قتلْ الأحَياء من الأطفال
بقلم/ سلوان ساكو
لم يرفّ لها جفنٌ، ولا شعور بأيَّ ذنَب، ولا تأنيب ضمير من أي نوع كان، حينما أقدمت ماغدا رتشيل جوبلز، Magda Goebbels، بقتل أطفالها الستة بدماً باردًا، مع زوجها وزير الدعاية النازي في عهد أدلف هتلر يوزيف جوبلز Paul Joseph Goebbels، فبعد أن حاصرت قوات الحلفاء العاصمة برلين عام 1945 وانتهاء فترة حكم حزب العمال القومي الاشتراكي، النازي. إنتهت حياة جوبلز المهنية، فلم يرَ مناص غير الانتحار هو وعائلته جميعاً، فتم إعطاء الأولاد دواءً منومًا في البداية، بعد ذلك تم تسميم الستة بالسيانيد على شكل قطرات عن طريق الفم. قتلتهم واحدًا تلو الآخر دون رادع أو خوف أو شعور بالذنب حتى، إلى أن أُزهقت ارواحهم البريئة معاً. إحساسا من نوع ما انتاب الفتاة الكبرى هيلغا، فسألت أمها عن سبب نوم أخوانها الخمسة بهذا الشكل الغريب مع زرقة باهتة تلوح على الوجوه ووهنّ ملحوظ، فقالت ماغدا أنهم ليسوا نائمين، بل أنهم موتى، ونحن سوف نلحق بهم أيضًا الأن، فليس لدينا شيء بعد على هذه الأرض نعيش من أجله، فقد مات الفوهرر. وبعد أن تم قتل الستة، قاما الأم والأب بالانتحار أيضًا.
حادثة جسر الأئمة الأخيرة في العراق مُتشابها من حيث دلالتها وبعدها السيكولوجي النفسي، وذلك الخلل في وظائف مهمة من المخ واضطرابات الدماغ والأعصاب، والتي سولت لأم بأن تقوم بقتل أطفالها دون وازع أو رادع، بعيداً عن التأويلات العقائدية، نعم يمكن أن يوجد اختلافٌ كبيرٌ في الحادثتين من ناحية السياق، أي سياق الجريمة، ولكن يظل مبدأ القتل واحد.
أم تسير الهوينى على جسر الأئمة وسط العاصمة بغداد، يربط الجسر الكرخ بالرصافة، المارة قليلون وحركة مرور السيارات محدودة في تلك الساعة المسائية النحسة، ولكن التقنية الحديثة متوفرة، لتكشف المستور وتلتقط خيوط الحكاية المأساوية. تنظر الأم ذات اليمين وذات الشمال، وعندما لا ترَ أحدًا ترفع حر الذي لم يعد حراً اليوم أولًا، وتلقي به وسط نهر دجلة الجارف وهي تنظر إليه كيف يبتلعه الماء المخضب بالأرواح البريئة، لم تكتفي بذلك بل بعد ثواني قصيرة من زمن الهلاك والشر المتفشي في ثنايا نفسها المضطربة المريضة ترفع الطفلة معصومة وترميها أيضًا في عُمق اليمَّ المُهلك لتتوارى عن الأنظار خلال لحظات سرمدية من عمرها الغضّ الضائع، أراد دجلة المسكين إعادة الطفلين إلى حضن أمهم الدافيء، ولكن أبت أن تأخذهم مرة ثانية، لقد فقدت الآن غريزة الأمومة الأساسية، وباتت في منزلة أدنى من منزلة الحشرات بكثير. فذهبوا تتقاذفهم أمواج باردة في هذا الفصل الخريفي الأسود الى لحداً مائياً لا قرارة له. هكذا توصل البشر في عزل إنسانيتهم وبلوغ الدرك الأسفل من العنف والشر والكراهية.
في مملكة الحيوان، حينما يموت مولود أنثى الشِمْبانزِي الحديث الولادة لسبب أو لآخر، فأنها لا تتركه بسهولة، تظل متشبثا به، تُمسدّ شعره، تُمرر كفها عليه بحنان غريزي، دلَّكه، تُقبله، تأبى أن تصدق إن وليدها قد فارق الحياة، إلى أن يأتي زعيم الجماعة ويقنعها بصمت بأن الذي بين يديها قد مات ولا جدوى من كل ما تفعله، ذلك الحين فقط ترضى أن تتخلى عن طفلها وهي دامعة العينين. لنعرف إنّ الإنسان إذا استخرج دوافعه الهمجية ومكامنه الشريره، ونوازعه البدائية يصبح أسوء من الحيوان بكثير، لا بل الحيوان ذاته يخجل من أفعال الإنسان إذا وعاها وعقِلها.