المحرر موضوع: الفصل الثامن/ المسيحيون بين انياب الوحوش - جرائم دولة تركيا الاسلامية العنصرية  (زيارة 638 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل وليد حنا بيداويد

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 3064
    • مشاهدة الملف الشخصي
المسيحيون بين انياب الوحوش
او مجازر المسيحيين في تركيا
(جرائم دولة تركيا الاسلامية العنصرية)

الفصل الثامن
ارتفاع وتيرة المذابح
ومجازر اخرى في ماردين

 
وليد حنا بيداويد
كوبنهاكن

موجز

بدرالدين، محافظ ماردين الجديد – قافلة من 300 كاثوليكي يذبح افرادها في دارا – مذابح جنود عمال من الارمن المرضى - تفاصيل شتى من هذه  المذابح – ارمنى ملقي في جب يعود الى الحياة من بين الموتى – واخر عاش 35 يوما في وضع مماثل – سليم هيلو وجشع سجانيه – الياس كسبة يقطع اربا – مذبحة 30 شابا ارمنيا.
 اعلان الفرمان الهميوني السلطاني الذي استثنى الارمن بما فيهم الكاثوليك دليل قاطع على ان تركيا ناوية على استئصال الجنس الارمنى عن بكرة ابيه من ارضه لمدى الابد، لذا من بعد صدور مرسوم محمد رشاد، تلك الرحمة المحدودة، بقى ارمن السنجق وماردين معرضين للذبح دون رحمة، في فترة الاضطهاد تلك استلم مقاليد الادارة في ماردين المحافظ بدرالدين الدياربكرلي السئ الصيت، من بعد نقل حلمي بك الطيب القلب.، حل محله شفيق بك، وكان هو الاخر رجلا مستقيما عادلا انسانيا كسلفه ولم ينقد لاهواء لجنة التنفيد لا ولا ان يرى الظلم يسود دون ان يتصدى له، ما ان مر شهر ونصف حتى القى استقالته (عين في البداية مديرا لولاية بغداد، ثم متصرفا لمرق وفي طريقه اليها في صيف 1916 اصيب بحمى التيفوئيد التي اودت بحياته، فخسرت تركيا رجلا هماما في وقت كانت احوج ما تكون اليه وفي زمن راجت فيه سوق اللصوص).

 وسنحت الفرصة لرشيد باشا للمضي في ذبح المسيحيين في سنجق ماردين، ووجد الرجل المناسب للقيام بهذه المهمة القذرة في شخص معاونه بدرالدين فعينه متصرفا (محافظا) لماردين، كان من الصعب العثور على رجل يفوقه حقدا على المسيحيين واقداما ومثابرة لارتكاب الجرائم الشنيعة في مثل تلك الظروف، ولم يكن هناك انسان يجاريه في اشباع نهمه الى المال وتهتاج فيه الرغبة الشريرة لبلوغ مأربه الخسيسة، فعوض ان يعترض بدرالدين سبيل لجنة التنفيذ، جاراها وسيارها وطاوعها، منذ اول وهلة وصوله ماردين شعر المسيحيون بعدوانيته ، بينما الجزارون هم ارتاحوا له وادركوا ان رغباتهم ستتحقق على يده وبدات عملية ملاحقة الارمن بعنفوان جديد.
جميع رجال طائفة الارمن الذين سلموا من الاضطهاد لم يفلتوا منه هذه المرة وان على مراحل، فلقد سيقوا في قوافل عدة بين اعداد كبيرة او صغيرة ولكنهم جميعهم ذبحوا اثناء السير كما حصل في القوافل السابقة،كما ذكرنا ذلك، كانت الاوامر من الشدة بحيث لم تنفع اية وساطة او شفاعة للاسترحام، ذبحوا والدي واطفال الجنود الذين يخدمون في صفوف الجيش التركي بكل اخلاص وبمخاطرة حياتهم، كما كان يخدم بتفان بالغ الطبيب لويس مركيزي المتطوع في جيش اذربيجان وقدم خدمات جليلة ومع ذلك فلقد ذبحوا والده ثم نفوا بقية اعصاء اسرته بعد ان جردوهم من جميع اموالهم.
كانت اولى القوافل وثالثهما متذ بدء الاضطهاد، تتالف من 300 ارمنى كاثوليكي، ضمت اليهم البقية الباقية من اخر قافلة قدمت من دياربكر وبرفقتهم اربعة كهنة الحقوا بهم ثلاثة اخرون هم الاب اسطيفان هولوزيان، بوغوص جيديان، واكوب، العاملين في رعيته تل ارمن. ساقوم الى دارا على بعد يوم من ماردين.
دارا، المدينة القديمة التي شيدها الامبراطور الفارسي داريوس، ماهي اليوم الا قرية قذرة ضائعة بين اطلال المدينة الاثرية، تحت تلك الانقاض، وفي الجوار صهاريج كبيرة تستخدم كخزانات او كسجون مظلمة في تلك البلدة البدائية، وجد القتلة في تلك الصهاريج المكان المناسب  لتغييب ضحاياهم والله وحده يعلم الالاف الذين القوا فيها.
كلمة واحدة كانت كافية لتنقذ من الموت هؤلاء ال 300 سجين، كلمة: "اسلمت" لكن ما من احد منهم نطق بها وماتوا مسيحيين مع كهنتهم الذين يشجعونهم على الصمود بارشاداتهم ويمنحهم الاسرار المقدسة، بعد ان نكلوا بهم جميعا خنق البعص والبعص الاخر طعنوهم بالخناجر، ثو القوا بهم في صهاريج دارا، حيث ظن الجناة انهم قبروا معهم فيها جريمتهم النكراء الى الابد.
كان قسم كبير من الارمن الماردينيين موظفين في الجيش بصفة عمال مجندين، يعملون سواء في النقليات او في رصف وتصليح الطرقات، وكانت الحاجة ماسة الى مثل هؤلاء العمال والموظفين، الا ان تركيا التي اعماها جنون التعصب فضلت ان تبقى بلا طرقات ولا نقليات ولا ان تبقى على الارمن، لذا امرت بذبح جميع هؤلاء العاملين في جميع قطاعات الجيش في اكتوبر 1915 ابيدت مجموعة مؤلفة من 600 ومجموعة اخرى مؤلفة من 400 شخص ذبحوا في مناطق دياربكر، خمسون اخرون قتلوا والقيت جثثهم في جب عميق في 11 من اب، كما قضى على مجموعة اخرى مكونة من 15 عاملا لقيت نفس المصير، في نفس الحقبة تخلف عن الركب 25 ارمنيا بسبب مرضهم، سجنوا في احدى القلاع لمدة شهر لغرض ابتزاز ما لديهم من مال، وبعد ان نالوا مهم مرامهم، قادوهم في احد الايام، الى خارج المدينة حيث اطلقوا عليهم النار بلا رحمة، لايظهر الجنود الاتراك شجاعتهم وبطولتهم الا عند قتل المسيحيين الابرياء.. بينها العقلاء من المسلمين كانوا يخجلون من تلك الاعمال الهمجية يستذكرونها ويشجبونها وعلنا.
في حقبة الابادة هذه للرجال الارمن بانت ملامح معبرة عن المعاناة الرهيبة التي تعرضت لها الضحايا ، ملامح اخرى مشرقة تعكس شجاعتهم وثباتهم البطولي، استعرض بعضها بايجاز: عموما بعد  ما كان الجناة يقتلون ضحاياهم كانوا يلقون جثثها في صاريج والجيب او مخازن معدة لجمع الغلال في الحقول، وحدت ان بعض هؤلاء البؤساء لم يكونوا  قد اصيبوا اصابات قاتلة فعادوا الى وعيهم في هذه القبور المخيفة ولكن كان احيانا من المستحيل الخروج منها بسبب عمقها او لضيق منافذها، وفي طلبهم النجدة كانوا يسعون الى الموت الذي نجوا منه، احد هؤلاء الرجال الارمن، مكث في مكانه ذاك، ولم يجرؤ على طلب النجدة لتيقنه من مصيره المحتوم، فترك امره للعناية الربانية، واستمر على قيد الحياة صار ياكل من لحم جثث رفاقه، لعدم توفر ادوات حادة لتقطيع لحومهم كان ينهشها نهشا باسنانه، وبعد مرور عدة ايام صادف مرور بعض المسلمين من هناك فهموا بنجدته ولكنه رفض قائلا كلا لا اريد الخروج لاقتل، افضل ان اموت هنا" بعد مدة وجيزة اتاه مسلم برهن له عن حسن نيته والح عليه كثيرا لينقذه، اجابه : "ان انت تريد لي الخير دعنى هنا واجلب لي قليلا من الخبز" كان الرجل المسلم انسانيا  رحموما، وادى لذلك البائس تلك الخدمة وبمرور احد المسيحيين هناك اخرجه وخبائه في منزله.
وارمني اخر في السادسة والعشرين، وبعد ان طعنوه بالخناجر عدة طعنات من جرائمها اعطبت احدى ذراعيه، ثم القوا به في صهريج تكدست جثامين الضحايا بالعشرات ولم تكن اصاباته قتاله فعاد الى وعيه واراد حالا الوصول الى فوهة الصهريج – القبر فانبرى يكوم الجثث فوق بعضها ليصل الى المنفذ ليخلص، ولكن للاسف  لم تسعفه ذراعه الاخرى المهمشة المشلولة لبلوغ مأربه، وخارت قواه فيئس وتخلى عن المحاولة منتظرا نجدة السماء له، وعلى غرار سلفه شرع يقتات من لحم الجثث التي دب فيها التفسخ وانتنت رائحتها وبقى على قيد الحياة 35 يوما ولما لم يعد يقوي على المضي  في اكل ذلك اللحم العفن ولا تحمل الروائح الكريهة المنبعثة من تلك الجثث المتفسخة كاد يستسلم للموت ولحسن حظه مر من هناك احد المسلمين فسمع انينه فاسعفه واخرجه من الصهريج واخذه الى منزله وتماثل الى عافيته عهد اليه رعاية قطيع اغنامه، العمل الوحيد الذي كان هذا البائس قادرا القيام به لتيبس وتعطل احدى ذراعيه، الا ان مسلمي دروا بوجود هذا الارمنى الذي بقى على قيد الحياة واخذوا يبخثون عنه حتى وجدوه وعرضوا عليه الاسلام مهددين اياه "اما ان تعلن اسلامك او نقتلك" والشاب المسكين المنهار معنويا وجسمانيا لم يجد في نفسه الشجاعة الكلفية ليقاوم ويصمد فضعف واعتنق الاسلام مرغما، الا انه بعد زمن يسير تمكن من الهرب من بين ايديهم وعاد الى ماردين ممارسا شعائر دينه ولكنه مع ذلك ينج منهم وقبضوا عليه من جديد ولا ادري ما الذي حل به بعد ذلك وكانت قد سنحت لي الفرصة لرؤيته بعج هروبه, ووجدته شابا يتدفق حيوية ونشاطا ولكن سرعان ما اختفى من جديد ولم يعد هذه المرة.
اما الحادثة التي ساذكرها الان فهي تدل على الجشع الذي لا يعرف الشبع والقسوة البربرية التي مارسها هؤلاء السفلة مع ضحاياهم:
كان سليم هيلو احد اثرياء المسيحيين في ماردين ومن اوائل الذين زجوا به في السجن حيث مكث مدة طويلة يذيقونه اشد اصناف العذابات لابتزا ماله، بدأ اعطاهم 400 ليرة ذهبية وهذا المبلغ يؤمن معيشة اسرة بكاملها مدى الحياة اخذوا المال واحتفظا به رهينة في السجن، من جديد صاروا يعذبونه وهو يدفع ويدفع لهم للافراج عنه ولكنهم ازدادوا في اساءة معاملته ولما اعلن ان لم يبق قرش من ثروته الطائلة التي ابتلعتها بطونهم عندئذ باشروا باقتلاع اظافير قدميه املين من المزيد، في نهاية الصيف ساقوه مع قافلة من اسرى الارمن وذبح معهم.
وان لنا الان نحي باتجاه البسالة التي ابداها المسيحيون سيقت قافلة من مسيحيى ماردين باتجاه نصيبين وكان بين افرادها شاب اسمه الياس كسبو وكان يمتاز بخلق رفيع وتقوى نادرة وكان عضوا فخريا في الرهبانية  الثالثة الفرنسيسكانية/ لما دنت ساعة ذبح من في القافلة وراى رفاقه يقتلون تلو الاخر، تملكه  الرعب واخذت ترتعد فراصه لذلك المشهد اللانساني، فاخذ الجلادون يسخرون منه لرؤيتهم اياه على تلك الحال  فدفعوه بازدراء  وهم يقولون: " ياغبى اجحد المسيح واعلن اسلامك والا تلتقي مصير زملائك" في تلك اللحظة هبت في قلبه شجاعة عارمة واجاب على اثرها الجند "لن اجحد المسيح ابدا لاصبح مسلما" ولقد حدثنا شهود بقولهم ان جلاديه تلذذوا في التنكيل به وبداؤا يقطعون اعضائه الواحد تلو الاخر، اثناء ذلك لم يكن يسمع من فم البطل المجاهد الا هذه العبارات " من اجل حبك يا يسوع" واسلم الروح في غمار تلك العذابات الهائلة واقتنع جلادوه بان القدرة الالهية وحدها هي التي سندت هذا الشاب الذي كان مرتجفا امام الموت ليستبسل ويتغلب عليه بهذه الجراة النادرة وكان ل الياس كيبو اخ اصغر منه سنا تمكن من الهرب والاحتماء في سنجار لدى اليزيدين حيث لجأ العديد من نجوا من المذابح واستقبلهم اليزيد وحموهم.
 وعلى هذا النمط وبعون من لدن الله ثلاثون ارمنيا من ماردين جابهوا الموت دون خوف سيقوا ايضا في احدى القوافل المتجهة صوب نصيبين وذبحوا هناك وفرزوهم على حدة تسهيلا لاقناعهم باعتناق الاسلام .. قال لهم الجنود:
 اننا نحتج على اتهامكم ايانا بخيانة الوطن، نحن واجدادنا كنا له دوما امناء وانتم تعلمون ذلك على اليقين، اما جرمنا الوحيد هم كوننا مسيحيين، ليس غير, وكما مكث ابائنا واجدادنا اوفياء للسلطان امناء له فنحن بدورنا باقون على ذلك الولاء.
صرع الجنود الجبناء  هؤلاء الشباب النجباء، مواطنيهم رغم علمهم ببرائتهم، وقرنوا همجيتهم بجشعهم الدنئ لما جردوا ضحاياهم من ثيابهم التي باعوها في اسواق ماردين.
حقبة حصاد رجال الارمن هذه في ماردين تكللت بالنجاح وانهالت الثناءات على بدرالدين من كل حدب وصوب لاسيما من قبل رئيسه رشيد باشا على المأثر والخدمات الجليلة التي اداها لوطنه، فيا لهم من انذال سفلة.