لماذا يُقبِل العرب على السلام مع إسرائيل ؟
قبل ما يُقارب الـ 43 عام ,في 19 نوفمبر 1977 أقدم الرئيس المصري البرغماتي (السادات) على خطوة جبارة ,ألجمت حينها الألسن وأجحظت كلّ العيون ,عندما قام بزيارة إسرائيل وإلقاء خطاب تأريخي في الكنيست ,مُعلناً رغبته إقامة سلام دائم مع إسرائيل ,إن هي رغبت بالسلام الحقيقي الشامل مع العرب!
بعد أقلّ من عام في 17 سبتمبر 1978 قادت تلك الزيارة الجريئة الى عقد إتفاقيّة كامب ديفيد في الولايات المتحدة برعاية رئيسها جيمي كارتر!
ليس المهم حصول السادات وبيگن (رئيس وزراء إسرائيل) على جائزة نوبل للسلام ذلك العام ,لكن المُهم فعلاً عودة السيادة المصرية حتى على آخر شبر مُحتل من أرضها ,ثم بدء فترة إزدهار إقتصادي وهدوء وتنمية في مصر!
بعد 16 عام ,في 26 أكتوبر 1994 وبظل رعاية أمريكية أيضاً (كان الرئيس يومها بيل كلينتون) ,عُقدت معاهدة وادي عربة بين الأردن وإسرائيل! وقال رئيس وزراء الأردن يومها (عبد السلام المجالي) :لقد إنتهى عصر الحروب في المنطقة!
بين هذا التأريخ وذاك ,في عام 1991 حدثت لقاءات سريّة في اوسلو عاصمة النرويج بين منظمة التحرير الفلسطينية (كان رئيس الوفد يومها محمود عباس / رئيس السلطة حالياً) وإسرائيل ,قادت لاحقاً عام 1993 الى إتفاقية سلام وإعلان ترتيبات حُكم ذاتي إنتقالي ,المفروض يقود الى دولة فلسطينية!
اليوم في عام 2020 يدور الحديث عن إتفاقية إبراهام للسلام بين الإمارات العربية والبحرين مع إسرائيل برعاية أمريكية (الرئيس ترامب و كبير مستشاريه / صهرهِ جاريد كوشنر)!
فما الذي يُجبر العرب على السلام مع إسرائيل بعد لاءات الخرطوم التأريخية شهر أغسطس عام 1967 أعقاب النكسة العربية الكُبرى قبل ذلك بشهرين فقط!
اللاءات الثلاث الشهيرة كانت تقول / لا صلح .. لا إعتراف .. لا تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحقّ لإصحابه .فهل عادَ الحقّ الى اصحابهِ كما يظنّون؟
يذهب ظنّي في الواقع الى أنّ العرب ,يُوافقون على السلام مع إسرائيل (أيام ترامب) مُكرهين لا طائعين راغبين مُحبين للسلام الإنساني في منطقة الشرق الأوسط !
أقصد أنّهم يصبحون برغماتيين يفهمون أنّ السياسة هي فنّ المُمكن!
كما أثبتت لهم العقود الأخيرة أنّ عدّوهم الحقيقي قادم بالدرجة الأولى من فضاء الإسلام السياسي ذاته ,وليس من الأوهام التي روّجها القوميّون العرب عن الغرب عموماً والإستعمار والإمبريالية والصهيونيّة والماسونيّة والمؤامرة الكونيّة عليهم!
إيران الإسلاميّة (إسلام الملالي المتخلفين) ,وتركيا الأردوغانيّة الحالمة بالعثمانيّة المُنقرضة ,هم الأعداء الواضحين على الساحة دون أدنى جدل!
الدليل أعمال إيران الإرهابية في العراق ولبنان وسوريا واليمن وغيرها!
وأعمال أردوغان في العراق وسوريا وليبيا وشرق البحر المتوسط!
***
لكن ماذا عن القضيّة الفلسطينيّة ؟
في الواقع هذه التسميّة تمّثل فعلاً (قميص عثمان) ,وقد اُستغلّت بأبشع صورة من قبل جميع الأشرار في المنطقة ,حتى قَبل جمال عبد الناصر والى يومنا !
مَنْ يسموّون أنفسهم جبهة المُمانعة (تهكمّاً اُسميها / جبهة الملاططة ) ,حزب الله اللبناني على بشار أسد السوري على ملالي إيران المُتخلفين ,أمعنوا في أضطهاد وإرهاب شعوب لبنان وسوريا وإيران تحت ظلّ هذه التسميّة!
حماس الفلسطينية ذاتها أمعنت في الطغيان على شعب غزّة تحت هذا العنوان!
حتى زعيم القاعدة بن لادن وأذياله لاحقاً الزرقاوي والبغدادي والريمي وغيرهم رفعوا شعار (القضيّة الفلسطينية) لنشر جرائمهم ومذابحهم في كسب قلوب الشباب المسلم الهشّ ثقافيّاً ودينياً بكلّ ما تحويه الكلمة من معنى!
الإرهابي الإيراني (قاسم سليماني) ,الذي قتل آلاف من العراقيين والسوريين كان يرفع هذا الشعار ليقود به ما أسموه فيلق القدس!
حتى أردوغان العصمنلي (الذي اُشبهه كثيراً بصدام المشنوق) ,يستخدم هذا الشعار في خداع بعض العرب الحالمين بالخلافة الإسلاميّة كما يتوهمونها!
كلّ الساسة الفاسدين في العراق (بعد تحريره من صدّام) ومعهم أمثالهم في باقي البلاد الناطقة بالعربيّة يستخدمون هذا الشعار!
نعم جميع الأوغاد والمجرمين والديكتاتوريين خلال الـ 70 عام الأخيرة إستخدموا شعار القضيّة الفلسطينيّة في أغراضهم الدنيئة!
***
الخلاصة :
هذه الأيام نسمع من السباب والشتائم من كثير من الساسة الفلسطينيين على بعض أو كلّ العرب ,بمناسبة إتفاقية إبراهام المُزمعة!
أحدهم (إسمه وليد العوض ,حزب الشعب الفلسطيني,غزّة) قال نصاً على قناة روسيا اليوم : الفلسطينيّون دافعوا عن مؤخرّات العرب ,لكن العرب خانوا القضيّة!
(أنا شخصيّاً لا أعرف متى حدثَ ذلك)!
ثمّ أضاف :إتركوا الفلسطينيين أنفسهم يجبرون ناتنياهو و إسرائيل على إيقاف ضمّ الأراضي الفلسطينية ,لا توّقعوا معهم إتفاقيّات بحجة (إرجاء الضمّ) ,أنتم تطعنون الفلسطينيين في الظهر بهذه المُعاهدات!
حسناً ما معنى ذلك ؟ هل الفلسطينيّون ضدّ إتفاقيّات السلام مع إسرائيل ؟
طيّب ما الفلسطينيين ( أبو مازن نفسه) وقّع معهم إتفاقيّة سلام قبل 27 عام؟
ثمّ ما هو الطريق أو الخيار الثاني غير السلام؟
هل يمكنكم التغلّب بالقوّة العسكريّة أو العلمية أو التكنلوجيّة ,على إسرائيل؟
أنا لا أشكّ بالطبع لو كان بعض (المُقرقعين المُتحمسين) يملك السلاح الإسرائيلي لأباد اليهود عن بكرة أبيهم كما يُعلنون دوماً .لكنّكم تحصلون على سلاحكم ,بل حتى أبسط شيء في تسيير أمور حياتكم من باقي العالَم ,الذي يميل للسلام بين إسرائيل والعرب ,بما فيهم روسيا (بوتين) والصين (الحزب الشيوعي) .فعلى مَنْ تسندون ظهوركم يا خايبين ؟
أقول : لا حلّ ولا إرتقاء في المنطقة عند العقلاء ومُحبّي الإنسانية ,سوى طريق السلام بين الجميع !
والعرب سيكسبون من السلام من دقائق التكنلوجيا الى عموم الإقتصاد (عن طريق توفير أموال العسكرة للتنميّة) ,أكثر ممّا يتوقعون!
رعد الحافظ
12 سبتمبر 2020