من أرشيف المدارس القومية الآشورية في العراق - 2
------------------------------المدرسة الآثورية الأهلية في كركوك
====================
مختصر في مناطق تجمع الآشوريين في العراق:-----------------------------
من أحدى العوامل الأساسية لنشوء أية حركة قومية بكل جوانبها السياسية والثقافية والإجتماعية والحفاظ على كيانها القومي، خاصة بالنسبة للأقليات القومية التي تعيش وتتوطن مع القوميات الكبيرة والمهيمنة، هو العامل الديموغرافي المتمثل في عدد نفوس الأقلية وتركزها الجغرافي. وقد كان بعض قادة الحركة القومية الآشورية يدركون هذه الحقيقة، منهم المثلث الرحمات مار إيشاي شمعون البطريرك الأسبق لكنيسة المشرق الآشورية. فبعد تهجير العثمانيين للآشوريين المنتميين لكنيسته من أقصى شمال بلاد بيت نهرين إلى المناطق التي أصبحت جزء من دولة العراق التي خلقها البريطانيون عام 1920، عملت الحكومة العراقية وبإستشارة الخبير البريطاني في الإسكان السيء الصيت الميجر طومسون على إسكانهم في مناطق متفرقة ومقفرة بين القرى الكوردية والتي كانت بعضها مبوءة بالأمراض المعدية، كالملاريا، كسياسة لتشتيتهم والحيلولة دون تركزهم في منطقة واحدة تشجعهم على القيام بحركة سياسية. بالمقابل عمل وناضل وضحى البطريرك مار شمعون الكثير وطالب بإسكان الآشوريين المهجرين في منطقة واحدة متجانسة في شمال بيت نهرين لتكون ضمانة لحماية وجودهم القومي والذي راح ضحية هذا المبدأ الأساسي في الوجود بحدود ثلاثة ألاف شهيد في مذبحة سميل عام 1933 والمعروفة للقراء كحقلة مأساوية من حلقات نضال الآشوريين.
على العموم، بعد سنوات من الإستقرار النسبي تركز وجود الآشوريين في بعض المدن والمناطق العراقية مثل الحبانية وكركوك وبغداد والموصل. وهنا تجدر الإشارة والتوثيق بأن عشيرة جيلو كانت أول مجموعة آشورية تستقر في منطقة واحدة في بغداد والتي عرفت بـ "كمبت د جلوايه" أي مخيم سكن بني جيلو، وهي بالأساس كانت منطقة سكنية مخصصة للعاملين في مصلحة السكك الحديدية العراقية في منطقة الكرادة في بغداد. حيث لم يجاوروا أبناء عشيرة جيلو بقية العشائر الآشورية في السكن في المنطقة الشمالية لذلك نرى بأنه ليس لهم قرى في هذه المنطقة، بل أكثرهم عملوا في السكك الحديدية العراقية وسكنوا في هذا المجمع الذي كان مفعماً بالنشاطات الإجتماعية والثقافية والرياضية. ويظهر بأنه كنتُ محضوظاً بعض الشيء عندما عثرت في الرفوف القديمة للمكتبة الوطنية في بغداد، وأنا أبحث عن مراجع لأطروحتي الجامعية، على وثيقة قديمة من وثائق "السراي"، أي المقر الحكومي في العشرينيات من القرن الماضي، تذكر بأن "النادي الآثوري" الذي تأسس عام 1920 مع بداية بناء مجمع سكن السكك الحديدية، هو أول نادي إجتماعي مختلط في العراق يرتاده رجالاً ونساءاً.
وفي الحبانية، حيث كان مقر القوات الجوية الملكية البريطانية، خصص للآشوريين العاملين مع هذه القوات مجمع سكني كبير كان مركزاً فاعلاً للكثير من النشاطات الرياضية والإجتماعية والسياسية للآشوريين ومنها ظهر اللاعب المعروف وشيخ المدربين عمو بابا (رحمه الله) وغيره من اللاعبين في كرة القدم الذين كانوا يشكلون عناصر أساسية في المنتخب العراقي لكرة القدم. ولا ننسى هنا ويجب ان نذكر التنظيم القومي الآشوري الذي عرف بـ "خيت خيت ألف" الذي تأسس في الحبانية، وقد سبق وأن كتبنا عنه بأعتباره أول تنظيم قومي سياسي آشوري في العراق. وبعد تسريح الكثير من منتسبي العاملين مع القوات البريطانية، أنتقلوا إلى ضاحية الدورة في بغداد وسكنوا في المنطقة التي عرفت بــ "حي الآثوريين" وفيه تأسس النادي الإجتماعي الأثوري الذي كان زاخرا بالنشاطات الإجتماعية والثقافية وحتى السياسية. وفي بغداد بعد غلق معسكر هنيدي، والذي عرف فيما بعد بمعسكر الرشيد، أنتقل الآشوريون منه إلى مجمع سكني في وسط بغداد وعرف بـ "كمب الكيلاني" والذي سبق الإشارة إليه وإلى المدرسة الآثورية الإنجيلية وإلى التنظيم السياسي الآشوري الذي أعتقلت السلطات العراقية مؤسسيها في المقال السابق. وفي منطقة تجمع الآشوريين في حي "تل محمد" والذي عرف أيضا بـ "منطقة كراج أمانة" تأسس النادي الرياضي الآثوري الذي كان من أشهر الأندية الرياضية في العراق وخاصة فريقه في كرة القدم الذي كان يشمل لاعبين مشهورين أمثال عمو بابا وأديسون ويورا وعمو سمسم وهرمز كبريل وشدراك يوسف وشقيقه عمو يوسف وغيرهم بالعشرات. وللنادي الثقافي الآثوري في منطقة السعدون القريب من كمب الكيلاني سجل حافل في مسيرته للتحديات والإنجازات التي واجهها وحققها في المجلات المختلفة، قصة طويلة سنأتي عليها في مناسبة أخرى. وللسهول والتفصيل يمكن الرجوع إلى كتابي المعنون "النادي الثقافي الآشوري، مسيرة تحديات وإنجازات – 1970 – 1980". أذكر بعض من هذه المؤسسات والأنشطة للتأكيد بأن للتركز الديموغرافي في منطقة واحد يساعد كثيرا لا بل يشكل ركن أساسي في تعزيز الوجود القومي الآشوري، وكذلك أذكره كتمهيد للولوج في موضوع وجود الآشوريين في مدينة كركوك والمدرسة التي أسسوها هناك.
الآشوريون في كركوك والمدرسة الآثورية الأهلية:==============================
أنتقل الآشوريون إلى مدينة كركوك في بداية القرن الماضي سواء بشكل مباشر من حيكاري وأورميا عقب تهجيرهم من قبل العثمانيين أثناء مذابح سيفو أو من مخيمات أسكان المهجرين في بعقوبة ومندن أو حتى من الحبانية. والسبب الرئيسي لهذا الجذب للمدينة يرجع إلى توفر فرص عمل كثيرة في شركة نفط العراق المعروفة بـ "I.P.C" خاصة بعد إكتشاف النفط بشكل تجاري، حيث عمل معظم الساكنين في كركوك في هذه الشركة سواء كموظفين أو فنيين أو عمال وأستقروا في أحياء كانت بالكامل آشورية أو شبه آشورية، كمنطقة عرفة والتي عرفت بـ كركوك الجديدة" أو نيو كركوك (New Kirkuk)، ومنطقة ألماس وغيرهما. وكما فعل أبناء عشيرة جيلو في بغداد عملوا نفس الشيء في كركوك حيث سكنوا في منطقة عرفت بأسمهم "محلت د جلوايه"، أي محلة بني عشيرة جيلو". وأنا طفل أتذكر شخصيات مرمومة من أصحاب والدي في هذه المنطقة مثل (يوبي) الصياد المشهور وشقيقه (جونا) حيث كانوا متميزن بأطوالهم وضخامة أجسامهم، رحمة الله جميعهم.
شكلت مدينة كركوك المحور الثالث مع الحبانية وبغداد للنشاطات القومية والسياسية للآشوريين، ولا نظلم الحقيقة بل نؤكدها في القول بأن عدد من مؤسسي الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) كانوا من كركوك، وهي المدينة التي قدمت ثلاث شهداء خلدهم التاريخ وهم يوسف توما و يوبرت بنيامين ويوخنا إيشو. قبل أن أباشر بكتابة بعض السطور عن المدرسة الآثورية الأهلية في كركوك أود أن أنحني أحتراماً وتقديرا للجهود الكبيرة التي يقوم بها أداريو الموقع الألكتروني لـ "اشوريو كركوك" – Assyrian of Kirkuk والمشاركين فيه والمساندين له للجهود الكبيرة في جعل هذا الموقع موضوع إهتمام للذين عاشوا في هذه المدينة وكذلك للمهتمين في توثيق المؤسسات الآشورية وأنشطتها في العراق. يذكر الموقع بأنه خصص أصلاً لخدمة توثيق تاريخ الآشوريين المعاصر في مدينة كركوك وهي جهود جاءت في محلها لسد النقص الكبير الحاصل في عملية التوثيق. وتشغل موضوع المدرسة الآثورية الأهلية حيزاً كبيراً من صفحات هذا الموقع والمعززة بصورة جميلة ونادرة تعكس جانباً من جوانب هذه المدرسة ونشاطاتها، ومنها أقتبسنا بعض الصور والمعلومات في هذه السطور.
للمدرسة الآثورية الأهلية في كركوك تاريخ طويل يزيد عن نصف قرن من الزمن، وبإختصار شديد نذكر بأنه في عام 1928 تأسست المدرية الآشورية في كركوك من قبل القس أسحق ريهانه وبمساعدة بعض الشباب الآشوريين المتطوعين الذين هُجروا من حيكاري وأرميا وأستقروا في كركوك. كان القس أسحق ريهانه من المقربين لقداسة البطريرك مار شمعون ومن المؤيدين المتحمسين له، لذلك عندما نفي البطريرك مع عائلته إلى قبرص بعد مذبحة سميل عام 1933 نفي أيضا القس أسحق إلى نفس الجزيرة وبقى مع البطريرك فترة طويلة حتى بعد إنتقاله إلى الولايات المتحدة ووفاته في مدينة تورليك في 10 نيسان عام 1997 عن عمر ناهز 88 سنة.
ومن بعد نفي القس أسحق تولى إدارة المدرسة القس خوشابا خامس حتى وفاته في عام 1948. أستمرت المدرسة بأدارة العديد من المدراء والمدرسين الأكفاء وبنشاطات مكثفة ثقافية وإجتماعية وتربوية وفنية حتى عام 1974 عندما أمم نظام البعث في العراق كافة المدارس الأهلية فتحول أسمها إلى مدرسة أنستاس، نسبة إلى راهب الكرمليين والعالم اللغوي المعروف "أنستاس الكرملي"، فكان صيف نفس العام آخر فصل لمدرسة آثورية بعد أن أصبحت بشكل أو بأخر تحت أشراف مديرية تربية كركوك التابعة لوزارة التربية.
=============================================================
كما ذكرنا للمدرسة تاريخ طويل ولكن أهم شيء تميزت به هو نشاطها الكثيف في عرض المسرحيات. حيث عرض العديدة منها سواء المترجمة من المسرحيات العالمية خاصة مسرحيات شكسبير المشهورة أو المؤلفة من قبل كتاب آشوريين والتي كانت تعرض على مسرح المدرسة الأرمنية. وقد لعب رابي جبرائيل ورابي أختير بنيامين وغيرهما دوراً كبيراً في تطوير المسرح الآشوري من خلال هذه المدرسة. وفي عام 1950، وبعد شراء المدرسة لبناية في منطقة ألماس وترميمها بالشكل الذي يتناسب مع متطلبات المدرسة، كان المسرح الرائع في باحة المدرسة من أهم معالمها والتي من خلاله عرضت الكثير من المسرحيات وتطورت بشكل ملف للنظر. وفي ادناه صور لبعض المسرحيات التي عرضت من قبل المدرسة:
==========================================================
كانت المدرسة من أبرز المدارس الأهلية في كركوك وموضع إهتمام المسؤولين التربويين بسبب تفوق طلابها. ففي الإمتحانات النهائية (البكالوريا) للصف السادس الآبتدائي خلال فصل الدراسي لعام 1970/1971 كان طلاب المدرسة قد إجتازوا الإمتحانات النهائية بنسبة نجاح 100% من بين جميع مدارس محافظة كركوك. ولا يفوتني أن أذكر بأن المدرسة أنجبت أدباء وشعراء وسياسين وشخصيات مرموقة ينشطون في أيامنا هذه ويلعبون دوراً كبيراً في الحياة السياسية والثقافية والإجتماعية والفنية للآشوريين سواء في أرض الوطن أم في المهجر. نطلب من ربنا يسوع المسيح الرحمة لجميع المتوفيين الذين وضعوا الأسس المتينة للمدرسة طيلة خمسة عقود من الزمن وأن يمنح القوة والمثابر للذين لا يزال ينشطون ويعملون من أجل إرساء الأسس القومية لهذه الأمة.
وحتى لا أستهلك صفحات كثيرة من موقعنا العزيز "عنكاوة دوت كوم" ولمن يريد المزيد من المعلومات عن هذه
المدرسة الرائعة يمكن الولوج في الموقع أدناه:
http://www.assyriansofkirkuk.com/assyrian-school.html =====================================================================
آخر زيارة لمدينة كركوك مع الشخصية القومية المعروفة عمانوئيل قليتا كانت عام 2009، الصورة أمام داره في منطقة ألماس الذي كان خلف المدرسة الآثورية الأهلية وبجانب كنيسة مار كوركيس لكنيسة المشرق الآشورية وراعيها كان القس المعروف هينيدي البيلاتي "رحمه الله".