المحرر موضوع: ملبورن بينَ نارينّ  (زيارة 366 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سـلوان سـاكو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 454
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
ملبورن بينَ نارينّ
« في: 08:14 11/09/2020 »
ملبورن بينَ ناريّن
بقلم/ سلوان ساكو
لم تشهد ولاية أستراليا في الإتحاد الفيدرالي الأسترالي، عزلّ وحَجّر وحبسّ داخل مربع قطره 5 كم مربع، كما تشهده ولاية فكتوريا الآن ومنذّ ما يُقارب الأربعة أشهر المنصرمة من عُمر الحرب على فيروس كورونا.
تم إكتشاف الفيروس التاجي عالمياً في بداية العام الحالي تقريبًا، كان الحدث كبير ومخيف في وقتاً واحداً. وضع الكثير من الدول العظمى والعواصم الاوروبية في العزل والحجر الصحي التام، باريس، روما، مدريد، نيويورك، إلى أن رأوا  إنَّ الوضع برمته شاذ وغير مقبول وخارج سياق المنطق والعقل، بالنهاية فعلوا ما فعلته السويد، ففتحوا كل شيء، لكن ضمن حدود وشروط معينة، لا تخلّ بسلامة وصحة المواطن، وفي ذات الوقت تُحافظ على مصدر عيشه  واقتصاد البلد وإنتاجية الأسواق التجارية. تبينَ مع مرور الوقت أن الخطوة كانت ناجعة وصحيحة، وبالتالي تمّ الخروج من عنق زجاجة الكورونا بأقل الخسائر الممكنة، وعادة الحياة تدريجًا تدبْ في نبض الشارع وإن كانت بصورة بطيئة.
في دولة أستراليا تأخر وصول الفيروس إلى الداخل بعض الشيء، كانت الحكومة الفدرالية متساهلة في المطارات والموانئ، مما زادَّ الأمر سواءً، وفاقم من الوضع الصحي برمته، ومع هذا التخبط الغير مدروس والفوضوي داخل أجهزة الدولة المختصة، دخلّ المصابين وبأعداد كبيرة إلى داخل البلاد، فأصبحوا تحصيل حاصل لا أكثر. حين أخذت أرقام الإصابات بالارتفاع بشكلٍ ملحوظ، حاول  رئيس الوزراء الفدرالي  سكوت موريسون  Scott Morrison، وضع خطة مرنة ومعقولة وقابلة للتطبيق للتعامل مع الجائحة المُستجدة في عموم البلاد، تصبّ في أمرين، أولاً مكافحة وتحجيم رقعة إنتشار الفيروس قدر الإمكان، وثانياً السيطرة على الحياة الاقتصادية الذاهبة بتجاه الانهيار بالنسبة للفرد أو الدولة على حدًا سواء، حيث حققت الميزانية الوطنية عجزا بلغّ 85.8 مليار دولار أسترالي للسنوات 2019-2020. ومع مرور الأيام تبين أن تلك السياسة كانت صحيحة وفعالة بشكل مُعين في التعاطي مع هذه المرحلة الحرجة والخطيرة من تاريخ البلاد، ومرة اخرى تنفس الجميع الصُعّداء، بعد عناءً وتعبٍ تجشمه الكل.  هذا كان على الصعيد الفيدرالي، أما على الصعيد المحلي في ولاية ملبورن، فقد أزدادت حدة الإصابة بمرض COVID-19 مع مرور الوقت، وباتَ هناك عجزاً كبيراً في إستيعاب الحالات المرضية، وجائت فضيحة دار رعاية المسنين وبالتالي موتهم وحدهم وفي غرفهم وعلى أسرتهم مدوية، والفندق الموبوء الذي كان يحتوي على نزلاء مصابين بالفيروس ارادَ الجيش الوطني حماية الفندق بمحاذير مدروسة للتعامل معهم، رفضت حكومة آندروز الأقتراح، وأعطت لشركة آمن اهلية أمر حماية النزلاء المعزولين، بعدَ أيام معدودة اِنصابَ رجال الآمن نفسهم وإنفرط عقد العزل، لتُظهر مدى الفوضى والعجز الذي تملك الحكومة والكوادر الطبية في المستشفيات والمراكز الصحية. فكان لابد من فرض قيود صارمة وجدية، ابتداءاً من المرحلة الأولى وصولاً للمرحلة الرابعة، أيّ إغلاقًا بشكلٍ كامل تماما، جواً وبحراً وبراً، في جميع المجالات وعلى حدود الولاية ككل. تبين لاحقًا أن العزل غير فعال وفاشل، وأن الإصابات في إزدياد مُضْطَرِد، والوفيات وصلت إلى أرقام مخيفة، تجاوزت التسعين حالة في اليوم الواحد. ومع الحالة الاقتصادية السيئة، وإغلاق المحلات والمصالح التجارية والصناعية الكبيرة والمتوسطة والصغيرة منها، ومع الحالة النفسية المُزرية التي صاحبت الأزمة، سَادَ التَّذَمُّرُ بَيْنَ النَّاسِ وبات هناك سخط عام في الوسط الأجتماعي وعدم رضا أتجاه حاكم الولاية دانييل آندروز Daniel Andrews وحزبه الحاكم  في تحقيق أنجح الطرق للخروج من هذه الوضعية الخانقة التي عصفت بالبلاد ووضعته في مأزق كبير جدًا وحقيقي، ربما لن تتعافى منه الولاية لسنوات طويلة، مِمَا جعل الناس تخرج في مظاهرات واستنكار وشجب، تُطالب بعودة الحياة الى طبيعتها، وفكّ القيود، والعودة الى المرحلة الثانية على وجه السرعة، وهذا حق طبيعي يتمتع به كل مواطن يعيش على هذه الأرض.
في النهاية أخفقت حكومة دانييل آندروز في التعاطي بشكل منطقي وممنهج وإستراتيجية مع فيروس كورونا، ووضعت الولاية على المحّك، وقَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى من الفوضى والدمار على الصعيد والاقتصادي والسياسي، وهذا واضح بشكلٍ جليّ في الصراع الدائر بين حكومة ولاية فكتوريا والحكومة الفيدرالية في العاصمة الأسترالي كانبيرا.
على حكومة Daniel Andrews، أخذ خطوات جادة وحاسمة، تتسم بمزيد من العقلانية والعملية، والعمل على عودة الحياة الى سابق عهدها، ورجوع حركة السوق والإعمال والمهنّ التجارية الى وضعها الطبيعي، حيث لم يعد يتحمل المواطن العادي المزيد من الضغوطات اليومية المتزايدة والانتكاسات المالية الكبيرة، وألا أنفجر المرجلّ في وجهّ الجميع ويحصل ما لا تحمد عقباه. فالكل مسؤول ويعيش على هذه الأرض، وله حق التعبير عن رأيه سواءً في النقد أو التقيم أو الحكم على الاخطاء في سير وعملية النظام، أو التظاهر سلميًا.