المحرر موضوع: لأي لبنان ترسم الحدود؟  (زيارة 288 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31448
    • مشاهدة الملف الشخصي
لأي لبنان ترسم الحدود؟
« في: 12:45 17/10/2020 »
لأي لبنان ترسم الحدود؟
إسرائيل تفاوض من اجل سلام مع حزب الله. لبنان يفاوض من اجل النفط والغاز.
MEO

 زاد اقتناع إسرائيل بتأثير حزب الله وزاد شكها في استقلالية قرار دولة لبنان
 اللبنانيون يجدون أنفسهم أمام كيانين عسكريين الجيش اللبناني وحزب الله

أقبلت إسرائيل على مفاوضات ترسيم الحدود مع لبنان أمس، وفي ذهنها أنها تفاوض حزب الله وليس الدولة اللبنانية وتأمل أن يسفر عن هذه الخطوة لاحقا اتفاق سلام. وتوجهت الدولة اللبنانية إليها وفي اعتقادها أنها تفاوض إسرائيل من أجل التنقيب عن آبار النفط والغاز وليس للوصول إلى مشروع سلام مستقبلي. في البدء يوجد اختلاف حول اسم المحاور الفعلي والأهداف النهائية (الالتباس الخلاق). وفي مفاوضات 17 أيار/مايو سنة 1983 اعتبرت إسرائيل أنها تفاوض المسيحيين الذين راهنت عليهم، لكنهم "خيبوا" أملها بوطنيتهم وحرية قرارهم. وظنت الدولة اللبنانية عهد ذاك أنها تفاوض دولة "تمون" عليها وستسحب جيشها بأقل شروط ممكنة؛ فكان ما كان... استدارت إسرائيل حينئذ نحو "الخيار الشيعي"، لكن دخول إيران على الحالة الشيعية اللبنانية، علق الخيار سنوات ليطل اليوم تحت غطاء الدولة اللبنانية والولايات المتحدة والأمم المتحدة ("عرس" الناقورة). لذلك لم تهتم إسرائيل إن كانت في لبنان حكومة قائمة أم مستقيلة لترعى المفاوضات وتواكبها.

تراجع الدولة، اليوم، عن تسمية ديبلوماسيين في الوفد، أكد اقتناع إسرائيل بتأثير حزب الله وزاد شكها في استقلالية قرار دولة لبنان. مؤسف أن يزايد الثنائي الشيعي على رئيس الجمهورية وقائد الجيش كأنه يبلغ إسرائيل وغيرها أنه هو "الرابط والناهي". في مؤتمر "كازابلانكا" المغرب سنة 1943، وقد ضم روزڤلت وتشرشل وستالين وديغول، كان الرئيس الأميركي حين يتحدث عن دور فرنسا في التحالف، ينظر إلى تشرشل وليس إلى ديغول لأنه كان يعتبر تشرشل صاحب القرار نظرا لوجود ديغول على الأراضي البريطانية ولاستسلام حكومة ڤيشي الفرنسية لألمانيا. وكتب ديغول في مذكراته: "تصرف روزڤلت أزعجني لكنه لم يفاجئني".

جرت مفاوضات 17 أيار لانسحاب الجيش الإسرائيلي، ولبنان في طور تجديد بناء دولة مركزية قوية تحتضن جميع القوى اللبنانية في شرعيتها ودستورها وكيانها الواحد. أما مفاوضات اليوم حول الحدود والطاقة، فتجري ولبنان في طور ولوج دويلات لامركزية خارج كنف الشرعية والدستور. لذا، هناك مخاوف جدية من أن تصب نتائج مفاوضات ترسيم الحدود في إحدى الدويلات اللامركزية عوض أن ترفد في الدولة المركزية. لقد سبق وحصل هذا السيناريو سنة 2000 حين انسحبت إسرائيل من الجنوب فسيطر حزب الله على المنطقة على حساب سلطة الدولة اللبنانية المركزية والقوات الدولية.

تزداد المخاوف حين يضع الثنائي الشيعي "تفاهم نيسان" 1996 والقرار 1701، وليس اتفاقية الهدنة، أساسي "اتفاق ـــ إطار" المفاوضات. تفاهم نيسان اتفاق غير رسمي وقع بين إسرائيل وحزب الله بعد عملية "عناقيد الغضب". والقرار 1701، وإن كان قرارا أمميا رسميا مع الدولة اللبنانية، فهو موجه أيضا إلى حزب الله الذي خاض حرب 2006، وهو يقتصر على "وقف العمليات العسكرية وانسحاب حزب الله إلى شمالي الليطاني"، بما يعني أن حالة الحرب مستمرة. وإذا ربطنا كل ذلك بمطالبة الثنائي الشيعي بتولي حقيبة المالية كعرف دائم، تكتمل الصورة المالية والنفطية والأمنية مركزيا ولامركزيا.

لكن رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش استلحقتا الخطأ في جلسة المفاوضات الأولى، حيث أكد رئيس الوفد اللبناني العميد بسام ياسين أن "مرجعية المفاوضات هي اتفاق الهدنة والقانون الدولي"... ميزة هذا الاتفاق أنه اعترف بالدولة اللبنانية دون سواها، ثــبت وقف إطلاق النار نهائيا، وحفظ حدود لبنان التاريخية المعترف بها دوليا ومن إسرائيل سنة 1949 ثم في اتفاق 17 أيار.

في ظل اعتكاف الدولة المركزية، يجد اللبنانيون أنفسهم أمام كيانين عسكريين: الجيش اللبناني الباقي من الدولة المركزية، وحزب الله طليع الدولة اللامركزية، بل الفدرالية. الشرعية لاعب رديف، والمكونات الأخرى مشاهدو فيلم أميركي طويل. وما لم يستجد طارئ عسكري لبناني أو إقليمي، إسرائيل تتعايش مع حزب الله جنوبا، وأميركا تراهن على الجيش اللبناني في كل لبنان. ومعيار مستقبل لبنان يكمن في كيفية حسم ثنائية الجيش وحزب الله في ضوء مفاوضات ترسيم الحدود.

صحيح أن المفاوضات العلنية مع الدولة اللبنانية تقنية، لكن المفاوضات ببعدها الإقليمي/الدولي هي سياسية بامتياز وقابلة التطور السلمي. فبموازاة ترسيم الحدود اللبنانية/الإسرائيلية، يجري ترسيم تقني أيضا لخريطة دول المنطقة ومكوناتها، لاسيما الأقلوية منها. ومن الغباء ألا نربط بين انطلاق مفاوضات ترسيم الحدود اللبنانية الإسرائيلية (التقنية) ومناخ السلام المتدفق بين العرب وإسرائيل، وصفقة القرن، ورغبة إيران بالاتفاق مع واشنطن حول الاتفاق النووي معدلا، وربط تسوية وضع النظام السوري بصلحه مع إسرائيل. وما قبول الثنائي الشيعي بهذه المفاوضات إلا لحفظ حقوق المكون الشيعي في النفط والغاز والسلام وللتموضع في اللعبة الكبرى انطلاقا من الجنوب، فيما المكونات الأخرى ملهية باللعبة الصغرى داخليا.

عرابو مفاوضات اليوم مع إسرائيل رفضوا اتفاق 17 أيار سنة 1983 لأسباب لا علاقة لها بمصلحة لبنان، إنما بسوريا والاتحاد السوفياتي وإيران. والذين يزايدون اليوم على ميشال عون هم أنفسهم زايدوا على أمين الجميل في الثمانينات. نص 17 أيار على انسحاب إسرائيلي كامل على مدى سنتين ومعه ينسحب السوريون. وافق المجلس النيابي اللبناني عليه بشبه إجماع وكذلك فعلت الدول العربية والمجتمع الدولي. كنت بغنى عن فتح هذا الموضوع وعن إزعاج البعض، لكن، أيجوز السكوت عن سرقة 38 سنة من عمر الشعب اللبناني؟

من أجل المزايدات والولاء للخارج تغير وجه لبنان وهويته وسيادته واستقلاله واستقراره. انفجرت حرب الجبل. وقع 6 شباط/فبراير. انقسم الجيش اللبناني. استمر الاحتلال الإسرائيلي. بقيت القوات السورية وعادت إلى بيروت. تبعثرت الدولة. تقاتلت الطوائف والمذاهب والميليشيات، وقعت المجازر. تدهورت الليرة. نشأت مقاومة إسلامية. حصلت اغتيالات. وقعت حرب 2006. تفشى الفساد وارتفعت المديونية. سقط الاقتصاد والنقد والمصارف. فجر المرفأ وتدمرت بيروت وطار البلد. واليوم، يعودون يجلسون وجها لوجه مع إسرائيل في مفاوضات اسمها 14 تشرين الأول/أكتوبر عوض 17 أيار. لا تنازل في مفاوضة عدو. التنازل الدائم هو في عدم المفاوضة لأنه يبقي حقوقنا في قبضة العدو.