وزارة المسيحيين اليتيمة ... دعوة الى تسليمها والسير الى الامام برأس مرفوع
اثناء كل تشكيل وزاري نكون على موعد مع معارك وخلافات بين المسيحيين على المنصب الوزاري اليتيم الذي خصص لهم بهدف تمثيلهم في الحكومة.
حاولت نبش ذاكرتي كي استطيع تذكر الوزراء الذين تعاقبوا على هذا المقعد فلم اجد ذلك سهلا, حيث ان الكثير منهم لم يترك اثرا او عملا قوميا او عراقيا يجعله يبقي في ذاكرتي على الاقل, ما دعاني الى الرجوع الى بعض كتابات موقعنا عنكاوا كوم, وسؤال بعض الاصدقاء لعمل جدول زمني باسمائهم وتواريخ تنصيبهم.
عند اسقاط الامريكيين لصدام عام ٢٠٠٣ اختار الامريكيون ما سمي بمجلس الحكم الذي مثل معظم المكونات الطائفية والعرقية في العراق وباعتبار الحركة الديمقراطية الاشورية الحزب السياسي الاكثر تنظيما فقد عين يونادم كنا سكرتير الحركة الديمقراطية الاشورية زوعا ممثلا للمسيحيين في هذا المجلس بعد ان تم اسناده من الاحزاب الاشورية الاخرى في مؤتمر المعارضة في لندن.
اختار زوعا شخصية توقع بانها ستفيده باعتباره صديق ليونادم وترضي الكنيسة الكلدانية بإعتباره من ابنائها ايضا وهو المستقل بهنام بولص البازي٢٠٠٣ الذي اختير وزيرا للنقل في حكومة العراقية المؤقتة الاولى. لكن الاحزاب التي تشكلت حديثا والتي حاولت تمثيل الكلدان ابدت امتعاضها وطالبت ان يكون الوزير من كلدان العراق بينما البازي يعتبر من الكلدان الاشوريين. هذا ما ادى الى حصول شرخ بين الكلدان والاشوريين كما حدث انقسام بين الاحزاب الاشورية نفسها حيث انتقل الحزب الوطني الاشوري الى معارضة زوعا في كل شئ تقريبا يقول البعض ان زوعا كان واعد الحزب الوطني الاشوري بالمنصب الوزاري في حالة مشاركته في مؤتمر بغداد.
نفس المبدأ(أشوري القومية كلداني الطائفة) سار عليه زوعا في اختيار باسكال وردة في حكومة اياد علاوي 2004-2005.
هنا استمر الصراع الكلداني الاشوري حيث صعدت الاحزاب الكلدانية لهجتها واستطاعوا ان يؤثروا على الكنيسة الكلدانية وبعض شخوصها. اعتبر الكلدان هذا الترشيح هو التفاف على الاغلبية الكلدانية ومحاربة لهم.
لم يغير زوعا من سياسته في حكومة ابراهيم الجعفري عام 2005 - 2006 حيث رشح باسمة بطرس ابنة عنكاوة وعضو في قيادة زوعا وعينت وزيرا للعلوم والتكنولوجيا ولنفس الاسباب السابقة فقد بقي الصراع الكلداني الاشوري محتدما والمسافات بين الكنيسة الكلدانية والاحزاب الكلدانية , وقيادة زوعا اصبحت على ابعد مسافة.
في حكومة نوري المالكي الاول 2010- 2006 فقد زوعا قدرته على التأثير بعدما رشحت كتلتان عراقيتان وزيرا مسيحيا من عندها ومن دون التشاور مع الاطراف المسيحية.
وزير الصناعة فوزي حريري من خلال الجبهة الكردستانية
وزيرا حقوق الانسان وجدان سالم ميخائيل م 2006 عن القائمة العراقية
اما في حكومة نوري المالكي الثانية 2010-2014 فقد استطاع زوعا من توطيد العلاقة مع نوري المالكي واستطاع تأمين وزارة له لكن ذلك ادخله في في صراع داخلي كبير. فبعد ان اعتبرت كوادر حزبية عديدة ان يونام كنا انحاز الى اقاربه ورشح ابن اخته سركون صليوا لازار 2010 وزيرا للبيئة عن زوعا ثارت هذه القيادات والكوادر عن طريق انسحابها من الحركة وتشكيل كيان خاص بهم وهو ابناء النهرين.
في حكومة العبادي 2014-2018 فقد حصل تحالف المجلس الشعبي وكتلة الوركاء المدعومة من الحزب الشيوعي العراقي على ثلاث مقاعد(٢+١) مقابل مقعدين لزوعا وبذلك اصبحت الوزارة من حق هذه الكتلة كما كان متبعا. لكن الاطراف دخلوا في صراع وتبادل الاتهامات, فزوعا لم تكف عن اتهام المجلش الشعبي الكلداني السرياني الاشوري بان اصواته جاءت من خارج شعبنا واتهام الوركاء بانهم لا يمثلون المسيحيين. لكن في النهاية فان المجلس الشعبي والوركاء قد تناصبوا العداء ايضا حيث ان اختيار فارس ججو الشيوعي بصورة غير متوقعة جاء صدمة للجميع وتداخل الحابل بالنابل. والنتيجة ان شعبنا خسر اهم حليف للاقليات وهو الحزب الشيوعي .
وبعد الترشيق الذي ادى الى ازاحة فارس ججو طالبت الكتل العراقية بتعيين وزراء تكنوقراط بدلا من الحزبيين.
وهنا رشحت كتلة الاحرار الصدرية آن يعقوب اوسي لتكون وزيرة البلديات والإسكان وجرت الامور سليمة وغم الاعتراض الهادئ من زوعا.
وفي حكومة عبد المهدي ٢٠١٨ استولت الكتل الشيعية تماما على الكوتا المسيحية في البرلمان والحكومة متمثلة بقائمة بابليون التي جاءت عن طريق الاصوات الشيعية في الجنوب واصوات الحشد الشعبي. حاول البطريرك لويس الثاني ساكو التأثير في الترشيحات لكن الاعضاء الخمسة اصدروا بيانا مشتركا يهاجمون البطريرك ويدٌعون فيه انهم يمثلون الشعب المسيحي رغم انهم جميعا لم يأتوا باصوات المسيحيين ( كتلة الرافدين مثلها هذا البيان عمانوئيل خوشابا) واخيرا فرضت الكتل الشيعية النكرة نوفل بهاء موسى الذي هو زوج اخت ريان الكلداني.
والان بدأ فصلا جديدا عنوانه حكومة مصطفى الكاظمي حيث جرى رفض مرشحتين لحد الآن وهن إيفان فائق يعقوب والدكتورة ثناء حكمت جرجيس وحسب معلوماتي فان السبب هو فرض الارادات وليس لها اي مبرر سياسي او اخلاقي.
الصراع الأن يجري على ثلاثة اصعدة:
النواب مع الكاظمي حيث يعتبرون انفسهم مهمشين لانه لم يسألهم عن مرشحهم ويحاولون فرض انفسهم ممثلين للمسيحيين سياسيا.
الصراع الثاني هو بين السياسيين والكنيسة الكلدانية حيث يشتكي من يدعون تمثيل الناخب المسيحي من تدخل البطريرك في تشكيل الوزارات (حسب علمي فان الكاظمي قد سأل البطريرك عن مرشحه لكن البطريك رفض تقديم اية اسماء)
الصراع الثالث هو بين النواب انفسهم حيث يقسم النواب الى ثلاث كتل هي بابليون والمجلس الشعبي وزوعا وكل منهم يحاول ان يفرض نفسه على الاخر, لارادة مرجعياتهم السياسية او لاسباب شخصية.
الجديد هذه الفترة هو ان الكتل السياسية بدأت تطلق على الوزارة ”وزارة الاقليات“ وازدادت المطالب من النواب الشبك بهذه الوزارة كما وهنالك مطالب من التركمان ايضا في التمثيل في الكابينة الوزارية مما يهدد بسحب الكوتا من المسيحيين ان لم يتم الغاء التمثيل الطائفي من الاساس حسب مطالب ثوار تشرين.
لكن هل علينا كمكون ان نبكي على الوزارة في حالة زوالها بعد كل الألام التي عانينا من ورائه فقد: تباعد الكلدان والاشوريون حد العداء, انقسام احزابنا القومية وتصارعها اللاعقلاني, تقاتلنا مع اقرب اصدقاءنا العراقيين وتشويه صورة بعضنا البعض.
لكن علينا في الوقت ذاته ان نسأل انفسنا عن الفوائد التي حصلنا عليها من خلال تبوأ هذه الوزارات؟
انا بالحقيقة لا اتذكر الكثير منها عدا انها تفيد في توضيف قلة قليلة من التابعين والحزبيين كما وتذكٌر شركاء الوطن ان لازال هنالك مسيحيون باقون في العراق يمثلهم سياسيون عملاء لهم, فاسدون مثل الاخرين, غير كفوئين, متقاتلين على المناصب وفاقدي الاحترام بعضهم للبعض وعليهم ان يتصدقون عليهم بين الفترة والاخرى بمنصب او وظيفة.
انا شخصيا لا ارى في النظام الطائفي الحالي حلا لمشكلة العراق وبالتالي لمشاكل المسيحيين ايضا لذا يجب الغاؤه ان كنا نريد عراقا مستقرا ومزدهرا, والتخلص من كل المهازل المتعلقة بتشكيل الحكومات المتعاقبة.
الاحزاب السياسية الكلدانية\الاشورية\السريانية تعيش تناقضا صارخا وهو دعوتها لمحاربة الطائفية وتأييدها لثورة تشرين من جهة وتمسكها بالنظام الطائفي والعمل على الحفاظ عليه وعلى المكاسب الشخصية والمادية الآنية الأتية منه في الوقت ذاته.
ما اراه في هذه الفترة هو ان علينا اعادة تفكير جادة بالعملية السياسية في العراق والنظر اليها من زاوية العراق اولا ومصالح المكونات تأتي تباعا. والبحث عن كيفية العمل على اقامة عراق حاضن ومطمئن للاقليات وليس عراقا مُهدٌِدا لهم كما هو الآن, عراقا روحه انفتاح المكونات بعضها على البعض وليس غلق الابواب خوفا من بعضنا البعض, عراقا يكون المكون من اجل الكل وجميع المكونات من اجل ضمان حقوق المكون الواحد. عراق نتنافس فيه على الوزارات والرئاسات بالمساواة مع كل العراقيين بغض النظر عن دينهم وقوميتهم.
ليس من الخطأ ان نكون اول من يدعو الى الثورة على النظام الطائفي ونطبقها بالفعل على الارض فنكون قدوة حسنة للعراقيين ونسير على خط الثائرين برأس مرفوع وليس اللهاث مكسورين وراء الفاسدين.