من سيحافظ على الإسم الكلداني؟
د. صباح قيّاطالما اقترح عليّ صديق عزيز من الناشطين القوميين بأن لا أتدخل في الشأن الكلداني. ربما, بل على الأغلب, أن الدافع لمقترحه النابع من تجربته الشخصية هو أن يُجنبني ما قد ألقى من كلمات وتعابير نابية من البعض الذي لن تروق له وجهة نظري حول ما يدور من صراعات بين أطياف الشعب الواحد. ذكّرني قبل جائحة كورونا عن رأيه الذي كرره عليّ في اكثر من مناسبة. أجبته: بأنني لم ألقى أية إساءة من الإخوة الآشوريين رغم مواقفي الكلدانية, بل, على العكس, كانت مناقشاتهم معي يشوبها التقدير والإحترام, ولم يوجه لي أي منهم اية كلمة جارحة, وآرشيف الموقع خير شاهد على ذلك. أضفت: أن الإساءات جابهتني من البعض من الكلدان انفسهم, ومنهم من نعتني بأوصاف ابعد ما تكون عن الخصال المسيحية التي يدعي هذا البعض الإيمان بها. آرشيف الموقع يؤيد ما اقوله أيضاً... نظر لي صديقي بابتسامة صامتة عبّر بها عن فهمه لأبعاد ما عنيت في إجابتي.
"مفهوم التطرف والتعصب رفضته سابقاً وأرفضه اليوم وسارفضه غداً. أنظر إلى المرء وأقدره بقدر ما يحمل من خصال المحبة في قلبه ويمارسها على ارض الواقع بعقله. أمد يدي لأي من البشر ممن له تلك الخصال, ولن اقبل عن نفسي أن أكون ازدواجي السلوك في تعاملي مع الآخرين. كل من على الارض له قناعته التي أحترمها وما عليه إلا أن يعاملني بالمثل. لي صداقات مع أناس من كافة الأديان والمذاهب والملل. أعتز بها جميعاً, واعتزازهم بي لا يقل عن اعتزازي بهم أبداً. تعلمت من مسيحيتي والتي صقلتها مهنتي أن أقدم الخدمة الإنسانية المطلوبة لأي مخلوق سواء هو معي او ضدي". هذا موقف مبدأي لا ولن احيد عنه, أمارسه على أرض الواقع بحذافيره كما كتبته, وبدون خجل او وجل.
سالني مسؤول فرع رابطة كندا خلال مأدبة الغذاء التي أقيمت على شرفه بعد الإنتهاء من الندوة التعريفية حول الرابطة الكلدانية العالمية: هل أنت "أي أنا" القوشي قح؟. بصراحة, استغربتُ من سؤاله الذي يشير إلى نزعة قروية لم أألفُها, وهو مسؤول رابطة كلدانية شاملة. أجبته: ماذا تقصد بالألقوشي القُح؟ فالمعروف عن الألقوشي أنه يكفر ويشتم وعصبي المزاج. أما أنا فلا أكفر ولا اشتم, لكني عصبي المزاج أحياناً, فيبقى تقديرك إن كنت أنا ألقوشي قح أم لا؟ سكت ولم ينطق بحرف واحد. لا بد أن أعترف بأني لا أعلم لحد الآن من هو الألقوشي القح وما المقصود بذلك السؤال؟
دُعيت لأقدم قصيدة شعرية في تجمع عُقد في مشيكن لنصرة شعبنا الرابض في أرض الوطن بعد غزوة داعش. قدمت رباعياتي الشعرية "لمن أشتكي" باللغة العربية. بعدها استهل احد المشاركين مشاركته بلغة السورث قائلاً بأنه غير مستعد للإعتذار لمن لا يفهم السورث. سألت نفسي: هل حقاً أنا في بلد متحضر ومع مجموعة متحضرة؟ كيف يسمح لنفسه أن يُهين عدداً غفيراً من الحضور ممن لا يفهم لغة السورث؟ وشردت في مخيلتي تساؤلات أخرى اختتمتها بيني وبين نفسي بتعبير "مع الأسف".
بادرت إحدى السيدات الحاضرات في الإجتماع الخاص بتشكيل مكتب وندزر للرابطة الكلدانية العالمية بحضور مسؤول فرع كندا, باستفسار موجه إلى المسؤول نفسه قائلة: لماذا تستخدم في الكلام كلمات وتعابير تدل على لهجة السورث القديمة والتي هي غير مالوفة في الوقت الحاضر في قرانا ومدننا الكلدانية؟ لم يُجب المسؤول على استفسارها.
يمكن الإستنباط مما ذُكر أعلاه بأن الغاية في جوهرها تصب في خانة التعصب للهوية الكلدانية, ومحاولة إثبات الإنتماء "القح" إن صح التعبير لتلك الهوية حتى ولو بالإسلوب الذي قد لا يُسر الآخرين وربما يحضى باستهجانهم.
قلت للناشط القومي الكلداني المنوه عنه في بدء المقال: ما هو رأيك لو اكتب الشعر بجمل مثل هذه الأبيات؟
وطاوي ثلاثٍ عاصبِ البطن مرملٍ ببيداءَ لمْ يُعرف بها ساكنٌ رسما
واطلسُ ملءَ العينِ يحملُ زوْرَه واضلاعُه من جانبيه شوى نهدُ
ضحك بصوت عالٍ متسائلاً: هل هذه لغة عربية؟ قلت له نعم هذه عربية أيام زمان, وعندنا من الكلدان من يتمنطق بالتعابير القديمة للغة السورث باعتباره من اقحاح الفرسان.
لا بد أن اشير بأني أكنّ كل الود والمحبة لمسؤول فرع كندا للرابطة الكلدانية العالمية, وأعتز بمعرفته, وما ذكرته مجرد لخدمة الهدف من المقال. له مني اعتذاري, وآمل قبوله.
لا أبالغ إن قلت بأن الهوية الكلدانية هوية ضائعة, وأن كل المحاولات التي برزت على الساحة منذ عام 2003 م ولحد اليوم للبحث عن بصيص من نور يلقي ضلاله على أطرها ثبت عقمها.
ضياع الهوية الكلدانية يصاحبه التناقض في المواقف بين الكلدان أنفسهم. ألإعتزاز بالأصل وبكنية ولغة الأجداد وتراثهم وما شاكل شيْ وواقع الحال يشير إلى أشياء أخرى لا ترتبط بما كان, وإن ارتبطت فبخيط رفيع لا أكثر. لقد أبدع الكلدان في إخفاقاتهم المتتالية بدون منازع. أخفقت المؤتمرات القومية, وفشلت التنظيمات الحزبية, وأصبح القوميون والناشطون الكلدان قومجية, وتعثرت الرابطة الكلدانية, وووووو هلم جرا. كلها تحمل إسم الكلدان, ولكن لا تحضى باعتراف إلا القلة القليلة جداً من الكلدان. ألشيخ الذي حمل لقب الكلداني يطلق عليه الكلدان باللاكلداني, والبرلماني الكلداني يُقال عنه تبعية شيعية أو عمالة حكومية أو دمية بيد الحيتان الحزبية المتنفذة, والوزير الكلداني يشار إليه بالعلماني اللاديني واللاقومي أي اللاكلداني, وأخيراً لا آخراً حتى الوزيرة التي هي من أصول تلكيفية وكنيسة كلدانية وعضوة في الرابطة الكلدانية العالمية صارت بنظر الكلدان أجيرة إيرانية وإبنها في المليشيات الشيعية... هل هنالك كلداني صنديد يدلني عن من هو الكلداني في نظر الكلدان؟ أين الطريق واين المسار يا معشر الكلدان؟ من الذي سيرضيكم أيها الكلدان؟ من الذي ستقولون عنه هو ذا الكلدان؟
لقد توصلت إلى قناعةٍ بأن الإسم الكلداني سيبقى أسير الكنيسة, وأن الكنيسة هي الوحيدة التي ستحافظ على الإسم الكلداني من الزوال وحتى بعد أن يهجر أرض الاجداد الجميع, وتتلاحق الأجيال في أرض الشتات. بإمكان الكنيسة أن تحافظ على الإسم الكلداني حتى وإن توحدت وعادت كنيسة المشرق من جديد بشرط أن تظل بإسم كنيسة المشرق الكلدانية. ديمومة الكنيسة وبقاء الإسم لا معنى لهما بدون تواجد الرعية. هنا تبرز مهمة الرعاة الأفاضل بالعمل الجاد على إعادة المتسربين من الكنيسة الكلدانية لسبب أو آخر. وهذا لن يتم إلا بعد توفر سلطة دينية تضع مصلحة الكنيسة وخدمة الرعية فوق كل اعتبار وبالأخص فوق محاولات تمجيد الذات, وبعيداً عن الولوج في الدهاليز السياسية الملتوية. ألكنيسة رسالتها البشارة وإيصال الكلمة, فلتلتصق بهذه المهمة السامية, ولتترك الشؤون الدنيوية للمختصين بها من الكلدان.
أملي أن تتجاوز الكلدانية وكنيستها واقع الحال الذي تعبر عنه هذه الرباعية الشعرية:
كمْ ارى الكلدانيةَ مع الذاتِ في تناقضْ
هيَ طقسٌ أم قوميةٌ أم مزيجُ فرائضْ؟
في أيّةِ بادرةٍ هو الراعيْ مَنْ يُعارِضْ
أحقاً الكلدانيُّ في كنيستهِ فائض؟
أجيبوني