المحرر موضوع: تمارا والفأرة..  (زيارة 607 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Naseer Boya

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 320
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
تمارا والفأرة..
« في: 15:23 07/05/2020 »
تمارا والفأرة..

                             نصير بويا
                             21.06.2019

اصبت اليوم بشيء من التعجب والذهول ونوع من السعادة لواقعة سريعة حدثت لي و جعلتني أفرح من داخلي بعد أن رأيت ان ابنتي تمارا تحمل في قلبها مثلي بالضبط وأكثر حب الانسانية وحب الطبيعة والحيوان والنبات وحب كل مخلوق سواء كان مفيدا أو ضارا..
والواقعة هي بسيطة جدا ويمكن نشاهدها عشرات المرات في حاتنا اليومية دون أن نعطيها أية أهمية تذكر ..
ذهبت للمدينة في السيارة وبعد أن اكملت شغلي ذهبت الى محطة القطار لجلب  ابنتي تمارا قادمة من فيينا حيث تسكن في زيارة خاطفة لحضورحفل احدى أعز صديقاتها في نهاية الاسبوع..

حين وصولنا للبيت ركنت سيارتي في أحد المواقف على حافة الشارع وما أن نزلنا رأيت تمارا تنزل من السيارة بسرعة وتتجه الى الرصيف وبعصبية تصيح بابا تعال بسرعة وشوف عدنا مشكلة
ونزلت سريعا بعد أن توقعت انها اصيبت بشيء أوحدث شيء لها وإذا بها واقفة مقابل فأرة كبيرة على الرصيف ولا تتحرك بل ترتجف ومنفوخة بعض الشيء وكأنها قنفذ.. إقتربت منها تمارا وقالت انها تتنفس وعيونها مفتوحة يمكن أنها تعرضت الى حادث.
نبهتها أن لا تلمسها لأنها قد تكون حاملة لمرض أو فايروس ..وفورا أخذت تلفونها وتريد أن تخابرفقلت لها بمن تتصلين قالت بدائرة انقاذ الحيوانات وهنا تدخلت امرأة كانت هناك معها كلب صغيروقالت لا تتصلي فقد اتصلت قبلك بساعة ولكنهم أخبروني بأنهم لا يتدخلون بانقاذ حيوانات ضارة ويمكن أن يكون الحيوان مسموم أو حامل مرض معدي و قالت ألحيت عليهم ورجوتهم ولكن تركوا لي الخيار أن أحضر قفص أو كارتون وادخل فيه الفارة واسلمه لدائرة أخرى تسمى بيت الحيوانات وفيها تودع الحيوانات التي ليس ليها صاحب لكي يراعوها..
وهنا أخذت المحادثة بين المرأة و تمارا تتعمق حول ماذا يفعلون وكيف يتصرفون وكأنهم فريق عمل انساني أمام مشكلة كبيرة وأنا ساكت اراقب المشهد وصافن بعد أن تذكرت حياتنا التي قضياها في العراق كلها حروب ونكبات ومشاكل بحيث ان الانسان فقد قيمته ولم ولن يراعى أي حق من حقوق الانسان فكيف بالحيوان و زهقت مئات الالاف من أرواح البشر لا لشي وانما لان الدكتاتور الفاشي وعصابته تريد ذلك لاشباع غريزتهم الشهية للاجرام والقتل..
حتى الحيوانات أخذت نصيبها من القتل في وطننا العراق والمختطف منذ ستينيات القرن الماضي ولحد الآن من قبل شلة من المجرمين والقتلة والفاشلين واللصوص وأتذكر مشهدا لم انساه أبدا عندما كنت مهندسا مشرفا في حملة تعميرالبصرة سنة ١٩٨٩ أي بعد اعلان وقف اطلاق النار في سنة ١٩٨٨ ورأيت بأم عيني من شرفة الفندق في الليل كيف تتحرك سيارات الشرطة وتقتل الكلاب والقطط في الشوارع بالرصاص ونسمع عويلهم بعد اصابتهم ثم يحملونهم بسيارات البيكاب وهم بالمئات..
بعد نقاش طويل قلت لتمارا بنتي نحن ليس لدينا الوقت لكي نرفع هذه الفأرة فلنبقيها هنا ونراقبها من بعيد حيث لدينا شباك مطل على الرصيف عسى ولعل أن تتحرك وتذهب ا لى أي مكان أو تموت هنا حالها حال بقية اخوانها من الفئران وإعتبريها فأرة تجارب في المختبرات وما أكثرهم لأنه نحن لدينا موعد مهم في احدى الدوائر ويجب أن نلتزم به..وهنا رأيت الدموع من عيونها بدأت تتحرك وقالت لي و بعصبية أنت تتحمل كامل المسؤولية لموت هذا الحيوان لأنك لم تساعده ليعيش..
قلت لها وهل موت هذا الحيوان سيؤثر على عدد الحيوانات والتي هي بالملايين وتقتل وتذبح كل يوم
وهنا قالت جملة جميلة جدا وأصابتني بالصميم وبانفعال صرخت وهل نسيت بأن ضميري سيرتاح اذا لم اقدم المساعدة لأي كائن وقت الحاجة والمساعدة ممكنة.. وهل نسيت بأن أطروحتي التي نلت منها درجة الماجستير قبل شهر في علم النفس والفلسفة كانت على الحيوانات وكيفية التعايش معها ومساعدتها للتأقلم مع الانسان وحصلت عليها درجة الامتاز وأختيرت من أحسن الاطروحات في هذا المجال.
سكتت ولم أجيب بأي كلمة ولكنها عرفت بأنها قد أدخلت الى عقلي مفهوم جديد ويجب أن أحترمه.

ذهبنا وقضينا أعمالنا و رجعنا بعد ساعة  رأينا الفأرة بدأت بالحركة بعض الشيء وبعد عشرة دقائق اختفت بين الحشائش وهنا شعرت تمارا ببعض الارتياح..ولكن مع الأسف عندما خرجت لوحدي في العصر رأيتها ميتة و مدهوسة من قبل إحدى السيارات في وسط الشارع .
وهنا أود الاشارة والاشادة بهذا المجتمع الراقي الذي علمنا وعلم أولادنا المحبة وروح المساعدة وأشكر من كل قلبي كل القائمين في مجال العلم والتربية بحيث جعلوا أولادنا يمتازون بهذه التربية الجميلة بحيث كل أقوالهم وتصرفاتهم وأعمالهم تدل على احترامهم وحبهم الكبير لكل ما تعلموه في المدارس والجامعات وتطبيق كل القيم والمباديء التي تعلموها من هذا المجتمع الراقي والمزدهر
وأعترف بأنني هذا اليوم وبالرغم من بساطة الحدث الا انني تعلمت درسا مهما لن أنساه ابدا وكذلك زاد احترامي وزادت ثقتي بابنتي العزيزة تمارا وأفتخر بقلبها الكبير وحبها اللامتناهي لعمل الخير وتقديم المساعدة لأي كائن حي..

نصير
21.06.2019