مادلين إيشوفا من قرية أرزني الى الغناء في الكرِملين
بولص آدم اللغة والحفاظ عليها عن طريق الأغنية الآشورية. هو ببساطة رفع شأن اللغة وقيمتها في قلوب الناطقين بها، أن نسمع الأغنية وتصبح لازمة مقطعية منها مصاحبة بتكرار في مختلف أوقاتنا وفي أي مكان، يعني غرس حب اللغة في نفوس أبنائها، هذا بالأضافة الى وظيفة إجتماعية هي شد أواصر قوية بين أفراد الشعب الواحد والموسيقى والأغاني غير المُبتذلة هي آصرة عابرة للقارات والسياسات والعنصريات. عندما أحيا المايسترو المعروف ياني كونسيرته الراقي أمام تاج محل في الهند، قال بأن الناس تسأله هل هو يوناني أم أمريكي وجوابه هو بأنه إنسان محب أولا فهو هندي ويوناني وأمريكي والخ..
الفنانة مادلين إيشوفا، في أحدث أغانيها ترجو الحفاظ على اللغة الأم من خلال كلمات أغنية:
RIGDA D’ AWAHATAN / 2020
https://www.youtube.com/watch?v=W2nD20dRJg0 ..هذه الأغنية الميلودي من كلمات تيدي دِهايا وتوزيع جون إيشو والفيديو من صنع مولوتوك برود.. مقطع من الأغنية يَرجو (اللغة التي حفظها أهلينا واجبنا الحفاظ عليها وتعليمها لأولادنا) و هذه الأغنية تم إطلاقها قبل ساعات فقط من هذا اليوم، نبارك لها أولا هذه الأضافة الجميلة الى أغانيها التي تعبر بصدق عن فنها والتزامها بأصالتها، فالمولودة في قرية أرزني الآشورية في أرمينيا كانت تغني منذ طفولتها، وتحكي بنفسها عن أن وصول كاسيت وقت الكاسيت لمطرب أو مطربة آشورية كان حدثاً وكانت القرية كلها تهتم بالأغاني التي تحويه.. لم يكن أحد ما يعتقد بأنها ستحقق حلمها فتكون مطربة في المستقبل. لكن، وما أن أكملت مراحل التعليم الأساسي، قررت دعم موهبتها بدراسة الموسيقى وأصول الغناء أكاديمياً في روسيا وهي ابنة ١٦ ربيعاً لتكمل لاحقاً في كلية غناء خاصة في أوكرانيا، كانت ظروف معيشية صعبة فكان عليها أن تدرس وتعمل وتربي ولدها ميخائيل. في هذا الجانب تؤكد على تحقيق توازن بين هذه العناصر الضرورية، العائلة والطموح الشخصي وأهمية تربية الأولاد وغرس حب اللغة والثقافة الأم منذ نعومة أظفارهم.. اليوم جمهورها ليس من الآشوريين في روسيا فقط بل يحضر غناءها على المسرح جمهور متنوع من الروس والأثنيات الأخرى هناك.
أسمع أغاني مادلين على تنوعها بين العاطفية والقومية منذ أن أُتيح لنا ذلك عبر الأنترنيت وتابعت لقاءين معها كل في حينه ونشكر كل من الناشطة الآشورية يانا يوخانوفا في كرسندار الروسية والشاعر الآشوري نينوس نيراري في شيكاغو على تحقيق هذين اللقائين اللذين أتاحا لنا التعرف على المطربة مادلين إيشوفا بشكل أوسع وأعمق وهي بحق جديرة لأن تقف في المقدمة الى جانب مطربات معروفات ببصمتهن في الأغنية الآشورية ومن مُختلف الأجيال.. مادلين لها فرصة كبيرة من خلال الغناء باللغتين الروسية والأرمينية وقد أثبتت ذلك بالغناء بهاتين اللغتين وعلى مسارح كبيرة وأمام جمهور غفير، لها فرصة أن تحصل على شهرة أكبر تدر عليها مردود مادي أيضاً، لكنها فضلت الغناء بلغتها الأم وتُنفق على مجموعاتها من الأغنيات وحتى تصوير الأغاني من مالها الخاص وهي لا تحصل من بيع الCD الا جُزء صغير مما يتم صرفه عليه.. هذا لايمنع إطلاقاً إصرارها على الغناء بلغتها الأم وقد غنت عدة مرات على المسرح في الكريملن وبنفس اللغة الأم ونحن نعرف أهمية تقديم الدعوة لها للغناء هناك وبالآشورية:
https://www.youtube.com/watch?v=bJHHM9RE2sA رسالة هذه الفنانة: هي الحفاظ على الثقافة في عصرنا هذا عصر العولمة حيث الأقليات الأثنية ولغاتها من أبرز ضحاياها.. في مجموعة أغانيها (آتورايا) من كلمات أراهيم بيت لازار يتمثل ذلك ومن خلال كلمات أغانيها قاطبة فقد غنت نص يانشرا د تخوما المعروف لفريدون آتورايا وغنت نصوص لنينوس نيراري و آشور بابا، أبرم يوسب، سركون بيت شموئيل، ولسن أوراها وداود برخو.. لقد قدم آشور بابا كل مابوسعه لأنجاح أغانيها الأخيرة واما آشور باندالوريس فقد ساهم ودعم السيديين الأوليين المسجلين في أوكرانيا في استوديو فيكتور بافلوف .. وهي ممتنة جداً للموزع المنتج الموسيقي فيكسلاف إليوشن وهو من أم آشورية وأب روسي وداعم للثقافة الآشورية في روسيا. اما لماذا كٌل هذا الحماس والأصرار على الأستمرار بثبات واعٍ جداً في الألتزام بالخصوصية، فليس أكثر مما تصفه بنفسها: لقد ولدت آشورية وأجدادي أتوا من نينوى ثم أورميا ثم مروا بدول قبل أن يستقروا في قرى أرمينيا الآشورية، ما تلقوه من أجداهم قبل مائتي عام في أورميا، نقلوه معهم وحافظوا عليه ووضعوه كشعلة مضيئة في أضمومة كفينا وهو كافٍ ليواصل إضاءة قلوبنا ونحن نسلمه لمن بعدنا.. علينا جميعاً المساهمة بلا كلل وخمول ولاأبالية ومهما كانت ظروفنا للحفاظ على تلك الشعلة فما عاناه أجدادنا لم يكن هينا بل أصعب مما نعيشه اليوم في الشتات وفي وطننا الأم.. وهي تعتقد بأن لانضعف فالتخلي عن الخصوصية ضعف! خاصة وسط طغيان خصوصيات الأثنيات الأكبر التي نعيش بينها..
من اللآفت المؤثر، أن هؤلاء الآشوريين في دول أوربا الشرقية المستقلة وروسيا لديهم حب كبير لخصوصيتهم ويتمنون التواصل مع أبناء جلدتهم في العالم.. عندما قدمت لها دعوات للغناء في اميركا واستراليا وأوربا، أول شئ فكرت فيه وأرقها كان عبارة عن هواجس من قبيل: هؤلاء الذي سأتوجه للقائهم، هل هم مثلها أي هل هناك جسر رابط للهجتهم وثقافتهم وأفكارهم مع ما لديها أم أن هناك أختلافات وعوائق؟ لقد زال هذا القلق وتبخرت الهواجس وبعد دقائق من لقاء تم عدة مرات وشعرت مادلين بأنها كمن يعرفهم جيداً منذ سنوات.. اما أعظم أمنياتها فهي أن تزور بيت نهرين ونينوى بالذات تريد شرب ماءها و أستنشاق نفس الهواء هناك تماما كما أجدادها:
https://www.youtube.com/watch?v=vmo56V3ej_E