المحادثات العراقية الامريكية... والتأرجح بين مفهومي الوطنية والعمالة ، اين يقف المسيحيون ؟
لو كانت " العمالة " سلعة ،تُباع وتُشترى لاصبح الذي يقتنيها اغنى رجل في العالم وهو يبيعها بالجملة لعشاقها في الوسط العربي والاسلامي ...
تتغيّر مواقف السياسي العراقي بتغيّر الاحداث ، لكن تغيّره وتلوّنه هذا ليس نابعا من المصلحة الوطنية في شيء ، بل نابع من مصلحة فردية او حزبية او فئوية... اما الشعارات التي يرفعها فهي مضللة وليس لها معنى على ارض الواقع ..
بعد غزوها للعراق لاسقاط نظام الدكتاتور البعثي عام 2003 ، اكتشفت امريكا بأنها تواجه فشلا سياسيا واضحا ...وجدت نفسها بين تعنّت السنة الذي لا يلين ، وبين نوايا الشيعة المنتَجة في ايران ... ولقد واجهت عداءً شديدا ومقاومة مسلحة من الطرفين الذين كانا يخوضان في ذات الوقت قتالا دمويا فيما بينهما ...لذا اصبح على امريكا ان تبذل قصارى جهدها للتعامل مع التكتيك المتيّسر لحفظ ماء الوجه ....
للاسف ، لا يمكن وضع ذلك العداء لامريكا ولا تلك المقاومة في خانة " الوطنية " ، لان الفعل والقصد لم يكونا كذلك ابدا ...
فالبعثيون وحلفائهم الاسلاميون ارتضوا لانفسهم ان يكونوا عملاء لدول الجوار التي تزوّدهم بالمال والعتاد والانتحاريين لغرض ارجاع السنة الى الحكم !!... ولا ادري كيف توصف تلك المقاومة بالوطنية وهي تنفّذ عمليات قتل عشوائية تقتل فيها الكثير من الاطفال والنساء ... لماذا تقتل المسيحيين وتذبح كهنتم في الموصل ؟ ... لماذا كل تلك الجرائم بحق الايزيديين ؟ ماذا فعل المسيحيون والايزيديون بالضد من جهادهم الوطني سيء الصيت ليستحقوا ذلك ....
لكن امريكا استطاعت إنشاء " صحوات " في الجانب السني ، واخذت الصحوات تتزايد بعد ان ادرك السنة الفخ الذي اوقعهم فيه سياسيوهم بعد ان تركوا الساحة العراقية للحصان الايراني يصول ويجول فيها على راحته !!!...
فهل اصبح اصحاب الصحوات عملاء للامريكان ، بعد ان كان مفهوم الوطنية يكمن في العمالة لدول الجوار ؟... ونجد الان ان معظم السنة يؤيدون بقاء الامريكان في العراق لتحجيم الدور الايراني... هنا يختلط علينا الامر.. من هو الوطني ومن هو العميل في الوسط السني ؟؟
للاسف أيضا ، فإن عداء الشيعة للامريكان لم يكن أيضا من منطلق وطني أبدا ... وانما كان اصطفافا مع الجمهورية الاسلامية التي لا تبغى شيئا من العراق سوى ابتلاعه ، سابقا ولاحقا ...لقد اوضح الكثير من قادة الاحزاب الشيعية علانية عن ولاءاتهم لايران ، وهم يفتخرون بذلك وكأنها مواقف وطنية !!!، لكن ، في الوقت ذاته ، فهم لا يفوّتون فرصة لوصم مناوئيهم بـ "عملاء امريكا " !!! ...اي ان العمالة للجارة ايران شيء والعمالة للامريكان شيء آخر !!!..
لو توخينا الدقة ، لرأينا ان العمالة لايران مكتملة الاركان ، بينما الميل نحو امريكا ليس سوى موقف سياسي تقتضيه المرحلة للخلاص من النفوذ الايراني المتزايد في العراق ، خاصة وان لايران مليشيات مسلحة ترهب العراقيين جميعا ، حكومة وشعبا .....
لم ينس المتطرفون الشيعة ان ينافسوا غرمائهم السنة في اضطهاد المسيحيين والصابئة ...
وضاعت الحسبة علينا ثانية ... ما مفهوم " الوطنية " ، ومن هو العميل في الوسط الشيعي ؟؟؟ ....
كان من مصلحة امريكا ان تقوّي علاقاتها مع الاكراد الذين لم يرفعوا السلاح ضدها ( مثل السنة والشيعة ) ، واحتاج الاكراد الى الدعم الامريكي هذا بغية الحصول على اكثر ما يستطيعون من مطالبيهم القومية ( عدا الانفصال ) ......
مع ذلك فليس من العسير ان ترى من بين الاكراد من يكره امريكا ، لاسباب قومية تارة ، او دينية والوقوف الى الجانب الايراني تارة اخرى ... واذا سألت الكثير من السنه ، والكثير من الشيعة ، فتجد نفس الجواب ...الاكراد عملاء لامريكا !!!!
ان اولئك الذين تستطيع تسميتهم بـ " الوطنيين او العملاء " ( لا فرق ) ، والذين يخوضون قتالا دمويا فيما بينهم من اجل السلطة ونهب الاموال ، لا يملكون الا وصف معارضيهم بـ " العمالة لامريكا " ......وقد شمل هذا الاتهام الشعب الذي يقود المظاهرات في العراق بعد ان ادرك حقيقة اصحاب الشعار هذا وأخذ يطالب بوطن اسمه " العراق " .....
من الغريب ان يتباهى هؤلاء بالديمقراطية الحقة في ايران والتي ليست كالديمقراطية المغشوشة في الغرب ! ...في ايران انتخابات وتداول سلطة بين " متشددين ومعتدلين " !!! ....انه ضحك على الذقون ... فما دام " المرشد خامنئي " هو الذي يغربل ويوافق على المرشحين للرئاسة ! ، ما دام رئيس السلطة لا يستطيع تجاوز قرار المرشد ! ، فعن أية ديمقراطية نتحدّث ؟؟؟ ... هل يريدون تطبيق مثل هذه الديمقراطية في العراق ؟؟
والآن نأتي الى موقف المسيحيين ....
ان المسيحيين ، رغم قلتهم العددية ( بفعل فاعل ) ، ورغم ان وجودهم مُستهدف دائما وابدا ، فانهم لم يستطيعوا ان يشكّلوا كتلة واحدة لاتخاذ موقف محدد من الاحداث ... المسيحيون لا يحتاجون الى من يؤكد على وطنيتهم ... والدليل انهم حرصوا على النأي بالنفس عن كل الصراعات التي مزّقت جسد الوطن ... والواقع هو الذي يحدد الاخلاص للوطن وليس الشعارات ...
لكنهم فشلوا في الانضواء تحت خيمة واحدة للحفاظ على وجودهم ، لذا كانت مواقفهم فردية ومبعثرة وضائعة لا يجمعها جامع ... ...
فمعظم الذين كانوا بعثيين منهم ، ورغم كل المصائب التي حصلت للمسيحيين بسبب حزبهم ( من الممل تكرارها ) ، لا لا يهمهم وضع المسيحيين قدر حنينهم الى الماضي المقبور ....ومن يخالفهم فهو من العملاء !!!
اما الشيوعيين من المسيحيين ، فإنهم يرفضون اي تجمّع على اساس ديني ، حتى لو كان هذا التجمّع سياسيا وعلمانيا لانقاذ ما يمكن انقاذه من " شعب مهدد في وجوده "... وقضية الوجود المسيحي غير مهمة لديهم قدر نجاح الحزب ومستقبل العراق حتى بدون مسيحيين !!! ... وهم لا يترددون ايضا بوصم اي تحرك من هذا القبيل بالعمالة !!!! تريد ارنب ؟، اخذ أرنب ... تريد غزال ؟ ، اخذ ارنب ...
اما القوميين المسيحيين ، فالحديث عنهم سيكون مكررا ، ونظرة واحدة على وضع المسيحيين يُعطي جوابا وافيا لما عملته هذه الاحزاب من اجل مكاسب نفعية رخيصة ..... الكثير منهم يكره امريكا ، ليس لسبب وطني ايضا ، بل يعتقد بأن مؤازرة امريكا للاكراد كان على حسابهم !!...ولا ادري كيف كان بأستطاعة امريكا مواجهة عداء السنة وعداء الشيعة وعداء الاكراد والاعتماد على قوة احزابنا القومية !!!!
ولا ندري كيف نوفّق بين عداء الكردي وعداء القومي المسيحي لامريكا !!!.
اما كنائسنا " الخائفة " فقد فضّلت الصمت على كل الاضطهادات بحق المسيحيين كي لا تُتهّم في وطنيتها !!! ...
لقد برز من بين المسيحيين من شكّلوا خطرا حقيقيا على ما تبقّى من الوجود المسيحي في سهل نينوى ... هؤلاء تحالفوا مع الحشد الشبكي لقاء ...؟؟؟ لتنفيذ مهمة بعض الشبك في تلك المنطقة ... لما قامت امريكا بتوجيه انذارا واصدار عقوبات بحق هؤلاء ، قام البعض منهم ، وبوقاحة منقطعة النظير ، بوصف الناس والكهنة الذين اشتكوا مما يحصل لهم بـ " عملاء امريكا " !!!
مرة اخرى يختلط الامر علينا ويتعقّد ...من الوطني ومن العميل ؟ ... ان تكون عميلا لعميلا لايران وتنفّذ مآربه في المنطقة وتخون اهلك ؟ ... ام ان العميل هو ذلك الذي لم يجد سوى تقديم شكوى للحكومة وللاكراد والامريكان لانقاذ اهله ؟ ...
ان وضع المسيحيين ، في وضعهم المشتت هذا ، اغرب من كل غرابة يمكن تصورها ...
البركة في مثقفينا .....
تصوّروا ان احد الاخوان من المسيحيين ، لا اعلم الى اية مجموعة من المجاميع اعلاه ينتمي ، اتهمني بالعمالة لامريكا لانني كتبتّ عن الغوغاء الذين اندسوا بين السود في المظاهرات الامريكية !!!...
لم نكن نتحدّث عن احتلال العراق ليرميني بصاروخ " وطنيته " !! ... بل عن مظاهرات في امريكا نفسها !... رغم ان كلامه لا قيمة له ، لكنه يدلّل وعلى نحو واضح ، عن حالة من الضياع الفكري التي وصل اليها بعض المسيحيين ...
خلاصة الامر ، ان الشيعة والسنة والاكراد المتهمون في " وطنيتهم او عمالتهم " يخططون ويعرفون ماذا يريدون ...
وان المسيحيين المتهمون ... عفوا ... المسيحيين " المدانون " بتبعثرهم ، لا يعرفون ماذا يريدون ... ربما يريدون نفس الطاسة ... حرب البسوس بشأن الادعاءات الفارغة ... تنمّر البعض على البعض الآخر ، حتى في البيت الواحد !...النضال من اجل " طائفة أفضل " ! .....
والمحصلة ( البركة في المحصلّة ) هي : موظفان او ثلات يمثلون " المسيحيين " تحت قبة البرلمان ... تهانينا مسبقاً ...
متي اسو