المحرر موضوع: الانتخابات المبكرة في العراق وفرصة الخلاص المأمولة  (زيارة 295 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل لويس إقليمس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 426
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الانتخابات المبكرة في العراق وفرصة الخلاص المأمولة
لويس إقليمس
بغداد، في 10 آب 2020
ظلّ مشروع قيام انتخابات مبكرة مطلبًا شعبيًّأ طالما نادى به أبطال الانتفاضة التشرينية وضمنوه من بين شروطهم لإعادء شيء من اللحمة الوطنية العراقية ولأجل تعبيد الطريق نحو استواء العدل والاستقرار والأمن وفتح آفاق آمنة بإمكانية العودة لنهضة البلاد واستعادة كرامتها وهيبتها عبر تغيير مرتقب في طبيعة المنظومة السياسية المتسلطة. وكان من البديهي أن يلقى هذا المطلب منذ بروزه إلى سطح الحياة السياسية بعد التحقق والتأكد من فشل العملية السياسية برمتها منذ قيام سلطة الائتلاف لغاية يومنا، دعمًا متناهيًا لا حدّ له ممّن يسعون للتغيير الجذري في حياة العراقيين الذين ابتلوا لحدّ النخاع بطبقة سياسية اتضح أنّ جلّ همها وجزيل سعيها لم يكن سوى تقاسم الكعكة العراقية بين مقاولين كبار أجادوا لعبة الكراسي والسلطة بدعم من شريكين ماكرين: الراعي الأمريكي المتغطرس الحاقد على العراق وشعبه بكافة أطيافهم ومكوناتهم والماضي في استراتيجيته الفاسقة باستمرار تفتيت البلاد وتشرذم العباد بالتعاون والتنسيق مع حلفائه الغربيين الغادرين من ناحية والمساومة عليه مع غرمائه في المنطقة ومَن يدور في فلكهم من دول الجوار، والثاني من المحتل الفعلي الجاثم على صدره والقادم من حدوده الشرقية، لكونه صانع القرار الفعلي، وذلك بالتضامن والمساومة والتوافق في المنهج السياسي والسلوكى التدميري للبلاد مع راعي العملية الرئيسي.
بغض النظر عن الموعد الذي حدّده رئيس الحكومة العراقية من جهة ملائمته أو عدمها من ناحيتين اساسيتين، فالشجاعة فيه وافية بدء ذي بدءٍ، إذا استبعدنا العذرين التاليين: أولاً، بحسب بعض الفلكيين، لا يبدو الموعد متفائلاً أو إيجابيًا كثيرًا من ناحية تشكيل موعد تاريخ الانتخابات في 6/6/2021 رقم 8، وهو رقم غير مناسب للحظ، بحسب هؤلاء. وثانيًا، أعرب عدد من المهتمين بعدم ملائمته أيضًا من الناحية الطقسية، فالأجواء ستكون حارة أيضًا، ولن يكون من السهولة مواكبة الحدث من قبل جميع فئات الشعب بسبب ما قد تشكله هذه الصعوبة من معاناة في التنقل والوصول إلى مواقع صناديق الاقتراع بيسر وانسيابية.
نعود لمناقشة نقاط أساسية تمس قانون الانتخابات الذي لم يُقرّ لغاية الساعة ومازال يدور في دهاليز مجلس النواب. فالواقع بحسب اعتقادنا يشير إلى تأرجحه بين أيدي خبراء ومقاولي أحزاب السلطة كي يتناغم في صياغته الأخيرة مع رغباتهم ووسائل سطوتهم من جديد على حركة الناخب باستخدام قدرات الدولة التي تسهل لهم الحركة والتأثير في الناخب وعبر استغلال المال الحرام في الإقناع والتهديد إن لزم الأمر، كما حصل في سابقات المسرحيات، فكانت النتائج فضائح انتخابية مكشوفة بالصوت والصورة. وليس مستغربًا أن تلجأ أحزاب السلطة ومَن يساندها إقليميًا ودوليًا بدون حياء ولا خجل، إلى التلاعب بطبيعة الدوائر الانتخابية وتشكيلها، هذا في حالة إقرار نظام الدوائر المتعددة مناطقيًا، وهو الأكثر قربًا لضمان وصول مستقلين أو أحزاب صغيرة لها خلفيتُها المجتمعية ومريدوها وأتباعُها في مواقع عديدة من محافظات البلاد إلى قبة المؤسسة التشريعية التي بقيت رهينة بأيدي الكتل الكبيرة من مقاولي أحزاب السلطة بمثلثها الفاسد. هناك مَن يسعى لخلق العراقيل الفنية أمام مفوضية الانتخابات بحجة عدم تطابق أعداد الناخبين في الدائرة الانتخابية الواحدة مع ما هو مطلوب في صلب القانون. وهذا عذر لا ترى فيه المفوضية وخبراؤُها عقبة كبيرة من حيث قدرة وزارة التخطيط على المناورة في تحديد وتقريب أعداد الناخبين ضمن المراكز الانتخابية المتجاورة لحلّ هذه الإشكالية. أي بمعنى آخر، لن تشكل هذه المسألة مشكلة في تسهيل تحديد الناخبين في المراكز الانتخابية التابعة للدائرة الانتخابية ضمن المحافظة التي تتبعها بحجة عدم وجود إحصاء سكاني. وواضح أنّ القصد من وراء هذا التأخير أو الإرجاء هو لكسب الوقت والتمديد للمجلس النيابي الحالي حتى انقضاء ما تبقى من فترته التشريعية الفاشلة أصلاً. فالانتخابات ستجري في وقتها، وليكنْ ما يكون رغم أنف المعترضين والرافضين!
لا تسلبوا كوتا الأقليات
وهنا لا بدّ من التذكير بضرورة إيلاء كوتا المكوّنات القليلة العدد (الأقليات) ما تستحقه من اهتمام ورعاية خاصة بحيث لا تفقد قيمتها المرسومة لها من حيث تمثيلها الحقيقي لمكوّناتها. وهذا يستلزم رفض القبول باستمرار وضعها في موقع الوصاية من أطراف الكتل الكبيرة والأحزاب التي بسطت هيمنتها على إرادتها بمصادرة صوتها بشتى الوسائل الجهنّمية، تارة بحجة حمايتها واخرى بجرمٍ أكبر من العذر المفضوح بانتمائها إلى صفوفها المذهبية أو العرقية أو القومية أو الدينية. وهذا من الفواحش في السياسة غير الآمنة التي تتبعها أحزاب السلطة سعيًا حثيثًا ودائمًا لفرض سطوتها على المكوّنات الضعيفة التي تحتمل وتتقبل التطفل على موائد الأسياد "المقدَّسين" زورًا وبهتانًا. من هنا ينبغي على من يجد في نفسه الكفاءة والجدارة والقدرة على تمثيل أبناء "الأقليات" أن يتجنب التنازل عن الحق المشروع لصيانة أصوات الناخبين من أبناء الأقليات واستغلالها في مكانها الطبيعي من دون تطفل ولا خنوع ولا خوف ممّن يدّعي تأمين الحماية له، مرشحًا أو ناخبًا. ولو خيروني بالتمني لأي موقف أنساق إليه، لناديتُ بأعلى صوتي برفض هذه الكوتا المهينة والقبول بصوت الوطن والمواطنة خيارًا في اية انتخابات قادمة. فالوطن حين يستفيء تحت ظلاله الجميع، يدرك شعبُه قيمته العليا ويصطف مع مصالحه الأساسية ويميل لكلّ شيء وكل مشروع يتألٌّقُ فيه وطنًا من الجميع ولأجل الجميع اينما كانوا وارتحلوا.
خطوات وإجراءات للتقليل من التزوير
ما يُخشى منه، أن تفشل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات التي حصل تشكيلُها بطريقة مشكوك بها وغير مقبولة من أشخاص قريبين بل مفروضين أو تابعين أو موالين لزعامات حزبية وكتل سياسية تمكنت في حينها من السطوة على مقدرات هؤلاء ومَن يؤازرهم من موظفين تم تعيينهم في هذه المفوضية، في تحقيق مهمتها بطريقة نزيهة خالية من التزوير بسبب التأثيرات الخارجية والمحلية من أصحاب النفوذ والمال والسلاح المنفلت. وفي هذه الحالة المريبة، لا بدّ من الاستعانة بخبرات دولية ومدّها بمراقبين لا يخشون في الحق لومة لائم شريطة أن يدير هؤلاء العملية برمتها، من ألف باء استقبال طلبات الترشيح، لغاية تهيئة الدوائر الانتخابية وتحديد مراكزها والسهر على مسارها بسلاسة ومن دون ضغوط وتهديدات لغاية تجميع صناديق الاقتراع ومصاحبتها شخصيًا إلى مواقع مأمونة بإشراف دوليّ أيضًا والبدء فورًا بفرز الأصوات تحت إشرافهم وإعلان النتائج باسرع ما يمكن تحاشيًا لتدخلات سافرة من قبل جهات أو أحزاب أو اشخاص ذوي تأثير ديني أو مذهبي أو حزبيّ أو فئوي.
هناك حلول فنيّة ولوجستية اقترحها أصحاب الشأن وخبراء المعلوماتية من شأنها أن تقلّل كثيرًا من حالات التزوير المتوقعة. ومنها وليس وحدها، إتمام مشروع الحوكمة الالكترونية واستنفار دوائر وزارة الداخلية لإتمام مشروع البطاقة الموحدة فيما تبقى منه في محافظات البلاد والذي من شأنه أن يحدّ من إمكانية التزوير باعتماد بطاقة الناخب الرسمية التي تمثل هويته التي لا تقبل الجدل والتلاعب. فالحوكمة الالكترونية تعدّ المفتاح الأول لإدارة الدولة. وإذا ما سعت الجهات الرقابية في الحكومة ممارستها وفرضها في تأمين بطاقة الناخب وفرز الأصوات والتحقق منها جميعًا، فستكون كفيلة بالتقليل من أدوات التزوير التي شهدتها الانتخابات السابقة جميعًا من دون استثناء. وهذا ما يراه العديد من خبراء المعلوماتية الحريصين على تحقيق الهدف المنشود من إقامة هكذا انتخابات مبكرة . ومن الجدير ذكره، هناك مَن بادر من العراقيين الأكفاء في هذا المجال ومن الطيبين من أمثالهم بالتطوع لتحقيق الفكرة وتقريب الأدوات التي تؤمّن المشروع الذي ينتظره جميع العراقيين بكافة انتماءاتهم، باستثناء أحزاب السلطة بطبيعة الحال الذين يخشون الفشل واحتمالية فقدان أشكال التأثير الذي كانوا يمارسونه في السابق في صفوف البسطاء باستخدام غطاء الدين والمذهب ورجاله من المزمّرين والمطبّلين بغية إبقاء المنظومة الحاكمة ما شاءت يد السلطان وأمرت الأسياد ونادت به العمائم الناشزة والزائغة عن الحس الوطني.
إنّ التصريح الصادر عن مكتب رئيس الوزراء بخصوص تشكيل فريق خاص لإعداد خطة خاصة لاجراء الانتخابات المبكرة وفق المعايير الدولية فيه نكهة من الشعور بالمسؤولية الكبيرة الملقاة على رئيس الحكومة وفريقه الوزاري والاستشاري الجديد، من خلال ضمان رؤية مماثلة وجادّة من جهتي رئاسة الجمهورية والبرلمان على السواء. فالعقبة الكبيرة تأتي اليوم من نواب الشعب الذين يخشون الاستبعاد والابتعاد عن المشهد السياسي بفضل صحوة الشعب المغلوب على أمره والذي مازال يعاني من الاستخفاف به والضحك على عقول عامته ومن إهمال واضح بحاجاته وضروراته اليومية، فصار يعيش في وادٍ وممثلوه في وادٍ آخر لا يتلاقيان ولا يتفاهمان إلاّ حين تستعر نيران الطائفية والمذهبية والعرقية حيث تصفى النوايا ويجتمع المختلفون خوفًا من فقدان الحكم والمنصب والمال الحرام والمكسب غير المشروع من صنبور شبه الدولة الذي كاد يفرغ ويجفّ. وهنا الطامة الكبرى، إذ يطغى الدين والمذهب والمكوّن على مصالح الوطن العليا وتتشابك مصالح أرباب السلطة مع المنتفعين والطفيليين والمستغلين وصولاً لتثبيت أركانهم كلّما دنت ساعة الخلاص منهم ومن أعمالهم الشريرة غير الوطنية وغير الأخلاقية في عالم السياسة والإدارة حين تطغى السياسة القذرة على الإدارة الرشيدة الحديثة لدولة تحترم نفسها وشعبها. فالإدارة الرشيدة المحتكمة إلى الحكمة والولاء للوطن والشعب دون غيرهما، وبما فيها ولها من عناصر القوة في فرض هيبة الدولة وضمان السيادة في استقلالية حقيقية للبلاد، لا يمكنها أن تقبل بتفوّق أو تقدّم السياسة الخادعة عليها. وهذا هدف كلّ إدارة حديثة إيجابية تضع نصب أعينها استغلال الكفاءة الوطنية في خدمة الاقتصاد ووضع الخطط الاستراتيجية التي تضمن وتساعد للتخلّص من السياسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة الفاشلة.
تفاؤل بحذر
إنّ ما يزيد التفاؤل بإمكانية إنجاز هذه الانتخابات وخوضها بطريقة مغايرة عن سابقاتها، وجود الإرادة الشعبية والوطنية التي تطالب أيضًا من جملة مطالبها بتأمين بيئة إيجابية مستقرة آمنة مرنة وغير مقلقة من تأثيرات أطراف الدولة العميقة التي تعبث بمقدرات البلاد بكل سهولة ويسر وبحركة سلبية تخشى أجهزة الدولة القائمة التعرّض لها ، بسبب التهديد الذي يمكن أن تشكله مع كلّ مّن يتقاطع مع الرغبات الفئوية لهذه الأخيرة ومشاريعها الولائية. فمسألة فرض النظام بكلّ صرامة حفظًا لهيبة الدولة وتقديرًا لقدسية المشروع المصيري، وتأدية المهام الموكلة كما ينبغي لأية جهة مسؤولة عن فقرة من فقرات هذا المشروع، هي الرهان على نجاح العملية الانتخابية القادمة، في حالة سارت الأمور كما ينبغي وطنيًا وشعبيًا وأخلاقيًا بعيدًاعن تأثير الفاسدين والمتطفلين والدخلاء والمارقين. ناهيك عن تنامي الوعي لدى طبقات الشعب المسحوقة المتأثرة لغاية الساعة بتعظيم الأشخاص وتمجديهم وعدّهم أساطير لا يمكن المساس بها، بل وممّن يعدّهم الدخلاءُ ضمن المقدسات بفعل تأثير الوازع الديني والمذهبي والعرقي. يضاف إليها، حاجة المواطن لقائد وطني يعي مسؤولياته الوطنية قبل أية مصالح أخرى بحيث يكون قادرًا لوضع حدود مقبولة ورادعة للزعامات الاستغلالية التي تهيمن على المشهد السياسي من غير وجه حق. وهذا وحده كفيلٌ بمغادرة ثقافة تقديس الأفراد وإعلاء صوت الوطن المفقود منذ أكثر من 17 عامًا والذي يبحث عنه العراقي في كلّ شبرٍ من أرض الفراتين، ويجسده اليوم شباب الانتفاضة في ساحة التحرير والحبوبي وأم بروم والنجف وكربلاء والمثنى وغيرها من الساحات الفرعية المتناثرة في المدن والمحافظات الثائرة.
    أمّا مَن يدعو لمقاطعتها بحجة المقاومة التي أصبحت اسطوانة مشروخة أو بحجة عدم اكتمال مشروع إخراج القوات الأمريكية التي أتت بساسة المفاجأة إلى الحكم نكاية بالنظام السابق، فهو شرّير وماكرٌ مدفوع الثمن يرتبط باجندة خارجية مشبوهة، ويسعى سعيًا لإجهاض أي توجه بتغيير العملية السياسية ومنظومتها الفاشلة جذريًا. وهذا هو الهدف الأسمى الذي يترقبه الشعب ونخبُه السياسية والاجتماعية والمنظماتية والاقتصادية الواعية المجبولة بحب الوطن والإيمان بقدرة أبنائه البررة الطيبين على استنهاض الهمم وإعادة النسيج المجتمعي وتنميته وتقدمه وتطوره في المسار الصحيح له باستخدام موارده الكثيرة التي لا تنضب أفضل استخدام في ظلّ إدارة سياسية متطورة ناجحة. وسيبقى الرهان على نجاح الانتخابات القادمة وتحقيق الهدف المنشود منوطًا بسعة التوجه لصناديق الاقتراع وكثافة المشاركة مضمونًا بحُسن تقدم مرشحين أكفاء ذوي خبرة ووعي ورؤية سديدة ترفع راية الوطن عاليًا خاليًا من الولائية للغير الغريب، وتتوجه لخدمة الشعب شرفًا. 
وللمزيد من الحيطة والتحذير من مغبة استغلال زعامات الأحزاب الحاكمة لسطوتها وتأثيرها  في العملية الانتخابية القادمة،لا بدّ من الانتباه لسلوكيات مشبوهة قد تشوّش على مسار هذه العملية ونتائجها المؤمّلة وتأتي بوجوه لا تختلف عن سابقاتها في فرض ذات المبادئ والأغراض التي تديم منهج المحاصصة وتقاسمَ السلطة وفق المكوّنات الطائفية التي لا يمكنها أن تصنع دولة حقيقية ذات سيادة تحكمها الوطنية قبل أي مصلحة أخرى. فقد تسعى الكتل والأحزاب الحاكمة للمقاربة والتماهي مع انتفاضة الشارع واستغلال شخوص الثورة التشرينية بزجّ عناصرها في صفوف أحزاب جديدة وبمسميات متعددة للظهور بملاءة مختلفة من حيث الشكل بهدف تبيان تعاطيها وتماهيها مع مطالب الشارع ونداءات النخب كسبًا لأصوات الناخبين وتشويهًا لحقيقتها المزيفة. وقد بدأت أولى بوادر هذه السلوكيات تظهر على الملأ بالإعلان عن تشكيل أحزاب جديدة متبرعمة عن أصولها الفاسدة، إلاّ ألّلهمّ في حالة سلمت النيات وقادت مثل هذا التوجّه نخبٌ وطنية مستقلة "أقحاح" تضع نصب أعينها مصلحة الوطن وتتمتع باستراتيجية حقيقية واضحة في إدارة البلاد اقتصاديًا أولاً وقبل كلّ شيء، ثمّ سياسيًا وعلميًا وتربويًا واجتماعيًا وعمرانيًا وصناعيًا وزراعيًا بعد أن أفسدت الأحزاب منذ 2003 هذه السمة الوطنية بمنهجها المحاصصاتي الفاشل الذي أوقع البلاد ومؤسساتها في فساد أكبر من أن يتصدى له ما تبقى من الدولة نفسها. بل إنّ إشارات تسقيطية مشبوهة لإعادة رصّ الصفوف وسط الكتل والأحزاب القائمة الحالية تساهم فيها فئات تسعى لإثبات القدرة على تولي السلطة، قد لاحت في الأفق قبل أن يتمّ تأكيد إقامة هذه الانتخابات بسبب ما يشوب العملية السياسية من غموض في مسائل عديدة، ومنها ما يتعلّق بتوجهات سياسية جريئة في منهج الكابينة الوزرارية الحالية التي تُعدّ مغايرة لما في جعبة أحزاب السلطة وزعاماتها الولائية لدول إقليمية طامعة.
ومهما حصل، فالتغيير الجذري مطلوب بهدف انتشال البلاد من هوتها السحيقة ونجاتها من براثن الفساد الذي طغى وطفا، وكبّل البلاد ورهنها بيد الأغراب عنها، وسرق العباد وأهانَ الوطن وحصر العلمَ وحدّ من الفكر وسلب حرية التعبير وسيّسَ القضاء لصالح الطبقة الحاكمة ومصالحها. وما أكثر الحديث في هذا الصدد. فالحديث فيه ذو شجون، والتفاؤل به في غاية الحذر! والفرصة مؤاتية، فلا نضّيعها!