المحرر موضوع: الإســتبداد ؛ وحكم التّغلّــب في أنظمة الحكم العربيّــة المعاصــــرة.  (زيارة 834 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل النوهدري

  • عضو مميز متقدم
  • *******
  • مشاركة: 24150
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
الاستبداد ؛ وحكم التغلّــب في أنظمة الحكم العربيّــة المعاصرة !
بقلم / د . أسعد عبد الرحمن :
الاستبداد أساس الفساد .. الإرهاب والاستبداد !
يمر عالمنا العربي والإسلامي في الوقت الحاضر بأزمات خطيرة وداهمة حالت دون وصوله إلى تحقيق الحد الأدنى من تطلعاته في التنمية والوحدة والحرية ، وأدت بالتالي إلى الفشل
في الارتقاء إلى مستوى الحياة اللائقة أسوة بباقي شعوب وحضارات العالم .
الاستبداد أساس الفساد " ، الاستبداد والتسلط بمختلف ألوانه وأشكاله هو شيء أعمى يسير عكس حركة التاريخ والحضارة والحياة الإنسانية الطبيعية ، لأنه يقف على طرف نقيض
من حرية الإنسان ويجعله أسيرا بيد الجهل والتخلف ، ويعود السبب الرئيس في هذا الفشل الذريع والتخلف إلى تعرض الشعب العربي ، على مدار معظم تاريخه السياسي الطويل ،
إلى ممارسات أنظمة شمولية مستبدة وصلت إلى الحكم بقوة السلاح والمال ، وتسلطت
على الشعوب باللاشرعية ، وحافظت على طغيانها ووجودها بالعنف والقمع والاستبداد ،
إنّ ركود الحالة السياسية الآن ، وصمت الشارع العربي على كل تلك الهزائم السياسية والعسكرية، ما هو إلا نتيجة " طبيعية " و" منطقية " لممارسات تلك الأنظمة المستبدة وللقمع الشديد الذي مورس ضـدّ ذلك الشارع وبخاصة ضد طلائعه المثقفة ، بهمومه السياسية والمعيشية ومخاوفه الأمنية اليومية ، إنّ الشعوب في ظل مثل هذه الأنظمة لنْ تكون قادرة على مواجهة مشاكلها التنموية فضلا عن الهيمنة الاستعمارية ، فالنظم الاستبدادية تقتل
في شعوبها إرادة التفكير والتطوير والإبداع وتخلق مجتمعا متأزما. فأسير الاستبداد كما يقول الكواكبي "يعيش خاملا فاسدا ضائع القصد، حائرا لا يدري كيف يميت ساعاته وأوقاته " ، إنّ إشكالية الاستبداد بالرأي وعدم القدرة على تقبل الرأي الآخر والتشرذم الفكري المؤدي إلى الخلاف والاختلاف أصبحت صورة مألوفة في المجتمع العربي المعاصر ، حيث غدت إشكالية واقعية معاصرة وعقبة حقيقية على طريق تحقيق وحدة شاملة للأمة في ظل حرية الرأي والتعبيرعنه ، إنّ امتداد الوطن العربي على هذه الرقعة الجغرافية الكبيرة في قارتين من أكبر قارات العالم ، وسيطرته بالتالي على أهم الممرات الإستراتيجية المائية ، واحتواءه على ثروات هائلة وطاقات مادية وبشرية كبيرة جعلته عرضة لمختلف أنواع المؤامرات والفتن على مر العصور، كما أنّ ثرواته أغرت الدول الاستعمارية بتعميق سيطرتها وهيمنتها المباشرة
على مقدرات المنطقة وتحقيق منافعها ومصالحها الاقتصادية والإستراتيجية على حساب مصالح الشعب العربي المالك الحقيقي لهذه الثروات .
صحيح ، أنّ الموقع الجغرافي الممتد للوطن العربي والثروات الهائلة الكامنة فيه قد جعلته
على مر التاريخ عرضة للمؤامرات والغزوات الاستعمارية الطامعة فيه ( التي لن يكون آخرها غزو العراق ) ، إلا أنه يتوجب علينا أن لا نغفل العامل الداخلي الذي أوصلنا إلى هذا المستوى الخطير من الضعف والتخلف ، فالوطن العربي ، من أقصى شرقه إلى غربه ، يعاني من تعمق ظاهرة الاستبداد على كافة مناحي الحياة فيه ، إنّ هذا المرض هو أهم مشكلة تعيشها أمتنا العربية الآن وتمنعها من التطور لتنهض وتتطور وتلحق بالدول المتقدمة ، إنّ هيمنة الاستبداد على مختلف أوجه الحياة في عالمنا العربي المعاصر قد حرمت شعوبنا العربية من الطاقة الحركية التي تدفعها لبناء ذاتها وهي طاقة الحرية المسؤولة والقدرة الإبداعية على الابتكار الصحيح والتفكير العلمي الممنهج والتعبير السليم ، " فالاستبداد والتسلّط بمختلف ألوانه وأشكاله هو شيء أعمى يسير عكس حركة التاريخ والحضارة والحياة الإنسانية الطبيعية ، لأنه يقف على طرف نقيض من حرية الإنسان ومن قدرته على تحقيق الاختيار السليم ، بل إنه يشل طاقة التفكير واستخدام العقل والفطرة الصافية عند الإنسان ، ويرهن سعيه للمجهول ، ويجعله أسيرا بيد الجهل والتخلف ، وهنا تقع الكارثة الكبرى عندما يفقد
هذا الإنسان حريته لأنه يفقد معها كل شيء جميل في الحياة ، إنه يفقد العزة والكرامة والأخلاق والعلم ، وبالتالي يكون مصيره الموت المحتم أو العيش على هامش الحياة والوجود " ، يرى الكواكبي أنّ الاستبداد ( بأشكاله المختلفة : الديني والسياسي والاقتصادي )
هو أساس جميع الفساد وأن عاقبته لا تكون إلا الأسوأ ، مثلما يرى في الاستبداد أكبر مشكلة يعانيها الشرق ، ويعرف الاستبداد بقوله : " الاستبداد في اللغة بمعنى اكتفاء الشخص برأيه
في موضوع يحتاج إلى الشورى ، لكنّ هذه اللفظة عند ذكرها بالصيغة المطلقة تفهم باستبداد الحكام ، أما في اصطلاح أهل السياسة فهي تعني تصرف فرد أو جماعة بحقوق شعب دون الخوف من المؤاخذة والاستجواب " ، ويرى أن الاستبداد هو " من صفات الحاكم المنفرد والمطلق العنان، الذي يتصرف في أمور رعيته بإرادته دون خوف من المحاسبة أو العقاب " ومن جهته يصف أفلاطون المستبد بقوله : " المستبد يستولي على السلطة بالقوة ويمارسها بالعنف، بعد ذلك يسعى أولا إلى التخلص من أخطر خصومه ، ويكثر من الوعود ، ويبدأ بتقسيم الأراضي مما يجعله شعبيا ومحبوبا ، وهو ما ينفك يفتعل حروبا ليظل الشعب بحاجة دائمة إلى قائد ، وهذه الحروب تنهك كاهل المواطنين من خلال ما يدفعونه من ضرائب باهظة ، فيضطرون إلى زيادة ساعات العمل مما لا يبقي لديهم وقتا للتآمر على المستبد . والحرب تساعده على التخلّص من معارضي سياسته ، حيث يقدمهم إلى الصفوف الأولى
في المعركة  إنّ ذلك كله يدعو إلى إستياء الجماهير ، حتى أعوانه الذين دفعوه إلى السلطة ، وهنا لا يجد أمامه إلا القضاء على المعارضة بما يملكه من وسائل العنف والقوة ، فيزيد
من تسلحه ، ومن حرسه الخاص من المرتزقة ، مما يتطلب نفقات طائلة ، فيلجأ المستبد
إلى مزيد من نهب خزائن الشعب الذي يدرك بعد فوات الأوان أنه وضع في حالة استعباد مسيس فحكم القوة والإجرام وضيق الحظيرة وقلة الصبر عنْ الآراء المخالفة طبيعة ملازمة للحكومة المستبدة ، ولا تلبث أنْ تنتشر هذه الطبائع في الدولة كلها وتعم العلاقات الاستبدادية المجتمع بهيئاته جميعها " .
المصدر / قناة الجـــزيرة .