حلم المسلمين في غزو اوربا واستباحتها – الجزء الرابع والاخير
بعد ان استولى العثمانيون على القسطنطينية في أيار 1453 ، اصبح الطريق ممهدا امامهم للتوغل الى قلب اوربا لانهاء الوجود المسيحي فيها ...
• في عام 1456 م احتل الاتراك اثينا فأصبحت اليونان بأكملها في قبضتهم ، لقد مارسوا نفس القتل والاستباحة والاغتصاب والتخريب وتحويل الكنائس الى جوامع .
وصل سليم الاول إلى عرش السلطنة عام 1512 بعد انقلاب قام به على أبيه " بايزيد الثاني " وقتل اخوانه بدعم من الانكشارية وخاقان القرم .
تحولّت " الغزوات " في أيامه من الغرب الاوربي الى الشرق الاسلامي... فاستولى على الشام والعراق والحجاز وتهامة ومصر ... وبعد خلعه آخر الخلفاء العباسيين في مصر (المتوكل على الله الثالث ) تحوّلت " الخلافــــــة الاسلامــــية " الى العثمانيين عام 1517 ..!! ..
ربما كان تحوّل العثمانيين لاحتلال الشرق الاسلامي لسببين : الاول تقوية السلطنة ماديا وعسكريا تمهيدا لاحتلال اوربا ، والسبب الثاني هو ظهور السلالة الصفويّة الشيعية في إيران على يد الشاه "إسماعيل الأوّل الصفوي" عام 1499، التي بدورها قامت بغزوات ( فتوحات ) لولاية شيروان والعراق وبلاد خراسان وديار بكر وأذربيجان ... شن العثمانيون هجوما كبيرا على ايران الصفوية وألحقوا بها هزيمة ساحقة في معركة تشالديران على الجانب الشرقي من الفرات في 23 أغسطس/آب 1514.
توفي سليم الأول فخلفه ابنه سليمان القانوني بالسلطنة في عام 1520 .... وبمجيئه عادت الغزوات الشرسة على اوربا المسيحية ....
أنشأ سليمان القانوني اسطولا بحريا وجيشا جرارا من الفرسان والمشاة والرماة معززا بالمدافع الضخمة ..
• هاجم المجر في معركة موهاكس عام 1526 م ..اصبحت المجر بعدها ولاية تركية . ثم استولى على Buda ( بودابست ) .
واستعمل كل الوسائل القبيحة لأسلمة رومانيا .
عجّت اسواق تركيا ( اسطنبول – اقسطنطينية سابقا -، دمشق ، بغداد ، القاهرة) بأكثر من مليوني من السبايا والعبيد يُباعون في سوق النخاسة بعد ان اصبحوا " ملك اليمين " .
يجب علينا ان نتذكر " داعش " في كل فاجعة من ثنايا التاريخ الاسلامي ....
يصف لنا كل من الكاتبين Ivo Andric مؤلف كتاب " تاريخ بوسنيا " ، و Mesa Selimovic مؤلف كتاب " الموت والدرويش " كيف تحطّمت البلدان الاوربية التي طالها الغزو العثماني ... كيف انقسم الاخوة المواطنون فيها وأصبحوا اعداء لبعضهم البعض... كيف فقدوا هويتهم الوطنية ... اصبح المواطن الذي تحوّل الى الاسلام ( بفعل فاعل ) يصف أخاه الذي بقي على المسيحية بـ " الكافر " ... وأصبح المسيحي الذي احتل العثمانيون بلاده يصف اخاه الذي تحول الى الاسلام بـ " الخائن " وعميل المحتل العثماني ... يتحدث الكاتبان عن الفضائع التي اقترفها العثمانيون في دول البلقان وصربيا وبقية الدول التي احتلتها في اوربا ...
• بعدها قام السلطان سليمان ( القانوني ) بمهاجمة النمسا التي كانت تعتبر " حصن المسيحية " عام 1529 م . لكنه فشل في اقتحامها ، وبعد خمسة اسابيع اضطر الى الانسحاب ...
في انسحابه قتل 300 ألف من الاسرى الفلاحين إذ لم يجد فيهم أية قيمة تذكر بعد ان إمتلأت اسواق الأمبراطورية العثمانية بالسبايا والعبيد !!.
• سمع " السلطان القانوني " بمؤامرة في قصره فأمر بخنق ابنيه ( ابنه البكر والذي يليه ) ، مع قتل ستة من أطفالهم . !!
• بعد ان أنجز بناء أضخم اسطول بحري ، قرر غزو اوربا عن " طريق البحر المتوسط " ... وفي عام 1565 م هاجم مالطا المسيحية واحتلها .
• في عام 1566 م مات سليمان القانوني فخلفه ابنه الثالث سليم الثاني ( كان اخواه الكبيران قد قتلا على يد ابيهم ) ...
اعتقد الاوربيون ان الخطر زال عنهم بموت السلطان سليمان ( القانوني ).... لكنهم كانوا على خطأ ....
• ففي عام 1571 م ارسل قائده " لالا مصطفى " لغزو قبرص التي كانت تحت حكم امارة فينيسيا الايطالية ... وبعد استطاعتهم النزول على الجزيرة القبرصية ، قدم حاكم الجزيرة Marcantonio Bragadino ( من اصل ايطالي ) وهو في كامل ابهته وحمايته للتفاوض ... هجمت الفرقة الانكشارية على حمايته فذبحوهم ومثّلوا بهم ، ثم انزلوا الحاكم من فرسه فجدعوا انفه وقطعوا اذنيه وطافوا به المدينة لمدة 13 يوما وهو يحمل كيس الزبالة على عنقه ويمرغون رأسه بالارض تحت اقدام القائد العثماني كل يوم ، بعدها تم شقه الى نصفين وهو لا يزال حيا ، اجبروا القبرصيين على حضور ومشاهدة إحتفالية عملية القتل .
ويتعجب البعض من اين جاءتنا داعش !!!
• و كرد فعل ، وفي السابع من اكتوبر من نفس السنة ( 1571 ) قامت امارة فينيسيا الايطالية ، الغاضبة جدا من الاعمال البربرية للعثمانيين ، بالتحالف مع اسبانيا وامارات جنوب اوربا وشكلوا اسطولا بلغ 231 سفينة وأبحروا لمهاجمة الاتراك ...قابلت الاسطول التركي المؤلف من 300 سفينة حربية ، وجرت معركة Lepanto المشهورة التي استطاع فيها الاوربيون المتمرّسون تحطيم الاسطول التركي تحطيما كاملا . ....
بهذه المعركة إنتهت والى الأبد احلام تركيا بالغزو البحري ....
( يجدر الاشارة هنا الى الحرب التي دارت بين الروس والعثمانيون عام 1768 في نزاعهم على جزيرة القرم ...وحقق الروس انتصارا بحريا ساحقا على العثمانيين في 6 يوليو 1770 أمام شواطئ إزمير )
كما يجب الاشارة ايضا ، بأن قطعة بحرية تركية اردوغانية تحرّشت قبل اسبوعين بقطعة بحرية فرنسية ..تراجعت البحرية الفرنسية لتشكو حالها !!!
• واصل العثمانيون هجومهم البري على اوربا ... هاجموا بولندا مرتين . الاولى في عام 1621 م ،( والثانية عام 1672 م بعد تولي السلطان محمد الرابع ).
• بعد ان تولى السلطان محمد الرابع الحكم عام 1648 ارسل جيشا تحت امرة القائد العثماني الأعظم " كارا مصطفى باشا " لاحتلال فيينا التي كانت تعتبر معقل المسيحية وحصنها في اوربا.... كان جيشا جرارا يضم في ثناياه 40 الفا من جيش التتار اضافة الى جيوش من البلدان الاخرى التي اصبحت تحت الحكم العثماني ، و تصحبهم قوات النخبة من الجيش الانكشاري ... ان طلائع الجيش العثماني التي حاصرت فيينا بلغت 170 الف مقاتل ، ثم اصبحت بحدود 300 الف مقاتل بعد وصول القطعات الاخرى ، كان الجيش يملك مدافع ضخمة و40 الف حصان و20 الف جمل واعدادا كبيرة من الفيلة والجواميس والابقار والغنم و 100 الف كيس من الحبوب و 50 الف كيس قهوة + 100 من الحريم والخصيان + طواويس ونعامات .
تم السير بكل هذا الحشد لمحاصرة فيينا تمهيدا لاحتلالها واستباحتها ... واقام معسكرا من 25000 خيمة اتجاهها.
شعر الاوربيون بالخطر المحدق بهم ، هبّت اوربا والمتطوعون فيها لمساعدة فيينا... وتم تشكيل حلفا بين مما كان يُعرف بالامبراطورية الرومانية المقدسة والمملكة البولندية وانضمت اليهم فينيسيا والبابا انوسنت الحادي عشر الذي ساعدهم ماليا ...وجُعل الملك البولندي يوحنا الثالث قائدا عاما للجيش ( كانت سابقة للبلدين لمثل هذا التعاون ) ...استطاع الحلف اقناع فرنسا المتحالفة مع العثمانيين بالوقوف على الحياد ...
ارسل العثمانيون مفاوضا يطلب تسليم المدينة مقابل خروج المقاتلين بسلام بلا اسلحتهم .. طبعا رُفض العرض .. الغريب في الامر ، ان الجيش العثماني كان قد ارتكب مجزرة مروعة بحق بلدة Perchtoldsdorf جنوب فيينا واستباح اهلها رغم ان البلدة رضخت لطلب العثمانيين وسلموهم مفاتيح البلدة !!.
بدأ حصارفيينا ( التي كانت تعاني من مرض الطاعون منذعام 1679 ) في 14 تموز 1683 م ، واستمر الحصار لمدة شهرين عانت فيها المدينة من الجوع والمرض والقصف اليومي .
في 11 سبتمبر من نفس السنة ، وبعد ان وجد المُحاصرون بأن ثغرات كبيرة حصلت في أسوار المدينة نتيجة القصف المدفعي العثماني ، وبعد وصول قوات الاسناد والدعم البولندية والاوربية بعد ان ستطاعت شق طريقها عنوة وتعبر جسر "الدونة" إلى المدينة المحاصرة بغية تعزيز القوة المدافعة ليصل عددها الى حوالي 70 الف مقالتل ...عندئذ قرروا ركوب المخاطرة والخروج من الاسوار ومهاجمة الأتراك في الصباح الباكر من اليوم التالي ..أقاموا قداسا للصلاة والابتهال الى الله استعدادا..
هجموا على العثمانيين في الرابعة صباحا يقاتلون بلا هوادة...عند الظهر إستطاعوا شق الجيش التركي المذهول ، والذي كان يأمل ان تحدث المعركة داخل المدينة بعد اقتحامها ، الى شقين ......لكن الاتراك زجوا بقوات لشق طريقهم نحو المدينة لدخولها قبل وصول قوات الاسناد البولندية ، فتصدت لهم القوة الالمانية وأفشلت محاولتهم... بعد الظهر ، كان التعب قد نال من المقاتلين لحسم الامر مع العثمانيين... وفي الساعة الخامسة عصرا برزت فجأة قوة الاسناد البولندية التي طال انتضارها من بين الغابة المجاورة ..لم تهدر وقتا ، بل هجمت على الخطوط التركية تدمرها تحت صيحات الاستحسان والابتهاج من المقاتلين المدافعين عن فيينا...وبغية الاجهاز الكامل على الاتراك اصدر القائد البولندي امرا الى الفرسان الرابضين على التلال ( عددهم 18 الف مقاتل ) بالهجوم لتسديد الضربة القاضية على العثمانيين ... ، كان إنتصارا باهرا إنهزم فيه الاتراك وتفتت جيشهم ...
هرب القائد الأعظم " كارا مصطفى " تاركا وراءه خيامه وجٍماله وفيله ، جواميسه وبغاله ، حبوبه وقهوته ، نعاماته وطواويسه ، لكنه لم ينسى قتل حريمه وخصيانه كي لا يقعوا بأيدي " الكفار " .
اسرع بعض الرجال كالبرق يحملون الخبر سريعا الى الدول الاوربية المحتلة من قبل الاتراك ... ثارت تلك المناطق وشكّلت مجاميع مسلحةغاضبة تعمل تقتيلا في شراذم الجيش العثماني المهزوم والمنهك ...
خسر الاتراك كل المعارك الاخرى التي تلت خسارتهم في معركة فيينا .. وفي عام 1699 كانت قد خسرت هنكاريا ...
لم تستطع تركيا إستعادة قوتها الغازية نحو اوربا بعد ذلك ابدا ابدا... . لا برا ولا بحرا .
كانت معركة فيينا نقطة التحول التي اسقطت احلام الدولة الاسلامية في احتلال اوربا ...
وانت تقرأ التاريخ ، تصيبك الدهشة وانت ترى " العقلية " الغريبة لدى البعض ، والتي لا زالت تتقمص البعض وكأنها منقوشة على DNA ... فمثلا ، ان القانون الذي خوّل قتل الاخوة والابناء واولادهم درءاً للفتنة ، كان يشترط قتلهم " خنقا " !!... لماذا ؟؟ ... لأن الافتاء قال : ان سفح دم السلاطين حرام .. فأصبح خنقهم حلال ... اني لا امزح ....
ملاحظة : تم تنفيذ حكم الاعدام " خنقا " بحق قائد الحملة العثمانية الفاشلة " كارا مصطفى باشا " بناء على امر أ
صدره السلطان العثماني محمد الرابع .
متي اسو
المصادر :
• Expansion of the Ottoman Empire From 1300–1600 - By Austin Cline
• The Decline and Fall of the Ottoman Empire - Alan Palmer
• Crusades HISTORY.COM EDITORS
• Oriana falacci, The Force Of Reason 2006.
• Johannes Scheffler (1663). The causes of the Turkish invasion".
• Nicolle, David (2009). The Great Islamic Conquests ..
• Will and Ariel Durant, The Story of Civilization (1935–1975).