المحرر موضوع: ج2 اكتشاف الحب : اوراق من مدونتي الشخصية  (زيارة 388 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل مروان ياسين

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 189
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

ج2  اكتشاف الحب : اوراق من مدونتي الشخصية


                                                               
مروان ياسين الدليمي

يمضي الوقت مثل سيف مسلَّط على رأسَينَا،ولم يكن امامنا انا وزوجتي ثمة متسع من خيارات نحتمي بسواحلها،لان كل الابواب المعبأة برائحة الامل قد أُغلقت،وما عاد هناك من اطلالة ولو كاذبة تحمل لذة الحياة،فما كان لنا الا دخول تجربة الجراحة وازالة الورم السرطاني،بعد ان انعدمت كل الخيارات،وهذا سيفرض علينا ان نتسلح بما تبقى لدينا من قوة منبعها رابطة الحب التي تجمعنا لمواجهة التحولات التي ستصيب حياتنا وتترك اثارها عليها،فبدأنا نُهيءّ انفسنا  لخوض معركة طويلة مع عدو شرس لاينهزم بسهولة،ولن تكون العملية الجراحية خطوتنا الاولى والاخيرة للعبور الى ضفة الامان بقدر ما ستكون عنوانا لرحلة طويلة سنعبر فيها محطات تزدحم فيها الاوجاع والاعراض وبدايتها مع جلسات العلاج الكيميائي الاسبوعية ومن بعدها مرحلة العلاج باشعة الليزر ومن ثم الاستمرار على تناول حبوب التاماكسوفين لمدة لاتقل عن خمسة اعوام .كل هذه المعلومات استطعت ان احصل عليها واخزنها في ذاكرتي من مواقع الكترونية وانا ابحث عن كل ما يتعلق بمرض سرطان الثدي في محرك البحث كوكل،كل ثانية حاولت ان استثمرها لمعرفة اسرار هذا المرض ومايجب علينا ان نفعله حتى لانمنحه فرصة ان يتمدد اكثر،مع انني مدرك تماما بان زوجتى ليس لديها مساحة من الشك  بما يكتبه لها الله،فهي مقتنعة بكل جوارحها ومنصهرة بايمانها مع ارادة الخالق،ولاتسمح لنفسها في ان تنقطع ولو لثانية عن التسليم بهذه المشيئة القدرية،وعلى العكس منها كنت جزعا من نفسي لاني لااملك مثلها هذا الاستشعار العميق بما يمكن ان تمده السما من رحمة ورأفة،واصبحت على يقين بانها ورغم ما ستكابده من آلام لكنها ستتمكن من الوقوف على قدميها. في مقابل ذلك تولدت في داخلي قناعة راسخة بان الانسان يولد مصابا بالعمى ولن يبصر مابين يديه من ايات الحب والجمال في هذا الكون الا بعد ان يحاصره الحزن على فقدان الحياة،انذاك تستيقظ حواسه ليكتشف حقيقة الفرح الذي كان يحيط به.
مهمة العثور على  طبيب جراح يملك خبرة كبيرة تقطع الطريق امام الخوف في ان يعاودنا مرة ثانية ويبعث فينا الاطمئنان امست متاهة تجرفني انا شخصيا وتاخذني بكل الاتجاهات،كنت مثل شخص تائه في درورب مقفلة تتسارع فيها خطوات الزمن ولايبرق منها بصيص امل،فقد رافقني شعور بعدم الارتياح من امكانات الطبيب الذي شخَّص الحالة في ما لو اجرى  بنفسه العملية الجراحية رغم انه طبيب جراح،وهذا الشعور الذي كان اشبه باليقين لم يكن مبنيا على معرفة بامكاناته لكنه نابع من احساس داخلي فرض سطوته علي منذ ان كنا في العيادة،وتعمَّق هذا الاحساس لان اسمه لم يكن مشهورا ولامتداولا بين عامة الناس،اضافة الى اننا في القناة الفضائية التي اعمل فيها كنَّا قد استضفنا العشرات من الاطباء والكثير منهم تحدثوا عن مرض سرطان الثدي واشاروا في معرض احاديثهم الى اسماء معينة من الجراحين من ذوي الخبرة ولم يكن هو من بينهم،فأن تضع حياة شخص عزيز عليك تحت رحمة شخص آخر وبكامل اراداتك فهذا يعني انك سوف تتحمل مسؤولية النتائج،هذه الفكرة لوحدها ارعبتني،واعطبت اخر الخلايا في رأسي عن العمل.
بات الوقت خصمي اللدود،إذ لم يترك لي خيار ترتيب الفوضى التي اصبحت عليها حياتي،وقطع الطريق امام اي فرصة لالتقاط الانفاس،فكرتُ كثيرا بقضية اختيار الجَرَّاح الكفوء طيلة الليلة الماضية بعد ان عُدنا من عيادة الطبيب.
ورغم الارهاق الذي اصابني نتيجة التفكير وعدم استطاعتي النوم الا انني تذكرت زميلة لي كانت تعمل مهندسة بث في القناة الفضائية التي اعمل فيها،اصيبت هي الاخرى قبل خمسة اعوام بسرطان الثدي،واجرَت عملية جراحية ناجحة وهي الان تتمتع بصحة جيدة لكنها تركت العمل في القناة، فكان لابد من العثور على رقم هاتفها ومحاولة الاتصال بها،ومشكلتي انني لا املك وسيلة للتواصل معها.
تملكني احساس يشبه احساس الغريق ما أن يتفاجأ بيدٍ تمتد اليه لانقاذه بعد ان تذكرت زميلتي في العمل مقدمة البرامج فرقد ملكو التي كانت من اقرب صديقات المهندسة، وَلَدَيَّ معلومات عرفتُها منها قبل عدة اشهر تؤكد لي بانها مازالت على تواصل معها وتزورها بشكل مستمر في بيتها ومن الممكن ان ترشدنا على عيادة الطبيب الذي اجرى لها العملية. لم اعد احتمل بطىء دوران عقارب الساعة المعلقة على جدار غرفة النوم وكانت تشير الى الخامسة صباحا،فرجوت بيني وبين نفسي ان تدور باقصى سرعة  لتصل الى التاسعة حتى اجري اتصالا هاتفيا مع المذيعة فرقد .
في السنوات الاولى من حياتي الزوجية التي ابتدأت في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي،وتحت ضغط الحصار الاممي الذي فُرِض على العراق تناسيت مُكرَهاً التلصص على ما تحتويه الكتب من فضاءات معرفية وادبية كانت بتجانسها مع  تطلعاتي تحتويني وتقودني  لاكتشاف عوالم جديدة،كنت منزعجا من هذا الاكراه الذي خَضَعتُ له،تحت عبء ضغوطات البحث عن مصدر للرزق والخوف من السقوط تحت رحمة الحاجة الى الاخرين وطلب العون منهم لمواجهة الجوع،فهبطتُ الى قاع الحياة الى حيث المواجهة مع قسماتها الحادة بكل توحشها بما امتلكه من قوة بدنية متواضعة لاني اعاني منذ ولادتي من اصابتي بمرض فقر الدم،وهذا ما جعلني لااملك الحيوية الجسدية الكافية مقارنة باترابي،إذ سرعان ما تهبط لياقتي مع اي مجهود بدني ابذله،فتحاملت على ما انا عليه من ضعف وطويت عقلي الذي هو رأسمالي الوحيد الذي افتخر به والجَمتُ منابع التفكير فيه الى اشعار آخر،وحشرت نفسي مع القطيع ادور في الدوامة اليومية التي يدور في فلكها العمال والكادحون،وطيلة السنين التي كنت اعمل اجيرا مثلهم  لم يداخلهم الشك في اني لست واحدا منهم،بعد ان اتقنت معجم ولائمهم في التخاطب والتودد والشتائم والعراك،وطيلة وجودي معهم تناسيت نفسي التي اعرفها،وقطعت صلتي بشكل مؤقت مع الحروف والافكار والاسئلة التي كان وجداني يرتوي منها إلاّ اني حافظت على عقلي من الاعوجاج امام خبث المال واساليبه التي تقود النفس الى الاذلال،وكم افزعني ان اخرج من حقيقيتي الجوهري التي كنتُ قد صيَّرتُها بفضولي الدائم الى المعرفة لادخل مُرغما في ما صيرتني عليه الايام،ولتنقلب حياتي وتتداعى خارج عاداتي التي كنت قد عززتُ فيها قناعة راسخة بأن الانسان ليس مجرد خيال عابر بل هو معجزة هذا الكون .
في تمام الساعة الرابعة من عصر يوم  السبت  22 / 5 / 2016 كنّا نجلس انا وزوجتي في عيادة الجراح جمال غفوري في مركز ميديا الخاص بالاورام الخبيثة وسرطان الثدي الكائنة في وسط مدينة اربيل،وهو نفس الجراح الذي سبق ان اجرى العملية لمهندسة البث التلفزيوني.استدار ناحيتنا بعد أن اطال النظر والتدقيق في مجموعة صور اشعة المميوغرام للمنطقة المصابة من الصدر،وهذه الاشعة كانت اجراء اساسي اوصى به الدكتور غفوري قبل ان يبدأ بالكشف والمعاينة لانه سيعتمد عليها في اتخاذ قراره النهائي،فإمَّا ان يجري العملية او سيعتمد اجراء آخر.
كنا في حالة قلق وترقب شديدين بانتظار ما سيقوله،ورجوت من الله في داخلي ان يبشرنا بخبر يبعث فينا ولو شعاع امل بسيط  يؤكد لنا مثلا ان الاشعة خالية من اية اشارة على انها مصابة بالمرض،مع انني كنت مقتنعاً ان هذا مجرد حلم بعيد المنال،إلا انني حاولت ان اقاوم مخاوفي بالتمسك باية ذريعة حتى لو كانت وهماً لاخفف مما اشعر به من مواجع،ولو سألني شخص ما عن حقيقة ما اشعربه في تلك اللحظات لاجبته باني اشبِّهُ نفسي بقصر فخم تحول الى خربة مهجورة . 
كلانا لم نتوقف عن مراقبة حركة يده وهي تُمسك بالقلم وتتحرك على سطور التقرير الذي كتبه طبيب هندي يعمل في نفس المركز مختص بجهاز المميموغرام،وكلما توقَّفَتْ يده اثناء القراءة ليسحب خطاً تحت احدى الكلمات كنت اشعر بأنه قد عثر على معلومة  لاتدعو الى الاطمئنان .
تضاعف شعوري بالخوف ما ان رفع سماعة الهاتف واتصل بالطبيب الهندي وبدأ بالحديث معه باللغة الانكليزية،وفهمت من المكالمة انه يستفسر منه عن كلمة وردت في تقريره.لكنه بعد ان انهى المكالمة الهاتفية نظر الينا وهو مايزال ممسكا بالقلم الجاف..مضت ثوان معدودة بدا فيها منفصلا عما حوله كَمَنْ يحاول ان يُرتب افكاره ليصيغها بجملة واضحة ودقيقة مثل حدة مبضعه الذي يتعامل معه بحذر شديد منذ اربعين عاما اثناء اجرائه للعمليات الجراحية،ثلاثون منها كانت في مستشفيات بريطانية،لانه  ما ان تخرج من كلية الطب بجامعة الموصل حتى سافر الى المملكة المتحدة فاكمل تعليمه وبقي فيها يمارس اختصاصه كطبيب جراح الى ان عاد بعد العام 2003 الى اربيل المدينة التي ينتمي اليها وولد فيها وافتتح مع اطباء اخرين هذا المركز المتخصص لعلاج امراض سرطان الثدي بعد ان وفروا له احدث الاجهزة والمعدات الطبية  .
شعرتُ بشيء من الاضطراب والقلق ما أن وجدته يضع القلم بهدوء على تقرير الطبيب الهندي الموضوع امامه على المكتب،بدت تلك الحركة بالنسبة لي مثل من يريد ان يتخلص من شيء ما ،بعد ان وجد دوره قد انتهى ولم تعد اي فائدة ترجى منه،لكنه سرعان ما بدد خطأ هواجسي لمَّا رسم ابتسامة بانت على جميع ملامح وجهه،واعقب ذلك بجملة وجهها إلينا " اردتُ فقط ان أتأكد من نقاط سوداء صغيرة جدا، كنتُ قد لاحظتها في صورة الاشعة موزعة على الرئتين والكبد،وهذا ما اقلقني،لانها فيما لو كانت خلايا سرطانية سوف تجعلنا نؤجل اجراء العملية الجراحية لإزالة الغدد اللمفاوية والثدي ولنبدأ بدلا عن ذلك في العلاج الكيميائي لإيقاف زحف وتوسع هذه الخلايا الصغيرة،ومن بعد ان نقطع شوطا في ايقافها والقضاء عليها انذاك سنتمكن من اجراء العملية الجراحية،وبما ان الطبيب الهندي قد اكد لي بأن هذه النقاط ليست خلايا سرطانية انما هي حالة شائعة لدى العراقيين نتيجة تلوث الجو بالغبار والاتربة لذلك سنجري العملية بعد ثلاثة ايام،اي  يوم الاربعاء القادم  26 / 5 / 2016 ".
الغبطة سرت في روحي وجسدي وشعرت لحظتها وكأني اطير واحلِّقُ في السماء،ودون تفكير مسبق نهضت من مكاني وأمسكت بكف الطبيب وقبلتها،وفشلتُ في أن احبس دموع الفرح التي غلبتني خاصة بعد ان التفتُ الى زوجتي ووجدتها قد غطت وجهها بكفيها وهي تبكي.فاتجهت اليها واحتضنتها محاولا تهدئتها .كان من الممكن ان تستمر هذه اللحظة المشحونة بعواطف يختلط فيها البكاء مع الفرح  لولا ان طلب منا الطبيب ان نهدأ قليلا لان الوقت ضيق امامنا وهناك عمل لابد ان ننجزه على وجه السرعة خلال اليومين القادمين،واضاف "الخطوة الاولى ستبدأ من الان،إذ يتوجب عليكما الاتجاه فورا  الى عيادة الطبيب كاروان،وهو ليس ببعيد عن عيادتي،وسادلكم على عنوانه،حيث سيعمل على انتزاع عيِّنة صغيرة من انسجة الثدي،ثم تاخذانها مباشرة الى مختبر الدكتورة أمل المفتي وهو قريب ايضا من عيادته لاجل ان يتم زرع العينة لمعرفة طبيعة الورم حتى نقطع الشك باليقين،ونتأكد فيما إذا كان خبيثا أم حميدا قبل البدء بالعملية الجراحية ،ومن ناحيتي ساتصل بالمختبر لكي تصلني النتيجة في صباح اليوم الذي سنجري فيه العملية " .
على وجه السرعة خرجنا من العيادة وكانت عقارب ساعتي اليدوية  تشير الى الخامسة عصرا فاستقبلتنا اشعة شمس  شهر ايار وهي تودع ايامه الاخيرة،وتُذكِّرُنا بما سنشهده في الايام والاشهر القادمة من ارتفاع شديد في درجاتها كما عودنا على ذلك صيف العراق الذي لايشبه في جحيمه صيفا اخر ربما في اي بقعة اخرى من  الكرة الارضية،ومع  كارثة الانقطاعات المستمرة في التيار الكهربائي منذ مايزيد على العقدين من الزمان يتوجب على اي واحد منا ان يعد العدة لمواجهة برمجة حياته واحلامه ومشاريعه طيلة ساعات النهار وفقا لمزاج من يضع خطة تنظيم قطوعات التيار الكهربائي،فهو الذي يحدد لك متى تنام وتصحو ومتى تقرأ وتعمل وتكتب ومتى تلهو وتغتسل،ومتى تشاهد التلفاز،فلاخيار لديك في هذا العراق ان تقرر ابسط الاشياء واهمها وفقا لما تراه انت .
الى حد ما غمرني احساس من يجد نفسه قد خرج توا الى النور بعد ان كان محتجزا في غرفة تسودها عتمة شديدة،ورغم الشحوب الذي اسبغ حضوره وبقوة على ملامح زوجتي خلال الساعات الماضية إلا انني وجدتها قد استعادت شيئا من حيويتها وانقشعت عنها حالة التشنج التي كانت قد امسكت بها وجعلتها على غير طبيعتها الهادئة .
اتجه بنا سائق سيارة الاجرة الى عيادة الطبيب كاروان.وبعد انتظار في صالة المراجعين استغرق اكثر من نصف ساعة أذنت لنا السكرتيرة بالدخول الى داخل العيادة،وما لفت انتباهي اول وهلة هيئته البدينة بشكل مفرط لدرجة لم أكن اتوقع ان ارى طبيبا شابا على تلك الصورة التي لاتنسجم مع مهنته،ولكن رغم وزنه المرتفع كان نشيطا في حركته،كما ان شخصيته تبعث على الحيوية وعلى الانسجام مع المكان رغم رائحة المعقمات والمطهرات التي تشبَّع بها الهواء وكل مافي العيادة من اثاث وموجودات،اضافة الى  قسوة العمل الذي ينجزه والذي يتطلب منه ان يكون على قدر كبير من الجَلَد والصبر نظرا للالم الشديد الذي يشعر به المريض لحظة انتزاع عينة من انسجته بسرنجة خاصة اكبر حجما من تلك التي تستخدم في زرق الابر في الحالات الطبيعية حتى ان المريض لايستطيع ابدا ان يكتم صرخته.
طلبَتْ مُساعِدة الطبيب من زوجتي ان تستلقي على السرير الخاص باجراء العمليات،ثم حقنتها بابرة مخدِّر،بدا الطبيب كاروان يمتلك مهارة كبيرة في عمله وانا اتابعه في كل تفصيلة من التحضيرات التي كان يجريها قبل بدء العملية الى ان يسري مفعول المخدِّر،ثم تقدم نحوها لمعاينتها. وبعد ان تأكد من دخولها حالة الخدر والغيبوبة وانها لم تعد قادرة على ان تعي بما يدور من حولها،غرز الابرة في وسط ثديها وبدأ بسحب عينة من نسيجه بهدوء لكن مفعول التخدير تلاشى ولم يعد له اي تأثير عندما انكسر الصمت الذي كان متراصا مثل قطعة فخار وقعت على الارض،ما ان أطلقت زوجتي صرخة موجعة،ومن المؤكد ان كل الذين كانوا ينتظرون دَورَهم في صالة الانتظار قد سمعوها،فما كان مني الا ان انهض فزِعا واتجه نحوها لامسك بيدها اليسرى وامسد على جبتها وانا اردد على مسمعها بان كل شيء مضى على خير،في  محاولة مني لكي اخفف عنها المها.
الشحوب الذي بصم حضوره القوي على وجهها جعلني اتيقن بان طاقتها قد نفدت منها.فامسكت بكتفيها من الخلف لاساعدها على ان تعتدل بجسدها وتجلس على حافة السرير،طلبت مني ان اساعدها على تعديل غطاء الرأس الذي انزاح الى الخلف. وبعد ان استراحت لبضع دقائق استنَدتْ على ذراعي ونزلت عن السرير وحطت قدميها على الارض بهدوء ،بدت لي وكأنها تقدمت  في السن عشرون عاما فوق عمرها الذي لم يتجاوز العقد الرابع،لم تستطع الوقوف الا بعد ان بذلت جهدا ملحوظا لانها مازالت تحت تاثير المخدر،حتى انها عجزت عن السير بشكل طبيعي،ومن الواضح انها لم تكن قادرة على ان تحافظ على توازنها اثناء سيرها،لذا رَمت بكل ثقل جسدها عليّ.
ولما مررنا بصالة الانتظار قرأتُ سؤالا مُلِحاً في وجوه المرضى ومرافقيهم،كانوا يبحثون فيه عن الاسباب التي جعلتها تصرخ على تلك الصورة المفزعة التي كانت تشي بها عيونههم وهي تتابع سيرنا باتجاه باب العيادة الخارجي .
يتبع ...