الهزيمة الأرمنية والانتصار الأذري
بقلم/ سلوان ساكو
لمّ يكن النزاع الدائر بين أرمينيا وأذربيجان على إقليم ناغورنو كاراباخ متكافئاً منذ البداية. هذا كان جليًا حتى للمُتابع العادي للأحداث، ومن أنطلاق الرصاصة الأولى من فوهات البنادق. ما حسمّ الصراع سريعاً لصالح باكو هو دخول المرتزقة التركية من السورين والجيش التركية ذاته على خط القتال وأن كان بشكل مُستتر، مما أعطى دفعّة قوية للقوات الأذرية في مواصلة المعارك والدخول في عمقّ الإقليم المتنازع عليه منذ عقدّ التسعينيات والاستحواذ على الأراضي. في المقابل تُركتّ أرمينيا لوحدها تخوض غِمار الصولات على الجبهات المشتعلة بنيران الرصاص المضاد والقوي، في حين كان الدبْ الروسي يقبع في سّبات عميق. حاولت فرنسا في البداية أن تتدخل، وحاول إيمانويل ماكرون أن يفرض رأي أخر على أبجدية الصراع على جبهات القتال وأن يقدم يدّ العون للأرمن، ولكن في نهاية المطاف لم تنفع كل الجهود المبذولة في جمع الحشد والتاييد من بعض الدول الأوربية ففشل المشروع الفرنسي لتقديم العونّ والمساعدة للحليف الأرمني. على الجانب الروسي كانت موسكو تفكر كثيراً في مساعدة الجارة العاجزة في الدافع عن أرضهم وقوميتهم وبقائهم، والتي تربطهم ببعض إتفاقيات مشتركة للدفاع والأمن، فأصيبوا بخيبة أمل كبيرة وطعنة في الظهر لم يتحملوها، في نهاية الأمر لم تنفع المُقاتل الأرمني كل تلك الاغاني والرقصات والدبكات والأهازيج لشحذَّ هِممّ الجنود في ساحات الوغى.
حصل اتفاق بين الطرفين الأرمني والأذري، أو لنقل بصورة أدق هزيمة للطرف الأرمني، هنا كان وصف رئيس الحكومة الأرمينية نيكول باشينيان دقيقاً (الاتفاق مؤلم جدًا)، مِمَا سبب في اندلاع موجة غضب شديدة في أرمينيا، واقتحم محتجون مبنى البرلمان في العاصمة يريفان، واعتدوا على رئيس البرلمان بالضرب.
في بداية النزاع عولت أرمينيا على الحليف الرئيسي لها وهي روسيا، ولكان تبين لاحقاً أن موسكو لها أجندتها الخاصة ونمر من ورق لا غير أمام الجحافل التركية التي جاءت على وجه السرعة للصف والقتال مع قوات أذربيجان المتقدمة بتجاه كاراباخ. كل هذه الأحداث أرخت قبل أيام لإتفاقية تنازل عن مقاطعة شوشا أو شوشي للحكومة الأذرية واخلائها من جميع سكانها الأرمن. فما كان من قاطنيها غير حرق منازلهم ومحتوياتهم قبل المغادرة القصرية.
مرة ثانية تخاذلت روسيا أمام تركيا، الدرس كان واضحًا منذ العام 2015 حين أسقطت الدفاعات التركية المقاتلة الروسية سوخوي 24 عن قصد وعمد وقتل أحد طياريها وأسر الثاني. لم تفعل شيء موسكو إزاء الحادث غير التصريح البارد من عاصمة الثلوج. علامات الانكسار والهزيمة واضحة في شوارع العاصمة يرفان، والانتصار والفرح في شوارع العاصمة باكو، هذه هي الحقيقة دون مزيدة، لا داعي لنكأ الجراح أكثر.
شئنا أم أبينا ذلك، تبقى أنقرة ماسكة ومسيطرة على الأمور في مناطق عديدة من العالم، ليبيا، سوريا، الشمال العراقي، قطر، وغيرهم، ولم تكن الزيارة الأخيرة للرئيس أردوغان للشطر التركي من جزيرة قبرص المحتلة، وبالذات مدينة فاروشا الحدودية مع قبرص اليونانية غير رسالة واضحة المعالم، أن هنالك ثمة متغيرات جديدة على أرض الواقع تفرضها أنقرة متى تشاء، وأن تركيا ماضية في سياساتها التوسعية غير أبهة بأحد، لا أوروبيًا ولا حتى لأمريكا ذاتها.