المحرر موضوع: حوار مع الشّاعرة فيفيان صليوا: أنا حاضرة في الغياب وغائبة في الحاضر  (زيارة 1636 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عنكاوا دوت كوم

  • مشرف
  • عضو مميز متقدم
  • *
  • مشاركة: 37773
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
حوار مع الشّاعرة فيفيان صليوا:

أنا حاضرة في الغياب وغائبة في الحاضر


عنكاوا دوت كوم/الزمان/صبري يوسف

تعودُ الشَّاعرة العراقيّة فيفيان صليوا إلى الأضواءِ بعدَ اعتكافٍ طويلٍ، وقد نبتتْ في أرضٍ شعريّة عراقيّة خصبة، من أسرةٍ تهتمّ بالأدب والثّقافة والإبداع، من أحفادِ حضارة ما بين النّهرين، أحفاد كلكامش. ظهرَت ميولها في كتابة الشِّعر منذُ أن كانت في الخامسةِ عشرة من عمرها، وتمكَّنَتْ أن تحقِّقَ حضوراً على السّاحةِ الشِّعريّة خلال فترة قصيرة. وإنّ الإعدام الّذي تمَّ تحتَ التّعذيب لكلّ من جدّها وجدّتها وعمّاتها الأربع وعمّها وزوجته وطفلته الّتي لم تتجاوز شهرها الرّابع من قِبلِ فرقة الإعدام الصدّاميّة في العراق، وبعدها توارتْ فيفيان من بين أيدي الجلّادين، وهي طفلة يانعة، وبقي هذا الموت التّراجيدي ملتصقاً في ذاكرتها، وربمّا يبقى إلى الأبد، موتٌ يرعب الجبال، فكيفَ بصبيّة في مقتبلِ العمرِ، وعندما انتهى بها المطاف إلى السُّويد، لم تجد الشَّاعرة أمامها سوى الكلمة، تشهرها في وجهِ الطُّغاة، فولدَت القصيدة من رحمِ الأحزان المتدفِّقة على مساحاتِ روحها وقلبها، فجاءت نصوص الدِّيوان الأوَّل (أحزان الفصول) محفوفة بالأنين والألم، إنّه قدر الشّعراء أن يحملوا بين أجنحتهم أحزاناً تهزُّ كاهلَ الجبالِ، وأمّا ديوانها الثَّاني (أطيان) فقد أخذ بُعداً جديداً، تناولت فيه الشّاعرة قضايا إنسانيّة عديدة، إضافةً إلى قضايا وطنها المخبّأ بين تعاريج أحلامها وقلبها، وهناك تقنيات جديدة وبناء فنّي مكثَّف في غايةِ الشّفافيّة والإبداع في نصوصِ ديوانها (أطيان)، ممّا جعل عدد غير قليل من الشّعراء والنّقّاد الوقوف مليّاً عند تجربتها الشّعريّة، أمثال النّاقد حاتم الصّكر الّذي أكّد على “فرادة تجربتها الإبداعيّة وتميّزها في المشهد الشِّعري التّسعيني”. كما أشاد بعض الشُّعراء والقصّاصين والنّقاد وتناولوا نصوصها بالدَّرس والتّحليل أمثال الشّاعر عبد الكريم الكاصد والنّاقد غالب الشابندر والقاص إبراهيم أحمد والشّاعر عبدالقادر الجنّابي والأب الشّاعر يوسف سعيد، وكتّاب وشعراء آخرون.

تقيم الشّاعرة في لندن، وقد تواصلتُ معها عبر الشَّبكة العنكبوتيّة لإعداد حوار معها حول تجربتها الشِّعريّة، فوافقت برحابة صدر وَوُلِدَ الحوارُ التّالي:

{ أراكِ منغمسةً في عوالمِ وفضاءاتِ الشِّعرِ دونَ غيرهُ من الأجناسِ الأدبيّةِ، ما سرّ هذا الشّغف في كتابةِ الشّعرِ بهذهِ العذوبة؟!

وكأنّكَ تقولُ للسمكة لماذا لا تسبحين في الغبار؟ أنا هنا سمكة والشِّعر هو البحر وإذا خرجتُ من ينابيع الشّعر، أفقدُ مهارتي في السّباحة. بالنّسبة لي الشّعر هو الأدب كلّه. أنا في فضاءِ الشّعرِ كالغيومِ المعلّقة الّتي لا هي في السّماءِ ولا هي على الأرضِ. أنا دائماً ضائعة والشِّعر يساعدني أن أجدَ نفسي بعدَ ضياعٍ ما. أضع نفسي دائماً بمكان الشَّيء الّذي أكتبُ عنه وأتحوّل إلى حالة الوعي واللّاوعي وهذا يأخذني أبعد ما يكون من الشّعر. كما أنَّ الشَّعرَ أثبتَ لي إنّه قادر أن يخرجني خارج هذه الدَّائرة المسمّاة “الأرض” لبضع دقائق وإعادتي إلى حيث كنتُ. إنّها أشبه بانتفاضة الذّات على كلِّ ما هو سلبي. كما أعتبر الشّعر مهدِّئاً لي لا أجده خارج المنظومة الشّعريّة.

{ كيف تولدُ عندكِ القصيدة، الصّورة الشِّعريّة، ما هي مراحل ولادة القصيدة؟!

عندما أتوقُ إلى رؤية شعوري المضطرب، جثّةً هامدةً تخرجُ منِّي قصيدة. هي المكان للأخذِ بالثَّأر من كلِّ معاناتي القديمة منها والجديدة، هي طوال الوقت مقبرة لبقايا أحزاني وانفعالاتي. التّعمّق في اللّاشيء يأخذني إلى شيء وهو أنَّ “أنا” كلّي لستُ غير وهم، بل خيال يكتبُ خيالاً آخر. سابقاً كانت القصيدة تناديني لأكتبها أمّا الآن اختلف الأمر، بتُّ أنا أناديها لأكتبها، هنا أقصد أنَّ القصيدةَ تكون في انتظاري متى ما شئت. مدهشٌ جداً أن تكونَ القصيدةُ في انتظارِ وصولي. مشكلتي في الكتابة أنّي لستُ قادرة على الكتابة إلّا عندَ قدومِ اللَّيلِ. لابدَّ أن تكونَ السَّماءُ ليلاً لكي أكتبَ، هذه ليست حالة عاديّة أبداً، من المفروض أن أكتبَ وأنا في النّهارِ كما في اللَّيل. لابدَّ أن يكون الهدوءُ والصَّمتُ متسلِّطاً على كلِّ شيء خارجي، وأن لا أشعر بدوران الأرض واهتزازها وأشعر أنّني الوحيدة على الأرض كي أبدأ في أوِّل سطر من الشِّعر. في الماضي كتبتُ في النّهارِ ولم يكُنْ لي أي مشكلة، لكن في الوقت الحاضر لا أكتبُ شعراً في النّهار بتاتاً.

{ من هم أصدقاؤك الشُّعراء، هل تأثرّتِ أو استفدْتِ من تجاربهم الشِّعريّة؟!

من أقربِ الشُّعراء لي كانَ الشّاعرُ الكبير الرّاحل كاظم السماوي، كان صديقي وصديق والدي. كنّا نلتقي كل يوم تقريباً في ستوكهولم وكان يحدِّثني دائماً عن الشِّعرِ وعن مقتلِ ابنه الشّهيد، كان يتذكّرهُ كلّ لحظة. كان يحدِّثني بغصّةٍ كبيرة عن المنافي الكثيرة الّتى مرَّ بها حتّى وصولِهِ إلى السُّويد. كان يحملُ ألمه معه أينما ذهب. ساعدني كثيراً في إصدارِ مجموعتي الشِّعريّة الأولى “أحزان الفصول” وعرَّفني بالكاتب والقاص الكبير إبراهيم أحمد. كان دائماً يوجِّه لي النّصائح في الشِّعرِ وفي الحياةِ. وكانَ بعض الأحيان يعطيني دروساً في اللُّغةِ العربيّة لأنِّي درستُ اللُّغة العربيّة أصلاً في السّويد، ولم أدرسها في العراق، لأنَّ عمّتي أخرجتني من المدرسة خوفاً علي من أمن ومخابرات صدّام حسين، كانوا يبحثون عنّي بعد أن عرفوا أنّي ابنة مطلوب لهم، فرَّ إلى الخارج وكان دائماً الأمن والمخابرات يطوِّقون مدرستي للبحثِ عنِّي، وأكثر المرّات كانت مديرة المدرسة تهرِّبني قبلَ وصولهم إلى الصَّفِ الّذي كنتُ فيه. كان اسمها مريم، لازلتُ أتذكّرها في مدرسة باعوث للبنات في عنكاوا وبقيتُ بعدها أكثر من سنة محبوسة ومختبئة من الأمن والمخابرات في غرفة لم أرَ فيها الشّارع نهائيّاً. وكنتُ وقتها أقرأ الكثير من الكتب والجرائد لكي لا أنسى ما تعلّمته في المدرسة. وهكذا ذهبتْ فرصتي في الدِّراسة من أجل الحفاظ على حياتي. كانَ الشّاعر الكبير كاظم السماوي صديقي الدّائم وأقرب شخص لي بعد أمِّي وأبي، كنتُ أحدِّثهُ عن حياتي وكان يحدِّثني عن حياته. ماتَ تحتَ سماء غريبة، كانت رحيمة عليه أكثر من سماءِ وطنِهِ العراق. أكثريّة الشّعراء العراقيين المغتربين مصابين بمرض المنفى. جسدهم في الخارج وروحهم تتجوَّل داخل العراق. وعند انتقالي إلى لندن تعرَّفتُ على بعضِ الكتّابِ والشُّعراءِ العراقيين منهم الشّاعر المبدع عدنان الصائغ والشَّاعر الكبير عبد الكريم كاصد الّذي أعتزُّ بصداقته كثيراً ونحنُ دائماً على تواصل، وهو شخص غالي على قلبي جدّاً. وفي الحقيقة تأثَّرت في بداياتي الشِّعريّة بالشّاعر السُّويدي توماس ترانسترومر. وتأثّرتُ بشعر الكبير كاظم السماوي وبشعر الكبير عبد الكريم كاصد، أنّهما من الشُّعراء العظماء حقّاً. أحبُّ تجربتهما الشِّعريّة وأعيدُ قراءة دواوينهما مرَّتين، مرَّة في قلبي ومرّة في ذهني.

{ ما دور الحلم، الخيال، الطّموح في بناء القصيدة وانبعاث فضاءاتها، كيفَ تتشكّلُ عندكِ القصيدة؟!

أنا لستُ حالمة، ولا أريدُ أن أكونَ حالمةً. الحلمُ إلى حدٍّ ما هو قسوة لأنَّ بعد مرور الوقت يظهرُ لك بشكل كابوس أي الحلم يرتدي قناعاً. في البداية يظهر لنا الحلم، ثمَّ ينزع قناعه لنرى حقيقته. من الأفضل أن لا أحلم حتَّى لو قليلاً. تنامُ لتحلم وتستيقظُ لتحلم، ما هذا الجنون الّذي يأخذ الذّات إلى فراغات تمرُّ عبرها مشاهد غير حقيقيّة. أفضّل الخيال عن الحلم، انتبه أنّهما ليسا من أصلٍ واحد. الخيال لا يتحوَّل إلى كابوس مهما أخذك إلى ما هو أبعد منه. كتابة الشّعر تسنتدُ على الخيال ليبدو شبيهاً بالواقع. ممكن جدّاً للحلم أن يتعفّن، لكنَّ الخيال كلّما ذهبْتَ إليه تراه أجمل من ذي قبل. كانَ لي أحلام قديمة كثيرة دفنتها ونسيتُ المكان الّذي دفنتها فيه وأكملتُ طريقي بدونها. أنا لا أحلم، وأنا أحبُّ هذا، لو حلمتُ هذا يعني أنّي سأخطَأ بحقِّ نفسي وبحقِّ شعري، لأنّ الحلمَ يجعلني أن أكتبَ الصّفر. أقول في إحدى قصائدي: “ليست العبقرية أن أحلم، بل أن لا أحلم أبداً”. أنا دائماً بلا حلم وهذا يشكِّل عندي قصيدة على الدَّوام.

{ نصوصُكِ تتميّزُ بالتّكثيفِ والاختزالِ، وغالباً ما تكونُ مقاطع وومضات شعريّة، ألا يراودُكِ أن تكتبي قصائد طويلة، بطريقةٍ انسيابيّة إضافةً إلى المقاطع الشِّعريّة الّتي تكتبينها؟!

أنا أجيدُ خلاصة الفكرة ولا أحتاج إلى الثَّرثرة الزّائدة في الشِّعر. هذه مزاجيّتي في الكتابة. وهذا أسلوبي الّذي أتميّزُ به ولا أحبُّ أن أغيّره. أنا أزرع شجرة على الورق وهذه الشَّجرة عليها أن تكون ذات فروع كثيرة وأغصان عديدة. هل رأيتَ في حياتك شجرة من دون فروع وأغصان؟! فإذا رأيتَ شجرة كهذه تكون ليست شجرة، بل شيئاً آخر يشبه الشّجرة. أنا أنفر من الشَّرحِ الطَّويلِ في القصائد. أنا أكتبُ شعراً، لا أكتبُ قصصاً لتخضع للشرحِ والمماطلة. التَّفسيرات الطَّويلة والمملّة لا تليق بالشِّعر. القصائد القصيرة هي قلب الشّعر النَّابض. باعتقادي القصائد القصيرة هي الأكثر جدّيّة من القصائد الطَّويلة. أنا والقصائد القصيرة كالّذي يذهبُ للبحر، يأخذ بعضاً منه في اليد ليسقط نقطة، نقطة وهذه النّقطة الصّغيرة عند عودتها للبحر، تسقطُ وتنتجُ صدمةً وضغطاً. لا أتمنَّى الخروج من القصيدة القصيرة إلى الطّويلة، وإلّا أكون قد فعلتُ ما لم أكُنْ أريد فعله.

{ ديوان “أطيان” و”أحزان الفصول” حقَّقا نجاحاً طيّباً، لماذا لم تتابعي نشر دواوين جديدة، لماذا ابتعدْتِ عن الأضواءِ في الآونة الأخيرة ولم تصدري إصدارات جديدة؟!

وفاة والدتي كان سبب ابتعادي. اصرار والدي وبعض الشّعراء الأصدقاء أعادني إلى الكتابة. عدتُ وكتبتُ

لبعضِ الوقتِ، ثمَّ بعدَ وقتٍ قصير توفي والدي لأنّه لم يتحمَّل وفاة والدتي وتوفِّي بعدها بفترة قصيرة. أنا هكذا دائماً خارج السّعادة لا أستطيع حتّى استعارتها من الزّمن. الموتُ أوَّل ديكتاتور عرفه التّاريخ. يأتي ويأخذ ما يشاء من الأرواح بكلِّ تعسُّف وطغيان. طالما هناك موت فنحن لسنا أحراراً أبداً ولن نكونَ أحراراً. عندما لا نموت، سنكون في حرِّية عظيمة، حرِّيّة خارقة. لا مزيد من الحياة هكذا يقول الموت. الحزن والضّجر يلتصقان بي، يسيئان لي وأنا بدوري أحزن بغزارة. لا أعرف البخل في الحزن، مع الأسف. لكن أخرج من حجرة الحزن إلى حجرة الشِّعر للكتابة وهكذا أفقد الاتصال بحزني للحظات قصيرة، لحظات نادرة أشعر فيها بالارتياح. هذه اللّحظات المدهشة كلّها هي الآن قصائد، ستصدر قريباً في ديوان على قيدِ التّحضيرِ. لا أريد الحديث عنه كثيراً لأنّه لم يصدر بعد وسيأخذ بعضاً من الوقت، لحين الانتهاء منه.

{ تتيحُ العزلةُ والاختلاءُ معَ النّفسِ مراجعة الذّاتِ، والتّأمُّلِ، ما هي الأفكار الّتي انتابتك خلال عزلتكِ؟!

الوحدة تفضِّلني، لا تريد فراقي، فكيف أفارق من لا يريدُ فراقي. إنّها تتكاثرُ بجانبي. أنا منذ طفولتي العالم ضدِّي وعندما كبرتُ صرتُ أنا ضدّ العالم. أحياناً السّلبيّة تكون في صالحك وتستغلُّ هذه السّلبيّة بكثرة من دون أن تشعرَ إنّها سلبيّة، وإنّها تسيء إليك بشكلٍ أو بآخر. العزلةُ فعل قديم جدَّاً منذُ الإنسان الأوَّل. الوحدةُ ليست فشلاً، بل نجاحاً في الهروبِ. لا أعتبرُ العزلة مراجعة الذّات لانَّ عندَ العزلة كل الذّات تنسحبُ إلى الوراءِ وتخلطُ كل الحاضر بالماضي. العزلةُ تعني أنتَ في الماضي والحاضر في غياب تام. بعد وفاة أمِّي ووفاة أبي عالمي كله أصبح كابوساً، وقبله الكابوس الّذي عشته في العراق. ليسَ هناك اختلاف بين كابوس الحاضر وكابوس الماضي الَّذي عشته في طفولتي رغم أنّي كنتُ طفلةً مدلَّلةً جدَّاً وسعيدة جدَّاً في بيتِ جدِّي قبل مقتلهم. طالما هناك محنة سيكون هناك عزلة.

    الحياةُ مجموعةُ محطّاتٍ وهي رحلة عابرة وخاطفة مهما عاش المرء طويلاً، كيفَ تنظرينَ إلى محطّاتِ عمرِكِ؟ محطّةُ العراقِ، محطّةُ ستوكهولم وأخيراً محطّةُ لندن، وكيفَ ترينَ الحياةَ عبر محطّاتها؟

عندما كنت طفلة صغيرة ومازلت أتذكَّر يوم داهم أكثر من خمسين رجلاً من رجالاتِ الأمن والمخابرات بيت جدِّي في عنكاوا الَّذي نشأتُ وترعرعتُ فيه منذ أن كان عمري عاماً واحداً. رأيتُ بأمِّ عيني كيف اقتاد رجال الأمن جدِّي وجدّتي وعمّاتي الأربع اللّواتي كنَّ في مقتبلِ العمرِ أصغرهم كان عمرها سبعة عشر عاماً وكدتُ أن أنتهي معهم بعد أن ركبتُ العربة العسكريّة بملء ارادتي حتّى أكون معهم  لكن جدِّي أنقذني من بين أيديهم وصاح بي وطلبَ منِّي أن أغادر عربة رجال صدّام حسين ورفضتُ النُّزول من العربةِ وقلتُ لجدِّي سآتي معكم، أريد أن أكونَ معكم وبعدها قال جدِّي لرجال الأمن والمخابرات أنّي لستُ ابنته بل ابنة ابن له يخدم في الجيش ولست ابنة أحد المطلوبين لهم، لكن الحقيقة أنَّ أبي كان مطلوباً من قبل سلطات صدّام منذ أن فتحتُ عيني على الدُّنيا. أتذكَّر عند رفضي النّزول من العربة جدّي قال لي: “يا اِبنتي حياتنا دُمِّرتْ لا تدمِّري حياتَكِ معنا” جملة جدِّي بقيت ملتصقة في ذهني ولم تتركني هذه الجملة ثانية واحدة. بعدها جاء واحد من الأمن والمخابرات أمسك بثوبي من الخلف وأخرجني من العربة وألقى بي على الأرض بكلِّ قوّته وأنا أصرخ به وأقول: “لا لا لا تصدِّق جدّي أنا اِبنته”، لكي لا يخرجني من العربة ويأخذونهم وأبقى وحيدة. هنا أخذهم كلّهم في عربة عسكريّة مفتوحة وهم ينظرون إلي وأنا أنظر إليهم وأبكي. كنتُ أعرف أنّي لن أراهم مرّة ثانية في حياتي. وبعد فترة قصيرة تمّ اختفاء كل بيت جدِّي في سجونِ المجرم صدّام حسين السّرِّيّة ولم نكُن نستطيعُ معرفة أي شيء عنهم. بقيتُ وحيدة في بيت جدّي الكبير لا أحد معي. لا أعرف أين أذهب وإلى مَن أذهب. جلستُ أبكي إلى أن هرعَ بعضٌ من الجيران لإخبار عمّتي، كانت تعيش في بيتٍ آخر لتأتي وتأخذني. وعمّتي هذه لم يعتقلوها لأنّها كانت متزوِّجة وزوجها كان مفقوداً في الحرب العراقيّة الإيرانيّة وإلى الآن لا نعرفُ عنه شيئاً، هذا يعني أنّه قُتلَ في الحرب. وبقيتُ في كنفِ عمّتي برناديت ربّتني مع ابنتها لأنّ أمّي وأبي واخوتي كانوا آنذاك يعيشون في السّويد. والدي كان أحد المطلوبين للسلطات البعثيّة وسبقَ أن أعتُقِلَ وعُذِّبَ أشدّ التّعذيب في السّجونِ وكان مضطرّاً للفرار من العراق. لكنّي رفضتُ حينها أن أفرّ معهم وهربتُ من البيتِ وأخفيتِ نفسي يومين في خرابة قريبة من بيت جدِّي ولم يكُنْ أحد يدري أين أنا؟ بحثوا عنِّي كثيراً ولم يجدوني حتّى بلغ أبي حدّاً لم يتمكّن من الانتظارِ أكثر، فغادرَ العراق ومعهُ أمّي واخوتي. كما قلت في حوار سابق التقيت بأبي وأمِّي بعد انقضاءِ سنين طويلة وفراري من العراق إلى تركيا سيرأ على الأقدام أيّاماً عديدة تسلَّقتُ فيها على خمسة جبال شاهقة كنتُ أعدّهم واحداً تلو الآخر، كان هذا عام 1991 عندما كنتُ في الخامسة عشر من عمري رأيت فيها أناساً كثيرين يلاقون حتفهم من الثّلج والبرد والجوع، والقصف الصّدّامي الّذي كان يستهدفنا طيلة الطَّريق من شمال العراق إلى الحدود التّركيّة. وبعد عذاب كبير وبعد مكوثي لفترة في مخيّمات اللُّجوء على الحدود التّركيّة بعثَ أبي وأمِّي شخصاً سويديَّاً كان صديق لهم يدعى “بنتولف” لنقلي من الحدودِ التّركيّة إلى إسطنبول من ثمّ إلى أنقرة، ثمَّ إلى ستوكهولم، لأنّ أوراقي كلّها كانت سويديّة ولكن لم أكُنْ أستطيع الفرار من العراق بعد اعتقال بيت جدي. عندما وصلتُ إلى مطارِ السُّويد كانت لحظة اللِّقاء أشبه بخيال، كانت تلك اللّحظة المرّة الأولى الّتي ألتقي فيها بأمِّي وأبي وبإخوتي وأخواتي. لم أكُنْ أتذكّر ملامحهم جيّداً لأنّهم فرّوا من العراق عندما كنت طفلة. كنتُ في شوقٍ كبيرٍ لرؤيتهم. أن يكون لك أب وأم هذا عالم آخر كنتُ أتمنّى هذا العالم دائماً وكنتُ أعيشه في خيالي باستمرار. وعلمتُ بعد حين أنَّ نظام صدّام أعدم جدِّي وجدَّتي وعمَّاتي الأربع وعمّي وزوجته وطفلته الّتي لم يتجاوز عمرها أربعة شهور. وبدأتُ حياةً جديدةً في السُّويد، وأصبح “بنتولف” معلّمي في تدريس اللُّغة السُّويديّة في المدرسة، وكان رجلاً طيّباً للغاية لن أنساه أبداً. اعتبرني هو وزوجته ابنة لهم، لم يُرزقان بأطفالٍ، وبعدَ فترة من مكوثي في السُّويد صُدِمْتُ بخبر انتحاره. من جديد أشَّرَ الحزنُ لي، وقال: “أنا هنا”. علمتُ من زوجته أنّه كان يعاني من مرض، وهذا المرض لم يكُن له علاجاً. لم يتحمّل الألم! الموت أوقفَ ألمه وجعلَ ألمي يبدأ. هنا قرَّرتُ أن أضيفَ منفى آخر إلى حياتي وكانت بريطانيا بعد المنفى العراقي والمنفى السّويدي. الحياة كلها منفى.

{ ما رأيكِ في وسائل التّواصل الاجتماعي والشّبكة العنكبوتيّة الانترنيت، الانستغرام أو الفيس بوك أو أيّة وسيلة أخرى تطلِّين من خلالها وتتواصلين عبرها مع العالم؟!

أنا الّتي كنتُ في عزلة مفرطة وأحسستُ ولا زلتُ أنَّ العزلة الّتي عزلتني عن العالم هي لي وأنا لها وأي خروج منها يعتبرُ خرقاً لقوانين وضعتها. تستطيع أن تقول أنّني تعلَّقتُ بعزلتي. ولِمَ لا أتعلَّق بها وأنا لدي القليل، القليل من السّعادة. لم أكافح عزلتي ولم أفكِّر أن أكافحَ ضدَّها لأنّها بكلِّ سهولة عالمٌ لا يتكرّرُ حسب اعتقادي ودهرٌ من الهدوء. هنا جاءَ فيروس كورونا وأدخلَ العالم كلّه في عزلة وصرتُ أحدّث نفسي وأقول: “العالم كلّه يقلِّد عزلتي، يالخيبة!”. وقمتُ ونفضتُ غبار عزلتي عنّي ليس كلّه، بل القليل منه فقط واتّجهت إلى الهاتف النّقال وأنزلتُ تطبيق الانستغرام. فوجدتُ نفسي في مكان يبدو مزدحماً جدّاً بالكلمات، والصُّور والضّجيجِ غير المرتّب. للوهلةِ الأولى أحسستُ أنّي في مكان سعيد جدّاً وعلي أن أبقيه كنافذة مفتوحة للتنفُّس منها في العزلة. هكذا كذبتُ على نفسي على أنّي خرجتُ من عزلتي. وصدّقتُ كذبتي الجميلة.

{ اشتغلتِ فترة من الزَّمن في تلفزيون المعارضة العراقيّة في لندن، ماذا قدّمتِ خلال فترة اشتغالكِ في هذه الفضائيّة من أفكار ووجهات نظر وبرامج؟!

نعم عملتُ لفترة قصيرة في تلفزيون المعارضة العراقيّة في لندن أعتقد كان هذا عام 2001. في البداية كنتُ متحمّسة لهذا جدَّاً وكنتُ أريدُ أن ألعبَ دوراً ما ضدّ المجرم المقبور صدّام حسين، والمعارضة العراقيّة وفَّرتْ لي هذه الفرصة لألعب هذا الدّور. كان مهمّ جدّاً أن أكونَ في مكانٍ، هدفه فضح جرائم الدّيكتاتور صدّام حسين ونشر ملفّات القتل والتّعذيب في سجونه السِّريّة وكانت عائلتي كلّها في تلك السّجون السّرّيّة لا نعرف عنها شيئاً حتّى عام 1991? وتمّ العثور على بعضٍ من عائلتي في المقابر الجماعيّة وبعض منهم غُيّبوا في مقابر جماعيّة أخرى، ولم يتم العثور عليهم حتّى الآن. كان الهدف من تلفزيون المعارضة أن يفيق الشَّعب العراقي وينتفض ضدّ النّظام الدّيكتاتوري البعثي. لكن لم يستمر تلفزيون المعارضة العراقيّة طويلاً وتوقّف بسبب وقف الدَّعم المادّي من الإدارة الأمريكيّة. كان مهم للغاية عندي أن أشارك في عمل ضدّ الدّيكتاتور الفاشي الّذي أعدم عائلتي كلّها. في هذه الفترة من الزّمن أحببتُ العمل كمذيعة لكنِّي لم استمر رغم العروض الكثيرة الّتي عُرِضَتْ علي من محطّاتٍ أخرى عراقيّة وغير عراقيّة، لكن بعد ذلك بكلِّ بساطة لم يجذبني التّلفزيون ولم يحرِّك مشاعري.

{ كيفَ تنظرينَ إلى حياةِ الإنسان، وما رأيك بإنسان هذا الزّمان وممارساته فيما يتعلَّقُ بالحروبِ والصِّراعاتِ، وتفكُّك علاقات البشر مع بعضهم بعضاً، وهل تستوحي من هذه العوالم نصوصاً شعريّة؟!

طالما نحن لسنا في الجنّة سيكون هناك شرّ ترتكبه البشريّة في كلِّ زمان ومكان. هذا تاريخ الإنسان منذ نشأته. النّجاح في الشّر والفشل في الخير. إنّها كجينات كارثيّة يتمُّ وراثتها من زمن لآخر. الحقيقة هي أنّ أكثريّة البشر أشرار. وطالما أكثريّة البشر أشرار فلن يكُنْ هناك نهاية للحروب والصِّراعات بكلِّ أشكالها. لو كان هناك كاميرا تلتقط صوراً لدواخل الكائن البشري ليرى شرّه قبل أن يرتكبه، ربَّما هذا كان يساعده لعدم ارتكاب هذا الشّر، ولكن المشكلة في الّذين يمكنهم أن يروا لكنّهم لا يستطيعون الفهم. الكارثة هي تحوّل نصف الكائنات البشريّة إلى أحجار متحرّكة. للأسف هكذا هو الإنسان مع الحياة وليس العكس. منذُ بداية الحياة والشَّيطان معها، لهذا من المستحيل فصلهم عن بعضهم البعض. الشّعرُ هو بطل يحملُ جنونَ الشُّعراءِ الّذين معظمهم إذا لم يعيشوا في الحرب يكونوا قد عاشوا اضطهادات أخرى ومعاناة أخرى. كلّما عنَّفتني الحياة، أنقذني الشّعر منها. أن أعاني، هذا يعني أن تعاني قصائدي معي. لذلك قصائدي يقظة لكلِّ المعاناة الحاصلة على الأرض ولا أقبلُ بشعرٍ فاقدَ الوعي.

{ ما رأيكَ بالصّداقة، الحب، الفرح، والموسيقى، وهل تنعكسُ هذه المفاهيم عبر الكتابة الشِّعريّة؟

أحسُّهم مثل الرِّيح، أشعر بهم لكنَّني لا أستطيع لمسهم، وأنا الشَّيء الّذي لا يمكن لمسه لا أثق به طويلاً. ولكن الموسيقى لها ميزة السَّماع لذلك أصدِّق وجودها. الموسيقى فلسفة لا تكتب. الموسيقى عالم غير فاشل. برأيي كل الموسيقى الّتي خلقت هي ناجحة ولا يوجد موسيقى فاشلة على الإطلاق. رغم أن الموسيقى تعني لي الكثير، الكثير وتحدّثني بلغةِ السّعادة المفقودة، إلّا أنّي لم أكتب قصائد عنها. كثير من الأحيان أكتبُ من دون أن أقرّرَ عن الشَّيءِ الَّذي سأكتبُ عنه، لكن كل اجتهادي واصراري يكون نحو عمق ما سأكتبه. أكتبُ ما أحسُّ تجاههُ بالضّغينة ليس دائماً ولكن في كثير من الأحيان.

{ كيفَ هي علاقتكِ مع ذاتكِ، معَ أحلامِكِ وعوالمِكِ ومعَ الآخر، هل ثمّة توازن في هذه العلاقات، وكيفَ تحقِّقينَ هذا التّوازن أم أنّكِ تجدينَ صعوبةً في تحقيقِ الوئامِ والتَّوازنِ معَ هذه العوالم المتشابكة؟

أنا بلا حلم، أجل أنا بلا حلم. أحزاني هي سبب انفصالي عن الأحلام. الحقيقة تثبتُ أنَّ الحلمَ والسَّعادةَ لا يبقيان الفرد على قيدِ الحياةِ. بدأ معي الحزنُ منذُ الطُّفولة يوم إعدام 9 أشخاص من بيت جدّي في يوم واحد واستمرَّ الحزنُ بعدَ أن فقدتُ أمِّي وأبي. ببساطة شديدة لدي مشكلة كبيرة معَ الحزن، أنّه غيّر كل شيء في داخلي. غيَّر رؤيتي إلى كلِّ ما هو حولي. الأحلام مخادعة وبوجوهٍ كثيرة، أمَّا الحزن يكون جدِّياً وبوجهٍ واحد، هذا لا يعني أنِّي أحبُّ الحزن، أنا أقصد الحلم والحزن هم من عائلة واحدة. الحلم يعذِّب والحزن يعذِّب. لا أدري هناك شيء ما في الجسد يعيد تدوير الحزن. أتمنّى أن أحزن أقل في الأيام القادمة، لكن لا أتمنى أن أحلمَ لأنّ الأحلامَ عالم لا أثق به مطلقاً. عالم ليس له استمراريّة. أنه مجرد آلة لسلب الطّاقة من الفرد.

{ ما هي برامجكِ ومخطّطاتكِ الشِّعريّة، للمرحلةِ القادمة في الحياة، أم أنَّ المشاريع الشِّعريّة تولدُ بشكلٍ عفوي من دون أي تخطيط لها، حدّثينا عن توجُّهاتكِ الشِّعريّة للمرحلة القادمة؟!

لم أضع عادات وتقاليد لي في الشِّعر. أنا والشّعر نتعامل مع بعضنا البعض بكلِّ تلقائيّة بدون أيَّةِ تخطيطات مسبقة أو ضغوطات. كل مشاريعي الشّعريّة تأخذ انطباع روتيني في الوقتِ الحاضرِ. مرّات عديدة أنظرُ إلى نفسي أرى الشّعرَ يخرجُ من تلقاءِ نفسِهِ وخاصّةً في اللّيلِ ومرّات أيضاً أراه يهربُ منّي بسرعة، بحيث لا أستطيع الإمساك به. التّخطيط في الشِّعر ليس ضروريّاً، ولا أعرف كيف أخطِّط للمرحلة القادمة في الشّعر. أنا فقط أكتب بدونِ أي تفكير في ما سيأتي بعد ذلك.

{ تستطيعي أن تسألي نفسكِ أي سؤال يراودُكِ وتجيبي عنهُ، ما هي التَّساؤلات الَّتي تراودُكِ؟

أقول في قصيدة جديدة لي:

“لماذا أنا هنا، إذ لم أكُنْ هنا بعد ما سيكون

وبعد ما سيأتي

أنا هنا، حيث لن أكون هنا في ما هو آتٍ

أحمل على ظهري كل غياب العالم وأغيب”.

سيغزو الموت كل آثاري وسيرافقني الغياب طيلة غيابي عن العالم. لماذا الموت أطول من الحياة؟ والبقاء أقصر من الذّهاب؟ نحن في عقاب تام، كل شيء غير جميل هو عقاب لنا وكل شيء جميل هو عقاب لنا أيضاً، لأنّه دائماً يكون قصير المدى. دائماً أتساءل: لماذا أنا حاضرة في الغياب وغائبة في الحاضر؟! هنا الأجوبة كلّها عند قسوة الحياة.
أي نشر، أو إعادة تحرير لهذه المادة، دون الإشارة الى " عنكاوا كوم " يترتب عليه أجراءات قانونية


غير متصل نيسان سمو الهوزي

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 3606
    • مشاهدة الملف الشخصي
السيدة فيفيان صليوا : بعد ان قرأت قصتك فلا يمكن الإضافة او قول اي شيء ( كل شيء أقوله سيكون كذب ونفاق ) !
ولكن الانسان مضطر وهو غير قادر على الاختباء وهو حي عليه ان يعيش ويستمتع بلحظات من الحياة وان كانت قصيرة وغير حقيقية بالنسبة له ! لهذا لي سؤال يا سيدتي عسى ولعله !!!!
كيف تقضين وقتك وهل هناك لحظات سعادة في حياتك وكيف تتعاملين معها ! من الصعب جداً على إنسان واعي ويعيش في لندن ويسجن حاله طول الوقت ! يجب ان تمر لحظات ومحطات تختفي فيها الكآبة ولو وقتياً ! شنو رأيك بالصداقة مع شخص هو الآخر يعتبر صديق الكآبة والحزن ( إجا يُكحلها عماها ) ! بما ان الموت ينتظر او بالأحرى نحن ننتظره فلا سعادة حقيقية !
دائماً اكرر لا فرق بين الانسان واي بعوضه إلا بالانانية التي يتسم بها الانسان معتقداً بأنه افضل !
بالمناسبة انا تألمت عندما قرأت ما حصل لعائلتك ولا أحب كلمة الله يرحم  لهذا سوف لا اقولها !
في كل  لحظة وهينة يضطر الانسان او يتوهم بفتح صفحة جديدة ولنتهم معاً تلك اللحظة !
تحية طيبة سيدتي .

غير متصل Edward Odisho

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 132
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الاخ العزيز الاستاذ نيسان سمو الهوزي
تحياتي : تقديرا لردك الجميل ، الذي اخذني بعيدا الى حاجتي لنشره تعليقا ايجابيا ، يرجى ، الرجوع الى المنبر السياسي تحت اسم Edward Odisho الشماس ادور عوديشو مع شكري .