"آيا صوفيا" من كاتدرائيةٍ إلى مسجدٍ كبوةٌ أم صحوةٌ؟
د. صباح قيّاسبق وأن تناول العديد من الكتاب والمهتمين موضوع كاتدرائية "آيا صوفيا" من جوانب تاريخية متعددة, فلا أعتقد هنالك الحاجة لإعادة ما نُشر بل سأكتفي بالتأكيد على بعض التواريخ المهمة لأهميتها في تحديد الحدث الزمني الذي ساهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالوصول إلى الواقع المؤلم لكنيسة "أيا صوفيا" اليوم.
في عام 537م تم إكمال بناء الكنيسة على عهد الإمبراطور الروماني جستينيان الأول
في عام 1054م إنشقت الكنيسة الشرقية عن الغربية وانبثق المذهب الأرثذوكسي في الشرق. حصل الإنشقاق الكبير في عهد بابا روما "ليو التاسع", وبطريرك القسطنطينية "مايكل سيرولاريوس", حيث قام كل طرف بتحريم الطرف الآخر. للاسف الشديد, بعد 517 سنة من تشييدها لم تعد "آيا صوفيا" كنيسة جامعة شمولية.
في عام 1182م حدثت "مذبحة اللاتين الكاثوليك" في القسطنطينية حيث اضطر خلالها 60000 كاثوليكي من القاطنين في القسطنطينية لمغادرتها هرباً من الإبادة التي ألمّت بهم على يد أهالي القسطنطينية الآخرين ولم يحرك الإمبراطور ساكناً آنذاك. زاد شرخ الإنشقاق عمقاً بين الغرب والشرق نتيجة هذه المذبحة التي حصلت في عهد الإمبراطور "أندرونيكوس الاول". ربما كانت هذه المذبحة نقطة البداية في تفكك قوة الإمبراطورية البيزنطية.
في عام 1204م تم الإستيلاء على القسطنطينية خلال الحملة الصليبية الرابعة في عهد البابا " إننوسينت الثالث" وإنقسمت الإمبراطورية البيزنطية إلى دويلات متعددة ونتج عن ذلك تأسيس مقر الإمبراطورية البيزنطية في "نيقية".
في عام 1261م إستطاعت إمبراطورية نيقية من إعادة القسطنطينية بعد 57 عام من الحكم الروماني الغربي. ساهم القتال الاخير في ازدياد ضعف الإمبراطورية البيزنطية رغم انتصارها في المعركة.
خلال الفترة 1347م –1353 م أصاب الإمبراطورية البيزنطية مرض الطاعون المعروف بالموت الاسود والذي حصد ما يقارب ثلثي سكان أوربا آنذاك. زاد هذا الداء الوبيل من وهن الإمبراطورية التي لم تكتمل معافاتها من النكبات السابقة بعد.
في عام 1439م تم الإتحاد بين كنيسة روما والقسطنطينية. لكن للأسف الشديد رُفض الإتحاد بشدة من قبل غالبية الإكليروس والشعب البيزنطي برمته.
في عام 1452م تم إعادة إعلان الإتحاد بين الكنيستين في عهد البابا نيقولا الخامس. إلا أن الرجل الثاني في الإمبراطورية البيزنطية أطلق أمنيته الشهيرة قائلاً
" إنني أفضل أن أشاهد في ديار البيزنط عمائم الترك على أن أشاهد القبعة اللاتينية". وبالفعل تحقق ما أوحت له غطرسته فسقطت القسطنطينية بيد المسلمين من آل عثمان عام 1453م وتحولت كنيسة "آيا صوفيا" إلى مسجدٍ بأمر قائد غزوتها محمد العثماني. بذلك أُسدِل الستار على 916 سنة من الإيمان المسيحي الذي توّج عروس المسيح في الشرق.
في عام 1935م أمر "أتاتورك" مؤسس تركيا الفتاة بتحويل "آيا صوفيا" إلى متحف بعد 482 سنة من استعباد الكنيسة كمسجد.
في تموز من عام 2020 أعلن الرئيس التركي "أردوغان" بمرسوم صدر عن مخطط مسرحي مُدبّر بإذلال "آيا صوفيا" ثانية لتصبح مسجداً للمسلمين بعد مرور 85 سنة فقط على تحويلها إلى متحف, رغم عدم الحاجة إليها كمسجد بسبب التخمة الواضحة في عدد المساجد المتوفرة في مدينة إستنبول " ألقسطنطينية" من جهة وشحة عدد المصلين عموماً من جهة اخرى.
بغض النظر عن الدوافع والنوايا الظاهرة والمخفية, هنالك عوامل مهمة في اتخاذ مثل هذا القرار من قبل من كان إلى عهد قريب يتوسل بل يستجدي هذا وذاك كي يكون فرداً ضمن خيمة العائلة الأوربية.
أردوغان يعلم جيداً تضعضع الإيمان المسيحي في الغرب, ويعلم أن أغلبية حكام ما يسمّى بالعالم المتحضر ومعظم أفراد شعب هذا العالم تكمن عبادتهم للدولار, وتحرك مشاعرهم وتغزو عقولهم الحياة الدنيوية سواء السوية منها أو الشاذة. كما هو متيقن جداً بأن الإحتلال الإسلامي السلمي يتغلغل بحسابات مدروسة ومبرمجة ويقرض رويداً رويداً لحين إكمال إلتهام كل القيم والشرائع التي أرست ركائزها الرسالة المسيحية وعبدتها بدماء شهدائها. "أردوغان" جزء مهم من المنظومة التي تخطط لبسط النفوذ الإسلامي في كل أرجاء المعمورة ولكن ليس بالهيئة الملتحية والدشداشة المميزة, بل بربطة العنق والبدلة الإرستقراطية... ربما الكبوة التي غرستها "آيا صوفيا" ستنمو مع الأيام لتصير صحوة.
كما ان "أردوغان" على بينة من أن الكنيسة المسيحية مشتتة, بل بالأحرى لا توجد كنيسة المسيح الواحدة بل هنالك الآلاف من الكنائس التي جميعها تدافع وتدعو للإيمان بالمسيح والإلتزام بتعاليمه من جهة, ولكنها تضمر الضغينة بعضها تجاه البعض الآخرمن جهة أخرى. ،نعم "أردوغان" يعلم جيداً أن السلطة الكنسية ليست سوى كلمات وجمل روحانية, وأن الأنظمة العلمانية لن ولا تتمكن من الإنحياز لموقف الكنيسة. من ذلك يستطيع الإستنباط بسهولة أن الكنيسة والرسالة المسيحية أضعف من أن تتخذ أي موقف مؤثر على أي قرار. هل تغرس هذه الكبوة الدينية شتلة الصحوة؟
لقد أضحى التقارب الكنسي بعد "آيا صوفيا" أمراً لا بد من الأخذ به مأخذ الجد بغية تحقيقه. هنالك العديد من نقاط الإلتقاء وليس صعباً, لو توفرت النيات الصادقة, من سقي نقاط الإلتقاء كي تنمو الوحدة المسيحية المرجوة والتي هي أمل الملايين المؤمنة بالمخلّص يسوع.
ألرسالة المسيحية بحاجة إلى الصحوة التي حصلت عام 1964م حين التقى البابا القديس الراحل "يوحنا بولس الثاني" مع البطريرك "أثيناغورس الأول" في أورشليم القدس فألغى كل واحد منهما في احتفال متزامن قرار الحرمان المنوه عنه في متن المقال. وبالفعل تم بعد اللقاء التاريخي للقيادتين المسيحيتين رفع الحرمان المشترك في سنة 1965م.
آيا صوفيا- يا كنيسة كلِّ مسيحيٍّ غيورْ
آيا صوفيا
يا كنيسةَ الحكمةِ المقدّسهْ
صبراً على تلكَ الهجمةِ الشرِسهْ
إيماننا
بعد أن كان في الشرقِ عميقا
يُرَتّلُ في عمومِ آسيا
وأرضِ المغاربةِ في أفريقيا
غاصَ في بحرِ الدماءِ غريقا
تلك البقاع بالأمس عنّا فُقِدَتْ
حتى الصخرةُ الصلدةُ لها حزَنَتْ
أربعُ شقيقاتٍ لكنيستي اغْتُصِبَتْ
أبرشياتٌ لم تعُدْ كما بدأتْ
لا القدسُ ولا أنطاكيهْ
ولا القسطنطينية أو ألإسكندريهْ
كلّها أصابها التأسلمُ أو الطردُ
وسيأتي الغزاةُ على روما مِنْ بعْدُ
***
آيا صوفيا
يا كنيسةَ الحكمةِ المقدّسهْ
صبراً على تلكَ الفعلةِ النجسهْ
بناكِ في القرنِ السادس جستينيانْ
وغزاكِ في القرنِ الخامس عشرْ آلْ عُثمانْ
تحولّتِ مسجداً بسيفِ الغازي محمّدْ
كم اساءَ إليكِ وعلى قومكِ حقدْ
إغتصب النساءَ وذبحَ الرُهبانْ
أسكتَ الناقوسَ ورفعَ الأذان
وصرتِ متحفاً في القرنِ العشرينْ
بقرارِ مَنْ حجّمَ التديّنَ والدينْ
أتاتوركْ مؤسسُ تركيا الفتاةْ
رغمَ كونهِ منَ المسلمينْ
جعلَ العلمانيةَ للحُكمِ أداةْ
***
آيا صوفيا
يا كنيسةَ الحكمةِ المقدسهْ
صبراً على يدِ الغدرِ المُدنّسَهْ
تحولّتِ ثانيةً إلى مسجدِ
وعادَ قرارُ أوّلَ مُعتدي
ما تحققَ بالسيفِ ذلك الزمانْ
تكرّرَ في القرنِ الواحد والعشرينْ
بفرمانْ
دخلَ التاريخَ أردوغانْ
من باب العارِ والبُهتان
رقص على تصفيق الإخوانْ
فأساءَ إلى تعليم القرآنْ
هذا ما أكّدهُ الأزهرْ
قال عن اللعبةِ مُنكَرْ
لو حقّاً اللهُ أوصى
إذهبْ وحرر الأقصى
فهل ستبقى أردوغانْ؟
أم ستصبحَ قِردوغانْ؟
***
آيا صوفيا
أنتِ لستِ في التاريخِ وحيدهْ
كمْ كنيسةً
صلبانُها تحت الأنقاضِ مديدهْ
توهّمَ المرءُ ذاكَ الفكرُ قد ولّى
وأن حريّةَ الأديان هي الأولى
لكنَّ في كلِّ يومٍ
يُبنى على أرضِ الكنائسِ مُصلّى
كأن الإيمان عن أهله ارتحَلْ
وتلك الدماءُ نستْ ما حصلْ
فهلْ نهجرُ الإنجيلَ أم عليه نَصُرْ؟
ونجرعُ من كأسِ الحياةِ طعمَها المُرْ؟
أم ندعو للمحبّةِ بكل سرورْ؟
نبذرُ في دربِ الإيمانِ أحلى الزهورْ
نُبشّرُ بالمسيحِ عبرَ كلِّ الدهورْ
وكلُّ شهيدٍ لهُ في الملكوتِ نورْ
***
إسمعي يا أيقونة كل العصورْ
آيا صوفيا
يا كنيسة كلِّ مسيحيٍّ غيورْ
ستعودينَ ونَحْياً
ما دام الزمنُ يدورُ ويدورْ
***