المثقف غير المثقف، المثقف الطرطور
بولص آدم قد يبدو العنوان غريبا عزيزي القارئ. فكيف يكون المثقف غير مثقف، وكيف تحول الى طرطور؟ لك كل الحق فأعطني قليلا من وقتك عزيزي.
سمعت أن رئيس لجنة مناقشة أطروحة دكتوراه أستلم رشوة ومرر أطروحة رثة، هل هذا هو مانقصده؟ لا، ليس المقصود فله تصنيف آخر.
هل هو هذا الدكتور الذي يروج لرجل دين متخلف تحالف مع الشيوعيين ثم طبل لهذا التحالف بحجة أن كلاهما يهتم بالطبقة الكادحة؟! لا تصنيفه ليس في عنوان مقالتنا.
فهل هو ذلك الذي وافق على تأسيس حزب يموله طرف لضرب حزب من أحزاب شعبنا العريقة؟ وهذا أيضا له مكان آخر.
هل هو هذا المهندس الذي طلع علينا بحزورة قديمة حول واحد ناقص واحد يساوي أثنين، وفضل أن نختار تعلم نسج الخيمة الآرامية وما عداه برأيه قد إنقرض كالديناصور، لا هذا البطل التاريخي سيفه مكسور ومكانه خاص.
هل هو هذا المثقف الفرنسي الذي يشعر بتأنيب الضمير فقد حدثني قبل أسبوع بأنه كان ينتقد كنيسة حرة في مرسيليا، ثم دفعوا له مكافأة مجزية لقاء تأليف كتاب عن إرسالية الى الجزائر فأنجز المهمة، يريد العودة الى نفس المنوال لكنه يشعر بحرج، بعد أن حيدته تلك الكنيسة فتوقف عن الكتابة لمراجعة النفس! هذا ايضا ليس هو.
فمن هو المثقف غير المثقف الطرطور؟
في سابقة لم تحصل معي،فقد تحدثنا مع عشرة مثقفين خلال الأسبوع الأخير بالمراسلة الألكترونية وعن طريق الهاتف، أحدهم ذلك الفرنسي وآخر سوري يقيم خارجها، أديبة لبنانية تحرر في واحدة من الصحف، مؤلف وباحث قدير في بغداد، وستة من مثقفي شعبنا وكتابه المعروفين طبعاً، الحديث دار في عدة مجالات بمختلف المواضيع،المصادفة الغريبة كغرابة عنوان مقالتنا،أنهم إنتقدوا المثقف الطرطور دون تسميته، وأنا أتحدث معهم دار هذا الموضوع دورته في رأسي وسألت نفسي أسئلة محدودة، توصلت الى أنني أتفق معهم بان الكثيرين من المتثاقفين هم طراطير بمعنى الكلمة! فالمثقف غير المثقف هو ذلك الذي يتداوله المتعلمون وسائر الناس بفهم مغلوط عن مفهوم المثقف .. منهم الدارسين و عموم المتعلمين و سائر الناس، و مجانب للفهم الصحيح و العلمي وعلى أساس السيرورة التاريخية لمختلف التشكيلات. فمنهم من يتعامل مع المثقف على أنه هو الذي يفهم و يعرف، و منهم من ينظر إليه على أنه هو المنتج للفكر والخ، وأنا هنا لست في إهتمام تعريفه. لكن الأشارة الى دوره وكيفية لعب هذا الدور.
نحن نعيش في عالم سقطت فيه الأقنعة تماماً، كل من يفكر بعقلية العام الماضي وماقبله ولا يجدد خطابه ولا يقدم على قول الحقيقة ويقف الى جانب الحق، سيكون منافقا كذابا إنتهازيا، حتى ولو كان مخدوعا او محيدا او محرجا او مرغما او انه لايقصد أن يخالف مبدأ اعرف نفسك أولا.. تجده يكتب ويؤلف بخطاب معطوب وهو الذي يقف على منصة الوسيلة ( اللغة ) والمُرسل إلى المُستقبل عبر رسالةٍ ما، ونحن نعرف أنه يعرف ولكنه يسلك كل الطرق التي لاتؤدي الى الحقيقة مع أنه يرسل رسالته بالواضح أو المشفر مستخدما معسول الكلام في الخطاب الودي ووصل الأمر ببعضهم بإستخدام ما أنزله الله من سلطان، من آيات من الكتب المقدسة و يستخدم منهجية الخطاب الأيطالي بالخِطاب السِّياسيّ، والإرشاديّ، والتّوعويّ، والنهضويّ، والتّعبويّ، خطاب يهدف إلى تعبئة الرأي العام تجاه قضيّةٍ ما، ولاينسى انتقاد الأشتراكية بجثة لينين المُحنطة ولا قبقاب كارداشيان في نقد الرأسمالية ويعرج على التاريخ وينتقد ماري انطوانيت وما اليه في هذيان الكلام مستخدما الحكم والأمثال التقليدية وحرائق الأمازون، ويقدم لك جداول ضرب وقسمة في الأحصاء ولا ينسى كلائش التزويق والتلوين والتهميش. ثم ينتهي خطابه وبعد أن فسر الماء بالماء، وسرد عليك بديهي الكلام المنمق، الذي عضده بأمثلة تخدم فقط اصراره على صواب رأيه مستخدما الوسائل الممكنة، وبعد نقطة النهاية.. تكتشف زوال القناع بعد نفض كل مافي الجعبة، فقد غفل وهو العارف بكل شئ بأنه لم يكن خبيرا بالقيم الإيجابية و السلبية، ولم يكن متتبعا للحركة الثقافية على المستويين الخاص والعام، ولم يكن متشبعا بالقيم الناتجة عن استيعاب المواثيق المتعلقة بالحقوق العامة و الخاصة، ولم يستفد من تجارب الشعوب الثقافية المختلفة، ولم يساهم بفعالية في محاربة القيم الثقافية السلبية، ولم يبذل اي جهد في بناء منظومة القيم الإيجابية، أي أنه لا يستطيع بناء وعي ثقافي متقدم ومتطور، ويخدم عملية التقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي في الاتجاه الذي يخدم حركة التاريخ.
هذا المتعلم عنوانه المثقف وبما أنه عطل ثقافته بثقافته فهو المثقف الطرطور.