المحرر موضوع: قصة موت احد شبابنا في الثلوج اثناء محاولته للهروب من الموت في حرب الكويت ربيع 1991  (زيارة 1451 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

متصل يوحنا بيداويد

  • اداري منتديات
  • عضو مميز جدا
  • *
  • مشاركة: 2493
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
قصة موت احد شبابنا في الثلوج اثناء محاولته للهروب من الموت في حرب الكويت ربيع 1991.

عنوان القصة "الموت القاهر"

بقلم يوحنا بيداويد
كتبت هذه القصة بعد عشرة سنوات من وصولي الى استراليا ربيع 1992


غادرنا القرية في الصباح باكرا، كان الطقس باردا جدا، والغيوم تغمر الوديان والطرق والجبال الواقعة في جهة المقابلة للقرية، كان سطح الأرض مغطى بطبقة سميكة من الجليد، الذي عبرت العربة فوقها دون أن تنكسر، أما الجبال من الجهة المقابلة لطريقنا، التي بالكاد يراها البصر، كانت مبيضة من تراكم الثلوج عليها، كنا نرتجف من شدة البرد، من جراء الريح الباردة التي كانت تلامسنا، حيث أن العربة لم تكن مغطاة بغطاء خارجي. كان سائق العربة (جيب عسكري)، التي تنقلنا من قرية (القرور) إلى (سي كرك) أو (لشبونة) في اللغة التركية، يقود بحذر شديد، حيث أن الطريق في هذه الوديان العميقة يلتوي التواءات حادة وكثيرة، لما أصبحنا على بعد ميل أو ميلين من القرية، رأينا الدخان يتصاعد من مداخن بيوتها المعدودة، وبعض الرعاة يجمعون مواشيهم وأبقارهم حول أماكن القوت الشتوي. حينما دخلنا المعسكر رأيناه في حالة حركة واضطراب شديد، فعدد كبير من الآليات العسكرية متراصفة واحدة خلف الأخرى، وكأنها على وشك الانطلاق في مهمة عسكرية، وقسم آخر من الجنود ومختلف الرتب كانوا يمارسون التدريبات العسكرية في الساحة الواقعة خلف بناية المعسكر، وبعض الآخر منهمك في الأمور الإدارية الأخرى للمعسكر.

كان ذلك هو اليوم السادس، ونحن لا زلنا في الطريق، ولم نصل إلى جهة تركية رسمية التي تستقبلنا وتسجلنا كلاجئتين حرب. بعد انتهاء من التحقيق والاستجواب الذي أجراه معنا بعض المسؤولين من المعسكر، قادنا أحد الجنود الذي كان يتكلم اللغة الإنكليزية بلهجة مكسورة إلى الساحة الأمامية للبناية، كانت هذه هي المرة الأولى التي اشعر فعلا بنوع من الاطمئنان والراحة، على الرغم من وجودي في بلد غريب، وتحت حماية قانون دولة أجنبية، فبدأت صور السيئة تزول عن ذهني لاسيما التي تولدت عندي بسبب ما جرى لنا على أيدي جنود الأتراك في قرية (الوش على الحدود العراقية التركية) حينما دخلنا حدود التركية أو أثناء الطريق إلى مدينة (القرور).

بعد حديث قصير جرى مع ذلك الجندي وجندي آخر باللغة التركية، التي لم نكن نفهم منها شيئا آنذاك، سلمنا لزميله، وكان الأخير يتكلم اللغة العربية الماردينية التي هي قريبة من اللهجة (المصلاوية). بعد أن عرفنا باسمه، قادنا إلى بناية صغيرة تقع قرب المدخل الرئيسي الخارجي للمعسكر، بالرغم من التعب والجوع والصعوبة التي لاقيناها في الطريق، وكانت هذه اللحظات أشبه بلحظات النصر لنا، بعد هذه الرحلة الشاقة الصعبة والخطرة، إذ تم أخيرا تسجيلنا كلاجئين من قبل الحكومة التركية،
حينما كنا في الطريق كان يتخيل لنا، سوف يكون هناك لكل واحد سرير خاص به، وسوف ينام من ألان وصاعدا بأمان وراحة تامة. لما دخلنا البناية المقصودة، وجدنا مجموعة أخرى من الشباب هناك، ثم اخبرنا هذا الجندي العربي أن آمر المعسكر أمره أن يخبرنا بأنه لا يوجد أي مكان أخر فارغ في المعسكر، ثم قال لنا ما عليكم إلا مساعدة بعضكم للبعض الآخر ألان، لكي يحتويكم هذا المكان جميعا.

كان ذلك الخبر أشبه بصاعقة ضربت رؤوسنا لأنه من الوهلة الأولى عرفنا أن هذا المكان لا يستوعبنا، على الرغم من ذلك بدأنا نفتش عن أي مكان فارغ فلم نجد، حيث كان على كل سرير هناك من ينام عليه. فهذه البناية كانت أصلا غرفة سيطرة للبوابة الخارجية للمعسكر وتسع لثمانية أو عشرة أشخاص فقط.

حينها انقلبت نشوة النصر التي شعرنا بها قبل لحظات إلى مصيبة كبيرة، وعلى الفور عرفنا إن كل ما سمعنا به عن طريق الأعلام الغربي كان كذبا وخداعا، ثم راحت الأسئلة والمواقف والصور تتطاير كالبرق في ذهني وبدأت اسأل نفسي هل فعلا ما قمت به هو صحيح؟ هل لم اجلب كارثة لذاتي!؟ لماذا تركنا بلدنا وبيوتنا ومشينا طريق الأخطار!!؟ إذا كانت البداية هكذا فكيف سوف تكون النهاية!!؟
وحينها شعرت فعلا بأنه لا يوجد ألذ من نسيم الوطن وتربته المقدسة، 
لاسيما أماكن ذكريات الطفولة، فتذكرت شوارع مدينتي بغداد وزاخو،
وتذكرت حديقة بارك السعدون والأيام التي كنت فيها ألعب كرة القدم مع
زملائي هناك، كان ذلك حالي خلال أيام الأولى.

على أية حال قضينا الليلتين الأوليتين بصعوبة بالغة، حيث كان ينام على كل سرير وبصورة متناوبة، وفي اليوم الثالث رحلت مجموعة من اللاجئين الطلبة إلى كمب أخر يدعى (سلوبي)، وبقينا هناك كل من هو متخلف أو هارب من العسكرية.

في الليلة الثالثة كان يشاركني في المنام شاب في الخامسة والعشرين من العمر، كانت ملابسه ملطخة بالطين والدم، لحيته طويلة، يظهر للمرء انه لم يحلقها منذ أن ترك البيت، رأيت أن إحدى رجليه كانت مجروحة، وفيما هو يقوم بتنظيفها لاحظت أنها تنزف، والربطة التي كان يلفها حول الجرح هي عبارة عن قطعة قماش ذات لون احمر داكن، من كثرة امتصاصها للدم، أما ملامح وجهه فكانت مملوءة من الحزن والتعب.

في البداية لم أحاول أن اهتم بأمره كثيرا، إذ اعتبرت انه ليس بأفضل مني، وان سبب تلك المظاهر هي من جراء تعب الطريق، أو فراق الأهل والوطن أو ما شابه ذلك من الامور.
لكن بعد فترة قصيرة من الزمن، حاولت أن انسي التعب والمحنة التي كنت انا فيها، وبدأت بالحديث معه فسألته
_ما اسمك؟
أجابني وبصورة مغضبة.
_روميل!!
_ماذا حصل لرجلك؟ كيف جرحت نفسك؟
لم يرفع رأسه لينظر إلي في هذه المرة، ولم يرد على السؤال أيضا، بل استمر في عملية شد الربطة حول جرحه، لكن لم تمضي برهة من الزمن حتى بدأ يتكلم بلغة مضطربة ومتسرعة، كمن يحاول أن ينسى تلك اللحظات العصيبة التي مرت عليه فأجاب.
_في الطريق حينما كنا نعبر الحدود.
ازداد شوقي لمعرفة اكثر من ذلك في هذه المرة، لأنني ظننت بأنه لا يوجد مجموعة أخرى لاقت مشقة في الطريق، اكثر من مجموعتي فكان سؤالي الأخر
_كم يوما قضيتم في الطريق ؟
أجابني بسرعة كمن يعرف السؤال قبل أن يسأل به
_سبعة أيام!!!
_ولماذا سبعة أيام؟ ماذا حصل لكم في الطريق!؟ سألته متعجبا
توقف من الربط، في هذه المرة ورفع وجهه لينظر علي بصورة الاستغراب، وهو يهز برأسه، ثم مد يده اليمنى ووضعها على وجه وراح يحك ذقنه، وبدأت عضلات وجهه تتقلص من الحزن كمن أصابه البكم لا يستطيع الإجابة.
_يا أخي قصتنا قصة طويلة، لما تركنا الشمال باتجاه تركيا عبر منطقة (برواري بالا) كانت ترافقنا مجموعة من الأكراد الذين دفعنا لهم كمية كبيرة من النقود، وكان شرطنا معهم أن يقودونا، عبر طريق أمين من الألغام إلى أي جهة تركية رسمية. بالنسبة لنا لم نكن نملك أي خبرة في البيئة الجبلية بتاتا، لما وصلنا منتصف الطريق اليوم الثاني، كان الوقت مساءا وكنا في واد عميق، اخبرنا الأكراد بأن الحدود التركية، هي تقع خلف قمة ذلك الجبل الذي نحن ألان في أحد وديانه، ثم اخذوا أجورهم ورجعوا في تلك الليلة. وفي صباح اليوم التالي صعدنا الجبل، باتجاه ما قالوا لنا، مشينا طوال ذلك النهار ولم نصل إلى قمة الجبل، وفي هذه الأثناء بدأت الثلوج تتساقط والضباب والغيوم تحيط بكل الأماكن، نتيجة لذلك فقدنا معرفة الاتجاهات، من كثرة النزول والصعود بين الوديان في المساء وجدنا أنفسنا في واد عميق من جديد. هكذا كان حالنا لمدة أربعة أيام، حيث كنا نصعد في الصباح إلى قمة الجبل وفي المساء نعود تقريبا إلى نفس المكان. ما زاد مصيبتنا هو نفاذ غاز في القداحة التي كان يملكها أحد أصدقائنا، ولم يعد باستطاعتنا عمل نار ولم نملك أي طعام أيضا، حتى الماء الذي كنا نشربه، كان من ماء الجداول الجارية في تلك الوديان. لقد فقدنا القابلية للحركة بسبب البرد القارص لاسيما أثناء الليل، لذلك أصاب معظمنا (الكركري) أو شبه شلل من شدة البرد واقترب بعضنا من فقدان الشعور بأصابعنا، وذلك ما حدث لأحد رفاقنا أثناء الطريق حيث وقع ولم تعد له المقدرة على المشي فمات هناك، كان المرحوم أخو (اميل) ذلك الشاب الجالس هناك.
لما سمعت كلمة المرحوم امتلأت عيونه من الدمع، ثم توقف قليلا ولم يعد الاستمرار بالحديث ثم راح يمسح دموعه، ثم قال لي على الرغم من انه كان ابن خالتي لكن كان صديق العمر لي
_ومات ذلك الشاب هناك على قمة الجبل!!؟
قلت له بلغة التعجب
-كيف؟!!
_نعم مات من شدة البرد والجوع والتعب، نعم مات وهو يهرب من الموت !!فأين عدالة السماء !؟ قالها كمن لا يعرف من يعاتب أو كمن يبحث اسباب الاقدار، او لماذا تحصل هذه الأشياء في هذا العالم.
أما أنا بدأت اسأل أكثر فأكثر 
_وماذا فعل أخوه!؟ كيف تركه هناك!!؟
_لقد بكى كثيرا عليه وفي الحقيقة بكينا نحن جميعا عليه ولكن لم نكن نستبعد أن نموت جميعا بنفس الحال، لذلك تشجع بقية الأصدقاء الذين كانوا معنا لاتخاذ قرار بتغيير الاتجاه مهما تكون النتيجة.
_وماذا عملتم بجثة صديقكم ؟
_كنا في حالة مرهقة يرثى لها، ولم نملك أي شي لنحفر به قبره، فكل ما عملناه جمعنا مجموعة من الأحجار حول جثته، بحيث تمنع الحيوانات من الاقتراب منها وربطنا خشبيتين معا على شكل الصليب ووضعناها على قبره لكي يدرك الناس المار هناك، أن في هذا المكان هناك قبر،
 ثم صلينا ونحن نمسك الأيادي معا وغادرنا المكان ؟
_وماذا عن اميل أخيه!!!؟
_في البداية رفض أن يترك قبر أخيه، بإلحاحنا جميعنا عليه أقتنع بالمجيء معنا، قال له أحد أصدقائنا الذي هو أكبرنا سنا (إذا لم تأتي معنا سوف لن نرحل بل  نبقى هناك حتى نموت جميعا) بهذه الحجة تم إقناعه
في تلك الليلة لم أستطيع النوم، رغم التعب فكنت أتقلب من جهة إلى جهة في منامي حتى ساعات المبكرة من الصباح، وذلك من شدة القهر والهم لا فقط على المسكين المرحوم وإنما على كل ما حدث لنا في الماضي.

في اليوم التالي حينما كنا في الطريق إلى قاعة الطعام، اخبرني روميل، بأنهم سوف يغادرون إلى محل آخر يدعى (سلوبي)

كانت الساعة الثانية بعد الظهر حينما تحركت العربة وهي تحمل روميل وأميل مع بقية الشباب الذين كانوا معنا. وكانت أخر نظرة لي معاهم هي حينما بدأت العربة تتواري عن الأنظار، بينما هم يلوحون لنا بأياديهم علامة الوداع، منذ ذلك اليوم ولحد ألان لم أراهم أو اسمع أي شئ عنهم وكأنه اصبح فراقنا شبه ابدي، لكن بالرغم من مرور عشرة سنوات على هذه الحادثة، لازلت أتذكر أميل وعلامات الحزن العميقة التي كانت تبدو على وجهه من جراء حزنه على وفاة أخيه، ولا أظن سوف أنسى تلك اللحظات، مهما جرى الدم في شراييني، وتملك عيناي النور
[/b][/size]

غير متصل soraita

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 796
    • مشاهدة الملف الشخصي
الي الأخ يوحنا المحترم
رجعتنا الي تلك الأيام حقا كانت حزينه هناك كثيرا ماتو وفي تلك الأيام بعد ابي منع اخوتي من الذهاب الي الحرب فذهبنا الي زاخو وقرارنا الذهاب الي التركيا جميعا وكما قلت بعد ان ان مشينا الليله كامله وصلنا الي الحدود التركيه وبعد اخذ فتره الأستراحه قبل العبور .
فجاه مجموعه من الشباب كانوا فرحين مشوا الي حافه النهر فجاه انفجر احد الألغام فمات شاب من كزنخ واعتقد كان اسمه صبري وجرح شابين الأخرين من مركا . وبيعد ذلك بدا الأتراك برمي على جهتنا ولكن في السماء وبعد قليل اشروا لنا ان تعبر وكان جريان الماء قوي جدا فذهب مجموعه من الشباب الي الجهه الثانيه وربطوا بعض الحبال وبدائنا بعبور وكانت عائله الشهيد جمعوا بعض الصخور وضعوها على جثتهه وعبورو وبعد التسجيل واخذ بعض المعلومات عنا وضعونا في لوريات عسكريه وشائت الأقدار ان عائله المرحوم صبري كانت جالسه في نفس اللوري معنا وكانت خاله جوانه (ام غريب) تبكي لمده عدت ساعات الي وصلونا الي مدينه سلوبي وحجزونا في احد الفنادق القديمه ومنها توجهنا الي كمب تطوان وبعد نقلنا الي كمب كنكال وبعد ذلك ذهبنا الي مدينه اسطنبول

متصل يوحنا بيداويد

  • اداري منتديات
  • عضو مميز جدا
  • *
  • مشاركة: 2493
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
عززة سوريتا
تحية
شكرا لتعليق واضافة قصة اخرى الى جوار قصتنا.
الحقيقة سمعت بهذه القصة من ناي مقربين كانوا مع هذه المجموعة من امراة سناطية ( مريم ام يونان يونان).
لقد نشرت هذه القصة قبل الان في جريدة صوت الكلدان قبل عشرين سنة حوالي.
ما اردت ان انقله للاخوة المولودين في المهجر او الذين بقوا في العراق او الذين سافر بالطائرة ان الذين تركوا العراق اثناء الحرب هربا من اتون الحرب(الموت) ماتوا في الطريق.
بهذه المناسبة اطلب من كل الاخوة ان الذين لهم قصة مشابهة او يوثقوا قصة هجرتهم والمصاعب التي لاقوها سواء اثناء عبور الحدود او داخل الكمبات او العيش في المحافظات والمضايقات التي كانت الشرطة والعسكر والامن يمارسونها الى اطفالهم كي تبقى في اذانهم، كما فعل الاخوة اليزيديين والارمن والاكراد وبالاخص اليهود حينما كتبوا اسفارهم (سفر دانيال واستر)  في بابل واثناء عودتهم تحت قيادة زربابل.
وبخلاف ذلك سوف يجهل الأجيال القادمة تاريخ اجدادهم ويفقدون التواصل مع الماضي.
شكرا لمروركم ولاضافتكم
يوحنا بيداويد