المحرر موضوع: مثير للجَدل في الشَخصية المسَيحية العراقية  (زيارة 652 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سـلوان سـاكو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 454
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
مثير للجدل في الشخصية المسيحية العراقية                               
بقلم/ سلوان ساكو
ليس سرًا إننا نتغير مع تغير العصر، وتتبلور أفكاراً جديدة تحمل مفاهيم جديدة تكون في الأغلب الأعمّ على أنقاض القديمة، وإن أتخذت أنماطا ومسارات مُغايرة في منحنيات الحياة التي يعيشها الفرد أياً كان. في هذا المّقال سوف أتطرق للشخصية العراقية بين مزدوجين المسيحية منها، وتراكم الخبرات فيها، السلبية والإيجابية منها، والصراع الدائر داخل الذات انطلاقا من معارف استنباطية.
تبلورت الشخصية المسيحية في العراق واتّخذتَ أشكالاً محدّدة أثر تراكم يعود بأثر رجعي في نفسية الفرد في تأسيس شخصيته، وأثر تحولات رئيسية في أنماط العيش والتنقل والهجرة والنِزوح الإجباري. والاهم من هذا وذاك هو الحرب أو الحروب التي خاضها العراق ابتداءً من إيران وهلم جرا في تحطيم كينونة الإنسان العراقي بصيغة أشمل، ففي لحظة المأزق التاريخي تغير كل شيء، وباتَّ من الاستحالة اصلاح ما أفسده الدهر، وكيفية تأثيراتها السلبية على الفرد المسيحي بمفهوم استقرائي أعمق بكثير من هذا التسطيح الذي نعيشه اليوم، عاجزين عن التفكير السوي المنطقي Logical .طبعا لا تشمل هذه المقالة الجميع، ولكن هناك فئة لا بأس به تتسم بهذا الطابع، أو موسومة بها من الأصل، مع كل التغيرات التي حدثت على الصعيدين الثقافي والحياتي، لتتوسع في دائرة مغلقة مِمَا يجعلنا نتساءل عن طبيعة هذه الشخصيات personalities.  وهذا لا يمنع بطبيعة الحالة من التوقّف عند طرح مجموعة معينة من الأسئلة؟. إذًا لنعود للوراء قليلًا لنستكمل مُجمل الصورة ونضعها في إطارها الصحيح، ولكن هذه المرة دون رتوش أو مساحيق تجميل، لتظهر لنا في النهاية بشكل واضح وجلّي.
على ما يبدو المسألة بدأت مع النزوح القسري لقرى ونواحي الشمال، أيَّ شمال سهل السندي، أو شمال زاخو بتعريف أدق، فخلال سلسلة الحروب التي خاضها الأكراد من أجل تحديد المصير مع الحكومة العراقية، تمَّ تهجير الكثير من القرى والنواحي من مكان سُكناهم إلى محافظات اخرى، موصل، كركوك، والعاصمة بغداد، على مراحل أو دفعات، حسب انتشار رقعة النزاع. بَدْءًا من أواسط الخمسينات وإن كان بشكل طوعي نوعًا ما، واستمر إلى الستينيات وصولاً للذروة مع منتصف السبعينيات، ومع اتفاقية الجزائر المشؤومة الغرض منها كان إخماد الصراع المسلح مع الأكراد، الموقعة بين شاه إيران محمد رضا بهلوي والحكومة العراقية متُمثلة بالنائب وقتذاك صدام حسين في 6 آذار مارس من عام 1975 برعاية الرئيس الجزائري هواري بومدين، أسُدل الستار على أخر قرية مُهجرة تقريبًا، ظلت هناك بعض القصبات متناثرة بين سفوح الجبال والسهول والروابي، لا تهم كثيراً في المعادلة الرئيسية والمغزى الاساسي للاتفاقية  ألا وهي خنق الكُرّد وإفشال مخططاتهم لإنشاء دولتهم. المهم هنا هو إن السواد الأعظم من شعب مسيحي كان يحيا في تلك المناطق قد تم ترحيله قسراً من أرضه وداره إلى مكان آخر مُغاير في اللغة والثقافة والعادات، حتى وإنّ كان داخل حدود الوطن الواحد، فقرية متُاخمة للحدود العراقية التركية ثقافتها ولغتها وعاداتها غير ثقافة ولغة وعادات أهل بغداد أو البصرة أو الموصل مثلاً، كل هذا فرزّ أنماط وشخصيات مختلفة مع محيطها وصعوبة تناغمها والدخول معها في علاقة مُتمِدنة، كان التقوقع حول الذات هو السمة الأغلب مع إحساس بالقهر والظلم، وشعور بالنقص Inferiority feeling في ذلك الوقت، مع عدم توفر فرص كبيرة للتأقلم مع المحيط، ربما بسبب عامل اللغة، الكل تقريبًا تتكلم أما الكردية أو السورثّ الدارجة، بعيدين عن لغة المدينة وهي العربية، فبات هنالك هواة يصعب ردمها بين الثقافة المحلية السائدة وبؤرة ضغط تتمركز في اللاشعور تحت نسق سيكولوجي مؤلف من الموروثات والدوافع القديمة التي منها تغيرات تكون في اشكال التعبير وصوبة التعلم وعدم التكيف مع المحيط العام للمدينة، في نفس الوقت كانت تحديات البقاء ومتطلبات المعيشة من أجل توفير ضروريات الحياة أمر غير سهل مطلقاً، مما أجبر الناس على العمل في مهن وضيعة Menial occupations، وطبعاً العمل ليس عيبًا بأي شكل من الأشكال، لأن أسباب وسُبل العيش تتطلب هكذا أعمال في ذلك الحين. لم تنتهي هذه المحنة بتعاقب العَقَدّ الأول والثاني، بل استمرت إلى الجيل الذي تلاه. بعد ذلك بجيل، والجيل يساوي هنا بين 23 سنة الى 30 سنة، ظهر جيل متعلم غير ذلك القديم، حاصل على الشهادات العليا، تعلم مهن حرة، أتقن فنون الحياة وسبل العيش، تخلص من الخطاب القديم وإن كان بشكل جزئي. ولكن حلت حرب الثماني سنوات مع إيران هنا حدثت انتكاسة برأي أثرت سلباً على الجميع، وأقول ذلك لأن الإخفاقات باتت ملموسة، هنا ينبغي أن نفهم معنى إخفاق الفكرة أو معنى اِنتكاسة بأثر رجعي للوراء أو بالأحرى ما الذي جعل الوضع يسقط نحو هذا الدركّ؟ الجواب أنّ ثمّة خللا أساسيا حصل في تطور الجيل أو توقف عند حدّ مُعين، فبعدما أن اشتدت المعارك حصل هنالك فراغ في بناء سيكولوجية الفرد من نوعاً ما، نوع خاص، اتّخذ أشكالاً وصيغ أخرى، ومع القيم الرفيعة للديانة المسيحية، الحب، السلام، والتسامح، الصفح، الوداعة، ومع تردد وخوف المسيحي ذاته بلورت اللحظة عن حالات تكاد أن تكون عامة، فبات المسيحي ساعي (مراسل) عند الضابط أو القائد الفُلاني، أو سائق خاص عند العائلة أي عائلة هذا الضابط أو القائد. هذا لا يعني في طبيعة الحال أنّ الكل هكذا، ولا ينفي أن الشعب المسيحي أعطى شهداء في هذه المعركة وغيرها. ولكن لم تكن السمة الابرز في هذا السياق، في مكان ثاني وعلى نفس النهج وإن تغيرت الأدوار بعض الشيء، أشتغل عدد لا بئس به من نساء ورجال في القصر والديوان الرئاسيان، عمال تنظيف، طباخين، مربين، خدم، أي من الطبقة الثالثة أو ما دونها، في ظل هذا التخبط الشعوري وأذلال الذات بات هناك منطقة رمادية في الشخصية المسيحية العراقية وإشكالية حقيقية لهاجس وعيها في بناء مجتمعها كذات حرة باعتبارها كينونة واعية بذاتها في تكوين شخصيتها المستقلة عن الغير، الغير المتسلط القوي سالب الأنا من النفس، الضابط، القائد، الرئيس. ولكن هذا لم يتحقق مع الأسف، وهذا ما سيظهر بوضوح لاحقاً في زمن الحصار المفروض على العراق في منظومة سوسيوثقافية أكثر تعقيدًا برزت في تلك الحقبة وظفت لها المؤسسات والآليات والأنظمة الاجتماعية السائدة في قمعّ روح الإنسان التواقة للحرية وأن في حدودها الدنيا. تمثّل هذا الواقع الجديد في بروز اشخاص غير أسوياء يتقمصون أدوار التكبر والإعلاء الوهمي للذات، يكون مُزيف أجوف من الداخل لكونه لا يستندّ على منصات معرفية صحيحة، والنتيجة كانت ومازالت رمادية الألوان. تكرر هذا المشهد التراجيدي في مرحلة لاحقة، أيَّ بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، هذه المرة ليسّ نزوح داخل البلد الواحد وإنما هجرة جماعية خارجية على شكل موجات. لم يدرك المُهاجر الجديد أن قواعد اللعبة قد تغيرت مع تغير الأشكال النمطية القديمة للحياة، بَدْءًا من الحاسوب والأجهزة الإلكترونية والذكاء الاصطناعي وزراعة الرقائق الإلكترونية في جسم البشر التي يُروج لها اليوم بكثرة لجعل الإنسان آلة.
تبيّن مع مرور الوقت أن الرهان كان خاسراً في كثير من الأحيان، لأننا لم نسأل أنفسنا السؤال الجوهري، كيف وصلنا الى هذا الدرك من التقوقع داخل الذات، لعلّ الجواب يظل مجهول لوقت طويل، وطويل جداً. الذي سيطرح نفسه في نهاية المطاف، هل تقول الصورة اليوم الحقيقة وتجد لها تطبيقا مع كل هذه التحولات الإبستيمولوجية الخطيرة في عقلية البشر، أمَّ نظل أسرى أزمنة ولتّ دون رجعة خارجة عن الإطار اصلاً. نعم نحن مع كل ما تقدم لا يمكن أن نعيش في مسار يختلف عن المسار الإنساني وتحولات التاريخ، فإما أن نندرج فيه بشكلٍ فاعل أو يلفظنا خارج السرب، إنّ وعي الإنسان بذاته من الأهمية بمكان يصعب تجاوزها بأي شكل من الاشكال، وهو ما يجعلها ذات أهمية وتأثير وفاعليّة على جميع الأصعدة.
كاستنتاج عام فأن الشخصية، شخصية أي فرد كان هي عبارة عن تفاعل ديناميكي بين المجتمع والذات في مواجهة مفتوحة مع الأنا في صيغتها العاقلة والتي يجب أن تدرك نفسها لتنطلق نحو فضاءات أوسع كَيما تمتص رحيق الحياة لتشعر بذاتها بعيدا عن الانهزامية والخنوع والخضوع والاستسلام قابلة للاسْتِبْدالِ والتَّحَوُّلِ مع ضروريات وصيرورة تطور العصر.