المحرر موضوع: ولماذا لا أغني ؟!!  (زيارة 825 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل شمعون كوسا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 200
    • مشاهدة الملف الشخصي
ولماذا لا أغني ؟!!
« في: 21:18 05/10/2020 »
ولماذا لا أغني ؟!!
شمعون كوسا

  كان لي صديق عزيز عاشرته منذ صباي إلى ان باتَ فيما بعد زميلَ دراسة . خلال الكثير من نزهاتنا كنت أسمَعه يقول لي  : انت شخص محضوض جدا ، لان الله حباك بمواهب من شأنها أن تُبعد عنك الضجر والتبرم . وكان يقول ، إن من مثلك لا يمكن  أن يستسلم للهموم لأنك قادر على  تبديد غيومك السوداء ويكفيك ان  تطلق العنان لحنجرتك لغناء كل ما  هو شجيّ من الالحان . وكان ينتهي بالقول : انا أحسدك فعلا على هذا.
لم يعُد هذا الصديق في عداد الاحياء ، ولكني  كلّما اتصوره ، اتذكر كلامه هذا الذي ايقنت ، فيما بعد ، بانه يحمل الكثير من الحقيقة.
راودتني هذه الفكرة وانا استعرض ما كانت تقلبه افكاري من صفحات ،  عن تواريخ وأشخاص وأحداث وأحاديث ، كنتُ جالسا على صخرة تطلّ على فسحة جميلة رسمت الطبيعة عليها مجمل آياتها ، وانا استعيد هذه الذكريات. عندما بلغ شريط افكاري  فقرة الطرب والالحان والغناء والاصوات ، توقفتُ وكأنّ نهاري تمّ تخصيصه لهذا الموضوع الذي يريحني كثيرا. أمعنت في  التفكير والاستذكار ، فاتجهت افكاري الى من أضعهم دوما في مرتبة عليا  في مجال الصوت والغناء. وعندما اتحدث عن الغناء اعني به الطرب الاصيل القديم . هناك أغانِ قديمة اطربتني وتطربني لحد الان ، اسمعها دوما فتطيب نفسي  ، واغنيها احيانا كي انشرح وانسى ، كما قال صديقي.
في مقدمة الاصوات التي تغذّيني ، وتنعشني ، وأسمو من خلالها عاليا،  هي أغاني فيروز الازلية . ألحان جميلة ، نظمت لكلمات خفيفة الدم ،  ويؤديها صوت  لا يمكن إلا ان يكون صوت فيروز . إنها بالاضافة الى المشاعر الخاصة جدا التي تثيرها  داخلي ، فانها مرتبطة بأمكنة وظروف خاصة ، سيّان ان  تكون هذه الظروف سعيدة أم حزينة ، لانها تزرع سعادة وهدوء وطمأنينة داخل نفسي . بدأتُ اعيش مع اغنية يا جارة الوادي التي احببتها منذ بداية الستينات، واغنية زورني كل سنة ، واغنية اخرى قلما يسمعها عامة الناس وهي اغنية :  لِمَ لا احيا وفي قلبي وفي عيني الحياة ؟  واغاني خفيفة اخرى كانت تتوالى تباعا ، ألحان تبدأ بهدوء بصوت فيروزي لا يحتاج الى جهد ، صوت ينبسط ويرتفع وينخفض بسلاسة ، وفي نهاياته يختفي بهدوء وكانه حبات لؤلؤ تناثرت بصمت. وهل احتاج الى ذكر الالاف من هذه الاغاني ؟ استهللت جلستي بهذه الاغاني وانطربت.
 والصوتُ القويّ الاخر الذي تلاها هو  صوت عبد الوهاب  ، صوت سيعيش طويلا بموسيقاه الراقية لانه بمنتهى القوة  والصفاء . صوت يتسلق السلم الموسيقي  بسلاسة غريبة ، فيفضي بسامعيه الى فضاءات جديدة تحّرك اعماق النفس المتعطشة لسماع ما هو جميل . انه صوت يشنف آذاني مهما تراكمت سنيّ عمري.
وصوت آخر يرنّ في اذاني دوما كالأجراس والنواقيس، صوت أطرب الاجيال ولا زال بنفس تأثيره الاولي ، وهو صوت اسمهان.  لروعة صوتها الخاص ، لا استثني أية من اغانيها من اعجابي. ما اجمل اغنية يا بدع الورد ، أوليالي الانس ، أو ليت للبراق عينا ، وغيرها .
وبعد ذلك تسلقت الجبال مع وديع الصافي  في اغانيه ولونه الخاص  الرشيق، وكم تمنيت معه وقلت  :على الله تعود على الله.
ومن ثمّ تحولت الى بعض الأغاني التركية . كنت قد اعجبت في حينه بصوت زكي موران الهادئ ، وبعض اغاني ابراهيم تطلاس واصوات اخرى انصت اليها باعجاب من خلال  الموشحات  .
وهل لي ان انسى الاغاني الفارسية ، لاسيما التي ترفع سامعها الى اعلى القمم ، وتنزله تدريجا كمياه تنسال رقراقة ، اسوة بمياه بيخال مثلا. لا زلت اسمع بشغف بعض  اغاني  المطربة مهستي.
ومهما بحثت عن الاغاني الجميلة والاصوات الشجية ، لا استطيع الابتعاد عن اللون العراقي ، وبالنسبة لي ، ابتدأت  التعرف على الغناء العراقي  عبر المطربين الريفيين الذين كانوا اول من سمعتهم في الراديو لاول مرة . لقد اعجبتُ كثيرا  بزهورة حسين ومقام الدشت الذي تُبدع فيه تماما ، وايضا صوت داخل حسن الباكي . ومن بعد هؤلاء ، اذكر  فاضل عواد الذي يطربني باغلب اغانيه ، لا سيما اغنية يا نجوم صيرن قلائد. وبإجلال أمرّ امام مطربنا الشامخ ناظم الغزالي .
سأكون كافرا في مفهوم الغناء ، اذا مررت دون ذكر عملاق غنائنا الكردي ، طاهر توفيق ، الذي يعيش لحد الان وبقوة ، في صوت كافة شباب المنطقة الذين ،يبدعون في تقليده ويطربون.
مستعرضاً هذا الكمّ من عمالقة الغناء ، وأنا ادندنً بين الفينة والاخرى، قمت تلقائيا باطلاق صوتي وفتحت مغاليق حنجرتي . فكنت كلّما تذكرت اغنية لهؤلاء العمالقة ، اكمل الاغنية بمقام حرّ يتناسب معها ، فـتحوّل من الرست ، الى السيكا المحبَّبَين إليّ جدا ، وانتقل بين الحجازي ، والنهاوند ، والبيات ، والصبا والمقامات المتفرعة منها . وفي تحليقي الحرّ هذا عاليا في  الفضاءات ، كنت احطّّ ، كي أحلّ لا إراديا ، ضيفا على تراتيل طقسية ، فارتّل بحضور  افرام بدى ، ويوحنا جولاغ ، واندراوس صنا ، وقلّة اخرى من الاصوات الرخيمة  .
كانت ذكرى صديقي وحديثه لي بهذا الخصوص لا يتوقفان.  سمعتُ صامتا وغنيت ، وكانت الالحان تتوالى لانها تتجاذب . كان طربا مترابطا لم أقو على إنهائه ، لان كل ما كان يحيط بيّ  يدعو الى استمراري فيه ، من نهر يهدهد مياه غزيرة كُلّف باحتضانها ، وسماء زرقاء صافية  لا تكفّ الرياح عن مغازلتها ، عبر غيوم بيضاء تتفنن في رسم اشكالها كي تمحوها في الحال. واذا اتيت على ذكر الطيور  والاشجار ، سيقول البعض عنّي : ومتى لم يذكر اخونا مكونات  الطبيعة هذه ؟ نعم  انا هكذا ، لا اقوى على تغيير نفسي ، ولا اجد سعادتي العارمة إلا وسط  الطبيعة التي لا اشبع منها وفي كل مرة اطلب المزيد . 
كنت في هذه الساعات بعيدا عن انشغالات الحياة  ومنغصاتها . كنت منهمكا تماما بالغناء وكأني ابحث عن سرّ وجودي ، تيمّناَ بقول جبران ، الذي كان يطلب الناي ليغني من خلال فيروز ، لان الغناء سرُّ الوجود.


غير متصل شوكت توســـا

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2242
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: ولماذا لا أغني ؟!!
« رد #1 في: 13:01 06/10/2020 »
الصديق العزيز  ابو كميل  المحترم
تحيه طيبه  .
 عوّدتنا دائما على اناقة اختيارك لسلوى بنات يراعك , تحاكي فيها شغاف القلب حيناً,و تداعب الفكر ببقايااشرطةالذكريات حينا آخر,فلم نعد ندري ايهماالأحق في السكن داخل وجداننا, نغفو هنيهة هامدين على أصداء صمت سكونك المقلق ثم فجأة تنجلي  لتُجلي لنا شذرات  من ذكرى خوالي الايام بقصصها المستوحاة من وحي حب الحياة ,نستذكرها معكم  بشغف مستلقين في مرجوحة تلاعبها عواصف التيه .
عن الغناء أبا كميل العزيز , قيل حين تنطرب النفوس تغني بلا قيد ولا اشتراط , ففي الغناء سر الوجود كما يقال ,سبقنا الآباء في البحث عن كنه هذا السر ,ولم نمتلك نحن الأخلاف سوى خيار اقتفاء اثار الاسلاف لاستكمال مشوار بحثهم لنجد أنهم قدأحسنوا الاختيار, كنت في السادسه من عمري عام 1956  حين قرر الوالد شراء جهاز الراديو الكبيرماركة ( سيرا) ذو الساحره  الخضراء, كان  الجهاز يومها بمثابة المزمار السحري الذي جذب آذان الجيران والمعارف والاقارب  للاستماع الى جوهرات محمد عبدالوهاب و اسمهان  وصالح عبد الحي وسيد درويش والى حفلات سيدة الطرب ام كلثوم  المقامه في ليالي الخميس على الجمعه , فاصبح  هذا  النوع  من الغناء والطرب الاصيل فصلا حيويا من فصول التعليم الذي كنا نتلقاه في طفولتنا ثم في صبانا  وشبابنا مضافا الى ما كنا نتعلمه في المدرسه والشارع.
بمناسبة ذكر المطرب طاهر توفيق, فهو مطرب من الدرجة الممتازه , تنامى عندي ولع الاستماع اليه  بفضل  شقيقكم وصديقي الطيب يوحنا في بدايات السبعينات.
تقبلوا خالص تحياتي وتمنياتي لكم وللعائله الكريمه بوافر الصحه والأمان.

غير متصل رعيانا / ܪܥܝܢܐ

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 44
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
رد: ولماذا لا أغني ؟!!
« رد #2 في: 08:43 07/10/2020 »
االسيد شمعون كوسا.. شلاما
مقالة نثرية جميلة وخاطرة مفعمة بعاطفة شعرية بديعة، بصراحة أنت واحد من الكتاب القليلين جدا الذين أكمل قرأة ما يكتبونه للنهاية، استمر في الكتابة و.... الغناء.
قابل إيقاري

غير متصل شمعون كوسـا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 219
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: ولماذا لا أغني ؟!!
« رد #3 في: 11:50 07/10/2020 »
اخي العزيز شوكت

ان اسطرك الثلاثة الاولى قطعة نثرية رائعة.
نعم يا اخي شوكت ، انا لست منتظما في كتاباتي واحيانا اجد نفسي امام ينابيع قد جفت ، ولكني حالما المح بصيصا رطبا ، احاول ان اعبر عما يخالج صدري ، واحيانا اقول بماذا سافيد الناس بما اكتبه ، ولكني بالرغم من ذلك احتاج الى اخراج ما افكر به .
اما عن الغناء ، انت تعرف انا اعشق الغناء وسماع ما هو اصيل ، لان الاصالة في الغناء هي التي تحرك اعماق النفس وتتفاعل معها، وليس كما هو الامر مع الكثير ممن ظهروا الان ، مطربين لا يهمهم الا الايقاع ، رخامة الصوت ليست ضرورة اذا كان الاخراج فخما والكلمات وسطحيتها لاتعني شيئا اذا كانت مقاطعها تساير الايقاع.
اما عن طاهر توفيق ، فهو مطرب منطقتنا بجدارة وهو العلامة الفارقة لها كما هو الامر مع محمد عارف في الباديناني، وانا شخصيا اميل الى غناء طاهر توفيق منذ البداية.
اشكرك يا شوكت وتحياتي الى العائلة بكامل افرادها

غير متصل شمعون كوسـا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 219
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: ولماذا لا أغني ؟!!
« رد #4 في: 11:53 07/10/2020 »
اخي رعيانا
معنى اسمك جميل يالارامية فهو العقل والفكر والتدبير.
اشكرك على كلماتك الرقيقة وذوقك السليم ، بارك الله بك وادام سعادتك.