المحرر موضوع: الفيروسات أداة للتهويل وفرصة للترويع  (زيارة 380 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل لويس إقليمس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 426
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الفيروسات أداة للتهويل وفرصة للترويع
لويس إقليمس
بغداد، في 28 نيسان 2020
لم يشهد العالم قط ما تعرضت له شعوبُ الأرض ودولُها ونظامُها البشري من خوف وترهيب وترويع في أيامنا هذه على يد فيروس كورونا العجيب في شكله التاجي منظرًا، والشرس في تأثيره المباشر وغير المباشر قتلًا، والمارد بالعثور على علاج لسرّه الغامض الذي لا مفتاح له لغاية الساعة. فالجهود ماتزال تُبذل حثيثًا لرصد مفاتيح منابعه والاطلاع على سرّ نوافذ صناعته أو تصنيعه أو تركيبه والوقوف على الأيادي الخفية التي أذنتْ بزيارته في هذه الحقبة الزمنية من حياة الجنس البشري التي شابها ومايزال يشوبُها منذ عقود، الكثير من التغيرات الجيوسياسية والتقلبات الديمغرافية المقترنة بحروب وأزمات كثيرة لها بداية ولا يُعرف لها نهاية. ولعلّ أكثر التأثيرات التي لم يشهد مثلها العالم قط لغاية الساعة اضطرار ملايين البشر للحجر الإجباري في المنازل وترك مواقع العمل وتوقف أنشطة الصناعة وشلل في الإنتاج كلّيًا أو جزئيًا لدى أكثر من ثلث سكان العالم، ما كان له آثارٌ واضحة ومدمرة في اقتصاد البلدان وخسارة مؤلمة في بشر قضوا نحبهم في غير مواعيدهم وغادروا الفانية من غير وداع ولا عويل ولا سلوان.
العديدون من علماء وخبراء السياسة وقادة الاقتصاد وحتى المنجمون والمتنبئون بشأن الجنس البشري قد سبق لهم أن استحضروا سمات غير أمينة لما يمكن أن تمرّ به البشرية وشعوب العالم في غضون العام 2020. ولا أجد منفذًا أو مبرّرًا أو سببًا لمثل هذه التنبؤات الكئيبة والاستحضارات السوداوية  في هذه السنة بالذات. ومع بروز الشك المصحوب باليقين دومًا بشيء من هذه التنبؤات والتوقعات غير السارة الذي طغى سمةً عليا بخصوص أمور هامة وجليلة المخاطر لم يتهيّأ لها العالم فعلاً، فقد أتت كلّ هذه التوقعات بما حملت جِمالُ كورونا السريعة الخطى وهي تجوب دولاً وتزور شعوبًا وتحطّ الرحالَ في أراضٍ من غير جواز سفر ولا إذن بالدخول ولا سابق عهدٍ، غير عابئة باللون البشري ولا جنسه ولا دينه ولا مذهبه ولا عرقه. بل والأنكى من ذلك عدم اكتراثها لواقع حال البشر في الموقع والمنصب والغنى والفقر حين ضربت الرضيع الصغير وفتكت بالشاب اليافع وغيّبت كبير السنّ ولم ينج منها لا السادة ولا الغلمان، لا العلماء ولا الأغبياء، لا حسانُ صالات ولا ربات منازل. وهذا واحد من أسرار الزائر غير المرحَّب به إجمالاً إلاّ ممّن زرعه وفرضه على العالمين، حتى لو كان من لدن ربّ السماء والأرض قدرًا محتومًا. فلا أعتقد أن خالق البشر الذي أراد لخليقته أن تكون حسنة مثل صورته وأذِنَ لها بالنمو والتكاثر زيادة في نسل الأرض، يشاء في لحظة غضب إلهيّ أن يزدري خليقته ويعمل على إبادتها بهذه الوسيلة القاتلة والمعذِبة، إلاّ إذا زاغت عن طريق السماء وتمرّدت على ربوبيته بدون سبب وصعد دخانُ كبريائها إلى أعالي السماء وفاحت جيفتُها في أعماق الأرض وأعاليها. فأراد عوضًا عنها أن يخلق نسلاً جديدًا لإبراهيم أبي الأنبياء ثمنًا لهذا التمرّد والعصيان والخروج عن جادة الصواب. فالله في تصوّرنا البشري الضعيف حرّ في اختيار نوعية الشعب الذي يريده أن يملك الأرض ويتغنى بسحرها ويتمتع بمواردها ويسعى بجدّ وعناية لتطويرها وتنميتها مخافة به وعرفانًا بنِعَمه ومحبة بالأرض وساكنيها وأحبابها. كما أنه لا يريدها أن تكون آنية من العدم ولا فائدة تُرجى من خلقها وزرعها في الأرض، وإلاّ أصبحت فخارًا مكسورًا ومحطمًّا لا يُرتجى من وجوده شيءٌ نافع!

نظام سياسيّ واقتصادي يتهاوى
لم يكن من المنطقي أبدًا أن يتداعى بمثل هذه السهولة نظامُ العولمة الذي صرف له الساسة وقادة العالم الكثير من الوقت والمال والأعوان بعد انهيار جدار برلين وانحسار المدّ الاشتراكي الذي كان يقوده المعسكر الشيوعي في الاتحاد السوفيتي السابق. وبالرغم من أنّ بوادر نظام العولمة لها أصولُها الأولى مع بداية النهضة الأوربية حيث أخذ موقعَه السياسي والاقتصادي في المنظومة العالمية بعد الحرب الكونية الثانية ومع بزوغ فجر تكنلوجيا الاتصالات، إلاّ أنه كما يبدو لم يستطع الصمود لأكثر من ذلك بسبب الحاجة لتغيير أدواته في إدارة القطب الواحد للعالم المرتهَن بالقوة الاقتصادية التي يمثلها قادة الاقتصاد العالمي بأعمدته التقليدية التي يرعاها ويمولها الثنائي "عائلتا روكفلر وروتشيلد" المرتبطتين بالماسونية العالمية التي تقود العالم في الحقيقة والواقع لغاية الساعة. فقد تمكنت هذه الأعمدة الرئيسة التي قادت العالم سياسيًا واقتصاديًا أن تطبع النظام العالمي طيلة الحقبة السابقة بهيمنة الرأسمالية الغربية على جميع شعوب الأرض وفرض شروطها وفق مصالحها. فصارت توجه دولاً وتدعم ساسةً وتملي شروطًا على السوق في كيفية سياقها وتحركاتها ونتاجها وتسويقها فيما يُعرف باقتصاد السوق وتغييب الحواجز بين الدول وخلق حروب في مناطق منتخبة وتجهيز أسلحة من أجل قتل أكبر عدد ممكن بل أكبر كمّ من الناس من دون تحديد الهدف الخفي وراء مثل هذه الأزمات. قد يكون هذا جزءًا من سياسة معاصرة لتقليل العنصر البشري على الأرض بعد الزيادة الانفجارية في السكان في مناطق عديدة ومنها بلدان أفريقيا والشرق الأوسط ولاسيّما المسلمة منها التي تؤمن وتتبع ما يمليه عليها شرعُ التزاوج المتعدّد والرمي العشوائي بالبشر المولود في أتون الحياة وزحمتها من دون إعارة الاهتمام لنوع البشر بل للكمّ الهائل الذي يحسب البعض من المنظرين في هذه الشعوب التعبانة، المتخلفة منها أو النامية، حسابًا كميّا لشأن الكثرة العددية كوسيلة وطريقةٍ لغزو الكرة الأرضية وفرض معتقدٍ معيّن دون سواه، بموجب ايديوجيات مريضة تجري وراء مقولة جدلية "خير أمة أُخرجت للناس".
ولكن السؤال الغامض الذي يتطلب إجابة صريحة يبقى التالي: ماذا سيكون شكل النظام الجديد الذي  يخطط له قادة العالم وساستُه وطُغاتُه؟ فإذا كان الغرض من تشكيل نظام العولمة الآيل إلى الانحسار شيئًا فشيئًا أمام أعين البشرية هو إلغاءُ حدود البلدان الجغرافية وتحجيم قدرة الدول وسيادتها على مقاليد الحياة بطريقة سيادة الغني على الفقير وإبقاء الأخير فاقدًا لمقدرته على مجاراة الغني الذي يزداد غنى وثراء على حساب الفقير والمعدَم، فإنّ النظام الجديد الذي لا تُعرف تواصيفُه الرئيسة بعدُ سيلغي الكثير من سمات النظام الدولي السابق بكلّ تأكيد، حيث بدأت تباشيرُه تظهر من حيث التوجه نحو الانغلاق والاكتفاء الذاتي ربما في بعضٍ من أدواته. وبعبارة أخرى، بدأت تباشير الخوف من القادم المجهول تحطٌّ رحالَها من غير توصيفٍ لشكل مقبول لنوعيته وأدواته، بسبب غطاء الأنانية والحذر والشك الذي يحوم حوله وحول مَن يسعى لتنفيذه وإخراجه بالشكل الذي يُبقي على سياسة سطوة قطبٍ أو اثنين أو حتى ثلاثة أقطاب على شؤون العالم واقتصاده مستقبلاً. ولكنه بالتأكيد لن يكون أفضل وأرحمَ وأيسرَ على الشعوب المهظومة والموصوفة بالنامية بل المتخلفة كمًا ونوعًا وشكلاً، طالما أنّ أدوات التقدم التقني المعتمد بشكل أساسيّ على تقدّم التكنلوجيا الرقمية للاتصالات ستكون بيد فئة أو جهات جامحة تملك مفاتيح الاقتصاد وتوجّهه وفق مساراتها الرابحة غير مكترثة بحاجات هذه الشعوب الفقيرة المغضوب عليها إلى يوم القيامة والتي ستظلّ منغمسة في فقرها وتخلفها بسبب فساد قادتها وأنانية ساستها. ولعلّ دول المنطقة الشرق-أوسطية وجزء غير يسير من أفريقيا وأميركا اللاتينية ستكون حتمًا من ضمن هذه التشكيلة.
في الحقيقة ومن المتوقع، أنَّ هذا ما سيعمل عليه أسياد النظام العالمي الجديد حين تنتهي الهجمة الحالية من جائحة كورونا لتنام وتصحو على صرخات أزمة ثانية وربما ثالثة أخرى قادمة. فالسيادة حينئذٍ وبموجب واقع الحال المرتقب لن تكون بيد قيادة  القطب الواحد الذي اعتاد العالم عليها. فقد لاح في الأفق ومنذ حين لاعبٌ جديد وهو التنين الصيني الذي بيده مقاليد حديثة ومتطورة للمشاركة في قيادة العالم، بالرغم ممّا يواجهه من اتهامات من الطرف الآخر المتخوف من تقدمه السريع. وهذا القطب الجديد، قد يكون من صالح البشرية فيما لو تمكن من تشكيل موازنة مقبولة لصالح العالم الثالث عبر تحديد وتقزيم دور القطب الأوحد الأمريكي الذي تسيّد العالم من دون منافس منذ صعود فلسفة العولمة الحديثة بعد الحرب الكونية الثانية تحديدًا. وبالرغم من توقع بروز قطب ثالث محايد آخر كي يكون إلى جانب اللاعبَين العالميين الكبيرَين في ايديولوجيتهما السياسية والاقتصادية كي يمثل بيضة القبان في قيادة العالم، إلاّ أن التحليلات الأولية والتوقعات الليبرالية ترى في تطلعات النظام العالمي الجديد القادم صراعًا جديدًا في المصالح وفي الاقتصاد بصورة خاصة، وفي السيطرة على التكنلوجيا الرقمية أكثر من اعتمادها على مسارات مادية وثروات تقليدية باحتفاظ كلّ قطب بأسراره وإخفائه مفاتيح اللعبة الجديدة القادمة التي ستظلّ من أسرار الكون للسنوات القادمات التي قد لا يتيسر لنا العيش في كنفها والاطلاع على مساراتها، سلبية كانت أم إيجابية. والحكم سنتركه للأجيال القادمة. 

كورونا، أداة للتهويل وفرصة للتخويف
من دون شك، جاء اجتياح فيروس كورونا المفاجئ لدول وشعوب بهذه الطريقة القاتلة والغامضة ليضعَ العالم ومستقبله على كف عفريت وليجعله يتوقع تغييرًا في السلوك اليومي في التعاطي مع الحاجات وأسلوب الحياة. فيما بدأت العناية الصحية من جهتها تأخذُ حيزًا كبيرًا من اهتمام العالم، دولاً وزعامات وخبرات، وسط الحيرة العلمية في العثور على ترياق للشفاء من الوباء وكذا بسبب النقص في الجيوش الطبية والصحية الذي ظهرت الحاجة لمزيد من عديدها بعد وصفهم بخط الصدّ الأول البطل. كما فرضت الجائحة سلوكيات اجتماعية وعادات مختلفة وغيّرت أخرى لم تتعارف عليها مجتمعات وأمم ومنها الوسوسة من كلّ قادم مجهول الهوية وما يترتب على ذلك من أدوات الحيطة والحذر والشك. فلكلّ حالةٍ موقفٌ ولكلّ موقفٍ ثمنٌ ولكلّ ثمنٍ سياسةٌ وسلوكٌ قد تؤدي بالإنسان إلى تغيير معيّن في نمط حياته واختيار شكلها وتحديد مرافقيها ومتابعيها.
لكنّ ما يمكن التأكد منه، أن هذه الجائحة فرضت هيبتها وسطوتها على البشر جميعًا بغض النظر عن شكلهم ودينهم وموطنهم وعرقهم وطبيعة عملهم ومنطقتهم وشخصيتهم بعد أن ساوت في حصادها أمثلةً ونماذجَ من هؤلاء جميعًا بدون تمييز إلاّ في إخفاء أسرار ظهورها وطبيعة انتشارها وتسويقها وبقائها لغزًا حيّرَ العالم والعلماء وخبراء البيئة والصحة والطب لغاية الساعة. ومن المؤسف أن بعضًا من ساسة العالم قد وزّعوا اتهامات من  طرف لآخر حول حقيقة هذا الظهور والانتشار بل وفي كيفية التخلّص من هذه الأزمة التي أرّقت شعوبًا وأممًا ودولاً. وهناك مَن اتخذ منها أداة للتخويف والترهيب والتهديد بعقاب جماعي وفرديّ ضدّ بلدان بل وبلدٍ محدَّد يتفجر قوة واستقطابًا متمثلاً بالصين التي برزت قوة عظيمة فارضةً قدراتها كقطب رئيسيّ بارز قادم يتطلعُ للمشاركة في قيادة الكون سياسيًا واقتصاديًا ورقميًا، ربّما من دون منافس بارز آخر غير أميركا التي بدأت تهتزّ وتتراجع أمام هذا التنّين المارد الذي يعمل بهدوء وبسرية تامة وبحكمة وروية  لابتلاع العالم  بثباته وتقنيته والتزامه البشري بحدود لا ينقصها العقل والحكمة والجدارة.
    إنّ مَن يستمع اليوم لكثرة القنوات الخاصة ومواقع التواصل الاجتماعي وما تسطره وتنقله ويعبّر عنه المتحدثون بها والناقلون عنها، يثير لغطًا أحيانًا، تمامًا كما من شأنه أن يشكّل قاعدة لتكوين فكرة عمّا تمثله هذه الجائحة وتثيره من خوف وتهديد للجنس البشري. فهناك بالتأكيد مَن استغلّها لتشكيل كتائب تنشر التهويل والخوف من أجل السيطرة على سلوك معين للبشر. وهذا نوع من تسويق تجاري يستغلُه سادة العالم عبر الساسة ووعاظ السلاطين ورجال الدين لإحكام السيطرة على عقول البشر وتحركاتهم وجعلهم أدوات طيّعة بأيديهم، لاسيّما البسطاء من هؤلاء الذين يؤمنون بشيء من الخرافات والخزعبلات التي يسوقها هؤلاء المتحكمون بمصائر الناس المفترَضين من أجل التخويف والتهويل وحتى التهديد لو أمكن.
إنّ هذه المقدمات يمكن أن تشكل قاعدة لمبدأ جديد مرتقب يسعى من ضمن نظرياته وفرضياته للتقليل من عديد الجنس البشري الذي بدأ يشكل بحسب بعض هؤلاء الأسياد عبئًا وعالة على دول وحكومات من حيث كون جماعات هائلة من أعداد هؤلاء من الموصوفين بعديمي الإنتاجية وحتى عديمي الفائدة بسبب توقف إنتاجيتهم أو عدمها من الأساس من الذين يعيشون عالة على مجتمعاتهم التعبانة أصلاً. فيما يرى آخرون في الزيادة الهائلة في أعداد البشر معضلة عالمية كبيرة ومصيبة بحاجة للتعامل معها بشيء من القسوة أحيانًا بغية التخلص من كمّ الزيادة السكانية التي تقع في الخانة غير المنتجة. وما يفسّر شيئًا من هذه الهواجس، عدم التوافق العالمي على تقديم معطيات موحدة كما اعتادت دول ومنظمات تعنى بصحة الجنس البشري. ومثل هذا التردد والاهتزاز في توحيد الجهود الصحية والطبية وتبادل الخبرات التحليلية والمخبرية لمعرفة المزيد عن طبيعة الفيروس وطريقة علاجه والوقاية منه يزيد ويفاقم الشكوك حول الأغراض والأهداف التي تقف وراء هذا الصدّ الدوليّ بعمدٍ أو بغيره. وهذه بداية غير طيبة لضعف التعاون بين دول وشعوب الأرض بسبب ما أفرزته الجائحة من أفعال وردود أفعال واتهامات وتهديد بشنّ حروب أو فرض عقوبات على دول وحكومات وأفراد. ومهما يكن من أمرٍ، فالتهويل قائم والتخويف حاضر سواء في حضرة كورونا أو ما بعد كورونا.
وقانا الله من كلّ شرٍّ وحكّمَ عقولَ الزعماء وضمائر الساسة لما فيه خير البشرية وليس من أجل إذلال الجنس البشري وضرب كرامة الإنسان. فالأخير يبقى أشرف خليقة الله، لا لشيء إلاّ لكونه صورتَه الحسنة ومثاله الطيب!