المحرر موضوع: علقم سميل يقطفه العراقيون ...بعد سبعة وثمانون عاما, المذبحة تطارد العراقيين  (زيارة 5548 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل anleel

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 15
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
ادورد اوراها

تشخَص مذبحة سميل كعلامة فارقة في الذاكرة الجمعية الاشورية  والوعي الاشوري, فهي من دون شك مثلت مفترق طرق اخذ الشعب الاشوري وقضيته العادلة في مسار ابتعد عن المسار الذي اختطه الشعب طوال نضاله ما قبل المذبحة, ومن هنا تتأتى اهمية مراجعة الحدث الجلل و تداعياته و تجلياته في البيئة الاجتماعية - القومية الاشورية والوطنية العراقية على حد سواء, وقد كُتب الكثير عن هذه الجريمة الشنيعة تراوح بين ما هو تحليلي , تفكيكي, استنباطي وفي بعض الاحيان العاطفي الاستذكاري.
السطور التالية لن تكون سردا تاريخيا بل استقراءا للاحداث و استتناجا لاثارها و ربطها بالواقع الراهن اشوريا وعراقيا, و لاجل ذلك لا بد من الاحاطة ببعض الامور التي  رافقت وفي بعض الاحيان قادت الى قام الدولة العراقية بهذه الجريمة البشعة و من اهم ما ينبغي قرائته بشكل تحليلي هوالتيارات التي كانت توجه دفة الاحداث والقرارات, لذا فابتداءا لا بد ان نشير الى ان يصل الاول كان يرقد في المستشفى في سويسرا مريضاً,  تاركا ادارة الامور مناطة بابنه المقبور غازي الذي كان شابا غير مكتمل النضج بعد وغير ذي خبرة سهل الانقياد, ما يفسر وقوعه تحت تاثير المحيطين به ممن كانو يشكلون دائرة الحكم, وهم في جزء كبير منهم من بقايا الاحتلال العثماني و يمثلون نسلا فكريا للعثمانية بمواقفها من الاخر المغاير دينيا وعرقيا و ثقافيا,  ومن هؤلاء العثمانيين المتعرقنين (متلبسي العراقية الوليدة)  كان المقبور الكردي بكر صدقي قائد القوات المسلحة انذاك,  احد اشد المتعاطفين مع  قوى المحور التي انهزمت في الحرب العالمية الاولى على ايدي الحلفاء, فقد كان المقبور بكر صدقي ممن درسوا في المدرسة الحربية  في الأستانة وتخرج فيها ضابطاٌ في الجيش العثماني ، وشارك في الحرب العالمية ألأولى في أخر سنينها. وبعد نهاية الحرب واندحار الدولة العثمانية، انضم إلى الجيش العراقي الذي أسسه الانكليز في 6 / 1 / 1920 برتبة ملازم أول, وهذا الانتماء العرقي و العقائدي العسكري والمنهل الفكري يلقي الكثير من الضوء على موقفه من الاشوريين الذين كانوا يقفون مع الحلفاء في تلك الحرب وقد لعبوا دورا مهما في حسم الامور في جبهات ما صار يعرف  بالشرق الاوسط, كما يفسر حقده عليهم الذي قاده الى اطلاق اعمال مذبحة سميل بحق الابرياء, وتشير المصادر الى كون هذا المجرم صاحب تاثير قوي على المقبور غازي ما يفسر الى حد كبير قيام الدولة العراقية بمفاصلها الرسمية وبالتبعية الشعبية ايضا بتبني هذه الجريمة النكراء, جريمة قتل و ذبح الالاف من النساء والطفال و الرجال والشيوح العزل في سميل و اخواتها من القرى الاشورية على يد الجيش وقوات الحكومة بالتعاون مع العشائر العربية والكردية المحيطة بها.
عامل اخر اسهم في بلورة هذا الغليان تجاه الاشوريين لدى بكر صدقي كان ما رافق تمرد البرزنجي في شمال ما صار يعرف انذاك بالعراق, فقد كان الضباط العراقيين يشعرون بالمهانة والخوف  من تكرار احداث مشابهة لعصيان محمود البرزنجي سنة 1930 الذي كان اول اختبار عسكري للجيش الحديث التاسيس, اذ كان الجيش العراقي قد فشل في اخماد التمرد ما ادى بالبريطانيين الى الاستنجاد باللواء الاشوري المعروف عنه شدته في القتال و معرفته بطرق القتال في مثل تلك المناطق الجبلية فتم أسر الزعيم الكردي ونفي إلى الجنوب.
الى جانب ذلك فقد كان اخرين ممن يمثلون طبقة الحكم لديهم دوافع شتى توافقت مع دوافع بكر صدقي فتواطأ وزير الداخلية حكمت سليمان و رشيد عالي الكيلاني و لكن بدر صدقي كان المحرض والمنفذ للمذابح.
اما على الصعيد الشعبي فقد تم تصوير الاشوريين على انهم التهديد الحقيقي للاستقلال المزعوم و انهم ادوات (الامبريالية) و هذا التصور و التصوير لا  زال شاخصا في التعاطي العراقي  الشعبي مع الاشوريين و مهذا ما لمسناه بعد حرب الاحتلال عام 2003, رغم ان قوى عروبية واسلامية تضافرت بتحالفها مع الاميركان ومهدت لهم احتلال العراق, وهذا من المفارقات المؤلمة في التاريخ العراقي., وبدل من مكافأة الاشوريين على حفاظهم على وحدة العراق من خلال اخماد التمرد الكردي الداعي الى الانفصال (و قد تم ذلك في سياقات عسكرية لم تطال المدنيين) بدلا من ذلك تم اقامة المذابح لهم بداعي الحرص على وحدة العراق.
ان هذه التعبئة ضد الاشوريين وجدت صداها في محورين, الاول انها سهلت لمن خطط للاعمال الوحشيبة  اقناع المقبور غازي لاعطاء الضوء الاخضر للمذبحة لكونها ستجعله اكثر قبولا لدى الشعب المتعطش لدماء ترسم له نصرا من وهم , وتصوره (اي غازي) على انه حامي حمى الوطن.
 اما المحور الثاني فهو انها كونت للدولة هيبة قائمة على الحديد والنار, وسلطة قاهرة لا ينجو منها الاعزل كما حامل السلاح و الطفل كما الشيخ والرجل كما المرأة, وهذا التاسيس لا يزال العراقيون يدفعون ثمنه, فالشعب الذي خرج للاحتفال بـ (انتصار) الجيش وعقد له اقواس النصر في الموصل , والقى عليه بالورود وماء الزهر في بغداد وهللوا وهتفوا  له في طول البلاد وعرضها, لم يعلم هذا الشعب انه رسم ملامح  الموقف الفكري لتعاطي الدولة مع ابنائها لسنين وعقود قادمة ولا تزال قائمة, فالعراقيون يقطفون ثمار ما زرعوه ععام 1933 يقطفونها  في قمع  انتفاضة الرميثة الاولى 1935, وقمع اضطرابات الاكرع بزعامة الشيخ شعلان العطية, عام 1936, وقمع انتفاضات الايزيديين في سنجار وحتى اليوم يستمر المسلسل الذي بدأ عام 1933 و يقطف العراقيون ثماره في ساحة التحرير ببغداد و الحبوبي في الناصرية و محلات وازقة الموصل المدمرة وغيرها من شواهد بطش السلطة دون اعتبار لارواح المواطنين , ويقطفون ثمار تبني فكر اقصاء الاخر و تجريمه و احلال دمه رغم كونه ابن الارض الاصيل و وريثها, فقد كانت مذبحة سميل بمثابة تدشين لدور الجيش ولموقف الدولة الباطش بكل معارض او مخالف او حتى مختلف.
لقد شكلت هذه الجريمة الحجر الاساس في البناء الفكري القائم على ان الجيش هو حليف السلطة واداتها و هو من يضبط ايقاع الحراك الشعبي ودرجاته,وهو ما تسلل في تداعياته و ادى الى عسكرة المجتمع العراقي وهشم اي امكانية لقيام دولة المواطن حيث تكون قيمة الفرد المواطن هي القيمة العليا.
ان مذبحة سميل تمثل نقلة نوعية سلبية في العمل الاشوري شكلت ملامح الفكر الاشوري و اسهمت في تحويله من فعل مبادر و مطالب و بنّاء الى فكر بكائي يتمحور حول الاستذكار العاطفي للمسيرة القومية  وللتاريخ دون تجاوز هذا الموقف الفكري السلبي الى موقف يحلل الوقائع  يوظف الحقائق و يستنبط العبر و اليات العمل القومي, فقد صرنا نقرأ تاريخنا اما للبكاء على شهدائنا و لا اظن انه هذا ما ضحوا من اجله, او للتفاخر بماضي مجيد دون ان نسقط ذاك الماضي على واقعنا من اجل تغيير هذا الواقع الى ما هو افضل, فشهدائنا ارتقوا اشوريين متمسكين بهويتهم وحقوقهم لنعيش نحن كاشوريين و لنتمسك بهويتنا وحقوقنا.
اما عراقيا ,, فالعراق لن يكون قادرا على الانتقال الى مصاف دولة تحترم نفسها دون ان تحترم شعبها, وهذا لن يكون ابدا اذا لم يواجه الشعب ماضيه و يقر بذنوبه و يتصالح مع ضحاياه, ليس خطابا و كلاما معسولا بل فعلا يبدا بتقديم الاعتذار لضحايا الشعب الاشوري و اقرار حقوق الاشوريين كونهم الشعب الاصلي والاصيل في العراق على كافة الصعد الدستورية والقانونية والشعبية, واعادة النظر منظومات التعليم, والابتعاد عن تحويل مفاصل الدولة الى ادواة لخدمة اعراق و طوائف و اديان دون غيرها بل على حساب وجود غيرها,   لعل هذا يكون نقطة بداية لتحول ايجابي, والتجارب الانسانية المعاصرة فيها مثل هذه التجارب (المانيا و رواندا وجنوب افريقيا و غيرها),  اما اذا استمر المنوال على هو عليه واستمر بانتكاسته الراهنة  فالعراق لن يتمكن من الاستمرار في وجوده كدولة.

الخلود لشهدائنا .. المجد للاشورية شعبا و هويةً و انتماءا

   المصادر :
   نكبة سميل 1933و  أسبابها وتأثيراتها المحلية والدولية
اطروحة مقدمة الى مجلس جامعة سانت كليمنتس كجزء من متطلبات نيل شهادة الدكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر- عوديشو ملكو
   العربي الجديد : الانقلابات العسكرية العربية: بكر صدقي اولا https://www.alaraby.co.uk/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D9%82%D9%84%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D9%83%D8%B1-%D8%B5%D8%AF%D9%82%D9%8A-%D8%A3%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%8B
   - كنعان مكية – جمهورية الخوف , منشورات الجمل
   تاريخ الاشوريين منذ بداية القرن العشرين خاصة في فترة الحربين العالميتين, كورش يعقوب شليمون, ترجمةوليم ميخايل
طبع في الولايات المتحدة الامريكية , شيكاغو-1995, الطبعة الثانية – 2004