإنبثاق مواهب خلاقة في الأدب والثقافة والفن وحتى في السياسة والفكر القومي الآشوري سواء من بين مدرسي المدرسة أو من إداربي الكنيسة ولجانها المختصة. ومما ساعد على أن تكون ساحة الكنيسة مركزاً لإستقطاب الآشوريين هو قربها من منطقة "كمب الكيلاني" أكبر تجمع سكني للآشوريين في بغداد والذي لم يكن يبعد عن الكنيسة إلا بعضة أمتار.
فأسماء أمثال رابي يوسب كانون، الذي كان مدرسا في المدرسة ومنها أكتسب لقب رابي، وأبو روني وأبو سامي الذين شاركوا في تأسيس النادي الرياضي الآشوري في بغداد ومن ثم محاولتهم لتأسيس النادي الثقافي الآشوري في الستينيات من القرن الماضي والذين لم يفحلوا فيها بسبب رفض السلطات الرسمية لطبهم في تأسيس هذا النادي. كما كانت لهم نشاطات قومية سياسية في تأسيس أحزاب سياسية آشورية ومنهم من تعرضهم للإعتقال من قبل السطات العراقية في الستينيات من القرن الماضي ومنهم رابي يوسب. وهناك نجوم لامعة في عالم الفن الآشوري سواء على المستوى الغناء أو المسرح أو الفن التشكيلي حيث أرتبطت أسماؤهم بشكل أو بآخر بالكنيسة والمدرسة، فكانت ساحة الكنيسة مسرحا لنشاطاتهم المبدعة، ومنهم سامي ياقو و آشور سركيس و ولتر عزيز و كوريل شمعون و إيبي عمانوئيل وتيدي نيقاديموس و رمزية نيقاديموس و يوسيفوس عمانوئيل، وعشرات منهم لا يخطر ببالي لذكر أسماؤهم. وعندما تأسس النادي الثقافي الآثوري عام 1970 في بغداد، أصبح هذا النادي كتوأم للكنيسة والمدرسة فأصبحت ساحة النادي أكثر رحبةً في تكثيف نشاطات هؤلاء المبدعين فزادت من أبداعاتهم كثافة وسعة وشعبية ولمعت أسماؤهم في السماء الفني والثقافي والأدبي عند معظم الآشوريين.
ثم بعد تأميم سلطات البعث لجميع المدارس الأهلية عام 1975 وتوسع أبواب الهجرة إلى الخارج تقلصت نشاطات رعية الكنيسة والمدرسة بحيث وصل ألأمر إلى إنتقال إدارة الكنيسة إلى قس مصري وإلى غير الآشوريين وبالتالي تقلص عدد أبناء الطائفة وهجر الكثيرين منهم إلى الخارج بحيث أصبح أمر الكنيسة والمدرسة بحكم المنسي خاصة بعد الحروب التي تورط فيها نظام البعث في العراق.
وأخيراً أود الذكر بأن من أحد الدوافع التي دفعني لكتاب هذه السطور هو مشكلة أو قلة أو ندرة التوثيق للمؤسسات والمدارس والأندية والجمعيات الآشورية، فللتوثيق أهمية كبرى في تحديد الهوية القومية للآشوريين وأثبات وجودهم كأمة نشطة وفاعلة ومتواصلة من الماضي السحيق إلى الحاضر ثم المستقل. وكما ذكرت في أعلاه بأن أكثر المعلومات مستلة من كتاب السيد حارث يوسف غنيمه ومن المؤكد بأن هناك بعض من أتباع الكنيسة الإنجيلية الآشورية ومن الذين شاركوا في إدرتها أو إدارسة المدرسة لهم معلومات كثيرة وذكريات جميلة، فأتمنى أن تكون هذه السطور حافزا لهم لبيان هذه المعلومات وتدوين ذكرياتهم ونشاطاتهم لتكتمل الصورة عن هذه المدرسة التي وأن تقلصت أو زالت من الوجود ولكن من المؤكد بقت وستبقى ليس في قلوبأبناء هذه الطائفة فقط بل في قلوب جميع الآشوريين.