المحرر موضوع: زهير الجبوري ... كشوفات الأمكنة وسرديات النص الروائي.. رواية (عمكا) ـ إنموذجاًـ لـ(سعدي المالح)  (زيارة 785 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Enhaa Yousuf

  • مشرف
  • عضو مميز
  • ***
  • مشاركة: 1748
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • http://www.enhaasefo.com/

كشوفات الأمكنة وسرديات النص الروائي..
رواية (عمكا) ـ إنموذجاًـ لـ(سعدي المالح)




زهير الجبوري

(المقدمة)
أخذت طروحات ما بعد الحداثة مجالها الواسع في راهن السرديات المعاصرة، واستطاعت ان تكرس جلّ جهدها على الأمكنة وتحولاتها الكبيرة وعلى الظواهر (العولمية) التي سادت العالم بأكمله، فجاءت تيارات فكرية وفلسفية أفاضت الشيء الكثير في ذلك، فلم تكن المدينة هي الوحيدة التي تستنطق العلامات التي تكمن بداخلها، انما استعادة التشكلات الاولى عبر مراحل زمنية كبيرة، قد ردمت الهوة واشبعت بداخلها صراع الهويات وإثارة المضمر وسحب الذاكرة الى جعلها نصاً حاضراً امامنا، كل ذلك خلق فضاءات جديدة في عملية تلقينا.. إن حالة ما بعد الحداثة استطاعت ان تتحايل على التاريخ وعلى الموروث، لتسحبه الى منطقة جديدة في التناول النصي داخل ميدان الكتابة والتدوين، والى اعادة بناء الأمكنة وفق معاصرة تتناظر مع الجمالي بـ(موضة) موحدة وشاملة، وهذا ما أخذ فعل الاداء الثقافي في النص الأدبي تحديدا، ان تكون سمات مشتركة تقرأ الواقع وفق خصائص آنية بفضاء واحد..
في الأمكنة المضمرة ثيمات انتظرت طويلاً للكشف عن جماليتها، الأمكنة التي عكست عن تمردات كبيرة لأناسها، وفي ذلك شواهد كثيرة، غير ان اثارة المضمر ونهوض هذه الأمكنة ميزت فعل التشظي لإنتاج قراءة اقتصادية وعمرانية وحتى ثقافية..ان ما ايقظ هذه الأمكنة هو هاجس النهوض بوقائع معاصرة في شمولية الاستيعاب الكبير الذي جاءت به ثورة ما بعد الحداثة..و(عينكاوة) واحدة من أهم هذه الأمكنة، حيث التقلبات والتحولات التي شهدتها عبر التاريخ في كافة المجالات، أكدت ان حدود المدينة انصهرت في بادئ الامر داخل فضاءات أكبر لمدينة أشبعت لنفسها تحولات مماثلة، الا وهي (اربيلا)، لتدخل في متون المدونات المثيولوجية، وتصبح بذاتها نصاً مركوناً عبر هيمنة الوحدات المركزية لسلطة المدينة الأكبر هذه..
ثقافة الآن، لاتقف مع الأمكنة بوصفها تحمل مزايا جغرافية لحدود وتقاليد وأعراف وسلوكيات، انما تتعامل معها بوصفها فضاءات كونية أشمل، وهذا الاتساع كشف عن قراءة مغايرة للتاريخ وللدين وللتراث، وأوقد شعلة المعاصرة عندما جاءت موجات التغيير وتسللّت كل البضائع داخل سوق هذه الأمكنة او المدن الهامشية، ليصبح الانسان فيها منتمياً الى ذات انسانية كبرى في أماكن أخرى من هذا العالم.
وحين نقف عند حدود الكتابة النصية / الروائية المعاصرة وهي تفتح نوافذ الأمكنة ونهوض ذاكرتها وتقليب أوراقها، تظهر أمامنا تجربة القاص والروائي سعدي المالح وروايته الجديدة (عمكا)، حيث نلمس مهارة الكتابة السردية وهي تقف على حدود متناظرة مع السمات المؤطرة بحداثة ما نشاهده الآن مع استنهاض الاحداث والتواريخ والمواقف للمكان المقصود (عينكاوة)، ثم الغور بالعمل على الكتابة المتداخلة الأجناس والتلاعب (الثيمي) للزمان داخل اطار المكان، وإبراز الأحداث..
الروائي أخذ من المدينة بنيتها الاولى على انها تنتمي الى مرجعيات روحية / دينية، وكيف انها مارست حضورها للمراسيم الطقوسية، لعل هذه المسألة كشفت عن شحناتها وانتماء أهلها الأوائل الى دين المسيحية (دخلت المسيحية أربل وعنكاوة منذ اواسط القرن الميلادي الاول)(ص8).. لكن قصدية الروائي لم تقف عند حدود (تاريخانية) بالمعنى الذي جاءت به استهلالية الرواية، انما تقدم حقيقة البحث عن تحولات الامكنة عبر تداخلات اجناسية حديثة لسرديات الكتابة المعاصرة، مهما كانت نمطية الاسلوب ومهما تعددت الفقرات المثيرة للجدل، الاّ انها تكسب في طياتها سرديات ما بعد الحداثة، رغم وجود ميزات (الروي.. السيرة.. الوثائق، وغيرها)، لكنها وقفت بمتعة البناء من خلال شدّ القارئ لصياغة ورشاقة الكتابة فيها.

(في الجانب التطبيقي):
تقف اشتغالات الرواية الحديثة على نوافذ معاصرة في قراءة معمقة بلغة تحيطها اكتشافات نسقية دقيقة، بل في غاية الحساسية، اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان السرد الآن وهو يدخل مضمار الرواية، انما يكشف عن مسروداته الحذرة عبر كشوفات ما بعد الحداثة، تلك الكشوفات التي طوعت اللّغة السردية في مزاولة دقائق حساسة في المهمش والمضمر، او في اثارة المسكوت عنه عبر توظيفات استذكارية، استنطقت بفنية الكتابة الروائية لجعل العمل الروائي في خانة موازية للمسرودات الكبرى، من خلال فعل الاداء الوظيفي في عملية انسراح نمطية الكتابة وهي تستعيد خفايا التاريخ وجغرافية المدن التي حفرت لنفسها ذاكرة عميقة بكل تفاصيلها القبلية والمجتمعية، ولعل ما جاءت به رواية (عمكا) للقاص والروائي سعدي المالح من وحدات سردية، تؤكد أحقية البناء السردي في اعطاء وظيفته التنقيبية في الكثير من الموضوعات التي تحمل ارضية صاخبة ودقائق حقيقة بمجرد اعادة ترتيب الاوراق ومن ثم كشفها، وهذا ما فعله المؤلف بمهارة عالية..
رواية (عمكا)، واحدة من أهم الروايات التي مازجت الواقعي المعاصر بالمثيولوجي وبالتاريخي وبالمقدس نصاً، بلغة جديدة، وبتفاصيل كانت ارضيتها تشكل وحدات سردية متناظرة (تارة) ومتداخلة (تارة اخرى)، فمهارة البناء السردي بمستوياته الصاعدة والنازلة، قد أبان قدرة المؤلف على قراءة تاريخ مدينة بكل ابعادها وانتماءاتها وسلوكياتها، وبكل شخصياتها الاساسية والثانوية.. لذا جاءت دهشة المتلقي في نسق استقبال التفاصيل بلغة شيقة ومحسوبة رغم مهارة اللّعب بالزمن بطرق مختلفة، ورغم طريقة الاستنهاض القصدي لكل البنيات السردية المكثفة، وأعني بها تلك التي اعتمدها (المالح) كبؤرة ثابتة للدخول الى تفاصيل الامكنة والتعرف على دقائقها التاريخية من خلال الاحداث والشخصيات، او حتى من خلال الحبكة السيرية الطافحة على لسان الروائي..
وثمّة اثارة فنية لحالة الكتابة في رواية (عمكا)، حيث اتفقت آراء بعض النقاد على انها واحدة من اشتغالات كتابة مابعد الحداثة، لكن ماجاءت به عيانيا انها رواية، وهنا اصبح تداخلا اجناسيا / فنياً، كون الانفتاح النصي الحديث والعمل على تفتيت البنى الثابتة سواء كان في السرد الروائي او في الاشتغالات الفكرية الاخرى يلغي التمركزات البنائية للعمل السردي، وهذا ما لمسناه في العمل الكتابي هذا..
مايثير الدهشة، ان سعدي المالح لم يقدم نصاً موازيا لتاريخ (عمكا) ـ الاسم القديم لـ(عينكاوة)ـ فحسب، انما استعاد الابعاد التاريخية للمكان عبر تشكلات مؤسسة على دلائل في غاية الاهمية، وكأننا حين نبحث او نغور بتفاصيل هذه المدينة، يكون الروائي هنا هو المرجع الاساسي فيها، ولم تسبق تفاصيل واضحة من قبل اصحاب الشأن في كشف مكامن الامكنة المهمشة عبر الازمان، الاّ ما جاء في العمل السردي هذا ـ بحسب اعتقادي ـ، (لذا كانت المدينة مرفوضة من قبل الشعراء، بما فيهم مفكري ما بعد الحداثة، لأنهم عايشوا فكرة التشظي للمدينة بتغليب الهوامش والاجزاء والثانوي، وهذا يعني ان سعدي المالح وهو يكتب عن تشكلاتها الاقتصادية والعمرانية يوم كانت قرية تزرع، ومسحات فارغة وشواهد من انصاب الحجارة).
اننا ازاء رقعة جغرافية لإزالة غبار هامشيتها، والبحث عن اهميتها وتأسيساتها الاولى، فـ(عينكاوة) خرجت عن حدود المدونة النصية، ودخلت في تفاصيل فرعية دقيقة تحت اطار الفضاء النصي السيري، ذلك الفضاء الذي كشف عن مضمونه عوامل الطبيعة والمكان واللّغة وكافة السلوكيات التي تناولتها الاعراف المتوارثة للطقوس الدينية ولصناعة الخمر وللتزاوج، وما الى ذلك، فـ(عينكاوة) بحسب رأي الناقد ياسين النصير (انما هي البيئة والاشياء والناس والحياة اليومية والاسواق والجغرافية والطرقات والأزقة والمواصلات والجبال وكل الامكنة التي تتغذى منها).
لذا أحالتنا جميع المفردات المتناولة في هذه السيرة التدوينية للمدينة الى الوقوف عند محطة القراءة الثقافية بعيون استنهاضية لكشوفات ما بعد الحداثة، وكيفية بناء انساق سردية تكون حاضنة لرؤية الماضي والحاضر، بآلية معاصرة، آلية حاضرة في تجلياتنا للأخذ بدلالات الامكنة واحتشادها في بوتقة النص، ثمّ اللّعب بمفرداتها بمهارة البناء السردي، واعطاء فعل الاثارة والشدّ والدهشة إزاء ما تكشفه سرديات السارد عبر تعريفاته الواضحة..
سعدي المالح، بدأ في روايته (عمكا) بطريقة تبئيرية كاشفة عن مفارقة سردية في التناول القصدي لبنية المكان، واعطاء بعده الاثري الممتد منذ 3500 قبل الميلاد، الى اجواء التمدن، ثم الدخول الى تمهيد مغاير لمقدمة الرواية اسماه بـ(الإله والقديس / بدلاً من المقدمة) وهو استهلال ذكي لإستنهاض العمق المثيولوجي والروحي للبلدة التي عرفت التهميش بفترة طويلة، بعدها جاءت الفصول التسعة كوحدات سردية اعطت فعل القراءة المكانية بآلية الكتابة المعاصرة، يمكن تسميتها بـ(وعي الكتابة)، حيث نلمس ذلك الحراك المتداخل بين السرديات الكبرى، وما تناظره من موروثات اجتماعية وتاريخية، واخرى شفاهية تدخل في سلوكيات اليومي، بخاصة اذا كان هذا المجتمع ينتمي الى دين وعقيدة كالدين المسيحي، حيث مظاهر القيم الاخلاقية والمشاعر والسلوكيات تطفح داخل اطار العلاقات بصفة مركزية لممارستها..
ومع اتساع رقعة المدينة في سرديات الروائي، فقد ساهمت اشتراطات العمل السردي الحديث على اثارة العديد من تفاصيل مفرداتها وتركيباتها الآنية، وبشحنات المكان وانفتاحه على فضاءات حساسة، لتكريس ثقافة لحدود دائرة (عمكا) التي تقع في قلب دائرة اكبر (اربيلا)، ولعلنا حين ندخل ابواب (عينكاوة) المثبتة امامنا (دركا.. الكنيسة.. قصرا.. محلة الخواجة سبي.. الارض.. المطر.. الكهريز.. الخبز.. طريق الحرير.. بدلا من النهاية شربل)، تظهر مشتركات الوطن عبر سمات متلاحمة للزمان وازمات المكان، لذلك كانت التفاصيل منسرحة بلغة مفعمة بشعرية المكان وطريقة استعادة الذاكرة المطمرة عبر قرون خائفة، وعبر نواحات سردية مليئة بالصراعات العقائدية، لكن وعي اللحظة التي اعتمدها الروائي، افاضت لنا معرفة تفاصيل هذه الامكنة.. ويظل السؤال قائما اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان (عمكا) تمثل رواية البحث عن كينونة ضائعة.. هل تمثل نصا لمنظومة ثقافية كبرى..؟ ام تحمل احساساً للبحث عن نصوص متداخلة لها..؟ وأعني (عمكا/ عمكو / عمكاباد) كنص اول لتثبيت اسمها، و(عينكاوة) (هذه البلدة التي تتنفس اجواء التمدن لصق آربل هي المهنية بهذه الرواية)(ص8).
وتعميقاً لرأي الناقد (د.محمد صابر عبيد) المثبت على غلاف الرواية الخلفي بأنها ـ اي الرواية ـ (تنتمي الى سرد ما بعد الحداثة، فهي رواية سير مكانية تحتفل بالمكان من حيث كونه ذاكرة وراهناً ومصيراً)، فإن المالح أخذ على عاتق الاشتغال السردي المعاصر من أن كل ما افرزته وعملت عليه سرديات ما بعد الحداثة هي (اللا نظام واللا تمركز في سياق الوحدات المعمول عليها في البنى السردية..).
الامر الذي ساهم في جعل الاماكن التي تنتمي الى (عمكا / عينكاوة) تأخذ وظيفتها بانفرادية الواحدة عن الاخرى، بوصفها تشكل نصوصاً قائمة بذاتها، ولنا في ذلك بعضها:
ـ(دركا): (عبارة عن زقاق قصير)(ص21)، يمثل المشهدية الاولى لبؤرة المكان، والذي تناظر مع العمق التاريخي والاسطوري للوظائف السياسية والاجتماعية، ولما لها من مساحة تمثل مركزاً تجارياً مهما.
ـ(الكنيسة): المكان المخصص للعبادة، وهي واحدة من تمركزات العمل الروائي الذي كشف عن الطرق والعادات المكرسة لها، من خلال حضور المراسيم اليومية،(كنت اذهب كل يوم لحضور القداس الصباحي)(ص57).
ـ (قصرا): المكان الذي دفن فيه الجد (جد المالح) وهو مرتفع يقع داخل البلدة (أقف على هذه التلة ـ قصرا ـ ابحث عن قصر جدي)(ص92)، حيث يتمتع هذا المكان بارضية تكمن بداخلها آثار كبيرة.
(ثم بعدها الأمكنة / المحلات / الأزقة التي تتمتع بميزات خاضعة لتقاليد مارسها المجتمع)..
ان جميع الدوافع الرئيسة في العمل هذا، اخذت جوانب استرسالية لبنية المكان وبقعته المشحونة بالرموز التاريخية والتراثية وبمهيمنات التمدن (كما ذكرنا)، وعلى الرغم من ذلك، فهي تفتح نافذة تبشيرية للنهوض بواقع الامكنة واثارة وقائعها، من خلال استعادة ثيماتها والعمل على كشفها، او كما يقول (د.محمد حسن عبد الله) (يمكن ان ننظر الى الروايات التبشيرية التعليمية على انها محاولة مزج بين الرؤية المثالية والتغير المباشر عن الواقع..وتواجهنا قضية الرمز، وهو في القصة او في الرواية يتجه الى المعنى المستخلص من الشخصيات والاحداث(.
لذا، فقد اخذت سرديات سعدي المالح حضوراً كبيراً فيما انتجته طروحات الكتابة المعاصرة في قراءة الاشياء قراءة ثقافية، تتمحور حول طروحات السؤال المعرفي للمكان وللشخوص وكيفية استحضار مصادر الدخول الى عوالم الموضوعة المشتغل عليها عبر (الاحالات) التي ذكرها والمراحل التي بينت جهده المعرفي هذا، فـ(عمكا) لم تكن جنساً كتابياً معاصراً فحسب، او تحولاً في بينية الرواية المعاصرة، انما تدخل في السرديات النصية المبشرة عن ظهور نمط فاعل في اكتشافات ما بعد الحداثة، وهذا ما لمسناه من خلال حضور مستويات الحبكة الروائية وآلية طرح ادوات اخرى فيها، بالاعتماد على الوثيقة والمصادر التدوينية الاخرى..
كما ظهرت سرديات المؤلف في مناطق اخرى في كتابة القصة التي تحمل البعد الفني والادائي في الحكاية وفنون الروي، بعد ان أفاد لنفسه الغور في المضمار الاجتماعي والأخذ بطاقات الواقع فيه، بالاعتماد على خلفية رؤاه الثقافية، وبالاعتماد على الثقافة المثيولوجية التي استسقاها لتكون جزءا من عمله السردي..
ومهما تعددت مساحات الامكنة وفضاءاتها، ومهما قدمت اشكالاً معاصرة، فإنها تقاس على (الحيز) المعمول عليه في بنية المكان، حيث المكان يشكل جزءا مهما في العمل الروائي لواقع المدينة، والمدينة جوهر الانسان العضوي، او هي (مكان معيشي، والناس فيها وجدوا انفسهم كضرورة حياتية، بمعنى انها وجدت للأستقرار والعيش والكد، وايضاً للحاجة الوظيفية المعبرة عن ديمومة حضورهم الحياتي.).
وسعدي المالح، أيقن في روايته (عمكا) ان جميع الوحدات التي اشتغل عليها، عكست وظيفته السردية بالقدر الذي تعامل معه على سياقات نصية مستوحاة من عمق الواقع بخلفياته التاريخية العميقة او بارتباطه الميتافيزيقي الديني، او بالجانب الاجتماعي والاقتصادي المعاصر، بالاضافة الى الهوية وما ينتمي اليه من عرق قومي..
ثمّة تركيبة جديدة لبنية المكان في هذا العمل السردي، هي بنية السارد (الروائي) فبعد كلّ الاستحضارات العميقة لتاريخ المدينة، نجد:
1ـ صوت الراوي / وهو المؤلف الضمني.
2ـ البيت / البؤرة التي استعاد خلالها ذاكرة المدينة.
3ـ الارض / أرض الجد.
هذه تمثل محورية بين الذات المرتبطة بصاحبها، وبين الذات المرتبطة بالاشياء المحيطة بها، ما ولد في كلا الحالتين ولادة هذه المسرودات بوصفها ثيمات كبرى لتاريخ واسع ومدينة كانت غافية منذ زمن طويل..
(الخاتمة):
من خلال الجهد السردي الذي قدمه الروائي سعدي المالح في روايته (عمكا)، فإنها تستخلص على انها اشتغلت على الأثر ومحاولة تكريس الحقائق التي أضمرت لفترة ليست بالقصيرة، فكانت المدينة، وهي تنظر الى السماء وتستجلي تأملاتها، ثم المدينة التي تنظر بعين الواقع وبأزمنة مختلفة وبرؤى جديدة، وبإيقاعات متناغمة مع الواقع، بكل ما جاء به من حقائق موثوقة، وارى انه المشروع الكبير للروائي في الكشف عن عمق الأمكنة المهملة، وإن كان ينتمي اليها، ويحمل هويتها، فهو بذلك اشتغل على مشروع ثقافي فتح بنية الاشتغال بمضمون النص الادبي، بمعنى إننا ازاء ثنائية لها جدلية ملموسة لثنائية الوثيقة والنص، وهذا ما عمل عليه العديد من روائيي المرحلة الراهنة، ليخرجوا بنتائج جديدة في الكتابة الحديثة والمعاصرة.

المصدر:امانة الشؤون الثقافية في الاتحاد العام لللادباء والكتاب في العراق