النداء البطريركي للوحدة ، وتلبية النداء.
شَرَعَتِ الأقلامُ المؤمنة بوحدة مكوِّننا المسيحي تكتبُ والشخصياتُ تؤيدُ، ومنصاتُ التواصل الاجتماعي تزخرُ بالتعليقات الداعمة، فَحزبُ ابناء النهرين يُقيّم، وجمعيةُ حدياب للكفاءات تتجاوب، والرابطةُ الكلدانية العالمية بدورها أيضا كانتْ واضحةً وصريحةً في الاستجابة لأنها وكما وردَ في بيانها أن الدعوةَ تتوافقُ مع أهدافِها الواردة في نظامها الداخلي وتوصيات مؤتمرها التأسيسي.
وكان غبطةُ الكاردينال مار لويس ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم السامي الاحترام قد وجَّهَ دعوةً صادقة لكل مكّونات ابناءِ شعبنا، من أحزاب وحركات ومجالس سياسية ومؤسسات مجتمع مدني بالإضافة الى كنائسنا المقدسة، للجلوس حول مائدة واحدة من أجل إقرار كيانٍ موحد أو هيئة أو تجمع يمثّلُ شعبنا فقط، بعيداً عن اي انتماء او تبعية.
إنَّ تكرارَ نداءاتِ ودعواتِ الصرح البطريركي منذ تسنّم غبطتِهِ قيادةَ كنيستِنا الكلدانية المقدسة منذ اكثر من ستة أعوام، جاءت كلُّها لِحَثِ شعبنا للاتحاد والتقارب والتشاور بهدف خلق كيان مسيحي قوي موحّد ، وقد جاء نداؤه الأخير في 17/06/2020 ليَصُبَّ في هذا الاتجاه، وهذا دليلٌ قاطع بأنه يرى ويراقب ويتابع ويلمس مقدار الأخطار المُحدِقة بشعبنا من الكلدان والسريان والآشوريين والارمن وكنائسنا بمختلفِ تسمياتها، وان إلحاحَهُ في ندائه على الجلوس والتحاور لتشكيل تجمع او هيئة او اي قوة سياسية موحدة هو لكي تكون أمتُنا مهيئةً لمشاركةٍ قوية في الفعاليات السياسية في وطننا العزيز العراق وضمن أجندة موحدة.
النداء الذي اطلقه غبطته لم يتضمنْ أيةَ شروط ٍمسبقة أو طروحات جاهزة أو إملاءات معينة ، فقد اوضح ضرورة هذا التجمع لنكون احرارً وأصحابَ قرار في المرحلة القادمة من عُمرِ العملية السياسية في العراق، بعد ان فشلت كلُّ الفصائل السياسية من أحزاب و حركات أو مجالس في تمثيل كل اطياف شعبنا ، والتي كانت ومع شديد الاسف إمّا تابعة او ممثلةً لكتلة أو حزب معين ، او انه زاغت عن نهجها او برامجها بمجرد حصولها على المنصب ، والسبب هو غياب المرجعية الرشيدة التي تضع الآليات والبرامج والدراسات والمطالب ونظام المحاسبة ، (وهذا حتما سنجدهُ مُدوناً في نظام الكيان الموحد الجديد المُقترح )، مِن أجلِ استعادة ما ضاع من حقوق امتنا وشعبنا ، وسيصلح الارباك في المؤسسة الكنسية.
إن مشهدَ فشلِ النواب الذين لم يقوموا بواجباتهم تحت قبّة البرلمان كان واضحاً ولا يحتاج الى أي تعقيب. وكذا الأمر بالنسبة للحقائب الوزارية كون الإثنين، النائب والوزير، كانا أسيرَين مقيدَين وتابعَين وملتزمَين بأجندة حزبية ضيقة او انتماء لغير أمتِهم، فتراكمت الملفات العالقة مع استمرار مسلسل الفشل، وضاعت حقوقُنا، وضعُفَ حضورُنا، مما تسبّب في تفاقم الهجرة، ناهيك عن التجاوز على املاك شعبنا وعدم تحقيقِ أجواءٍ آمنة ومُناسبة لعودة النازحين بكرامة لِمدنِهم وقُراهم. وأما عن ملفِ التعليم والأحوال المدنية وحماية الفكر والمعتقد فحدِّثْ ولا حرج، وما حصلَ في الدورة الأخيرة كان المسمار الأخير في نعش الكوتا المسيحية (نواب البرلمان) او الاستحقاق الوزاري.
الكلُّ يعلم أنَّ المحاصصة وغياب القانون والتدخل الإقليمي ضرب بأطنابِهِ العملية السياسية بِرُمَّتِها في العراق، لكن هذا لا يعني غيابَنا عن المشهد أو أن يمثلنا الضعفاء. لذلك ارى ان هذا التجمع سيكون البديل الناجع والأمثل وسيعطي لشركائنا في الوطن صورة ناصعة وصادقة عن حجمنا وأهميتنا وسيقطع الطريق لأي تدخلٍ او تشويهٍ لصورة امتنا وشعبنا.
ان هذا الكيان لن يلغي المؤسسات الحالية بمختلف مُسمياتها بل سيكون داعماً لها.
إنَّ المراقب لمجريات العملية السياسية يعلمُ جيداً الآليات المُتّبعة لوصول النواب الى عضوية مجلس النواب، وكيف تهيمن الكتلُ الكبرى على عملية الترشيح والانتخاب في آن واحد. وطيلة الدورات الأربع الماضية، كان لنا حضوٌر شكلي في البرلمان وفي التشكيل الوزاري، واطلَعَ شعبُنا على ضُعفِ اداء نوابنا ووزرائنا الذي افتقَرَ الى المُساهمة والتأثير والمشاركة الفعالة في ترجمة مطالب واستحقاقات شعبنا او تقديم أي مشروع شامل لحماية امتنا بكل تسمياتها في مناطق تواجدها باعتبارنا مكون وطني هام وفاعل في بناء العراق الجديد، وكذلك مِن أقدم المكونات في تاريخ العراق، فعليه ان فكرة توحيد الخطاب والمطالب المشروعة لشعبنا لا تأتي الّا من خلال الاتفاق على تسميتنا السياسية ككيان واحد موحّد.
أُجددُ النداءَ مرةً أخرى الى كل القوى السياسية والشخصيات الفاعلة في الوطن الأم، فهُم الجنودُ الصناديد الرُّواد لبناء بيتنا الكبير، من أكاديميين واصحاب تجربة سياسية او تجارية او علمية او اقتصادية او حقوقية واعلامية أو فنية. والنداء موجهٌ لأبناءِ شعبنا في بلدان الانتشار على حد سواء لينضموا ويلبوا نداءَ غبطة البطريرك مار لويس ساكو السامي الاحترام ، حتى نتمكنَ مِن صُنعِ غدِنا بأنفسنا، مستفيدين من التجربة الماضية بكل إخفاقاتها لتصحيح الأخطاء ، واضعينَ نُصبَ أعيننا خطورةَ الوضع وحساسيتَه وتأثيراتِه المستقبلية المصيرية، ولنصنع بوحدتنا تجربةً رائدة وخلاّقة ونحن مجتمعين حولَ مائدةٍ مستديرة، وليتقدمنا المضحّون والغيورون والأكفاء، وليكن الآخرون سنداً ودعماً لقدراتنا بتجُّرد ونكران ذات، لنثبتَ للعالم اننا أبناءُ أولئك الأجداد العِظام المبدعين.
(أنْ تُضيءَ شمعة خيرٌ من أن تلعنَ الظلام).