كيسير آشور و الطب الآشوري
بولص آدم من هو كيسير آشور؟ الألواح الطينية التي كتبها رجل يدعى (كيسير آشور) في القرن السابع قبل الميلاد، حللها طالب الدكتوراه الدنمركي (Troels Pank Arboll) من جامعة كوبنهاغن، وهي تروي قصة طبيب في التدريب يسجل عمله وأساليب القيام به، الألواح عن مجموعة من الممارسات الطبية ( التي يعتقد أن الأغريق نقلوها عنهم فيما بعد) بالأضافة الى طقوس سحرية. ويعتقد الباحثون أن هذا الأكتشاف يمكن أن يوفر نظرة جديدة تماماً، على كيفية التعامل مع المرضى في الحضارة القديمة، كيسير آشور، قد دون على الألواح جدولا زمنيا للأحداث التي تُظهر الجوانب الخفية المختلفة للتعليم الطبي قبل 2700 عام، ويعتقد أن هذه الألواح، من أكثر الألواح تفصيلًا عن التاريخ الطبي القديم، حيث سجل كيسير آشور ماتعلمه بالترتيب الزمني، ما سمح للباحثين بفهم الجدول الزمني لتدريبه. وأثار الباحث الدنمركي ان الألواح تقدم نظرة ثاقبة على بعض الأمثلة المبكرة لما يمكن وصفه بالعلوم. على الرغم من أن العلاجات السحرية كانت شائعة في ذلك الوقت، الا أن الألواح الطينية تشير الى استخدام غير تقليدي في الطب ايضا، حيث أنه لا يعتمد فقط على الطقوس الدينية المعتمدة، ولكن أيضا على العلاجات الطبية النباتية، وتشير الكتابات الى أن كيسير آشور، ربما درس تأثير السم من العقارب والثعابين على جسم الأ نسان، وحاول إستخلاص إستنتاجات تستند الى ملا حظاته، إن الطبيب الطموح، كان يمارس مهاراته على الحيوانات في البداية، ثم انتقل الى الأهتمام بالأطفال الرضع مع اقتراب فترة تدريبه. ومن غير المؤكد، ما إذا كان الطبيب تعامل مع شخص بالغ مريض بمفرده، لأنه لم يكن مؤهلا بشكل تام .
الطب الآشوري: في رأي (ورن أندرسون)، إن الطب الآشوري كان متقدماً على الطب المصري وبالتالي على الطب اليوناني، وأشهر أطباء وادي الرافدين هو ( أورد كاليدينا ) الذي عاش في نهاية الألف الثالث قبل الميلاد، أما د. محمود الحاج، بين في كتاب ( تاريخ طب الأطفال عند العرب )، أن الآشوريين والبابليين كانوا أول من عرف حصاة المثانة وأول من عرف العدوى، وأهم كتبهم ( لا بات ) الذي تحدث عن أعراض الحمل وأمراض المرأة الحامل، وتشنجات الأطفال، وقد وضع علماء اللغة الآشوريون قوائم بأسماء النباتات، ولعلهم وضعوها ليستعينوا بها في صناعة الطب، وقد دلت الألواح الطينية الآشورية التي تعود الى ما بين ( 668ـ626ق.م) على أن الطب الآشوري عرف تشريح الحيوان ومقارنته بالأنسان، وهذا مكنهم من معرفة وظائف أعضاء الأنسان، فكانت لهم معرفة دقيقة بأحشاء الجسم وأوصافها ووظائفها كالقلب، والكبد، والبنكرياس، والطحال، وعمليات التنفس والرئة وقياس النبض.. وذكرت فيها أيضا الخطوات السليمة لعلاج الجرحى، كالتنظيف والتعقيم وكانت لأطبائهم عمليات جراحية كثيرة، كتجبير الكسور والتدخل لألتقاط الجنين بملقط وسحبه الى الخارج، ودلت الآثار على أنهم كان على أيديهم صناعة الأدوية ، عندما ازدهرت عندهم الكيمياء. وقد قام في عام 1976 الدكتور عبد اللطيف البدري ( طبيب ووزير صحة )بترجمة وتلخيص ما كُتب عن الطب الآشوري والبابلي واعتمد على بحوث نُشرت في المجلات الطبية العالمية.
ولم ينفرد ( ثومسن ) وحده في الكتابة عن الطب البابلي والآشوري، بل كتب غيره بحوثا ومقالآت عديدة، واليكم بعض هؤلاء : (Longdon, S.H) ، (Wilson, J.V)، (Richardson, R) وغيرهم. نكتفي بما جاء في كتاب الأعشاب لثومسون، فقد أحصى المواد المختلفة التي وردت في الألواح الطينية التي ترجمها بنفسه، وقد جاء بمئات الوصفات الطبية للأمراض التي صنفها الآشوريون من قبل، كأمراض الرأس والصدر والبطن والعين والأمراض التناسلية.. وَرَدَ في الألواح، إسم (250) نوعا من النباتات.
في محاضرته التي ألقاها في باريس عام (1960) عاد البروفيسور الفرنسي، عالم الطب الآشوري ( رينيه لابات ) في تفسيره الى أن ميكانيكا العالم، كانت حتمية بنظر البابليين والآشوريين، وقوة هذه الميكانيكية المُسيّرة للعالم كانت تنقسمُ لقسمين، الأول متجه نحو الأرادة الألهية، والثاني متجه نحو العناصر المكونة، فالعلاقة بين الأثنين لم تكن متوازنة، وما المرض الذي يُصيب اعضاء الجسم البشري الا تعبير عن هذا التوازن القابل للأضطراب والأِبطال، فالمرض يؤكد خلل ديناميكية العنصر أو العضو وهو أمر لابُدَ منه.
ملاحظة: قرأت في العام الماضي عبر صحيفة الديلي ميل، عن كيسير آشور والباحث الدانمركي. كانت لي رغبة لتناول هذا الموضوع بأختصار، وانتظرت قراءة كتاب د. عبداللطيف البدري ( الطب الآشوري) وهو كتاب قيم جدا. ثم وقبل ايام إتصل بي من سان دييغو، الأخ العزيز د. بطرس توما مرخو. وتحدثنا عن الكفاءات المتواجدة في الخارج من أبناء شعبنا والطبية منها خاصة. طلب مني لأنه يجد صعوبة في كتابة رأيه بما أكتب، أن أدون إعجابه ومواضبته على قراءة كل ماأكتب فتحية له. كما وأهدي هذا المقال الى الطبيب الجراح المعروف وخاصة من قبل أهل الموصل (د. كيوركيس ربان عبدالأحد ) الذي تعرض لتهديدات متواصلة بتصفيته، ولكنه واصل عمله بإصرار، بتفاني وإخلاص، وكان آخر طبيب خرج من الموصل بعد إستيلاء داعش الأجرام على المدينة. تحية له ايضا.