عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - ابراهيم امين.

صفحات: [1]
1
                 

              باب الحديد (محطة مصر)
               (بين القصّ والنقد)
بقلمي: إبراهيم أمين مؤمن
ملحوظات:
-النقد في أسفل القصة.
-المشاهد الثلاثة قمت فيه بدمج أحداث الرواية كلها، وأظهرتُ طبائع الشخصيات المحورية فيها: قناوي وعم مدبولي وهنومة وأبو سريع.
وراعيت أن تكون قصة قصيرة متكاملة في أركانها وسماتها.
                             ***

وظلت هنومة تتمايل على حرف باب القطار السائر وهي في قمة السرور، وتغني: «واحنا بكرة هنتجوز.»
بينما قناوي يتكئ على صفحة القطار وينظر إليها بكل سرور، ولقد خُيل إليه أنها دعته إلى القطار من أجل مصارحته بالزواج منه.
تلك الفتاة التي عشقها، فدائما يراها أشبه بتلك الصور العارية التي ملأت جدران حجرته التي يبيت فيها.
فقد اعتادت هنومة دائما أن تلبس فستانا يظهر نصف ثديها العلوي، وكذلك يظهر نصف ساقيها السفليين.
وتأكد من ظنه بعد أن تذكر اليوم الذي أحضر لها فيه عقدا ذهبيا يملكه رغبة بالزواج بها، ولقد تعمد ذلك لأنه يعلم عنها من خلال عملها في المحطة أنها تحب المال أكثر من أي فتاة أخرى وأنها قد تتنازل عن ثوابتها من أجل حصد المال، ولقد تجسد ذلك أمامه عندما كانت تبيع زجاجات الكوكاكولا  للركاب بأي وسيلة رغم أن ذلك يعرضها للمساءلة أمام رجال الأمن.
وقد بدا طبيعيا عندما سمع منها ذلك، وقال: «أحسن ونبعد عن الزيطة دية خالص.»
فأحد جوانب شخصيته المريضة أن الكلام الذي يستحسنه ويحقق أحلامه يعتقد فيه الواقعية ولو كان بعيدا عن ذلك ملايين السنين الضوئية.
ويرجع السبب في ذلك بسبب جعل نفسه تنفلت لتسبح في الخيال دائما، مما تسبب أن كل مداركه تجسد رغباته أمامه وإن لم توجد في الأساس.
وقال في نفسه: لقد نجحت خطتي بعد أن قتلتُ البت حلاوتهم وألصقتُ التهمة بأبو سريع.
لذلك قال وهو يبتسم ومنبسط الأسارير: «فرحانة يا هنومة؟»
أجابت في صرامة: «أيوه، وعقبالك أنت كمان لما تلاقي بنت الحلال اللي تريح قلبك.»
هنا تأكد أن هنومة لم تقصده هو عندما قالت قولها: «واحنا بكرة هنتجوز.»
ضربته كلمة هنومة في أوعية قلبه وظهر ذلك على ملامح وجهه التي تقلصت بعد أن كانت منبسطة، وهُيئ له أن هنومة لم تعلم بجريمة قتل أبو سريع لحلاوتهم، أو على الأقل خطته فشلت في إلحاق التهمة بأبو سريع الذي يعمل شيالا في رصيف القطار. لذلك قال في اندفاع وإصرار: «أبو سريع قتل حلاوتهم وعاوز يتجوزك عشان يلهف القرشين اللي حوشتيهم.»
استنكرت حلاوتهم كلامه وصرحت بحب أبو سريع لها وزواجه بها، فأغضبه تصريح هنومة له وشعر بأن حلمه ضاع وذهب مع الريح، لذلك أخرج السكين على الفور وهددها بقتلها وقتله إن تزوجت بأبو سريع.
في تلك اللحظة آثرت هنومة أن تقاومه بالقوة لا بالحيلة، ونسيت كلام أبو سريع لها عن قناوي يوم أن قال لها أبو سريع بالنص: الكلمة الطيبة تطويه وتخليه زي العيل الصغير، والكلمة الرضية تقلب كيانه وتخلي مخه يشت ويعمل جناية.
وآثرت المقاومة بدل أن تقول له كلمة طيبة تطويه وتخليه زي العيل الصغير، فغافلته وهو شاهر السكين في وجهها وأمسكته من يده التي بها السكين وشدتها بأقصى ما لديها من قوة  فطرحته أرضا ثم لاذت بالفرار بالركض عبر عربات القطار. نهض وركض خلفها للإمساك بها.
                               ***
                         
صوت مذيع القطار يجلجل في القطار: على كل الركاب الابتعاد عن منطقة المناورة، مجرم يحمل سكينا، على رجال الأمن التوجه إلى منطقة المناورة.
في ظل المطاردة ظل يردد مذيع القطار تلك العبارات بعد أن أوقفوه.
لقد حضر رجال الأمن منذ بضع دقائق بناء على مكالمة من قناوي نفسه لاستكمال مخططه الشيطاني، فبعد أن قتل حلاوتهم ووضعها في صندوق ذهب إلى أبو سريع ليخبره بأن هذا الصندوق يحمل متاع حلاوتهم ويجب عليه إحضاره بناء على طلبها.
فلما رأى أبو سريع يحمل الصندوق سارع بالاتصال برجال الأمن ليخبرهم بقتل أبو سريع لعاملة القطار في المحطة وتدعى حلاوتهم. 
ولكن فور أن جاء رجال الأمن علموا الحقيقة، علموا أن الذي قتل حلاوتهم هو قناوي، وأنه مجنون، وعلى ذلك طلبوا له مستشفى المجانين.
استمرت المطاردة بضع دقائق، وأخيرا تمكنت هنومة من فتح باب كابينة القطار والاختباء فيها بينما هو يركض بحثا عنها في لهفة.
نظر قناوي فوجد أبو سريع ورجال الأمن يتوجهون ناحية القطار، فتوارى، بينما دخل أبو سريع وسط الجميع وهو ينادي في لهفة: «هنومة هنومة.»
سمعت هنومة صوت أبو سريع ففتحت باب الكابينة وهي تنادي عليه نداء المستغيثين، فوجدت قناوي أمامها.
وضع يده على فمها حتى يكتم صوتها وهو يشهر سكينه في وجهها، واشتبكا معا، هو يحاول كتم أنفاسها وشل حركتها وهي تحاول اللواذ منه بالهرب، وفي النهاية تمكنت من عضه عضة قوية، على أثرها استطاعت الفرار لتقفز من مؤخرة القطار.
                            ***

وقفزت هنومة من مؤخرة القطار، وقفز خلفها ليمسك بها ولا تزال السكين في يده. ويتدحرجان على القضيب عدة مرات حتى استقرا على مكان تحويلة (1)  القطار، أصيب قناوي بشج كبير في أعلى رأسه (2)  نتيجة ارتطام رأسه بقوة في الطوب المسنن الملقى على الأرض، وأغلق قضيب القطار استعدادا للانطلاق من أجل التحويل من الرصيف الذي كان فيه على الرصيف المراد السير فيه لاحقا، وأطلق سائق القطار صفارة الانطلاق وهو يخفض عصا القيادة لأسفل.
في تلك اللحظة انتبهت هنومة لصوت إغلاق التحويلة، فنظرت فإذا بالقطار يبدأ بالتحرك، كانت تحاول أن ترفع يد قناوي اليمنى الملتفة حول رقبتها لتتمكن من الفرار، بينما السكين مرشوقة في الأرض (3) ، وتدافعت عربات القطار لتدفع بعضها بعضا بإحداث صوت تصادم الحديد، وسُمع لعجلاتها طقطقة بعد أن بدأ بالتقدم الذي زاد مع تقدم بضعة أمتار.
وتقدم القطار أكثر؛ بينما لا زالت هنومة تقاومه، هنا رفع قناوي يده من على رقبتها وضغط بها على ظهرها، كما رفع سن السكين من الأرض شاهرا إياها على ظهرها بينما لا زالت هنومة تحاول الإفلات (4) ، والملاحظ يصرخ بأعلى صوته وهو في قمة الذعر وممسك بكشاف صغير للإضاءة حيث كان الوقت مساء إلى سائق القطار بأن بتوقف حتى لا يفرمهم (5).
لما أدركت هنومة باستحالة الفرار استسلمت للموت، فثبتت لا حراك فيها في انتظار الموت دهسا تحت عجلات القطار، أما قناوي فلم يكترث لتقدم القطار نحوه وظل ثابتا لا يتحرك (6) .
حدث نفسه عندئذ: كده كده أنا ميت بعد أن عرفوا الحقيقة بأني أنا الذي قتلت حلاوتهم، فلتمت معايا هنومة كمان.
واستقر القطار وأضيئت كشافات رجال الأمن وسُلطت على موقع هنومة وقناوي، بينما وضع قناوي يده في مقدمة عينيه تحاشيا للضوء المنبعث من الكشافات العملاقة، ونظر حوله، فوجد الشيالين في المحطة ينظرون إليهما، وكذلك صاحبات هنومة البائعات المتجولات في المحطة، ورجال الأمن، وأبو سريع الذي يركض من خلفهم، وعم مدبولي الذي يملك كشك سجائر في المحطة والذي آواه وعامله كأحد أبنائه.
وحضر ممرضو مستشفى المجانين بناء على قول عم مدبولي لرجال الأمن بأن قناوي قد ذهب عقله.
في تلك اللحظة أدرك قناوي أنه لا مفر من الهروب، فقرر أن يتخذ هنومة رهينة من أجل الفرار، ولذلك قال بكل حسم وإصرار:  «لو حد قرب لنا هقتلها، ما تسيبونا لوحدنا بقى.»
رغم أنه أدرك الحقيقة إلا أن أحلامه وأوهامه عاودته مجددا وظهر ذلك جليا في قوله: «ما تسيبونا لوحدنا بقى.»
هنا أدرك عم مدبولي أن الموقف تأزم وازداد خطورة فقرر أن يجنبه ارتكاب جريمة قتل بالحيلة والدهاء.
وتقدم عم مدبولي تقدما حذرا وهو في قمة الحزن وقال له متوددا: «قناوي يا ابني، رد عليّ ده أنا أبوك مدبولي.»
كان يحمل عم مدبولي آنذاك القميص الذي يرتديه مرضى مستشفى الأمراض العقلية في يده اليسرى (7) . وبهذه الجملة أراد عم مدبولي تهدئة نفسه الثائرة، بهذه الجملة أراد من خلالها أن ينتبه له قناوي ويعطيه أذنيه بكل أمن وطمأنينة، فعم مدبولي يعرف نقطة ضعفه معرفة جازمة.
ثم قذفه بجملة وهو يسير نحوه، وعلى وجهه علامات الفرح المصطنعة، جملة يفكر فيها اللبيب قبل أن يقدم على أمر مهما كان إصراره عليه: «أنت زعلان ليه؟ ده أنا هجوزك هنومة.»
هنا بالفعل تعايش قناوي مع كلمات عم مدبولي التي اخترقت قلبه على الفور، إذ إنها تتواءم مع أوهامه المرتكزة في أعماق نفسه والذي يعتقد بواقعيتها في الوقت الحالي.
وإمعانا في تأييد حجته كي يصدقه قناوي مد يده نحو جيبه وهو يقول: «والمهر جايبهولك معايا أهوه (8)
وأخرجها فارغة من جيبه.
أدرك أبو سريع الذي يراقب المشهد مراقبة الواعي اللبيب، ونظر في وجه قناوي فتأكد أنه يصدق كلام عم مدبولي فانتهزها فرصة وتقدم بحذر وهو يزحف على القضبان باتجاههما، ولم يكن غريبا على أبو سريع أن يدرك ذلك فهو أعلم بشخصية قناوي الحقيقية بعد عم مدبولي على الفور. فقد حلل شخصية قناوي بجملة قالها سابقا لهنومة: الكلمة الطيبة تطويه وتخليه زي العيل الصغير، والكلمة الرضية تقلب كيانه وتخلي مخه يشت ويعمل جناية.
وتقدم عم مدبولي أكثر وهو يجتاز القضبان.
قال: «قناوي يا ابني، الليلة دخلتك على هنومة، وأنا بنفسي هكون من الشهود، هاعملك فرح كبير أوي، فرحك يا قناوي.»
هنا توقف عم مدبولي لحظة وهو ينظر إلى أبو سريع من طرف خفيّ، واقترب أبو سريع أكثر منهما بزحفه على القضبان (9)   بينما بدأ قناوي تفتك به أحلامه التي غيبته عن المشهد الحقيقي الذي هو فيه الآن، وبدأ يهيم في مضاجعة هنومة بعد أن يختليا ببعضهما في مبيته الذي يحتوي على عشرات الصور العارية لنجمات السينما العالمية.
أردف عم مدبولي قائلا: «سيبها مستريحة وقوم انت معايا البس جلابيتك، جلابية الفرح، فرحك يا قناوي.»
وهنا أدرك عم مدبولي أن قناوي صدقه، وانتبه له فحسب دون بقية الموجودين.
واستأنف: «فرحك يا قناوي، ده أنا هعملهولك أحسن فرح، بمزيكا والنور والزفة، قوم يا عريس. قوم طاوعني ده أنا ما بجبش لك إلا الخير.»
ونظر عم مدبولي مرة أخرى إلى أبو سريع  من طرف خفي (10).
بينما قناوي لا يزال يعيش لحظات السعادة الغامرة، فقد كان يجول بخاطره أيضا أن عذاب السنين الذي عاشه بين الناس آن له الآن أن ينجلي، وآن لنفسه المكبوتة بين النظر إلى نجمات الإغراء العالمية التي تزين حجرته أن تتحرر، وأن سخرية الناس له التي لازمته على مدار حياته كلها آن لها أن تزول، وأن عرجته لم تكن تعيبه في شيء مطلقا.
قد سلبتْ كلمات عم مدبولي الذي يثق فيه لبه وأذهبت عقله وعيشته في تلك الأوهام.
حتى إن أبو سريع سحب من يده السكين بعد عملية تسلل ناجحة دون أن يشعر قناوي بذلك.
وظل يعيش في تلك اللحظات مسلوب الفكر والإدراك والإرادة حتى عندما أقبل الممرضون نحوه وألبسوه القميص لم يرد إليه عقله.
وخرج، خرج من البوتقة التي انصهرت فيها السعادة، انصهرت بكلمات عم مدبولي الذي يحبه دائما ويثق فيه.
وتبين له عكس ذلك تماما عندما نظر إلى الممرضين والقميص الخاص بنزلاء مستشفى المجانين، رغم أن عم قناوي لا يزال يتقن دوره بعد أن تمكنوا من إمساكه تماما (11).
تأكد أن كل أحلامه ذهبت مع مهب الريح وخلفت ورائها جحيما لا يحتمل.
استرد عقله المسلوب، لذلك صرخ، صرخ بأعلى صوته: «لا، لا، عم مدبولي متسبنيش. »
وأخذ يكررها والممرضون يسحبونه إلى الخارج استعدادا لمواجهة مصيره المجهول.
صرخ لما خرج من الوهم الذي كان يحيط به إحاطة السوار بالمعصم، ولقد كان حجم صرخته بقدر حجم الوهم الذي كان يعيشه.
صرخ بقدر إدراكه أنه المسكين الذي لطالما عاش لتحقيق أمل واحد في حياته، هو الزواج بهنومة لإشباع رغبته الجنسية والخروج من النقص الذي يعيشه منذ أن أدرك الحياة.
                                 ***




(1) التحويلة: هي مجموعة من القضبان الحديدية تسمح للقطار بالإنتقال المرن من سكة إلى أخرى أي أن يغير طريق سيره. أهم أجزاء التحويلة هي اللسان القابل للحركة والذي يتحكم به محرك فيغير مكانه النهائي قبل قدوم القطار.
 (2)ربما كان على المخرج أن يظهر قطرات الدم وهي تنسكب من على وجهه قطرات على كتفه الأيمن ، حيث كانت الدماء تغطي نصف وجهه الأيمن وقد بدت متجلطة، مما يعني أن حرارة الشمس قد تمكنت من تجلط الدم.
 (3) ربما كان من الأفضل أن تكون السكينة على رقبة هنومة.
 (4) وربما كان على المخرج أن يظهر محاولتها للتحرك يمين القضبان أو يساره مع مناشدة قناوي بالصراخ للانحراف عن سكة القطار حتى لا يفرمهما معا
 (5) الملاحظ كان يتابع المشهد من أوله، فربما كان يجب عليه أن ينادي على سائق القطار من بداية صفارة الانطلاق.
 (6) ربما كان على قناوي الابتعاد عن سكة القطار، فهو كان في كامل وعيه والدليل أنه عندما حاول رجال الأمن التقدم نحوهما قال:  لو حد قرب لي هاقتلها.
 (7) ربما وجود الثياب يمثل خطأ ولاسيما أن قناوي يبيع الصحف التي تحمل الكثير من صور تلك الثياب كثيرا.
 (8) ربما خروج يد عم مدبولي من جيبه فارغة يمثل خطأ، فلو خرج بالحافظة ولو كانت فارغة لمثل حبكة جيدة
 (9) ربما تكون هذه النظرة تلفت انتباه قناوي وقد سبقها من قبل خروج أبو سريع من  من وسط الصف الذي تقدم منه عم مدبولي.
 (10) ربما كرر نفس الخطأ بنظره لأبو سريع الذي بات على مقربة من قناوي ولا تزال السكينة في يده
 (11) ربما كان يجب على عم مدبولي أن تذهب ابتسامته ويتقلص ملامح وجهه ويدمع دموع العبرة والتأثر فور أن استمكنوا منه، لكنه ظهر يبتسم.

2
أدب / وذُلّت الأعناق
« في: 06:17 04/03/2024  »
                وذُلّت الأعناق
         مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء
بقلمي: إبراهيم أمين مؤمن
كان يعمل في الجهاز الشامل وهو داخل أحد معامل ناسا، فجلس يستريح برهة، ليتابع آخر أخبار إسهامات العالم في دعم رحلته.
فسمع إعلامي يقول عبر قناة فضائية عالمية بأن معدل الجريمة في العالم منذ علم البشر بأمر ثقب سحابة أورط كاد أن يقترب من الصفر، وعليه ظهرت ثروات لدى الناس لم تكن في حسبان أحد من علماء الاقتصاد؛ بل أدهشتهم؛ مما وفّر دعما لرحلة جاك الأمريكي بقيادة الناسا لم يتصوره أحد.
فهزه الخبر، اجتاز السرور كل جوارحه، مما دفعه لمعاينة أحوال العالم بنفسه.
لم يكن لرجل مثل جاك أن يفوّت فرصة كهذه دون أن يشفي غليل نفسه من الحقد والبغضاء والعداوة التي ملأت نفوس البشر منذ بدء الخليقة.
إنها فرصة ذهبية خلّقها ثقب سحابة أورط، فتذكر في نفسه كيف يتحد الأعداء وينسون ما في نفوسهم من شر وهم على متن سفينة تهددها الرياح العاتية لينجوا بأنفسهم من الموت غرقا.
وتمنى في نفسه شيئا عبر عنه بقوله: يا ليتك أيها الثقب المتربص بنا في السماء تنتظر طويلا علّ نفوس البشر التي اعتادت على العواء والزئير والفحيح تكف عن تلك العادات الوحشية التي لطالما انتشت بها وطربت لها آذانهم قرونا من الدهر، منذ أن كانوا شيئا مذكورا.
فخرج، خرج ملثمًا كي لا يعرفه أحد مستقلا سيارته الطائرةً ليتجوّل شوارع واشنطن، وهو يعلم أنّ أهل واشنطن لا يختلفون في شيء عن باقي أهل الأرض، فالبشر كلّهم سواء.
قال في نفسه وهو يهز رأسه مستعبرا ومرارة الوجع طفحت في حلقه:  الإنسان هو الإنسان، قلما يعالج عنفوان الأرض وسطوتها نفسَه الآثمة، والتأثير الحقيقي لقوة مهيمنة جبارة، ولا ترتكز إلا في السماء.
وبفضل القاضي الذي في سحابة أورط خشع الناس وآمنوا واستسلموا للحقّ والعدل والسلام.
وظل يسهب في حديث النفس حتى قال متوجعا خائفا:  أخلاقهم الآن كأخلاق الملائكة، وكم أخشى أن أفجّر لهم الثقب فينتهجون أخلاق الشياطين؛ فمن يتّق تحت سلطان السيف يفجرْ عند كسره.
وقطع بسيارته مسافات شاسعة جدًا على حالته تلك، لا يدري أين هو بالضبط؛ فحديث النفس طغى على كل مداركه وحواسه فعاش في عالمها.
وسمت نفسه، فدفعته لمعانقة الشواهق، فارتفع بالسيارة إلى أعلى وهو يستنشق الهواء بشهيق أحدث صوتا متواصلا من صفير الرياح الخفيف كأنما يعبئه بقدر ما يستطيع في جيوب أنفه لتمر في عروقه وتتخلل روحه، لنقائه المنقطع النظير والذي لطالما انتظر تلك النسمات الصافية الطيبة حينا من الدهر.
وسكر في أحلام التمني، فغفت نفسه فرأى السيارة وسط أسراب هائلة من الحمائم ذات أجنحة خضر.
 تساءل عندئذ في غفوته: رباه يا مالك الملك أين أنا؟ ربما في الجنة.
وأطلّ بعينيه فوجد كل ما حوله يتحرك داخل تموجات، فكانت الأشياء تظهر وعليها تموجات تصدر صوتا كالصوت الذي يصدر عن قيعان البحار.
كما ظهرت أمامه وكأنها محاطة بهالة من الموجات أو فيض مغناطيسي.
فكانت السيارة والحمائم ونسائم الهواء يتحركون داخل تلك التموجات.
وتساءل مرة أخرى في دهشة: رباه، أين أنا؟
وأجاب بنفسه: ربما في بعد الجاذبية الأرضية كما يقول أينشتاين.
ورأى، رأى تعانقًا في العوالي، تعانقت مآذن المساجد وقباب الكنائس، ورقد كلّ منهما بجانب الآخر يستأنسا ببعضهما ويعاضدا بعضهما.
وفجأة تفجع قلبه، حيث رأى طيورا جارحة لا حصر لها تقبل من بعيد متوجهة نحو الحمائم.
فقال خائفا مترقبا: رباه، سوف يذهب السلام بأنياب الغدر والخيانة.
وما إن انتهى من كلامه حتى رأى الكواسر تنظم نفسها ضمن خطوط سير أسراب الحمائم.
فطابت نفسه بعد أن ذهب الخوف من قلبه، وحمد الله.
وتساءل في شأن آخر وهو ينظر إلى هذه الأسراب الهائلة: أين أدخنة المصانع؟ أين إشعاعات القنابل النووية؟
فلما أدرك أنها لم تعد توجد انفرجت أساريره كالزهرة التي تتفتح لتلتقي بندى الماء بعد الفجر.

                            ***
ونظر كذلك في غفوته كأنّ سيارته هبطت على الأرض، فوجد الناس ترتدي الأثواب البيضاء، والتيجان الخضراء، وهم عائدون من المقابر بعد أن ذبحوا الشر وكفنوه في أثواب من الشياطين.
وتعانقوا وهم يتبادلون التهاني بعد أن أدركوا كافة دروب السعادة الحقيقية.
كما وجد السجون تُفتح لإطلاق الأبرياء، والملاجئ فرغت من اللقطاء بعد أن اهتدى آبائهم وأمهاتهم إليهم.
ووجد الناس يتسابقون في نزع النفاق من قلوبهم، ذاك الذي عج في الأرض وأطّت به وحق لها أن تئط.
فوجدهم يتسارعون لأخذ مكان في صفوف عديدة، ليس لها نهاية، كل صف فيه أناس من ألوان وجوه أهل الأرض جميعا، وكذلك ألسنتهم، سمعهم يتكلمون بلهجات كافة أهل الأرض.
تسابقوا إلى نزع ذاك النفاق، فرأى الواحد منهم ينزع عن وجهه قناعا واحدا، وآخر ينزع قناعين، وثالث ينزع ثلاثة أقنعة.
وعلى بعد كبير من الصفوف يجد مجموعة منهم تنزع عشرات ومئات الأقنعة وهم يبكون بكاء الندم والتوبة.
فتقدم إليهم جاك وسألهم عن شأنهم فأجابوه بأنهم الرؤساء والرعاة والدعاة.
فلما انتهوا من نزع أقنعتهم وجد قبحا لم ير مثله قط، فتفجعت نفسه وكاد قلبه يتوقف لولا أن تلك الوجوه سرعان ما تبودلت، فبعد أن كانت أقبح ما تكون ظهرت في أجمل صورة.
وفي جانب آخر وجد مجموعة من الرجال يحاولون نزع قلوبهم بكل قوة وهم يعضون على أسنانهم؛ فسألهم عن ذلك فأجابوه بأن قلوبهم امتلأت من كل صنوف الشر.
فقال لهم: أحسنتم.
وعاد إلى سيارته وظل سائرا حتى وجد نورا يكتسي بلون أخضر يشع من بعيد، فأقبل إليه في شغف، ودقق النظر إليها، فتبين له أنها جزيرة ذات أشجار كثيفة، أغصانها من القناديل التي ينبثق منها نور أخضر.
وكل يحيط به تموجات تصدر أصواتا كأصوات قيعان البحار.
 فنزل عن سيارته واقترب منها، روحه تسعى إليها قبل قدميه، فوجد نهرا جاريا، ماؤه ذو لون أخضر، فظمئت نفسه، فسعى إليه راكضا حتى إذا ما وصل إليه مد يده إلى الماء على جانب من النهر واغترف غرفة واحدة وارتشفها من كفه، فتعجب من شأن تلك الغرفة؛ حيث روت نفسه الظامئة إلى درجة ظنه بأنه لن يظمأ بعدها أبدا.
وفجأة وجد ظبية على بعد كبير من النهر الواقف على شاطئه، فأمعن النظر إليها، فشعر بأنها منهكة عطشانة، وهي تحاول أن تقترب من الشاطئ بيد أنها لا تستطيع لوجود منحدر قد يجذبها إلى النهر.
فقال: لا تستطيع الاقتراب خشية أن يشدها التيار فتقع فيه، والنهر تغشاه أمواج كأمواج الجبال.
ومضت لحظات، والظبية تحاول بيد أن كل محاولاتها باءت بالفشل، حينئذ أقبل تمساح نحوها بأقصى سرعته.
فتفجع قلبه، وركض نحو الظبية يدعوها للفرار من أنياب التمساح، لكنه تفاجأ بأنها لم تكترث له، وظلت تنتظر في أمن ويعلو وجهها بسمات.
فتعجب من شأنها، حتى إذا وصل التمساح عبأ فمه بالماء واقترب من الظبية وضخ ما في فمه من ماء لها فشربت وعادت.
ونظر في الأفق، فوجد الفهود بجانب الظباء، ووجد الذئاب تحفر في الأرض للحصول على ماء الينابيع للإبل الظامئة.
وقد وجدت المخلوقات الحية العطف والرأفة من الطبيعة، حيث غاضتْ البراكين الثائرة نحو الأرض السابعة، وهدأتْ الأعاصير حتى تحوّلتْ إلى نسمات من الهواء الرقيق المستنشق.
فاستحضر موعظة في نفسه قائلاً: فلما تراحموا فيما بينهم وأقاموا العدل رحمتهم الطبيعة.
وانتبه في دهشة، وسأل نفسه: كيف يحيط بهؤلاء الناس الهالات الموجية وهم على الأرض؟
وظل يصرخ، يريد أن يجيبه أحد، فمرّ عليه فهمان، فلاذ به جاك وسأله: يا فهمان، أين أنت؟ من جاء بك هنا؟ ألم تعبر جسر الشيطان وتذهب إلى إبليس؟  لماذا عدت؟
لم يجبه فهمان.
ردد عليه نفس الأسئلة وهو يصرخ، يصرخ لواذا به، فلما تأكد أنه لن يجيبه سأله عن الناس التي رآها في تموجات زمكانية.
فلم يجبه ومضى.
صرخ جاك، وسعى خلفه يريد أن يدركه بيد أن فهمان دخل في تموجات واختفى وهو يسمع صوت قيعان البحار.
عندها هوى على ركبتيه متحسرا يبكي، وفجأة سكت وقال: علمت.
في تلك اللحظة أفاق من غفوته فرأى مقدمة السيارة ترتفع إلى أعلى السماء بصورة رأسية، فعدل اتجاهه واستدار وتوجه إلى الأرض. 
وقال وهو يهز رأسه: علمت، الآن تأكدت.
الناس تحت تأثير جاذبية الثقب المعنوي، ثقب سحابة أورط، فإن ذهب تأثيره عنهم رحلت كل التموجات المعنوية وظهروا على حقيقتهم. رباه ما أحقر نفوس البشر.
وأخيرًا سأل نفسه: أين كنت يا ثقب منذ زمن؟
ما أجفاك يا حقير! ليتك تظلّ تقبع هناك تلاعبنا ولا تأكلنا، تخدشنا ولا تقطعنا، حتى نظلّ نحيا في ظل ناموسك الأكبر، يا ليت يا ليت.
وظل يفكر فيما رآه من أحلام اليقظة، وقال في نفسه: كم أوحشتني والله يا فهمان.
وتملك جسده رعدة وقال بصوت فيه رعشة وتلعثم:  لو تحطم هذا الرابض في السماء لتذئّب الناس وتوحشوا من أجل استرداد ما أعطوه سابقًا.
وسوف أجد الولايات  المتحدة الأمريكية مستدانة لطوب الأرض.
وعندئذٍ يكون العواء في الجحور قبل القصور، وفي رنين الفخار قبل رنين الذهب.
ولما هبط توجه إلى الناسا وهو يتفكر بقوله: أخشى ما أخشى أن أقتل الثقب فيقتلون الناس أنفسهم، فحسنة الأمس سيئة الغدِّ، وفضيلة الأمس رذيلة الغدِّ، تتبدّل كلّ المفاهيم عند زوال سلطان السماء، وتُهدم الكنائس التي على مشارف المساجد، وتُشنُّ الحروب الإسلامية تحت راية الإسلام، كما تُشنّ الحروب الصليبيّة تحت راية الصليب، إذا فسد أئمتهم وتطرّف مواليهم.
     تدقيق: 2-3-2024

3
أدب / أيامنا الحلوة
« في: 02:40 04/03/2024  »
أيامنا الحلوة
قصة قصيرة
بقلمي: إبراهيم أمين مؤمن
وغادر الطبيب بعد أن أخبر هدى بالحقيقة، وقد مثلت تلك الحقيقة صدمة كبيرة لها، وطفقت تفكر في مآل مَن حولها والصلة التي تربطها بهم.
انهمرت الدموع من عينيها، هاتان العينان البريئتان الخضراوان اللتان ما نظرتا قط ما في أيادي غيرها من نعمة؛ بل كانتا تنظران فحسب إلى الأيادي الفارغة لتملأها من نعمة ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
لكن اليوم قد لطخ المرض العينين بالشحوب والهرم، وغلت اليدان في جراح قلبها.
ووضعت كلتا يديها على وجهها، ذاك الوجه المستدير الرقيق ذو الأنف الصغير والشفاه الرقيقة يبسوا كالصحراء الجرداء، وذهب منه نضج الفتاة الشابة العذراء ليحل محلها شحوب المرأة العجوز الشمطاء.
وتحاول أن تبكي بشدة بيد أنها لا تستطيع لأن البكاء الشديد يسبب لها آلاما في قلبها الذي أجري له عملية جراحية خطيرة منذ نحو ساعتين.
وقالت لنفسها في حزن بالغ: البكاء راحة للنفوس بيد أنه صعب المنال بالنسبة لي، فما أنأى الضحك عني إذن، فقد التصقت الشفاه بجراح قلبي.
وكانت تسعل، تحاول أن تمتص سعالها حتى تخرج رقيقة خفيفة حتى لا تضربها في جراح قلبها الذي لأمه الطبيب في العملية.
قالت في نفسها: لن أستطيع أن أنفق على نفسي لأن الحركة وحدها كفيلة بأن تودي بحياتي، كما أن الزواج فيه خطر على حياتي ولو بعد حين، إذن فما قيمة الحياة بعد ذلك! وفكرت في الخلاص من الحياة بيد أنها لم تعزم هذا الأمر بعد بصفة نهائية.
***

جاءها خبر بقدوم ثلاثتهم إليها، كان الطبيب المعالج نقلها إلى قسم الجراحة حجرة 3.
طلبت من الممرضة آنذاك بصوت منخفض يصاحبه سعال رقيق خفيف أن تزين حجرتها وتنظفها لاستقبالهم.
فنظفتها كلها، بيد أن الزهرية التي كانت على منضدة الزينة هوت وتكسرت، وليس هي فحسب، بل سقطت المرايا التي فوقها. فلملمت الممرضة الزهرية والمرايا وألقتها في سلة المهملات لحين إلقائها فيما بعد في التراب.
وكانت الممرضة تقول: لا أدري كيف حدث هذا؟ ولست أدري أيضا كيف ذبلت تلك الأزهار وقد كانت بالأمس ناضجة تلذ الأعين.
لم تنزعج هدى لما حدث، بل كانت تعتقد في قرار نفسها أن تلك المرايا وهذه الزهرية قد حان أجلهم.
وسعت الممرضة نحو النافذة لتفتح الستارة قليلا لدخول أشعة الشمس بالقدر الكافي وهي تقول: تلك الستارة على وشك التهتك والسقوط.
وولت قائلة: الكحكة في إيد اليتيم عجبة.
***
استقبلتهم هدى بوجه مبتسم، لم يشعروا حيالها بشيء من الانزعاج أو الخوف حيث كانت طبيعية لأقصى درجة.
نظرت إلى حبيبها أحمد نظرات إشفاق وهي أحوج من تكون لهذه الشفقة، لذلك حثته دون أن تعلمه بما قال به الطبيب لها بوجوب الارتباط ببنت خاله، متعللة بأنها مريضة وأنها بنت ملاجئ، وعلى النقيض، بنت خاله حسنة الخلق والخلقة وذات حسب ونسب فضلا عن ثرائها.
فاستنكر رأيها بشدة، وطلب منها أن لا يسمع منها هذا الكلام مجددا. فأخذت تفكر في أمره إن هي ظلت على قيد الحياة، لم تنس أنه حاول أن يسرق من أجل أن يوفر لها ثمن العملية وقد لطف الله به، وأنه لن يتورع أن يفعل ذلك مجددا من أجل توفير العلاج والدواء لها لاحقا فضلا عن استحالة زواجه ببنت خاله.
فأدركت أنها حجر عثرة على درب سعادته.
حينئذ أطرقت في حزن بالغ قد ألجم مشاعرها وأخرس لسانها.
ثم ما لبثت أن نظرت إلى علي، سألته عن حاله وهي تسعل، فقال لها متصنعا السعادة بأنه ارتبط ب "خاطرها"
تلك الفتاة دميمة المظهر رديئة الخلق سيئة المعشر، هكذا أخبرها من قبل، كما أخبرها أن الزواج بها أشبه بالجحيم.
وهي تعلم أنه فعل ذلك من أجل أن يوفر لها ثمن العملية الجراحية التي أجرتها منذ نحو ساعتين.
كما تعلم أن بقاءها على قيد الحياة سيجعله يعيش في هذا الجحيم دائما، وإذا رحلت سيتحرر ويخرج من هذا الجحيم.
فباتت حجر عثرة في حياة علي أيضا، ذاك الفتى الذي تعتبره أغلى من أخيها الذي لم تعلم به.
ثم نظرت إلى رمزي الذي انتفخ وجهه من كثرة اللكمات التي أصابته في المباراة التي أقيمت بينه وبين وحش الإسكندرية.
كما أنه أصيب بقطع حاد في المنطقة التي بين حاجبه وأذنه اليمينين.
أما ذراعه فمكسور، وقد حُمل على شريط ملتف حول رقبته ومتدل أسفل ذراعه كقاعدة ارتكاز.
فرفعت يدها نحوه متسائلة عن تلك الإصابات التي ألمت به.
فلم يجبها وأمال رأسه إلى الأرض.
فتأكدت أنه لعب مباراة الملاكمة أمام بطل إسكندرية.
فكيلت له تلالا من الملامة معللة بأنه أشبه بالوحش وأنه لا يتواني أن يقتل خصمه تحت ذريعة المباراة.
وأدركت أن رمزي لن يمانع في أن يخوض مباراة أخرى من أجل أن يوفر لها ثمن الدواء والعلاج اللاحقين.
فقهت الأمر وقالت له في ألم بالغ وهي تسعل: من أجلي طبعا، من أجل أن توفر لي ثمن العملية.
نحى وجهه عنها ولم ينبس بكلمة.
شعرت حينئذ كم هي عبء على كل من حولها.
أدركت هدى عن يقين تام أنها إن عاشت سوف تكون عبئا على المجتمع رغم أنه ضربها في ظهرها ألف ضربة منذ مولدها، حيث رماها هذا المجتمع في ملجأ وهي تصرخ من شدة الجوع والعطش والبرد.
لذلك عزمت على قرارها الذي فكرت فيه قبل دخولهم عليها.
***
فلما غادروا ظهرت عليها ملامح الألم والحزن بعد أن شاهدتهم وهم يلتفون حولها ويحيطون بها إحاطة الأم على أولادها.
وجسدت في مخيلتها المستقبل البائس لثلاثة من الشباب كلهم يحبونها إن بقيت على قيد الحياة.
لم يكن بجديد عليها ما سوف تفعله الآن فقد فعلتْ فعلا أشبه بذلك عندما كانت في الملجأ وهي في الخامسة عشر من عمرها؛ حيث كانت لها رفيقة في حجرتها أصابها حادث فنزف دمها إلى حد بلغها رائحة الموت.
ولم يجدوا فصيلة دم صديقتها إلا فيها، وبعد أن أجريت الفحوص عليها تبين أن التبرع بدمها فيه خطورة على حياتها هي أيضا ورغم ذلك وافقت أن تتبرع بدمها لها بكل إصرار وتحد.
وعندما دخلت الحجرة ورقدت على السرير لسحب الدم من يدها دخل عليها عم عامر الذي انتشلها من أمام المسجد عندما كانت حديثة الولادة.
أول ما رأته تذكرت قوله لها عندما سألته عن حالها يوم أن انتشلها.
قال: كنتِ يا ابنتي تصرخين، ولا أدري أكنتِ تصرخين من الجوع أم من البرد.
فأجابته: ربما كنت أصرخ من لعنة الزمن.
قال: كانت ليلة شديدة المطر، ولم يكن على جسدك شيئا.
نظرت إليه وهي مستلقية على ظهرها وقالت: ماذا تريد مني يا عم عامر؟
قال وهو يمسح دموع عينيه بأنامله: يا ابنتي، لا أوافقك على فعلك هذا، فقد علمت أن التبرع بالدم فيه خطورة على حياتك وأنت لم تري الدنيا بعد.
قالت: أريد أن أرد جميل القدر الذي جعلك سببا في انتشالي يا عم عامر، وها أنا ذا أفعل فعلك وأنقذ صديقتي من الموت.
قبلها في جبهتها ثم انصرف متأثرا بصفاء قلبها وعظمة وفائها.
***
حينئذ نهضت وقالت في نفسها: لابد أن أكون عند حسن ظن عم عامر.
نظرت بعد مغادرتهم في أركان الحجرة، وقد قررت أن تكون هي موضع نهايتها إلى الدار الآخرة، وقد حمدت الله أنها عرفت نهايتها وتأسفت على أنها لم تعرف بدايتها.
قررت أن تودعهم بطريقتها هي، وداع من طرف واحد، وداع المضحين بأنفسهم في سبيل راحة من حولهم.
تنفست أنفاس رماد متهالكة، من رئتين أرهقهما قلبها المثقل بالمرض.
وضعت يدها اليسرى على قلبها حتى تتمكن من النهوض لتودعهم قبل أن يدركها الموت وحتى تتمكن من الوصول إلى النافذة.
تحاول النهوض شيئا فشيئا وفمها مفتوح لتتمكن من إخراج زفيرها المتهالك من صمامات قلبها الضيقة الجريحة، تحاول أن لا تحرك جسدها حتى تتحاشى الألم الناتج عن الحركة والذي قد يودي بحياتها قبل أن تودعهم فتموت حسرة وكمدا قبل أن تحقق هدفها المنشود.
انزاحت حتى وصلت طرف السرير، ورفعت الغطاء بيدها اليسرى من على قدميها، ثم وضعتها مرة أخرى على قلبها.
وقفت على قدميها بجسد مرتخ، واتكأت على المنضدة التي كانت عليها الزهرية، ومشت خطوتين أو ثلاثة حتى أدركت ستارة النافذة فأمسكتها بيدها اليمنى بينما لا زالت يدها اليسرى تمسك بقلبها حتى لا يتوقف عن النبض قبل إدراك لحظة وداع الأحبة.
ونظرت من النافذة، فوجدت علي ورمزي في المقدمة، بينما أحمد يمد خطواته كي يدركهما.
انهمرت دموع الوداع، وقد نسجت بين خيوطها التضحية في أسمى معانيها، نسجت اللحظة الأخيرة من حياتها.
فلما قرت عينيها، جاءها الموت رغما عنها وهي لم تشبع رغبتها بعد في النظر إليهم وهم يغادرون فناء المستشفى.
وتبين ذلك أنها كانت تمسك بستارة النافذة، كانت تحاول أن تسعفها الستارة في استمرار وقوفها لتملي عينيها من النظر إليهم.
لكن الستارة لم تتحمل وتهتكت في يدها لتسقط على الأرض وتودع الحياة، تودع الحياة التي جاءتها ملقية على الطرقات وهي وليدة، لتخرج منها شابة لم تذق من الحياة إلا مرارتها، ولتقدم رسالة من الرضا والتضحية والوفاء إلى المجتمع الذي خانها وغدر بها وفتح لها أبواب الجنة ثم ما لبث أن أغلقها في وجهها بكل قوة.
22/2/2024


4
                                                 
      الثورة الحقيقية «بين المادة والمعنى»
                    إبراهيم أمين مؤمن/مصر
                                               ***
سأله دهشا: «كيف ذاك؟»
أجابه: «كما قلتُ لكَ، لن يُكبل أيّ نظام حاكم فاسد إلا بحلقات تصنّع من ضمائر حية، ونفوس طيبة.»
- «يبدو أنك جُننت، أين السلاسل؟»
- «اسمع قصتي وستعلم أني عاقل.»
                                                   إمضاء/ إبراهيم أمين مؤمن                   
                                                  ***
                                القصة           
لقد استبشر الإله الدعيّ عندما تيسر له الطعام أكثر عما كان عليه من ذي قبل، وبدأ يستعيد بعضَ عافيته، وظن أن الأمور بدأت تسير في صالحه، فأحيت (الأمور) الأملَ بداخله.
ولقد كان أمله في محله فعلا، فقد جاءه إبليس، دخل عليه من باب الكهف ذي القضبان الحديدية من خلال الريح، وفور أن انتصب أمامه أعاد عليه  الدعيّ نفس الطلب حيث قال: «فكّ قيودي أيها الإبليس.. صديقي.»
قال إبليس: «قلتُ لك مرارا وتكرارا بأني لا أستطيع، وأزيد قولي بأنه لا يزال ثمة من يسجدون ويسبحون لله.»
تجهم الدعيّ، وانتفخت أوداجه واصطكت أسنانه، وقال وهو في حالة ثوران شديد: «وهل علمت من إله غيري أيها الإبليس اللعين.»
انقلب وجه إبليس على الفور، وأراد الفتك به، فتشكل على هيئة وحش مخيف ثم أقبل إليه وهمّ بالتهامه، عندها ارتجف جسد الإله، وقال: «لماذا؟»
قال إبليس: «من تظن نفسك أيها الطيني الحقير؟ أصدقت أكذوبتك؟ يسعدني أن تدعي الألوهية لتضل بني آدم، لكن أن تظن نفسك إلها عليّ وأنا من كلمتُ الإله الحق، اخشع لي أيها الصلصالي الحقير.»
نكس الدعيّ رأسه تصنعا، وارتجف جسده بشدة رغما عنه، وأعلن له موالاته له بصوت خاشع متململ.
عندها قال إبليس: «ثمة أخبار جديدة.»
فرفع الدعيّ رأسه وقال: «اِئْتُني بها أترجاك.»
قال إبليس: «تفشت الأحقاد والكراهية والأطماع فيهم، والأرض على وشك الانفجار.»
قال الإله الدعي: «استشعرتُ بذلك، فقد استرددتُ بعض عافيتي، وتيسر طعامي عما كان عليه من ذي قبل.»
قال إبليس: «فحسب؟»
قال الإله الدعي: «وهل ثمة شيء آخر.»
قال إبليس: «قيودك.»
دهش الدعيّ، ونظر إلى قيود يديه فوجدها قد رقت، ثم أمال رأسه للأمام ونظر أسفله فوجد قيود قدميه رقت هي الأخرى.
قال إبليس: «وقيود رقبتك أيضا رقت.»
سكت إبليس لحظة ثم استدرك: «أرى أن وشم جبهتك الذي طمسوه بدأ يبرز من جديد، ووشم المجرات الكونية أيضا، طمسوه من يديك وبدأ يظهر هو الآخر.»
نظر الدعيّ إلى يديه فانفرجت أساريره، ثم نظر إلى صدره فوجد أن وشمه بدأ يظهر فيه عرشه العائم فوق الماء.
قال إبليس: «وستذوب كل قيودك ويعود إليك كل وشمك بعد أن يفسد الناس جميعا.»
قال الدعي: «وأتباعي؟»
أجابه: «ما زالوا في تلك الكهوف اللعينة، يحترقون شوقا لعبادتك، لأنك تيسر لهم كل الملذات على من كنت تحكمهم من قبل، ويحدث لهم ما يحدث لكَ الآن.»
                                                            ***
صمت الإله متفكرا فيما حدث له منذ القدم، وتذكر في مخيلته كل الأحداث بكافة تفاصيلها.
وقد تألم كثيرا عندما تذكر لحظة القبض عليه هو وأتباعه وإلقائه في الكهف القابع فيه، ثم ما لبثوا أن فرقوا بينه وبين أتباعه إمعانا في مذلته.
فلما طال الصمت قال له إبليس محدسا: «تفكر في الماضي العتيق؟»
هز الدعي رأسه بالإيجاب.
عندها قال إبليس: «انظر إلى قيودك مرة أخرى.»
دهش الدعي وسأله: «انظر مرة أخرى؟ لم؟»
قال إبليس: «لأذكرك لم كنت حرا بالأمس، ولم أنت اليوم مقيد.»
قال الدعي: «أحب أن أسمع رغم مرارة الذكرى.»
قال إبليس: «أنت وأتباعك نظام، نظام حاكم عام، فعلتم ما كان يحلوا لكم في محكوميكم لأنهم فسدوا، فسد كل شيء فيهم، فلما أصلحوا من أنفسهم مكنهم الله من رقابكم جميعا.»
قال الدعي: «وكروا علينا على قلب رجل واحد، فقتلوا منا مَن بارزوهم، وقبضوا على مَن استسلموا، وأمسكوني وكبلوني، ثم نفوني وأتباعي في تلك الكهوف اللعينة.»
قال إبليس: «لذلك، ما الكهوف التي حبستم فيها، وما الأغلال التي غللتم بها ما هي إلا من أنفسهم التي صفت، وضمائرهم التي استيقظت، وما طُمستْ الوشوم على جبهتك ويديك وصدرك إلا بكلمة منهم. »
هز الإله الدعيّ رأسه وقال: «كنت إلها لما فسدوا، وبتُّ حقيرا لما صلحوا.»
                                                   ***

وجاءت الأخبار إلى إبليس -وهو جالس على عرشه- بأن فجر الطينيين قد بلغ المنتهى، فأسرع على الفور إلى الإله الدعي ورفع سبابته إليه وقال: «أبشر أيها الدعيّ، قيودك على وشك الانصهار إيذاناً بالحرية، وانظر إلى وشمك الذي اتضحت معالمه، أنت وأتباعك.»
وتركه إبليس على الفور وذهب إلى كهوف أتباعه ونادى فيهم: «يا أتباع النظام، الردم الذي حال بينكم وبين سطح الأرض أوشك أن يندك كثيباً مهيلاً، استعدوا أيها الصلصاليون، لقد كادت الأحقاد تأكل الأكباد، والكراهية تقطع الأرحام، والشهوة تغتصب الأولاد، وساد القتل بينهم تحت حجة حفظ النظام الحاكم.»
فاستبشرت وجوههم، واطمأنت نفوسهم، وبدأت شهوة الجنس والسطوة والتملك والسادية تتأجج في كل ذرة من كيانهم، وشرعوا في التهليل والتسبيح والتحميد باسم إلههم.
وبدأ إبليس في استرسال كافة أنواع الجرائم التي سادت في المحكومين حتى قطع عنه صياح هؤلاء الأتباع، فقد ذابت قيودهم وقضبان كهوفهم، سرّ إبليس بذلك، وقال في نفسه: أهلا بمرحلة جديدة من مراحل طغيان البشر.
                                                       ***

وعرج الإله حاملا سيفه وخلفه أتباعه مهرعين كوديان النمل حاملين أقواسهم ورماحهم إلى سطح الأرض، وأطّتْ الأرض من وقع أقدامهم العمياء، وتساقط دمع العيون فرحة الخلاص المفعم بغريزة الشر والانتقام من خلَف أجدادهم الذين حبسوهم، وامتزجتْ أصواتهم بأصوات كل كائن شرير، وما هي إلا أصوات العواء والفحيح والزئير والنعيق.
فجردوا المحكومين من أموالهم وشرفهم، واسترقوهم وجعلوهم تحت سلطان القهر والفقر والتشرّد.
أما الدعيّ فقد كان يصرخ في أتباعه بتسخير كل المحكومين لعبادته والتسبيح بحمده كرها أو طوعا، زاعما بأنه حسنة الأيام، والمخلص لهم من كل الآلام، ويدعوهم بالصبر على المكاره لأنه يبتليهم.
فاستجابوا له ما بين طائع وكاره، خائف وطامع، وتبقى منهم فئة، أعرضوا عنه، فحبسهم في أغلالهم ولاسيما بعد أن أنكروا ألوهيته وأخبروه بأن الإله الحق في السماء.
                                                       ***

في جمع هائل خرج عليهم الدعيّ وصرخ فيهم: «أيها الأتباع، أيها المحكومين، هل علمتم من إله غيري؟»
فأجابوه في نفس واحد: «لا وعزتك.»
قال: «إذن عليكم بالإله الدعي الذي في السماء، اقتلوه، اقتلوه.»
فحملوا سهامهم ورماحهم وأطلقوها صوب السماء فارتدت إليهم.
هنا صاح بهم غاضبا وقال: «إذن ابنو لي صرحا كي أصل إليه واقتله بنفسي.»
قال واحد منهم: «سيدي الإله، له أتباع سيبارزونك، يدعون أنهم ملائكته، ولذلك يجب أن نصاحبك في معراجك.»
فغضب منهم وقال بعد أن أخذته العزة بالإثم: «سأقتلهم، فأنا قادر على كل شيء.»
                                          ***
مرتْ السنون، والصرح يزداد علوه شيئا فشيئا، في تلك المرحلة الزمنية كَلّ الآدميون من الذل والقهرّ حتى بلغ السيل الزبى فقرروا الخلاص من هذا الدعي بعد أن فقهوا الأمر، حتى إن أكثرهم حكمة وتعقلا قال لهم بأنه لا حل لهم للخروج من الذل والعبودية إلا الاقتداء بأجدادهم، وظل يذكرهم كيف تمكن أجدادهم من سلسلة هذا الإله الدعي هو وبطانته في كهوف تحت الأرض.
رجعوا إلى أنفسهم، وأيقنوا أنه لا خلاص لهم إلا بالاقتداء بفعل أجدادهم كما قال لهم، فهبوا هبة الرياح العاتية.
فصفت النفوس، واستيقظت الضمائر، وقرروا أنه لا محيص عن الاعتصام.
تشابكتْ الأيادى والتحمتْ القلوب وتوحدتْ الأبصار وتحاذتْ الأقدام.
وانطلقوا في ثورة، ثورة حقيقية، وفور أن تراءى الجمعان ذاب سيف الإله الدعي وانصهر، وسقطت سيوف أتباعه من رجفة أصابت أياديهم، فكرّوا عليهم وسلسلوهم بسلاسل نسجت حلقاتها من وحي ضمائرهم ونفوسهم، وأعادوهم مرة أخرى إلى الكهوف.
قال أحد كبراء هؤلاء بأن يقتلوهم هم وإلههم الدعي، فرد عليهم أحكم الحكماء منهم بقوله: «دعوهم آية للبشرية حتى لا تتحول قصتهم إلى تاريخ أو أسطورة، وحتى تعلم الشعوب أن الحاكم إنما يطغى من خلال صنع أيديهم، ويصل أقصى طغيانه عندما يدعوهم للخشوع له على كل الأحوال.»

                           

















5
      فضاء أينشتاين (بين القصة والخاطرة)
إبراهيم أمين مؤمن/ مصر
مقدمة:  لعل هذه القصة أنموذج جديد من نماذج السرد؛ فهي قصة متكاملة أركانها لكن أحداثها سُردتْ بأسلوب الخواطر.
                                                      ***
                             فضاء أينشتاين
                           إبراهيم أمين مؤمن
                                 القصة
سرت بكِ على الدرب، ملك بصولجان، واثق الخطوة، تخشع لي الكائنات.
توجتك ملكة على عرشي، ألبستك الإستبرق والسندس، جعلت راحتي يدي بساطا لقدميك، وقدمي قبلة اختيال خطواتك، فلا في جب سحيق تهوين، ولا في بيداء الوحوش تتوهين.
أضيء لك دربك بمشكاة تُضاء من أجنحة الملائكة، فسيفساء نورانية تتبهرج، يخشع نوره عبدا تقيا بين لهيب عينيك النجمية واختيال خطواتك الطاووسية، درب تختال فيه الأزاهير وتُروى من أنهار سلسبيل، تصدح البلابل على خرير مائه، ويتردد على سمعك كتراتيل داوود.
استرققتِ الكائنات بوحي من دساتير حبي.
وأسكنتك قصرا، دارت الكواكب في فلكه بعد أن عقت شمسها بإعلان يوم الاستقلال.
                                                          ***
عفت الفردوسَ على دقات طبول ومزامير محفل شيطاني، ليخرجوا سمفونية باسم: لا أحبكَ، الرحيل.
فتحتْ كتابا لتملي عليّ طلاسم شيطانية.
تتأرجح على حبل البهلوان لتعبر جسر الفراق.
أسمعتني موسيقىً شاحبةً متهدلةً، كصيحة زلزلتني، فغرقت في دموع حسرتي، فهل من يد تمتد لغريق؟
شاغبتني بسيف شعشعني، فكيف أرد سطعه قبل أن يفجر نور عيني؟
زفير أنفاسها يحرقني، فأنى لي من ماء يطفئ نارا شبت في هيكل قلبي؟
                                                       ***
سارت تترنح، فأمسكتْ بعصا الرحيل واتكأت، تكبو وتنهزم.
قلت: لم تختم أكتافنا بوشم الهجر واليباب؟!  ألم يؤنسك حبي؟
ولِمَ الرحيل وفيه اتكاء وانهزام ؟! ألم تسترقي الكائنات؟
ولم الزهد؟ لمْ ينضب زيتي ولم ينطفئ مصباحي، ولم يسقط صولجاني.
أتريدين أن نُحدّقا معاً في وجه الفناء؟!
وننظر في أناملنا التي تلمستْ عمياء في بصمة من الجحيم؟!
أتظنين أن هناك ماءً أعذب من مائي ؟!
ودربًا أخصب من دربي؟!
ونورًا أسطع من نوري؟!
وصرحًا أعلى من صرحي؟!
تالله لن تجدي غدًا إلا أن تقضمي مخالبكِ، وتأكلي صغارك، وتكون وثبتك وثبة العجائز، وتعيشين في لُجج من ظلمات بعضها فوق بعض.
فصرعتني، فنهضتُ وجاوزتها، وقفتُ تلقائها وصرختُ برماد صوتي المحترق: انزعي عن جسدك ثوب خطتك العمياء، لا ترحلي، سأحترق،  سأتمزق، سأنهدم.
ونكست رأسي تحت قدميها، وسفحت الدمع على موطئها، وقلت: سترحل الملائكة على مطايا حمام قصركِ، سوف تهجر الطيور أوكارها، وتجف الأنهار، وتتصلب الحياة، وتخبو المشاعل، ويهوى القصر فوق كل الأبرياء.
وتذهب كل أحلامي سدى.
فسخرت مني سخر العدا، وأطاحت برأسي ووطئتها حتى جاوزت باب الرحيل.
                                                           ***
قلتُ قد ترجع، ولزمت فناء القصر.
بين الجنة والنار ينتظر جسدي طرح يديها.
تأخذني الثواني وتجرني على نسيج من جمر نضيج من صراط الانتظار، وبريق دمي يلطخ الزهور التي تساءلت: بأي جريرة أعاقب؟
ولاذ كل حي من ضجيج صراخ أعظمي.
تمنيتُ: يا ليت الرياح تحمل أنفاس رجائي إليها.
يا ليتها تحمل النار التي شبت في جسدي إليها.
                                                ***

لم تعود.
انكمش الكون تحت قدمي في ثقب كسم الخياط.
التهم كل ما حولي، ولم تسمع أذني سوى لفح نار تأكل بعضها بعضا.
وتحول كل شيء إلى أطلال.
ولم أجد سوى مركبة الأحزان، أقلتني نحو أفق حدثه، ووقعت تحت جاذبية الثقب.
تباطأ الزمن، فهرمت قبل أن ألقي حتفي فيه، ثوان مرت، فلما حملت على أكتاف أينشتاين أخذت من عمري سنين.
شابت عواطفي، فهرمت وتساقط شعري وانحنى ظهري وتدلى جفني وترهل جلدي وضعفت عظامي أمام ثقب تكون من نيران الرحيل.
وذهب العمر هباء، وما كان وعدها إلا شبحا، ولم أدرك نفسي إلا عندما خُبّرتُ بأني في الجحيم.




6
أدب / الكنز المفقود/ قصة قصيرة
« في: 03:57 02/04/2023  »
                                 
                     الكنز المفقود

                               قصة قصيرة
إبراهيم أمين مؤمن/مصر
أحداث القصة من قديم الزمان.
                                               ***
وفور خروجهما من الكهف نهض الجوادان من بسطيهما، ورفعا ذيليهما، واتسعت فتحتا أنفيهما، عندئذ تبسم كهف وكهيفة ضاحكين لهما ولاسيما أنهما سمنا عما كان عليه من ذي قبل.
فقال كهف عندئذ: «تُرى، هل يسمّن العشب الذي أكلتماه، أم أنه طول البسط بالوصيد (الوَصِيد:ُ الفناء أمام الكهف)؟»
فصهلا له فحسب.
هز رأسه، ثم ما لبث أن التفت إلى كهيفة وقال: «يا كهيفة، حالما يجف حبر الريشة نطوي الرسالة ونمتطيا الجوّادين، ونسرع ب.. »
قاطعه الأدهم (اسم حصان كهف)  بصهيل عال، وكذلك صهلت الكحيلة (اسم فرس كهيفة)، ثم أسرعا بأخذ راية معلقة على باب الكهف مرسوم عليها قاعة محكمة تحاكم الضمائر وناولاها لهما.
قال كهف عندئذ: «ما أحفظكما للأمانة أيها الوفيان!»
فرفعا ذيليهما بتؤدة مع صهيل خفيف.
قال كهف مستدركا كلامه لكهيفة: «ونسرع بالراية وتلك الرسالة إلى الملك، نبلغه ما فيها، وندعوه لما حلّ بنا من خير، فربما إذا صلح الحاكم صلحت الرعية.»
واستأنف مستدركا: «والآن هيا انزعي عن جسدك هذا اللباس الأسود كما سوف أنزع أنا -فما عاد يليق بنا هذا اللباس بعد أن تطهرت قلوبنا- لنرتدي الثياب البيضاء.»
أسرع الأدهم وكحيلة وأمسكا بفميها الثياب الذي كان معلقا بجانب الراية وناولاها لهما.
تبسمت كهيفة هذه المرة وأشارت إلى الأدهم بأن يولي نظره عنها حتى ترتدي ثيابها، فأسرع الأدهم وتوارى خلف جدار.
قالت كهيفة عندئذ: «لقد أحسنت ترويضه وتربيته يا زوجي الحبيب، فحسن خلقه وصفا ضميره.»
هنا صهلت الكحيلة وزفرت ضيقا، نظر إليها كهف في تبسم وقال: «وأنت يا الكحيلة، لقد أحسنتْ كهيفة تربيتك، فصفا ضميرك، والآن امض أنتِ الأخرى لأرتدي ثيابي.»
ولبسا اللباس الأبيض بالفعل، فلما هم بامتطاء الفرسين صهلا مجددا،
وحركا ذيليهما بشدة، فأدركهما كهف وقال: «لا بأس بأن ترحبا بنا، هيا افعلا ما يحلو لكما.»
فناوله الأدهم المزمار الذي كان بحوزته، وناولته الكحيلة الطبل، ثم دب بقدميه الأرض، وكذلك فعلت كحيلة.
وانتصبا الأدهم وكحيلة تلقاء بعضهما، أمسك كهف بالمزمار، وأمسكت كهيفة بالطبل، وبدأ الاحتفال بخروجهما فور أن نفخ كهف في المزمار وضربت كهيفة الطبل.
ودبدبا بأرجلهم على نغمات المزمار ودقات الطبل، ورقصا معا رقصة المربع.
وتبسموا جميعا، وتأججت البسمات في القلوب قبل أن ترتسم على الشفاه، وشعر كهف وكهيفة بأن سرور قلبيهما سوف يسع كل أهل القرية، وأن الطهارة والعفة سوف تدركاهم أيضا، الحيوان قبل الإنسان، وفجأة، تجهمت الوجوه، وتوغل الخوف بين الشفاه..... انقض جيش الحاكم عليهما.
                                                    ***
وقدم الحاكم في وسط من بطانته على كهف وكهيفة الموثقين في عمودين خشبيين في السجن، والجلاد قائم على تعذيبهما، استوقف الحاكم الجلاد وقال: «ارحما نفسيكما من العذاب وأخبراني عن الكنز، أين خبأتماه؟»
 تمتم كهف في البداية محاولا الكلام فتعثر لسانه ولم يستطع، فسكت، فآثر الحاكم الانتظار، فهو يعلم أن وقع السياط أخرس كل جوارحه.
فلما شعر كهف بأن لسانه يستطيع الكلام رغم أن جسده كله ينضح بالألم، دفع لسانه بكل قوته وقال وكأنه يفارق الحياة: «الكنز في الكهف، والآن بعد أن أجبتك، طمأني على الأدهم والكحيلة.»
قال الحاكم في حنق معرضا بالطبع عن سؤال كهف: «عيوني الذين شاهدوكما أخبروني بأنكما كنتما تمتطيان الحصانين ولم يكن معكما شيئا.»
تدخل الوزير هنا وقال: «أيها الحاكم، لم يكن معهما سوى بقجتين صغيرتين، ربما فيهما متاعهما، فما أهونهما أن يحتويا على كنز بقدر حجم خيمة، فكنزهما كحجم الخيمة كما وردت إلينا الأخبار.»
قال الحاكم في تفكر: إذن خبآ كنزهما لمّا علما بأمر القبض عليهم، ثم هربا لواذا بالكهف.
ثم استدرك خطفا وقال في حزم: «مَن الخائن الذي أخبركما أني أصدرت أمرا بالقبض عليكما؟ وأين خبأتما الكنز؟»
حاولت كهيفة الإجابة عن سؤال الحاكم فلم تستطع، أدركها كهف وأجاب بقوله: «أيها الملك، هذا كلام غريب، فنحن لا نعلم بأمر القبض علينا، والكنز في الكهف، والآن قد صدقتك، فأين الأدهم والكحيلة؟»
قال الحاكم: «إن كنت صادقا فلِِمَ فررتما ولذتما في هذا الكهف القاصي في الجبل؟»
قال كهف: «ليس كما تظن أيها الحاكم، إنما قصدناه لنبعد عن الناس فنناجي ضميرينا العاقين حتى ندفعهما للجوء إلى بيت الفطرة كما كانا، عندئذ تصفو روحانا فنتمكن من نشر الحب والخير في قريتك التي سادت فيها الكراهية والشر.»
سكت لحظة ثم استدرك: «في الرسالة ستجد ما يدلل على غايتنا، والراية هي مفتاحنا.»
قال الحاكم في دهشة: «أي رسالة؟ وأي راية؟»
هنا تكلم رئيس الشرطة وقال بلا اكتراث: «وجدنا بحوزتهم بردية فيها كلام فارغ أيها الحاكم، أما الراية فقد وقعت على الأرض ووطأتها أقدام خيلنا عمدا فتمزقت وباتت كالذر ذرتها الرياح.»
قال الحاكم في استدراك: «حتى خيلنا تكرهكما أيها التعيسان.»
ثم ما لبث أن طلب الرسالة بعدم اكتراث فأعطاه إياها، أمسك بها فحسب، ثم قال موجها كلامه هذه المرة لكهيفة وقال: «أخبرينا أنتِ يا كهيفة عن مكان  الكنز.»
لم تجبه كهيفة.
قال كهف: «أيها الحاكم، إن كنت تريد كنوزا كثيرة وليس كنزا واحدا فتكهف.»
شعرت كهيفة بقدرتها على الكلام في تلك اللحظة رغم أن قدميها تغوصان في دماء ظهرها العاري: «أيها الحاكم، لقد وهبنا كل ما نملك من مال -وهو كثير- على فقراء هذه القرية وضعفائها قبل مغادرة القرية مباشرة.»
قال الحاكم عندئذ: «ها هي قد كذبتك امرأتك، فالكنز ليس في الكهف.»
قال كهف: «أنا ما كذبت قط، الكنز في الكهف.»
قالت كهيفة: «كهف لا يكذب، والآن، أين الأدهم والكحيلة أيها الملك؟»
نظر الحاكم إلى بطانته بعد أن تملك الغضب منه وأعمى فكره فقال وهو ينظر إلى قائد الشرطة وهو يضرب جبهته وكأنه أدرك شيئا: «لماذا يكرران دائما السؤال عن الحصانين يا رئيس الشرطة، لعلهما خبآ الكنز في بطونهما.»
ثم ما لبث أن سأل بشغف: «فأين هما؟»
قال رئيس الشرطة وهو يشير إلى كهف وكهيفة: «بعد أن فقد هذان الحقيران وعيهما بعد ضربهما شاكسنا الحصانين فاضطررنا لقتلهما.»
عندئذ تأوه كهف وكهيفة، انبثق الألم هذه المرة من قلبيهما وليس من ظهريهما، قال كهف وهو يبكي: «كل شيء جميل يخبو في هذه القرية حتى يبيت كالذر تذروه الرياح.»
قال الوزير: «لأني أعلم أن كهف ساحر أسطوري فقد بقرت بطن الحصانين بعد قتلهما فلم نجد الكنز.»
قال قائد الشرطة: «أنا لا أستبعد ذلك أيها الوزير، فهذا الرجل استطاع أن يسحر الكهف فلا يقربنه أحد، فالحصانان كانا يبسطان أذرعهم بالوصيد، وينطلق من عيونهما شرر رهيب، والعشب الذي حولهما كان يتحول إلى حيات تسعى، لذلك، ما يقرب أحد جنودنا منهما إلا ولى فرارا وامتلأ قلبه رعبا.»
قال الحاكم: «ولذلك أشرت عليكم بانتظار خروجهما خشية أن يصيبنا السحر فيدب في الجيش كله، أما الآن فقد مات الفرسان، وخرج هذا الساحر، ولذلك أرى مداهمة الكهف.»
عندما سمع كهف وكهيفة ذلك تأكد كهف بأن سحره نجح في إبعاد الناس عنهما كي يتمكن هو وزوجه من التكهف بعيدا عن الناس.
قال الوزير في حزم: «لا أيها الحاكم، أنصحك بعدم مداهمة الكهف، إن كهف يدفعنا إليه للخلاص منا، فلا يزال السحر بداخله، وهذا الرجل بلغ من سحره أن قد يغير ماهية الأشياء، فربما تجد بداخله ديناصورات جائعة.»
قال رئيس الشرطة: «وربما أسكن الجن في الكهف، فإذا داهمناه أصابنا  المس، فتخبطنا.»
ارتجف جسد الحاكم بعد أن اقتنع بكلام الوزير ورئيس الشرطة.
يئس الحاكم منهما، فقرر أن يستمر في تعذيبهما حتى يبوح أحدهما أو كلاهما عن الكنز، لكنه فضل أن يقرأ الرسالة على سمعيهما قبل المغادرة.
نزع الرباط عن البردة وبسط الرسالة، وفور أن قرأ العنوان : «رسالة الخلاص.»
توقف، وقال: «أي خلاص تقصد يا كهف؟»
ثم أشار إلى كهيفة وقال لها مثلما قال لكهف.
قالت كهيفة: «لقد فشت كل أصناف الشر بين أهل القرية، وبين جنودك، وباتت الأرض سوداء بسواد قلوبهم، فكان لابد من الخلاص، التكهف أيها الملك.»
قال كهف: «أنا وزوجتي تكهفنا من أجل أن نتمكن من إعداد تلك التي بيدك أيها الحاكم.»
لم يجد الحاكم بدا من التأمل في كلام كهف سوى قراءة الرسالة.
فقرأ: «من كهف وكهيفة إلى هذا العالم البائس، لتكن أنفسكم دائما قضاة على ضمائركم حتى تصفو نفوسكم، فيحل الحب وترفع الكراهية، ويحل العدل ويرفع الظلم، ويحل الضمير وترفع الأنا، واعلموا أن نور قلوبكم كنز البقاء، وظلمتها رمز الفناء.»
أخذ يفكر الحاكم في الرسالة، يحاول أن يفهم منها شيئا فلم يتمكن، وكان قاضي القضاة معهم، فسأله الحاكم: «ممكن تفسر لي ذلك؟»
قال قاضي القضاة في غرابة شديدة: «هذا الكلام أعجمي، أو مجرد خزعبلات وترهات غير مفهومة.»
قال رئيس الشرطة: أو ربما تعويذات وطلاسم سحرية.»
قال كهف عندئذ: «لم تكن سحرا يا رئيس الشرطة، وستفقهه أيها القاضي، ستفقهون الرسالة جميعا لو تكهفتم وحاكمتم ضمائركم.»
                                                          ***
وبعد أن استمروا في عذابهم بضعة أيام لم يصرحا بشيء، عندئذ أشارت البطانة على الحاكم بأنه لا مفر من تصديقه، وأن الكنز في الكهف بالفعل، فلعل البقجتين كانا يحتويان على معادن نفيسة.
                                                        ***
لم يكن بوسع الملك سوى إخراجهما ربما ينتزع الكنز منهما.
قال الحاكم لهما: «أطلقت سراحكما لتحضرا لي الكنز من الكهف، سيذهب معكما الجنود وينتظروكما في الخارج حتى تحضراه وتعودا به.»
قال كهف: «هو بالفعل في الكهف أيها الحاكم كما قلت، لكني قلت أيضا أنك لن تحصل عليه إلا إذا تكهفت بغرض نصب جلسة لضميرك.»
وذهب معهم الجنود بالفعل، ودخلا الكهف.

                                              ***

 ومرت السنون ولم يخرجا من الكهف.
عندئذ غامر الحاكم وأمر جيشه باقتحام الكهف، فوجدوهما قد ماتا ولم يجدوا منهما سوى عظامهما.
فحملوا العظام وخرجوا من الكهف، فقابلهم حكيم القرية عندها وعرف ما يحملون فقال عندئذ  لرئيس الجيش: «لقد صدق كهف وكهيفة، الكنز داخل الكهف، هم شاهدوه وتلمسوه بقلوبهم، وكذلك أنا من قبل.»
قال قائد الجيش: «أيها الجنود، اقبضوا على هذا الرجل الذي يظن نفسه حكيما، فإنه لص سرق كنز كهف وكهيفة.»
وأدخلوه السجن وساموه سوء العذاب حتى يدل على الكنز حتى مات، وكانت آخر كلمة قالها لهم: «النفس الضالة ترى الكنز في المادة، أما النفس المطمئنة فتجده في يقظة الضمير، وأنتم قوم مضللون لن تروه أبدا، ولن تنالوه، ستظلون تبحثون عنه ولن تجدوه لأنه مفقود، مفقود من قلوبكم.»





   






7
أدب / مفاتيح الرواية الاحترافية.
« في: 13:34 03/03/2023  »
                  مفاتيح الرواية الاحترافية

سنتعرض في هذا المقال إلى كيفية مقاومة التحديات التي تؤهل الروائي لكتابة رواية بشكل احترافي، كما سنتعرض لما يلزمه من متطلبات لبلوغ نفس الهدف.
كل روائي منا يريد أن يكتب رواية قوية، وليس هذا فحسب؛ بل يريد أن تخلّد تلك الرواية عبر الزمان، ولن يستطيع الوصول إلى مأربه إلا بتوفر  شرطين أساسيين: الأول ارتكاز الموهبة في خلجة نفسه، والآخر تعبئة تلك الموهبة وأصقلها بالدراسة والبحث لسنوات طوال على أن يتحلى
بالصبر ورباطة الجأش، ولا تخش من الفشل؛ فالشرط الأول يدفعك دفعا لتحقيق الآخر دون كلل أو ملل.
لكن ثمة شيء هام، لقد خلقنا الله متفاوتين في القدرات، وهذه مشيئة إلهية، لذلك تجد أن حجم تلك الموهبة والقدرة على صقلها تختلف من روائي إلى آخر، وينجم عن هذا تفاوت في مهارة الروائيين مما يؤدي بدوره لصعود بعضهم إلى قمة الهرم وتعثر البعض الآخر وسقوطه فور صعوده لسفح الهرم.
وهذه المقالة قد تكون مؤشرا لاستشراف حجم موهبتك بالضبط ومدى قدرتك على مواجهة التحديات، فهيا بنا نغوص ونوغل فيهما.

                     1-الفكرة المبتكرة
أهمية الفكرة:
اعلم أن الوصول إلى فكرة مبتكرة هو أصعب شيء في الرواية على الإطلاق، وأنها لب الرواية وقلبها، فمنها تستطيع أن تفرع عناصرها، ومنها يمكنك أن تحدد شكل شخصياتك وأماكن الصراع وزمنه.

الفكرة المتقنة والفكرة المضطربة:
والوصول إلى الفكرة قد يستغرق وقتا طويلا، فإذا نجح في الوصول إلى فكرة راسخة مبتكرة وضم عناصر يافعة تلتف حولها وتدور في  فلكها  -لتغذيها وتؤويها- خرجت الرواية بيضاء ناصعة لا تشوبها شائبة.
وعلى العكس قد تخرج الفكرة مقلدة، والتقليد ليس كالأصل مما يؤدي بدوره لظهورها (الفكرة) مضطربة، وتأتي عناصرها تبعا لذلك مضطربة فلا تستطيع أن تلتف حولها وتدور في فلكها فتهوى في متاهات لا نهاية لها وتترك الفكرة عارية لا مأوى لها.
 
كيفية الوصول إلى الفكرة:
ونوع الفكرة هي نقطة البداية على الإطلاق، فهي التي تحدد المراجع -كالكتب والمقالات والأفلام الوثائقية السينمائية- التي سوف تعكف على
دراستها، ومن رحم تلك المراجع تستطيع أن تنجب فكرة، لكنها سوف تكون في طور التنشئة فقط، وسوف تترعرع وتشب بضم عناصر لها  فضلا عن توفير بقية أركان الرواية من شخصيات وحبكة وزمان ومكان وحوار.
وثمة عامل قوي آخر يساعدك على الوصول إلى الفكرة، هو أن ترسم لوحة فنية تعبر عن فكرتك العامة بعد دراستك للمراجع، وتحدد مجموعة
من الشخصيات الافتراضية، وكذلك مكان وزمان افتراضيين، حتى الحوار فلن يعدو في البداية أكثر من مجرد مسودة.
 
تطبيق:
أنتَ تريد أن تكتب رواية عن الفضاء.
فابدأ بإعداد مراجعك -كالكتب والمقالات والأفلام الوثائقية السينمائية- التي خُطت وأعدت لتقدم لك منهجا متكاملا عن علوم الفضاء، أمعن  النظر فيما قرأت وشاهدت وسمعت حتى تصل لفكرة مبتكرة، فإن لم تستطع الوصول بعد إلى الفكرة فواصل الكفاح ولا تيأس.
إذا وصلت إلى الفكرة فغالبا ما تكون فكرة في بداية أطوارها، ولن تتبلور إلا عند وضع بعض العناصر السردية التي سوف تدور في فلكها -
لتشد من أزرها- ووضع شخصيات تنفعل معها، وتحديد زمن ومكان مسرح الأحداث، عندئذ سوف تخرج راسخة ولاسيما بعد ضم الخواطر  إليها؛ تلك التي ترد إليك وأنت تخط روايتك.


                      2- الشخصيات

اختيار الشخصيات:
الشخصيات ركن من أركان الرواية، ويستحيل أن تكون ثمة رواية بدون شخصيات، كما هو مستحيل أن تختار شخصيات لرواية لم تحدد فكرتها  الأولية، ومن العسير أن تحدد كل شخصيات روايتك إلا بعد تبلور فكرة الرواية واكتمال عناصرها، وليس هذا فحسب؛ فربما وأن تحاول أن تكمل  حبكة الرواية تحتاج إلى إضافة بعض الشخصيات التي بمثابة ضيوف شرف في روايتك.

اختيار أوصاف الشخصيات:
 لابد أن تكون سمات الشخصيات تتواءم مع فكرة الرواية وعناصرها، سواء تلك الصفات الخلقية أو الخلْقية حتى تدور تلك الصفات في فلك الفكرة وعناصرها وكذلك الحبكة.
وفور أن تضع للشخوص أوصافها لابد أن ترفع قلمك عن التعبير عن ثقافتك أو مشاعرك أو انفعالاتك أو إمكاناتك لأنك ببساطة بت ممثلا عن كل هذه الشخوص وعليك بإتقان أدوارها أمام القارئ.

دور الشخصيات في الحوار:
والشخصيات لها انفعالات داخلية أثناء تفاعلها مع أحداث الرواية، عليك أن تبرزها على السطح باستخراجها من مكامنها، وتنقل بقلمك انفعالاتها، وربما تكون وسيلتك في ذلك إبراز لغة جسدها مع نقل ملامح وجهها أثناء تفاعلها في الحوار.
فإن قصرت في نقل انفعالاتها الداخلية أثناء أداء دورها في الرواية فسوف تخرج شخصيات روايتك ميتة لا حياة فيها، مما يؤثر تبعا على بقية أركانها فيعتريها الضعف والفشل.

تطبيق:
هذا الكلام ينقسم إلى ثلاثة جمل: «فانحنى عوده قليلا وهو يزفر من الأعماق، وغمغم.»
فانحنى عوده قليلا: جملة خاصة بلغة الجسد وتشير إلى انتباه الشخصية بما قيل أو سوف يقال.
يزفر من الأعماق: جملة خاصة بالانفعال، وأغلب الأحوال تأتي الزفرة من كلام آلمه، وربما أغضبه لينفس بها عن غضبه.
وغمغم: جملة خاصة بالانفعال، والغمغمة تصدر عن الخائف وربما عن الغاضب.
ولن تحدد ملامح تلك الجمل الحوارية إلا عندما تعرف أوصاف صاحبها والكلام الذي وجه إليه من محاوره.

وهذه الجمل جاء بها "محفوظ" ليبث الروح في الشخصية كي تشارك في الحوار الذي يخدم بدوره الرواية بوجه عام.

                     3-الحوار بين الشخصيات

لا يجب تدخل سارد الرواية في أقوال الشخصيات المذكورة في الحوار، بل الشخصيات هي التي تملي عليه ما سوف يسرده في روايته، فالحوار  يخرج من عواطف الشخصيات وانفعالاتها لا عواطف وانفعالات سارد الرواية نفسه.
دور السارد مقتصر على تنظيم ما يصدر عنها من كلام وانفعالات عن تلك الشخصيات، لأن الشخصية الحوارية لا تتحدث عن مشاعرها الداخلية أثناء الحوار إلا قليلا.

علاقة الحوار بالفكرة والحبكة:
والحوار الذي يصدر عن الشخصيات لابد أن يكون له سمة يتجانس مع صفة تلك الشخصيات، وليس ذلك فحسب بل لابد أن تدور الحوارات في
فلك فكرة الرواية وحبكتها وعناصرها، فإن كان الحوار منسقا ومعبرا عن طبيعة الشخصيات ولكنه لا يدور في فلك فكرة الرواية وحبكتها فهو دخيل محتل كفيروسات الحاسوب التي تقلل من كفاءة أداء نسخة الويندوز.

تطبيق عن دور الحوار في الفكرة الرئيسة:
فمثلا بطل روايتك رائد فضاء كبطل رواية المريخي لآندي وير، هو فوق سطح المريخ يصارع طبيعة المريخ القاسية من أجل البقاء، عندما يصنع حوارا داخليا مع نفسه لا يصح أن يخاطبها عن مشكلة عانى منها منذ صغره بسبب والده أو والدته، وإنما يجب أن يقتصر حديث النفس عن مهاراته وخبراته الطويلة في دراسة كيفية مواجهة الطبيعة القاسية بمناخها والتغلب عليها من أجل النجاة من الموت.

تطبيقات عن  الانفعالات:
انظر إلى تلك الجمل الحوارية التي تعبر عن الانفعالات الداخلية إزاء الأحداث: «خاننا المحامي اللئيم، فتصلبت وجوههم وتبادلوا النظرات في انزعاج.»
جملة حوارية ذكرت في رواية أبناء حارتنا، وتصلب الوجوه مع تبادل النظرات في انزعاج يبين مدى الفاجعة التي حلت بهؤلاء من خيانة المحامي، والانزعاج قد يدل على الهوان، لذلك لم تظهر على وجوههم نظرات الحنق والغضب الذي قد يكون دالة على القوة.
وجملة أخرى: «وحيّاه الناس مضاعفين له التودد مدارة لسخطهم.»
 تجد في هذه الجملة الحوارية أن النفوس بلغ بها السخط إلى منتهاه تجاه هذا الشخص الذي يحيونه، ولم يجدوا وسيلة لطمس هذا السخط المرتكز في قلوبهم والذي لابد أن يظهر على ملامح وجوههم ولهجاتهم سوى مداراته بالمزيد والمزيد من التودد إليه.


مساحة الحوارات في الرواية:
والحوار بين الشخصيات له مساحة كبيرة جدا في الرواية، فإذا أخذ مساحة كل الرواية فإنها باتت أشبه بالسيناريو، وكأن السارد لسان حاله يقول: «كل أحداث الرواية مع الشخصيات.»
وهذا مستحيل، فثمة أمور لابد أن يسردها الراوي بنفسه بمنأى عن الشخصيات كوصف مسرح الأحداث والتعبير عن خلجات الشخصيات.
وبناء على ذلك لا يجب أن يفاجئ الروائي القارئ بوجبة دسمة من الحوار بين الشخصيات دون أن ينبه القارئ به من خلال سرده في أول  الحوار، ويرسم الرتوش الأولية استعدادا لنصب حوار بين الشخصيات كأن يذكر المكان الذي سوف يحدث فيه الحوار أو يذكر حدثا ماضيا له  علاقة بالحوار الآتي.

المنطقية في الحوار وإن كان يخدم الفكرة والحبكة:
ولابد أن يكون الحوار منطقيا، ومنطقية الحوار أصعب ما يواجهه الراوي في روايته، فهو القاسم المشترك مع صعوبة الوصول إلى فكرة مبتكرة
والحبكة الجيدة.
ولنجاح الحوار لابد أن يمتلك السارد خبرة وثقافة واسعتين، وقد يستعيض السارد عن قلة خبراته وثقافته من خلال الارتكاز على كم هائل من المراجع من نفس جنس نوع روايته.
ومنطقية الحوار بمنزلة جهاز استشعار، لكنه جهاز يستطيع أن يميز به بين الروائي الهاوي والمحترف وشديد الاحترافية.

تنبيهات عن منطقية الحوار:
عند السرد لا تستخدم أحداثا مفتعلة من أجل أن تخدم فكرتك أو حبكتك، وحاذر من صياغة جمل ممكن أن تُئول إلى أكثر من معنى فتتسبب في 
اضطراب قارئك، وعند عرض وجهة نظر أحد شخوص روايتك فحاذر أن تكون قابلة للتأويل، فالروائي الماهر واضح في أسلوبه وطريقة عرض  أفكار شخوصه.
وقد يخرج الحوار مترهلا مهلهلا، فمثلا أمامنا حوار بين أربع شخصيات، هذا الحوار دائر في مسألة ما، فيحيد القاص عن تلك المسألة دون مبرر، أو ينقل انفعالات شخصية لم تكن من عادتها إظهار ذلك الانفعال لحسم الأمور والنظر فيها، أو يسرد جملا مبهمة أو قابلة للتأويل، أو لا ينسق حديث الشخصيات الأربع لتتناغم معا، كل هذه المثالب تتسبب في اضطراب الحوار فيخرج مترهلا مهلهلا.

                        4- المكان والزمان

مسرح أحداث الرواية:
الأماكن التي تدور فيها الأحداث لابد أن تلتف حول فكرة الرواية وعناصرها وشخصياتها، فالارتباط بين الأماكن والفكرة والشخصيات لابد أن يكون حاضرا لدى الراوي لأن هذا الارتباط يساعده على الخروج بحبكة الرواية إلى بر الأمان.

تطبيق:
الرواية حربية، يكون عندئذ مسرح أحداث الرواية عبارة عن أماكن معسكرات ومخازن أسلحة على سبيل المثال لا الحصر، وقلما ينتقل الراوي من تلك الأماكن إلى أماكن أخرى كأماكن اللهو إلا حين يستذكر البطل جوانب من حياة الماضي، وإذا ذكر يذكر ذلك بصورة عابرة ثم يلتف ويعاود بسرعة إلى مسرح الأحداث.

الأماكن الخاصة بالشخصيات:
إن أماكن إقامة شخصيات الرواية وما بداخلها من محتويات ينم عن طبيعة الشخصيات وسلوكياتها وأسلوب تفكيرها.
فالسارد عندما يصف أماكن الشخصيات ومحتوياتها الداخلية لابد أن يضع في اعتباره أمرين، الأول طبيعة الشخصية وسلوكياتها وانفعالاتها مع الأحداث، والآخر وظيفة المكان ومحتوياته في إدارة الفكرة والحبكة معا.
تطبيق:
بطل الرواية لاعب كرة قدم محترف، تكون عندئذ جدران الحجرة التي يمكث فيها تحتوي على صور من إنجازاته، وليس هذا فحسب؛ فلابد أن تشارك تلك الصور في الرواية بحيث تكون جزءا من فكرتها أو حبكتها.

زمن أحداث الرواية:
الزمن إما أن يكون ماضيا أو حاضرا أو مستقبلا.
والراوي قد يحتاج إلى سرد أحداث روايته بالتنقل بين تلك الثلاثية الزمنية.
كأن يتذكر أحد أبطال الرواية مشاهدا من أحداث نكسة عام 1967 وتداعياتها السيئة على المجتمع المصري والسوري والفلسطيني آنذاك، ثم بعد ذلك تنشب حرب عام 1973 التي ردت الكرامة إلى المصريين، ثم يستشرف المستقبل فيرسم صورة مستقبلية للمجتمع المصري في ظل هذا الانتصار عكس التداعيات السيئة التي خلفتها حرب 1967.

أدوات الزمن:
ولكل زمن أدواته التي تنفعل مع شخصياته، وتنعكس أيضا على عاداته من ملبس ومأكل وسلوكيات.
فبالنظر مثلا إلى الإذاعة نجد أنها انتقلت بين مراحل عدة.
فبدأت بالإذاعة المسموعة عام 1906، ثم البث التلفزيوني عام 1927 باللونين الأبيض والأسود، ثم بعد ذلك نجد في الستينيات أن البث بات بجميع الألوان.
والشخصيات تؤدي حياتها اليومية من خلال تلك الأدوات الموجودة في الزمن الذي تعيش فيه، فلا يصح مثلا أن يقص الروائي رواية جرت 
أحداثها في القرن الثامن عشر ثم نجد الروائي يتكلم عن أحد شخوصه بأنه شاهد مباراة لكرة القدم في كأس العالم، أو تكون أحداث الرواية جرت قبل الستينيات مباشرة ثم نجد الروائي يخبر عن أحد الشخوص بأنه شاهد فيلما ملونا.
السؤال: كيف تدرج مقاطعك السردية في ضوء عاملي المكان والزمن؟
الذي يحدد ترتيب المقاطع أو الأحداث عاملان؛ وهما عاملي الزمن والمكان.
فلابد من معرفة الميقات الذي تسرد فيه، ووقت استغراق الحدث الذي تسرده، والمكان الذي تجري فيه الأحداث، كي تدرجه في المكان الصحيح من روايتك، فقد تتنقل ما بين السرد المتسلسل والسرد المنقطع بناء على تحديد الزمن والمكان.
فإذا سردت حدثا في مكان (أ) -وليكن بداية السرد الساعة السادسة- عن شخصية تؤدي عملا يستغرق نحو نصف ساعة، ثم أتبعت ذلك بأن الشخصية خرجت من المكان (أ) إلى المكان (ب) وأجرت مع شخصية أخرى حوارا بدأ من الساعة السابعة، وكان قطع المسافة من (أ) إلى (ب) يستغرق 45 دقيقة تكون قد أخللت بعامل الزمن السردي.

                              5-الوصف
الوصف لا يخلو عن وصف الشخصيات والأمكنة والأزمنة والأحداث، ولابد أن يؤهل الراوي كل هذه الأوصاف لتشارك في الفكرة والحبكة.
فالوصف لا يجب أن يكون وصفا عبثيا؛ فالغرض الأساسي هو القصّ، قصّ عن فكرة تعالج قضية ما، لذلك لابد أن يؤدي الوصف دوره في معالجة تلك القضية.
وقد يظن الراوي أنه أجاد وأصاب عندما تمكن من وصف شخصياته أو أماكنه أو أحداثه أو زمانه بكل دقة وإتقان، وفي الحقيقة أنه لم يجد ولم
يصب بل إنه عبث بروايته لأن تلك الصفات بعيدة كل البعد عن تأهيل كل ما سبق من وصف للمشاركة في الفكرة الرئيسة للرواية.
كما أن الاسترسال في الوصف الذي يشارك الفكرة وعناصرها وحبكتها غير مفيد أيضا، يكفيك من الوصف ما يشق قلب الفكرة وحبكتها.
والرواية قد تدور في أماكن عدة، وقد يشاركها العديد من الشخصيات، لذلك عليك بوصف المكان الرئيسي فحسب، ولا بأس أن تصفه وصفا دقيقا، ويكفيك من وصف الشخصيات أبطالها.
ولا تستعرض في وصف حروف اللغة العربية وجمالها ظنا منك أنها سوف تزيد روايتك روعة وجمالا، والحقيقة أنك تأخذنا من جو الرواية إلى أحد برامج اللغة العربية.

تطبيق:
تجسيد الوصف في رواية العجوز والبحر
ودعونا نستعرض كل التنبيهات السابقة من خلال رواية العجوز والبحر.
لو نظرنا إلى رواية العجوز والبحر لأرنست همنجواي، نجد دقة وصف مسرح الأحداث وهو البحر، وعاد همنجواي ليصف أيضا العجوز بكلمات موجزة، وقد تداخل وصف البعد الزمني كذلك.
والآن سنذكر فكرة الرواية الأساسية بإيجاز شديد كي نبين كيف أدخل همنجواي وصف البطل ووصف مسرح الأحداث في قلب الفكرة الأم فاستحق أن ينال جائزة نوبل.
الفكرة والرمزية:
الرواية تصور الصراع الأزلي بين الإنسان المتمثل في العجوز "سانتياجو" وقوى الطبيعة المتمثلة في الصراع المستمر بينه وبين السمكة الكبيرة التي تغلب عليها ومن بعده أسماك القرش التي تغلبت عليه.
والآن ألا تشتم رائحة من الفكرة أيها القارئ؟!
الإنسان استطاع أن يقهر قوة أقوى منه بكثير بعقله وعزيمته وتراكم خبراته في مجاله والمتمثل في نجاحه عن صيد سمكة كبيرة بهذا الحجم  الهائل، لكن عندما اتحدت هذه القوى المتمثلة في مجموعة من أسماك القرش قهرته، فالاتحاد قاهر غير مقهور حتى لو كان يبارز العزيمة المتلبسة بالخير.
وصف بطل الرواية: «كان العجوز جسدا ناحل (هزيل) العود، توغلت في قفاه غضون (تجاعيد) عميقة، وقد عدت حرقة الشمس في انعكاساتها على مياه البحر، على بشرته عدوانا قاسيا، فملأت خديه بالبثور، واستدارت فنثرت الكثير منها على جانبي وجهه، أما كفاه، فقد حفرت فيهما الحبال التي طالما جرر بها الأسماك الثقيلة، جراحا عميقة الغور ليس بينها جرح جديد، فهي جميعا قديمة قدم الحفريات في صحراء عديمة الأسماك، كان كل ما فيه عجوزا مثله.. إلا عينيه، عيناه كانتا في صفاء مياه البحر، يطل منهما المرح، عدم الاعتراف بالهزيمة.»
والسؤال الآن: كيف شارك هذا الوصف في فكرة الرواية وحبكتها؟
الإجابة: تشكلَ كل جسده بعامل البيئة، فهرم فيه، وما عامل البيئة إلا مسرح الأحداث، ويأتي همنجواي بوصف عينيه في النهاية ليخدم فكرة  الرواية، فالنظر إلى التحديات والتيارات الجارفة بعين التفاؤل وتوفير الخبرة والعزيمة -المتمثلة في وصف  جسده ووجهه- من أجل مصارعتها يحقق الفوز لا محالة.

وصف مسرح الرواية: «كان زورق العجوز قد أوغل في البحر، حتى بدت السحب فوق الأرض، كأنما هي جبال، وبدا الشاطئ كأنما هو شريط طويل مخضوضر تطل من ورائه التلال الشهباء الضاربة إلى الزرقة. أما الماء، فقد ضرب لونه إلى الزرقة الحالكة المشوبة بلون الأرجوان. وتملى (تمتع) العجوز الماء وراح يراقب استقامة حباله فيه، وهبوطها إلى أغوار لا تراها العين. وكان الضوء العجيب الذي ترسله الشمس في الماء بعد أن ازدادت سموقا (علوا) في كبد السماء، بشيرا بجو طيب، يؤكده شكل السحب المترامية على الأرض في الأفق، وكان الطائر قد أوشك أن يغيب عن مدى الرؤية، ولم يعد على وجه الماء غير بضع بقع من أعشاب السرخس الصفراء، وحولها مثانات (أكياس ملآنة بالبول) بعض الطيور المغردة، عائمة حول الزورق، تتخللها بعض السميكات الصغيرة تسبح في الماء وترسل فقاعات لطيفة الصورة.»
كل هذا الوصف له علاقة مباشرة بأحداث الرواية الضاربة في الفكرة الرئيسة.
الزورق، والسحب، واستقامة حبال الماء وهبوطه في الأغوار، والشمس السامقة، ووجود الطيور، كل هذه الأشياء سوف تتحد معا ليعدّ من خلالها همنجواي المعركة الكبرى التي سوف تدور بين العجوز والسمكة ومن بعدها مجموعة من المعارك مع القروش الضخمة، ومن كل هذه المعارك نستخلص الصراع الأزلي بين الإنسان وقوى الطبيعة، والتي يظهر فيها جليا أن عامل الاعتصام قاهر غير مقهور ولو كان المبارز يتسم بخبرة ورباطة جأش وشدة بأس، لذلك أشار همنجواي في مواضع كثيرة إلى حاجته إلى الغلام ليعاونه على الصراع الذي فرض عليه.

                         6-السرد

والسرد أقسام، منها سرد الروائي نفسه من خلال مشاعره وثقافته وخبراته، وهنا تتجلى ثقافة الروائي الذي يطلق لها العنان لتحكي ما يحلو له بعيدا عن قيود الشخصيات وانفعالاتها.
ومنها سرد مختص بالزمان والمكان وسمات الشخصيات، وهو الذي يحدد شكل المكان الذي سوف تُجرى فيه أحداث الرواية، وسرده مبني على ثقافة الروائي وبراعته في كيفية دمج المكان بفكرته، واختيار الزمن والتنقل بين أوقاته نفس الشيء.

تطبيقات:
وصف سردي لطبيعة المكان: «وهو قصر كبير، بداخله حديقة غناء.»
سرد وصفي لطبيعة مكان ينم عن شخصية ثرية، وما دام الروائي جاء بذلك الوصف فلابد أن يشارك وصفه في أحداث الرواية.       
وصف سردي  للأزمنة: «ومرت عليه الساعات وكأنها دهر، بينما صديقه في الجانب الآخر من حياته تمر عليه الساعات وكأنها بضع ثوانٍ.»
هذا السرد عن شخصيتين، الأولى تعاني من الفراق فهي تحترق من طول الانتظار، وربما أنها واقعة تحت وطأة العذاب، والأخرى تعيش لحظات سعيدة لا تريد أن تنقضي؛ لذلك تشعر بأن الساعات تمر كالثواني.

وصف سردي لشكل شخصية: «بدا في جلبابٍ أزرقَ نظيف —نظيف بالقدر المتاح لراعٍ — متلفع الرأس بلاسةٍ غليظة وقاية من الشمس، ومنتعلًا مركوبًا قديمًا باليًا تهتكت أطرافه.»
هذا السرد عن شخصية فقيرة لكنها تحاول بقدر المستطاع استغلال أقل الإمكانات لتبدو نظيفة.
وصف سردي لطبيعة شخصية: «وهو رجل وقور، يتميز بدماثة الخلق وحسن المعشر.»
ربما وصفه الروائي بذلك حتى لا يخل بحبكة الرواية ويزيل الالتباس عن تلك الشخصية التي سوف تؤدي دورها في الرواية.
 سرد الروائي عن انفعال الشخصيات لأحداث الرواية:
«التحم في قلبه اليأس بالغيظ والغضب.»
«وضجوا بالضحك وأعقب ذلك نوبات سعال.»
«فزم شفتيه فى استعلاء واستنكار.»
في الأمثلة الثلاثة السابقة تظهر براعة الروائي في استخراج عما يدور في خلجات الشخصيات إزاء انفعالاتها مع الأحداث، وذلك من أجل نقلها  للقارئ مع تقديم تقرير مبين للغة أجسادها.
وإذا تطرقنا إلى مثال حي لتجسيد كل ما سبق نجد ذلك في رواية أولاد حارتنا لمحفوظ، حيث تجد كل هذا واضحا جليا عندما وضع سرده من خلال الرتوش والبراويز الأولية للمكان أو الزمان اللذين سوف يجريان فيهما حوار الشخصيات، كما يتجلى أيضا في وضع السمات الأساسية  للشخصيات.
سرْد الروائي بمعزل عن الشخصيات مثل صفحات 120 وحتى 122 من رواية أولاد حارتنا لمحفوظ.
ركز فيه عن المكان، ووصفه بخطوط عريضة ليكون بمنزلة المسرح الذي سوف تجرى عليه أحداث الرواية، وجعل مركزية المكان هو البيت  الكبير والذي عليه سوف يجرى الصراع بكامله تقريبا.
كما رسم الخطوط العريضة لحياة القاطنين بهذا المكان، وذكر فيه شرائح المجتمع التي سوف تشارك فكرته وتنفعل معها.
وأشار أيضا في تلك الصفحات عن الزمن الذي ستجرى فيه الأحداث، وهو زمن الفتوات والإتاوات التي يجبونها من الفقراء والضعفاء والممتد   من العصر الجاهلي وحتى الخمسينات، وركز في تلك المقدمة عن فتوات الحارات الذين لوثوا شرف تلك المهنة؛ حيث كان الفتوات قديما يحمون  الضعفاء لا يسلبونهم.
وبعد تلك المقدمة السردية ضلع محفوظ في الدخول إلى تلك الشخصيات التي سوف تؤدي أدوارها التي رسمها لها في نفس المكان والزمن اللذين بينهما، وافتتح بقوله بعد أن عنون الفصل باسم "جبل": «ونفد صبر آل حمدان فاصطخبت في حيهم أمواج التمرد.»

تساؤل:
ويجب هنا أن نتوقف لنتساءل: يسرد الروائي بمعزل عن الشخصيات، ويسرد كذلك نقلا عن الشخصيات، لكن ما علاقة الزمن والمكان بكلا السردين؟
والإجابة عن هذا السؤال في غاية الأهمية، لأنه ينبثق منه أسلوب ترميز الرواية وتحديدها إلى عدة مقاطع بناء على علاقة السرد بالزمن والمكان.
نجد أسلوب محفوظ في رواية أولاد حارتنا استخدم السرد المتسلسل في قصة "جبل"، وهو السرد الذي يروي فيها السارد الأحداث حسب التوقيت الزمني، ثم قفز قفزة هائلة واستخدم السرد المتقطع في نفس القصة وهو السرد غير المرتبط بترتيب الأحداث حسب الزمن والمكان.
وإليك خط سير السرد الذي استخدم فيه محفوظ كلا السرديْن.
من صفحة 120 سرد لنا شكل المسرح الذي سوف يجرى عليه الأحداث الخاصة بالأبطال الأربعة (جبل ورفاعة وقاسم وعرفة) وطبيعة أهله، وبعد أن خلّق بؤرة صراع من خلال سرد شكل المسرح وطبيعة أهله سرد لنا سردا متسلسلا، والذي يتمثل في الصراع بين جبل وآل حمدان في جهة، وفي الجهة الأخرى الناظر والفتوات.
أراد آل حمدان حقهم في الوقف فجمعوا أنفسهم وذهبوا إلى بيت الناظر، وجد الناظر أنه لابد من ردعهم فأرسل إلى الفتوات، حتى صفحة 137  الذي قص فيه محفوظ حدثا من الماضي وهو انتشال هدى هانم له من حفرة يستحم فيها، وهذا سرد استرجاعي.
وكان رد فعل الفتوات هو فرض حظر تجوال على آل حمدان بسبب جرأتهم على الشكوى منهم عندما ذهبوا إلى بيت الناظر.
يجلس جبل وهو الركن الشديد لآل حمدان لوحده يفكر ما حاق بآل حمدان من هوان، حتى يسمع استغاثة دعبس به فسعى إليه، وقتل جبلٌ الفتوة قدرة.
وسأل فتوات الحارة عن قدرة، إذ لابد من أخذ موقف تجاه ذلك وإلا سيجدون أنفسهم يُقتل الواحد منهم تلو الآخر، فذهبوا إلى الناظر من أجل ذلك، وحدث حوار فيها صراع بين جبل والفتوات من أجل ما يريده الفتوات من إنزال أشد العقاب على آل حمدان كانت نتيجته ترك جبل للبيت الذي تربى فيه.
وتكررت نفس الحادثة، حيث استغاث نفس الشخص ويدعى دعبس من شخص يدعى كعبلها وكانت النتيجة أن اضطر جبل لمفارقة الحارة خشية  أن يأخذوه بقدرة.
ظل هاربا حتى قابل البلقيطي وبناته، ومنذ تلك اللحظة نجد أن محفوظ قفز قفزة من السرد المتسلسل المرتبط بالزمن إلى السرد المتقطع غير الخاضع لعامل الزمن، حيث نقل مسرح الأحداث بين جبل والبلقيطي وبناته مهملا في ذلك الأحداث التي جرت في الحارة والتي أخبره بها دعبس عندما شاهده وهو يمارس أحد ألعابه السحرية.
والسرد من حيث الكم هام جدا، فمن المفترض أن الروائي لا يسهب في سرد لا يفيد أو يضيق السرد بالقدر الذي يخل بالمعلومات التي يجب إيصالها إلى القارئ.

                     7-الحبكة ( العقدة )

لقد جعلت الحبكة آخر ما أتكلم عنها لأن كل ما سبق ذكره يتم التوفيق بينهم حتى تصنع حبكتك.
تعريف الحبكة:
الحبكة هي أن تحاول أن تجنّس كل ما سُرد في الرواية ليلتف حول الفكرة الرئيسة فتصل بها إلى وحدة عضوية متكاملة.

كيف تعرف أن الحبكة قوية:
كل ما تضافرت أركان الرواية وتجانست كانت الحبكة أشدّ متانة، والعكس بالعكس.
ولو كانت الفكرة تتفرع منها بعض العناصر، والذي يمثل أحدها حبكة لوحده، يكون الروائي قد أجرى في روايته حبكتين، فأخذ عقل القارئ وقلبه، ثم هداه بدمج الحبكتين في حبكة واحدة ثم فك خيوطها وأهداها له.

أنواع الحبكة:
أولا الحبكة المعقدة..
والحبكة تختلف من حيث تشابك خيوطها من رواية لأخرى، فقد تجد الحبكة لها خيوط عديدة متشابكة مع بعضها البعض بصورة معقدة، هذا النوع من الحبكات لا يكونها إلا روائي شديد الاحترافية وهو الوحيد القادر على فك خيوطها.
 لكن أين السبيل إلى مثل هذه العقد؟

الوصول إلى الحبكة المعقدة:
كي تكوّن حبكة قوية ثم تجعلها تنساب بين ثنايا أناملك كالماء لا تتبسط في تفريع عدة عناصر لفكرتك، فرّع وعقّد الأحداث بقدر ما تستطيع، عقّد ما دامت تلك الأحداث لن تخرج عن نطاق الفكرة العامة للرواية أو جوها، لا تخش أن لا تجد حلا لكل عقدة عقدتها، فقط اكتب وعقد، وإذا 
خشيت أن يستعصي عليك أمر فكها فقسمها إلى عدة حبكات في ملف خاص ثم لملمها جميعا لتدخل إلى مشكاة واحدة وأنت تسرد الأحداث، ثم أطلقها من الجانب الآخر منسابة كانسياب الماء من بين يديك.
واعلم أن الحبكة المعقدة إنما تأتيك من توارد الأفكار والخواطر، فإذا جاءتك فلا تلقها من النافذة لتتحاشى طول الرواية.
وثمة تحد آخر للوصول إلى حبكة بالغة التعقيد، هو مدى براعتك على إتقان بقية أركان روايتك، لأن أي خلل في سرد تلك الأركان سوف يضعضع في متانة الحبكة فيصبها الخلل هي أيضا.
واعلم أن وضع تصور كامل لحبكة روايتك وأنت في بداية السرد مستحيل؛ حتى لو استقرّ الروائي على وضع الفكرة وعناصرها وحدد الشخصيات وصفاتها وكذلك أماكن الأحداث وأزمنتها، لأن الروائي ببساطة يقوم بتوليف كل ما سبق من بعد إتقانه من أجل الخروج بحبكة جيدة.

مثال لأكثر من عقدة في رواية واحدة:
نجد مثلا في رواية أولاد حارتنا -لمحفوظ رحمه الله- واجه صعوبات عديدة لتجسيد شخصياته، في صورة الله، وآدم وحواء وإبليس وقابيل  وهابيل وموسى وفرعون وزوجة فرعون وعيسى ومحمد وأخيرا دور العلم وموقعه من الدين والمتمثل في صورة عرفة.

الصورة والصورة المقابلة:
 أدهم: آدم 
صناعة المحاكاة: كما كان آدم في الجنة وطرد منها كان أدهم في الوقف وطرد منه.
زوجة أدهم: حواء
صناعة المحاكاة: كما وسوست حواء لآدم فطرد من الجنة وسوست زوجة أدهم لأدهم فطرد من الوقف.
الجبلاوي: الله
صناعة المحاكاة: كما أن الله على عرشه لم يظهر لأحد، هكذا الجبلاوي في البيت الكبير لم يظهر لأحد.
إدريس:  إبليس
صناعة المحاكاة: كما عارض إبليس الله اختيار آدم للتفضيل عارض إدريس الجبلاوي لتفضيل أدهم أيضا.
وكذلك حاكى قصة ابني آدم في صورة قدري وهمام.
وهكذا إلى آخر الرواية.
ثم ربط كل هذه العقد في عقدة عامة عندما حدد قصص الأنبياء بأنها الإطار الفني، لكن الإطار الفني هذا يراد به نقد الثورة والنظام الاجتماعي 
الذي كان قائما.
وكأن محفوظ أراد أن يرسم صورة المجتمع آنذاك في لوحة فنية متمثلة في الجبلاوي وأدهم وزوجته وفرعون وزوجته و.. إلى غير ذلك بلوحة فنية أخرى وهي إرسال الأنبياء بالرسالات السماوية والصحف والألواح. 
لكن الحبكة لم تكتمل في بعض أوجه المحاكاة، وذاك ليس لأن محفوظ عاجز بل لأن المحاكاة لن تخرج بصورة أفضل مما أخرجها هو.
من المؤكد أن العقدة مضطربة، لذلك اختلف في هذه الرواية كثير من النقاد حول مدلولاتها.

ثانيا الحبكة السلسة:
وأحيانا لا تحتاج الحبكة إلى مثل هذا التعقيد المبالغ فيه في رواية محفوظ المشار إليها سابقا، كمثل رواية "اللص والكلاب"، فالفكرة سلسلة، وتجنيس كل أركان الرواية مع بعضها البعض لم يكن بالأمر العسير، فكانت الحبكة سهلة فضلا عن متانتها.
فتجسيد فساد اللصوص الكبار -رؤوف علوان وأمثاله - الذين يفسدون في المجتمع وينهبون ثرواته إزاء فساد اللصوص الصغار- كسعيد 
مهران- الذين يحاولون القفز على الكبار -كمحاولة سرقة سعيد لفيلا رؤوف علوان- فتواجههم صعوبات جمة، وكانت النتيجة هزيمة الصغار المتمثلة في قتلهم أو حبسهم أو ذلهم.
وخرج محفوظ بحبكة الرواية إلى بر الأمان فكانت عجينتها متماسكة ومتجانسة يصعب فناءها على مر الزمان.

تنويه:
الوحدة العضوية للرواية...
عندما تشعر وأنت تروي قصتك بأن قالب الرواية متجانس فاعلم أنك تصوب على الهدف بإتقان وأنك استطعت أن تشد انتباه القارئ، فإذا شعرت وأنت تكتب بالتوهان أو عدم الوضوح أو أنك تُحاضر أو تتفلسف أو تثرثر أو .. فاعلم أنك مفلس وأن القارئ سوف يرمي قصتك فور أن  يشعر بنفس ما شعرت أنتَ.
والعلاج أن ترجع لنقطة الصفر وتنصب الشروح التي بينتها لك وتطابقها بما رويتَ أنت في روايتك بقدر المستطاع فلعل شروحي تكون جديرة بالقدر الذي يضبط روايتك.
                           بقلمي: إبراهيم أمين مؤمن "روائي خيال علمي"







8
أدب / مفاتيح الرواية الاحترافية.
« في: 03:02 02/03/2023  »
                  مفاتيح الرواية الاحترافية

سنتعرض في هذا المقال إلى كيفية مقاومة التحديات التي تؤهل الروائي لكتابة رواية بشكل احترافي، كما سنتعرض لما يلزمه من متطلبات لبلوغ نفس الهدف.
كل روائي منا يريد أن يكتب رواية قوية، وليس هذا فحسب؛ بل يريد أن تخلّد تلك الرواية عبر الزمان، ولن يستطيع الوصول إلى مأربه إلا بتوفر  شرطين أساسيين: الأول ارتكاز الموهبة في خلجة نفسه، والآخر تعبئة تلك الموهبة وأصقلها بالدراسة والبحث لسنوات طوال على أن يتحلى
بالصبر ورباطة الجأش، ولا تخش من الفشل؛ فالشرط الأول يدفعك دفعا لتحقيق الآخر دون كلل أو ملل.
لكن ثمة شيء هام، لقد خلقنا الله متفاوتين في القدرات، وهذه مشيئة إلهية، لذلك تجد أن حجم تلك الموهبة والقدرة على صقلها تختلف من روائي إلى آخر، وينجم عن هذا تفاوت في مهارة الروائيين مما يؤدي بدوره لصعود بعضهم إلى قمة الهرم وتعثر البعض الآخر وسقوطه فور صعوده لسفح الهرم.
وهذه المقالة قد تكون مؤشرا لاستشراف حجم موهبتك بالضبط ومدى قدرتك على مواجهة التحديات، فهيا بنا نغوص ونوغل فيهما.

                     1-الفكرة المبتكرة
أهمية الفكرة:
اعلم أن الوصول إلى فكرة مبتكرة هو أصعب شيء في الرواية على الإطلاق، وأنها لب الرواية وقلبها، فمنها تستطيع أن تفرع عناصرها، ومنها يمكنك أن تحدد شكل شخصياتك وأماكن الصراع وزمنه.

الفكرة المتقنة والفكرة المضطربة:
والوصول إلى الفكرة قد يستغرق وقتا طويلا، فإذا نجح في الوصول إلى فكرة راسخة مبتكرة وضم عناصر يافعة تلتف حولها وتدور في  فلكها  -لتغذيها وتؤويها- خرجت الرواية بيضاء ناصعة لا تشوبها شائبة.
وعلى العكس قد تخرج الفكرة مقلدة، والتقليد ليس كالأصل مما يؤدي بدوره لظهورها (الفكرة) مضطربة، وتأتي عناصرها تبعا لذلك مضطربة فلا تستطيع أن تلتف حولها وتدور في فلكها فتهوى في متاهات لا نهاية لها وتترك الفكرة عارية لا مأوى لها.
 
كيفية الوصول إلى الفكرة:
ونوع الفكرة هي نقطة البداية على الإطلاق، فهي التي تحدد المراجع -كالكتب والمقالات والأفلام الوثائقية السينمائية- التي سوف تعكف على
دراستها، ومن رحم تلك المراجع تستطيع أن تنجب فكرة، لكنها سوف تكون في طور التنشئة فقط، وسوف تترعرع وتشب بضم عناصر لها  فضلا عن توفير بقية أركان الرواية من شخصيات وحبكة وزمان ومكان وحوار.
وثمة عامل قوي آخر يساعدك على الوصول إلى الفكرة، هو أن ترسم لوحة فنية تعبر عن فكرتك العامة بعد دراستك للمراجع، وتحدد مجموعة
من الشخصيات الافتراضية، وكذلك مكان وزمان افتراضيين، حتى الحوار فلن يعدو في البداية أكثر من مجرد مسودة.
 
تطبيق:
أنتَ تريد أن تكتب رواية عن الفضاء.
فابدأ بإعداد مراجعك -كالكتب والمقالات والأفلام الوثائقية السينمائية- التي خُطت وأعدت لتقدم لك منهجا متكاملا عن علوم الفضاء، أمعن  النظر فيما قرأت وشاهدت وسمعت حتى تصل لفكرة مبتكرة، فإن لم تستطع الوصول بعد إلى الفكرة فواصل الكفاح ولا تيأس.
إذا وصلت إلى الفكرة فغالبا ما تكون فكرة في بداية أطوارها، ولن تتبلور إلا عند وضع بعض العناصر السردية التي سوف تدور في فلكها -
لتشد من أزرها- ووضع شخصيات تنفعل معها، وتحديد زمن ومكان مسرح الأحداث، عندئذ سوف تخرج راسخة ولاسيما بعد ضم الخواطر  إليها؛ تلك التي ترد إليك وأنت تخط روايتك.


                      2- الشخصيات

اختيار الشخصيات:
الشخصيات ركن من أركان الرواية، ويستحيل أن تكون ثمة رواية بدون شخصيات، كما هو مستحيل أن تختار شخصيات لرواية لم تحدد فكرتها  الأولية، ومن العسير أن تحدد كل شخصيات روايتك إلا بعد تبلور فكرة الرواية واكتمال عناصرها، وليس هذا فحسب؛ فربما وأن تحاول أن تكمل  حبكة الرواية تحتاج إلى إضافة بعض الشخصيات التي بمثابة ضيوف شرف في روايتك.

اختيار أوصاف الشخصيات:
 لابد أن تكون سمات الشخصيات تتواءم مع فكرة الرواية وعناصرها، سواء تلك الصفات الخلقية أو الخلْقية حتى تدور تلك الصفات في فلك الفكرة وعناصرها وكذلك الحبكة.
وفور أن تضع للشخوص أوصافها لابد أن ترفع قلمك عن التعبير عن ثقافتك أو مشاعرك أو انفعالاتك أو إمكاناتك لأنك ببساطة بت ممثلا عن كل هذه الشخوص وعليك بإتقان أدوارها أمام القارئ.

دور الشخصيات في الحوار:
والشخصيات لها انفعالات داخلية أثناء تفاعلها مع أحداث الرواية، عليك أن تبرزها على السطح باستخراجها من مكامنها، وتنقل بقلمك انفعالاتها، وربما تكون وسيلتك في ذلك إبراز لغة جسدها مع نقل ملامح وجهها أثناء تفاعلها في الحوار.
فإن قصرت في نقل انفعالاتها الداخلية أثناء أداء دورها في الرواية فسوف تخرج شخصيات روايتك ميتة لا حياة فيها، مما يؤثر تبعا على بقية أركانها فيعتريها الضعف والفشل.

تطبيق:
هذا الكلام ينقسم إلى ثلاثة جمل: «فانحنى عوده قليلا وهو يزفر من الأعماق، وغمغم.»
فانحنى عوده قليلا: جملة خاصة بلغة الجسد وتشير إلى انتباه الشخصية بما قيل أو سوف يقال.
يزفر من الأعماق: جملة خاصة بالانفعال، وأغلب الأحوال تأتي الزفرة من كلام آلمه، وربما أغضبه لينفس بها عن غضبه.
وغمغم: جملة خاصة بالانفعال، والغمغمة تصدر عن الخائف وربما عن الغاضب.
ولن تحدد ملامح تلك الجمل الحوارية إلا عندما تعرف أوصاف صاحبها والكلام الذي وجه إليه من محاوره.

وهذه الجمل جاء بها "محفوظ" ليبث الروح في الشخصية كي تشارك في الحوار الذي يخدم بدوره الرواية بوجه عام.

                     3-الحوار بين الشخصيات

لا يجب تدخل سارد الرواية في أقوال الشخصيات المذكورة في الحوار، بل الشخصيات هي التي تملي عليه ما سوف يسرده في روايته، فالحوار  يخرج من عواطف الشخصيات وانفعالاتها لا عواطف وانفعالات سارد الرواية نفسه.
دور السارد مقتصر على تنظيم ما يصدر عنها من كلام وانفعالات عن تلك الشخصيات، لأن الشخصية الحوارية لا تتحدث عن مشاعرها الداخلية أثناء الحوار إلا قليلا.

علاقة الحوار بالفكرة والحبكة:
والحوار الذي يصدر عن الشخصيات لابد أن يكون له سمة يتجانس مع صفة تلك الشخصيات، وليس ذلك فحسب بل لابد أن تدور الحوارات في
فلك فكرة الرواية وحبكتها وعناصرها، فإن كان الحوار منسقا ومعبرا عن طبيعة الشخصيات ولكنه لا يدور في فلك فكرة الرواية وحبكتها فهو دخيل محتل كفيروسات الحاسوب التي تقلل من كفاءة أداء نسخة الويندوز.

تطبيق عن دور الحوار في الفكرة الرئيسة:
فمثلا بطل روايتك رائد فضاء كبطل رواية المريخي لآندي وير، هو فوق سطح المريخ يصارع طبيعة المريخ القاسية من أجل البقاء، عندما يصنع حوارا داخليا مع نفسه لا يصح أن يخاطبها عن مشكلة عانى منها منذ صغره بسبب والده أو والدته، وإنما يجب أن يقتصر حديث النفس عن مهاراته وخبراته الطويلة في دراسة كيفية مواجهة الطبيعة القاسية بمناخها والتغلب عليها من أجل النجاة من الموت.

تطبيقات عن  الانفعالات:
انظر إلى تلك الجمل الحوارية التي تعبر عن الانفعالات الداخلية إزاء الأحداث: «خاننا المحامي اللئيم، فتصلبت وجوههم وتبادلوا النظرات في انزعاج.»
جملة حوارية ذكرت في رواية أبناء حارتنا، وتصلب الوجوه مع تبادل النظرات في انزعاج يبين مدى الفاجعة التي حلت بهؤلاء من خيانة المحامي، والانزعاج قد يدل على الهوان، لذلك لم تظهر على وجوههم نظرات الحنق والغضب الذي قد يكون دالة على القوة.
وجملة أخرى: «وحيّاه الناس مضاعفين له التودد مدارة لسخطهم.»
 تجد في هذه الجملة الحوارية أن النفوس بلغ بها السخط إلى منتهاه تجاه هذا الشخص الذي يحيونه، ولم يجدوا وسيلة لطمس هذا السخط المرتكز في قلوبهم والذي لابد أن يظهر على ملامح وجوههم ولهجاتهم سوى مداراته بالمزيد والمزيد من التودد إليه.


مساحة الحوارات في الرواية:
والحوار بين الشخصيات له مساحة كبيرة جدا في الرواية، فإذا أخذ مساحة كل الرواية فإنها باتت أشبه بالسيناريو، وكأن السارد لسان حاله يقول: «كل أحداث الرواية مع الشخصيات.»
وهذا مستحيل، فثمة أمور لابد أن يسردها الراوي بنفسه بمنأى عن الشخصيات كوصف مسرح الأحداث والتعبير عن خلجات الشخصيات.
وبناء على ذلك لا يجب أن يفاجئ الروائي القارئ بوجبة دسمة من الحوار بين الشخصيات دون أن ينبه القارئ به من خلال سرده في أول  الحوار، ويرسم الرتوش الأولية استعدادا لنصب حوار بين الشخصيات كأن يذكر المكان الذي سوف يحدث فيه الحوار أو يذكر حدثا ماضيا له  علاقة بالحوار الآتي.

المنطقية في الحوار وإن كان يخدم الفكرة والحبكة:
ولابد أن يكون الحوار منطقيا، ومنطقية الحوار أصعب ما يواجهه الراوي في روايته، فهو القاسم المشترك مع صعوبة الوصول إلى فكرة مبتكرة
والحبكة الجيدة.
ولنجاح الحوار لابد أن يمتلك السارد خبرة وثقافة واسعتين، وقد يستعيض السارد عن قلة خبراته وثقافته من خلال الارتكاز على كم هائل من المراجع من نفس جنس نوع روايته.
ومنطقية الحوار بمنزلة جهاز استشعار، لكنه جهاز يستطيع أن يميز به بين الروائي الهاوي والمحترف وشديد الاحترافية.

تنبيهات عن منطقية الحوار:
عند السرد لا تستخدم أحداثا مفتعلة من أجل أن تخدم فكرتك أو حبكتك، وحاذر من صياغة جمل ممكن أن تُئول إلى أكثر من معنى فتتسبب في 
اضطراب قارئك، وعند عرض وجهة نظر أحد شخوص روايتك فحاذر أن تكون قابلة للتأويل، فالروائي الماهر واضح في أسلوبه وطريقة عرض  أفكار شخوصه.
وقد يخرج الحوار مترهلا مهلهلا، فمثلا أمامنا حوار بين أربع شخصيات، هذا الحوار دائر في مسألة ما، فيحيد القاص عن تلك المسألة دون مبرر، أو ينقل انفعالات شخصية لم تكن من عادتها إظهار ذلك الانفعال لحسم الأمور والنظر فيها، أو يسرد جملا مبهمة أو قابلة للتأويل، أو لا ينسق حديث الشخصيات الأربع لتتناغم معا، كل هذه المثالب تتسبب في اضطراب الحوار فيخرج مترهلا مهلهلا.

                        4- المكان والزمان

مسرح أحداث الرواية:
الأماكن التي تدور فيها الأحداث لابد أن تلتف حول فكرة الرواية وعناصرها وشخصياتها، فالارتباط بين الأماكن والفكرة والشخصيات لابد أن يكون حاضرا لدى الراوي لأن هذا الارتباط يساعده على الخروج بحبكة الرواية إلى بر الأمان.

تطبيق:
الرواية حربية، يكون عندئذ مسرح أحداث الرواية عبارة عن أماكن معسكرات ومخازن أسلحة على سبيل المثال لا الحصر، وقلما ينتقل الراوي من تلك الأماكن إلى أماكن أخرى كأماكن اللهو إلا حين يستذكر البطل جوانب من حياة الماضي، وإذا ذكر يذكر ذلك بصورة عابرة ثم يلتف ويعاود بسرعة إلى مسرح الأحداث.

الأماكن الخاصة بالشخصيات:
إن أماكن إقامة شخصيات الرواية وما بداخلها من محتويات ينم عن طبيعة الشخصيات وسلوكياتها وأسلوب تفكيرها.
فالسارد عندما يصف أماكن الشخصيات ومحتوياتها الداخلية لابد أن يضع في اعتباره أمرين، الأول طبيعة الشخصية وسلوكياتها وانفعالاتها مع الأحداث، والآخر وظيفة المكان ومحتوياته في إدارة الفكرة والحبكة معا.
تطبيق:
بطل الرواية لاعب كرة قدم محترف، تكون عندئذ جدران الحجرة التي يمكث فيها تحتوي على صور من إنجازاته، وليس هذا فحسب؛ فلابد أن تشارك تلك الصور في الرواية بحيث تكون جزءا من فكرتها أو حبكتها.

زمن أحداث الرواية:
الزمن إما أن يكون ماضيا أو حاضرا أو مستقبلا.
والراوي قد يحتاج إلى سرد أحداث روايته بالتنقل بين تلك الثلاثية الزمنية.
كأن يتذكر أحد أبطال الرواية مشاهدا من أحداث نكسة عام 1967 وتداعياتها السيئة على المجتمع المصري والسوري والفلسطيني آنذاك، ثم بعد ذلك تنشب حرب عام 1973 التي ردت الكرامة إلى المصريين، ثم يستشرف المستقبل فيرسم صورة مستقبلية للمجتمع المصري في ظل هذا الانتصار عكس التداعيات السيئة التي خلفتها حرب 1967.

أدوات الزمن:
ولكل زمن أدواته التي تنفعل مع شخصياته، وتنعكس أيضا على عاداته من ملبس ومأكل وسلوكيات.
فبالنظر مثلا إلى الإذاعة نجد أنها انتقلت بين مراحل عدة.
فبدأت بالإذاعة المسموعة عام 1906، ثم البث التلفزيوني عام 1927 باللونين الأبيض والأسود، ثم بعد ذلك نجد في الستينيات أن البث بات بجميع الألوان.
والشخصيات تؤدي حياتها اليومية من خلال تلك الأدوات الموجودة في الزمن الذي تعيش فيه، فلا يصح مثلا أن يقص الروائي رواية جرت 
أحداثها في القرن الثامن عشر ثم نجد الروائي يتكلم عن أحد شخوصه بأنه شاهد مباراة لكرة القدم في كأس العالم، أو تكون أحداث الرواية جرت قبل الستينيات مباشرة ثم نجد الروائي يخبر عن أحد الشخوص بأنه شاهد فيلما ملونا.
السؤال: كيف تدرج مقاطعك السردية في ضوء عاملي المكان والزمن؟
الذي يحدد ترتيب المقاطع أو الأحداث عاملان؛ وهما عاملي الزمن والمكان.
فلابد من معرفة الميقات الذي تسرد فيه، ووقت استغراق الحدث الذي تسرده، والمكان الذي تجري فيه الأحداث، كي تدرجه في المكان الصحيح من روايتك، فقد تتنقل ما بين السرد المتسلسل والسرد المنقطع بناء على تحديد الزمن والمكان.
فإذا سردت حدثا في مكان (أ) -وليكن بداية السرد الساعة السادسة- عن شخصية تؤدي عملا يستغرق نحو نصف ساعة، ثم أتبعت ذلك بأن الشخصية خرجت من المكان (أ) إلى المكان (ب) وأجرت مع شخصية أخرى حوارا بدأ من الساعة السابعة، وكان قطع المسافة من (أ) إلى (ب) يستغرق 45 دقيقة تكون قد أخللت بعامل الزمن السردي.

                              5-الوصف
الوصف لا يخلو عن وصف الشخصيات والأمكنة والأزمنة والأحداث، ولابد أن يؤهل الراوي كل هذه الأوصاف لتشارك في الفكرة والحبكة.
فالوصف لا يجب أن يكون وصفا عبثيا؛ فالغرض الأساسي هو القصّ، قصّ عن فكرة تعالج قضية ما، لذلك لابد أن يؤدي الوصف دوره في معالجة تلك القضية.
وقد يظن الراوي أنه أجاد وأصاب عندما تمكن من وصف شخصياته أو أماكنه أو أحداثه أو زمانه بكل دقة وإتقان، وفي الحقيقة أنه لم يجد ولم
يصب بل إنه عبث بروايته لأن تلك الصفات بعيدة كل البعد عن تأهيل كل ما سبق من وصف للمشاركة في الفكرة الرئيسة للرواية.
كما أن الاسترسال في الوصف الذي يشارك الفكرة وعناصرها وحبكتها غير مفيد أيضا، يكفيك من الوصف ما يشق قلب الفكرة وحبكتها.
والرواية قد تدور في أماكن عدة، وقد يشاركها العديد من الشخصيات، لذلك عليك بوصف المكان الرئيسي فحسب، ولا بأس أن تصفه وصفا دقيقا، ويكفيك من وصف الشخصيات أبطالها.
ولا تستعرض في وصف حروف اللغة العربية وجمالها ظنا منك أنها سوف تزيد روايتك روعة وجمالا، والحقيقة أنك تأخذنا من جو الرواية إلى أحد برامج اللغة العربية.

تطبيق:
تجسيد الوصف في رواية العجوز والبحر
ودعونا نستعرض كل التنبيهات السابقة من خلال رواية العجوز والبحر.
لو نظرنا إلى رواية العجوز والبحر لأرنست همنجواي، نجد دقة وصف مسرح الأحداث وهو البحر، وعاد همنجواي ليصف أيضا العجوز بكلمات موجزة، وقد تداخل وصف البعد الزمني كذلك.
والآن سنذكر فكرة الرواية الأساسية بإيجاز شديد كي نبين كيف أدخل همنجواي وصف البطل ووصف مسرح الأحداث في قلب الفكرة الأم فاستحق أن ينال جائزة نوبل.
الفكرة والرمزية:
الرواية تصور الصراع الأزلي بين الإنسان المتمثل في العجوز "سانتياجو" وقوى الطبيعة المتمثلة في الصراع المستمر بينه وبين السمكة الكبيرة التي تغلب عليها ومن بعده أسماك القرش التي تغلبت عليه.
والآن ألا تشتم رائحة من الفكرة أيها القارئ؟!
الإنسان استطاع أن يقهر قوة أقوى منه بكثير بعقله وعزيمته وتراكم خبراته في مجاله والمتمثل في نجاحه عن صيد سمكة كبيرة بهذا الحجم  الهائل، لكن عندما اتحدت هذه القوى المتمثلة في مجموعة من أسماك القرش قهرته، فالاتحاد قاهر غير مقهور حتى لو كان يبارز العزيمة المتلبسة بالخير.
وصف بطل الرواية: «كان العجوز جسدا ناحل (هزيل) العود، توغلت في قفاه غضون (تجاعيد) عميقة، وقد عدت حرقة الشمس في انعكاساتها على مياه البحر، على بشرته عدوانا قاسيا، فملأت خديه بالبثور، واستدارت فنثرت الكثير منها على جانبي وجهه، أما كفاه، فقد حفرت فيهما الحبال التي طالما جرر بها الأسماك الثقيلة، جراحا عميقة الغور ليس بينها جرح جديد، فهي جميعا قديمة قدم الحفريات في صحراء عديمة الأسماك، كان كل ما فيه عجوزا مثله.. إلا عينيه، عيناه كانتا في صفاء مياه البحر، يطل منهما المرح، عدم الاعتراف بالهزيمة.»
والسؤال الآن: كيف شارك هذا الوصف في فكرة الرواية وحبكتها؟
الإجابة: تشكلَ كل جسده بعامل البيئة، فهرم فيه، وما عامل البيئة إلا مسرح الأحداث، ويأتي همنجواي بوصف عينيه في النهاية ليخدم فكرة  الرواية، فالنظر إلى التحديات والتيارات الجارفة بعين التفاؤل وتوفير الخبرة والعزيمة -المتمثلة في وصف  جسده ووجهه- من أجل مصارعتها يحقق الفوز لا محالة.

وصف مسرح الرواية: «كان زورق العجوز قد أوغل في البحر، حتى بدت السحب فوق الأرض، كأنما هي جبال، وبدا الشاطئ كأنما هو شريط طويل مخضوضر تطل من ورائه التلال الشهباء الضاربة إلى الزرقة. أما الماء، فقد ضرب لونه إلى الزرقة الحالكة المشوبة بلون الأرجوان. وتملى (تمتع) العجوز الماء وراح يراقب استقامة حباله فيه، وهبوطها إلى أغوار لا تراها العين. وكان الضوء العجيب الذي ترسله الشمس في الماء بعد أن ازدادت سموقا (علوا) في كبد السماء، بشيرا بجو طيب، يؤكده شكل السحب المترامية على الأرض في الأفق، وكان الطائر قد أوشك أن يغيب عن مدى الرؤية، ولم يعد على وجه الماء غير بضع بقع من أعشاب السرخس الصفراء، وحولها مثانات (أكياس ملآنة بالبول) بعض الطيور المغردة، عائمة حول الزورق، تتخللها بعض السميكات الصغيرة تسبح في الماء وترسل فقاعات لطيفة الصورة.»
كل هذا الوصف له علاقة مباشرة بأحداث الرواية الضاربة في الفكرة الرئيسة.
الزورق، والسحب، واستقامة حبال الماء وهبوطه في الأغوار، والشمس السامقة، ووجود الطيور، كل هذه الأشياء سوف تتحد معا ليعدّ من خلالها همنجواي المعركة الكبرى التي سوف تدور بين العجوز والسمكة ومن بعدها مجموعة من المعارك مع القروش الضخمة، ومن كل هذه المعارك نستخلص الصراع الأزلي بين الإنسان وقوى الطبيعة، والتي يظهر فيها جليا أن عامل الاعتصام قاهر غير مقهور ولو كان المبارز يتسم بخبرة ورباطة جأش وشدة بأس، لذلك أشار همنجواي في مواضع كثيرة إلى حاجته إلى الغلام ليعاونه على الصراع الذي فرض عليه.

                         6-السرد

والسرد أقسام، منها سرد الروائي نفسه من خلال مشاعره وثقافته وخبراته، وهنا تتجلى ثقافة الروائي الذي يطلق لها العنان لتحكي ما يحلو له بعيدا عن قيود الشخصيات وانفعالاتها.
ومنها سرد مختص بالزمان والمكان وسمات الشخصيات، وهو الذي يحدد شكل المكان الذي سوف تُجرى فيه أحداث الرواية، وسرده مبني على ثقافة الروائي وبراعته في كيفية دمج المكان بفكرته، واختيار الزمن والتنقل بين أوقاته نفس الشيء.

تطبيقات:
وصف سردي لطبيعة المكان: «وهو قصر كبير، بداخله حديقة غناء.»
سرد وصفي لطبيعة مكان ينم عن شخصية ثرية، وما دام الروائي جاء بذلك الوصف فلابد أن يشارك وصفه في أحداث الرواية.       
وصف سردي  للأزمنة: «ومرت عليه الساعات وكأنها دهر، بينما صديقه في الجانب الآخر من حياته تمر عليه الساعات وكأنها بضع ثوانٍ.»
هذا السرد عن شخصيتين، الأولى تعاني من الفراق فهي تحترق من طول الانتظار، وربما أنها واقعة تحت وطأة العذاب، والأخرى تعيش لحظات سعيدة لا تريد أن تنقضي؛ لذلك تشعر بأن الساعات تمر كالثواني.

وصف سردي لشكل شخصية: «بدا في جلبابٍ أزرقَ نظيف —نظيف بالقدر المتاح لراعٍ — متلفع الرأس بلاسةٍ غليظة وقاية من الشمس، ومنتعلًا مركوبًا قديمًا باليًا تهتكت أطرافه.»
هذا السرد عن شخصية فقيرة لكنها تحاول بقدر المستطاع استغلال أقل الإمكانات لتبدو نظيفة.
وصف سردي لطبيعة شخصية: «وهو رجل وقور، يتميز بدماثة الخلق وحسن المعشر.»
ربما وصفه الروائي بذلك حتى لا يخل بحبكة الرواية ويزيل الالتباس عن تلك الشخصية التي سوف تؤدي دورها في الرواية.
 سرد الروائي عن انفعال الشخصيات لأحداث الرواية:
«التحم في قلبه اليأس بالغيظ والغضب.»
«وضجوا بالضحك وأعقب ذلك نوبات سعال.»
«فزم شفتيه فى استعلاء واستنكار.»
في الأمثلة الثلاثة السابقة تظهر براعة الروائي في استخراج عما يدور في خلجات الشخصيات إزاء انفعالاتها مع الأحداث، وذلك من أجل نقلها  للقارئ مع تقديم تقرير مبين للغة أجسادها.
وإذا تطرقنا إلى مثال حي لتجسيد كل ما سبق نجد ذلك في رواية أولاد حارتنا لمحفوظ، حيث تجد كل هذا واضحا جليا عندما وضع سرده من خلال الرتوش والبراويز الأولية للمكان أو الزمان اللذين سوف يجريان فيهما حوار الشخصيات، كما يتجلى أيضا في وضع السمات الأساسية  للشخصيات.
سرْد الروائي بمعزل عن الشخصيات مثل صفحات 120 وحتى 122 من رواية أولاد حارتنا لمحفوظ.
ركز فيه عن المكان، ووصفه بخطوط عريضة ليكون بمنزلة المسرح الذي سوف تجرى عليه أحداث الرواية، وجعل مركزية المكان هو البيت  الكبير والذي عليه سوف يجرى الصراع بكامله تقريبا.
كما رسم الخطوط العريضة لحياة القاطنين بهذا المكان، وذكر فيه شرائح المجتمع التي سوف تشارك فكرته وتنفعل معها.
وأشار أيضا في تلك الصفحات عن الزمن الذي ستجرى فيه الأحداث، وهو زمن الفتوات والإتاوات التي يجبونها من الفقراء والضعفاء والممتد   من العصر الجاهلي وحتى الخمسينات، وركز في تلك المقدمة عن فتوات الحارات الذين لوثوا شرف تلك المهنة؛ حيث كان الفتوات قديما يحمون  الضعفاء لا يسلبونهم.
وبعد تلك المقدمة السردية ضلع محفوظ في الدخول إلى تلك الشخصيات التي سوف تؤدي أدوارها التي رسمها لها في نفس المكان والزمن اللذين بينهما، وافتتح بقوله بعد أن عنون الفصل باسم "جبل": «ونفد صبر آل حمدان فاصطخبت في حيهم أمواج التمرد.»

تساؤل:
ويجب هنا أن نتوقف لنتساءل: يسرد الروائي بمعزل عن الشخصيات، ويسرد كذلك نقلا عن الشخصيات، لكن ما علاقة الزمن والمكان بكلا السردين؟
والإجابة عن هذا السؤال في غاية الأهمية، لأنه ينبثق منه أسلوب ترميز الرواية وتحديدها إلى عدة مقاطع بناء على علاقة السرد بالزمن والمكان.
نجد أسلوب محفوظ في رواية أولاد حارتنا استخدم السرد المتسلسل في قصة "جبل"، وهو السرد الذي يروي فيها السارد الأحداث حسب التوقيت الزمني، ثم قفز قفزة هائلة واستخدم السرد المتقطع في نفس القصة وهو السرد غير المرتبط بترتيب الأحداث حسب الزمن والمكان.
وإليك خط سير السرد الذي استخدم فيه محفوظ كلا السرديْن.
من صفحة 120 سرد لنا شكل المسرح الذي سوف يجرى عليه الأحداث الخاصة بالأبطال الأربعة (جبل ورفاعة وقاسم وعرفة) وطبيعة أهله، وبعد أن خلّق بؤرة صراع من خلال سرد شكل المسرح وطبيعة أهله سرد لنا سردا متسلسلا، والذي يتمثل في الصراع بين جبل وآل حمدان في جهة، وفي الجهة الأخرى الناظر والفتوات.
أراد آل حمدان حقهم في الوقف فجمعوا أنفسهم وذهبوا إلى بيت الناظر، وجد الناظر أنه لابد من ردعهم فأرسل إلى الفتوات، حتى صفحة 137  الذي قص فيه محفوظ حدثا من الماضي وهو انتشال هدى هانم له من حفرة يستحم فيها، وهذا سرد استرجاعي.
وكان رد فعل الفتوات هو فرض حظر تجوال على آل حمدان بسبب جرأتهم على الشكوى منهم عندما ذهبوا إلى بيت الناظر.
يجلس جبل وهو الركن الشديد لآل حمدان لوحده يفكر ما حاق بآل حمدان من هوان، حتى يسمع استغاثة دعبس به فسعى إليه، وقتل جبلٌ الفتوة قدرة.
وسأل فتوات الحارة عن قدرة، إذ لابد من أخذ موقف تجاه ذلك وإلا سيجدون أنفسهم يُقتل الواحد منهم تلو الآخر، فذهبوا إلى الناظر من أجل ذلك، وحدث حوار فيها صراع بين جبل والفتوات من أجل ما يريده الفتوات من إنزال أشد العقاب على آل حمدان كانت نتيجته ترك جبل للبيت الذي تربى فيه.
وتكررت نفس الحادثة، حيث استغاث نفس الشخص ويدعى دعبس من شخص يدعى كعبلها وكانت النتيجة أن اضطر جبل لمفارقة الحارة خشية  أن يأخذوه بقدرة.
ظل هاربا حتى قابل البلقيطي وبناته، ومنذ تلك اللحظة نجد أن محفوظ قفز قفزة من السرد المتسلسل المرتبط بالزمن إلى السرد المتقطع غير الخاضع لعامل الزمن، حيث نقل مسرح الأحداث بين جبل والبلقيطي وبناته مهملا في ذلك الأحداث التي جرت في الحارة والتي أخبره بها دعبس عندما شاهده وهو يمارس أحد ألعابه السحرية.
والسرد من حيث الكم هام جدا، فمن المفترض أن الروائي لا يسهب في سرد لا يفيد أو يضيق السرد بالقدر الذي يخل بالمعلومات التي يجب إيصالها إلى القارئ.

                     7-الحبكة ( العقدة )

لقد جعلت الحبكة آخر ما أتكلم عنها لأن كل ما سبق ذكره يتم التوفيق بينهم حتى تصنع حبكتك.
تعريف الحبكة:
الحبكة هي أن تحاول أن تجنّس كل ما سُرد في الرواية ليلتف حول الفكرة الرئيسة فتصل بها إلى وحدة عضوية متكاملة.

كيف تعرف أن الحبكة قوية:
كل ما تضافرت أركان الرواية وتجانست كانت الحبكة أشدّ متانة، والعكس بالعكس.
ولو كانت الفكرة تتفرع منها بعض العناصر، والذي يمثل أحدها حبكة لوحده، يكون الروائي قد أجرى في روايته حبكتين، فأخذ عقل القارئ وقلبه، ثم هداه بدمج الحبكتين في حبكة واحدة ثم فك خيوطها وأهداها له.

أنواع الحبكة:
أولا الحبكة المعقدة..
والحبكة تختلف من حيث تشابك خيوطها من رواية لأخرى، فقد تجد الحبكة لها خيوط عديدة متشابكة مع بعضها البعض بصورة معقدة، هذا النوع من الحبكات لا يكونها إلا روائي شديد الاحترافية وهو الوحيد القادر على فك خيوطها.
 لكن أين السبيل إلى مثل هذه العقد؟

الوصول إلى الحبكة المعقدة:
كي تكوّن حبكة قوية ثم تجعلها تنساب بين ثنايا أناملك كالماء لا تتبسط في تفريع عدة عناصر لفكرتك، فرّع وعقّد الأحداث بقدر ما تستطيع، عقّد ما دامت تلك الأحداث لن تخرج عن نطاق الفكرة العامة للرواية أو جوها، لا تخش أن لا تجد حلا لكل عقدة عقدتها، فقط اكتب وعقد، وإذا 
خشيت أن يستعصي عليك أمر فكها فقسمها إلى عدة حبكات في ملف خاص ثم لملمها جميعا لتدخل إلى مشكاة واحدة وأنت تسرد الأحداث، ثم أطلقها من الجانب الآخر منسابة كانسياب الماء من بين يديك.
واعلم أن الحبكة المعقدة إنما تأتيك من توارد الأفكار والخواطر، فإذا جاءتك فلا تلقها من النافذة لتتحاشى طول الرواية.
وثمة تحد آخر للوصول إلى حبكة بالغة التعقيد، هو مدى براعتك على إتقان بقية أركان روايتك، لأن أي خلل في سرد تلك الأركان سوف يضعضع في متانة الحبكة فيصبها الخلل هي أيضا.
واعلم أن وضع تصور كامل لحبكة روايتك وأنت في بداية السرد مستحيل؛ حتى لو استقرّ الروائي على وضع الفكرة وعناصرها وحدد الشخصيات وصفاتها وكذلك أماكن الأحداث وأزمنتها، لأن الروائي ببساطة يقوم بتوليف كل ما سبق من بعد إتقانه من أجل الخروج بحبكة جيدة.

مثال لأكثر من عقدة في رواية واحدة:
نجد مثلا في رواية أولاد حارتنا -لمحفوظ رحمه الله- واجه صعوبات عديدة لتجسيد شخصياته، في صورة الله، وآدم وحواء وإبليس وقابيل  وهابيل وموسى وفرعون وزوجة فرعون وعيسى ومحمد وأخيرا دور العلم وموقعه من الدين والمتمثل في صورة عرفة.

الصورة والصورة المقابلة:
 أدهم: آدم 
صناعة المحاكاة: كما كان آدم في الجنة وطرد منها كان أدهم في الوقف وطرد منه.
زوجة أدهم: حواء
صناعة المحاكاة: كما وسوست حواء لآدم فطرد من الجنة وسوست زوجة أدهم لأدهم فطرد من الوقف.
الجبلاوي: الله
صناعة المحاكاة: كما أن الله على عرشه لم يظهر لأحد، هكذا الجبلاوي في البيت الكبير لم يظهر لأحد.
إدريس:  إبليس
صناعة المحاكاة: كما عارض إبليس الله اختيار آدم للتفضيل عارض إدريس الجبلاوي لتفضيل أدهم أيضا.
وكذلك حاكى قصة ابني آدم في صورة قدري وهمام.
وهكذا إلى آخر الرواية.
ثم ربط كل هذه العقد في عقدة عامة عندما حدد قصص الأنبياء بأنها الإطار الفني، لكن الإطار الفني هذا يراد به نقد الثورة والنظام الاجتماعي 
الذي كان قائما.
وكأن محفوظ أراد أن يرسم صورة المجتمع آنذاك في لوحة فنية متمثلة في الجبلاوي وأدهم وزوجته وفرعون وزوجته و.. إلى غير ذلك بلوحة فنية أخرى وهي إرسال الأنبياء بالرسالات السماوية والصحف والألواح. 
لكن الحبكة لم تكتمل في بعض أوجه المحاكاة، وذاك ليس لأن محفوظ عاجز بل لأن المحاكاة لن تخرج بصورة أفضل مما أخرجها هو.
من المؤكد أن العقدة مضطربة، لذلك اختلف في هذه الرواية كثير من النقاد حول مدلولاتها.

ثانيا الحبكة السلسة:
وأحيانا لا تحتاج الحبكة إلى مثل هذا التعقيد المبالغ فيه في رواية محفوظ المشار إليها سابقا، كمثل رواية "اللص والكلاب"، فالفكرة سلسلة، وتجنيس كل أركان الرواية مع بعضها البعض لم يكن بالأمر العسير، فكانت الحبكة سهلة فضلا عن متانتها.
فتجسيد فساد اللصوص الكبار -رؤوف علوان وأمثاله - الذين يفسدون في المجتمع وينهبون ثرواته إزاء فساد اللصوص الصغار- كسعيد 
مهران- الذين يحاولون القفز على الكبار -كمحاولة سرقة سعيد لفيلا رؤوف علوان- فتواجههم صعوبات جمة، وكانت النتيجة هزيمة الصغار المتمثلة في قتلهم أو حبسهم أو ذلهم.
وخرج محفوظ بحبكة الرواية إلى بر الأمان فكانت عجينتها متماسكة ومتجانسة يصعب فناءها على مر الزمان.

تنويه:
الوحدة العضوية للرواية...
عندما تشعر وأنت تروي قصتك بأن قالب الرواية متجانس فاعلم أنك تصوب على الهدف بإتقان وأنك استطعت أن تشد انتباه القارئ، فإذا شعرت وأنت تكتب بالتوهان أو عدم الوضوح أو أنك تُحاضر أو تتفلسف أو تثرثر أو .. فاعلم أنك مفلس وأن القارئ سوف يرمي قصتك فور أن  يشعر بنفس ما شعرت أنتَ.
والعلاج أن ترجع لنقطة الصفر وتنصب الشروح التي بينتها لك وتطابقها بما رويتَ أنت في روايتك بقدر المستطاع فلعل شروحي تكون جديرة بالقدر الذي يضبط روايتك.
                           بقلمي: إبراهيم أمين مؤمن "روائي خيال علمي"







9
     فهمان يرى الشيطان باستخدام الفيزياء النووية ج6 
إبراهيم أمين مؤمن/مصر

وأرسل الجيش الأمريكي على الفور فرقة من المارينز هي أكفأ رجال الجيش الأمريكي في الفنون القتالية على الإطلاق، ومهمتها الرئيسة حماية جاك من أجل أن يصنع لهم قنابل الثقوب السوداء.
واتصل الرئيس الأمريكي بالرئيس المصري وأعلمه بأن فهمان في خطر، وأن خطة اليابان تقتضي بقتل كل من لديه قدرة على صناعة القنابل السوداء.
وطلب منه السماح لفرقة المارينز التي في الطريق إلى الوادي الجديد بالسماح لها بالدخول، ولم يجد الرئيس مهدي مانعا في ذلك إذ إن جاك  ملازم لفهمان، وهذا يعني أن فهمان هو الآخر في مأمن من الاغتيال.
                                                      ***
اكتفى مهدي بأن أرسل فرقة من قوات الصاعقة حماية لحياة فهمان، وهذا لم يكفِ مطلقا لتقدير الموقف؛ فالموضوع أكبر بكثير من ذلك، رغم أنه يسمع الآن ويشاهد البث الياباني بشان ما أحدثته اليابان بأمريكا. ومما سمع نقلا عن وزارة الخارجية اليابانية: «إنّ اليابان أعظم إمبراطورية في العالم، وإنّ الجنس اليابانيّ أرقى جنس فيه، وما كان لها أن تسكت عن ثأرها طوال كلّ هذه العقود الماضيّة.»
وقيل أيضًا: «إنّ رئيس وزراء اليابان يحذّر أمريكا من أيّ عمل متهوّر، وسيكون الردّ عنيفًا بقدرٍ لم يتصوره عقل، وردّنا إزاء أيّ عمل متهوّر هو حذفهم من الخريطة الجغرافية.»
تساءل مهدي عندئذ: من أين لهم بتلك القوة؟  تمحي أمريكا كلها!
وقرر في نفسه شيئا وقال: عندما يأتي وقته سأنجزه.
                                                     ***

وجاء نفس الاتصال ليعقوب إسحاق، فجلس يفكر. وفتح هاتفه فسمع ما سمعه مهدي، فاجتمع بإدارته على الفور، فالموقف جد خطير، بل أنه
قدر حجم الأمور جيدا، وتأكد أنها قد تكون لحظة فارقة في حياة دولة إسرائيل.
وتمخض الاجتماع عن عدة قرارات منها هو وجوب التحرك للحصول على ذاك السلاح المدمر بأي طريقة، لأنه تراءى لكل من في الاجتماع أن  الحصول على ذلك السلام المدمر سينهي الصراع العربي الإسرائيلي، إذ إن العرب جميعا سيدركون أن إسرائيل قادرة على محوهم من الخريطة إذا ما شمخوا بأنوفهم لها.
كما قرروا إذا حصلوا على تلك القنابل بأن ينتزعوها من اليابان بأي طريقة، وأن يحولوا فيما بعد دون إيصالها لأي دولة غيرهم.
ومن ضمن القرارات هو السيطرة على المصادم FFC-2 وتسخير كفاءتي جاك وفهمان لصالح إسرائيل، فإن فشلوا في تسخيرهما وجب قتلهم على الفور.
                                                     ***
وكان صدى الأخبار التي تبثها اليابان على آذان الشعب الفلسطيني من أعزب الأصوات على الإطلاق، فأمريكا هي التي تسعى دائما بتثبيت اليهود على أراضيهم بالطرق المشروعة وغير المشروعة.
وسقوط أمريكا المدوي بهذه الطريقة يعتبرونها بمنزلة أول طريق للتحرير.
فاجتمعت كافة الفصائل الفلسطينية ليضربوا ضربتهم من أجل أن يحرروا فلسطين.
                                                   ***

فتح جاك الخط ليستقبل مكالمة رئيس ناسا، بالطبع لم يصل الخبر إلى مسمع جاك بعد ولاسيما أنه مستغرق في التجارب مع فهمان.
قال رئيس ناسا بصوت متهدج: «ضاعت أمريكا يا جاك، ضاعت يا جاك الولايات المتحدة الأمريكية.»
قال جاك في هلع: «ضاعت! كلنا سوف نضيع وليست أمريكا فحسب، فعلها ثقب سحابة أورط إذن، يا للكارثة!»
- «بل فعلتها ثقوب كاجيتا يا جاك.»
وقع في روع جاك بأن شرا مستطيرا حاق بدولته فسأله بصوت غضوب مرتفع: «ماذا حدث بالضبط ؟»
- «الذي حدث أكبر من أن يُروى، شاهده أفضل من وسائل الإعلام، ولاسيما وسائل إعلام اليابان منها.»
طرح جاك بالهاتف أرضا وهو في قمة الغضب، وظل يزمجر ويتوقد، حتى مد يده إلى الهاتف مرة أخرى ليشاهد الأخبار، فرأى شاشة الهاتف قد تهشمت، فأسرع نحو الشاشة وفتحها.
وفور أن شاهد وسمع الأخبار أدرك أن كاجيتا قد تمكن من صنع قنابل الثقوب السوداء عندما كان فهمان مريضا في غرفة العناية المركزة يصارع الموت.
انتفض جسده، وتشنّجتْ كلّ أعضائه، وتدلى رأسه وارتجف رجفة الزلزلة، عبثًا حاول فكّ أعضائه لكنه ما استطاع.
حاول أن يستنهض مصادر قواه الداخليّة لكنّها نائمة تغطّ غطيط السكارى، فأيقظها بعزيمة لا تُقهر فنهضت.
عندها أدرك ما حوله فتذكّر تحذيره لفهمان بإغلاق FFC-2، ثمّ صرخ مناديًا: فهمان، فهمان، مهديّ، فهمااااااان.
فأسرع فهمان لتلبيته، ولم يكد يرى ملامح وجهه -التي تحول كل ما فيه إلى اللون الأحمر- حيث انقض عليه جاك كالانقضاض على الفريسة، بدأ  بجندلته فوقع على الأرض، ثمّ قفز فوقه وبدون وعي منه أخذ يكيل له اللكمات، وفهمان يتلقى الضربات التي سرعان ما تسببت في فقد الوعي بعد إحداث إصابات بالغة في وجهه، ورغم ذلك لم يكف جاك عن لكمه، لأنه فاقد الوعي هو الآخر.
وتوقف عن الضرب، ليس لشيء سوى أنه انهار تماما بسبب ما حدث لأمريكا، نظر إلى فهمان الذي لم يبد أي حراك فتفككت أوصاله على الفور، وتفجع فجيعة الأم على ولدها عندما قتلته بدون قصد.
مد جاك أذنه -فارغ القلب- إلى صدر فهمان ليتسمع دقات قلبه، فوجده بخير.
نظر إليه فرأى سقوط بعض أسنانه، وتحطم أرنبة أنفه، والدم ينساب من فكيه وشدقيه على وجنتيه، بل لامس الأرض من غزارته. 
هزه بكلتا يديه من كتفيه هزات رقيقة وهو يقول بصوت منخفض فيه هلع وألم: فهمان، أفق، أفق يا فهمان.
فلما يأس منه رفعه من الأرض بيدين مرتعشتين ووضعه في مضجعه بتؤدة ثم اتصل بطبيب على الفور.
بعد ذلك جلس بجانبه ودموعه تنهمر خوفا عليه، يمسح عنه دمه المسال، وينظف في وجهه، فامتزجتْ دموعه بدمائه فغدا يمسح دموعه بدمائه ودماؤه بدموعه.
جاء الطبيب وطمأنه على حاله ثم غادر.
فحمد الله، ثم انزوى في الحجرة ونظر إلى أعلى وهو يحدق بسقف الحجرة الذي لم ير منه سوى خياله وحديث نفسه وقال: إن كانت أمريكا  ذُلّت فلا يجب أن أخسر كلّ شيء، علىّ بالانتقام من كاجيتا أوّلاً ثمّ من مهديّ.
اعتدلت رأسه ونظر إلى فهمان يحدق بملامحه البريئة وهو يقول: أمّا هذا المسكين فلا ذنب له ولا جريرة.
وظل جاك مع حديث النفس إلى أن أفاق فهمان، فانكب عليه جاك مستعطفا إياه أن يسامحه ويغفر له.
قال فهمان في فراسة: «أو فعل كاجيتا شيئا أثناء مرضي؟»
هز جاك رأسه بكل حزن وأسف وحسرة.
قال فهمان وهو يحاول النهوض: «إذن علينا بتدارك الأمر قبل أن يقدم على فعل كارثة.»
قال جاك: «استرح، قد فعل الكارثة بالفعل، لقد أنهى على أمريكا وألبسها ثياب العار.»
قال فهمان: «ماذا فعل بالضبط؟»
نهض جاك وفتح شاشة الحجرة وهو يقول له: «رَ.»
لقد شعر فهمان بالذنب بعد أن سمع وشاهد كل شيء، وانفجر في البكاء وهو يلوم نفسه على صنع هذا الجبار العنيد FFC-2 الذي شيده من أجل أن تحيى البشرية وها هي البشرية معرضة للانقراض بسببه.
وظل يصرخ صرخات كتمها ألمه وهو يقول: «رباه ماذا قدمت يداي؟»
ثم نظر في جاك وقال: «وما الحل إذن؟»
قال جاك: «الحل أن تصنع لي تلك القنابل الملعونة لندرك ما تبقى من جسد أمريكا ونحفظ العالم من فناء محقق.»
نظر إليه فهمان نظرات دهشة ضالعة في اليأس ولم ينبس بكلمة بسبب عجزه عن إيجاد حل لتلك الكارثة.
نظر إليه جاك نظرة عتاب: «ما بك لا تتكلم؟ أريد تلك القنابل.»
لم يرد عليه فهمان، فلما همّ بإمساكه ليهزه هزا اعتراضا منه على موقفه المخزي تجاه بلده تذكر أنه مريض فكتم عاطفته بداخله وسكت.
أراد فهمان أن يخرج من المأزق فقال بذكاء: «أظن أن حياتنا في خطر.»
سكت جاك ليعطي لنفسه برهة للتفكير ثم قال: «أكيد، فكل قوى العالم تتربص بكلينا بعد انكشاف سر تلك القنابل، ولابد من أخذ احتياطاتنا، فلن تترك اليابان أحدا يمكنه صناعتها حتى تظل سيدة العالم.»
سكت برهة ثم قال مستدركا: «لكن لا أكترث لحياتي، كذلك الذي يحميني ويحميك هي أن نملك تلك القنابل، عندئذ لن يستطيع أحد أن يمسنا بسوء، أي سوء.»
ثم نظر إليه مجددا وقال: «فهمان، صدقني يا صديقي، لابد أن نصنعها.»
صرف فهمان بصره عنه ولم ينبس بكلمة.
وفجأة، دخل حارس FFC-2 العام القائم على إشراف كل حرسه وقال: «دكتور فهمان، حياتك في خطر وقد أرسل الرئيس مهدي لك فرقة من الصاعقة تتمركز الآن في أماكن إستيراتيجية.»
ثم نظر إلى جاك وقال: «وأنت دكتور فهمان، فرقة من المارينز نزلت بالوادي الجديد وهي في الطريق إليك.»
رفع سبابته وهو يشير إلى كليهما: «المهم لا يتحرك أيّا منكما حتى يأتي الحرس المكلف به، فخط سير الأحداث يقول إنكما هدفان لليابان وإسرائيل، وربما يكون قد وصل بعض المقاتلين الساموراي وبعض من فرق الاغتيال من الموساد الإسرائيلي ودخلوا جميعا متنكرين.»
نظر إليه جاك في استياء: «أنا أعرف كيف أحمي نفسي جيدا ولا حاجة لي من حماية أحد لي.»
ولم يكد يكمل جملته حتى دخل الروبوت الخاص بحماية جاك وقال لرئيس الحرس: «معذرة سيدي، لن يستطيع أحد مس سيدي جاك وأنا موجود، تفضل.»
وأشار بيده الآلية إليه وقال: «والآن اخرج.»
                                                           ***

10
       فهمان يرى الشيطان باستخدام الفيزياء النووية ج5
                       إبراهيم أمين مؤمن-مصر         
ودخل كاجيتا المعملَ ونصب ذرات الرابيديوم الثلاث بطريقة تمكنه من ضربها جيدا، وقال: الآن أفعل ما أشاء دون أن يصل إليّ أحد لأنه لا يمكن تتبع مصدر الضرب.
وظل ينظر إليها نظرة الضبع الجائع لإحدى فرائسه، كل أوصاله ترتعد، وعيناه ترميان بشرر كأنه يتأجج من لهيب الجحيم.
بعد بضع لحظات أمسك هاتفه، ونصبه تلقاء وجهه، وظل يحدق به لأكثر من عشر ساعات، وهو واقف لم يجلس قط، وأخيرا همس: هيا، اتصل أيها الداعر الماجن.
وفور أن انتهى من قوله رأى اسم رئيس الوزراء على هاتفه، وكان شعر بنشوة من رنة الجرس، حتى قال: أروع ما سمعت في حياتي.
وما لبث أن رمى الهاتف كأنه قطعة من جمر بعد أن فتح الاتصال، وأمسك جهاز الليزر بكلتا يديه يضرب في ذرات الرابيديوم رغم أنه لم يسمع أمر التنفيذ منه.
أما الهاتف فملقى على الأرض تسمع منه قول رئيس الوزراء وهو يردد قوله: كاجينا نفذ، كاجيتا ألم تسمعني! نفذ.
ضربها  بحزم الليزر من ثلاثة أجهزة لمدة ثمان ساعات بقوّة واحد جيجا وات لكلٍ منهما، انتقل الفعل مباشرة إلى باقي العائلة المتمرّكزة في القنابل الثلاثة بخاصية التواصل الكمومي لشرودنجر ففعّلت القنابل وجذبتْ الأساطيل الثلاثة.
وبحسب معادلة قنابل الثقوب السوداء التي وضعها كاجيتا فإنه بعد تحولهم إلى قنابل ثقوب سوداء ثلاث جذبت مياها حجمها ثمان كيلومتر مكعب وقعت في أفق أحداثهم الثلاثة على مدار الثماني ساعات.
                                                       ***
بعد  فترة وجيزة من تفعيل القنابل الثلاثة انقطعتْ وسائل الاتصال بالأساطيل الثلاثة، فظنّ المتصلون أن شبكات الاتصال فيها عطب وتحتاج لإصلاح وصيانة، فاتصل بعضُ القيادات من غرفة عمليات بقادة الأساطيل الثلاثة وربان سفنها بيد أن الهواتف لا تعطي أيّ إشارة.
فأصاب الجميع الحيرة والدهشة والهلع، على الفور تمّ نقل الحالة إلى القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية.
                                                      ***
أرسلت القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية طائرة استطلاع من أحد حاملات الطائرات القريبة إلى تلك المواقع، فلم يجدوا أي أثر للأساطيل الثلاثة.
فحلقت عند موضع أحد الأساطيل الثلاثة، فلم تجد الطائرة أي أثر للأسطول.
شاهد رائد طيار سفينة فرنسية على بعد من موقع الأسطول المختفي فنزل بالبراشوت على متنها.
لم يكد يلامس جسده متن السفينة إلا وكر عليه حرس السفينة، شهروا الأسلحة في وجهه، قال قائد الحرس: «انبطح أرضا وضع يديك خلف ظهرك وتكلم من أنت.»
فرفع يديه إلى الوراء وقال: «أنا رائد من القوات الجوية الأمريكية.»
قال قائد الحرس بحزم: «ولم نزلت على متن سفينتنا بلا إذن؟ ألم تر العلم الفرنسي يرفرف عليها؟»
قال الضابط: «أهلا بكم، نزلت عليها لأنكم حلفاؤنا، جئت لأستكشف عن الأسطول البحري الذي كان على بعد بضع كيلومترات منكم.»
كبلوه وساقوه إلى العميد الفرنسي البحري، وهو ربان السفينة.
عندما رآه عرف سبب هبوطه على متن السفينة، ومع ذلك سأله في غضب وحزم: «كيف تنزل على متن سفينة حربية بلا إذن أيها الرائد؟»
أجابه: «أنا رائد كما ترى في القوات الجوية الأمريكية، وجئت أستكشف عن أسطولنا البحري الذي كان على مقربة منكم سيادة العميد.»
هزّ العميد رأسه وقال: «اِئْتُوني بكشافة السفينة ليسمع بأذنيه عما حدث لسفينتهم الحربية، ويعلم ماذا حدث لنا أيضا؟»
جاء رئيس الكشافة المسئول عن رصد ما حول السفينة من خلال رادارات السفينة فقال له: «لقد رصد لنا الرادار اختفاء الأسطول بالكامل وما حوله في حجم قدره ثماني كيلو متر مكعب على مدار ثماني ساعات، ولدينا جهاز لقياس تسارع الجاذبية الأرضية، وقد سجل لنا مقدارا من الجاذبية من الموقع الذي اختفى منه الأسطول، كنا نراقب الأسطول عن كثب وكلما زادت الجاذبية كنا نبعد بسفينتنا إلى الوراء، ولما انقضت الثماني ساعات اختفى كل شيء، الأسطول وما حوله في المساحة وزالت الجاذبية، كانت المياه حول السفن والفرقاطات وحاملات الطائرات الخاصة بكم  تنقص شيئا فشيئا وكأن ثمة مجموعة كبيرة من الحيتان كانوا يبلعون ذاك الماء.»
صعد الرائد إلى طائرته، أصابته الدهشة وسيطر عليه الفضول الذي كان يدفعه نحو معرفة سبب ذلك.
استقل الطائرة مجددا وذهب إلى الموقعين الآخرين لكن لم يجد أحد يمكن أن يزوده بأي معلومات.
كتب تقريره حول المواقع الثلاثة إلى القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية.
                                                  ***
بعد وصول تقرير رائد طيار أرسلت الإدارة الأمريكية إلى وحدة تكنولوجيا الفضاء لاستكشاف الأمر عن الأساطيل الثلاثة المختفية.
بعد بضع ساعات فقط جاءتهم صور الأقمار الاصطناعية بملفين فيديو عن أسطولين فقط، أما الأسطول الثالث فقد كان خارج نطاق الأقمار الصناعية أثناء عملية الاختفاء.
وجلس قادة وزارة الدفاع مع قادة القيادة المركزية للقوات البحرية، وشاهدوا على مدار ثماني ساعات اختفاء الأسطولين شيئا فشيئا والماء يُسحب إلى أسفل.
حاملات طائرات عملاقة وسفن حربية وفرقاطات وغواصات، كل هذا اختفى في ثلاث حوادث مجهولة.
وكان ثمة مساحة من اليابسة بجانب الشاطئ تقع تحت تأثير أفق الحدث (هو جزء من المساحة 8 كم مكعب) عليها بعض الأطفال يلهون بالرمال فاختفوا أيضا، ابتلعتهم الأرض، لكن تساءلوا أين الأرض نفسها؟
والإجابة أن تلك المساحة من الأرض اختفت معهم، وكأنّ قطعة أرض نقصت من مساحة الكرة الأرضية.
وهذا من أعجب ما شاهدوه.
 وتساءلوا فيما بينهم: أنقيد الحوادث الثلاث ضد مجهول؟!.
وتساءلوا: لماذا لم يهرب الأطفال عندما شاهدوا ما يحدث في البحر؟
وقرروا عرض الأمر على الاختصاصيين لحل هذه الألغاز.
                                                  ***

فلما عرض الأمر على العلماء ولاسيما علماء الفيزياء النووية وعلماء مختبر سيرن بسويسرا اجتمعوا على أن ما يفعل ذلك إلا ثقب أسود.
لكن الثقوب السوداء في السماء، وأكثرها قريبة من مركز ثقل درب التبانة، فحاروا أيضا. فعرضوا الأمر على وكالة الناسا.
فجاءهم رئيس الناسا بصحبة بك، وشاهدا الصور، هنا تفجع رئيس ناسا على الفور وهو يقول بأنها قنابل الثقوب السوداء.
سألوه مرة أخرى.
قال: «هي قنابل الثقوب السوداء.»
قال بكْ : «إذن قد صنعها كلب اليابان كاجيتا أثناء وجوده في مختبر فهمان بالوادي الجديد، وأمريكا كلها في خطر.»
قال رئيس ناسا: «إذن أمريكا كلها في خطر.»
سألوه عن شأن الأطفال فأجابهم: «لأنهم كانوا واقعين تحت جاذبية الثقوب السوداء، كانوا يحاولون الهرب لكن أفق حدث قنبلة الثقب الأسود كانت تشدهم نحو مركزها.»
واتصلوا على الفور بجورج رامسفيلد.
                                                       ***
اجتمع الرئيس الأمريكي جورج رامسفيلد بحكومته كاملة لأنها مسألة تخص وجود أمريكا نفسها في هذا العالم.
واستقروا بعد مناقشات عديدة على النزول الكامل لكلمة رئيس ناسا الذي حدد حجم الكارثة بقوله: «هذه هي قنابل الثقوب السوداء، هو كاجيتا، وقد يستطيع أن ينقص من الكرة الأرضية مساحة الولايات المتحدة الأمريكية في بضعة أشهر.»
وقد وضع لهم الحل بقوله: «لا يمكن لأحد دفع هذا الشرّ عنا سوى اثنين بحسب علمي، جاك ولدنا وصديقه فهمان، ومن لطف الله بنا أنّه الآن في أرض الوادي الجديد بمصر مع صديقه فهمان صاحب اكتشاف الجرافيتون الملعون.»
قال الرئيس عندئذ: «إذن نتصل به ونرسل فرقة من المارينز لحمايته فربما بعد هذه الكارثة يكون من مخطط اليابان قتل جاك، وليس جاك فحسب بل فهمان أيضا.»
وقبل فض الاجتماع جاء الرئيس الأمريكي اتصال، نظر في الهاتف فاضطربت عيناه، قال عندئذ متلعثما: «إنه رئيس وزراء اليابان.»
وظل ينظر إليه بضع ثوان كأنما يساق إلى الموت وهو ينظر، أما الوزراء فطفقوا يزدردون ريقهم، بعضهم استطاع والبعض الآخر توقف الريق على أبواب حناجرهم.
وبيد مرتعشة امتدت إلى الهاتف وفتحه.
قال رئيس وزراء اليابان: «يا عزيزي واحدة بواحدة، ولقد رفقت بكم واكتفيت بثلاثة أساطيل، وأسطول رابع سوف يضرب بالرصاص.»
قال الرئيس الأمريكي: «أي واحدة تقصد؟»
قال رئيس وزراء اليابان وهو يقهقه: «واضح أن عندك زهايمر، هو انتقام لما حدث في عام 1945، الحرب العالمية الثانية، أنسيت قنبلة ناجازاكي وهيروشيما؟»
قال الرئيس الأمريكي: «تكلمني عن ثأر مضى عليه أكثر من مائة عام؟»
أجابه: «حجم الكارثة يجعلها كأنما حدثت من ساعات، اسمع أيها الرئيس الأمريكي، لا أحب أن أسمع نشاز أصواتكم من بعد اليوم، عيشوا في بالوعات المجاري كالجرذان حتى لا أرى وجوهكم مرة أخرى .»
                                                   ***

11
     فهمان يرى الشيطان باستخدام الفيزياء النووية ج4
إبراهيم أمين مؤمن-مصر
وأخبره كاجيتا بطريقة عملها، وأعطاه ثلاث مجموعات من ذرات الرابيديوم واحتفظ بالمجموعتين الأخريين دون علم الرئيس.
خرج كاجيتا من القصر بعد أن صرفه الرئيس على أن يلتقيه في اليوم التالي.
تمتم كاجيتا وهو في طريقه للخروج: مع الرئيس خمس قنابل، بينهما اثنان لن يعملا (يقولها وهو يقذف بالمجموعتين المصرورتين إلى أعلى بيده اليمنى ثم يتلقفها بها مرة أخرى).             
                                                 ***
لم يهدأ فريق كاجيتا منذ أن فارقوا أرض الوادي الجديد، وفور أن وطأت أقدامهم أرض اليابان ذهب كل واحد منهم إلى أهله وقلوبهم تتأجج نارا وحسرة على تلك القنابل التي صنعوها بأيديهم ولم تكن بحوزتهم.
وبدل من إطفاء لهيب الوحشة التي غمرت أرواحهم -بفراقهم للأهل والأحباب- بالاستئناس بالأهل والأحباب هجروهم وانعزلوا تماما عنهم لأن قنابل الثقوب السوداء التي شاركوا في صنعها قد أخذت بلب قلوبهم، ولقد حركت قدراتها الرهيبة مشاعرَهم فتولد من رحمها أجنة العظمة التي بدأت تنمو وتنمو طوال الليل حتى تمنى كل واحد منهم أن يمتلكها ليدعو إلى نفسه إلها.
ورغم تلك المشاعر المتأججة التي استعمرت أرواحهم إلا أن الأمر لا يخلو لبعض من ملامة النفس، فهم يعلمون ما لا يخفى على أحد من شعب اليابان منزلة المعلم الذي بات عند بعض طوائفهم -إن لم يكن جلهم- في منزلة إله. وفي نهاية الصراع الدائر على حلبة أنفسهم فتك الشر بلوم النفس فأجهز عليها.
 أما ناكامورا فقد أكل الحقد قلبه، واشتعل قلبه غيظا وحسرة ألا يمتلك تلك القنابل.
قضى ليلته عاضا في أنامله، ويكز على أسنانه بين الفينة والأخرى ويزوم ويزمجر كالرعد. ولقد توغل الغضب في أوصاله وتدفق الدم إلى رأسه حتى تحول إلى جمرة من نار لو سلطت على شيء لأكلت منه اليابس قبل الأخضر.
ولقد أكره نفسه كي تلتزم السكينة وتتلبس بالحكمة والتعقل حتى يجد طريقة تمكنه من الحصول على القنابل.
وبعد تدبر تراءى له إنه لم يكن أمامه سوى وسيلتين، الأولى الذهاب إلى الوادي الجديد والنزول بالمختبر وصنعها بيد أنه قال: ربما لا أستطيع صنعها؛ ثم لابد من تصريح من رئيس دولتي لأدخل المصادم، وهذا مستحيل.
إذن فلا يوجد سوى الوسيلة الأخرى. وقد عزم على تنفيذها. وهي قتل كاجيتا.
وظل يضرب كلتا يديه بعضهما ببعض، وهو يزفر متوجعا، وينظر من النافذة لعل خيوط الفجر تبكر هذا اليوم ويتنفس الصبح، بيد أن حرقة الانتظار حولت تلك الخيوط إلى سياط من نار تجلد ظهره، وتنفس الصبح المنتظر تحول إلى لفح من جحيم الآخرة.
وفور أن تنفس الصبح خرج من منزله واستقل سيارته وهاتف زملاءه.
اجتمع بهم بعد بضع ساعات وفاتحهم في الأمر، فانقسموا إلى فريقين، الأول يرى سرقتها فحسب والثاني يفضل قتله ليفسح لهم المجال في السيطرة على الكون.
واستقروا على قتله، بل قتل فهمان وجاك أيضا لأن أولئك الثلاثة سيمثلون لهم مصدر تهديد إن بقوا على  قيد الحياة.
                                   ***                     
توجه كاجيتا نحو قصر الرئاسة في الساعات الأولى من الصباح.
فلما دخل عليه بادره الرئيس بقوله: «يا كاجيتا، متى نبدأ تنفيذ الخطة بالضبط؟»
أجابه: «سيادة الرئيس، ثمة مسائل تقنية تخصكم، فعليك الانتهاء منها أولا قبل الشروع في خطة الهلاك.»
قال الرئيس مستاء: «كيف؟»
قال كاجيتا: «وضع القنابل ليس بالأمر الهين، فلابد من تسلل الرجال الثلاثة ليرموا بالقنابل الثلاثة بالقرب من الأماكن التي تتجمع فيها سفنهم.»
قال الرئيس: «إذن سأحتاج إلى وزير دفاعي ليكلف خبيرا في فنون القتال البحرية بمهمة إلقاء القنابل بالقرب من سفنهم.»
وهاتف الرئيس بالفعل الوزير، فجاء وبصحبته الخبير على الفور، وبعد أن علم الخبير تقنية عمل تلك القنابل حدد كيفية وضعها بجانب تلك الأساطيل الثلاثة.
ومما قال: «سنأتي بثلاثة صياديين.»
دهش الرئيس وسأله: «كيف ذلك؟»
أجابه: «لم أقصد صياديين بالفعل، وإنما رجالنا سيمتهنون مهنة الصيد حتى ينتهوا من مهمتهم. سنغلف تلك القنابل بطعام لا تأكله الأسماك ثم نضعها في شص (أداة صلبة معكوفة تعلق فيها السنارة) صيد السمك ويلقونها في السواحل، ويتركون العنان للخيط ليقترب من تلك السفن، ويتابعون عن بعد ثم ينصرفون في الوقت المناسب.»
بعد أن حدد كاجيتا الوقت المناسب له قال: «خطة لا بأس بها.»
قال الرئيس: «أيها المحترف، ابدأ التنفيذ.»
ولما انصرفا (الوزير والخبير) قال كاجيتا: «لا بأس بوسيلة الخبير، فهي سوف تمكننا من نقل نحو ربع مليون فرد، وهم أفراد طواقم السفن.»                 
قاطعه الرئيس دهشا وقال متمتما: «نقل، نقل! ألن يهلكوا؟»
أجابه كاجيتا: «للأسف مصيرهم مجهول، فمصير اليابان في عام 1945 معلوم، أما مصير أمريكا بعد بلعهم بقنابل الثقوب السوداء فمجهول.»
قال الرئيس غاضبا دهشا: «يا كاجيتا، كثرة مفاجآتك التي تقذفني بها الواحدة تلو الأخرى سوف تصيبني بالجنون، كيف يكون مصيرهم مجهول؟»
قال متوجعا بعد أن زفر زفرة ضيق طويلة: «للأسف، قد يحيون في بُعد آخر ويصبحون ملوكا في بُعدهم.»
رفع الرئيس يده إليه لا يلوي على شيء سوى العجز عن الكلام، وتمتم ببضع كلمات غير مفهومة، وغمغم بصوت مسموع، وأخيرا سكت ثم قذفه بقوله وهو يشير بأنامل يده اليمنى إشارة انصراف: «كاجيتا، لا أريد أن أعرف شيئا عن تلك القنابل الملعونة، فقط نفذ خطتك.»
قال كاجيتا: «ثمة تعديل طفيف في الخطة، سوف ننقل أساطيل ثلاثة، ونعدم الرابع المتمركز في بلدنا بالرصاص لأننا لن نستطيع استخدام القنابل على أراضينا حتى لا يصاب أي مواطن ياباني بسوء.»
قال الرئيس وهو يقهقه: «أي رصاص يا كاجيتا! سوف نضربهم بالطوربيدات.»
- «حسنا، سوف أجلس في معملي، وانتظر إشارة انتهاء مهمة الرجال الثلاثة، فور أن تأتيني الإشارة سوف أفعّل عمل القنابل.»
- «سأخبرك فور انتهاء عملهم واجتماعي بحكومتي، هيا امض إلى مختبرك.»
بسط كاجيتا يده ولم يتكلم.
قال الرئيس دهشا: «ماذا تريد؟»
- أريد القنبلتين.»
قال الرئيس وهو لا يعي ما يقول: «سأحتفظ أنا بها، وآمرك أيضا بألا تنزل بالوادي الجديد إلا بأذني.»
فانصرف كاجيتا غاضبا.                     
                       ***
فور رحيل كاجيتا أرسل إلى الحكومة وعقد معهم جلسة سرية للغاية.
وأخبرهم بما يريد.
لم يمانع أو يتردد منهم أحد بل باركوا خطته ودعوا لكاجيتا بالتوفيق.
ولم يمانعوا في اختيار الثلاثة أساطيل التي انتقاهم رئيس الوزراء سابقا وهم: أسطول مدينة سان دييغو، والأسطول الرابع في مدينة جاكسونفيل فلوريدا، والعاشر بولاية ماريلان بأمريكا. كما لم يمانعوا أيضا في محاصرة الأسطول الرابع المتمركز على سواحل كاناغاوا اليابانيّة ومن ثم رميهم بمجموعة من الطوربيدات التي سوف تنطلق من السفن المقاتلة اليابانية المتاخمة لهم.
وثمة معضلة لابد من إيجاد حل لها، وهي تداخل بعض القوات اليابانية مع الأساطيل البحرية الأمريكية لأنهما يحاربان معا كتحالف ضد الجانب الشرقي بقيادة الروس والصين. 
وقد اتفقوا أيضا من أجل حل هذه المعضلة وهو الإعلان عن انسحاب اليابان من الحرب الدائرة متعللين بأن رامسفيلد رفض عرضا سخيا من الروس دون مبرر، ومن ثم فإن رفضه قد يودي بالعالم على حافة الهلاك.
واستكمالا للخطة قرروا قتل جاك وفهمان معا، لذلك حددوا فرقة مقاتلة من فرق الساموراي لإرسالهم إلى الوادي الجديد لقتلهما هناك، فوجود جاك مع فهمان في المختبر FFC-2 غير خاف على أحد.
وبتلك الخطة المحكمة تحكم العالم كما تنهي على آخر أمل لأي دولة تشاركها حكمها إذا ما تمكنت من صنع قنابل الثقوب السوداء أو الحصول عليها بأي طريقة ما.
                                  ***
وتم لهم ما أرادوا، حيث انسحبت القوات اليابانية المشاركة في الحرب العالمية ولاسيما البحرية منها، وكان الرجال الثلاثة في هذا الوقت على أهبة الاستعداد حيث الأساطيل منشغلة بأمر انفصال الأساطيل اليابانية عنها؛ وألقوا السنارات الثلاث بنفس الطريقة التي حددها لهم المتخصص في فنون القتال البحرية.
وسبحت السنارات الثلاث في اتجاه السفن، تلك السفن التي تسبح في سواحل المحيط الأطلسي والهادي وعليها مدمرات وطرادات وطوربيدات فضلا عن حاملات الطائرات التي تحلق فوقها مباشرة لتمدها بما تريد وتكون لها بمنزلة غطاء جوي لحمايتها، كما أنها مأهولة بطواقم يبلغ قوام أفرادها 250 ألف فرد.
                                       ***
ودخل كاجيتا المعمل ونصب ذرات الرابيديوم الثلاث بطريقة تمكنه من ضربها جيدا. وقال: الآن أفعل ما أشاء دون أن يصل إليّ أحد لأنه لا يمكن تتبع مصدر الضرب.
وظل ينظر إليها نظرة الضبع الجائع لإحدى فرائسه، كل أوصاله ترتعد، وعيناه ترميان بشرر كأنه يتأجج من لهيب الجحيم.
بعد بضع لحظات أمسك هاتفه، ونصبه تلقاء وجهه، وظل يحدق به لأكثر من عشر ساعات، وهو واقف لم يجلس قط، وأخيرا همس: هيا، اتصل أيها الداعر الماجن.
وفور أن انتهى من قوله رأى اسم رئيس الوزراء على هاتفه، وطرق جرس الهاتف أذنيه كأجمل لحن في الوجود.
 وما لبث أن رمى الهاتف كأنه قطعة من جمر بعد أن فتح الاتصال، وأمسك جهاز الليزر بكلتا يديه يضرب في ذرات الرابيديوم رغم أنه لم يسمع قول الرئيس.
أما الهاتف فملقى على الأرض تسمع منه قول رئيس الوزراء وهو يردد قوله: كاجينا نفذ، كاجيتا ألم تسمعني! نفذ.
                 ***

12
     فهمانُ يرى الشيطانَ باستخدام الفيزياء النووية ج3
إبراهيم أمين مؤمن-مصر
بعد أن برأ فهمان تماما من الصاعقة التي أصابته بعد أن سافر إلى المستقبل وشاهد بنفسه أهل النار يعذبون -وقد كان منهم كاجيتا- دعا جاك مجددا لاستئناف التجارب قائلا: «جرّب التصادم هذه المرة على 350 تيرا إلكترون فولت.»
ابتسم جاك له وهو يقول:  «300 تيرا إلكترون فولت سفّرتك إلى المستقبل حيث انتهت الحياة الأرضية، فما بالك ب 350!»
بادله فهمان الابتسامة، ثم قال حزينا: «هل تصدقني لو قلت لك إني أفضل السفر إلى إبليس في وقتنا الحاضر عن السفر إلى المستقبل لرؤية أهل الجنة؟»
تقلصت ملامح جاك بعد الابتسامات العريضة التي كانت تبسط وجهه بسطا بسبب إخلاص فهمان الذي لم يعهد بمثله في الحياة، وقال بتأثر وهو يهز رأسه: «أصدقك.»
- «ما دمت تصدقني فعلام الانتظار، هيا نجري الارتطام.»
                                ***
توجه جاك على الفور إلى ليناك 64 (هو من يدفع حزم البروتونات) لوضع حزمتي البروتونات، ووقف فهمان مجددا داخل الفقاعة الرابيديومية بعد أن ارتدى البذلة الفضائية وأمسك بالمجس.
كانت يدا جاك تضطرب بشدة خوفا على صديقه من أن يحدث له مكروه مرة أخرى.
أطلق جاك حزمتي البروتونات وتصادمت بعد ثلث ساعة، وتولدت الثقوب السوداء المجهرية، وبوساطة برنامج حاسوب تمكن جاك من جعلها في صورة دائرية كما كان سابقا في التجربة الأولى (تجربة 300 تيرا إلكترون فولت).
أمسك فهمان بالمنظار في انتظار أن يضرب جاك جانبا من ذرات الرابيديوم السالبة في أحد قلوب الثقوب السوداء -التي تحيط به في شكل دائرة- لتخليق الثقب الدودي ليرى به ما خلفه (الثقب الأسود) من أكوان. لكنه لم يتمكن إذ حدثت كارثة!
حدث خلل في جهاز الليزر، فأحدث تفاوتا في قوى حزم الليزر المنطلقة؛ مما تسبب في تفاوت قوى أفق أحداث الثقوب الجاذبة، وهذا التفاوت في القوى تسبب في وجود قوى تنافر في جزء من الفقاعة لم يقابلها نفس قوى التنافر في الجزء المقابل فدفعت فهمان قوى التنافر الأكبر الناجمة عن الثقب الأسود فوقع المنظار من يده على الفور، وارتطم بالجدار بتأثير قوى جذب الثقب (طبعا التي تحولت إلى قوى تنافر بسبب الفقاعة ذات المادة السالبة التي تحيط بفهمان) فشج رأسه، بعد أن كُسرت خوذة البذلة وأغمي عليه على الفور، فسكن أمام عيني جاك بلا حراك.
أوقف جاك كل شيء وهو في قمة الهلع، وقد ألجمت الكارثة أوصاله فصرخ، وحين توجه نحوه سقط على الأرض، حاول النهوض فلم يستطع، لم يكترث جاك بما حدث له وإنما وصل إلى فهمان زحفا.
صرخ به: «فهمان، فهمان، فداك روحي وكل ما أملك، يا ليتني كنتُ مكانك.»
 مد كلتا يديه إليه وهما لا تكادا تستقران من شدة الرعشة التي ضربتهما، نزع عنه خوذة البذلة الفضائية التي تهشمت تماما، مد إحدى أذنيه إلى قلبه فسمع دقاته تتصاعد فتنفس الصعداء وتمالك نفسه وقال: الحمد للرب.
وكما دبت الكارثة في قدميه فأعجزتهما عن الوقوف استنهضت أيضا عزيمةُ إنقاذه فرد الله الروح إليهما، فحمله جاك على الفور وهو يحاول جاهدا وقف نزيف الرأس بكل السبل، واستدعى له طبيبا.
                   ***
بينما جاك يحاول وقف نزيف الرأس ودموعه الحارة كالجمر تتساقط، دخل الطبيب.
أسعفه، كما أوقف النزيف تماما من خلال عملية جراحية، وجلس ينظر إلى جاك دهشا من شدة هلعه وحزنه على الرغم من أن الطبيب يعلم أن جاك أمريكي الجنسية.
أفاق فهمان بعد لحظات، وقبل أن يهمس بكلمة هبّ الطبيب من جلسته وقال له: «لابد من الراحة بضعة أيام دكتور فهمان فجراحك غائر وواسع.»
سأله جاك عن حالته فقال الطبيب: «كما سمعت دكتور جاك، الجرح غائر وواسع، ولقد أصيب أيضا بكدمات حادة في بعض الأجزاء من جسده، لذلك سوف يحتاج إلى علاج طبيعي.» ورحل الطبيب.
فور رحيل الطبيب حاول فهمان النهوض فلم يستطع، فالجرح أصابه بالدوخة، والكدمات آلمته.
قال جاك: «أتريد أن تذهب لدورة المياه يا فهمان؟ حسنا، سأتصرف.»
قال فهمان بصوت فيه حسرة: «ألا نستكمل التجارب؟»
ذهل جاك وقال: «تجارب! ألم تسمع قول الطبيب؟ قال بضعة أيام.»
- «وهل يمهلني إبليس وحزبه بضعة أيام حتى آتيه، أكيد هو وحزبه يلتفون حول كاجيتا ويتناوبون عليه الوسوسة حتى يدمر العالم.»
قال جاك دامعا: «يا فهمان، إن كان لي خاطر عندك فلا تفكر في هذا الأمر قبل أن تتعافى، أرجوك وأتوسل إليك.»
نظر إليه فهمان نظرة حب وإجلال وقد قرر أن يمتثل لرغبة جاك، بعد لحظات غلبه الإعياء فنام رغما عن أنفه.
                                 ***
فور وصول كاجيتا وفريقه أرض مطار طوكيو الدولي كان في استقباله سيارة طائرة من أجل أن تقوده إلى "كانتيه".
أمر كاجيتا فريقه بالذهاب إلى أهليهم، كل واحد منهم لم يجد في نفسه غضاضة من أمر كاجيتا إلا ناكامورا فقد امتعض، ودارى امتعاضه ببسمة عريضة، حدق كاجيتا بتلك البسمة واستقرأها جيدا، فقال في نفسه: ويلك يا ناكامورا ماذا تريد أن تفعل بي؟ بل ماذا تريد أن تفعل بقنابل الثقوب السوداء إذا حزتها؟
ورفع كاجيتا يده نحو الصرة التي تحوي القنابل الخمسة وذرات الرابيديوم، يتحسسها ليتأكد أنها ما زالت في حوزته ولم يسرقها منها ناكامورا، وناكامورا ينظر إلى يده ويتمنى لو تنسلخ الصرة من جيبه وتطير في الهواء وتذهب إليه.
                                        ***
دخل القصر، فهب رئيس الوزراء واقفا، وعلى وجهه ارتسمت علامات الحرص فألجمت لسانه عن التعبير عما بداخله، فأشار بيده إليه إشارة تساؤل عن نتائج رحلته.
فتهلل وجه كاجيتا، فانفرجت أسارير الرئيس وأسرع إليه واحتضنه في غبطة غامرة وهو يقول: «نجحت، نجحت، صح؟»
قال كاجيتا: «إن كاجيتا لا يعجزه شيء يا سيادة الرئيس.»
ابتعد عنه رئيس الوزراء قليلا ويداه تربتان على كتفيه، أما عيناه فتمتلآن طمعا وسروروا.
قال كاجيتا: «أخيرا سيادة الرئيس، أخيرا سآخذ العزاء في أهلي الذين ماتوا في هيروشيما.»
تركه الرئيس وجلس على كرسي العرش الذي لا يحب أن يفارقه بتاتا، وقال: «بل قل آن الأوان لتحكم اليابان العالم.»
استاء كاجيتا قليلا، وجلس على الفور ثم ما لبث أن قال: «قبل أن نقيم سرادقات العزاء علينا بتطهير خريطة العالم.»
وفتح هاتفه، وأخذ يقلب في بضع صور، فلما عثر على الصورة التي يريدها ثبتها على الهاتف.
قال وهو يشير على جزء منها وهي مساحة الولايات المتحدة: «سيادة الرئيس، هذه خريطة العالم، رجاء، انظر إلى هذه المساحة.»
حدق الرئيس على الجزء المشار إليه وقال: «هذه الولايات المتحدة الأمريكية، ما شأنك بها؟»
- «أريد محوها من الخريطة.»
وقبض على يده ثم بسطها ونفخ فيها كأنما يريد أن يزيل ما علق بها من قاذورات وقال مستدركا: «هكذا أنفخ فيهم فيكونون كالهشيم تذروه الرياح.»
دهش الرئيس وقال ممتعضا: «أنا لا أريد استئصال شأفتهم وإنما حكمهم، ثم من يسكنها فيما بعد إنْ أنا وافقتك على ذلك؟»
قال كاجيتا في نفسه: أيها الأحمق، جنون العظمة سوف يضيع علينا حقنا في طلب أجساد أهلينا التي ذابت وذرتها الرياح مع الغبار النووي.
وأراد أن ينتصر لرأيه، فقال: «سيادة الرئيس، لقد فرضتْ عليك أمريكا بأن تكون حليفا لهم وعليك الانتقام منهم من أجل ذلك.»
- «كان يجب أن أساورهم حتى لا أفقد مكانتي، فتاريخ الانقلابات العسكرية على مر العصور كان بيد أمريكية، وهذه الانقلابات لا تخفى على أحد، ولا يرتاب في أمرها أحد.»
- «لكني أريد الانتقام.»
وقف فور أن قال كاجيتا كلمته، ووقف له كاجيتا احتراما لشخصه، ثم ما لبث أن مرر الرئيس يده على لحيته وهو يسير الهوينى وأخذ يفكر بعمق، ولما اهتدى لحل قال: «اسمع يا كاجيتا، سنهلك أساطيلهم البحرية التي يتفاخرون بها، لكن اعلم أني سأفعل ذلك من أجل إرضائك، فمسألة الانتقام هذه لا أكترث لها.»
سكت كاجيتا حزنا، أما الرئيس فسكت يتدبر أمرا آخر، قال بعدها: «قل لي يا كاجيتا، كيف لهذا البيض المتناهي في الصغر (يقصد طبعا قنابل الثقوب السوداء) أن تفعل ما لم تستطع فعله القنابل الهيدروجينية، أو حتى الذرية؟ قرّب لي الفكرة.»
زفر كاجيتا زفرة طويلة وقال له: «سيدي الرئيس، الانفجار الذي حدث لنا من انشطار أنوية النيوترونات واليورانيوم، وهذه أيضا ذرات (يشير في هذه اللحظة إلى الصرة) ولكنها تتحول إلى ثقوب سوداء فور ضرب ذرات الرابيديوم الموجودة في وسطها بالليزر.»
عاود الرئيس وسأله مجددا: «لم تجبني يا كاجيتا عن سؤال سابق، من يسكنها إذا وافقتك على هلاكهم جميعا؟»
أجابه: «سيادة الرئيس، ستجذبهم الثقوب السوداء وترمي بهم في كون لا يعرفه أحد، أما مساحة أراضيهم فستنقص من مساحة الكرة الأرضية، لأن القنابل ستجذب ما حولها من مادة وترميها في كون آخر.»
دهش الرئيس، ولم يستسغ الأمر لشدة الدهشة.
فاستطرد كاجيتا: «مساحة الكرة الأرضية 510 مليون كم2 ويطرح منها مساحة أمريكا 9,826,675 كم²، هذه هي مساحة الكرة الأرضية الجديدة سيادة الرئيس.»
                                                     ***
أقبل إليه، فلما دنا منه بسط يده إليه وقال: «القنابل.»
فأومأ كاجيتا برأسه إيماءة استفهام ودهشة.
قال الرئيس: «ما بك؟ لم تندهش؟ أريدها.» وبسط كلتا يديه.
أمسك كاجيتا نفسه عن الضحك وهو يسرع بإخراج القنابل المصرورة بورق لين، قال كاجيتا: «ها هي.»
احمرّ وجه الرئيس وقال له ناهرا وفي نيته أن يبطش به ويجعله أحدوثة تلوكها الألسن: «أتستغباني أيها الحمار! أين القنابل؟»
يعلم كاجيتا مقدار الصلف الذي يملأ كيان الرئيس، لذلك باغته قولٌ تردد على سمعه: لا تثريب عليك، فلولا صلفك ما أرسلتني إلى مصر لصناعة القنابل.
أجابه كاجيتا: «انظر سيادة الرئيس، حدق بهؤلاء جيدا، حدق.» يكلمه وهو يشير بإصبعه نحو الخمس قنابل التي بحوزته.
قال الرئيس وهو يمد يده نحو الصرة: «هاتها، هاتها، رويدا رويدا.»
لم يتمالك كاجيتا نفسه وانفجر في الضحك هذه المرة، وقال وهو يخرج من جيبه صرة أخرى ويشير إليها: «لا تخش سيادة الرئيس فإنها لا تُفعّل إلا بضرب ذرات الرابيديوم هذه بالليزر.»
فتمالك الرئيس أعصابه، أخذها وحدق بها جيدا وقال: «إنها أحدّ من شفرة الموس بيد أنها أدق من بيض البرغوت، كيف تعمل هذه الملعونة؟
                              ***
         لمن لم ينشر الجزأين السابقين، أحدهما أو كلاهما
رابط الجزء الأول: https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=pfbid032tbKZW9o5e4a2d8PWpm1PcimvSP9GhPDL3WmB9qFWxYf6CKVcwJtgaPSq9SAh5uDl&id=100015389673131&refid=17&_ft_=mf_story_key.1310434902812820%3Atop_level_post_id.1310434902812820%3Atl_objid.1310434902812820%3Acontent_owner_id_new.100015389673131%3Athrowback_story_fbid.1310434902812820%3Astory_location.4%3Aprofile_id.100015389673131%3Aprofile_relationship_type.1%3Aactrs.100015389673131%3Athid.100015389673131%3A306061129499414%3A2%3A0%3A1654066799%3A-6980160948171050313%3A%3A%3Aftmd_400706.111111l&__tn__=%2As-R

رابط الجزء الثاني: https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=pfbid0a1csVeDA34Jg9RMNgUrKeu2NQLSDEWDWauqCc272pJE9FQ5g49ry2yGVR1MjVCVNl&id=100015389673131&refid=17&__tn__=%2As-R

13
          فهمانُ يرى الشيطانَ باستخدام الفيزياء النووية ج2
إبراهيم أمين مؤمن-مصر
قبل أن يتشارك جاك التجارب مع فهمان نظر في الورقة التي دون فيها فهمان المعادلة الخاصة بصناعة قنابل الثقوب السوداء دون أن يجري أي تجارب، ولو تجربة واحدة، وقال له: «لولا تأكدي بأن الأفكار والتجارب تتبلور في ذهنك بسرعة وبدقة مذهلة كالتي بين يدي هذه (يشير إلى معادلة صناعة قنابل الثقوب السوداء) لِمَا وافقت على العمل معك، وقلت لك ليس لدي وقت لأهدره، ويجب علي أن أدرك ثقب سحابة أورط وأحطمه قبل أن يلتهمنا جميعا، ورغم عبقريتك التي طغت على عبقريات كل الموجودات فإني أرى أن احتمال نجاح عبورك إلى كوكب الجن احتمال ضعيف، لذلك أقول لك للمرة الأخيرة اصرف نظر عن هذا الموضوع.»
امتعض فهمان من قوله وآثر ألا يحاول إقناعه مجددا، لذلك اندفع نحوه وألقى كلماته كالقذائف شارحا له الأساس العلمي المبني على فكرة العبور دون الدخول في تفاصيل التجارب سواء كيفيتها أو ماهيتها.
 فقهها جاك سريعا وقال: «أسأل الرب التوفيق لك.»
قال فهمان: «لابد من تخليق فقاعة دائرية أولا.»
قال جاك العبقري: «لعلك تريد تخليقها عن طريق ذرات الرابيديوم.»
- «هو كذلك يا صديقي، ولا بد أن تكون دائرية كالكرة، أي مغلقة تماما..» وذكر له فهمان قطرا مناسبا.
- «لا بأس، وما هي الخطوة التالية؟»
- «سأتمركز في وسطها.»
دهش جاك، وحدق به بكامل اتساع عينيه وقال: «فقاعة مغلقة تماما! ستحجب عنك الهواء، ستموت! ولن يحميك سوى ب..»
قاطعه فهمان وطلب منه الصمت، ثم أمره بأن ينظر خلفه.
فنظر بالفعل، فرأى شيئا مغطى، فأسرع إليه وأزاح الستار عنه، وقال دهشا: «بذلة فضائية!»
 نظر فيها وقرأ "صُنع في أمريكا بوساطة جامعة بركلي".
استدار جاك مرة أخرى وقبل أن يقول شيئا رن هاتفه، نظر، إنه رئيس جامعة بركلي.
فلما أراد أن يكلم فهمان قال فهمان: «رُد على الهاتف أولا.»
وبالفعل فتح الهاتف، قال له رئيس جامعة بركلي: «لست أنت فحسب ولدنا، ففهمان ولدنا أيضا، وهو إنسان طيب محب للسلام؛ لذلك أهدت له جامعة بركلي الذي تعلّم فيها هذه البذلة، واعلم أنه طلبها منا؛ وليس ذلك فحسب بل أرسل إلينا كيفية تصميمها.»
وأغلق الخط، ونظر إلى فهمان بدهشة. وقبل أن يقول شيئا قال فهمان: «يا صديقي، لنترك الدهشة جانبا، فوقتكَ ثمين، فإنه لا يزال لديك الكثير لتعد شراعك الشمسي وسائر تجهيزات رحلتك.»
فترك الهاتف جانبا.
قال جاك له: «أنا واثق من دقة تصميمك الذي أرسلته إلى جامعة بركلي، طبعا ستوفر لك الأكسجين وتجعل الجو المحيط بك مناسبا.»
- «بالطبع.»
وجاءا معا بذرات الرابيديوم ونزعا منها الطاقة بعد تبريدها إلى درجة الصفر المئوي.
قال جاك: «والآن معنا ذرات خاملة، ماذا تفعل بعد ذلك؟»
أجابه: «ستصيبها يا جاك بالجنون، ستضربها بالليزر لتحولها إلى ذرات مجنونة من مادة سالبة.»
قال جاك: «إذن سأتحكم في لفها المغزلي. لا بأس، جار العمل.»
قال فهمان: «بعد تحويلها من مادة عادية إلى مادة سالبة ستسلط عليها الليزر كي تشكلها على هيئة كرة، لكن ليس قبل أن أقف في وسطها بالضبط.»
ورفع جاك البذلة من الأرض وألبسها إياه، ثم علم له على مكان تمركزه، فتمركز فهمان بالفعل ولكن لاحظ جاك أنه ممسك بشيء عجيب.
قال جاك: «ما تلك التي بيمينك يا فهمان؟»
قال فهمان: «هذا أحدث ما ابتكرته، إنه منظار ملحق به مجس حساس.»
قال جاك دهشا: «مجس! منظار!» تمتم جاك ثم ما لبث أن صمت لحظات، فقد جال بفكره بعيدا وتذكر الخلية الصمامية التي صممها فهمان وهو طالب في الفرقة الثانية وغدت الطريقة المفضلة التي تستخدمها الدول في إطفاء الحرائق الهائلة.
قال جاك: «أكيد المجس لرصد الأبعاد الكونية التي سوف تظهر خلف الثقوب السوداء، والمنظار لرؤية تلك الأبعاد.»
صمت برهة ثم ضحك ضحكات بدموع حارة، تلك هي ضحكات الألم، وقال: «من المفارقات العجيبة أن رؤية تلك المعجزة يعني لحظة الوداع.»
بادله فهمان نفس الشعور وقال: «يجب أن نضحي من أجل أن يحيا العالم بسلام يا جاك.»
قال جاك دامعا: «حسنا، حسنا، تمركز بمعجزتك وأنا سوف أعزف لك سيمفونية رائعة.»
ولما همّ جاك بالعمل رن هاتفه، إنه رئيس ناسا.
قال رئيس ناسا: «....»
قال جاك: «أنا في مهمة، وفور أن أنتهي منها سوف آتيك لأنظر في تجهيزات الرحلة.» وأغلق الخط على الفور وألقى الهاتف.
تمتم جاك مجددا، وأقبل إلى فهمان، وقال: «ممكن ألقي نظرة على تلك التي بيمينك؟»
فناوله فهمان إياها، نظر بها جاك وقال: «أيها الداهية، كيف صنعت تلك الكاميرا؟» يقولها وهو يقلبها رأسا على عقب، ثم نظر بها فرأي أنها تضخم حجم الأشياء إلى مليارات المرات.
 نظر في جانب من الحجرة فرأى دبوسا، فسلط الكاميرا على سنه فقط فتحول السن إلى حجم هائل كحجم قرص الشمس.
فقال: «إنها حقا معجزة!»
وناولها إياها، ثم عاد، ولما همّ بمسك جهاز الليزر لمحت عيناه شخصا ينظر إليهما خلسة.
 أدار عينيه الحادتين كالصقر فرأى أكثر من عين ترصده، فتلون وجهه، ثم ترك المكان وأمسك بواحد منهم وقال: «من أنت أيها الرجل؟»
أجابه بأنه باحث.
فسأله جاك عن مسألة بسيطة في علم الفيزياء من منهج الثانوي، فلم يستطع الإجابة عليها، حيث تهته وسكت على الفور.
فأمسكه من كرافتة بذلته وهو يكز على أسنانه وقال له: «أتعلم من أنا؟»
رغم علم الرجل به فإنه أنكر عدم معرفته به.
قال جاك وعيناه تقدحان شررا: «أنا متأكد أنك تعلم من أنا، اذهب لمن أرسلك للتجسس علينا، وأخبره بأني أنا جاك الولايات المتحدة الأمريكية لو رأيته لأهدرت كرامته أمام الجميع.»
أوجعته الكلمة، فقال غاضبا مستكبرا: «أتعلم من أنا يا جاك؟»
أجابه: «كلب، ومن أرسلك كلب مثلك، اذهب من هنا ولملم بقية كلابك وخذهم معك، وأخبر يعقوب إسحاق أن جاك لا يُعامل هكذا.»
ودفعه بقوة.
وانفضوا بالفعل جميعا وذهبوا.
عاد جاك مجددا إلى فهمان. قال فهمان: «كنتُ أخشى عليك منهم، وكدت أموت خوفا عليك.»
قال جاك: «يريدون أن يعرفوا ماذا نفعل يا فهمان، فدعك منهم إنهم لا يساوون عندي جناح بعوضة.»
قال فهمان: «ماذا يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي يا جاك؟»
قال جاك مستاء: «يريد سلاحا يسيطر به على العالم ويعلن حكم دولة إسرائيل.»
                                                 ***
   بداية قال فهمان: «يا جاك، لو ولدت الثقوب السوداء -بشرط أن تكون دوّارة- وأنا في تلك الفقاعة السالبة لن تبتلعني الثقوب كما تعلم، وإنما سوف تدفعني بقوة بنفس مقدار قوة الجذب لو كنتُ خارج الدائرة.»
قال جاك دهشا: «وهذا يعني أنها ستدفعك حتى ترتطم بالجدار وربما تموت. وهذه معضلة ولا أجد لها حلا.»
- «لها حل، ولكن اعلم أن حياتي بين يديك.»
- «ونفسي فداء لك.»
- «سأظل ثابتا ولن تضيرني الثقوب.»
- «كيف ذلك بحق السماء؟»
- «يا جاك، عليك بتخليق عدد من الثقوب السوداء، على أن يتوفر فيها شرطان: الأول أن نجعل الثقوب السوداء المتولدة من الارتطام في حالة دوران كدائرة خارجية تستدير على دائرة ذرات الرابيديوم الداخلية، أما الآخر فهو أن تكون تلك الثقوب ذات طاقة واحدة.  وبذلك أثبت مكاني بقانون نيوتن الثالث.» 
أطرق جاك رأسه وقال: «فهمت، فقاعة ذرات الرابيديوم مادة سالبة، وبدلا من أن تجذبك الثقوب تدفعك بقوة مساوية تماما لقوة الجذب المفترضة لو كانت ذرات الرابيديوم التي تحيط بك مادة عادية.»
سكت جاك هنيهة ثم قال: «ولكن أخبرني، كيف ترى ما خلف الثقوب بالضبط؟»
قال فهمان: «سأقف أنا كما قلت لك في مركز الدائرتين (الأولى فقاعة ذرات الرابيديوم، والثانية الثقوب الدوارة التي تلتف حول الفقاعة)
ومعي هذا (يشير إلى المنظار الذي بيده)، بعد ذلك تضرب أنت بحزم الليزر جانبا من تلك الفقاعة لتندفع بدورها إلى مركز أحد تلك الثقوب السوداء و..»
بادره جاك بقوله: «وتعمل ذرات الرابيديوم السالبة على فتح معبر في الثقب الأسود المجهري بمنزلة ثقب دودي، يا للروعة! يا للمعجزة!»
قال فهمان: «وبذلك أتمكن من رؤية الثقوب بهذا (يشير إلى المنظار الذي بيده).»
قال جاك: «لنبدأ يا فهمان، لنبدأ.»
قال فهمان: «سنجري الارتطامات بطاقة 300 تيرا إلكترون فولت كتجربة أولى لنرى ماذا تهدي لنا الثقوب السوداء المجهرية من أكوان خلفية.»
والموقف الآن أيها القرّاء: فهمان واقف في مركز دائرة من ذرات الرابيديوم ذات المادة السالبة وممسك بيده منظار يضخم الحجم لمليارات المرات، ويحتوي المنظار على مجس لرصد الأبعاد الكونية المتواجدة خلف الثقوب السوداء المجهرية.
أجرى جاك حزمتي البروتونات في مجريي أنبوبي المصادم FFC-2  بطاقة 300 تيرا إلكترون فولت، وبعد ثلث ساعة وصلت البروتونات إلى أقصى سرعتها وارتطمتْ مولّدة عدد من الثقوب السوداء، وبوساطة حاسوب مدون عليه برنامج خاص بتنسيق الثقوب تمكن من تموضع تلك الثقوب في حلقة دائريّة حول الفقاعة الرابيديوميّة.
ولقد أحدثت الثقوب بضعة اهتزازات في الحلقة الرابيديومية نتيجة للقوى الجاذبة لتلك الثقوب الدوارة التي تحولت بفعل ذرات الرابيديوم السالبة إلى قوة نافرة متساوية تماما مع قوة الجذب وذلك حسب قانون نيوتن الثالث كما ذكرت.
في نفس لحظة استدارة الثقوب كدائرة خارجية ضرب جاك بحزم الليزر مجموعة من ذرات الرابيديوم الملتفة حول فهمان من أجل الالتحام بقلب أحد الثقوب السوداء لتوليد ثقب دودي بمثابة ممر أو كوة ينظر فيها فهمان من خلال المنظار على الأكوان الخلفية.
توسعت الثقوب لحظيا في لحظة تسليط حزم الليزر على جزء من الفقاعة الرابيديومية، وخلّق جاك ثقبا دوديا ظهر من خلفه أكوان أخرى.
 تمكن فهمان من رؤية ما خلفه بالفعل، وسقط مغشيا عليه على الفور.
                                    ***
أوقف جاك التجربة هلعا، وأخرجه من الفقاعة وكلتا يديه ترتعشان. أسرع جاك بنزع البذلة، ولما لامست يده فهمانَ رفعها سريعا وهو يتوجع.
أسرع نحو الثلاجة لعمل كمادات على جبينه وهو يقول: إن جبينه قطعة من نار. ترى ماذا حدث له؟ ماذا رأيت خلف الثقب يا فهمان؟
أقبل إليه ووضع الكمادات على جبينه وشرع في تفويقه.
أفاق فهمان أخيرا، وقال بصوت لا يكاد يُسمع لأن لسانه جاف تماما: «ماء، أريد ماء.»
فناوله الكوب، فشرب فهمان حتى ارتشف آخر قطرة ماء منه.
قال فهمان: «الحمد لله لقد نجاني الله بأعجوبة، كدت أصعق يا جاك، كدت أصعق.»
وألقى بنفسه في صدر جاك وعاود البكاء؛ بل واشتد أكثر.
قال جاك في نفسه: الحمد للرب أن نجاك، يبدو أنك رأيت شبحا لا نظير له.
سأله جاك وهو يربت على ظهره: «ماذا رأيت؟»
قال: «يبدو أني سافرت عبر الزمان، ورأيت، رأيت...»  تمتم ثم صرخ متوجعا.
بادره جاك بشغف بالغ بسؤاله المعتاد: «ماذا رأيت يا فهمان؟ قل لي، هل رأيت وجه إبليس الحقيقي؟»
أجابه: «لقد سافرت عبر الزمن، سافرت إلى المستقبل، لا أدري كم عاما على وجه التحديد وإنما أنا متأكد أني رأيت النار.»
توسعت عينا جاك، وانتبه له جيدا يحدق به، وما لبث أن سأله على الفور: «أي نار؟ ربما تكون نيران الجن، أو ربما تكون..»
تمتم جاك وسكت. قال فهمان: «رأيت الجحيم يا جاك رأيت الجحيم، تخيل أني رأيت كاجيتا في الدرك الأسفل من النار.»
قال جاك في نفسه: لقد بلغت ذنوب هذا الملعون الآفاق، ترى ماذا سوف يفعل بالعالم بعد أن توصل إلى صناعة قنابل الثقوب السوداء؟
تنويه: يتبقى لنا الجزء الثالث، ففهمان لم ير يسافر بعد إلى إبليس.
 بريد إلكتروني:  alvu7888@gmail.com ، ebrahim2016amin@gmail.com









14
     فهمانُ يرى الشيطانَ باستخدام الفيزياء النووية ج1
إبراهيم أمين مؤمن-مصر
زالت الخطورة عن فهمان، وأول من علم بزوالها هو الرئيس مهدي الذي كان يتابع حالته من قصر الاتحادية لحظة بلحظة، وقرر فريق الأطباء إخراجه على إثر ذلك.
على مدار الفترة الفائتة كان جاك يتابع ما يفعله كاجيتا في FFC-2 بطريقته الخاصة منذ لحظة وصوله فيما عدا لحظة خروج كاجيتا من حجرة العناية المركزة لأنه بالأساس لم يره لحظتها، ولم يكن بوسعه فعل أكثر من ذلك (المتابعة) لأنه واقف على باب حجرة العناية المركزة ترقبا لخروج فهمان، ولم يجلس قط.
لذلك أول ما وصله الخبر بأن كاجيتا عاد مجددا للعمل على المصادم ذُهل، ولأول مرة يترك باب الغرفة ويركض كالعدّاء -مفكك الأوصال، ووجهه تحوّل من اللون الأصفر إلى الأحمر في غمضة عين- حتى وصل إلى غرفة العناية المركزة التي دخلها كاجيتا فلم يجده بالفعل.
فعاد سائرا مهزوما مكسور النفس ولزم باب فهمان مجددا، وجل فكره منصب ما بين الخوف على فهمان وما سيحدث للعالم لو تمكن كاجيتا من صنع قنابل الثقوب السوداء (لحظتها كان كاجيتا يحاول تحويل الطاقة إلى مادة كما أخبرتكم سابقا).
                                                   ***
وبعد مرور بضع ساعات جاءه الخبر عبر الهاتف أن كاجيتا وفريقه حزموا أمتعتهم قاصدين اليابان. فأنزل الهاتف وانتفض جسده بشدة، وأخذ يتمتم بقوله: أكيد تمكن الملعون من صنع قنابل الثقوب السوداء. ولم يدر ما يدور حوله لحظتها، ولم يقطع عنه عدم إدراكه بما يدور حوله إلا عندما اصطدم "الترول" الذي يحمل فهمان به. عندئذ نسي كل شيء والتفت كل جوارحه إلى فهمان، وانتفض جسده بشدة عندما رأى كامل جسده مسجى.
 فسأل أحد الأطباء بجسد يرتعش خوفا: «إياك أن تقول لي إنه ...»
رفع المسئول الكمامة عن وجهه وقال: «إنه بخير فلا تخش دكتور جاك، لكنه في حالة غيبوبة.»
فور أن سمع منه ذلك كأن الروح التي انتزعت من جسده منذ لحظات قد عادت إليه وقال: الحمد للرب.
                                                       ***
يرقد فهمان على سرير المستشفى وبجانبه جاك الذي لم يرفع عينيه عنه قط، كل همسة وكل لمسة وكل نفس يصدر عن فهمان تجد لها في جوارح جاك خنوع العبودية والخشوع لفهمان.
أما فهمان فهو في شأن آخر، فقد أتاه أبوه وهو نائم وقال له مستاء والغضب يتجول في ملامح وجهه: «لماذا أنت نائم؟ قم يا ولد فالعالم يحترق وهو بحاجة إليك، أدركْ فلسطين، أدركْ الأقصى.»
استيقظ فهمان على نداء أبيه، وشهق شهقة أفزعت جاك كثيرا، ثم ما لبث أن رفع يده اليسرى بشق الأنفس وهو يشير جهة الجدار الذي كان أبوه يقف فيه ويصرخ صراخا مكتوما: أبتِ، أبتِ لا تتركني. ثم داهمته الغيبوبة مرة أخرى.
انكب عليه جاك هلعا، يمسح جبينه الذي أغرق عرقه الوسادةَ في لحظات وقال: «لا بأس عليك يا صديقي، لا بأس، أنت بخير.»
قال جاك في نفسه: عزيمتك قوية يا فهمان، وعندما أزكاها أبوك لك ستبلغ عنان السماء، وايم الله إن هذا العرق الذي نز من جبينك كأنه المرض الذي غادر جسدك توا.
ولقد صدق حدس جاك، فقد استيقظ فهمان وقد شعر بتحسن غريب.
قبله جاك وحمد الرب على سلامته، لكن فهمان لم يقل له شيئا وإنما أخذ يفكر بعمق عن كيفية الوصول إلى الوتر الناري المهتز الذي يوصله للجسر الذي يعبره ويصل إلى الشيطان بعد دق بوابتهم.
فجأة التفت إلى جاك وقال: «جاك، جاك.»
نهض جاك وامتدت عنقه إليه وهو يربت بيده على كتفه ويقول: «لبيك، لبيك يا فهمان.» 
- «هل من أخبار عن كاجيتا؟»
- «رحل عن مصر منذ بضع ساعات.»
- «بهذه السرعة!»
نظر فهمان في الجهة المقابلة لجاك، وتأسف قائلا والدمع على خديه: «رحيله بهذه السرعة يؤكد أنه قد أحدث أمرا، أخشى أن يكون قد تمكن من صنع قنابل الثقوب السوداء.»
لم يعلق جاك واكتفى بالسكوت.
بعد لحظات قال فهمان بعد أن أدار وجهه مرة أخرى: «لابد أن أدرك كاجيتا قبل أن يفعل شيئا بهذا العالم، سوف تلتف حوله الشياطين وتوسوس له بفعل شيء به.»
قالها وأجهش ببكاء دموعه حارة كاللهيب، وقال بصوت متقطع: «جاك، لابد أن أدك الشياطين قبل أن يغووا كاجيتا. أرجوك ساعدني في الوصول إليهم.»
وظل يتوسل وجاك صامت لا يتكلم وإنما كان يحادث نفسه بقوله: هو صنعها بالفعل، وكم حذرتك يا فهمان أكثر من مرة بأن تمنع كاجيتا عن العمل على المصادم أو حتى تغلقه فلم تمتثل. أما سفرك إلى إبليس فلا أجد أي جدوى منه فضلا عن صعوبة الوصول إليه ومجابهته.
ترفق به جاك وقال والدمع يتفجر هو الآخر من محجري عينيه: «سأساعدك، حاضر، سأساعدك.»
نهض فهمان كالحصان وانطلقا معا إلى النفق لإجراء تجارب العبور إلى الشيطان.
                                                    ***
 جاء الخبر إلى يعقوب إسحاق بأن فهمان وجاك متواجدين أمام المصادم فتوجس شرا، قال أحد أعضاء المنظمة الماسونية له: «إني أرى أن تصدر أمرا باغتيال الاثنين معا خشية أن يحدث بينهما وفاق كما حدث بين بروفيسور بيتر والعالم المصري المغتال من قبل.»
قال يعقوب: «أختلف معك يا صديقي، أعتقد أن المنظمة لن توافقك الرأي، فرغم حب جاك لفهمان إلا أنه يدين بكامل الولاء للولايات المتحدة الأمريكية، بروفيسور بيتر نزل مصر من أجل مناصرة القضية الفلسطينية لذلك كان لابد من اغتيال العالم المصري والقبض على بروفيسور بيتر ورده إلى بلده، أما جاك فليس همه سوى الخلاص من الثقب الأسود المتواجد في مقدمة سحابة أورط.»
سكت لحظة ثم قال مستدركا: «كما أن الخلاص من جاك يفسح المجال للثقب الأسود بأن ينهي على العالم كله.»
قال العضو: «إذن لا جدوى من عرض الأمر على المنظمة.»
قال يعقوب: «سأكلف المخابرات الإسرائيلية بكافة أجهزته بأن يكثف جهوده في مراقبة فهمان وجاك، وسنخبركم بالتطورات لتقولوا فيه رأيكم الأخير.»
                                                   ***                 
وقبل أن يشرعا في إجراء التجارب لخلق المعبر نحو بُعد الجنّ ناول فهمانُ جاك ورقة مكتوب فيها معادلة صنع قنابل الثقوب السوداء؛ تلك التي توصل إليها كاجيتا بعد جهد مضن وباستعانة آلي من كون آخر، وقال له وكلتا عينيه تتفجران دمعا: «أتظن أن كاجيتا توصل إلى هذه المعادلة أثناء فترة عمله على مصادمي؟»
قالها فهمان له وكان يرجو أن يجيبه جاك ب "لا" مع تأكده بأن كاجيتا قد توصل إلى المعادلة، لكنه كان يبحث عن بصيص من أمل، أي أمل يقلب الحقيقة.
نظر إليه جاك وقال: «لا جدوى من هذا الكلام الآن، علينا فقط بالبحث عن المعبر لأودعك الوداع الأخير.»
نكس فهمان رأسه في الأرض ولم ينبس بكلمة، أما جاك فرغم خوفه الشديد بتمكن كاجيتا من صنع القنبلة إلا أنه انتبه لقدرة فهمان الأسطورية في الوصول إلى معادلة قنابل الثقوب السوداء دون أن يجري أي تجارب حتى قال في نفسه: أعلم أنك معجزة في إتقان الفيزياء النووية يا فهمان.
لم يجد فهمان أي بارقة أمل في أن يكون كاجيتا لم يتوصل إلى صنع القنابل، رفع رأسه من النظر إلى الأرض وقال: «إذن علينا بإنجاز التجارب حتى أمنع إبليس من تسخير الجان لأذني كاجيتا فيحدث أمرا بهذا العالم المسكين.»
طأطأ جاك رأسه إعجابا بعزيمته وإخلاصه ومع ذلك قال في نفسه: علي أن أحاول معه محاولة أخيرة قبل تلبية رغبته.
لذلك قال جاك: «فهمان، أعاود وأكرر، لا أجد جدوى من السفر إلى الشيطان، وإن كنت كما قلتَ تودّ السفر إليهم من أجل فضّ النزاعات بين القوى المتشاركة في الحرب النوويّة فإنّي أقول لك دعهمْ فلن يثنيهم عن حربهم شيء من هذا القبيل حتى لو قتلت الشياطين جميعًا، لأن نفس الإنسان هي المتحكمة في أفعاله وليست الشياطين. ولن يردع النفس عن غيها سوى ذل الأعناق، وثقب سحابة أورط سوف يأخذ بنواصيهم فيخضعون.»
قال فهمان: «يا جاك، وساوس الشيطان تعاضد النفس في غيها، وتردعها في خيرها، يا جاك، أريد للناس الهداية من غير الحاجة إلى ذل أعناقهم، لا أريد أن أسمع عن الحروب مرة أخرى، لذلك لابد من قتل إبليس.»
- «لو افترضنا أن كلامك صحيح، فهل تستطيع أن تقتل إبليس إذا نجحت في اجتياز جسر الشيطان؟ إني أرى أن المعركة غير متكافئة وقتْلك محتم ولا ريب.»
بُهت فهمان، وأنزل رأسه خزيا، وأخذ يتمتم بكلام غير مفهوم تعبر عن عجزه وضعفه؛ فهو يعلم قدرة إبليس الخارقة.
أما جاك فقد فرت الدموع من عينيه وهو يخاطب نفسه: تعلم أن ذهابك إليه فيها خطورة شديدة عليك ومع ذلك تود أن تقاتله، ما أعظم إخلاصك وتضحيتك يا فهمان!
رفع فهمان رأسه بسرعة مع رفع يده أيضا: «فور طرق البوابة ربما يفتح لي الملك محرز، ملك الجان الأحمر، عدو إبليس اللدود.»
أعجزه جاك مرة أخرى بقوله: «ربما يكون الملك محرز نفسه وأتباعه مكبلين بأغلال النار، ولم لا! ألا ترى أن إغواء إبليس لهذا العالم بلغ المشرق والمغرب!»
بُهت فهمان مرة أخرى، وقال لنفسه: ما قيمة الحياة في عالم كهذا؟ لابد أن أحاول حتى لو نسبة نجاح العملية 1%.
ترصد جاك ملامح وجه فهمان وأيقن أنه لا جدوى من الحديث معه في هذا الأمر، لذلك قال: «أعلم أنّ وترنا لابدّ أن يكون نارياً، لا هو طيني ولا نوراني.»
رفع فهمان رأسه مع رفع يده لأعلى مرة أخرى وبادره بالتفاعل فيما قال توا: «بالضبط، وسنضطر نبحث عنه من بين ملايين الثقوب المجهرية وهنا مصدر الصعوبة، فالبُعد الذي أود طرقه لأحلّ به واحد من هؤلاء، وبطبيعة الحال يا جاك فإنّ البُعد مرتبط بخصائص الثقب وشكله.
قال جاك: «إذن حانت ساعة الصفر، لنبدأ التجارب.»
























15
أدب / التحدّي الأكبر
« في: 01:48 02/04/2022  »
                                       التحدّي الأكبر
إبراهيم أمين مؤمن-مصر
وصل أخيرا، نزل جاك عن السيارة قفزا وهرول لا يلوي على شيء نحو المرصد. حاول رئيس ناسا إدراكه -حتى تلاحقت أنفاسه- فلم يتمكن، عينا جاك تتقافزان لتسبقاه، فور وصوله قفز نحو التلسكوب، حدق به، فوجد الثقب يتنفس أبخرة على شكل هيجان من البلازما يلفظها بسرعة تقارب سرعة الضوء من على جوانبه وحوافه، يدور حول نفسه وهو يمارس زفيرا فضلا عن شهيق أقل ولكنه كارثي.
وصل رئيس ناسا في اللحظة التي كان جاك يحدق في مركز الثقب المظلم، ووجد أن بعض الدلائل تشير إلا أن فمه مفتوح معظم الوقت.
فخر على الكرسي مصعوقا وهو يردد: «جسر أينشستاين مفتوح بصورة شبه دائمة.»
قال رئيس ناسا باكيا: «تقصد أنه جائع على الدوام؟»
أجابه: «نعم، لكنّ أملَ النجاة موجود بسبب أن معدل زفيره أكثر من معدل شهيقه، إلا إذا، إلا إذا ..»
تمتم ثم سكت. وكان سكوته بمنزلة رمي سهام القلق في روع رئيس ناسا فقال مضطربا:
-«إلا إذا ماذا؟»
- «نجاتنا منه مقترنة بنجاة الأجرام من حوله بأن تتحول إلى فرائس له.»
- «وإن لم تنج، تكن النهاية إذن؟»
- «نعم، كلنا سوف نكون له بنكهة جيدة، لكن لا تخش، فما دمت موجودا فلن يتمكن من هذا العالم.»
سكت هنيهة ثم قال: «سيادة الرئيس، أريد صورا أوضح لهذا الملعون.»
على الفور أرسل رئيس ناسا إلى المراصد المتطورة والتلسكوبات المتموضعة على متن الأقمار الصناعيّة للتأكد ممّا رآه هو وجاك.
وبعد أن جاءته قال: «للأسف صور المراصد الفضائيّة تؤكّد مما رأيته سيادة الرئيس.»
ساد الصمت لحظات، أمسك جاك خلالها الصور التي أرسلتها المركبة الفضائية غير المأهولة التي تسبح في الفضاء خارج المجموعة الشمسيّة، حدق بها جيدا، ونقر بإصبعه على موضع في إحدى الصور منها وهو يقول بعد فكر وتدبر: «هذا هو أمل النجاة، بصمة بخار ماء.»
قال رئيس ناسا: «ماذا تقصد يا جاك؟»
- «عندما تتبلور الفكرة جيدا في رأسي سأخبرك.»
صمتا هنيهة، قال جاك بعدها: «سيادة الرئيس أريد أن تعقد اجتماعا سريا فورا.»
                                                 ***
وحضر جميع أعضاء وكالة ناسا.
نظر بك إلى جاك نظرة إعجاب، وقال له: «لقد صدق ظنك يا جاك وهزمتنا جميعا.»
ناوله جاك صور الرصد وقال: «أرجو أن أستفيد بخبرتك سيدي بك، فأرجو إبداء رأيك.»
حدق بك جيدا بالصور، قال وهو يطاطئ رأسه: «إنّ قذفه الشديد وصعوبة التهامه ينذر بفنائه قريبًا، فقذفه ينهي حياته، وصعوبة التهامه تدلّ على الضعف الشديد لجاذبيّته.»
قال جاك: «وماذا يحدث لو وقعت بعض الأجرام في أفق حدثه، تكون الكارثة إذن؟»
أجابه بك: «قلت لك يا جاك جاذبيته ضعيفة، ونجاتنا من فكه المفترس محتمة.»
قال جاك: «وماذا لو ذهبت إليه بعض الأجرام طوعا أو كرها، كثير من الأجرام عائمة في الفضاء سيدي بك.»
بُهت بك وهو يحدق به، ولم يجد وسيلة لحفظ ماء وجهه غير السكوت.
قال جاك: «لدينا أمل، بصمة بخار الماء.»
اندفعت أكتافهم إلى الأمام قليلا، وسلطوا أنظارهم إليه، وكاد بعضهم أن يبسط يديه إليه كالغريق، ومضت لحظات صمت وهم ينتظرون كلمته في وجل وترقب وجلودهم تقشعر.
قال جاك: «يا سادة، من مراصد التحليل الطيفي لأشعة الثقوب السوداء وُجِد بصمة بخار ماء في المنطقة المحيطة به، وظهر آثارها على بعد ملايين الكيلومترات.»
ردّ بكْ عليه: «بصمة بخار الماء  في الغالب نتيجة البلازما الحارة التي يطلقها الثقب على مسافات بعيدة وتصيب بعض المذنبات التي تحتوي على 80 % جليد ماء، لكن لم تخبرنا ما علاقة بصمة بخار الماء بالأمل؟»
ردّ جاك على الفور: «هذا الثقب من أنواع الثقوب الدوارة، وفي وسط فمه ثقب دودي، وعلى طول الشريط الحدودي الواقع تحت جاذبية أفق حدثه بصمة بخار ماء، فضلا عن أن معظم الوقت ثقبه الدودي مفتوح وهذا يدل على أنه (الثقب الدودي) يحتوي على المادة السالبة، وهذا كله يسهل علينا اختراقه.»
قال أحد الأعضاء البارزين: «طبعا، الثقب الدودي مُرغم على الفتح معظم الوقت لأن المادة السالبة هي المسئولة عن ذلك.»
فهم بك ما يرمي إليه جاك، ولذلك صاح به متمتما: «هل جُننت يا جاك؟! كيف تفكر في الذهاب إليه؟»
قطب رئيس ناسا فور صياح بك، وقال ممتعضا خوفا عليه: «ماذا تظن نفسك يا جاك؟ أنت أبله، أنت فاكر إن اللجنة عندما منحتك رسالة الدكتوراه في خزعبلاتك أنك عبقري، وعلى حق! تريد أن تذهب إليه بشراعك الشمسي المزعوم وجهازك الشامل، جهازك هذا مجرد وهم، لذلك لن أدعمك. جاك، لقد تخطيت حدودك، وحان الوقت كي تعرف قدرك.»
سكت رئيس ناسا، وساد الصمت في المجلس، وكأن معركة شرسة أقيمت وانتهت بسحق جاك وهزيمته هزيمة منكرة، أما جاك فإنه متأكد بأن رئيس ناسا أغلظ له في القول خوفا عليه، ولم يجد بدا في مواصلة فيما عزم عليه، قال: «ألم أقل لكم إن هذا النجم سيتحول إلى ثقب أسود ونكرتم علي؟! ألم أقدم رسالة الدكتوراه في ابتكار شراع شمسي وجهاز شامل، ورغم سخرية لجنة المناقشة فيما قدمته في الرسالة إلا أنهم لم يجدوا بدا في منحي الرسالة بسبب قوة حجتي وقوة استدلالاتي؟! وأقول لكم اليوم إني قادر على الخلاص من هذا الثقب اللعين، والأحرى بكم أن تصدقوني وتثقوا فيما قلت بعد أن ثبت صدقي فيما أنكرتم علي من قبل.»
قال أحدهم ساخرا: «أنت فاكر إن الموضوع لعبة، تريد أن تسبح في الفضاء بشراع شمسي عشر سنين بقوة دفع اندماج نووي ومحطات شمسية عملاقة على سطح القمر، إن نفقة الرحلة قد تستنزف كل اقتصاد العالم.»
كظم بك غيظه بمغادرة قاعة الاجتماع. أما رئيس ناسا فوثب منتفضا وأشار إلى جاك بسبابته معنفا بقوله: «جاك، أعرض عن هذا وإلا طردتك من الوكالة.»
هب فيهم جاك جميعا، وصرخ: «أنا أستطيع أن أحدد مساري إليه، وأراه أمامي رأي العين، أنا أستطيع أن أرسم خريطة فضائيّة بكل دقة لمجرة درب التبانة، وهذا المتمركز (يقصد الثقب الأسود) في أول سحابة أورط أهون علي من جناح بعوضة لو تكاتف العالم واتحد بدلا من تربص بعضهم بعضها، وإن كنتم ترتابون في قدرتي فإني أذكركم أيضا فضلا عما سبق بأني كنت حديث العالم يوم أطفأت حريق جامعة بيركلي بسيارة طائرة في حين عجزت طائرة الإطفاء العملاقة عن إطفائها، وإني أسألكم الآن، هل تذكرون فتى البركان الملثم الذي لم يعرفه أحد حتى الآن؟»
قالوا له: «وما علاقة هذا الفتى المعجزة بما نحن فيه؟ هل شرد عقلك لهذه الدرجة؟»
فاجأهم جاك: «أنا فتى البركان الملثم الذي كان ولا يزال حديث العالم -منذ أكثر من عشر سنين- ولاسيما أمريكا حتى الآن.»
تبسم رئيس ناسا ضاحكا فرحا وإعجابا بجاك الذي يعتبره أغلى من أولاده، بينما تسمر الباقون وكأن على رءوسهم الطير.
قال جاك: «والآن هل من الممكن أن أشرح خطتي؟»
قال رئيس ناسا: «اتفضل.»
قال جاك: «القمر نملك فيه بعض الخامات التي تصلح لصناعة مجموعة ليزرات قويّة، لكنها لن تكفي مطلقًا لخوض رحلة إليه، لابدّ من إرسال كلّ المواد اللازمة لبناء أجهزة ليزرات ضخمة عبر المصاعد الفضائيّة التي تمتلكها ناسا، على الفور. وعمل الشراع الضوئيّ على الفور.
وأنا سأعمل ليلاً ونهارًا على الجهاز الشامل. أرسلوا هيليوم -3 الى القمر اللازم لعملية الاندماج النوويّ، ذلك الهيليوم الذي اغتصبتموه أنتم وغيركم منه، وكثّفوا البحث عن المزيد والمزيد منه فقد نحتاج كلّ الكميّة الموجودة على سطح القمر، أريد خبراء الفيزياء النوويّة على القمر خلال أيام.»
لم يجدوا مفرا من الموافقة رغم عدم قناعاتهم بكل ما بينه، وكأنهم يقنعون أنفسهم بأنهم أغبياء، أو كأنهم يقنعون أنفسهم بأنه على صواب وذلك من خلال انغلاق عقولهم أمام أسطورة عبقريته.
وقبل فضّ الاجتماع كلّمه رئيس ناسا واضعا يده على كتف جاك: «فتى البركان الملثّم أهلاً بك في ناسا، أنقذتَ جامعة بيركلي سابقا والآن سوف تنقذ العالم كله في ساحة سحابة أورط.»
                                     ***
في الوقت الذي كان يصارع فيه جاك أعضاء وكالة ناسا كان فهمان يصارع نفسه من أجل دفعها نحو العمل على مصادم  FFC-2.
فإن كان جاك يود مصارعة ثقب أسود في السماء، وهو يعرف مكانه بالضبط، فإن فهمان يجبر نفسه من أجل البحث عن المعبر الذي يؤدي به إلى بوابة إبليس والذي أسماه بالوتر الناري المهتز وهو وتر واحد فقط من بين مليارات الأوتار الفائقة التي تكلم بها كثيرٌ من الفيزيائيين.   
لم يستطع قلب فهمان ولا عقله استيعاب ما يحدث في العالم من حروب إلا من خلال أفعال إبليس.
 أفعال إبليس وحزبه جاثمة على صدره، فصرخ استغاثة: وعزة الله وكبريائه لن أتركك أيها الإبليس اللعين، إن كنت تظن أنك في مأمن مني وأنت قابع خلف بُعد محجوب عن البشر فأنت حالم واهم، مصادمي FFC-2 سوف يكشف بُعدك، وسوف أطرق البوابة وأدخل.
وسـتعلم قوة الطين عندما تصارع النار.

16
                       وكشّر وحش السماء عن أنيابه
إبراهيم أمين مؤمن-مصر
مرّتْ ثلاثة أيام على هذه السلاسل التي تكبّله، لم يعبأ جاك بحبسه وإنما شغله الشاغل منصبّ على نجم سحابة أورط، قال في نفسه: ما كنتُ أظن أنه سوف يأتي يوم ويمنعني شيء عن متابعة رصد النجم. تبا لهذه السلاسل اللعينة، منعتني عن وحشين، أحدهما رابض في السماء يروم إلى التهام العالم (يقصد تحول نجم سحابة أورط إلى ثقب أسود ومن ثم يلتهم العالم)، أما اللعين الآخر فهذا الرابض بعرشه في البيت الأبيض.
كلما دخل عليه حارس السجن ليدخل له الطعام كان جاك يقول للحارس راجيا بأن يحاول أن يصل إلى رئيس ناسا ليخبره بمكانه لأن العالم كله تحت قبضة نجم. وأن العالم كله مجرد لقمة سيلوكها في فمه فور تحوله إلى ثقب أسود، سيبدأ بمحتويات سحابة أورط حتى إذا انتهى منها دخل على كواكب المجموعة الشمسية فالتهمها واحدا واحدا، بدءا من نبتون ومنتهيا بالشمس.
استمع له الحارس، فهاله الأمر فبحث في شأنه.
تابع رسالتيه المسجلتين على اليوتيوب الخاصتين بالماجستير والدكتوراه.
ولما شاهد اللجنة وهي تمنحه شهادة الدكتوراه في الخيال العلمي في حضور الساسة الأمريكيين واليهود ولاسيما أنه شاهد بعض أعضاء حركة الصهيونية العالمية ارتاب في أمر جاك، فتارة يقول بأنه عميل صهيوني وتارة يقول إن كثرة العلم أفسدت عقله، وهذا دفعه للتفكير في أمر لجنة المناقشة بأنها غير نزيهة لوقوعها تحت طائلة الحركة الماسونية.
ولذلك لم يسمع له واكتفى بالسكوت.
أما رئيس ناسا فقد افتقده كثيرا منذ أول يوم غاب فيه، فهو معتاد دائما أن ينظر إليه وهو يتابع رصد نجم سحابة أورط.
ولقد قضى الثلاثة أيام الفائتة ما بين البحث عنه ورصد نجم السحابة، وبين الفينة والأخرى يبكي لفقدانه.
وفي مساء اليوم الثالث وهو مقبل على مراصد ناسا لمتابعة النجم تذكر شيئا، فضرب جبهته وقال لنفسه: كيف يفوتني أمر كهذا؟! الحرس، الحرس، لابد أن حرسه يعلمون بمكانه.
فهرول نحو سيارته، ثم ارتد للخلف مرة أخرى وقال: ألقي نظر أولا على النجم ثم أذهب إلى حرسه.
نظر واقفا، بعد مضي لحظات تسمر كأن على رأسه الطير، ثم ضغط برأسه على التلسكوب الراصد يحدق في النجم، مرت لحظات أخرى لم يتحرك من الصدمة، فجأة خرّ على كرسيه فاتحا محجرا عينيه على مصراعيهما، أما دماء وجهه فقد غادرت منه هاربة.
صرخ مناديا باسم جاك، ثم قفز من كرسيه وتوجه نحو الباب قاصدا حرس جاك.
استقلّ سيارته الطائرة حتى عثر على كبير حرس جاك، وسأله عنه فقصّ له الحارس ما حدث من ثلاثة أيام وليلة فائتين، فأخذ يفكر ويمعن في التفكير حتى هداه إلى الذهاب إلى البيت الأبيض، بل تأكد أنّه هناك.
استقلّ سيارته الطائرة وحلّق قريبًا من البيت الأبيض، ثمّ هبط على مقربة منه، وتقدّم إلى البوابة الرئيسة وطلب مقابلة الرئيس.
هاتف الحارس رئيس الحرس، وفور أن سمع منه مقدم رئيس ناسا قال في نفسه: ها قد جاء ما تكره يا رئيس البيت الأبيض، لقد حان إطلاق سراحك يا أيها الجاك العظيم.
دخل رئيس ناسا من البوابة وقابل في طريقه رئيس الحرس فسأله عن جاك فأجابه: «هون عليك أيها الرئيس، فإني أجدك ملتاعا إلى أقصى الحدود، لعلك تريد الرئيس، هلم بنا إليه.»
فور دخوله ألقى عليه التحية، ورد عليه رامسفيلد التحية بدهاء ومكر.
شعر رئيس ناسا بأن رامسفيلد يخفي أمرا رغم دهائه ومكره، وأسرّ ذلك في نفسه، وجاء كلامه معبرا عما يجيش بداخله، وكان كلامه: «سيادة الرئيس قال لي الدكتور جاك إنّه سوف يأتي هنا، وقد بحثت عنه في كلّ مكان فلم أجده، فقلتُ لعّله في ضيافتك.»
- «كنتُ سأرسل إليك اليوم، وأحمد الربَّ أنّك أتيت، جاك جاسوس للعرب، وحفاظًا على وكالة ناسا العالمية آثرتُ أن أخفي الخبر لحين ملاقاتك.»
لم يخش رئيس ناسا من قول الرئيس لأن جاك في مأمن من قبضته ولاسيما بعدما رصد الكارثة عبر تلسكوب الرصد.
ولذلك قال له متوعدا عاقبة فعله بجاك: «ملاقاتي! ملاقاتي أنا! بل عليك ملاقاة العالم كلّه.»
وفور الانتهاء من قولته وثب قائما وسأله بثقة: «أين الدكتور جاك فخامة الرئيس؟»
- «عجبا لك من رجل! أقول لك إنه جاسوس وتسألني عنه! الأحرى بك بأن تطلب له محاميا.» زفر زفرات طويلة محاول إمساك نفسه عن رامسفيلد، وآثر أن يتلطف معه فقال: «سيادة الرئيس، جاك الولايات المتحدة الأمريكية هو رمز دولتنا وقوميتنا الحقيقي، ولابد من إحضاره الآن، فقد تحقق كل ما قاله مخالفا بذلك الرأي الجمعي العالمي بشأن نجم سحابة أورط، للأسف، قد تحول النجم إلى ثقب أسود والعالم كله قد يتحول إلى مضغة له خلال بضع سنوات فقط.» فور أن أنهى كلمته انهدّ على الكرسي.
قال الرئيس غير مكترث لكلام رئيس ناسا حقدا وحنقا على جاك: «إن كان هناك من سيخلّص العالم من الشرِّ فهو أنا، لذلك أريد طائرة مخفية.»
هبّ به صارخا معنفا: «أقول لك العالم على وشك الفناء وتقول لي أنا أنا، من أنت أمام جاك الولايات المتحدة الأمريكية! وماذا تفعل بطائرة مخفية في حربك ضد آسيا والعالم كله معرض للانصهار في ثقب أسود، بوق إسرافيل في انتظارنا أيها الرئيس.»
ارتد رامسفيلد للوراء، ودون مقدمات هاتف رئيس الحرس بإحضار جاك. ثم نظر إلى رئيس ناسا وقال: «خذه هو لك.»
خرج من البيت الأبيض ليجد جاك بانتظاره في السيارة.
فور أن استقل السيارة وطار بها قال له: «تحوّل النجم إلى ثقب أسود يا جاك.»
رغم توقع جاك بتحوله إلا أنه تفاجأ بهذه الكارثة، فصاح به: «ألم تر النجم؟»
أومأ رئيس ناسا برأسه يمنة ويسرة ناهيا والدمع ينفجر من محجري عينيه.
قال جاك مستدركا: «وجدتَ ظلاما؟»
أومأ برأسه هذه المرة لأعلى وأسفل إشارة بالإثبات عن سؤاله.
قال جاك باستسلام: «إذن،  قهرته جاذبيّته رغم كتلته الصغيرة وانكمشَ على نفسه متحولاً إلى ثقبٍ أسود، يا ويل هذا العالم مما ينتظره، يا ويله.»

17
أدب / جاك في البيت الأبيض
« في: 01:34 21/03/2022  »
                                       جاك في البيت الأبيض
إبراهيم أمين مؤمن-مصر
وصل جاك إلى مبنى البيت الأبيض وما زال يتوقّد حنقًا على وتيرة الأحداث التي قدْ تُنذر بزوال العالم ولاسيما أن مؤجج هذا الصراع هو رئيس جورج رامسفيلد بإيعاز من يعقوب إسحاق.   
وصل إلى البوابة الرئيسة للبيت الأبيض، دلف إلى أحد حرّاسها، ثمّ قال له بابتسامة هادئة رغم أن غضبه يكاد يتحول إلى لهيب: «أريد مقابلة  فخامة الرئيس.»
تفحّصه الحارس بنظرة عميقة، وأوغل في شرارة عينيه وطأطأة بشرته وتذبذب جوارحه، تبين حقيقته ولم تخدعه ابتسامته الهادئة، عندئذ قال له الحارس بهدوء: «هل أخذت موعدًا من فخامة الرئيس يا دكتور جاك؟»
أجابه بسؤال: «أتعرفني؟»
- «وهل تظنّ أنّ حارس البيت الأبيض لا يعرف مَن هو مثلك يا جاك، يكفي أنّك تُسمِّي نفسك جاك الولايات المتحدة الأمريكيّة.»
صمت هنيهة ثمّ قال: «أنا سعيد برؤيتك، وأرجو أن تُهدّئ من روعك وتملك أعصابك العائمة في بركان غضبك.»
- «لا شأن لك بغضبي، فقط أخبره أنّي أريد لقاءه.»
انتحى الحارس جانبًا ليكون بعيدًا عن سمع أذني جاك، بينما جاك يرمقه مقطبا.
كلّم الحارس رئيس حرس البوابات وأخبره بحالته، فأخبره رئيس الحرس بمنعه من الدخول والانتظار لحين إشعار آخر.
ومرّت ساعة وما زال جاك ينتظر على أحد المقاعد، وبدأ الظلام يهبط وئيدًا، فنهض وأقبل على الحارس وهو يزفر غضبا، وقال: «بعد إذنك، افتحْ البوابة واتقِ شرّي، أنت ومن وراءك.»
رد ّالحارس: «لا تضطرني يا جاك أن أفعل ما أكره وتكرهه أنت، انتظرْ حليمًا أو انصرفْ راشدا.»
ضربه جاك ضربة قوية في قضيبه فتقلصت ملامح الحارس ألما وسقط طريحا، حاول النهوض فلم يستطع. مضى جاك قدما واخترق الباب، خطا خطوات وهو يلتفت يمينًا ويسارًا يريد أن يعرف السابلة إلى حجرة الرئيس، لكنْ سرعان ما التفّ حوله حرس البوابات ولم يكن بينهم رئيسهم.
أحصاهم جاك عددا وقال لهم متوعدا: «دعوني، أريد مقابلة الرئيس.»
هاتف أحدهم رئيس الحر فأتى مسرعا وهو يكلم الرئيس بشأن جاك.
أقبل إليه رئيس الحرس وقال له ممتعضا وأنفاسه تتلاحق: «أهذه طريقة تدخل بها البيت الأبيض يا جاك، اتفضل الرئيس بانتظارك.»
ورغم دخول جاك عليه متجها إلا أن الرئيس نهض له والتزمه وبش له، هكذا تراءى له.
أما جاك فلم يبد له أي احترام؛ بل لم يبسط يده إليه.
أنزل الرئيس يده بعد أن أخذ تلك الصفعة النفسية وتجاوز أيضا عن هذه الأخرى وبادره بقوله: «لعلّك فكّرت في عرضي السابق وقرّرت أن تصنع الطائرة.»
هز جاك طرف أذنه اليمنى بإبهامه وكأنه يريد أن يطرح أرضا بكلمة الرئيس التي سمعتها أذنيه، وسرعان ما قال: «أشعلتَ الحربَ أنت ويهودك، ماذا ستجني أمريكا من وراء الحروب؟»
واستطرد مستدركا بصوت عال: «بل ماذا ستجني أنت من العرش؟»
لم يعد يحتمل الرئيس استخفاف جاك به لذلك قال: «تأدب أيّها الفتى، وإيّاك تظنّ أنّ وكالة ناسا أو حبّ الشعب الأمريكيّ لك سينفعانك عندما تتطاول على رئيسك، أنا هنا على هذا العرش أحمي بلدي ممن يريدون بها السوء.»
- «أيّ سوء؟» قالها جاك باستخفاف.
- «من الشرق يأتينا الإرهاب، ومن آسيا يسرقون ملكتنا الفكرية ويتربصون بنا عبر المضايق والممرات المائيّة ليقطعوا عنا إمدادات النفط وخطوط الغاز، ولا يتورعون بالفعل أو القول لإلحاق الأذى بنا رغم أزمتنا الاقتصادية الخانقة.»
وسرعان ما هرول وفتح التلفاز وأراه أسعار النفط التي فاقت الخيال ثم قال له: «أرأيت كيف فعلت بنا ودول الخليج، أما آسيا فقد منعت النفط عنا.»
ثمّ حدّ إليه النظر وقال ممتعضا متعجرفا: «وهم صنيعتنا ونحن الذين ثبّتناهم على كراسي الحكم.»
قال جاك: «أيّها الرئيس، أنا غير مقتنعٍ بما تقول، مَن كان قبلك أفضل منك وقد ساهم في الخروج مِن أزمتنا الاقتصاديّة إلى حدٍّ كبير.»
ثم أقبل إليه بضع خطوات ورفع سبابته في وجهه وقال محذرا متوعدا: «ارفعْ يدك من هذه الحروب، اسحبْ الجيوش الأمريكيّة وخذ تعويضات الحرب التي عرضها عليك الروس والصين، انسحبْ بالجنود من أرض العرب إلى أرض أمريكا فهي (الأرض) الأولى بأن تدب أقدام الأمريكيين عليها.»
لما همّ الرئيس بالحديث بادره جاك بقوله: «اسمع، ليس لنا شأن بهرمجدون والهيكل والمسيا الملك وأرض الميعاد والنيل إلى الفرات وسائر تلك المخططات الصهيونية القذرة، شأننا هو (يشير في تلك اللحظة بسبابته إلى السماء) ذاك الرابض في السماء، ارفعْ يدك عن العالم، ارفعْ يدك عن أمريكا.»
قال الرئيس ممتعضا: «ما شأنك أنت بالسياسة والحرب يا فتى، لابدّ أن تحكم أمريكا ولا تُحكم، حتى لو اضطررت لإبادة العالم كلّه، ولا مانع أن تضحّي أمريكا ببعض جنودها مِن أجل أن يعيش شعبها كله في كرامة وكبرياء، اذهبْ أيّها الجاهل إلى ناساتك ولا تعدْ.»
تملك الغضب جاك وجرت الدماء في عروقه وأخذ يتمتم بعبارات الحنق، وتحولت عيناه إلى جمرتين وقال بصوت كالرعد: «أنت جرثومة يا خادم يهود، أنت عضو خبيث في الجسد الأمريكي يجب بتره، وأنا باتره.»
وانقضّ عليه ليخنقه، وطوقه بذراعيه وأخذ يضغط حتى جحظت عينا الرئيس واندلع لسانه وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة بادر إليه حرس القصر وانتزعوه من يديه.
أخرجَ أحدّ الحرس مسدسه من غمده ليطلق الرصاصة على جاك، لكنّ رئيس الحرّاس رفع يده إلى أعلى في الوقت المناسب فطاشت في الهواء  ثمّ قال للحارس: «أجننت! أتودّ أن يثور الشعب على الحكومة! هل تظنّ أنّ وسائل الإعلام الأمريكيّة سترحمنا؟ ألا تعرف ماذا يمثل جاك لأمريكا وللعالم؟»
ونظر إلى كل الحرس وأمرهم بالصمت.
التفوا جميعا حوله والذعر يتملكهم، وتمكنوا منه وهو يسب ويلعن في رامسفيلد ويرميه بأفظع الشتائم، بينما توارى رامسفيلد خلف ظهر رئيس الحراس.
استطاع جاك بعد لحظات التخلص من قبضتهم وركض كالوحش نحو رامسفيلد ولكن رئيس الحراس لكمه لكمة شديدة ارتد على إثرها للوراء وسرعان ما هجم عليه الحراس من جديد قبل أن ينهض.
أمرهم رئيس الحرس بأن يتركوه، وفور أن نهض قال لجاك: «جاك امضِ لحال سبيلك ولن يمسك سوء، امض وحسبك ما فعلت.»
قال جاك: «لن أمضي حتى يأمر هذا الصعلوك (يشير إلى الرئيس) بانسحاب بلدي من أرض العروبة وترك الحرب بلا عودة.»
لم يجد رئيس الحرس بدا من تهديده بعد إصراره فقال: «جاك، لو قتلتك الآن لن أُعاقب فيك، وأمور الحرب هذه سياسة دول وشأنها وليس لنا أن نتدخل فيها، ولا بديل لك الآن إلا أن تمضي.»
ردّ جاك: «لن أمضي قبل أن يعدني هذا الأخرق (يشير إلى الرئيس) بألا تتدخل أمريكا في شئون أحد.»
قال رئيس الحرس: «جاك، أنت بذلك تثير فتنة ببلدك، لا أريد أن أؤذيك لأني لا أريد للبيت الأبيض أن يصطدم بوكالتك فتتسبب في عودة الثوار مرة أخرى.»
وفور أن انتهى من قوله كرّ جاك مرة أخرى يريد الفتك بالرئيس، فوقف رئيس الحرس حائلا بينه وبين وقال له بثقة: «إذن لا محيص، قاتلني أنا.»
وأمر جميع الحرس بعمل دائرة كبيرة أشبه بحلبة المصارعة، وكل منهما يحمل بداخله أمرا، فجاك يريد هزيمته ليفتك بالرئيس، ورئيس الحرس يريد الفوز ليصرف جاك عن المشهد.
لم ينصاع الحرس للأمر، واندفعوا إلى جاك في لحظة خاطفة وتمكنوا منه وقيدوه.
أمرهم رامسفيلد بسلسلته ووضعه في أحد حجرات البيت حتى يُنظر في أمره.


18
ضربات إرهابيّة في أمريكا وأوروبا
إبراهيم أمين مؤمن-مصر
وإنهاك الدول العربيّة بعضها بعضًا كان يُبثُ ليلاً ونهارًا على شاشات التلفاز والقنوات الإخباريّة العالميّة، وكانتْ تشاهد بشغف وترقب كل هذا الشعوبُ الأجنبيّة وخاصة جيوشها المحتمل زحفها إلى أرض العروبة.
ولم تغفل هذه الشعوب أنّ أمريكا وأوروبا يمثّلون حِلْفًا لخوْض حروب باردة منذ زمن ضد آسيا بسبب ازدهار الأخيرة عن الأولى اقتصاديًا، بينما أوروبا تعاني حالة من الكساد والركود الاقتصاديّ.
ولذلك خرجتْ الثورات تندّد بسياسة حكامها في أمريكا بالخصوص، تلتها فرنسا ثمّ بلجيكا، بينما كانت حدّة المظاهرات خفيفة على أرض إنجلترا.
وهذه المظاهرات تقف حجر عثرة تجاه زحف القوات الأوروبيّة، وإن زحفتْ فسوف تضطرب بسبب الرفض الشعبيّ مما يتسبّب في هزيمتها من أول جولة حرب ضد آسيا.
وزادتْ حالات الاعتصام والمظاهرات والمسيرات اعتراضًا على سياسة أمريكا ودول أوروبا في أسلوب معالجتها للخروج من الأزمة الاقتصاديّة التي تعتقد أنظمتها أن دول آسيا هي السبب فيها، وبدأتْ هذه الشعوب تنادي بإسقاطها، حتى إنّ من يتابع الشعارات الثوريّة هناك كان يقول إنّ الشعوب الأوروبيّة والأمريكيّة متضامنة مع الشعوب العربيّة.
وظلّ الحال مستمر حتى وقعت الكارثة، أحداث إرهابيّة في أمريكا ومعظم أنحاء أوروبا.
فقد تمّ اختطاف بعض الطائرات التي تقوم برحلات داخليّة وتوجيهها لضرْب بنايات كمباني المخابرات ووزارات الدفاع ومراكز التجارة والمصارف في هذه الدول السابق ذكرها.
وكثُرت فيها حالات الدهس بالسيارات والطعن بالسكين، وقيام بعض الإرهابيين بارتداء أحزمة ناسفة والهجوم على بعض المنتجعات والقرى السياحيّة، لكنّ أكثرها كانت في الفنادق والملاهي الليليّة.
وما زالتْ هذه العمليّات تُبث علن على شاشات التلفاز ليل نهار، وتزداد الأحداث دموية يومًا بعد يوم.
ولقد كانت الضربة على مؤسسات الولايات المتحدة الأمريكيّة خاصة بمنزلة فكّ شفرة هذه المعضلة وترياق الأسقام لأنفسهم المريضة، فعلموا وتعافوا وسارعتْ أقدامهم للدخول إلى المنطقة.
ولم يعرف أحدٌ على وجه الحقيقة مَن قام بهذه العمليّات ضد الولايات المتحدة الأمريكيّة وحلفائها، ولكنّ الغالبية من تحليل الساسة العدول يؤكّدون أنّها ضربة ثأريّة من بعض الجماعات الإسلاميّة المتطرفة ردًا على مساندتها لإسرائيل في مخططها الذي أضاع المنطقة العربية بأثرها.
وبالفعل بعد الضربة ببضع ساعات خرج متحدث رسمي باسم هذه الجماعات ليُعلن أنّ على أمريكا الابتعاد عن الأراضي الإسلاميّة وعليها أن تكفَّ عن دعمها للمخطط الصهيونيّ الشيطانيّ الدمويّ.
وهناك كثير من المحللين شككوا في البيان، وطمست الحقيقة حتى الآن ولم يعرف أحد على وجه اليقين من وراء هذه التفجيرات.
وبمجرد حدوث الضربات انسحبَت جماعة من المعتصمين لا تلوي على شيء ومضت إلى منازلها، بينما كان جاك يحاول تثبيتهم حيث هم. 
ولكن بعد إعلان الجماعة تركوا جميعهم الميادين بعد أن أدانوا الضربة بصراخ وبكاء على أهليهم وذويهم الذين فقدوهم إثر هذه الهجمات الشيطانيّة على حد قولهم.
ولم يجد جاك مفرًا من الإذعان للأمر الواقع، ليس لديه ما يقوله فانفضوا جميعًا من حوله، ووجد نفسه وحيدًا فريدًا فرحل في استسلام ويأس إلى مراصد ناسا.
وبعد الإعلان ثمّ انسحاب المعتصمين تعبّدَ الطريق للمخطط ليتّجه بجيوشه نحو الشرق.
وبذلك خسرَ العربُ والعالم الإسلاميّ الرفض الشعبيّ الأمريكيّ والأوروبيّ.
زحفتْ أمريكا وحلفاؤها نحو المنطقة سريعًا ردًا منها على الضربة الإسلاميّة في عملية لحفْظ السلام وتربية النفوس، وهذه هي الأسباب المعلنة وهي هي نفس الأسباب التي استندَ إليها جورج رامسفيلد في الحصول على شرعيّة دخوله إلى المنطقة العربيّة.
وتوالى إرسال قوّاتها وقوّات حلفائها للسيطرة على المنطقة برمتها.
                                                ***
انسلب فهمان من حرسه وخرج هائمًا على وجهه يمرّ على الأكواخ والجحور ويخاطب الناس كالمجنون بقوله: لا تخافوا، سأقتله، سأقتل إبليس، لن تقوم الحرب لو قُتل إبليس.
 وظلّ يردّد  كلماته كالمجنون، ولأنه شخصية هامة تبعه أحد الصحفيين وصوّره، وهبط الظلام وهو ما زال يهيم في الحارات والأزقة والجحور. جاء خبره إلى مهديّ فكلّف حرسه الشخصي بإحضاره.
ذهب الحرس إليه بينما هو يشاهده عبر القناة وهو يصرخ ويبكي ويتوّعد إبليس فبكى لبكائه.
                                                 ***

تركّزتْ القوّات الأجنبيّة في المناطق الحيويّة من معابر ومسطحات مائيّة ومضايق وكذلك مناطق الحدود بين الدول العربيّة المتنازع عليها، ومن مناطق منابع الماء إلى روافدها تركّزتْ أوروبا هناك بحجة القضاء على حرب عربيّة شاملة بين المنطقة بعضها من بعض، لكن الغرض الأساسيّ هو ضرْب الاقتصاد الأسيويّ والتحكم في سير التجارة العالميّة.
وعلى الصعيد الآخر لم تسكت آسيا ولم تعبأ بقرارات الأمم المتحدة، فزحفتْ هي الأخرى نحو المنطقة وتمركزتْ أيضًاً في بعض الممرّات والمعابر والمضايق الحيوية.
ولم يكن تمركزها هذا وليد اليوم، فهي معدة مسبقًا خطة دفاع إستراتيجي في حال زحْف القوات الأمريكيّة وحلفائها إلى المنطقة العربيّة.
ومنذ بدْء دخول القوات الأجنبيّة تزايد عدد الوافدين إلى مصر من رجال الأعمال العرب ونظرائهم من الغرب.
وفدوا من أجل الحفاظ على دمائهم وأموالهم، تلك الأموال المعرّضة للنهب والسلب على إثر الفوضى العارمة التي سرطنت أنحاء المنطقة العربيّة وبعض الدول الأجنبيّة.
ففي بعض الأراضي الأجنبيّة التي تعرضت للضربات الأخيرة قامت شعوبها بالثورات، فخشي رجال الأعمال الكبار على مصانعهم وأموالهم فوفدوا إلى مصر التي أصبحت دار أمن، يقيمون مصانعهم ويضعون عملاتهم الأجنبيّة في مصارفها.
وشرعوا في بناء المصانع واستصلاح الأراضي وبناء ناطحات السحاب.
ولكي يحققوا ذلك اضطروا لبيع عملاتهم الأجنبيّة ليشتروا العملة المحليّة فضلا عن أنّ مهديّ منع تداول الدولار بين أيدي رجال الأعمال والمستثمرين.
وبدأ الجنيه المصريّ يتعافى شيئًا فشيئًا، وبمرور الوقت بدأ يرتفع، وعلى لسان أحد خبراء الاقتصاد قال: يبدو أنّ الجنيه المصريّ في الفترة القادمة سيصبح بنصف دولار.
ولقد تحوّل ظنّ مهديّ إلى يقين، وشعبه في طريقه للرخاء بعد الأحداث التالية.
 في الحقيقة أنّ الصراع بدأ أول ما بدأ هناك، هناك في تايون منذ نحو سبع سنوات تقريبًا عندما دخلت القوات الأمريكيّة ردًا على الرفض المتكرر من الصين بعدم تعويم اليوان، وكان صراعًا يأخذ محمل الهزل، أمَا وقد تمرّكزتْ الكتلتين في المنطقة العربيّة بات الصراع فيها يأخذ محمل الجد.
وعلى أثره وجّهتْ الصينُ أسلحتها النوويّة إلى مناطق تمركز القوات الأمريكيّة هناك.
والآن بدأ الصراع الغربيّ الأسيويّ في المناطق الإستراتيجيّة في سوريا واليمن وغيرها من المناطق الهامة كالمعابر والمضايق والقنوات فضلاً عن هذا الصراع القديم في تايوان.
وبالنسبة لقناة السويس فخرجتْ من حسابات الكتلتين وذلك بسبب تماسك البني الداخليّة لها تماسكًا متينًا بفضل القائد مهديّ والقوات المسلحة التي ظهرتْ معادنها الثمينة حين تمّ تجميد مرتباتهم لمدة ثلاثة أعوام. وللأسف لم يمنع مهديّ أيّ سفن حربيّة عبر قناة السويس كي لا ينقض الاتفاقات الدوليّة من جهة ومن جهة أخرى لا يجعل دولته عرْضة للهجوم بسبب عدم توفير الدعم اللوجستي لسفنهم الحربيّة.
وانقسمَ العالم آنذاك إلى كتلتين، أمريكا وحلفائها من الغرب ومن جهة أخرى روسيا والصين وحلفائهما.
وتحوّلتْ الجيوش العربيّة من حرّيتها إلى تبعيتها للاستعمار الجديد، وذاقتْ الشعوب مرارة ظلميْن، ظلم الحكام العرب العملاء آنذاك وظلم رقّ الاستعمار.
وطفح على الأراضي العربيّة كثير من المنظمات الإرهابيّة والعصابات، وعاد عصر الفتوات حتى أنّهم باتوا يرتدون اللاسات والجلابيب ويحملون النبابيت.
ودُقّتْ طبول الحرب، ولم تكن بدايتها على أرض العروبة، بل بدأتْ في تايوان كما ذكرت سالفًا، تبادل إطلاق النيران بين الصين وأمريكا من أجل استعادة تايوان.
تبادل الاثنان الأسلحة الكيماويّة والجرثوميّة وأكثر المتضرّرين من هذه الهجمات مدنيي تايوان والصين.
ولأنّ العالم مقبلٌ على حرْبٍ نوويّة في منطقة الشرق الأوسط، ولأنّ وجود أمريكا في تايوان احتلال صارخ، لم تكتفِ الصين باستخدام الأسلحة الكيماويّة والجرثوميّة بل هددت بالنوويّ مباشرة حيث قالتْ على وسائل إعلامها أنّه لا مفرّ من استخدام الرؤوس النوويّة لتحرير تايوان، ثمّ تابعتْ كلامها: أمّا الحرب الدائرة الآن في منطقة الشرق الأوسط فلن تكون الصين البادئة في استخدام الصواريخ النوويّة العابرة للقارات، وإذا استخدمتها أمريكا فلا بديل لنا إلّا ضرْب المنطقة كلّها بترسانة الأسلحة النوويّة التي تمتلكها الصين وحلفاؤها.
وهذا موقف طبعيّ من الصين، ففي المطامع يغلب على القوى الطامعة في التورتة طبْع الانتقادات واستخدام الأسلحة التقليدية والتلويح من بعيد بإطلاق الرؤوس النوويّة، لكن عندما يتعلق الأمر بأخذ قطعة من أرضين أحدهما فليس لدى المحتل إلّا التهديد المباشر باستخدام النوويّ.
وعلى أرض سوريا تبادل إطلاق النيران بين القوات الغربيّة الأمريكيّة المتمركزة في أحد جهاتها وهي منطقة الشمال وبين الروس والمتمركزة في الجنوب هي وحلفائها.
كذلك بدأ الصراع الحربيّ وسقوط آلاف القتلى والجرحى حول المعابر والمضايق التي تؤمّن الدعم اللوجستيّ للنفط والغاز والسفن الحربيّة المحملة.
وقد بدا واضحًَا من خلال المعارك أنّ كفّة الأمريكان وحلفائها أرجح قليلاً.
ونتيجة ذلك، تزايد عدد الوافدين أكثر وأكثر من كلّ أرض إلى مصر هروبًا من الحرب وتداعياتها مما كان له عظيم الأثر في زيادة الاحتياط الأجنبيّ من العملة الأجنبيّة الدولاريّة وغيرها إثر قدومهم بأموالهم وإنفاقها، ونتيجة لذلك لم يتوانَ البنك المركزيّ المصريّ في طبع النقود المحليّة ليل نهار التي تستقرّ في جيوب الأجانب بعد تخلصهم من العملة الأجنبيّة التي لديهم.
والغلاء ارتفع عالميًا بطريقة لم تحدث منذ الحرب العالميّة الثانية 1945، ولقد حققتْ سياسة الرئيس مهديّ ارتفاع الناتج المحليّ بقيمة لم يشهدها الاقتصاد المصريّ من قبل.
كما أنّه جنّب مصر بذكائه وقوّته الخوض أو المشاركة في الحرب العالميّة الثالثة.
وأنشأ حضارة وجد فيها المواطن المصريّ العزة والكرامة والعدل، حضارة من أنفاق الثري إلى قمم الشموس.
وبدأتْ أنفاق المواطنين المصريّين تُردم شيئًا فشيئًا، والخيام الورقيّة والصوفيّة تتحوّل إلى أطلال رغم أنّ القليل من الشعب بكى على هذه الأطلال الورقيّة والصوفيّة، لأنّهم أصلاء وهؤلاء هم أنفس معادن الناس.
وبدأتْ المنازل تُشيّد، وتمّ استيراد الكثير من الملابس الحريريّة والقطنيّة الفاخرة من الخارج التي أقبل عليها المصريون يرتدونها داعيين لفهمان ومهديّ بطول البقاء.




19
            خطوات التجربة الثانية (اكتشاف الغرافيتون)
إبراهيم أمين مؤمن -مصر
اجتمعَ جمْعٌ كبير من الأساتذة يتقدمهم فهمان لخوض تجربة التاريخ.
كلٌّ واحد منهم وقف في مكانه المنوط به.
بدءوا بطاقة ارتطام ضعف طاقة  FCC-1 الكائن بسرن؛ والخوف يعصر أوصالهم، إذ يرجون أن تنجح التجربة لعبور البوابة إلى تجربة التاريخ. والتجربة نجحت بالفعل.
تنفسوا الصعداء، ولما شرعوا في الإعداد لإجراء تلك التجربة نظر بعضهم إلى بعض تدور أعينهم فيما بينهم، يلوذون بعضهم ببعض للنجاة من الموت، إذ إن التجربة ستجرى بطاقة المصادم القصوى ألا وهي خمسمائة تيرا إلكترون فولت التي قد تتسبب في هلاكهم وهلاك الكون كله إذا ما تضخم الثقب وبات نسخة عن جهنم الآخرة.
وداهمتهم هواجس شتى، من بينها خوفهم من أن يلتهمهم الثقب ويرمي بهم في بوابة بُعدية قد تكون النملة فيها بحجم الفيل.
وبعد أن دكتهم تلك الهواجس أماتت في قلوبهم طموحاتهم وأحلامهم فذهبت مع الريح خاطرة جائزة نوبل في الفيزياء، وكذلك خاطرة صنْع سلاح يكون له كلمة الحسم في الحرب المحتملة بين الكتلتين، حتى خاطرة القنبلة التي أثارها فهمان في رسالة الماجستير بجنيف ذهبتْ أيضا مع الريح، لم يتبقَ لديهم إلّا خاطرة الكينونة، نكون أو لا نكون.
أمّا فهمان فلا يسيطر على نفسه إلّا أن يحيا العالم في سلام وفضيلة، أمّا خاطرة الكينونة فلم تدب أقدامها على مسرح قلبه لأنّه متأكد أنّ الثقوب المتولّدة نتيجة الاصطدام ستتلاشى بمجرد تكوينها.
تمّ دفع البروتونات إلى داخل المصادم وحدث الارتطام بعد مرورها عبر مكونات المصادم.
 سجلتْ المجسات البيانات، وحدثتْ بعض الاهتزازات عند منطقة التصادم المقصودة، تلك الاهتزازات أشبه بالاهتزازات الرعديّة العنيفة، ممّا تسبّب في هلع المراقبين فبعضهم فرّ هاربًا، ومنهم الذي انكفأ على بطنه إذ لم تستطع قدماه أن تحملاه، ومنهم من سقط مغشيًا عليه نتيجة الاختناق.
وتمتْ التجربة بنجاح منقطع النظير، فهلّل مَن هلّل وصاح مَن صاح، وهبَّ واقفًا من سقط منذ ثانية، هبّ مهللاً كالطفل.

إحصاء نتائج التجربة:
عند كاشف SciFi مُتعقّب الألياف الضوئيّة تمّ رصْد أعلى بيانات التجربة بعدها سجّل أطلس بيانات أقل.
إنّ الارتطام تمّ عند مِجس أطلس وكاشف SciFi مُتعقّب الألياف الضوئيّة.
والحقيقة أنّ الاهتزازات صاحبها سحب الهواء مما تسبّب في اختناق وغثيان بعض الباحثين.
ولقد فسّر فهمان أنّ التجربة أسفرت عن ثقبٍ أسود تلاشى بسرعة، وأنّ الثقب كان بداخله جسيمات حاملة لقوى الجاذبيّة وهو الجرافيتون، وهو المسئول عن سحب الهواء الذي تسبب في اختناق وغثيان بعض الباحثين.
ترامتْ البيانات إلى كلِّ أنحاء العالم عبر شبكة الحوسبة الفائقة، وخلال أيام وامتدت بعد ذلك إلى شهور تقدّم مجموعةُ من العلماء بأكثر من مائة ألف ورقة بحثيّة تحلل بيانات الكواشف.
وممّن حلل البيانات العالم اليابانيّ الفذّ ميتشو كاجيتا، وقد اكتشف الغرافيتون من خلال تحليله.

                        رد فعل العالم إزاء اكتشاف الغرافيتون
ميتشو كاجيتا:
في غرفة مغلقة لا تجمع إلّا اثنين من شياطين الأرض وهما ميتشو كاجيتا ورئيس وزراء اليابان.
ثمة عامل مشترك يجمع بين كاجيتا ورئيس وزراء اليابان ألَا وهو التخلص من الولايات المتحدة الأمريكيّة.
فكاجيتا من فرط كُرهه لأمريكا كره الإنسان، وفي المقابل يحبّ وطنه بولعٍ شديد، وسبب كراهيته لأمريكا أنّ نسبه منحدر من عائلة كانت تقطن هيروشيما، ماتت كلّها إثر إلقاء القنبلة الأمريكيّة عليها سنة 1945.
عائلته كانت ذات نسب عريق جدًا تقدّس التقاليد، ومن تقاليدها أنّ الثأر لا يموت ولو مضى عليه عشرات العقود.
وإمعانًا في حبْك التقاليد وإضفاء الشرعيّة عليها اعتنقوا قولا بمثابة عقيدة راسخة وهو: إنّ الأحفاد كما يرثون الأجداد في أموالهم وحضاراتهم يرثون كذلك إجرامهم.
أمّا رئيس وزراء اليابان فقد كان يكره أمريكا أيضًا والسبب أن عراقة حضارتها وكبريائها صرعت كبرياءه المتوغل في روحه. فهو الآخر ينحدر من أصل كبار الأباطرة اليابانيين الذين زالت إمبراطوريتهم وذابت على أعتاب الولايات المتحدة الأمريكية في ماضيها وحاضرها.
قال كاجيتا له: «إنّ الغرافيتون قد يستطيع اختراع قنبلة جديدة أشبه بالثقب الأسود.» 
صُعق الرئيس من هول الكلمة ونظر في وجهه مذهولا ولم ينبس بكلمة.
تابع كلامه: «إن ما منعني من اختراع هذه القنبلة إلّا عدم تمكّني من رصد الغرافيتون، أمّا الآن وبفضل مصادم الوادي الجديد فيمكن رصده والإمساك به وصنْع قنابل الثقب السوداء.»
وأكّد له كاجيتا أنّ مصادم الوادي الجديد أنتج ثقوباً سوداء أطلقت فوتونات ضوئيّة وجرافيتونات الجاذبيّة وقد أدّوا عملهما وهو حالة الاختناق وسحب الهواء.
قال الرئيس: «علام تنتظر؟ يجب أن تكون هناك في غضون أيام.»   
سكت هنيهة وعيناه تنظران في زاوية أحد الجدران العلوية ثم قال: «أيّ قنابل ملعونة هذه يا ملعون اليابان.»
أجابه: «القنبلة الذريّة تعتمد على الانشطار، والهيدروجينيّة تعتمد على الاندماج، لكن قنابل الثقوب السوداء لها شأن آخر؛ فهي تجذب ماحولها من مادة آخذة إيّاها إلى المجهول. نضعها أمام جيوش أمريكا لعام 1945 التي دمّرت اليابان "يقصد الجيوش الحالية " فتجذبهم وتنهيهم.»  مسح كاجيتا يده اليسرى باليمنى إشارة إلى تنظيف يده من قاذرواتها وهو يستطرد: «وأنّه حان الآن تنظيفها بعد إلقاء أمريكا في المجاري.»
 ثمّ نظرَ إلى خريطة العالم وأشار إلى موقع الولايات المتحدة الأمريكيّة فيها وردّد قائلا: «وتُطهّر الخرائط الجغرافيّة من الخطيئة بمسح هذه المنطقة المتّسخة منذ اكتشافها.»
ردّ الرئيس: «هذا ما أروم إليه، لكن علينا بتوخي الحذر والعمل في السرِّ حتى نتيقن من نجاح هذه القنابل الملعونة، عندها نقيم سُرادقات العزاء الذي تأخّر قرونًا، ونستعيد إمبراطوريتنا من جديد.»
ثمّ قال بحزم بعد أن زفر زفرة طويلة: «كاجيتا الخزانة كلّها تحت أمرك، اخترْ من خبراء اليابان ما يصلح معك لتلك المهمة، واعملْ على إحضارها هنا، وحاذرْ حاذرْ أن يعلم أحدٌ بهذا الشأن غيرنا،أنتَ وأنا، أنا وأنت.»
ردّ كاجيتا: «هذا ما انتويتُ فعله بالضبط، سأعكف في معملي أدرس خطوات صنعها وإيجاد معادلتها، وهذا الأمر قد يستغرق وقتًا.
وسأعقد مؤتمرا صحفيا في الحال لأقول فيه أنّي سأنزل بالوادي الجديد خلال بضعة أشهر، وسأقول إنّي نزلت من أجل اكتمال النموذج القياسيّ للجسيمات حتى لا يشكُّ أحد فينا.»
وتمّ عقد المؤتمر وقد قال ذلك بالفعل .

فهمان:
وشأن فهمان متباين عن شأن كاجيتا؛ فخطة كاجيتا هو صنْع القنبلة للتدمير والفناء، أمّا فهمان فكلّ خطته من صنْعها هو البناء والبقاء.
خطة كاجيتا إزالة الناس من على خريطة العالم بالحرب، أمّا خطة فهمان فهو بقاء العالم كلّه على خريطتهم بنشر السلام.

جاك:
وفور أن عرف جاك بأمر اكتشاف الجرافيتونات إلّا وتبلّورت لديه فكرة القنبلة التي ذكرها فهمان في رسالة الماجستير بجنيف والتي كادتْ تودي بحياته بعد هجوم وحدة الكيدون عليه.
كلّ خطوات عمل القنبلة تبلّورت في ذهنه وهو صامت، ثمّ همس لنفسه: قنابل الثقوب السوداء تطرق أبواب الكون.
 فانقبض قلبه على الفور.
حاول أن يروّح عن نفسه بعد معرفته بأمر الجرافيتون الذي أجرى الخوف في أوصاله، كما لم يرحمه ذاك الخوف وفتك به أيضًا بسبب خشيته من تحوّل النجم إلى ثقب أسود قبل أن يبتعد عن المجموعة الشمسية.
وفي قصره الكائن في واشنطن توسّط حديقته الغنّاء لينعم بالطبيعة الساحرة محاولة منه للترويح عن نفسه كما قلتُ، فيسمع تغاريد العنادل العذبة، ويشم روائح الياسمين والأزاهير.
لكنّ نفسه المفعمة بالهموم والخوف على العالم لم تفارقه أبدًا، فألقتْ بظلالها فيما حوله، فما وجد في صوت العنادل إلّا أصواتًا تنتحب وتقطر ثغورها دمًا، بينما الأزاهيرُ ما عاد ينبثق الأريج من براعمها.
فتقزّز وشعر بأنّ أنفه امتلأ بالإشعاع النوويّ، وأنّ دويّ القنابل اخترقتْ أذنيه.
أمسك بصحيفة اليوم التي على الطاولة بجانب كرسيّه وفي الصفحة الأولى شاهد صورًا وقرأ مقالات عن مؤتمر لكاجيتا والذي قام بتغطيته عشرات الصحفيين.
كلها تتكلم عن رغبته في اكتمال النموذج القياسي للجسيمات من خلال التجارب التي سيقوم بها بوساطة FCC-2.
شعر جاك أن كاجيتا مخادع وأنّه ما أراد من مصادم الوادي الجديد إلّا ابتكار قنابل الثقوب السوداء، فأراد أن يستوثق من خداع هذا المكير عن طريق مشاهدة ملامح وجهه والتفرس فيها.
بيدين مرتعشتين فتح اللاب توب فشاهد على اليوتيوب المؤتمر الصحفيّ الذي عقده كاجيتا، يسأله فيه خبراء الفيزياء عن سبب نزوله أرض الوادي الجديد فأجابهم بأنّه يأمل بعد اكتشاف الجرافيتون بالطاقة الجديدة أن يكتمل النموذج القياسيّ للجسيمات، وأن ..إلخ.
ظلّ يتكلم عن معضلات وألغاز لم يهتدِ إليها العالم على مرّ تاريخهم ، حتى قال: «واعتقد أنّه حان الوقت لحلّ الكثير من الألغاز الكونيّة التي لم يتوصّل إليها أحدٌ بفضل مصادم فهمان فطين المصريّ.»
وبعد أن تفحص جاك ملامح وجهه وهو يتكلّم تبيّن أنّه يخادع ويراوغ، وأنّه يضمر شرًا مستطيرًا، وجاك يعلم بالضبط ماذا يريد كاجيتا من FCC-2.
ظلّ يغمغم مرتعشًا: كذّاب، كذّاب..... كذاب.
وصرختْ كلُّ جوارحه، وعاش لحظات بين الوعي واللاوعي فرأى الأزاهير تنحني وتتساقط واحدة تلو الأخرى أمام عينيه وكأنّها تعلن عن موتها، والبلابل تخرّ ساقطة بعد أن هوت أزاهيرها.
أفاق وانتبه من الحالة الوسطية التي اعترته، بعدها أمسك باللاب توب ورماه في السماء قائلاً: إذن نهاية العالم على أيدي مصادم  FCC-2، بل على يديك يا فهمان.
وما أن انتهى من قوله أمسك بالهاتف واتصل بفهمان.
قال له جاك: «العالم على حافية الهاوية بسبب مصادمك، قلْ لرئيسك يغلق المصادم.»
 سأله دهشا: «لِمَ ؟»
أجابه: «أغلقْه، ميتشو كاجيتا وفريقه في الطريق إليك من أجل الجرافيتون.»
- «تقصد أنّه أتى وفريقه لصنْع قنابل الثقوب السوداء؟»
- «طبعًا، وإن نجح سيركعُ العالم كلّه لليابان، وخاصة أنّي أعلم عن رئيس وزرائهم أنّه مجنون بداء العظمة، لكنّه يداري ويضمر حتى لا تلجمه أمريكا وتقتل ما بداخله من عفن.»
- «أنتَ تعلم أنّ صنْعها صعب، ومع ذلك سأسعى جاهدا للحيلولة دون ذلك.»
- «وهل لديك بروتوكولا من بروتوكلات المصادم لتمنعه عن ممارسة التجارب؟»
-«لا.»
- «إذن أغلق المصادم بحجة ترميمه أو اجعلْ رئيسك يطرده هو ووفده.»
- «لن أغلقه قبل الوصول إلى إبليس لقتله فتحيا البشريّة بلا حروب.»
- «لن تعبر، العالم سينتهي قبل أن تعبر، العالم الذي تُضحّي من أجله سيضيع بسبب مصادمك يا فهمان.»
- «صديقي، ليس لدي صلاحية لإغلاقه، وليس من صلاحياتي طرده كذلك، لكن سأشرح الأمر للرئيس مهدي.»
- «فهمان، صديقي، لو قامتْ الحربُ بين آسيا وأوروبا بقيادة أمريكية فكلٌّ منهما لن يستخدم النووي إلّا بحذر شديد لأنهما خاسران في حالة تبادل الضرب به، لكن عندما تمتلك دولة قنابل الثقوب السوداء وهو سلاح أشبه ببوق إسرافيل فلن تصدّه قنابل نوويّة ولا قنابل هيدروجينيّة، فهمان لو حصل عليها أحدهما سيعمل على الخلاص من الآخر بها.»
- «صديقي، لن أسعى لإغلاقه قبل العبور، فأنت تعلم ما أريد، وأكرّر لك، أريد طرق بوابة إبليس، أريد قتْل إبليس، أريد الهداية للناس.»
- «وأنا أكرر لك لا جدوى من الوصول إليه، فكلّ الطرق المؤدية إليه محفوفة بالمخاطر.»
ثم قال مستدركا: «صديقي إن نجحتَ في العبور فسيقبضون عليك ويقتلونك.»
سكت هنيهة، وزفر زفرة طويلة ثمّ قال راجيًا: «دعك من هذا الوتر المهتز الذي سيبلغك بُعد الشياطين، دعك منه، لو أدرك كاجيتا قنابل الثقوب السوداء فلن يرحم منا أحدا ولو رضعائنا.»
- «لن أدعه ولو كانت نفسي فداء لذلك، وسأقف حجرة عثرة حتى لا يحقق مخططه الشيطاني.»
- «إذن فأنا أحملك ما سيحدث للعالم من جراء حمقك.»
 وأغلق الهاتف ثم رماه فارتطم بالحائط وهو يزفر غيظا وغضبا.

العالم:
أمّا شأن الدول إزاء اكتشاف الجرافيتونات فهو أمر مؤسف أيضًا.
تهيّأت قوى التحالف لإرسال المزيد من خبرائها وعلمائها فضلاً عن الموجودين أساسًا من قبل إلى FCC-2 بعد ان تأكدوا من وجود الجرافيتون.
ولقد حثّ الرئيس الأمريكيّ الأمم المتحدة بكافة أقسامها بجعْل مصادم الوادي الجديد تحت مراقبة لجنة متخصصة من أفضل العلماء الأمريكيين متذرعا بأنه قد يهلك الكون، ولقد سعى إلى ذلك سعيًا حثيثًا، وغرضه الحقيقي هو إطلاق حريّة الحركة للخبراء الأمريكيين دون غيرهم من الروس وحلفائها بعمل ما يحلو لهم على المصادم.
اكتشاف الجرافيتون فتح آفاقًا جديدة للدول المتوقع خوضها الحرب النوويّة، تلك الآفاق المتمثلة في عمل بحوث حول إمكانيّة تطويعه لصنع سلاح أفتك من الأسلحة النوويّة.
ولقد منّوهم خبراؤهم بأنّ المصادم FCC-2 قد يكون الوسيلة لصنع سلاح دفاعيّ ضد الرءوس النوويّة وبالتالي يعصف بأخطار القنابل الذريّة من قبل المهاجم.
وبدأتْ الدول ترسل دعمها بمليارات الدولارات مما كان له أثر بالغ في تحسين الاقتصاد المصري شيئا فشيئا.

20
            اعرف عمق البحر قبل أن تسبح فيه
                       »من رواية قنابل الثقوب السوداء«
إبراهيم أمين مؤمن-مصر

السنة الثالثة
هذا العام تدفقَ الكثير جدًا من العملة الدولاريّة من المصريين المقيمين في الخارج إلى المصارف المصريّة حتى قيل إنّه لم يعد يملك أيّ مصريّ مالاً في الداخل والخارج إلّا شهادة استثمار المصادم  FCC-2.
تمّ إخلاء المصادم من كلِّ العاملين تقريبًا، ولم يوجد به إلّا خبراء ومهندسو التركيبات وبعض المعاونين من الذين ينقلون لهم قطع غيار التركيبات عبر المصاعد، ومن ثَمّ وضعها في الأماكن المخصصة لها والتي سوف تستقرّ فيها إلى الأبد.
وقد تمّ توفير الدعم اللوجستيّ لقطع الغيار من كافة الدول التي يعمل خبراؤها على تصميم وإنشاء المصادم.
ما زال فهمان يجلس ويحاور المهندسين بشأن تركيبات أجهزة المصادم، وما إن ينتهوا من جهاز يضعونه في المكان المخصص له والنهائي لحين اكتمال كلّ التصاميم ليخرج FCC-2 إلى النور.
بينما فريق كاشف أطلس يعملون فيه ليل نهار.
أمّا ليناك 64 وهو الحلقة الأولى المسئولة عن تسريع البروتونات فقد انتهوا منه توًا.
وعلى بداية هذا العام"ليس يناير وإنّما أول السنة الثالثة لبناء المصادم" تمّ عقْد لقاء سريّ بين يعقوب إسحاق ورامسفيلد لإتمام مشروع الشرق الأوسط، على أن يتولى فترة رئاسيّة ثانية مقابل إتمام مشروع المنطقة حتى النهاية.
وفي ديسمبر من هذا العام  تولّى جورج رامسفيلد رئاسة الولايات المتحدة الأمريكيّة بعد خوض انتخابات مزوّرة.
وضعوا الخطة وهي الخطوة الثالثة من المخطط الصهيونيّ.
 وهذه بعض الشروحات في ورقة الاتفاق بين رامسفيلد ويعقوب إسحاق.
الخطوة الثالثة تنقسم إلى قسمين..
القسم الأول: هو تفتيت كلّ دولة عربيّة إلى دويلات صغيرة.
القسم الثاني: إثارة الخلافات بين هذه الدويلات المفكّكة فيما بينها على الحكم، ثمّ العمل على تأجيج الحروب الطاحنة بينهم بسبب ترسيم الحدود وحصص المياه الدوليّة، وبالتالي تتنازع الدول العربيّة كلّها فيما بينها وتتحوّل المنطقة كلّها إلى دمار.
وهذان القسمان هما التمهيد لدخول أمريكا وحلفائها إلى المنطقة العربيّة.
من التحديّات التي يجب على يعقوب ورامسفيلد إنجازها وهي من القسم الأول ..  العمل على إثارة الأكراد على الحكّام وتبنيهم عقيدة الانفصال عن الدولة، وإثارة الشيعة على السنة في الدولة الواحدة، وإثارة بعض التيارات الإسلاميّة التي تنفصل أيضًا عن الدولة، والدعوة إلى حقِّ النصارى لإقامة دولة خاصة بهم داخل دولتهم الأمّ للخروج من الاضطهاد والحفاظ على أمنها وهويّتها ودينها، وبصفة عامة مراعاة حق الأقليات على مستوى العالم في تقرير مصائرهم .
كلُّ هذا يجب أن يحدث ثمّ يقرّه رامسفيلد ليظفر العالم بحالة من الأمن والاستقلال.
ثمّ يأتي دور التحديّات الخارجيّة وهي القسم الثاني ..
منها العمل على تأجيج الخلافات القديمة، والتي كانت تظهر بوادرها أحيانًا وتختفي مرّة أخرى على مرِّ تاريخها ألَا وهى النزاعات الإقليميّة، سوف تتأجج اليوم بفعل الوقود اليهوديّ الأمريكيّ الذي سوف تلقيه على نيران الفقر والحاجة لدى هذه الشعوب فتشتعل مطلقة أبواق الحروب، مستغلة في ذلك نقص مصادر المياه وقلة النفط في المنطقة.
وبالتالي سيعملون على تفشّي الحروب بين دول المصبّ والمنبع فيما بينهم.
كذلك من التحديّات لهذا القسم إثارة العراق على إيران والعكس، والجزائر والمغرب، وسوريا على تركيا والعكس، وكذلك السودان على مصر والعكس،  و... الخ .
السنة الرابعة والأخيرة
نصب المجسات
وهي المسئولة عن رصد الجسيمات التي تنتج نتيجة ارتطام البروتونات.
-تمّ وضع الكواشف في مكانها وهي بالضبط  ..
-كاشف أطلس ATLAS .
-وكذلك ال CMS  كاشف الميون اللولبي المدمج.
-وكاشف أليس  ALIC.
-وكاشف LHCB W ويطلق عليه "الجمال beauty".
-كاشف مُتعقّب الألياف الضوئيّة اختصارًا SciFi، يجمع مائة ألف كيلومتر من الألياف الضوئيّة ويبلغ قطر كلّ منها 0.20 ملليمتر وبزيادة عدد الألياف عمّا كان عليه في سيرن تزداد درجة كشفه لنتائج الارتطام .
كلّ هذه الكواشف ترصد البيانات الناتجة من ارتطام حزمتي البروتونات.
-تمّ نصب المغانط: وهي تقوم بتسريع البروتونات التي تسير في الأنبوبين.
-تمّ نصب الأنبوبين فائقي التخلية وفيهما تتسارع حزم البروتونات لحين التصادم.
-شبكة الحوسبة: وهي المسئولة عن إحصاء نتائج التجارب التي رصدتها المجسات.
-جهاز الليزر الفائق: هذا الجهاز لم يدخل في تكلفة المصادم ولم يصممه خبراء المصادم بل هدية أرسلتها الصين إلى مصر رغبة منهم في التعاون المصريّ الصينيّ في مجال التكنولوجيا.
-التكلفة: لقد بلغ تكلفة إنشائه مائتي وتسعون مليارًا من الدولارات، تشمل مرتبات الخبراء والعمال.   
وأصبح من الواضح أنّ الشعب المصريّ على حافة الهلاك بسبب مجاعة قد تضرب البلاد خلال بضعة أشهر.
فمعظمهم الآن ينامون على الأرصفة عرايا بعد بيع خيامهم وجحورهم وملابسهم المرقعة .
ينامون على الأرصفة ويسيرون في الطرقات بالفانلة والشورت المرقعين .
خلال الأربع سنوات الماضية تمّ إنشاء مصادم فهمان، مصادم الهادرونات المستقبلي FCC-2.
وهذه فترة قليلة جدًا لبناء مصادم بهذا الحجم بسبب توفر إيجابيات ساعدت على إنجازه بهذه السرعة.
منها حبّ الشعب لمهديّ، وتطور الآلات في هذا الزمن، وتسارع الخبراء من كافة أنحاء العالم للمشاركة في بنائه رغبة من كبار ساساتهم أن يكون لهم دور فعّال فيما بعد في حسم الحرب المحتملة عن طريق اكتشاف سلاح جديد من هذا الصرح العلميّ، وكانوا يأملون منهم صناعة سلاح يفتك بالأسلحة النوويّة.
أمّا أقوى عامل على الإطلاق هو رباط الجيش المصريّ بجانب المصادم.
لقد كان دور الجيش المصري دورًا ثلاثيًا، ففضلاً عن الإسهام الذي فرضه مهديّ عليهم فقد كان الدرع الحصين بمخابراته ضد أيّ فوضى قد تحدث خلال عمليات الحفر والبناء وتصميم الأجهزة.
و كانوا يعملون ويحملون على أكتافهم الثرى ويصطفون أفواجًا ويسيرون سير العسكريين، كانوا خدمًا للفنيين من مصممي المصادم لكن الواحد منهم يحمل عزة وشرفًا ليس لهما نظير.
وقد كان مهديّ يتابع أعمالهم في موقعهم عن طريق عمل زيارات على فترات متباينة ليشدّ من أزرهم ويبثّ فيهم روح العزيمة والإصرار، كذلك كان يتابعهم عبر كاميرات المراقبة التي تصوّر الموقع كلّه.
وقد كان كثيرًا يطأطئ رأسه تعبيرًا عن الرضا حتى كاد أن يقول لهم إنّي راضٍ عنكم فهل أنتم راضون عنّي.
وكان يشعر في نفسه أنّه أبوهم وأخوهم حتى عندما يُجرح أحدهم كانت مشاعره النبيلة هي التي تضمد جراحهم.
الافتتاح الكبير للمصادم FCC-2
في مشهد عظيم حضره الرئيس مهديّ وصحب معه أعضاء المجلس العسكريّ وبعض رؤساء العرب الذين نجت بلادهم من الفوضى، كما أنّهم نجوا أيضًا من كمين الصراعات الإقليميّة وحصص المياه، شأنهم في ذلك شأن مهديّ.
كما حضر وزراء وسفراء ودبلوماسيّون من قارتي آسيا وأوروبا.
وفضلاً عن الخبراء الذين شيدوا المصادم تحت قيادة الفذّ فهمان فطين المصريّ، فقد حضر خبراء آخرون أكثر عددًا، وبذلك تجاوز عددهم عشرة آلاف فرد.
هذا الجمع السياسيّ والعلميّ حضر للافتتاح والذي ستتمّ فيه أول تجربة على أعظم مختبر علميّ شُيد في التاريخ.
وعلى شاشات التلفاز يشاهد الاحتفال معظم رؤساء الدول الأوربيّة والأسيويّة الذين أرسلوا خيرة خبرائهم لعلّهم يساعدونهم في حربهم المحتملة على أرض العروبة.
يتعشّم أكثرهم أن يأتوهم بتقنية طائرة مقاتلة محجوبة عن الرؤيا، أو ابتكار شيء يسير بسرعة الضوء كالانتقال الفوريّ البعيد.
وعلى طول مائة وعشرين كيلومتر احتشدتْ الجماهير المصريّة من جميع أنحاء الجمهوريّة، خرجوا من الأكواخ والخيام والكهوف والمنازل التي يقطنونها إلى الحضارة التي كادتْ تلامس السماء والممتدة من أنفاق تحت الأرض حيث يوجد المصادم  FCC-2. 
تظهر معظم الأطفال في صحبة أمهاتهم وآبائهم، تستخرج الأمهات رغيف الخبز ويقطّعنه أرباعًا، وأمهات أخريات يقطّعنه أخماسًا وأعشارًا ثمّ يناولنه في أيادي أطفالهنّ.
وملابس الرجال والأطفال والشيوخ لا تكاد تستر أجسادهم وخاصة الرجال والشباب، أمّا الأطفال فكان آباؤهم وأمهاتهم يقطعون من ملابسهم ليوصلوها في ملابس أطفالهم على هيئة رقع.
وتظهر فئة لا تكاد تُرى بالعين المجرّدة، هيئاتهم حسنة، يستقلّون سياراتهم التي لا يُسمع أصواتُ هديرها بسبب دبيب أقدام أصحاب الكهوف.
شرعوا كلّهم للاحتفال، فكانوا يصفّقون بأيديهم ويصفّرون بشفاههم ويقرعون الأرض بنعالهم.
من بعيد يشاهد الساسة والخبراء التمثال الرابض فوق النفق، ترفرف أجنحته لا تكلّ ولا تملّ، إنّه تمثال فطين المصريّ الذي لولاه ما بُني هذا المصادم.
ويحدّق فهمان الواقف بمقدمة لفيف الخبراء والفيزيائيين إلى أبيه المنتصب فوق المصادم وهو يتمسّح بخطابه باكيًا، يقول: صدقت أبتِ ها أنا بجانب رئيس بلدي يحوطني برعايته.
والآن، الآن، حانتْ لحظة التقدّم، يتّجه مهديّ والسياسيّون إلى البوابة الرئيسة للمصادم لافتتاح المختبر.
يتبعهم فهمان ومن معه من الخبراء.
الآن.. الآن..
حانتْ لحظة الافتتاح ، فُتحت البوابة الرئيسة، فتقدّم وزير الدفاع ليفسح الطريق للرئيس مهديّ ووزراء وسفراء ودبلوماسي البلاد الغربيّة والعربيّة، بيد أنّ الرئيس مهديّ نظر إليه بازدراء وأدار سبابته نصف دائرة في الهواء مفتوحة باتجاه الأرض وقال: »غبن، غبن يا سيادة الوزير. «
ثم قال مستدركا: »ألمْ تنحدر مصر بسبب هذا على طول القرون الماضية؟! ألم نقبعْ في دهاليز التخلف ونغرقْ في بحار لجيّة بسبب هذا يا سيادة الوزير؟!«
لم يفهمْ الوزير ما يروم إليه الرئيس مهديّ فسأله دهشًا:
»ما أغضبك سيادة الرئيس؟« 
فردّ مهديّ متأثرًا: »أتريد أن نهوى بعد أن اعتلينا السحاب، أغضبني نسْب الفضل إلى غير أهله، أغضبني تقدّم مَن وجب عليه أن يتأخر، وتأخّر مَن وجب عليه أن يتقدّم. «
 ثمّ أومأ بيده إلى فهمان وقال: »هذا الشبل.«
 ثمّ أومأ بها عاليًا نحو التمثال فقال: »من ذاك الأسد.«
ثمّ نظر إلى فهمان وقال: »تقدم يا ولدي ونحن خلفك، حُقّ لك أن تتقدّمَ بعد أبيك الشهيد. «
فترك فهمان موقعه من بين الأساتذة ويُبكيه خطاب أبيه الذي ألصقه على صدره، وتقدّم ليفتح باب العلم والحضارة، ليفتح المصادم.
وتقدّم من بعده الرئيس مهديّ وبقيّة الجمْع.
وتمّ الافتتاح وتأهبّوا لعمل تجربته.
من الخارج التفّ بعضُ الأساتذة حول المسرع ليناك 64 لوضْع دفقات البروتونات للعمل على الطاقة المنخفضة له حتى يطمئنوا عليه.
اعرف عمق البحر قبل أن تسبح فيه
تجربة الافتتاح
إنّ الهدف الآن هو فحص تركيبات FCC-2 وقدرتها على أداء عملها على أكمل وجه.
ليناك 64 والكواشف وشبكة الحوسبة وبقيّة أجزاء المصادم.
وهي تجربة فحص، ولذلك سيكون العمل عليه الآن بأقلّ طاقة ممكنة.
العالم كلّه الآن ينتظر أوّل تجربة له لتصلهم عبر شبكة حوسبة ممتدة لمعظم دول العالم، هم بالأساس لا يعتنون بالتجربة الأولى لعدم جدواها في تقديم جديد في الفيزياء، كما لا يعتنون بعمل ارتطامات ذات طاقة أقل من مائة تيرا إلكترون فولت والتي حققها مصادم سيرن FCC-1، ولكنّ أنظارهم تتطلع لإحصاء النتائج عندما يعمل بطاقة أعلى من هذه القيمة.
يتم دفع دفقات البروتونات أولاً من خلال ليناك 64 تستقبلها بعد ذلك مغانط عملاقة ذات حقول مغناطيسية هائلة  قدرتها ستون تسلا.
بعد عدة خطوات تدخل الدفقات إلى داخل FCC-2 على هيئة قسمين، واحد في اتجاه عقارب الساعة والآخر عكسها، تتسارعا حتى تصلا إلى سرعة تقارب سرعة الضوء، ثمّ يحدث التصادم عند كواشفه.
تتحطم حزمتا البروتونات إلى جسيمات أصغر أثناء التصادم ويستطيع الكاشف رصد بعضها  قبل أن تعاود تجميع نفسها من جديد، ثمّ ترسل البيانات إلى شبكة من الأنظمة الحاسوبيّة.
البروتونات التي لم تتصادم تظلّ سائرة حتى تصل إلى القسم المخصص بإخماد الحزم.
ومن بعد هذه التجربة تبيّن أنّ كل مكوناته تعمل بكفاءة عالية.
اِطمئنّ فهمان والرئيس مهديّ على حالة المصادم وتناقلتْ وكالة الأنباء العالميّة خبره بعد ذلك، وتناول الصحفيون الحديث مع فهمان والأساتذة الذين عاينوا التجربة، ودارتْ عدة حوارات تدور حول المصادم وماذا يمكن أن يقدّم من جديد، وكان من بين الأسئلة التي سُئلت لفهمان: »دكتور فهمان، هل تظنّ أنّ المصادم قد يفكُّ ألغاز نظريّة الأوتار الفائقة الخاصة بالأبعاد الكونيّة؟«
فردّ فهمان: »نظريّة الأوتار الفائقة منذ أن تمّ الكشف عنها والعلماء يحاولون إثباتها ولكنهم يفشلون في كل مرّة، لعلّ سبب فشلهم هو عدم توفر مصادم يعمل  بطاقة كبيرة لينتج أصدقاء جددًا من الجسيمات. وكانوا يأملون الكشف عن جسيم الجرافيتون الافتراضيّ المسئول عن نقل الثقالة بيد أنّه كما قلتُ بأن قدرة المصادمات ضعيفة ولم تسعفهم لتحقيق آمالهم. أنا متأكد أنّ عبور الأبعاد التي أخبرتنا بها نظرية الأوتار تكمن في هذا الغرافيتون، وسأكتشفه إن شاء الله، سأكتشفه من أجل أن أحمي هذا العالم من الفناء.«
وانفضّ الاحتفال، الاحتفال بأعظم تكنولوجيا على أرض مصر.

21
أدب / دكتوراه في الخيال العلمي
« في: 03:39 29/01/2022  »
                          دكتوراه في الخيال العلمي
                                                       مقطع من رواية قنابل الثقوب السوداء
  مصر، إبراهيم أمين مؤمن
وعلى مشارف نهاية العام الأول لبناء المصادم لم يخض مهديّ الانتخابات الرئاسية، إذ تمّ له التجديد  فورًا، وكان الرأي العام المصريّ يدعو إلى خوض الانتخابات وخاصة فلول النظام القديم، فضلاً عن الذين يضربون في الخفاء وتحت الأحزمة، لكن خروج الشعب عن بكرة أبيهم ليدعوا له لفترة ثانية قد ألجم ألسنتهم وأزاغ أبصارهم وزلزل أقدامهم.
السنة الثانية
*استغرق عمل التشطيبات اللازمة عامًا كاملا، كما تمّ بناء مبانٍ فوق النفق مباشرة وقد تمّ تشطيبها أيضًا، تلك المباني الغرض منها فيما بعد تلقي البيانات القادمة من تجارب المصادم لإحصائها.
وتمّ الانتهاء من كلّ المصاعد الكهربائيّة، تلك التي تساعد الخبراء في التنقل عبر كلّ غرف المصادم ومساحاته المختلفة، كما أنّها تساعد على نقل مكونات المصادم إلى الأماكن المناسبة والتي سوف توضع فيها أجهزته، وبمجرد وصولها إلى الأماكن المناسبة يعكفون الخبراء على دراستها وكيفية تركيبها.
وما زال الخبراء خارج المصادم يعملون على تصميم المسارع الخطيّ ليناك 64 وقد قطعوا فيه شوطًا كبيرًا.
بينما آخرون يعملون على تكوين أكبر المجسات على الإطلاق وهو مجس أطلس،  كان يشير فهمان للخبير فتوضع القطعة في المكان المشار إليه.
انسلبَ فهمان أثناء مشاهدة تشطيبات أعمال البناء ل FCC-2 وتركَ الإنشاءات الفنيّة والهندسيّة وذهبَ إلى حجرته المخصصة له ليشاهد مناقشة رسالة الدكتوراه لصديقه العزيز.
                                            ***
فتحَ التلفاز.
تقديم الرسالة: آخر السنة من هذا العام "ليس المراد شهر ديسمبر".
قال الإعلاميّ: بعد لحظات يحين موعد مناقشة رسالة الدكتوراه التي وضعتْ تصورًا لشراع ضوئيّ يستطيع السفر بعشْر سرعة الضوء، وهذا الشراع الآن موضع مناقشة وفحص.
كما أنّها تحتوي على جهاز شامل لكلّ سُبل دعم الحياة أثناء الرحلة طويلة الأمد إلى الفضاء السحيق، وهو أيضًا محل مناقشة وفحص.
هذه الرسالة التي ناقشها خبراء ناسا معه منذ عام ولم يقتنعوا بمحتواها إذ اعتبروها من الخيال العلميّ، مما يترتب عليه عدم دعم ناسا للمشروع.
المناقشة
وبدأت المناقشة بعرضه التقديمي، عرض فيه كل مقترحاته بشأن قاعدة الإطلاق القمرية والشراع والجهاز الشامل.
وانتهى العرض، وانصرفت اللجنة بعدها مباشرة وهي في قمة الضيق والتبرّم.
ولمّا ولجوا بابَ الحجرة سقط كلّ منهما في مكانه يستبقي نفسه وكأنّما كان على أكتافه أثقال طرحها منذ ثوانٍ، ومنهم من أطلق ضيقه زفرات في الهواء، يلوذ بعضهم ببعض لإيجاد مخرج من هذه الكارثة.
فالجامعة كلّها مكتظّة بالناس من أجل تهنئته، والقيادات السياسيّة الأمريكيّة والإسرائيليّة ينتظرون حصوله على الدكتوراه ليفتخروا به أمام العالم.
قال أحدهم: «ما هذا الشراع الذي يتكلّم عنه؟ أيريد أن يُدفع من غير وقود؟ إنّه مجنون.»
ردّ عليه آخر: «يقول إنّ حزم المحطات الليزريّة العملاقة ستدفعه عن طريق استخدام الطاقة الكهربائيّة المتولدة من المحطات الشمسية نهارًا ومفاعلي الاندماج والانشطار النوويّ ليلاً، يبدو أن جاك جُنّ.»
قال واحد منهم: «والجهاز الشامل الذي يدعم الحياة هذا له شأن آخر.»
ثمّ أمسك رأسه بكلتا يديه قائلاً: «رأسي سينفجر.»
قال أفضلهم رأيا: «أنا لدي اقتراح يخرجنا من هذا المأزق.»
حدّقوا به جميعًا وقالوا: «ائتنا به أرجوك.»
قال: «نمنحه دكتوراه في "فيزياء الخيال العلميّ"، وبذلك نتحاشى الصدام مع القيادات السياسية الأمريكيّة، ونتحاشى أيضًا السبّ واللعنات من الشعب الأمريكيّ، ولن يكتب عنّا التاريخ أنّنا غيّرنا ضمائرنا لأنّنا منحناه الدكتوراه في خيال وليس واقع.»
أجمعوا أمرهم على ذلك، وبمجرد خروجهم للمناقشة أعلنوا على الفور منحه الدكتوراه في الخيال العلميّ.
أسكتت الدهشةُ كلَّ الجمْع المتابعين للرسالة فالتصقتْ ألسنتهم في سقوف حلوقهم للحظات، إذ كانوا ينتظرون مناقشة حادة لساعات طوال، حتى أولئك الذين يتابعون عبر الشاشات صمتوا محدّقين بها.
وتخطّفتْ قلوب اللجنة عندما شاهدوا هذا التحديق بهم مع الصمت الرهيب.
وفجأة. هبّوا جميعًا فرحين مهللين شاكرين اللجنة.
صرخ جاك بعد إعلان خبر منحه الدكتوراه بهذا الأسلوب، صرخ قائلاً: «أنا لم أقدّم لهذا العالم خزعبلات أيّها المجانين، أنا لا أهذي، أنا لست مجنونًا. أيّها البلهاء، النجم سيتحوّل، وشراعي سينجح، جنبوا العالم الفناء أيّها الحمقى.»
والناس يتابعون انفعالات جاك وصراخه عبر الشاشات حتى تساقط الدمع من محاجر عيونهم ليعلن هذا الدمع أنّ جاك هو الصادق، وهو الإنسان.
لقد شاهده فهمان وهو يصرخ فقال : لم يعرف أحد أنّك على حقّ إلّا أنا يا صديقي، وأسأل الله أن يلطف بك.
أمّا رئيس ناسا فلم يتمالك دموعه وقال مرتعدًا: كم أخشى عليك يا ولديّ من لؤم هذا العالم، وأسأل الله أن يلطف بك.


22

             تأملات في الثورات العربية والأجنبية
                      مقال بتاريخ 1-10-2017

ديكتاتورية الثوار:
 إن الثورة تمرّد بشري غوغائي على الرؤساء والملوك, تمرّد البروليتاريا على الأرستقراطية, تمرّد ثوري من أجل التحول إلى وضعٍ أفضل, فإذا نجح تمردهم أقاموا دولتهم  ومرروا  دستوراً جديداً يقضي بالاستيلاء على أموال النبلاء وأصحاب الأراضي وتوزيعها عليهم تحت مظلة العدل والمساواة كما حدث في الثورة  البلشفية, علاوة على تبرّأ الثورة من ديون الدولة الخارجية.
أنظر إلى الفاشية فرغم أنه مذهب استعماري توسعي وغطرسة وطنية, فإنها بلا شك مذهب أفضل لمواطنيه إذ إنه يحافظ على الملكية الفردية تحت نظر دولتهم علاوة على توجيههم.
والحل في القول المأثور"من أين لك هذا " فهو الحل الجذري لمسألة النظام الإقطاعي الحديث, هو العدل الذي يجب أن تتبناه كل الأنظمة, والثورة التي يجب أن تطالب بها الطبقات الكادحة.
ذلك لأنها تحافظ على ملكيتهم الفردية من المصادر المشروعة والتحفظ على الأموال غير المشروعة, وهذا يؤدي بدوره إلى إحداث توازن اجتماعي سليم.
كلمة تضمن للشرائح الاجتماعية كلها التعايش في سلم جنباً إلى جنبٍ لأنها تُحدث تقارب اقتصادي بينهما إلىَ حدٍّ ما.
لكن النفس الثورية التي تطالب بالمساواة نفس طامعة غير راضية ,وإني أؤمن أن النفس الثورية ما تثور من أجل الاستبدادية الثلاثية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية  فحسب, بل أؤمن أيضاً أنها هي التي تثور أيضاً من أجل السيادة والزعامة أيضاً.
وليس أدل على كلامي من الثورة الفرنسية (1799-1789 ) التي ما استتب الأمر لديها بعد معارك دموية وتصفية الثوار بعضهم بعضا على نصل مقصلة غالوتين إلا سار ما تبقى منهم بعد ذلك إلى التوسع الاستعماري.
فها  نابليون أسس الإمبراطورية الفرنسية الأولى معلناً نفسه إمبراطوراً عليها ليستمر في حروبه ويجعل أوروبا كيانات خاضعة له, ولم تنج مصر من حملته التوسعية سنة (1798-1801م).
ومنطقي أنا أن الثوار هم الثوار إما لدفع مضرة أو جلب منفعة فهم عندي "الثائرون دائماً", فهذه هي تركيبتهم الجينية .
وبالنظر والتأمل إلى  الثورات الشعبية العربية منها والأجنبية نجد أنها ما أطاحتْ بنظم الحكم إلا وتقاتلتْ بسبب اختلافات أيديولوجياتها التي تتبنى دائماً حيازة السيادة والحكم وفرض المذهب على الآخر .

انطلاق الفوضى مع الثورة:
إن أسباب الثورة دائماً تكون مرتكزة في رحم الفقراء والطبقة الكادحة المسماة اصطلاحاً بالبروليتاريا وقليل من الطبقة البرجوازية, ولكنها لا تولد وتنمو وتتضخم إلا بوقوع حدث مؤثر من أفراد الطبقة المؤطرة الكادحة.
والمتدبر في شؤون الثورات العربية والعالمية يلحظ ذلك, فنجد مثلا في ثورة الياسمين التي اندلعتْ  أحداثها في 17 ديسمبر 2010 تضامنًا مع الشاب محمد البوعزيزي الذي قام بإضرام النار في جسده في نفس اليوم تعبيرًا عن غضبه على بطالته ومصادرة العربة التي يبيع عليها من قبل الشرطية فادية حمدي.
وإذا عدنا إلى الوراء حيث الثورة الفرنسية  نجد أنّ اقتحام سجن الباستيل في الرابعة عشر من يوليو لسنة 1789, وقتْل مأموره وتحرير سجنائه كان يمثل نقطة انطلاق قوية لإحداث تغيير راديكالي كامل من خلال ثورة عارمة لاحقة.

في النموذج الإيراني  نجد أن انتهاج الدولة آنذاك لسياسة التأوْرُب المتوسع جثم على  صدور الشعب مما أحدث صراخاً مفاده اندلاع الثورة الإيرانية سنة 1979  لتقويض  نظام الشاه  برمته.
إن الثوار لغتهم الصراخ والفوضوية, هذا الصراخ المتولد من الضغط الفسيولوجي واستبدادية حكامهم, والصراخ يجرجر إلينا مطالب عشوائية غير مدروسة, وهذا طبيعي لأنها تأتي فجأة وتنطلق كالبرق بينما يقف النظام مشدوهاً ولا يجد سبيلاً لتكميم الأفواه أو الحد من نبرتها إلا الأساليب القمعية.
وللأسف فإن مثل هذه الهبّات الفجائية صيرورتها الفوضوية لأنها تنطلق من رحم مطالب طوباوية والتي يستحيل فيها النظام تلبية تلك المطالب, علاوة على مسارها الفاشل بسبب عدم وجود رؤوس لها.

أقوال بعض المفكرين في شأن الثورات.
نجد نيتشة: ظهر خلال فترة الثورة الفرنسية وما بعدها، ويري أن الثورة هي انفجارات شبه بربرية خارجة عن السيطرة وانفعالات جماهيرية مدمرة.
و أيضا كل من برودون وكروبوتكين يتبنيان مذهب فوضوية الثورات.
وإني أنصح الثوار بضبط النفس, وتقديم  بروتوكولٍ يُحدد فيه مطالبهم الإصلاحية من النظام نفسه لا من نظام آخر بواسطة رجال يثقون في أمانتهم وقوتهم, ولا بأس بالحركة السلمية, بدلاً من الثورة .
وأنصحهم كذلك أن لا تُحدّق أبصارهم في ثورات البلاد الأخرى فلكل بلد ظروفه, فقد تكون تلك الرياح الواردة من الخارج ريحًا سموماً على بلدهم.


عوامل الهدم والبناء فى الثورة:
 أولاً: تأثير الجيش في الحركات الثورية
تبدأ الثورة بالصراخ المصحوب بمشاعر الغضب والتشدق بمطالب طوباوية عريضة, وهذه مرحلة فاسدة تقوم على مقاييس فاسدة, ووجب على النظام حينها التعامل معها بكل السبل التي تؤدى إلى الحوار السليم حتى تضعف الثورة وتقوى حجة النظام  .
وغالباً تستمر الثورة تلك في مطالبها سواء قوبلت بالوسائل السلمية أو القمعية .
وبالنظر إلى الثورة نجد عوامل تؤثر عليها, فمثلاً وقوف الجيش ضد الثورة يُنذر بشر مستطير وعندها لا أجد مخرجاً إلا بالكف عنها, كذلك أيضاً الكف عن المسيرات الاحتجاجية السلمية, واستبدال هذا كله برفع مطالبهم عن طريق فئة منهم أو عن طريق إعلام معارض للنظام إلى الجيش نفسه.
أمّا لو أقر الجيش الثورة فيجب على النظام نفسه تلبية جميع مطالب الثوار ما دامت منطقية, حتى  ولو كان مطلبهم رحيل النظام, حيث إن الجيش من المفترض أن يكون مؤسسة مستقلة عن الحكم وليس له مصلحة في تقليد حاكم أو عزله.
ولو وقف الجيش على الحياد فلا بأس من امتداد المد الثوري, ويجب أن يستجيب النظام عن طريق القيام بإصلاحات منطقية .
وثورات العالم الأجنبي والعربي خير برهان على ذلك .

فلننظر مثلاً إلى النموذج المصري فهو نموذج مزدوج حيث وقف الجيش مع ثوار 25 يناير 2011 فنجحتْ الثورة, وعندما وقف ضد المسيرات الاحتجاجية والاعتصامات في رابعة والنهضة سنة 2013-2014 باءتْ تلك بالفشل ونجم عنها آلاف الضحايا بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة, علاوة على سفك الدم بعد ذلك الناجم من المسيرات والاحتجاجات في الشوارع.

وفى النموذج السوري: في 25 أبريل 2011،  انضمَّ الجيش لقوات الأمن  للمرة الأولى مع حصار درعا،  والمعضمية في ريف دمشق؛ ألحقها في 3 مايو ببانياس.
كذلك وقف الجيش بجانب بشار الأسد في 3 يونيو  ثم  حاصر  وضرب الثوار في إدلب وحاصر جسر الشغور وتمركز في سهل الغاب وجبل الزاوية, وظل الجيش يساند النظام حتى أسرف النظام في سفك الدماء بطريقة وحشية,فنجم عنه انشقَاق بعض قيادات الجيش
 فزادتْ  الثورة دموية واشتعل الصراع أكثر وأكثر ولاسيما بعد تدخل القوى  العربية والأجنبية بين مؤيد ومعارض مما زاد من عالميتها وكأننا في حرب عالمية ثالثة على بقعة سوريا الشقيق.
تلك الثورة التي خلّفتْ خلال النزاع في سوريا قتلى تجاوز حتى الآن نصف مليون قتيل ومليوني جريح بالإضافة إلى أكثر من  5 مليون لاجئ وأكثر من  6مليون نازح في الداخل.   

أمّا النموذج التونسي 17  ديسمبر2010  فقد وقف الجيش موقف المتفرج المترقب حتى شاهد بنفسه انتصار الثوار التي لم يفلح الرئيس بن على في وأدها, فقد كان موقف الجيش مائعاَ إلى حدٍ كبير, رغم رفضه لأوامر الرئيس بن علي القاضية بمشاركة الجيش في مواجهة الاحتجاجات إلى جانب قوات الأمن، وكان رفض قائد جيش البر رشيد عمار لأوامر بن علي بمثابة نهاية لحكم الأخير للبلاد.

ومن الثورة الروسية 1917: نجد أيضا وقوف الجيش بجانب الثورة البلشفية ,انضمتْ القوات المسلحة للعمال، الجنود الذين تم إرسالهم من قبل الحكومة لقمع أعمال الشغب كثير منهم انضموا إلى المتظاهرين وأطلقوا النار على الشرطة، مع هذا التفكك انهارتْ فاعلية السلطة المدنية.
قدمتْ الحكومة استقالتها إلى القيصر الذي اقترح دكتاتورية عسكرية مؤقتة، ولكن قادة المؤسسة العسكرية الروسية رفضوا هذه الدور.
وعندما وصل القيصر إلى العاصمة، اقترح قادة الجيش ووزرائه المتبقين  تنازل القيصر عن سلطاته وعرشه, وفي اليوم التالي ألقي القبض على القيصر.

ومن الثورة الفرنسية (1799-1789):كان أكثر الجنود من الطبقة البرجوازية والفقراء وكان معظم قادتهم من طبقة النبلاء مما صعّبَ عليهم السيطرة على الجيش, ولم يكن للجيش دور فاعل في الثورة إذْ إنّ الثورة قامتْ بدونهم ولم يجد الملك أي سبيل في استخدام الجيش لمنع سقوط الملكية وقمع الثوار , بل إن الجنود كانوا يتمردون على قادتهم بل هاجموهم, مما تسبب في رحيل أكثر الضباط وترك البلاد, ويتبين من ذلك أن الجيش كان جزءاً من الثورة بحكم غالبية طبقتي البروليتاريا والبرجوازية فيه.

ثانياً: تأثير انقسامات الفئات الثورية وحركة الثورات المضادة
النموذج الفرنسي: من ضمن العوامل الفاعلة في الثورة أيضاً انقسام النخب الثورية بسبب اختلاف الأيدلوجيات وتبنّى مسألة الحكم للأقوى والأكثر عدداً.
وفي مارس من عام 1793 اندلعتْ ثورة للفلاحين في فيندي غربي فرنسا وسرعان ما اتسمتْ بصفة الثورة المضادة ومناصرة الملكية بزعامة الجيش الملكي الكاثوليكي مما حدّ من حركة الثورة الجمهورية.
 عهد الرعب (1794-1794 ) بدأت حملة بقيادة روسبير لإبادة جميع المعارضين لمسار الثورة. واتسمتْ هذه المرحلة بالتطرف الهائل والدموية الفظيعة حيث أُعدم العديد من القيادات 40ألف فرنسي أُعدموا على المقصلة غالبيتهم من الفلاحين والعمال. ومن الذين أُعدموا أيضاً كان مناهضو روسبير في المؤتمر الوطني أمثال قيادات الجيرونديين.

النموذج التونسي: فقد استتبَ الأمر فيها إلى حدٍ ما ولكن الدولة العميقة حتى الآن تعمل جاهدة لاستعادة النظام القديم بثورة مضادة.
هي عناصر غامضة من الداخل ومدفوعة من الخارج لاستنهاض الثورة المضادة، لعل من أهمها بعض بارونات الحكم السابق وحزب التجمع الدستوري المنحل وجماعات سياسية يمينية ويسارية متطرفة.
ولعل المفارقة أن يستغل قادة الثورة المضادة جهل الشعب وضعف الوعي الثقافي لديه, ولا تزال هناك أجهزة إعلام رسمية وخاصة مملوكة لاتباع الرئيس المخلوع "بن علي"تقوم على حبط الشباب واستعادة النظام القديم.

 ثالثا: وضع الدستور
من الطبيعي أن تكون المرحلة الأخيرة من الثورة , وإنْ واكبها صعوبات أثناء إقراره بسبب اختلاف أيديولوجية الثوار.
ومن المعضلات الرئيسية أن تكون مؤسسات الدولة أساس النظام القديم, ولا أجد حلاً جذرياً لهذه المعضلة إلا عن طريق مناصري الثورة الذين يعملون في تلك المؤسسات واتخاذهم دليلاً في التخلص من الفاسدين  بالعزل دون القتل.
والمعركة لن تنتهي إلى هذا الحد فما زال السوس ينخر في عصب دولة الثوار عن طريق المسئولين المنافقين الذين ما زالوا يتقلدون المناصب الحساسة في جسد الدولة ومن خلفهم الحانقون الذين تم عزلهم من مؤسساتهم لفسادهم, وكذلك الدولة العميقة التي تحاول العمل على تحريض الشعب للقيام بثورة مضادة .
واعلموا أن الدنيا لا تستقر على حال, فجيل الثوار لن ينتهي مطلقاً وما ثار اليوم سيُثار عليه غداً في الأزمنة المتعاقبة.
وأخيراً أقول إن الثورات ما هي إلا أنظمة نشأتْ بعد رحيل أنظمة بادتْ, ديكتاتورية الحكام ذهبتْ لتحل محلها ديكتاتورية البروليتاريا, بروليتارية أمس وحكام اليوم, ثم تأتس برولتيارية أخرى تثور عليهم.
فالثورات هي إمبريالية استعمارية, ولكنها استعمرتْ شعوبها من حكامها.
فحاذروا من الثورات لأنها بحور من الدماء, وتحدّقُ في وجه الفناء.
         
                 
               
   
                                              بقلمي: إبراهيم أمين مؤمن



23
دكتوراه في الخيال العلمي
 مقطع من رواية قنابل الثقوب السوداء
  مصر، إبراهيم أمين مؤمن
وعلى مشارف نهاية العام الأول لبناء المصادم لم يخض مهديّ الانتخابات الرئاسية، إذ تمّ له التجديد  فورًا، وكان الرأي العام المصريّ يدعو إلى خوض الانتخابات وخاصة فلول النظام القديم، فضلاً عن الذين يضربون في الخفاء وتحت الأحزمة، لكن خروج الشعب عن بكرة أبيهم ليدعوا له لفترة ثانية قد ألجم ألسنتهم وأزاغ أبصارهم وزلزل أقدامهم.
السنة الثانية
*استغرق عمل التشطيبات اللازمة عامًا كاملا، كما تمّ بناء مبانٍ فوق النفق مباشرة وقد تمّ تشطيبها أيضًا، تلك المباني الغرض منها فيما بعد تلقي البيانات القادمة من تجارب المصادم لإحصائها.
وتمّ الانتهاء من كلّ المصاعد الكهربائيّة، تلك التي تساعد الخبراء في التنقل عبر كلّ غرف المصادم ومساحاته المختلفة، كما أنّها تساعد على نقل مكونات المصادم إلى الأماكن المناسبة والتي سوف توضع فيها أجهزته، وبمجرد وصولها إلى الأماكن المناسبة يعكفون الخبراء على دراستها وكيفية تركيبها.
وما زال الخبراء خارج المصادم يعملون على تصميم المسارع الخطيّ ليناك 64 وقد قطعوا فيه شوطًا كبيرًا.
بينما آخرون يعملون على تكوين أكبر المجسات على الإطلاق وهو مجس أطلس،  كان يشير فهمان للخبير فتوضع القطعة في المكان المشار إليه.
انسلبَ فهمان أثناء مشاهدة تشطيبات أعمال البناء ل FCC-2 وتركَ الإنشاءات الفنيّة والهندسيّة وذهبَ إلى حجرته المخصصة له ليشاهد مناقشة رسالة الدكتوراه لصديقه العزيز.
                                            ***
فتحَ التلفاز.
تقديم الرسالة: آخر السنة من هذا العام "ليس المراد شهر ديسمبر".
قال الإعلاميّ: بعد لحظات يحين موعد مناقشة رسالة الدكتوراه التي وضعتْ تصورًا لشراع ضوئيّ يستطيع السفر بعشْر سرعة الضوء، وهذا الشراع الآن موضع مناقشة وفحص.
كما أنّها تحتوي على جهاز شامل لكلّ سُبل دعم الحياة أثناء الرحلة طويلة الأمد إلى الفضاء السحيق، وهو أيضًا محل مناقشة وفحص.
هذه الرسالة التي ناقشها خبراء ناسا معه منذ عام ولم يقتنعوا بمحتواها إذ اعتبروها من الخيال العلميّ، مما يترتب عليه عدم دعم ناسا للمشروع.
المناقشة
وبدأت المناقشة بعرضه التقديمي، عرض فيه كل مقترحاته بشأن قاعدة الإطلاق القمرية والشراع والجهاز الشامل.
وانتهى العرض، وانصرفت اللجنة بعدها مباشرة وهي في قمة الضيق والتبرّم.
ولمّا ولجوا بابَ الحجرة سقط كلّ منهما في مكانه يستبقي نفسه وكأنّما كان على أكتافه أثقال طرحها منذ ثوانٍ، ومنهم من أطلق ضيقه زفرات في الهواء، يلوذ بعضهم ببعض لإيجاد مخرج من هذه الكارثة.
فالجامعة كلّها مكتظّة بالناس من أجل تهنئته، والقيادات السياسيّة الأمريكيّة والإسرائيليّة ينتظرون حصوله على الدكتوراه ليفتخروا به أمام العالم.
قال أحدهم: «ما هذا الشراع الذي يتكلّم عنه؟ أيريد أن يُدفع من غير وقود؟ إنّه مجنون.»
ردّ عليه آخر: «يقول إنّ حزم المحطات الليزريّة العملاقة ستدفعه عن طريق استخدام الطاقة الكهربائيّة المتولدة من المحطات الشمسية نهارًا ومفاعلي الاندماج والانشطار النوويّ ليلاً، يبدو أن جاك جُنّ.»
قال واحد منهم: «والجهاز الشامل الذي يدعم الحياة هذا له شأن آخر.»
ثمّ أمسك رأسه بكلتا يديه قائلاً: «رأسي سينفجر.»
قال أفضلهم رأيا: «أنا لدي اقتراح يخرجنا من هذا المأزق.»
حدّقوا به جميعًا وقالوا: «ائتنا به أرجوك.»
قال: «نمنحه دكتوراه في "فيزياء الخيال العلميّ"، وبذلك نتحاشى الصدام مع القيادات السياسية الأمريكيّة، ونتحاشى أيضًا السبّ واللعنات من الشعب الأمريكيّ، ولن يكتب عنّا التاريخ أنّنا غيّرنا ضمائرنا لأنّنا منحناه الدكتوراه في خيال وليس واقع.»
أجمعوا أمرهم على ذلك، وبمجرد خروجهم للمناقشة أعلنوا على الفور منحه الدكتوراه في الخيال العلميّ.
أسكتت الدهشةُ كلَّ الجمْع المتابعين للرسالة فالتصقتْ ألسنتهم في سقوف حلوقهم للحظات، إذ كانوا ينتظرون مناقشة حادة لساعات طوال، حتى أولئك الذين يتابعون عبر الشاشات صمتوا محدّقين بها.
وتخطّفتْ قلوب اللجنة عندما شاهدوا هذا التحديق بهم مع الصمت الرهيب.
وفجأة. هبّوا جميعًا فرحين مهللين شاكرين اللجنة.
صرخ جاك بعد إعلان خبر منحه الدكتوراه بهذا الأسلوب، صرخ قائلاً: «أنا لم أقدّم لهذا العالم خزعبلات أيّها المجانين، أنا لا أهذي، أنا لست مجنونًا. أيّها البلهاء، النجم سيتحوّل، وشراعي سينجح، جنبوا العالم الفناء أيّها الحمقى.»
والناس يتابعون انفعالات جاك وصراخه عبر الشاشات حتى تساقط الدمع من محاجر عيونهم ليعلن هذا الدمع أنّ جاك هو الصادق، وهو الإنسان.
لقد شاهده فهمان وهو يصرخ فقال : لم يعرف أحد أنّك على حقّ إلّا أنا يا صديقي، وأسأل الله أن يلطف بك.
أمّا رئيس ناسا فلم يتمالك دموعه وقال مرتعدًا: كم أخشى عليك يا ولديّ من لؤم هذا العالم، وأسأل الله أن يلطف بك.


24
أدب / عبقرية فوق القانون
« في: 00:24 18/12/2021  »
        عبقرية فوق القانون
           مقطع من رواية قنابل الثقوب السوداء
هاتف رئيس ناسا جاك ليذكّره بموعد مناقشة الرسالة مع خبراء ناسا التي قدمها له منذ ثلاثة أشهر، كان جاك وقتها يشاهد آخر ما أُنجز من حفر المصادم FCC-2.
فقد كان الإنشاء في الأساس يظهر على شاشات التلفاز.
وانعقدت الجلسة، وبعد نقاش طويل دام أكثر من خمس ساعات اعترضوا على ما جاء في رسالته، وقد تركهم جاك غاضبا بعد أن سبهم جميعا. وهذا أبرز ما حدث في المناقشة.
 قال له بكْ: «إنّ ما اقترحته في رسالتكَ من شراع شمسيّ يسير بعشْر سرعة الضوء بالتقنيات المذكورة فيها من محطات ليزر ومفاعلي اندماج وانشطار نوويّ ومحطتي الخلايا الشمسيّة وجهاز يدعم الحياة من غذاء وأكسجين وماء مستحيل تطبيقه على أرض الواقع، ولقد أُعجبتُ بذكائكِ وسعة إدراكك من قبل عندما شرحتَ لي نفس هذه التقنية في ثاني لقاء جمع بيننا، تذكره طبعًا، كنت أمام الشاشة التي تعرض المصاعد الفضائيّة، ورددت عليك بأن الفكرة عبقريّة ولكن..عمليًا مستحيلة.»
لم يجد ما يرد به جاك عليه.
استطرد بك: «يا جاك النجم لن يتحوّل إلى ثقبٍ أسود؛ بل إلى قزم أبيض لصغر حجمه، هذا إذا تحوّل أصلاً. ولن أوافقك كما لا يوافقك كلّ من في المجلس على هذا .»
نظر جاك إلى رئيس ناسا وقال له: «وأنتَ توافقهم على ذلك؟»
قال: «يا جاك يا ولدي أنا حائر وليس لديّ خيار إلّا أن أكون مع رأي الجماعة ولكنّي لا انتقص من قدرتك العلمية وأمانتك.»
قال جاك له: «إذن لن توفر لي ناسا الدعم اللازم للرحلة، ولن تقبل جامعة بيركلي الرسالة.»

هب منتفضا وصاح بهم غاضبا: «تقولون مستحيل التطبيق على أرض الواقع، أنا جاك أقول لكم أنّي أستطيع أن أفعل هذا المستحيل، وأتمنى أن يجانبكم الصواب ويتحوّل بعد تفجيره إلى قزم أبيض ولكنّه لن يتحوّل إلّا لثقب أسود، أنا منذ سنين أرصد حركة النجوم والثقوب وأقولها في أفواهكم جميعًا، هذا النجم سينفجر ويتحوّل لثقب أسود وعندها أنتم المسئولون عمّا سيحدث للعالم.»
قال رئيس ناسا: «اهدأ يا جاك، اهدأ يا ولدي، هم يخافون عليك.»
ازداد غضبه وقال مستاء: «يخافون عليّ، يكفي ما يفعلون على القمر من استخلاص آلاف الأطنان من هيليوم-3 لصنع القنابل الهيدروجينيّة،يكفيهم هذا.»
وترك المناقشة وولّى مستاءً غاضبًا بعد أن قذف بكرسيّه على الأرض.
سعى خلفه رئيس ناسا ونادى عليه أكثر من مرّة فلم يردّ عليه.
وفور خروجه هاتف رئيس جامعة بيركلي ليخبره بشأن رسالة جاك وقصّ له كلّ ما حدث.
فقال رئيس الجامعة: «لا يملك أحد أن يقول لجاك لا، حتى لو قالت اللوائح لا،  ولو قال الرئيس الأمريكي نفسه لجاك لا. رغبته هو هي التي ستنفذ يا رئيس ناسا.»
 
ما إن دخل المنزل حتى فتح التلفاز وما زال الغضب يتملكه من إجماعهم على مخالفة ما يرى في الرسالة، وعلى إحدى قنوات المعارضة التي تعارض نظام حكم جورج رامسفيلد يقول أحد المعارضين في شأن التدخل الأمريكيّ في الأرض العربيّة: بينما المراسلة مستمرة بين الرئيس الأمريكيّ جورج رامسفيلد وأصحاب القرار في إسرائيل حول إحكام الحصار على الأنفاق والتدخل في المنطقة العربيّة بشكلٍ سافر.
كذلك فإنّ يعقوب إسحاق لا يكفّ عن تحريض رامسفيلد لوقف أعمال إنشاء مصادم الوادي الجديد، لكنّ دائمًا محاولاته تبوء بالفشل بسبب ولاء الشعب المصريّ بكافة طبقاته لأنظمته الحاكمة والعكس .
ولم ينته المعارض من كلمته حتى أقبل على الشاشة وخرقها بأصبعه الفولاذيّ .
والهاتف يرن منذ دقائق ولا يكفّ عن الرن، فأمسك به ليحطمه، فنظر في الرقم فوجده يخص رئيس ناسا فردّ عليه.
قال له: «يا جاك، إنّ رئيس جامعة بيركلي يخبرك بأن تختار الموعد الذي تحدده لمناقشة رسالتك.»
انفرجت أساريره بعد سماع هذه الكلمة فهدأ وسكن.

 بقلمي: إبراهيم أمين مؤمن

25
أدب / الحي والميت
« في: 01:06 24/07/2021  »
 
                                    الحي والميت


من رواية قنابل الثقوب السوداء
بقلمي:ابراهيم امين مؤمن

دخل رئيس ناسا على جاك في الصباح الباكر بعد محادثتهما بالأمس بشأن مناقشة رسالة الدكتوراه، واستنهضه من أجل الذهاب معه إلى جورج رامسفيلد -كان جاك آنذاك مندمجًا في مراقبة النجم من خلال المراصد وصور الأقمار الصناعيّة التي تأتيه أولاً بأول- قال جاك: «اذهبْ وحدك وأخبرني عما يريده هذا الصعلوك.»
نظر إليه دهشا وهو يقول: «صعلوك! هيّا، هيّا يا ولدي.»
تحرك جاك معه متثاقلاً، واستقلّا سيارته الطائرة ومضيا -يصحبهما بالطبع حرس المهام الخاصة المكلف بحراسة جاك- دخلا البيت الأبيض،   وقابلاه، بينما حرس جاك جلس مع حرس البيت الأبيض يتضاحكون معًا.
قال الرئيس الأمريكيّ: «طبعًا هذا اللقاء غير رسميّ.» وظل يثرثر كثيرا، يسمعه رئيس ناسا بينما جاك ينظر في طيور الحديقة ويتوجع خشية على أن يلتهمها الثقب الأسود.
وفجأة، رأى على أحد أشجار الحديقة ثعبانًا يتسلل إلى شحرور يغرد وهو يطعم صغاره في وكر على الشجرة، فانتفض جاك من مكانه وجرى نحو الشجرة ثمّ تسلّقها كالقرد وانقضّ على الثعبان وقتله.
انتفض الرئيس الأمريكي من مكانه مذهولاً وشاهد الحدث وقال: «أمجنون هو؟»
قال له رئيس ناسا وهو متحرج: «معذرة سيدي الرئيس.»
ولم تمضِ إلّا لحظات وعاد جاك وقعد في مكانه وهو يقول غير مكترث للاثنين معًا: «لابد أن نعمل على السلام لمن دعا إلى السلام.»
قالها جاك رغبة في أن تصل إلى أذني رامسيفلد، حيث يتوقع بأن رامسيفلد سوف يعمل على شن حرب عالمية ثالثة بإيعاز من يعقوب إسحاق.
جلس رامسفيلد مرة أخرى وهو يكتم غيظه وقال من فوره: «هل من الممكن أن تقوم وكالة ناسا ببناء مصادم هذا الفتى المصريّ؟» وعلى الفور وجه كلامه لجاك خصيصا: «إنّي أعلم قدرتك الخارقة على الابتكار لذلك دعوتك يا جاك لعلك تستطيع بناءه.»
قال جاك: «لن يستطيع بناءه إلا واحد فقط، أتعلم من هو؟ فهمان ابن الشهيد فطين المصري.»
 تمتم رئيس ناسا وقال : «وكالة ناسا فضائيّة سيدي الرئيس، وجاك تخصص فيزياء فلكية وفضاء، هذا الشأن ليس من اختصاصنا.»
ضرب الرئيس الأمريكيّ جبهته وقال: «لقد غفلتُ عن ذلك، إذن تستطيعون أن تصنعوا لنا طائرة محجوبة عن الرؤيا.»
قال جاك ساخرًا: «يا ليتك أنت تبتعد عن المشهد وتُحجب، هذا أعظم اختراع بشري.»
 ثمّ نظر إلى رئيس ناسا واستنهضه فتثاقل ولكنّه جذبه فمضى معه مكرهًا.
نظر إليهما الرئيس الأمريكيّ ثمّ قال: «فتى أخرق، أحمق.»
وكان فوق الشجرة ببغاء فقال: «يا أخرق، يا أحمق.»
استقلّا السيّارة وبمجرد أخْذ مسارها في الهواء انتابتْ رئيس ناسا نوبة ضحك هيستيري ولم يسأله جاك عن السبب، فلمّا توقف عن الضحك قال: «جاك كلّ العالم يعلم بأنّكَ قادر على بناء ما ذكره الفتى في رسالته بجنيف.»
فحدّقه جاك وقال: «أسرعْ سيادة الرئيس، أسرعْ بنا إلى ناسا.»
فقال رئيس ناسا باسمًا: «اِعملْ له مصادم مِن الكرتون وريّحه.» قالها وضج بالضحك، ثم تعالت ضحكاته أكثر وقال: «أقول لك شيئًا جيدًا، اعملْ له طائرة وألبسها طاقية إخفاء.»
نظر إليه جاك هنيهات، لم يتمالك نفسه فانفجر ضاحكا على الرغم من أنه قلما يضحك في حياته حتى في الصغر.
قال جاك: «معذرة سيدي أن ضحكت في حضرتك بهذه الطريقة.»
- «تعتذر لي لضحكة في حضرتي وتترك رئيس أمريكا وتعتلي شجرة من أجل إنقاذ شحرور، فضلا عن سخريتك الواضحة منه وفظاظة كلماتك له؟!»
أجابه: «الشحرور صوته جميل، وجورج صوته نشاز، ربنا يخلّصنا منه فهو رأس الأفعى.»

26

 التقنية الرئيسة في رواية قنابل الثقوب السوداء


  ابراهيم أمين مؤمن

في كتابي الصادر عن دار كتبا للنشر ، صدرت لي وراية في ديسمبر لعام 2019 باسم قنابل الثقوب السوداء ، وهي رواية من نوع الخيال العلمي ، واحتوت على عدة تقنيات تكنولوجية أهمها على الإطلاق هي قنبلة الثقب الاسود ، وقد صممها بطل الرواية من خلال مختبر علمي سُمى باسم مصادم الهادرونات المستقبلي الثاني واختصارا   FCC-2.
لقد اقتبس فكرة عمل FCC-2 من خلال مصادم الهادرونات الكبير  HLC الموجود في سيرن على الحدود الفرنسية السويسرية.
قام البطل بتطوير المجسات والمغانط والمسارع الخطي فضلا عن زيادة طوله ، كل ذلك من أجل زيادة طاقته ليمكنه من ابتكار تصميمه الخاص بقنبلة الثقب الأسود .

الغرض منها ..
في ظل أتون الحرب العالمية الثالثة في المستقبل ، توجع البطل ، وقد آمن أن مؤجيجيها هم أبليس وحزبه من الجان ، ولذلك سعى على ابتكارها ليعبر إليهم عبر البعد المعكوف المنطوي الفاصل بيننا وبينهم ، والذي يمثل بمنزلة بوابة فاصلة ، يعبر من خلال تصميم هذه القنبلة ، وهناك يصل إلى مبتغاه.

تقنياتها ..
وهو موضوع المقال ، فيه سابين تصميم القنبلة ، ثم كيف من خلالها اجتاز ووصل إلى إبليس ، وهذه القنبلة من تصميمي الخاص ، ولن يجد الباحثون والقائمون على تقنيات وتكنولوجيات الخيال العلمي تصميم هذه القنبلة في أي كتاب إلا من خلال كتابي الصادر باسمي وهو  "رواية قنابل الثقوب السوداء أو أبواق إسرافيل".



                            صناعة قنابل الثقوب السوداء
الإمساك بالجرافيتون جسيم حامل الجاذبية :
يعاني خبراء الفيزياء النظرية من عدم قدرتهم على الإمساك بالجرافيتون حامل الجاذبية ، انظر لهذه التجربة التي تبين ذلك ..
من خلال مختبره الجديد   FCC-2 قام بالآتي ..قذف حزمتي بروتونات في أنبوبين من خلال المسارع الخطي الموجود خارج FCC-2 ، تسير بسرعة الضوء بوساطة المغانط ، ثم تتصادم بعد 20 دقيقة ، ونتيجة لذلك تتحلل البروتونات إلى أجزاء أصغر مثل الكواركات والبوزونات فترصدها المجسات قبل أن تلتحم مرة أخرى إلى جزيئات مستقرة ، لكن يتبقى جسيم واحد ينتج نتيجة عملية الارتطام ولا يوجد له وجود مادي ، إنه الجرافيتون حامل الجاذبية ، فانه يهرب إلى أبعاد كونية أخرى ، والمطلوب إمساكه ، فما هي الوسيلة ؟
لننظر إلى هذه التجربة ..
قام البطل بتبريد غاز أحد العناصر الكيميائيّة وهو الرابيديوم إلى درجة حرارة الصفر المطلق عن طريق جهاز اليزر عملاق ، حيث
أرسل حزمة هائلة منه مكّنته من الوصول إلى حالة التبريد لدرجة الصفر المطلقة وذاك بسبب أنّ الليزر سحب الطاقة من الذرات .
نتيجة الحزمة تحولتْ الذرات إلى حالة خامسة غريبة من حالات المادة المسماة حالة تكاثف بوز-آينشتاين .
الذرات عند رؤيتها بالمجهر تجدها مرتّبة ومنسّقة ، وتكاد تكون حركة الذرات ثابتة تمامًا بسبب خمولها ، تجدها رائعة كأنّها تعزف سيمفونيّة ليس فيها أيّ رتابة أو  نشاز .
كلّ ذرة تعمل كمغناطيس له خاصية كوانتيميّة تسمى اللف المغزلى spin ، قام البطل بالتحكم في اللف المغزليّ لهذه الذرات من خلال مغناطيس ثنائي القطب فتسبّب في عمل دوّاة إعصاريّة رهيبة .
بالنظر إلى نهايات هذه الدوامات كانت هناك مفاجئة مدهشة ، وجد البطل قطبًا مغناطيسيّاً وحيد ، قوّة مجاله تبلغ مليارات ومليارات من المغناطيس الطبعيّ .
هذه التجربة لم تولّد مغناطيسًا أحادي القطب ، بل كانت محاكاة للخطوة التي تلتها وهي ..صُنع مغناطيس أحادي القطب ، حقيقيّ حقيقيّ .
ولقد توصّل البطل لصنْع هذا المغناطيس بالفعل ولم يكن محاكاة ، فالتجربة كانت للتأكد من إمكانية صنْع هذا المغناطيس .
وهذا المغناطيس هو الذي سيسيطر على الجرافيتون ويمسكه قبل الهروب.


قام بنصْب المغانط الأحاديّة القطب عند المكان المحدّد لها وهي عند أماكن هروب الجرافيتونات ، وقام بعملية الارتطامات ووضع كذلك برادة الحديد في موضع هروب الجرافيتونات وبمعزل عن المغانط الأحاديّة ، فتفكّكتِ البروتونات وظلّتْ برادة الحديد كما هي...فهل لم تظهرالجرافيتونات في التجربة أم ماذا !
ما حدث هو أنّ القوة الرهيبة للمغانط الأحادية قامت بإمساك الجرافيتون قبل تسلّله إلى غشاءٍ كونيّ آخر ، فهو كما قلنا حامل للجاذبيّة ،والجاذبيّة هي القوة الوحيدة في الكون التي تنفلت وتهرب إلى الأبعاد الأخرى .
لذلك لم تنجذب البرادة كما انجذبت قبل ذلك بسبب أسْر جسيمات الجرافيتونات في مجال مغناطيسيّ هائل جدًا أقوى بكثير من المجال المغناطيسيّ للأرض .

بعد أن استطاع بطل الرواية الإمساك به كان يجب عليه تحويله إلى مادة مرئية ، وسوف يتم ذلك بوساطة ليزر عملاق.
التجربة قائمة على معادلة آينشتاين التي تحدّد العلاقة بين الكتلة والطاقة وسرعة الضوء .
المعادلة هي أنّ الطاقة = الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء .
من المعلوم من هذه المعادلة أنّ الكتلة تتحوّل إلى طاقة ..فهل من الممكن تحويل الطاقة إلى كتلة ؟
الجرافيتونات عديمة الكتلة لكنّها تحمل طاقة ، فلو استطعنا تحويل الطاقة إلى كتلة فقد انجزنا عمل عجز عنه الفيزيائيّون على مرّ عقود طِوال .
الفيزيائيّون استطاعوا منذ سنين تحويل فوتونات الضوء التي تحمل طاقة إلى مادة ، فعندما حدث تصادم بين الفوتونات عن طريق الليزر تمّ إنتاج أزواج من الإلكترونات والبوزيترونات وهم عبارة عن مادة  ، أمّا مسألة تحويل الجرافيتونات التي تحمل طاقة إلى مادة فهذا هو التحدّي الأكبر للبطل وعليهم بعمل التجارب لإتمام المهمة .
عليه بعمل تصادم بين الجرافيتونات المأسورة..لكن ماذا ينتج عن التصادم ؟ البطل نفسه لا يعلم ، لكنّه يأمل أن تنتج مادة كما في حالة الفوتونات الضوئيّة التي تحمل القوة الكهرطيسية .
قام بتسليط الليزر الخارق على الجرافيتونات المأسورة في مجال المغناطيس الأحادي القطب ، فهل ستكون دفقة الليزر أقوى أم قوة تماسك الجرافيتونات بالمغناطيس ؟
لم يحدث شيء ، ظلّتْ القوة بين الجرافيتونات والمجال المغناطيسي متماسكة ، لم يستطعِ الليزر تحرير الجرافيتونات من أسر المغانط .
ففكّر قليلاً فاهتدى لحيلة لتقويّة شعاع الليزر حتى يأسر الجرافيتونات العالقة في المغناطيسيات الأحاديّة .
قام بتسليط الضوء على أسطوانة أحاديّة مصنوعة من الياقوت المطعم بالنيوديميوم ، ثمّ مرّر الأشعّة من خلال مجموعة من العدسات والمرايا فحصل على ليزر بقوة 5.3 بيتا وات بما يعادل 1000 مرة قوة جميع محطات الكهرباء حول العالم مجتمعة ، هذا الشعاع لا يستمر إلّا جزءًا ضئيلاً جدًا من الثانية ، وبالتالي قد حصل هذا المكير على شعاع ليزر أقوى بكثير من ليزر المصادم .
تمّ تسليط هذه الطاقة 5.3 بيتا وات على الجرافيتونات تباعًا تباعًا وبصورة متوالية وحدثت المعجزة .
بدأت الجرافيتونات تتحرّر من أسر المغانط الأحاديّة ، وبدلاً من أن تهرب بدأت تندفع  في اتجاهين متضادين متّجهة نحو بعضها بفعل طاقة حزم الليزر الخرافيّة .
استمرّت العمليّة أقلّ من ثانية حتى تمّ الانضغاط الكامل ، انضغطتْ واتحدتْ وتجانستْ كأنّ الليزر ربط الجرافيتونات مع بعضها بقوة نوويّة شديدة ، وأقول نوويّة شديدة لأنّ الطاقة تحوّلتْ إلى كتلة  ..
هذا الانضغاط الرهيب لعدد جرافيتونات مهول لا يُعد ، وهذا الكمّ الهائل حولها من المستوى المجهريّ إلى المستوى المرئيّ حتى تراءت أمام الأعين في حجم بيضة البعوضة أو سنّ دبّوس رقيق جدًا .
لكن كيف تعمل هذه لكي تكون معبر الى الجن ؟ لذلك لابد من هذه التجربة  وهي تخليق كتلة سالبة تعمل كثقب دودي متمركز كنقطة في ثقب اسود ، هذه المادة السالبة هي كلمة السرِّ في تفعيل ثقب بيضة البرغوث .
البطل على يقين أنّ هذه الجرافيتونات إذا تعرّضتْ لحرارة هائلة مثل تلك الموجودة في قلب الشمس فسوف تتحلل وتهرب إلى غشاء كونيّ آخر آخذة معها المادة التي تقع في أفق حدثها .

سلّط حِزم الليزرالمستمرة عاليّة الطاقة على ذرات الرابيديوم فحصل على الحالة الخامسة للمادة المُسماة ب "تكاثف بوز آينشتاين".
هذه الذرات لها لف مغزليّ "سبين " فإذا عكس كاجيتا إتجاه لفّها المغزليّ بوساطة الليزر تصرّفتْ ذراتُ الروبيديوم الخاملة كأنّها كتلة سالبة .
وللعلم فإنّ الكتلة السالبة هي التي إذا دفعتها تنطلق للوراء وليس للأمام .
وهذا ما حدث للذرات ، فإنّ دفْعها بحزم الليزر تحرّكت في عكس اتجاه الحزم .
قام كاجيتا بجمع كتلة هائلة جدًا من ذرات الروبيديوم ، هذه الذرات في انسجام تام تربطهم علاقة تسمى ب"التواصل الكموميّ " زرع نصفها  في مركز بيضة البرغوت لتعمل كثقبٍ دوديّ ، لأنّه عند تسليط حزم الليزر عليها يتمّ عكس لفها المغزليّ فتعمل ككتلة سالبة ، واحتفظَ بالنصف الآخر .
يتوسّع الثقبُ الدوديّ من ذرات الرابيديوم المُتَحكم فيها بوساطة ضرْب حزم الليزر لها والتحكم في سبيناتها ، ويظلّ في التوسّع حتى يتلاشى أو تتلاشى الجرافيتونات عند الكفِّ عن إطلاق الحزم الليزريّة..أي أنّ القنبلة لا تعمل إلّا بعد تسليط حزم الليزر عليها وتتلاشى وتصبح فانية بعد الكفِّ عن عملية التسليط .
الآن البطل يمتلك قنبلة ثقب أسود ولا ينقصه إلّا تجربتها
فعند ضرب ذرات الرابيديوم التي بمنزلة ثقب دوديّ تبرد وتأخذ في التوسّع بفعل تحوّل ذراتها إلى طاقة تعمل في التوسّع كتلك الطاقة التي تقوم بإبعاد المجرات عن بعضها أو التعريف المسمى بالتوسّع الكونيّ .

لتقريب الفكرة نعتبر ذرات الرابيديوم كالهواء الذي يُنفخ في البالون ، والبالون هو الثقب ، وحِزم الليزر هي قوّة الدفع التي تخرج من فمك .
وتتبقى مشكلة كبيرة للبطل، وهو مدّة تسليط الليزر على ذرات الرابيديوم "الثقب الدوديّ "
وهذه المشكلة ليس لها حلاً ، فلابدّ من تسليط ليزر خارق على ذرات الرابيديوم المتمركزة في الثقب الدوديّ أو المجموعة الأخرى التي تتواصل معها بالتابع الموجيّ حسب نظريّة شرودنجر .
لابدّ من التسليط ساعات وساعات لأنّ فتح الثقب الأسود عن طريق المادة السالبة من ذرات الرابيديوم صعب جدًا .
ولقد وضعتُ معادلة لها حيث كتب فيها أنّ..
"كلّ ساعة تسليط ليزر بقوّة جيجا واط تقوم بتوسعة الثقب واحد كيلومتر " وعليه يلتهم أيضاً مادة بحجم واحد كيلومتر مكعب .


كيف عبر إلى إبليس من خلال هذه القنابل إذن ؟
الفكرة قائمة في الأساس على أن العلماء قالوا أن خلف الثقوب السوداء العملاقة أبعاد كونية أخرى ، لكن المشكلة الآن أن الذي لدينا قنبلة بحجم سن الدبوس ، فكيف يستخدمها البطل ويعبر من خلالها في الوصول إلى هذه الأبعاد ، بل إن لبّ المشكلة الرئيس هو كيف يختار من بين ملايين هذه الأبعاد بُعد الشيطان ، والذي اعتبره البطل وتر من ضمن نظرية الأوتار الفائقة ، وقد سماه الوتر الناري المهتز نظراً لأن الجن مخلوق من الطاقة .
إذن علينا أن نُكبّر هذ الثقوب لتصبح مثل الثقوب الفضائية ، وهو بالفعل ما قام به البطل ، حيث سلّط ليزر عملاق على ذرات الرابيديوم المتمركزة في وسط سن الدبوس فتوسعت لأنها مادة سالبة ، وأخذت في التوسع حتى شاهد البطل تلك الأبعاد الكونيّة ، وبتقنية معينة ذكرتها في الرواية استطاع البطل تحديد بُعد الشيطان أو الوتر الناري المهتز ، فعبر ووصل إلى إبليس ، وهناك دارت أحداث جديدة من مجموعة أحداث الرواية لتخدم خط السير العام لموضوع الرواية.

                                         






27
                

 قنابل الثقوب السوداء

    الجزء السادس

. ابراهيم امين مؤمن



قال لفطين متهدج الأنفاس..
أنا ما جئت لأهدّدك أو أبتزّكَ ، وإنّما جئتُ لأعمل لك العمليّة ، وأعطيك أيضًا هويّةَ صاحب الرأس الجديد إن أردت ، وبذا تكون قد أمّنتَ نفسك وأمّنتَ مستقبل ولدك.
-وكيف أصدقك؟
-لو أردتُ ابتزازك لِمَا حضرتُ إلى بيتك ، ولو أردتُ الغدر بك لأوصلتُ هذا  الحوار إلى الشرطة عن طريق طفل بوهبةِ زجاجة مياه ثُمّ فررتُ أنا .
فكّر فطينُ قليلاً ووجد كلام الطبيب كلِّه معقول ، بل هي عصا موسى التي ستنجّيه وولده مِن حبل المشنقة ، أو إرساله إلى إسرائيل ليضعوه في سجنٍ سرّيّ لايَمُوتُ فِيه وَلَا يَحْيَى..ثُمّ قال ..هات ما عندك أيّها الطبيب.
-قال سآخذ رأسك وأزرعك الرأس الذي لديّ و ..استوقفه فطينُ قائلاً..أنا لا أقبل أيّ رأس؟
ردّ الطبيبُ بتوسلٍ ..لا تقاطعني حالما انتهي .
صاحبُ الرأس رجل  فلسطينيّ وطنيّ مِن شعر رأسه إلى أخمص قدميْه ، تهجّر مِن بلده ودخل هو وأمّه وأخوته إلى مصر عبر شمال شرق سيناء بموجب الاتفاقيّة الرباعيّة و ..صمتَ توجّعًا وأطرق رأسه إلى أسفل خجلاً .
طغى الفضول على نفس فطين فقذفه قائلاً ..أكملْ .
-لمْ يردّ عليه ..وعاد مِن جديد وحشُ الماضي الطاغي وفرض نفسه على  مشاعره التي كان يداريها عبثًا خلف ابتسامة زائفة مع أنّ قلبه يتمزق إرَبًا.
ولقدْ تجسدتْ الآن الصورة أمام عينيْه اللتيْن بدأتا تزوغان وتغرورقان ، وأخذ جسده يرتعش مع الذكرى رعشة الصاعقة.
وتجسّدَ المشهدُ الأليم في مخيلته كأنّه حدثَ منذ لحظات .
في المشهد يظهر الفلسطينيِّ وهو يصارع سكرات الموت غمًا وحسرةً على ما يحيق بوطنه من ويلات ، كما يدعو على يعقوب إسحاق بأن يصيبه الله الشلل في جسده .ويتحسّرُ على عدم إدراكه للعمل مع الاتحاد .
وعلى جانب آخر من الصورة أمّه واقفةً ، يتزاحم إخوته التسعة حول ثديها الجاف .
نظرتْ الأمُّ إلى ابنها الهالك وإلى أولادها الصغار وقالتْ ..لا أدري يا أبنائي أحملُ مَنْ الآن ، أحملكم أمْ أحمل ولدي الهالك ؟
هذا الهالك الذي كان يحملنا ، الآن لا يجد مَنْ يحمله .
اِصبروا حتى ندخل مصر ونبحث عن جُحْرٍ يأوينا .
انسلبتْ مِن أبنائها واندفعتْ بكلِّ مشاعرها نحو ابنها واقتعدت الأرض ورفعتْ رأسه ووضعته في حجرها وصرختْ.
أقبلتُ عليها لمواساتها  فنهرتني قائلةً ابتعدْ عنّي أيّها المصريّ المتوحش.
ونظرتْ إلىّ باحتقار وقالتْ ..أنت مصريّ ؟ إلى متى سنظلُّ قرابين لحكّامكم ، تملكون حريتكم بتعبيد الطريق المؤدّي لاسترقاننا ،إلى متى  إلى متى ؟
قلتُ لها كذبًا..أنا فلسطينيّ أجاهد من أجل تحرير بلدي ، وأريد رأس ابنكِ لاتحاد المقاومة.
نظرت المرأة إلى صراخ أطفالها ، ثمّ نظرت إلى ابنها الهالك ، فحثت على رأسها التراب إشارة  إلى أنها لطخت نفسها بالعار  من أجل حماية صغارها من الموت جوعًا.
ثمّ نهضت واقفة بثبات وهي تمرر إصبع الإبهام على إصبعي السبابة والوسطى قائلة ..كم ؟
وزاد صراخ أطفالها فزاد صياحها وأخذت تردّد بجنون وبعينين زائغتين..كم ؟ كم؟.
فعرضت عليها مبلغًا كبيرًا ، فوافقت على الفور ثمّ انكبتْ على ابنها الهالك تحتضنه وتصرخ قائلة في جنة الله ياولدي ، سامحني يا ولدي، ثمّ انتصبتْ واقفة ورفعتْ يديها إلى السماء وقالت ..
ربّ إنّي أودعتُ ابني عندك ولا حيلة لي ولا سناً تقطع ، اللهمّ أرني في يعقوب إسحاق يومًا أسود كيوم عادٍ وثمود ، اللهمَّ إنّ رأس ابني وديعة عندك فحلْ بينها وبين جسد أيّ مجرم أو غادر ، اللهمّ إنّ ابني عاش بجسدٍ حميدًا مدافعًا عن وطنه فاجعلْه في جسدٍ بقلب حميدٍ خلوقٍ .
ولمّا طالتْ لحظات الصمت ووجد فطينُ رجفةَ الطبيب ودموعه التي انهمرتْ حتى سقطتْ قطراتها على فخذيه أشفق عليه وناداه وحاول أن يستحضرَه بينما الطبيب غائب في لوحة الماضي الأليمة.
فأقبل تلقاء وجهه وأمسك منكبيْه بكلتا يديه يستحثّه على الانتباه وطرْد ذاك الشيطان الذي جثم على مشاعره ، ثمّ هزَّه مناديًا..دكتور دكتور، فانتبه.
-قال فطينُ له ..أنا موافق بشرط أن تجبني عن سؤالٍ واحدٍ ولا تكذبني ،  هل الفلسطيني وطنيّ مِن شعر رأسه إلى أخمص قدميْه كما قلتَ ؟
-أجابه..هو من الشهداء يا فطين .
وأسرّ مؤيد في نفسه قصة شرائه ، كما لم يبحْ له برغبته في ضمّه إلى اتحاد المقاومة.
-كمْ تريد ؟
-فقذفه سريعًا بسؤاله هذا ..لِمَ قتلتَ يهودىّ الفندق؟
-النفس بالنفس ، قتل عالمنا المصريّ ، وكان أملاً لخروج مصر من أزماتها السياسيّة والاقتصاديّة.
-سكت مؤيد هنيهة ثمّ قال عملية اغتيال العالم المصريِّ المشهور ..أتقصد تلك العمليّة التي تمّت في فندق هيلتون طابا ؟
-نعم.
-لمْ يعرفوا حتى الآن كيف دخل السمُّ إلى الحجرة رغم الحراسة المشدّدة عليه ، هذا العالم أعرفه كذلك ، إنّه كان بروفيسورًا في إحدى الجامعات الأمريكيّة ، أعرفه جيدًا جدًا ، إنّه عالم روبوتات رائع ليس له نظير غير واحد فقط ، يعمل في مصادم سيرن FCC-1 اسمه اسمه ..اسمه ميتشو كاجيتا وهو يابانيّ الجنسيّة.
وأخفى عن فطين أنّ بروفيسور بيتر كان معه في الفندق وقتها ، وأنّه انضمَّ لنفق الاتحاد وقتها.
ثُم سأله ..لكن كيف سيخرجكم من أزمتكم الاقتصاديّة ؟
-لو التفَّ حوله باقي العلماء والباحثين وأنشأوا مصنعًا روبوتيّاً لأمكنهم صنْعها بحيث تتمتع بقدرات خاصة مِن الممكن تصديرها لدول أوروبا وآسيا بأسعار خياليّة لأنّ الأمريكان والروس يتنازعان حول حكم العالم والسيطرة على القرارات السياسيّة والاقتصاديّة فيه.
-من أين عرفتَ كلَّ هذا ؟
-قرأتُ في جميع تخصصات الفيزياء لاحتياجي لها في عملي ..فأنا ساحر.
-ألعاب سحريّة ! كم أنت رائع يا حاج فطين .
-ولمّا تيقن الموساد مِن خبر ابتكاره لهذا الروبوت وإبائه العمل لدى الأمريكان صدر الأمر إلى قسم الكيدون بالتصفيّة الجسديّة فورًا بأيّ ثمن .
-اقتضبَ مؤيدُ الحديث وأداره حيث يريد وقال ..أريد المال الذي دفعناه فيه فقط ، أمّا جهدنا فسأترك لك تقديره حتى إن لمْ تدفعْ شيئًًا ، فأنا لست أقلَّ وطنيّة منك يا حاج فطين.لكنّنا سنأخذ رأسك فأنت لست بحاجة إليه.
-بلْ أنا في حاجة إليه ، أنا معجب به ، أحبُّ أنْ انظرَ إليه يوميّاً ، وقد يأتي يومٌ آتي إليك فيه لتركبه مِن جديد ..قل لي..
لِمَ إذن تساعد المجرمين ليهربوا مِن جرائمهم بعد أن تغير وجوههم؟
-هذا سرُّ يا فطين ، لكنّي أوؤكد لك أنّ المال الذي اتحصّل عليه لا يدخل جيبي ، أتبرعُ به للقضيّة الفلسطينيّة .
-ابتسم فطينُ ، وصدق حدسه في مؤيد ثُمّ سأله ..ألمْ تخشَ على مشفاك ؟
-أخشى طبعًا ..لكنّي حريص جدًا في حال مخالفة القانون ، والمجرم له طرق مختلفة للحصول على التصريح ..البلد فاسدة وكلُّ شيء يُشترى بالمال .
عامة ، رأسك غالٍ يا فطين ولا يقدر بثمن ، تنازلتُ عنه .
-متى نبدأ ؟
-خلال أسبوع ..المهم يكون معك المال .
-اتفقنا.
وبمجرد أن رحل مؤيد تذكّر فطين الاحتراق الذي نشب في الصورة ولم تحرق إلّا رأسه فاستبشر خيرًا .
رحل مؤيد ولقد ذكرته هذه الاتفاقيّة مع فطين بالحوار الذي دار بين قادة المقاومة منذ سنوات في نفق الوادي الجديد .
ذاك الحوار الذي انقسمَ فيه قادة المقاومة إلى أحزاب وكادوا يقتتلون حول فكرة استغلال جثامين شهدائهم في تدعيم المقاومة مِن عدمه ، إذ أنّ المقاومة في حاجة لشراء أسلحة وذخيرة للبقاء على قلب فلسطين بعدما قطع يعقوب إسحاق أنفاسه ، بمعنى أنْ يبيعوا أجسادهم أو استغلالها في زراعة الأعضاء مِن أجل الإبقاء على المقاومة وتدعيمها فضلاً عن إمداد أُسَرِهم فوق الأرض بالمال الذي يكفيهم مِن الحاجة بديلاً عن التشرّد.
وقدْ رجحتْ في النهاية كفّةُ الرأي القائل باستغلال جثامين شهدائهم للأسباب السالفة الذكر فضلاً عن الأسباب الأتية..
-الحصول على ملايين الدولارات من رؤساء مافيا المخدرات الذين رهن الاعتقال مقابل تغيير رؤوسهم برؤوس فلسطينية متوفاة .
-لديهم الطبيب الأول عالميًا في عمليات الزرع وهو بروفيسور بيتر الأمريكيّ ، فهو معجزة العصر في زرْع الأعضاء وخاصة الوجه.
-وجود مشفي الدكتور مؤيد أصيل مما يسهل عليهم تحقيق الهدف بسهولة.

الرءوس العربية كلُّها توائم
بعد ثلاثة أيام مِن اللقاء  ...
آخر الليل..جاءتْ سيارة حمراء قاصدة منزل فطين ، فلمّا أتاه قالَ..له أنت فطين المصريّ ؟
أجاب..نعم.
فلمّا تأكّد السائق أنّه هو ، قال أنا رسول الطبيب بأمارة القدّاحة يدعوك أن تأتي معي .
نادى على فهمان أنْ يحضرَ عصاه والمال فلمْ يسمعه ، إذْ أنّه في بحثٍ متواصلٍ على الحاسوب يقرأ أحدث ما وصل إليه الطبُّ في زراعة الأعضاء ، وأمامه بعض كتب أبيه يبحث في محتوياتها عن عنوانات تتكلم عن زراعة الأعضاء.
فدخل عليه أبوه فوجده على حاله تلك ، فأخذ العصا والمال واستنبهه فانتتبه ثُمّ قالَ..يا ولدي..لقد أوتيتَ الرشد صبيًا ، فإنْ لمْ أعدْ فدبّر حالك بنفسك ، وفتح الحقيبة وأخذ منها ثمن عملية الزرع ثمّ أغلق الحقيبة وأعطاها ولده وقال .دبّر حالك بهذا المال .
حدّجه فهمان ثُمّ تمتم بحشرجة نتيجة خوفه متسائلاً ..إلى أين يا أبتِ ؟
-إلى حيث تعلم يا بني .
-ألَا تتمهل قليلاً حتى نتأكد من موت اليهوديّ.
-مات يا ولدي ..مات.
-اغرورقت عيناه وقال راجيًا..إنْ شاء الله ستعود بعد نجاح العمليّة ، ثمّ لثّم رأسه وهو يعلم أنّها آخر قبلة لهذا الرأس .
-لا تترك المنزل حتى أعود ، الشقة فيها كلّ ما يلزمك ، لا تترك المنزل فإنّي أخشى مِن استفزاز أهل الحيّ لك أثناء غيابي ، لا تفتح الباب لأحدٍ لا تعرفه ، فإن لمْ أعد فسيعلمك الطبيب مؤيد بفشل العمليّة ، عندها اخرجْ ومارس حياتك ، أكرر يا ولدي لا تخرج حتى أعود.
ثُمّ دلفَ بابَ المنزلِ وخرجَ مع السائق وهو يقول لولده سأعود ..انتظرني يا بني .
سعى خلفه فهمان كأنّما يريد استعادته وتحذيره ، ولكنّ أبوه قد استقلَّ السيّارة الحمراء ومضى .
فقال فهمان بصوت متهدج ..ستعود ، ستعود يا أبتِ.
كشْف حقيقة ما حدث في الفندق .......
*قد حاول فهمان أكثر مِن مرّة أنْ يقنعَ أبيه بجدوى الذهاب إلى الفندق والتأكد مِن موت الكيدونيّ مِن عدمه ولكنّه كان يأبى دائمًا ، واليوم عليه الذهاب إلى الفندق لعلّ الكيدوني لمْ يمتْ فينقذ أبيه مِن موتٍ محتمل .
فقد كان يسأل فهمانُ نفسه دائمًا ..هل بالفعل مات اليهوديّ أم لمْ يمت كما أظنّ ..؟
ترك فهمان المنزل خلف أبيه بساعة تقريبًا وأخذ بعض المال معه قاصدًا الفندق ليبحثَ عن الحقيقة .
فسعى خلفه فرد مخابراتي مِن اتحاد المقاومة ليحميه من أيّ سوء ، وقد أرسله مؤيد بسبب غياب أبيه .
*ظلّتْ السيّارةُ الحمراء التي يستقلّها فطينُ تسير على الطريق الرئيس حتى إذا قطعتْ عدة كيلو مترات كان هناك على جانب الطريق شاحنة في انتظارهما ، فُُتح بابها الخلفيّ وأنزَلَتْ درجًا فصعدته السيارة ثمّ رفُع الدرج وأُغلق باباها .
*استقلّ فهمان سيّارة فأسرع نحوه فرْد المقاومة ليمنعه ، إذْ ليس مسموحًا له بالخروج خارج منطقة الحيّ وللأسف السيّارة ولّت .
*تبعه فردُ المقاومةِ وبعد ساعة تقريبًا توجّه فهمان إلى موقف سيارات السفر إلى محافظة سيناء ومِن هنا بدأتْ مرحلة الخطورة .
*هاتفَ فردُ المقاومة رئيسه بشأنِ وجهة الفتى ، فردَّ عليه..أيّها الأبلة كيف استقلّ سيّارة وأنت تراقبه ، أين كنتَ أنت وقتها .. اقبضْ عليه وأعدْه إلى بيته ، ثُمّ قال له كأنّه لمْ يسمعْ ما قاله فرْد المقاومة ..معذرة أقلتَ أنّه توجّه إلى سيارات أجرة سيناء الوادي الجديد ؟
ردّ ..نعم.
فقال له بغضبٍ شديدٍ ، امنعْه الوصول إلى سيناء ولا تلتحمْ بأيّ إسرائيليِّ مهما كان الثمن ، ولوْ كان الثمن حياة الفتى .
ردَّ ..عُلم .
أغلق الرئيس الخطّ وتذكّر كلمة مؤيد له..حافظ على الفتى في غياب أبيه وبالأخص إذا أراد أن يسافر إلى فندق هيلتون طابا بسيناء.
*سارتْ الشاحنةُ نحو ساعتيْن وهي في حالة ترقّبٍ حذِرٍ ، ثُمّ فُتحَ البابُ الخلفيّ وأُنزلتْ نفسُ السيّارة ، السيّارةُ الحمراء يسوقها سائقٌ قريب الشبه بالسائق الأول ويرتدي ملابسه ، وكذلك جلس بجانبه رجلٌ قريب الشبه بفطين ويرتدي أيضاً ملابسه ، بينما السائق الأول وفطين الآن في الشاحنة ارتديا ملابس السابقيْن الذين نزلا مُنذ قليل .
مضتْ السيارة الحمراء نحو مكانٍ عامٍ مزدحم بالناس ، ثُمّ نزلا وترجّلا ترجْلَ فطين والسائق الأول ، نزلا على أحد المقاهي ولعبا الطاولة نحو ساعة ، ثُمّ استقلا السيّارة ومضوا إلى مكانٍ خالٍ تمامًا ليتبينا إنْ كانا مراقبيْن أمْ لا ؟
أمّا الشاحنة فقد استمرّتْ في السير نحو ساعتين ، وبعدها فُتح البابُ وأُنزلتْ سيارة بيضاء يستقلّها فطينُ والسائقُ .
مضتْ الشاحنةُ في طريقها المرسوم لها بعيدةً تمامًا عن مسار نفق اتحاد المقاومة ، وانعطفتْ سيّارة فطينُ متّجهة إلى مسارها المرسوم لها ، حيث نجد في هذا المسار سيارة أخرى تنتظرهما يستقلها اثنان لتذهب بهما إلى نفق الوادي الجديد مباشرة .
استقلّ الأربعة السيّارة ومضوا جميعًا .
*اِضطر فرد المقاومة إلي إيقاف سيارته بسبب نفاد طاقة البطارية أثناء متابعة سيارة فهمان لأكثر من ساعتين لحين إمداد ألواحها الشمسية بالطاقة التي تنتقل مباشرة إلى البطارية ، ثُمّ اتّجه مباشرة للمسار المؤدّي إلى سيناء ليلحقه.
راسل فرْد المقاومة قائده بشأن تأخره ، فقال له ..إنْ لمْ تدركه توجّه مباشرة إلى الفندق.وتابع كلامه ..رُدّه إلى الوادي الجديد باللين والحذر .
وكرّرَ ..عليك بردِّ الفتى في خفية ..ممنوع الالتحام تحت أيّ ظروف في الفندق حتى لو تعرّضَ الفتى لخطرٍ محدّقٍ ..
قال فرْد المقاومة سمعًا وطاعةً سيدي .
*عصب أحدهما عينيّ فطين بعصابةٍ محكمةٍ ، وظلّتْ السيارة تسير قرابة ثلاث ساعات تهبط وترتفع وتنعطفُ كثيرًا في الأيامن والأياسر .
وفجأة انعطفتْ تاركة ًالأسفلت بعدما أُبدِلت بعجلاتها الأربع ثلاثًا ..
واحدة أماميّة واثنين في الخلف ، تلك العجلات مصممة لتكون أشبه بشكل خفِّ الجمل ، وظلّتْ تسيرُ في رمال الصحراء ثُمّ هبطتْ في نفقٍ ولمْ تسرِ إلّا مئات الأمتار ثُمّ وقفتْ .
أنزَلوه ومضوا به معصوب العينين بماله وعصاه داخل مبنىً عسكري كبير تحت الأرض ، ثُمّ توقّفوا فجأة وطرقوا بابَ مؤيد فأدخلهم ثمّ نزعوا العصابة عنْ عينيه.
 فرآه فطينُ واستبشرَ خيرًا .
 قالَ له الطبيبُ مؤيد..أهلاً بك في  معسكر اتحاد المقاومة الفلسطينيّة.
لا تؤاخذني يا صديقي على الطريقة التي أتيتك بها ، فالحرص ضروريّ جدًا ، إذْ أنّ كشْف نفق اتحاد المقاومة هنا كارثة الكوارث لأنّه مركز كلّ عمليات المقاومة.
ثُمّ أسهبَ مؤيد في حديثه حول عِلة هذه الإجراءات حيث قالَ ..تكتم إسرائيل عن الحادثة شئ مقلق ، وعلى الرغم أنّ لنا عيونًا مهرة إلا أنهم لم يستطيعوا معرفة شئ عن هذا الحادث ، وأغلب الظن أنهم يشكون أنك من قادة اتحاد المقاومة ، ولذلك آثروا أن يتركوك حتى يقتفوا أثرك فيكتشفون أحد الأنفاق العنكبوتية.
فلمّا حللت بأرض الوادي الجديد فرحوا ، واستمروا في اقتفاء أثرك كي يصلوا إلى نفقه ، هم يشكون منذ زمن أن الوادي الجديد به نفق من أنفاق الاتحاد ، زفر زفرة ثمّ قال ..فطين هو مجرد احتمال ، فمعذرةً أخي فطين ..باسم اتحاد المقاومة نعتذر لك.
نظرَ إليهم فطينُ جذلانَ ودعا لهم بالسداد والتوفيق.ثُمّ سألهم عن سبب وجود هذا النفق هنا .
أجابه مؤيد ..
إنّي أعرف أنّ الدّمَ العربيَّ يجري في عروقك ،  يا ليت ولدك يكون مثلك ،  المهم ..أنت تعلم أنّ عملية الاستيطان والتهجير تجري الآن على قدمٍ وساقٍ منذ تولّىَ يعقوبُ إسحاق رئاسة الوزراء وخاصة بعد أن كثّروا نسلهم لتهويد فلسطين .
ولقدْ شيدنا هذا النفق وجعلناه الرئيس لأسباب كثيرة منها ..توفر المياه بأرض الوادي ، وبُعده الشديد عن منطقة التوتر سيناء تلك التي تحت سيطرة أعين المخابرات والجيش الإسرائيليِّ ، سيناء التي تكتظُّ بحملات التفتيش الإسرائيليّة والمصريّة للبحث عن أنفاق المقاومة.
طأطأ فطينُ رأسه إعجابًا بهم .
-نظر إليه مؤيد وقال في لهفةٍِ وتوسّل..تعمل معنا ؟
-رسالتي هي تهيئة ولدي ليكون سلاحًا لبلده ، ولدي أمّة وحضارة وحده ، قل لي متى العملية ؟
-إنْ شئتَ كنتَ منّا ، وإن شئتَ عملنا لك العملية الجراحيّة ثمّ تركناك عزيزًا راشدًا .
-في المعسكر ! العمليّة في المعسكر!.
-ابتسمَ ابتسامةَ طويلة ، ثمّ قال نحن لدينا هنا أمهر الأطباء في العالم ، ولدينا مستشفى مجهزة بأفضل المعدات والتجهيزات الطبيّة.
-كيف توفّرون الطاقة لأجهزتكم ؟ يسأل فطين وهو يعلم عدة تقنيات لها.
-ننتج الكهرباءَ مِن الماء بعملية تسمى الكهرومائيّة.كذلك لدينا المولّدات الحراريّة وبطاريات نوويّة.
-مَنْ سيجري العمليّة ؟
-بروفيسور بيتر.
-دهشَ فطين وقال ..أهو بروفيسور بيتر الذي كان مع عالمنا ؟
-نعم ، هو .
-أعرفه جيدًا ، إنّه بروفيسور في الفيزياء الطبيّة وليس له نظير في العالم كلّه ، لذلك فإنّ ال سي آي أي  لا زالت تبحث عنه بكلّ الوسائل .
-عاش مؤمنًا بالقضية الفلسطينيّة ولذلك فهو هنا ، سيعمل لك العملية ، والمال سنأخذه ، ورأسك إنْ كنتَ ستبخلُ علينا به فلن نأخذه .
-صمتَ طويلاً ثمّ أخذته رعدة البكاء وظلَّ يتهامس بصوت متحشرج حتى إذا هدّته الدموع هدًا سكت ، ثمّ قال له هي لكم ، رأسي ورءوس كلّ المصريّين تهون في سبيل تحرير فلسطين .
اليوم يسقط رأس فطين ليعلو رأس فلسطين .
أخذه الطبيبُ مؤيد ومضيا معًا إلى بروفيسور بيتر، وخلال ساعات ثلاث تمّ عمل الفحوصات والترتيبات اللازمة قبل إجراء العمليّة ، فتطابقتْ طبيعة العصبونيّات والدم والأوردة والشرايين.وتأكد بروفيسور بيتر تمامًا مِن قابلية التحام جسد فطين بالرأس الجديد .
فعلّق مؤيدُ قائلاً..أرأيتَ يا فطين أنّ الدمَ العربيَّ واحدٌ .طأطأ رأسه وقال نعم ، وأردفَ..هل مِن الممكن أنْ اتّصلَ بولدي؟
ردَّ عليه مؤيدُ ..مستحيل ، وقد أزلنا البطارية منه بمجرد دخولك النفق فقد يكون هاتفك مراقبًا ، لكنْ لتكنْ هادئ البال ففهمان تحت أعيننا حتى ترجع ..
*للأسف وصلتْ السيّارةُ إلى جنوب سيناء ولمْ يدركْه المراقبُ حيث رآه ينزلُ مِن السيارةِ دالفًا باب الفندق ..
فتابعه مِن خارجه ولمْ يلجْه ، فهو يعلم أنّ الفندق به عناصر مِن الموساد تعرفه جيدًا .
فقرّر أن ينتظر متخفّيًا حتى إذا ما خرج فهمان أخذه ومضى .
لحظات ودخل يهوديّ الموساد الذي قاتله فطين من قبل في صحبة روبوتيه.
نظرَ في القاعة وعاين الزبائن فلفتَ نظره ذاك الفتى الجالس بعيدًا ، فأخرج هاتفه المعجزة لعلّه يدون له هويته.
رآه فهمان بصحبة الروبوتين ، هذان الروبوتان ذكَرهما له أبوه عندما قصّ له الحادثة ، فانفرجتْ أساريره واستبشر خيرًا.
وأراد أنْ يتبيّن الأمر ويتأكد أنّه هو ، هو قتيل أبيه المزعوم ، فاقترب إلى صاحب البار وسأله عن هذا الرجل ، فنظر إليه باشمئزاز ولم يجبه ، فأخرج فهمان مِن جيبه مئتي دولار وأعطاها له وسأله مجددًا عن وقوع حادثة بين رجل عربي وهذا الرجل اليهوديّ .
حدج عامل البار في الدولارات فاستقلّها فزادها إلى خمسمئة ، نظر إلى اليهوديّ يرقبه وهو يأخذ الخمسمئة دولار ثمّ مدّ يده في جيب فهمان وأخذ كلّ ما فيه وأمسكَ بكلِّ المال وضربه في درج البار ، ثمّ بدأ يقصُّ عليه صِدقاً ما حدث حيث قال..
قَدِمَ علينا رجلٌ بعصا سحريّة ، رجلٌ مِن الطراز القديم جدًا ، مصريّ شجاعٌّ لا يشقّ له غبار ولا يهزمه أحد ، قاتل الروبوتين فهزمهما وأتلف الشرائحَ الإلكترونيّة والهاتف لهذا اليهوديّ السيد ، وضربه ضربات قاتلة ، وظنَّ الرجلُ أنّه مات بعد أنْ مثّل عليه دور الميت  .. و .. مقاطعة ..
-قال له فهمان حسبك وكفى وتركه دالفًا باب الفندق للخروج .
وأخيرًا رمقه اليهوديّ وهو يحادث الفتى فدنا من صاحب البار.
حوار بين مؤيد وبيتر بشأن العمليّة :
دلفَ مؤيدٌ حجرة بيتر وكان بيتر حينها يكتب في ورقة أسماء طاقم أطباء العملية الجديدة .
-قال مؤيد ..بروفيسور بيتر ، فطين هذا قوىّ أمين ، محبٌّ للعروبة ، معتزٌّ بوطنيّته ، له دراية كبيرة بعلوم الفيزياء ، لديه كلُّ المقومات التي تؤهّله ليكون قائدًا فعّالاً في اتحاد المقاومة.
-إنْ كان كذلك فجنّده .
-قال متأوّهًا ..للأسف رفض .
-لم ؟
-يقول إنّ رسالته نحو بلده مصر والعروبة تكمنُ في تأهيل لولده ليكون عالمًا .
-قال مازحًا ..إذن اقتله ، يقولها وهو يقهقه.
-لمْ يبادله القهقة بسبب تغلب مشاعر الحسرة على كلِّ حواسه ..يقول عن ابنه بأنّ لديه عِلمًا إبداعيًا ليس نابعًا عن دراسة وإنّما عن مخزون إبداعيّ محضّ .
-فطينُ رجلٌ ذكيّ ويفكر بحنكة ، فعلاً مؤيد..إذا كان الربُّ وهبه ذلك فعليه أنْ يكرّسَ كلَّ حياته مِن أجله ومِن أجل مصر ومِن أجل فلسطين ومِن أجل البشرية جمعاء.
-هذا رأيك اذن ؟
-نعم ، هذا رأيي ولكنّ الإبداع يلزمه دراسة أيضًا ، ولذلك ستعترضه بعض العقبات ، سيحتاج إلى مالٍ كثيرٍ لينفق على تعليم ابنه.. صمت هنيهة ثمّ سأله ..ماذا يعمل هذا الرجل ؟
-ساحر ، سكت هنيهة ثمّ قال ..أبتِ هل من الممكن نفعل شيئًا لفطين لعلّه ينضمّ إلينا يومًا .
-نعم ، ممكن جدًا وخاصة أنّه ساحر ولاسيما لو كان ساحرًا متعلّمًا .
-إذن ، نهيّئه وابنه لنا .
-ماذا تقترح ؟
-غيّرْ الرأس كما اتفقنا ، أريده أن يكون مزدوج الخِلقة ، اجعله إنسانًا وروبوتًا معًا لينفع المقاومة.
-لا مانع لديّ ، فطبيعة عمله تناسب ما اقترحتَ به يا مؤيد ..سأفعل .سأضع في الرأس الجديد خليةًّ إلكترونيّةً تحتوي على مليارات العصبونيّات الصناعيّة فتزيده ذكاءً ، فضلاً عن قدرتها على نسْخ نشاط فيزيائيّ .
-لنعملَ على ذلك ، سأدخل معك غرفة العمليّّات وأكون لك معاونًا .
-أمرك يدعو للفضول ..لِمَ رغبتَ في العمل معي في هذه العمليّة بالأخصّ ؟ .
-لإنّ فطين هذا شيء عظيم ، كما أنّي أحببته جدّاً .
-لا مانع لديّ ، واعلمْ أنّ ما يحفّزني ويستنهض عزيمتي على تركيب هذه الخليّة أنّها ستجعله مِن الأثرياء بسبب قدرتها على نسْخ أعمال فيزيائيّة أثناء أداء أعماله السحريّة ، وسيحتاج إليها كثيرًا ، فبدونها لنْ يستطيعَ أنْ يتحصّل على المال اللازم لتعليم ولده .
-كيف ؟
-الدولةُ المصريّة لا تعتني بالعلماء ، والجامعات الأمريكيّة وكذا سائر جامعات العالم حجّمتْ كثيرًا مِن المنح والمساعدات لتدعيم الطلاب الدوليين ، ففطين سيحتاج إلى أموالٍ كثيرةٍ لينفق على ابنه.
-يفعل الله ما يشاء.
-خذ أسماء هذا الطاقم وأعدّه ، فخلال ساعة سنبدأ عملية الزرع .
بعد خمسة وأربعين دقيقة دخل مؤيد على بيتر ، أبلغه أنّه أعدَّ الطاقم وغرفة العمليات ، ومضوا جميعًا إليها .
*بعد أن خرجَ فهمان من الفندق وكان وقتها مؤيد يحادث بيتر قرّرَ الاتصال بأبيه لمنع عمل العمليّة .
سأل اليهوديّ صاحب البار عمّا سأله الفتى فأخبره فقط بأنّه يسأل عنه.
-فقال اليهوديّ وماذا قلتَ له ؟
-قلتُ أنّك صاحب الفندق ورجل شريف.
-جيد ..ثُمّ استطردَ ..هلْ شاهد شيئًا مِن عروض الفندق ؟ هل طلب شيئًا؟ هل جاء برفقة أحد ؟
-لا أظنّ ، لا ، لا أظنّ.
تركه اليهوديّ قاصدًا الخروج  خلف الفتى .
بينما فهمان في طريقه للعبور خارج الفندق تبعه اليهوديّ والروبوتان ، يريد أنْ يعرفَ سبب مجيئه وسؤاله ، وفرْد المقاومة يراقبُ المشهد عن كثْبٍ ، يراقب متخفيًا.
استوقفه اليهوديّ على درج السلم أمام الباب الرئيس له ..فوقف ثُم قالَ..
-لِمَ تسأل عنّي أيّها الفتى العربيّ ؟


28
  رواية قنابل الثقوب السوداء ...الجزء الخامس
وصل أخيرًا إلى الحيّ ودلف باب العمارة ، فأسرع مؤيد بسيارته حتى يبصر العمارة التي يقطنها .
دلف حجرة فهمان ليطمئنّ عليه فوجده عاكفًا على الحاسوب ، بينما مكثَ مؤيد في سيارته لم يخرج منها وهو يتنصت عليه.
وكان فهمان لحظة دخول أبيه يبحث عبر المواقع الإلكترونيّةِ العربيّةِ والأجنبيّة عن خبر جريمة قتل الفندق التي كلّمه أبوه بشأنها فما وجدها ، لكنّه أعمق البحث وظلّ منغمسًا فيه حتى أنّه لمْ يشعرْ بدخوله ، وعندما زاحمه في النظر إلى الحاسوب انتبه فهمان ثُمّ قال ..اليهوديّ لمْ يمتْ يا أبتِ .
سمعها مؤيد من داخل سيارته عبر جهاز التنصت فاقشعرَّ جلده ووظّف كافة حواسه للمحادثة.
ألقى فطين بالقدّاحة بجانب الحاسوب ثمّ ردَّ بثقة ..بني ، عندما يتعلق الأمر بأمن وكرامة دولة يصبح الغريب مألوفًا والمألوف غريبًا وتتبدّل كلّ المفاهيم ، زفر زفرة ثمّ تابع كلامه.. في تصورهم أنّ قتل رجل منهم وفى عقر دارهم أمر مشين وعلى ذلك فلابدّ من ردّ فعل كبير .
بني ..هم يتربّصون بي ويبحثون عنّي متنكرين ، ولنْ يهدأ بالهم حتى يستردّوا كرامتهم .
-ولذلك قررتَ أن تغيّر وجهك .
-كيف علمت ؟ ثمّ نظر إلى الحاسوب فأجابه بنفسه ..من الحاسوب! ولدي عندما تريد أن تعرف شيئًا فسلني أنا ولا تفتّشْ ورائي .
-سمعًا وطاعة أبتِ .
-هكذا يجب أن يكون سلوكك مع أبيك ومع البشر يا بني .
ثمّ تركَه فطين وذهبَ إلى حجرته مغتمًا .
سمعَ مؤيد الحوار الذي دار بينه وبين ابنه ، وما إنْ انتهى الحوار طاطأ مؤيد رأسه مع قوله إنّ هذا الرجل هدفه ، ولابدّ أن يجنّده فهو سيمثل له ورقة رابحة ومكسبًا كبيرًا في إطار صراعهم ضد اليهود.
نزل مؤيد من السيارة ومعه الهاتف ثمّ توجّه تلقاء أحد المحال ليعرف رقم الحجرة التي يقطنها فطين.
وصل المحل وطلب علبة سجائر وزجاجة مياه ، ثمّ سأله عن فطين ، حيث قال له ..أيّها السيد ، هل يسكن في هذه العمارة رجل يلبس لاسة وجلبابًا و ...؟
رمقه عامل المحل شزرًا كأنّه يقول له ..هنا مصر، كلّ شئ له سعر حتى السؤال .
أهمله البائع ، بعد لحظات قال ..لِم تسأل عنه ؟
فأجابه..يريد الزواج بأختي وأنا لا أعرفه ، ثمّ أردف الطبيب قائلاً ..
استأذنك..كم الحساب ؟
ردّ البقال خمسون جنيهًا سعر زجاجة المياه ، ومئة وخمسون جنيهًا سعرعلبة السجائر يصبحان مئتي جنيهًا.
وأخرجَ مِن جيبه العملة المصريّة الجديدة وهي فئة الألف جنيه ، وأخذ يحركها يمنة ويسرة وعين البائع تدور حيث حركة يد الطبيب ، فقال البائع بلهفة ..سأخبرك ، اسمه فطين ولا يعيش معه إلّا ابنه وجاء هنا بالأمس فقط ..
غضب مؤيد قائلاً.. قلت لك كم رقم حجرته ؟
فأومأ البائع بعدما عدَّ أسماء السكان وأرقام حجراتهم ثمّ قال ابحثْ عنه في الدور إمّا الرابع أو الخامس..ألقى الطبيب له الورقة بقرف واشمئزاز بعدما استردّ منها سبعمئة جنيهاً ، ثمّ ولج باب العمارة وطرق باب الدور الرابع والخامس ووقف على بسطة السلم المشترك بين الدورين ، ففتح باب شقة فطين وكان بالدور الخامس فارتفع وحيّاه.
-نظر إليه فطين باستغراب مستفهمًا إيّاه ..أنت ، أنت ؟ لماذا تتبعني؟
-فقال ألَا ترحّب بضيوفك ؟ أمْ تتركني على الباب ؟
-اتفضل.
-أجلسه في ردهة المنزل ورحّب به ونادى على ولده قائلاً يابني أحضر زجاجة مياه على الفور.
-قال الطبيب..أمعك سجائر؟
أخرج له فطين سيجارة فأخذها ووضعها الطبيب بين شفتيه ونظر إلى فطين قائلاً.. ألّا تشعلها !
فأخرج قداحته القديمة وهمّ بإشعال السيجارة ، فأشار الطبيب بسبابته إشارة الرفض ثمّ قال القدّاحة الجديدة ، أشعلْها بالقدّاحة الجديدة .
تعجّب فطينُ مِن رغبة الطبيب لكنّه لمْ يعتنِ بالأمر، وعلى الفور نادى على ولده كي يحضرَ القدّاحة مِن الحجرة ، ولمّا أشعل له السيجارة خطفها قائلاً تلك عصاي أتوكأ عليها ..كما أعرف عصاكَ التي توكأتَ أنتَ عليها منذ يوم ونصف ؟ .
فتعجّبَ فطينُ مِن قوله ثمّ قال له ادخلْ في الموضوع على طول .
-قال مؤيد..لِمَ قتلت يهودىَّ الكيدون ؟
-ظنَّ فطينُ على الفور أنّ الدكتور مؤيد بلّغ عنه وأنّ الشرطة على الباب الآن رغم علمه المسبق بحالته فأجاب ..لا أدري عمّ تتكلم ..سكت هنيهة ..ثمّ قال ..حضرتك طبيب أم محقق؟
-فندق هيلتون طابا يا فطين.. وتابع كلامه على الفور ، أتذكر هذه القداحة ؟ وفتح الطبيب إيّاها دون أنْ يمهله الردّ وأخرجَ منها جهاز تنصّت ثمّ أخرجَ هاتفه الذكيَّ وأسمعه الحوار الذي دار بينه وبين ولده .
انفعل فطينُ وجرتْ الدماءُ في عروقه وعيناه ترمي بشرر كالقصر ، أقبل على الطبيب ورفعه مِن ياقة بذلته بكلتا يديه إلى أعلى وهمّّ بإلقائه مِن النافذة فقد أعماه الغضب عن فعل الحلم والروية والتدبير ، كما فعل ذلك من قبل عندما ذهب إلى الفندق لقتل اليهودِيّ إذْ جرفه سريان الدم في عروقه عن نفس الفعل أيضًا.
حاول الطبيب الخلاص من قبضة فطين ولكن محاولته فشلت بسبب قبضته الحديديّة ، تكلم ولا يكاد الكلام يخرج من سقف حلقه لأن قبضته بمنزلة حبل خنقه ، هنيهة واحدة وكادت تجحظ عيناه بينما فطين لا يكترث لحالته واستمر في إطلاق السب واللعنات .
سمع فهمان هدير صوت أبيه من الداخل فهرول مسرعًا ، فرأى المشهد على الفور، فذُعر وأمسك يد أبيه ليدفعها بعيدًا عن الطبيب بيد أنّ يد فهمان لمْ تحرك ساكنًا .
ولمّا صرخَ فهمان وصاح صياحًا شديدًا رماه فطين متبرّمًا لاعنًا ثمّ قال له..ياخائن يا ابن الكلب.
وسارع فهمانُ نحوه يفكُّ أزرار البذلة حتى يتنفس .
استنهضه فهمانُ وأجلسه على كرسي ، وناوله بعض الماء حتى إذا استراح قال لفطين متهدج الأنفاس..
يتبع ............ يتبع
    بقلمي .. ابراهيم امين مؤمن


29
قنابل الثقوب السوداء –أبواق إسرافيل ج2
 رواية كتارا 2019-2020
وأعملتم فينا السيف.
فاغتظتُ لحالنا واستجمعتُ قواي كلَّها وضربتَه ضربةً صاعقة فافترش الأرض وسكن ولم يتحرك ، نظرت إلى عينيه فوجدتهما جاحظتين ، فعزمت على الهروب ، وعند فراري رأيتُ حتشبسوت تنزل من السقف.
 إذا كَثُرتْ الضِباع ولّتْ الأسود هاربةً..
خرجَ فطينُ مُسرعًا مِن ردهة الفندق ، مسرح القصاص ، وكان مترقبًا خائفًا.
اِِتّجه إلى منطقته التي تبعد نحو مئة كيلومتر مِن الفندق .
ظلَّ يجري حتى اتّجه إلى أحد الشوارع السيناوية الرئيسة ، ثُمّ أشار إلى إحدى سيارات الأجرة فوقف ، رمقَ السيارةَ وتفحّصها بنظراته التي لا تُخطئ أبدًا ، فوجدها تعمل بطاقة الألواح الشمسيّة كمعظم السيارات آنذاك ، ولكنّ تقنية هذه السيارة متطورة أكثر، فتفحصها فتأكد له أنّ سائقها رجل آلي وأنّها تعمل ببطاريّة هيدروجينيّة.
وأنّ هذه السيارة من السيارات الأمنية والتي تعمل على تقديم كلّ الخدمات لنزلاء الفندق .
فخاف أن تتعرف عليه من خلال رسالة وصلتها عن مواصفاته عبر حاسوبها فتقلّه آلياً إلى أحد مراكز الشرطة.
فامتزجَ الخوفُ بالحنق ، وتحوقل وأخذ يطلقُ اللعنات على التكنولوجيا التي تلاحقه وتذكّره بخيبة العرب.
وأخيرًا..بعد كلِّ هذا التفكير اِعتذرَ عن الركوب ثمّ رمقها وهي تسير في مسارها المبرمج عليها .
مرّتْ سيّارة أجرة أخرى سائقها يرتدي ثياب أهل الأنفاق والجحور فركبَها ورحل َ.
في السيارة ، بدأ يفكرُ في حادثة الفندق وتداعياتها الخطيرة على مستقبل ولده الذي لمْ يكنْ لديه إلّا إيّاه ، تارة يلوم نفسه خشية ضياع مستقبل ولده فهمان وتارة يباركها على فعلها ويحفّزها على الثبات والرجولة .
وأنهى النزاع الذي يدور بخلده بين الملامة والمباركة بترْك سيناء كلّها والهروب بابنه بعيدًا عن مسرح الانتقام الذي نفّذه ، هذا الانتقام الذي ألقى بظلاله على صدره فجثمَ وعسّكرَ فيه ليولد في مكنون نفسه الخوف والتشريد.
دفعَ الأجرةَ ونزلَ متّجهًا إلى منزله وهو يدعو نفسه للثبات ، فالزحام شديد فيها بسبب تهجيرين ، تهجير المصريين من مدنهم المكتظة إليها وذاك من أجل إفساح الطريق للطبقة الحاكمة وحاشيتها ، وتهجير الفلسطينيين من أرضها المحتلة وذاك لإفساح الطريق إلى الشعب اليهوديّ لاستيطانها.
في كلّ مرّة يتلمّس موضع قدميه حتى لا تصيب أحد الحِبّين ، ويجد لأكتافه الفولاذيّة مسلكًا حتى لا يصطدم بروحيه وحِبّيه .. المصريّ والفلسطينيّ. 
لكنّه الساعة لن يكون حذرًا إذ يتوجّب عليه الإسراع إلى المنزل ليطمئنّ على فهمان ، ثمّ يأخذه ويهرب بعيدًا عن أعين المخابرات الإسرائيليّة والمصريّة .
ومن أجل أغنياء مصر وأصحاب النفوذ فيها لم يقصّر النظام الحاكم في دعوة الناس للهجرة إلى القرى وخاصة الوادي الجديد ، مبررين لهم أنّها منطقة ذات مساحة شاسعة وملآنة بالمياه الجوفية.
وقد وصلَ حد العبث بالمطرودين المصريّين إلى دعوتهم لحفر أنفاق تحت الأرض والإقامة فيها معلّلين ذلك بوفرة المياه ، ممّا أثارَ تهكّم صحف المعارضة والأحزاب وكلَّ تيارات الإسلام السياسيِّ .
وهذه بعض عبارات التهكّم والسخريّة على أحد فلول النظام الخائن عبارة تقول..
أنحن نمْل ونسكن الجحور! وعبارة ساخرة تقولُ ..أنحن مياه جوفيّة !
وثالثة ..لعلَّ الفقر والضعف هو الموت فوجب علينا أن نحيا أمواتًا في القبور.
ورابعة ..نحن لسنا أمواتًا يا سيادة المسئول .
وعالم نفس يقول..يريدون ممارسة الاستعلاء المعنويّ والماديّ معًا ، حيث يودّون السير فوق رءوسنا.
وعنوان ساخر آخر في أحد الصحف..أحسن إلى جوارك مِن الجماحم أيّها المسلم -... الخ.
وكان الرئيس يواجه كلَّ هذا بقطْف رؤوس قادتة المعارضة وتكميم أفواه تابعيهم
 ، فسياسة التصفية النفسيّة والجسديّة هي منهجه ، أفلحَ في الإحاطة بالمجاهرين له بمناهضته ، أمّا سرًا ، فهناك رجال مصلحون يعملون في صمت وخفية ، ولذلك لم يحطْ بأعمالهم ، ينتظرون لحظة الانقضاض لتخليص شعبهم مِن الظلم .
إنّه في ذاك الوقت كان ..المجلس العسكريّ العظيم .
المهم ..انتهتْ معركة المعجنة وما إن وصلَ إلى مدخل العمارة حتى نادى عليه أحدُ الجيران واسمه بطرس يوحنا ، وكان يلحّ على فطين دائمًا كي يبيعه شقته ، فأخبره أنّ هناك مَن يسألُ عليه نحو ساعة مضت.
سأله فطينُ عن اسمه فقال له يبدو من سمته وشكله أنّه يهوديّ.
فشحب وجهه واصفرّ على الفور ، لم يلحظ بطرس ذلك ولذلك تابع كلامه قائلاً..
 ألمْ يحن بعد ؟
ردّ فطين..معك المال ؟
 قال في المحل.
 فردَّ عليه فطين..أحضرْه .
أبصر فهمان أبيه من البلكونة فأسرع نحو الباب ليستقبله.
بينما مضى بطرسُ مهرولاً ملهوفًا إلى محله لإحضار المال ، وفي طريق عودته إليه كان يهاتف أحدَ كبار القساوسة أنّه على مشارف الانتهاء مِن شراء منزل في أحد ضواحي جنوب سيناء.فرُدَّ عليه بأنّ يشتري بأيّ سعر.
نظر فهمان لوجه والده ، فلحظ في قسمات وجهه علامات الخوف فسأله فورًا ..أين كنت أبتِ ؟ فلم يردّ عليه فطين حيث أنّه عزم على الرحيل الآن وبسرعة.
رنّ جرس الباب ، فهمّ فهمان بفتحه لكنّ أباه أمسكه من رسغه قائلاً ..انتظر.
نظر من العين السحريّة ، إنّه بطرس ، فتح له الباب وأخذ المال وأغلقه في وجهه على الفور.
ثمّ أخذ ابنه قائلاً ..هيّا نرحل ، فما عاد هذا المكان آمن بعد الآن.
حدقه فهمان ولم ينبس بكلمة.
أخذه فطين وآثر الرحيل من الشرفة ، ولقد رأى فطين المطبخ الخشبيّ المحترق فلم يبدِ اهتمامًا.
ورغم أنّه الليثُ الأشجعُ لمْ يخرجْ من الباب وقفزَ مِن شرفة الحجرة الخلفيّة ، وأخذ ابنه والمال الذي قبضه مِن بيع المنزل وكذلك عصاه وركبَ أوّل سيّارة ومضى حيث لا يدري .
رحلَ تاركًا البيت الذي كان يمثل قطعة من جسده ، ففيه تزوّج بالمرحومة زوجته التي كانت مثله في العلم والوطنيّة ، رحلَ عن مكان الذكريات الحلوة.
في أوّل دقائق الرحيل لم ينتبه إلى ابنه ، وتذكّر ماضيه مع زوجته وقولَها له عندما قالتْ له ..فطين ، هذا المنزل أغلى مِن حياتي ، ففيه تزوجتك وفيه ولدتُ فهمانَ وفيه عشتُ ألذَّ أوقات عمري.
ولمّا كانتْ في النزْع الأخير قبل أنْ تُفارق الحياة قالتْ له ..لا تبعْ المنزلَ  ، اجعلْ كلَّ خطوة خطوناها معًا أملاً في الوصول إليّ ، وكلّ بسمة ومودة وأنسة عشناهم معًا ذكرى أطلالٍ جميلة قد تتحول إلى واقع ، كُن وفيّاً لعلّ الله يجمع بيننا مرّة ثانية في بُعدٍ آخر ، فقد تخترق يومًا ثقبًا أسود وتعبر فتصل إلىّ في بُعدي الذي انتقلت إليه الآن ، لعلّه يا فطين أحد أبعاد نظريّة الأوتار الفائقة الذي كنّا نسميه معًا بُعد الأموات.
ولا تفرّط في كتبنا ، دعها كما هي ، كتبٌ درسناها معًا وتدارسناها لابدّ أنْ تكون قطعة من جسدك..ثُمّ تذكّر قولها..
فطين ..لا تبعِ المنزل .
فاغرورقتْ عيناه بجانب ولده الذي لحظه فبكى لبكائه.



       يتبع ... يتبع
بقلمي : ابراهيم امين مؤمن


30
أدب / كيف تكتب رواية جيدة
« في: 07:50 30/12/2019  »
          كيف تكتب رواية جيدة
عند كتابة رواية لابد من :
أولاً إيجاد الفكرة : وهذا الأمر وإن كان قلب الرواية فإنه لا يمثل صعوبة في إيجادها بالنسبة للروائي الهاوي ويشاركه في هذا الشأن بالطبع الروائي المحترف .
ثانيًا عناصر الفكرة : وضع العناصر قد يستغرق شهورًا ، وهي  تتكون من عدة تحديدات مثل الأزمنة والأماكن والشخصيات الرئيسة وأسمائها ، والأهم تحديد طبيعة الموضوعات التي سوف يعدها الروائي لدراسة رواياته ، واعلم أن الروائي المحترف قد تكون هذه الموضوعات مسجلة لديه من قبل فلن يتجشم كثيراً في إعدادها أو البحث عنها .
مثل : تريد أن تكتب رواية عن الفضاء .
إذن عليك بدراسة السفن الفضائية ونظريات آينشتاين للجاذبية والكواكب والنجوم والتلسكوبات و … إلخ .
ربما يقول كاتب ..أنا أحدد العنصر وبعدها أدرس .. أقول له  الطريق هذا خاطئ لأن البدء بالدراسة سيوسع أفقك في اختيار الفكرة جيدًا وتحديد عناصر حيوية بنّاءة .
وثالثًا باطن العناصر :  بعد تحديد الفكرة ودراسة المراجع الخاصة بها عليك بتحديد مجموعة من الوقائع والأحداث تتاسب والفكرة العامة ، واعلم أنه كلما استطعت إيصال الفكرة للقارئ بكلام موجز سيكون أفضل ولا ريب من البسط وإن كانت الفكرة جميلة وأخاذة .
واعلم  أن أي واقعة ستذكرها لا ترتبط بالفكرة ستضعف الرواية ، وإن أي كلام يصدر من الشخصيات لا يعبر عن طبيعتهم يسقط الرواية فورًا .
فمثلاً .. أحيانًا يريد الروائي جذب القارئ بذكر مشهد مضاجعة ..
أقول له عندها .. ما المناسبة من ذكر هذه الواقعة ، هل الرواية تتكلم عن الدعارة مثلاً ، هل أحد شخصيتي المشهد شره جنسيًا وهذه الشراهة سوف تتداخل في أحداث الرواية ، هل صراخ الأنثى أو الفتاة عند المضاجعة له دور في إبراز عنصر ما لبناء الرواية.
4- رابعًا الأسلوب … لابد أن يكون كالأتي
-سلساً ومعبراً ..بحيث لا يجد القارئ صعوبة في فهم  كلام الرواية ، ومعبرًا عن المضمون بأقل الكلمات .
-وخالٍ من الركاكة ..وهذه تمثل معضلة كبيرة جدًا للروائي ، إذ أنه يجب عليه عدم تكرار اللفظ في الجملة ، كذلك  لابد من انتقاء الألفاظ المعبرة عن مراده فقط ولا تعبر عن مراد آخر غير الذي يقصده ، واعلم أن الجملة كلما قصرت وعبرت عن المضمون فهي خالية تمامًا من الركاكة .
-الضبط اللغوي.. كذلك لابد أن تكون منضبطة لغوياً لأن النص الملآن بالأخطاء اللغوية والنحوية يُذهب بنكهة الرواية كلها وإن كانت متفردة في جمال الفكرة وانتقاء العناصر المترابطة .
خامساً السرد : وهذه  تمثل ثقافة الكاتب وقدرته عن التعبير ، طبعاً الروائيون متفاوتون في طريقة التعبير كما الشعراء بالضبط ، إن السرد هو كيان الرواية وقلبها ولذلك كلما كان السرد أجمل وأقوى كلما ارتقت الرواية إلى الدرجات العلى ، واعلم أن السرد فيه أيضاً درجة إبداع الكاتب وقدرته على سياقة الرواية بأسلوب جمالي إبداعي حتى لو كانت من روايات الخيال العلمي .
سادساً  المراجعة ..
والغرض الأساسي منها هو جعل كل من فكرة الرواية وعناصرها ووقائعها وأحداثها وطبيعة شخصياتها متناغمة تماماً تماماً بحيث لا يشذ حدث عن مضمون الفكرة أو تتكلم إحدى شخصيات الرواية بكلام لا يتناغم مع طبيعتها .
كذلك لابد من عمل جدول خارجي يحدد فيه الروائي طبيعة الشخصية وزمن الحدث ومكانه أثناء سرده وربطه بالسابق واللاحق حتى  تتناغم الأحداث وتأتي مرتبة .
والمراجعة كثيرًا ما يتم فيها حذف جمل وإحلال أخرى مكانها ، كذلك يتم إضافة وقائع وحذف أخرى ، وأيضا حذف بعض الكلمات في بعض المواضع وإضافة أخرى في مواضع أخري أيضاً ، واعلم أن المراجعة قد  تستغرق وقتًا أطول إذا قورن بالوقت الذي استغرقته من قبل في سرد الرواية ، وانتبه أخي الروائي لهذا الأمر وهو أنه كلما أكثرت من مراجعة رواياتك كلما حلت وكملت .
وأخيرًا أرجو التوفيق للجميع .
                              إبراهيم أمين مؤمن



31
       قنابلُ الثقوبِ السوداءِ – أبواقُ إسرافيلِ خيال علمي
الرواية المشاركة في كتارا 2019-2020
                                                                 
الجزء الأول
قلبٌ ذو شطريْن...
جلسَ يعقوبُ إسحاق صباحًا بجانبِ الحاخامِ الأعظمِ في أكبر معبدٍ يهوديّ على أرض إسرائيل ، وكان مرتديًا ثوباً أسود وقبعة سوداء ، وحول عنقه لفافة بيضاء طويلة.
جلسَ ليؤدّي صلاته ، وفي كلّ مرّة يقولُ له الحاخام اقرأ صلاتك بنفسك ، ويردُّ عليه يعقوب في كلِّ مرّةِ .. بل أودُّ أن أسمعها مِن فمكَ سيدي الحاخام الأعظم.
فلم يجد الحاخام بدّاً من تلبية رغبته.
فيقول له ..ردّدْ ورائي يا وزير إسرائيل ، فيعترض عليه ويقولُ أنا يعقوب فقط .
فيقول له ..ردّدْ ورائي يا يعقوب فتلا مِنَ التوراةِ ..
«اسمعْ يا إسرائيل الرّب إلهنا ربٌّ واحدٌ، فتحبّ الرّب إلهك من كلِّ قلبك، ومِنْ كلِّ نفسك ومِن كلِّ قوتك.ولتكنْ هذه الكلمات التي أوصيك بها اليوم على قلبك.وقصّها على أولادك وتكلّمْ بها حين تجلس في بيتك حين تمشي في الطريق، وحين تنام وحين تقوم ، واربطها علامة على يدك ، ولتكن عصائب بين عينيك ، واكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك»
يقولها فقرة فقرة ويردّد كذلك خلفه فقرة فقرة كأنّه يلقّنه ، وبعد الانتهاء يصرُّ يعقوبُ على تلثيم رأس الحاخام .
بعدها يتناول يعقوب لفائف التوراة وفيها جميع الأسفار الخمسة يقرأ بعضًا منها باللغة العبريّة كما هي مكتوبة ، ثُمَّ يرفعها بيده ، وبعد القراءة تُطوى اللفائف وتُحفظ في كسائها ثمّ تُعاد إلى مكانها.
وبمجرد أن تُطوى اللفائف ينزوي في المعبد ليحدّثَ نفسه كالمعتاد.
وكان في هذا اليوم بالغ الأسى والحزن على حال اليهود الذي لا يستقرّ لهم مقام ، فالرئيس الأمريكيّ لمْ يؤازرهم بقوّة كسابقيه من الرؤساء ، وميوعة هذه المؤازرة
جعلته يفكر كثيرًا حتى قاده تفكيره إلى الماضي السحيق ، ماضي بني إسرائيل مع فرعون مصر.
فتذكّر محاولة فرعون مصر لاستئصال شأفتهم ، فقال لنفسه الحمد لله أن أرسل إلينا ربنُا موسى فأنقذنا منه.
كما تذكّر التيه ، تيه أربعين سنة في الأرض ، ولقد توّهته هذه الذكرى فشعر بأنّه لقيط رغم أنه وزير في دولة إسرائيل.
وتذكّرَ بختنصر بابل وكيف تعامل مع اليهود على أرض فلسطين ، فقد ..اضطهدهم ، استعبدهم ، قتلهم ، مزّق توراتهم ، خرّب بيت المقدس ..ثُمّ قال بازدراء غاضب..ألَا لعنة الله على العراق .
ثُمّ أمعن في الذكرى الأليمة لحال وطنه عندما أحرقهم هتلر، وفتكت هذه الذكرى بقلبه وكأنّ هناك مَن قذفه بشهب النار ، وبالفعل عند هذه الذكرى ارتفعتْ درجة حرارة جسده وبدا ذلك من خلال العرق الذي ألجمه تمامًا حتّى أنّه بلّل ثيابه ، ثمّ قال في نفسه متبسمًا..
ولولا ستر الله لاستأصلهم من جذورهم ولكنّ الله أراد بقاءهم لأنّهم أبناؤه وأحباؤه ، فقادهم ذكاؤهم ألّا يتجمعوا في أرضٍ واحدةٍ لإنّ العالم كلّه للأسف يتربّص بهم ويكرههم.
وظلّوا مذلولين للرومان حتى جاء الغزو الإسلاميّ وأخذَ منهم الجزية ...وبسخرية قال ..يأخذ منهم بدلًا أنْ يدفع لهم!.
وعاشوا مشتتين ، في أمريكا ودول أوروبا.
وما إن انتهى من هذه العبارة حتى ارتطمتْ أسنانه فسُمع صكيكها وقال ..ودول أوربا المسيحيّة التي ترى أنّ التوارة ألدُّ أعدائها ، اضطهدوا واستعبدوا معتنقيها طوال تاريخهم العتيق حتى سنة ثمان وأربعين وتسعمائة وألف.
فخفَّ الحِملَ عليهم ، وردّد على مسامعه قائلاً ..ولابدّ أن يخفّ الحمل نهائيًا ، لابدّ أن تركع أوروبا لدولة إسرائيل.
ثُمّ اتّجه ببصره إلى أعلى باكيًا وقال ..
أنحن أبناء الله وأحباؤه فعلاً !.
أنحن أسياد العالم فعلاً !
نحن عشنا عبر تاريخنا كلّه أراذل العالم .فلابدّ من الخلاص من هذه المسكنة والذّلّة ، لابدّ أن نتقلّد السيادة على العالم كلّه بما فيهم أمريكا.
وظلّ شاردًا حتى جاءه الحاخام الأعظم فاستنبهه وقال له ..كنتُ أودّ أن أراك ولو مرّة واحدة مبتسمًا ، دائمًا أرى وجهك كالحًا غضوبًا ، وأحيانًا حزينًا شاحبًا ، لا تخشَ على اليهود فهم أبناء الله وأحبائه فترفّق بنفسك ، ثمّ تركه مستعبرًا ودعا له وبارك .
رنَّ هاتفُه بعد مغادرة الحاخام مباشرة ، إنّه رئيس المخابرات المخلِص يخبره بإجماع أصحاب القرار الإسرائيليِّ توليته رئاسة الوزراء.
بعد أيام ..
جاء خبر تولية يعقوب إسحاق على اتحاد المقاومة الفلسطينيّة كالصاعقة وخاصة المعسكرين في الأنفاق .
وبتولية يعقوب الذي يصمونه قادة اتحاد المقاومة بأنّه أكثر رؤساء إسرائيل دمويّة على مدار تاريخ الاستعمار الإسرائيلي للمنطقة ، لم تجد المقاومة بُدّا من إثارة الأوضاع حتى الغليان ،،قالوا..لابدّ من الضرب في كلِّ أنحاء المستوطنات لكي تعلم إسرائيل أنّ اتحاد المقاومة لا يخاف من أحد حتى ولو كان مثل هذا السفاح الدمويّ يعقوب إسحاق.
وصدر الأمر من نفق الوادي الجديد بمصر بتنفيذ سلسلة العمليات القتاليّة .
وأيدهم على فعل ذلك مؤيد أصيل المصريّ إذ قال لقائد النفق الرئيس بالوادي الجديد والملقّب بعبد الشهيد..لابدّ أن يضرب الاتحاد في كلّ أنحاء المستوطنات ليعرفوا أنّنا لا نخاف.وعلى ذلك ..
تحرّكتْ كلُّ القوى في آن واحد ، تسللتْ عدة مجموعات في أماكن متفرّقة من المستوطنات الإسرائيليّة وقامتْ بتفجير عدد منها أبرزها تل أبيب وقطاع غزة والقدس المحتلة ، سقط على إثرها مئات القتلى وآلاف الجرحى في صفوف الإسرائيليين ، وكان منهم عشرات الأطفال الرُّضّع وكذلك عشرات النساء.
 كما تقدّمَ العشرات من المتطوّعين الفلسطينيّين وارتدوا الأحزمة الناسفة واقتحموا هذه المستوطنات وأحدثوا فيها خسائر بشريّة وماديّة فادحة.
ولقد شنّتْ أيضًا المقاومة هجومًا متوسعًا بقذائف الهاون والصواريخ على نفس المستوطنات التي تفجّرتْ في العمليات السابقة وسقط من نتاجها أيضًا أكثر من ألفي قتيل إسرائيليّ وآلاف الجرحى.
وترامتْ الجثث الإسرائيليّة تنزف العار قبل الدماء في عيون قادتهم ، جثث جنود وأطفال ونساء وعجائز.
وقد ردّ يعقوب فورًا على حركات المقاومة الأخيرة بأنْ ذبّحَ أبناءَ الفلسطينييّن وطارد كلَّ مَن عليها مِن الرجال والشباب حتى أجلاهم مِن على الأرض فاختبأوا في الأنفاق ، فحاول مطاردتهم بيد أن تكنولوجيا أجهزة البحث عن الأنفاق إزاء تكنولوجيا التعمية عليها منَ الطّرف الفلسطينيِّ ضعيفة نسبيًا ، فلمْ يستطعِ النيل منهم وخاصة أنّ هناك أنفاقًا محصّنة تحصينًا كبيرًا ، ومنذ هذه اللحظة تبدأ مرحلة جديدة مِنَ الصراع الإسرائيلي الفلسطينىِّ مدتها ستة وعشرون عامًا تقريبًا كما ستبينه أحداث الرواية.
ومِن أجل الوصول إليهم رفعَ تظلّمًُا إلى الأمم المتحدة بشأن فندق سونستا طابا بمصر ، واستشهدَ في مظلمته أنَّ إسرائيل هي مَن أنشاته ، وليس هذا فحسب بل أنشأت أيضًا قرية رافي نلسون ، وكان ردُّ الرئيس المصريّ هو قبول تظلمه نظير مبلغ ضخم ، أرسله إلى صندوق النقد ليسدّد بعض ديون دولته بعد أخذ قدرٍ منه له ولبطانته.
وبذا أصبح ليعقوب قاعدة تجسس عريضة على حركة المقاومة في سيناء كلّها فضلاً عن تجسسه على مصر.
ثُمّ أمر بتطوير تكنولوجيا البحث عن هذه الأنفاق اللعينة.
كما دعا الشعب اليهوديّ كلَّه إلى فلسطين لتوسيع الاستيطان ، ولكي يتمّ التهويد على أكمل وجه أمضى معاهدة رباعيّة لإخلاء قطاع غزة بالخصوص من الشعب الفلسطينيِّ ، وقد وافق عليها الرئيس المصريّ بتأييد الرئيس الأمريكيّ لها ومنظمة التحرير الفلسطينيّة نظير بعض المال أيضًا ، وتمّ توثقيها في الأمم المتحدة.
الجزء الثاني
عصا الثّأر بين مخالب الإلكترون..
بعد عامٍ مِن تولّي يعقوب رئاسة وزراء إسرائيل...
يجلسُ فطينُ في بيته القائم بجنوب سيناء قبيل الظهيرة وبجانبه ولده فهمان يشاهد التلفاز ويقرأ في أحد كتب الفيزياء ليبتكرَ من خلالها بعض الألعاب السحريّة الجديدة ، ويتبادلان الأراء بشأنها ، فسمع من إحدى وكالات الأنباء العالميّة نيّة العالم لاستعمار القمر، تتقدمهم الوكالات الفضائيّة الآتية ..الأمريكية ناسا ، والروسيّة “روس كوسموس”، و الأوروبيّة ESA،  والصينيّة (CNSA)، وتتابع الوكالة أنباءها قائلة..والاستيطان سيكون عبر تقنية المصاعد الفضائيّة بعد تذليل عقبات نصْبها.
وذكَرَتْ المصادرُ أنّ المشكلة كلّها كانتْ تكمنُ في وجود حبال تتحملُ الضغط  أكثر مِن مادة الكيفلار أو الأنابيب الكربونيّة الماسيّة المعروفتين آنذاك ، حيث أنّ قوّة الشدِّ المطلوبة هى  ثلثمئة غيغا باسكال وهذه القوة لمْ تتوفر في المادتين سالفتي الذكر.
وكلُّ وكالة مِن هؤلاء تقول أنّهم حصلوا على مادة أقوى بكثيرٍ مِن هاتيْن المادتيْن ولم يفصحوا عنها ، كلُّ ما يقلنه أنّها مادة خارقة وسرٌّ مِن أسرار الدولة.
ارتعشتْ يداه فسقط ما فيها ، ثُمّ نكس رأسه وهوتْ حتى كاد الانكسار وذِلّة النّفس يقتلعانها مِن جسده ، وقال إنّ العالم  يبتغي سُلّم السماء ونحن العرب نبتغي السقوط في نفق الأرض .
نظر إليه فهمان خائفًا دهشًا وقال له ..ما بك يا أبتِ ؟ فلم يردّ فطين .
فأقبل تلقاء وجهه وقبّل يديه ثمّ رأسه ، بعدها مباشرة رفع رأس أبيه بكلتا يديه إلى أعلى قائلاً ..بيدي أرفع رأسك يا أبتِ فلا تحزن ولا تبتئس ، لعلّ حضارة مصر تنطلق يومًا من الأنفاق لتعتلي الشموس.
فنظر إلى ابنه واحتضنه ثمّ أجلسه بجانبه مرّة أخرى.
وظلَّا على حالهما حتى أُعلن خبر آخر ، وهو بشأن قتيل فندق هيلتون طابا ، وهو تقييد جريمة قتل العالم المصريّ المشهور ضد مجهول ، فانتفضَ فطينُ من مكانه كالليث الغضوب الأشجع  قائلاً ..ماذا ؟ ماذا ؟
وتابع الإعلاميّ كلامه..
المقتول كان مِن العلماء المشهورين ، كان بروفيسورًا في كليّة الهندسة الكهربائيّة والميكانيكيّة بجامعة بيركلي الكائنة في ولاية كاليفورنيا.
وكان بصحبة بروفيسور أمريكيّ يُدعى بيتر ، تخصصه فيزياء طبيّة ، اِختفى إثر الحادث ، وما زالتْ المخابرات الإسرائيليّة تجدُّ في البحث عنه ولمْ تجده حتى الآن.
فأغلق فطين التلفاز وتساءل ..
كيف  تُقيد ضد مجهول ..كيف؟
كيف وكلّنا يعلم أنّ الموساد وراء عمليّة اغتياله ؟
لماذا لم يُسمّم أيضًا بروفيسور بيتر معه ؟
سلبوا الفندق بعد أن باعه لهم رئيسنا العار ، سلبونا وقتلونا .
وكزَّ على أسنانه وظلّ يهذي ويضرب جدار الحائط بكلتا يديه ، ثمّ أمسك عصاه وضرب بها التلفاز فهشّمه ، ثمّ كوّر قبضة يده اليمنى ولكمَ بها شُباك الحجرة الحديديّ فانخلع ساقطًا على الأرض ، وجرحتْ الشرفةُ يديه ولم يشعر بهما ، تبعه فهمان بوجه أصفر وقلب مضطرب لتهدئته فلم يستطعْ ، فلمّا رأى الدّم ينزف من يديه جرى ليحضر شاشًا ليداويهما ، فلمّا أبصرهما وجد الدم يتجلّط كلّما نزف ، فعلم أنّ دم أبيه عصيّ لا يقبل الهزيمة.
فسأله فهمان وجسده ينتفض بسبب هذيان وغضب أبيه ..ما بك أبي ؟ هدّئْ من ثورتك .
فقال له فطين ..
بُني هذا العالِم برع في علم الروبوتات براعة غير مسبوقة ، وكان أمل مصر في الخروج من ديونها بعد أن أعلن أنّ قدميه لن تدبا إلّا على أرض مصر.
خرّ فطينُ مهدودًا صامتًا ، ثمّ قاده فكره إلى الوراء قليلاً ، فتذكّر مقالاً قرأه عن هذا الفندق لأحد أساتذة الاقتصاد والعلوم السياسيّة العرب حيث قرأ  فيه ..
"فمن شأنه أنّه اغتصبته إسرائيل مِن قبل ، وتمَّت إعادته لنا بالتحكيم الدوليّ سنة 1988، ثُم ها هو يعود إليهم بالتحكيم الدوليّ بعد أن طعنتْ فى قرار سنة 1988، وتمَّ إعادته بلا رجعة بقرار أيضًا من لجنة التحكيم الدوليّ إثر البحث الدؤوب ليعقوب إسحاق لمحاولة استعادته ، وقدْ قام بتحريك المياه الراكدة وأثارَ العديد من القضايا التاريخيّة والتي استشهدَ بها أنّ اليهود لهم أحقيّة في أرض مصر ولكنّه اكتفى بهذا الفندق فقط.
وهي خطوة هامة ضمن المخطط الصهيونيّ لتهويد أرض فلسطين كلّها ، إذ أنّه نقطة انطلاق للوصول إلى أنفاق اتحاد المقاومة الموجودة في جنوب سيناء ومن ثمّ العمل على تدميرها بعد ذلك..
وفيما قرأ أيضًا..
قويت شوكتُهم وسيطروا على مجريات الأحداث في الشرق كلّه بلْ وعلى مجريات الأحداث العالميّة ، وتوغّلوا حتى دخلوا أبواب الأمم المتحدة وأثّروا في قرارتها ، حتى أنّ الرئيس الأمريكيّ آنذاك لمْ يستطعْ إبعادهم لأنّهم يتميّزون بالمراوغة وخفة الحركة وحسن التدبير.
ونحن العربُ منذ زوال الخلافة التركيّة وحتى الآن في انحدار مستمر ، أمّا انخفاض مستوى إنتاج النفط بدرجة كبيرة نسبيًا وكذلك المياه أيضًا مثلت الضربة القاضية ..انتهى المقال .
نظر إليه فهمان فوجده صامتًا ، فظنّ أنّ جحيم الثورة بداخله قد خمدتْ ، وأنّ رمادها تطاير في الهواء ، ولكنّه فجأة هبَّ واقفًا منتفضًا ، وعاد يزمجر ويعوي كالذئب المستلب من جديد ، فارتعد ولده وأشفق عليه .
ظلّ في صراخ متواصل حتى تساءل..كيف أطفئ النار التي تأكلني ؟
 ثمّ قال بلهفة ..القصاص ..القصاص ..القِصاص إذن .
فتناول عصاه السحريّة ولبس لاسته المزركشة ومضى يرفلُ في جِلبابِه الفضفاضِ قاصدًا فندق طابا للانتقام ، غير مكترثٍ لولده الذي يرتجف جسده خوفًا ووجلاً عليه.
لمْ يعرفْ فطين الشخص الذي قتله ، لكنّه يرى أنّ كلَّ إسرائيل قتلته شعبًا وحكومةًَ.
وعلى الرغم من ذلك فقد آثر أنْ يعرفَ بنفسه الشخص أو الوِحدة التي عملتْ على اغتياله بعدما عجزت أو عتّمت مصر في الوصول إليه.
هو متأكد أنّ وراء الجريمة أحد أجهزة المخابرات الإسرائيليّة وفي الغالب مِن وحدة الكيدون الخاصة بتنفيذ عمليات الاغتيال خارج إسرائيل.
هبطَ الدرجَ منتفخَ الأوداج تاركًا ولده الذي سعى خلفه باكيًا ليدركه لكنّه لم ينجح فقد استقلّ أبوه سيارة ومضى.
نزل من السيارة وقبل وصول الفندق بعدة أمتار وقف قليلاً ليعاين الداخل إليّه والخارج منه ، ولمْ يفته معاينة تكنولوجيّات بنائه الأمنيّة والترفيهيّة ، إذْ أنّ المقاتلَ لابدّ أنْ يعرف بالضبط ساحة قتالِه ..فقالَ عنه..للأسف إنّها تكنولوجيّة اسُتخرِجتْ مِن رحِم أمريكا وأوروبا عليهما اللعنة.
وظلَّ يتحسّرُ على حال المصريين والعرب ، فامتزجتْ الحسرةُ بالغضب وهذا الامتزاج مع شجاعته ولّدّ انفجارًا بركانيًا بداخله .
أمّا فهمان لم يملك شيئاً سوى الانتظارالحارق لحين عودة أبيه.
الفندق وقت الظهيرة..
هدّأ من ثورته حتى يفكر جيدًا بعقله الفيزيائيّ البارع المسرحَ القتاليّ الذي سيزيل عنه وصمة العار بالقصاص.
فأخذَ يُحدّثُ نفسه حينما رأى هذه التحفة التكنولوجيّة الهائلة التي أوجستْ في نفسه خيفةً ممزوجةً بعلامات الذهول .
شاهد في أعلى الفندق وجدرانه الخارجية مجموعة من الخلايا الشمسيّة النانويّة التي تغذي الفندق بالكهرباء نهارًا وتغذّيه ليلاً من خلال البطاريّات التي تمّ شحنها نهارًا.
فنقص المياه في  مصر جعلهم يلتجئون إلى هذه الطريقة.
ويعوّض الفندق نقص الماء عن طريق مجموعة أجهزة ال  MOF "اختصارًا لكلمة الأطر الفلزية العضويّة"والتي تستخلصُ الماءَ مِن البخار المتطاير في الهواء وتسخّنه وتحوّله إلى ماء يمتدُّ عبر أقماع ثُم تأخذُ في الهبوط لتستقرَّ في صهاريج.
فتذكّر تلك الشفاه المشققة التى يراها ليلاً ونهارًا في أبناء وطنه لقلة الماء والزاد ، ثم استحضر في مخيلته بيوتهم الورقيّة والصوفيّة ، تلك البيوت والأنفاق التي تشعّ من كلّ جوانبها ظلمات كظلمات قيعان البحار ، تلك الظلمات التي يرسلها النظام الحاكم إليهم بعد أن قلّ الماء بسبب سوء إدارته.
نظر إلى باب الفندق الرئيس فلم يجد فيه أيّ حرّاس أمن ، فولجه على الفور ، وقبل ولوجه أمسك لهيب غضبه ببرد كظمه.
دخل إلى ردهته ، فإذا بالناظرين يحملقون فيه وكأنّهم رأوا رجلاً نهضَ مِن قبره وأتى إليهم من الماضي السحيق .
وفيه يوجد بار للمشروبات الروحيّة أمام الداخل مباشرة ، ومناضد للمشروبات والأطعمة التي تُقدّمُ مِن قِبِلِ العاملين في الفندق .
يجلسُ عليها الكثير مِن العربِ والعجمِ ، غير أنّه على ما يبدو أنّ الجنس المصريّ مختفٍ تمامًا بسبب حادثة مقتل العالم المصريّ.
كذلك بها إناث كثر ، ويبدو مِن أشكالهِنِّ أنّ أكثرهَنَّ يهوديّات ، وعلى يمين الداخل مِن الردهة راقصاتٌ عارياتٌ تمامًا ، فغضّ طرفُه عنّهن .
في آخر الردهة شريط ضوئيّ متحرك ليحدد سعر كلّ ما بداخل الفندق مِن مشروبات روحيّة وأطعمة وإقامة ، كذلك يعرض صورًا لفتيات داعرات ومقدار ما يتحصلنّ عليه من مال مقابل ممارسة البغاء معهنّ .
جلس أمام البار وهو يلهث من العطش ، فحدّج في الشريط الضوئيّ ليعرف سعر لتر الماء ، فطلبه رغم ثمنه الباهظ جدًا.
*أمّا فهمان فبرغم تفكك أوصاله بسبب الخوف على أبيه إلَا أنّه آثر أن يعدّ له طعامه الذي يحبه لحين عودته ، وبالفعل قام ووضعه على الموقد ثمّ سحب كرسيّاً وجلس في البلكونة ليترقّب عودته.
*ولمْ يغبْ عَن فطين النظر في وجوه زبائن الفندق ليحدّد هدفه مِن المسألة التى جاء من أجلها ، وهو الانتقام .
وقد ركّزَ على بعض الجالسين وتفرّسهم ، فلم يجد فيهم ما يروي ظمأه ويشفي غليله.
وفجأة رأي رجلاً ولجَ مِن باب الفندق الرئيس ، أشبه بأولئك المقاتلين الذين يظهرون على حلبة المصارعة الحرة .
تبادل الاثنان نظرات الحنق والغلّ معًا ، تلك النظرات التي جعلته يفكّرُ في شأنه بأنّه قد يكون الهدف والغاية ، على كلٍّ هو هدف دسم يبرأُ سقمه ويشفي غليله.
أمعن النظرَ فيه ، فوجده كله عبارة عن كتلة تكنولوجيّة متحركة من شرائح نانويّة متزاحمة في إشارة مرور عروقه العفنة.
تلك الشرائحُ التي تمنحه قوة فكريّة وعضليّة هائلة.
وعلى يمينه روبوت ذكّره وسماه يهوذا وكان يستحثّه بغلٍ على ضرْب روبوت آخر أنّثه وسماه حتشبسوت ، كانا مبرمجيْن على حالة غريبة تتمثلُ طول الوقت في سجود حتشبسوت ليهودا ، ويهودا يركلُها ويبصقُ عليها ، ويستنفر يهودا دائمًا كي يضربها على الدوام ، فكان يقول..اضربْ يهودا ، اضربْ هذه الحضارة الملعونة ، فحنى فطين رأسه خجلاً وقال في نفسه يا للعار، قد بدت العداوة والبغضاء منهم ونحن نؤازرهم. 
فألهب حتشبسوت ويهوذا جموح الغضب لديه فاستنفِر أكثر ، وازداد يقينًا أنّه قاتل العالم الجليل ، فقرر قتله.
يقولُ فطينُ في نفسه ...
هذا الأحمقُ يلتفّ حول معصمه هاتف محمول مصمم على هيئة سوار.
وليس مُستبعدًا كما قرأتُ أنّ حساسات محموله الذكيّة الملتفّة حول معصمه تتصلُ بهاتفي الآن  وتخبره أنّي أنا...
فطينُ المصريّ -مصريّ متعصبٌ -مِن قاطني جنوب سيناء -ساحر- ....الخ.
وليس بعيدًا أن يحتوي رأسه على حاسوبٍ ذكي يتصل بمجسات دقيقة يتمكن مِن خلالها التحكم فيمن حوله مِن أجهزة بمختلف أنواعها ، وكذلك رقاقات إلكترونيّة تحت الجلد تكسبه قوىً خارقة وأجهزة إنترنت بالجسد.
وما بقي له إلّا أن يتصلَ رأسُه هذا بثقبٍ أسود لتزويد جسده بالطاقة.
لكنّى أنا "فطين" ما يُعجزني شئ وما هُزمت قطّ ، ولنْ أدعَ هذا المنتفخ صاحب الخُيلاء بتكنولوجيّته اللعينة ، تلك التي أذلتنا نحن العربُ على مرِّ تاريخنا وبالأخصّ منذ يوم الاستقلال الأمريكيِّ وتطور الحضارة الأمريكيّة والغربيّة على مرِّ التاريخ الإنسانيّ الحديث.
وقررتُ الالتحام به وتصفيته.
*أمّا فهمان فجالس في البلكونة شارد الفكر ، وفجأة اشتمّ رائحة حريق فتذكّر الطعام ، فقال قاذفًا بلسانه ..الطعام الطعام ، ثمّ هرول إلى المطبخ فوجده يحترق .
وما حدث بالضبط  أنّ الطعام تبخّر رمادًا من داخل الوعاء بفعل وقود الموقد ، ثمّ أمسكت في المادة الزيتية الموجودة بداخله ، ارتفع اللهب بعدها فأمسك في صورة أبيه المعلقة بجانب المطبخ ، ثمّ امتدّ فأمسك في ضلفة المطبخ الخشبيّ القريبة من الصورة وكانت تحتوي على زجاجات زيتية.
والغريب أنّ النار لم تحرق من الصورة إلّا وجه أبيه.
*وما زال فطين يحادث نفسه قائلاً ..لن أجهلَ هذا الخنزير اليهوديّ ، ولن يخيفني ولو كانتْ تتجوّل بداخله ثقوب سوداء مجهريّة أو قنابل هيدروجينيّة .
ووضعتُ نفسي في حالة ترقّبٍ واستنفارٍ لحين لحظة الانقضاض ، ولمْ انتظر قليلاً إذْ رمقنى شزرًا مُطلِقًا ألفاظ السبِّ والتهكّمِ حيث قالَ بقرفٍ..أيّها العربيّ الجِلف الساحر الملعون ، أعلمُ ما بداخل عقلك العفن .
رددتُ عليّه..أعلمُ أنّك مُجهّز برقاقةٍ لقراءة الأفكار يا صاحب الرأس الحاسوبيِّ ، كما أعلم هذا السوار الذي حول معصمِك ، سوف يأتي يومٌ نحوّله إلى أغلال وقضبان نغلّكم به ونحبسكم فيه.
اغتاظ اليهوديُّ وأومأ بسبابتيه اليمنى واليسرى إلى يهودا وحتشبسوت ليهاجماني ، هذه الحتشبسوت التي تحوّلتْ فجأة مِن حالة السجود إلى حالة الهجوم.
فتحفّزّتُ للكرِّ والفرِّ ، ارتعشتْ شفتاي مِن الغضبِ واصطكّت أسناني وفارالدّمُّ في عروقي فزأرت زئير الأسد ، وتداعى على مسامعي دمدمة الحروب وصليل السيوف وكأنّ الماضي طرقني ليذكّرني أنّي ابن الفراعنة .
ثُم قلتُ لنفسي..ألقِ عصاكَ يا فطين .
ولمْ أمهلهما وبدأتُ أنا بالهجوم ، توالت ضربات عصاي عليهما ، وكانا يدرءان ضرباتي مِن خلال أذرعهما المعدنيّة التي خُصصت لذلك.
*وفي منزل فطين النار تزداد تأججًا حتى كادت حجرة المطبخ تتحول كلّها إلى قطعة من الشهب وفهمان يعمل على إخمادها.
*في حركة بهلوانيّة خفّضتْ حتشبسوتُ رأسها ، ولفّتْ جسدها لفّةً دائريّةً على الأرض كالفرجار وذاك بفتح إحدى قدميها بينما الأخرى تمثل موضع ارتكاز، اصطدمتْ بقدمي فأوقعتني على الأرض ، فلمّا هممتُ بالنهوض وثبتْ وثبة الفهدِ ، وجثمتْ على صدري وأزالتْ  لاسةَ رأسي ، ثُمّ لكزتني في صدري ووجهي ثُمّ ابتسمتْ ثُمّ لثّمتني وجلستْ على قضيبي تتهدهد فاغتظتُ لذلك ، فأعدتُ اللاسة على رأسي ، وقبضتُ على يديها ، وكدتُ أفصلهما مِن جسدها وقلتُ..نحن العربُ لمْ نعشْ مِن أجل هذا فحسب أيّتها الخائنة الداعرة .
غير أنّ يهودا أنقذها منّي ، فنهضتُ ونهضا.
أدرتُ عصاي كالمروحة في الهواء ، وهجمتُ عليهما وكانا يرجعان إلى الخلف اتقاء عصاي .
ثُمّ جندلتُ يهودا بضرْب قدمه فخرَّ على الأرض ، وضربتُ قلبَه فاتلفتُ شريحته ، ثُمّ أتلفتُ بطاريته بضربةٍ قويةٍ جدًا بوساطة العصا ، فسمعتُ صوتَ أزيز أسلاك ، وشممتُ على الفور رائحة شياط .
ثُمّ وجّهتُ عصاي إلى حتشبسوت وأطلقتُ الزئبقَ الذي كان بداخل العصا فصارت كأنّها حية تسعى .
فارتعدتْ أوصالها وولّْتْ هاربةً بالقفزِ إلى أعلى والتصقتْ بسقف ردهة الفندق.
وتعجّبَ فطينُ قائلاً..سبحان الله لو أنّ هذه الحتشبسوت لمْ تملك تلك الخلايا العصبيّة في رأسها التي تشعر لِمَ خافت.
نظرَ اليهوديُّ نظرة استعلاء وتهكّم إلى روبوتيْه وبصقَ ولعنهما ، ثُم قفزَ قفزةً على رأسي فخررتُ واقعًا ، ثُمّ حاولَ استخراج غازٍ سامٍّ مِن هاتفه الملتفّ حول معصمه ليدخله في أنفي أو فمي ، بيد أنّي فقهتُ الأمر سريعًا فقاومتُ يده حتى أبعدتها عنّي .
دفعته ، فتدحرج قليلاً ثُم نهضَ وعاود الكرّة وتقدّمَ نحوي مُهاجمًا بذراعيه ذات الشرائح الإلكترونيّة ، ولكزني في بطني ووجهي وضربني فوق رأسي فشُجّ وسقطتْ اللاسةُ مخضبة بدمائي ، ثُمّ انخفضَ برأسه مائلاً وضرب قدمي بذراعه اليمنى فخررتُ إستي .وثبَ قافزًا على صدري وكيّل لي لكمات أخرى موجعة سالتْ على إثرها الدماءُ مِن شِدقي وفمي وأنفي .
كان بارعًا جدًا في القتال ، وكان ذلك لإنّ شريحةَ الهاتف قامتْ بعمل المدرب الملقّن الذي كان يوجّهه دائمًا لأخْذ الموقع المناسب للهجوم أو الدفاع وكيفية توجيه الضربات .
تسربلَ وجهي بالدّمِ حتى حجب الرؤيا عن عينيّ.
واليهوديّ يضربني بتؤده وثقة ويختال ضاربًا ، ويبصقُ على وجهي قائلاً..مصريّ عفن ..مصريّ عفن .
لمْ تسعفني قوّتي للخلاص منه ، إذْ كان متمكنًا في جثومه.
تألمتُ مِن ضرباته ، وهناك ما أوجعني أكثر واستنفرَّ عزيمتي ، وهو أنّي أبصرتُ وشمًا محفورًا على ساعديه يُحددُ ملامحَ المنطقةِ العربيّة مِن النيلِ إلى الفراتِ وأقدام اليهود تطأُ أرأس العرب.
فانفجرتُ غضبًا وقلتُ لا.. لا.
ومع صيحات غضبي تردّدَ على سمعي وبصري قهقهاتُ الداعراتِ والنزلاءِ وعامليِ الفندق ، يقهقهون في حالة هيستريّة كأنّهم يسخرون مِن حالنا المزري ، فتذكّرتُ حالة حكّامنا عند الأزمات ، فأصواتهم تدوي في الآفاق وهُم أضعف مِن جناح بعوضة ، وأنا لست موضع سخرية ولا إمّعة ولا ضعيف ، فدفعته دفعةً شديدةً فانقذفَ مُرتطمًا بجدار الحائط الزجاجيِّ فانكسرَ ثُم هبّ واقفًا ، فأقبلتُ عليه وجندلته بالعصا بيد أنّه قفزَ إلى أعلى ليتقيها .
أدرتُ العصا بيدىَ التي أمسكتها مِن مركزها فبدتْ كأنّها تدورُ كالمروحة وهي تحفُّ حفيفًا كحفيف هواء مروحة عِملاقة حتى وكأنّها تبعثُ أعاصيرَ ، وسمعتُ لها هزيمًا كهزيم الرعد القاصف فأوقعتُ في نفسه خيفةً أصابته بالوهن وفتّتْ عزيمته فتطايرتْ مع الهزيم رمادًا.ضربته في معصم يده فتهشّمَ الهاتفُ ، فجنّ جنونه وقالَ لي..أتعلم بكَمْ هذا الهاتف يا جاهل يا متخلّف يا عائم في المستنقعات.
ثُمّ عاجلتَه بضربةِ معلمٍ ، ضربةٌ في رأسه فشُجّتْ وأُدميتْ ، وأُتلفتُ الشريحة الإلكترونيّة التي كانتْ تتصل بكلِّ شرائحِ جسده ، فانطلقتْ أشعةٌ مِن رأسه نتيجة تحرّر الإلكترونات مِن مستويات الطاقة مصحوبة بنزْف دمٍ مِن رأسه ، وسمعتُ سرينة إنذار تنذر بتعطّل الأجهزة بداخله .
*وأخيرًا استطاع فهمان أن يطفئ الحرائق التي نشبت في منزله.
*بعدها تحوّل إلى قِزمٍ راكعٍ أمامي يطلب الصفح والمغفرة غير أنّي لمْ أنسَ دمَ العالِم فسألته مَنْ قتله ؟
فأجاب : سلوا أنفسكم .
فنكستُ رأسي هنيهة ، وقلتُ في نفسي ..نحن الذين فتحنا لكم البابَ فدخلتم وأعملتم فينا السيف.
لمْ يجدْ فطينُ أفضل مِن الوادي الجديدِ ، فمساحتها كبيرة وبعيدة جدًا عن جنوب سيناء .
وقدْ إكتظّتْ بالسكان لوفْرةِ المياهِ تحت الأرض ، إذْ أنّ النّاس بالفعل رحلوا إليها قادمين مِن أكثر القرى والمدن جفافًا ، أتوا إليها بسبب آبارها ومياهها الجوفيّة التي ما زالت تفيض ماءً.
ممّا حدا بأكثر النّاس فقْرًا أنْ يحفرَ بئْرًا ويقيم فيها بسبب فاتورة المياه التي ما عاد يستطيع أحد دفعها.
وممّا ساعدَ على رحيل السكان إليها أنّ بعضًا مِن المستثمرين المصريّين والعربِ شرعوا في عمل بعض المشاريع عليها بسبب توفير خدمات الطاقة ، ألَا وهي الطاقة الشمسيّة ، وكانتْ شبكة الأرصاد الجويّة تسميها بلد الشمس ، ونتيجة لهذه المشاريع تمَّ توفيرَ بعض فرصِ العملِ لأهل المحافظة وغدت البطالة بها لا تتعدّى أكثر من 96% بينما بقية المحافظات فقد وصلت إلى 99%.
حتى سيّاراتها فكلّها تقريبًا تستخدمُ الطاقةَ الشمسيّةَ للتسيير بسبب الانخفاض الحاد في الاحتياطيّ العالميّ مِن النفط .

الى اللقاء لتكملة الجزء الثاني ان شاء الله
       بقلمي ..إبراهيم أمين مؤمن
ebrahim2016amin@gmail.com



32
أدب / طريد الّليلِ
« في: 05:16 13/09/2019  »


طريدُ الّليلِ...


ابراهيم امين مؤمن

مرَّ النّهار عليكَ اليوم تنتحبُ
بدار محبوبكَ الخالى وقدْ ذهبَا
تبْكى طلولاً فنتْ أصداؤها وهوتْ
ترجو لقاءً وما تستقرئ الحُجُبا
أوردتَ قلبك وهماً تالفًا جُرح
واتخذتْ بيتًا كنسْجِ العنكبوتِ هبا
وما حبيبك إلّا عازفٌ صدِئَ
أو ساخرٌ راحلٌ يستحقرالطَلَبا
وما فؤادك إلّا صارخٌ ذُبِحَ
وبالليالى يسيلُ الذلَّ منسكِبا
تأتى إلى الليل تصلى النارَ والحطبَ
فكيف ترقدُ فى جمْرٍ شَكا وشَبا
وضعتَ قلبكَ فى فرْش اللّظى سَكناً
وصار قلبك ناراً يحتسى الشُهُبا
فراشكَ الجمرُ والجدران تشتعلُ
والليل آل سِهامًا ترشقُ اللهَبا
حاربتَ ليلَكَ بالدّمعِ الثخينِ جرَى
فماتَ فى أرَقٍ واسْتكْتبَ الكُتبا
عاركتَ ليلَك وانفكَّ النّهار أسيً
والبدْر أظلم مثل النّجم مُصطَحِبا
يا مُقبلاً برزايا الحبِّ تحملها
وتثقلُ الليلَ ذاك المرَّحيث أبىَ
تأبى النُّعاسَ على ترنيمة القمرِ
وتسحقُ القلبَ بحبٍّ أضرمَ الشُّهبا
وتلعن الليلَ فى آياته وتشى
مُستبطئًا سيره والليل قدْ حُسبا
أنظرْ إلى القمر المدرار بالسنا
يزجُّ ظلماءَ نفْسٍ أظلمتْ رُحبا
أنظرْ يُراسلكَ الأنوارَ مِنْ فمه
أنْسٌ غشىَ هجرَ عشْقٍ ضاع واقتضبا
أنظرْ جماله عرْس القلب قدْ حضرَ
حلَّ الجمالُ يقدُّ السُّقم فانشطبا
أنظرْ إلى النِّجم فى أنواره يهبُ
فخذْ سناه ودعْ دجْن الهوى رُغُبا
خذه الدليل يضئ الدرب مِنْ غسقٍ
إجعلْ سناه يزيلُ الهمّ واللعِبا
هيّا عرائس فى عمْرِ الزّهور ِحلتْ
وقدْ علتْ زينةَ المحبوبَ لا كذِبا
أنظرْ إلى سكنِ الليلِ الأليفِ ضحىً
إلهك الآنس الدانى فسِرْ أدبا
ناجى إلهك دعْ ما يعتريك ضحىً
واعلى المناجاةَ واهبطْ هجرَه قُلُبا
ناجى هآلا يواسي كلّ مغترب
ولا تناجى افولا قد مضى وذهبا
ناجى ودوداً عسي يحبوك عن كثبٍ
ودعْ حبيبًا بغيضاً كارهاً رُحُبا
أو نمْ بظلِّ هدوء الليل مضطجعًا
واستقبلَ الصبحَ أمسى الهمّ مُنْشطِبا




33
أدب / الجهلُ الأكبر
« في: 10:27 29/08/2019  »
                                                    الجهلُ الأكبر
ملحوظتان قبل القراءة ...
1-إلى جلِّ منْ يملك أمره ، آثر السلامة دائماً ولا تُعرّض نفسك لاختيار مآله  "أكون أو لا أكون".
2-النص جرئ جداً  ، فحاذر أيّها القارئ ان تؤوله تأويلاً خاطئاً.
                                                        النص
خرج حاكم المجرات من مخدعه متكدّر المزاج كالعادة ، لكنه هذه المرّة أصبح أشدّ كدراً ، فقرر الإفصاح اليوم ، اليوم فقط ،عما كان يضمره منذ  عشرات السنين.
وسبب كدره وفراغ قلبه أولئك الذين يطيعونه فى مجرّاته ، فهم على فئتين ..فئة أسماها "السحابيّون "وطاعاتهم له لم تكن عن حبٍّ وإجلال ،  بل عن فِطرة فطرهم عليها منذ ولادتهم .
والفئة الأخرى أطلق عليها إسم "الرّعديّون "وهم كثرة كاثرة ، وهؤلاء لم يكونوا أحسن حالاً من الأولى بل أسوا بكثير لأنهم يطيعونه خشية بأسه وقوته.
لكنهم للأسف مفطرون على الكِبر والخُيلاء.
والحاكم يعلم جيداً أنه لولا قوته لشنّ الرّعديّون حروبًا شعواء على فئة "السحابيّون" حتى ينتهوا منهم ثُمّ زحفوا بعد ذلك فى جميع أنحاء المجرات وأعلنوا أنفسهم أسياداً عليهم.
فقرر أنْ يضمَّ إليهما فئة أُطلق عليها إسم "الأرضيّون"بعد أن علم سجاياهم وصفاتهم ، حيث أنّ منهم مَنْ سيطيعه حبّاً لا عن فِطرةٍ ولا كراهة وسلطان ، لكن للأسف أكثرهم سيعصاه ويسفك الدم.
واستكمالاً لمشيئته سيظلّ جلُّ منَ "السّحابيّون" و "الرّعديّون " على حالهما. أى فطرة الطاعة للأولى والوعيد العاجل للثانية حال عصيانهم له.

ومن أجل تنفيذ المخطط  قرر إرسال"السحابيّون " إليهم  دون علم "الرّعديّون ".
وهو أمر طبعىٌّ من حاكم المجرات ، لأن "الرّعديّون" قلوبهم ملآنة بالكبر والحقد وذلك معزوٌّ إلى قدرتهم الخارقة على تطويع الأشياء.
قال لهم ..أريد "الأرضيّون" يدخلون فى مملكتنا الفضائية الفاضلة لأزيل عن نفسي هماً كتمته فى قلبي عشرات وعشرات السنين.
قال كبير "السّحابيّون".. سيدى الحاكم تتواتر الأخبار عنهم أنهم قوم فوضويّون ، سفاكو دماء ، حاقدون ، وجلّ هذا فيهم رغم أنهم لا شئ ، حتى أفتك أسلحتهم التى صنعوها ليبيدوا بها بعضهم بعضًا لا تؤثر فينا إذا ضربونا بها ، فهى مثل الدخان السارى فى الهواء بالنسبة لنا.
قال الحاكم ..هم ضِعاف لكن بعضهم يمتلك قلوبًا سيطيعونى بها عن رغبة وحبٍّ ، ثُم تابع ..أريدهم هنا فى المملكة ، سأسيّدهم عليكم وعلى "الرعديّون" إذا قبلوا عرضى.
فامتثلوا جميعًا لأنّ هذه فطرتهم .
ولقد شعر الرعديّون بشئٍ مريبٍ إزاء اللقاء الذى جمع بينه وبين "السحابيّون".
وعندما وجدوا "الأرضيون" فى المملكة  تأكدوا مِنْ صدق شعورهم ولكنهم آثروا الإنتظار عما سيسفر عنه اللقاء.
وأتوْا بهم فى ساحة المُلك ، فطرح عليهم العرض وخيرهم بين الأمرين ، الرفض أو القبول .
وقال لهم .. إذا رفضتم أرجعوكم السحابيّون إلى أراضيكم بلا عقاب وتركتم وشأنكم ، وإذا قبلتم عشتم أسيادًا علي جلّ مَنْ فى المملكة  ، والجلُّ سيُذلل لكم من خلال قوتى التى لا تُقهر .
ولكن بشرط ..أن تطيعونى بقلوبكم ، طاعة عن حبٍّ وإجلال.
وإنْ عصيتم طردتكم خارج المملكة وجعلتكم فى أغلالٍ وقيودٍ حتى تموتون.
فتداولوا فيما بينهم ، ثُم قالوا .. ما أيسر طاعتك فى سبيل حصولنا على المُلك ، وأى مُلك ! إنه ملك على "السّحابيّون" و"الرّعديّون". هؤلاء وهؤلاء لو نفخوا فى أرضنا لأحرقوها.
وما أعسر عِصيانك فى سبيل اتقاء أغلالِك .
وللأسف جهلوا وتعجّلوا ، فقد قرروا قبول العرض وعاهدوه على الطاعة ،
 ، فكان جهلهم أكبر من جهل ظلم وطغيان "الرّعديّون".
 قبلوا رغم خوف بعضهم أن يتملّص الحاكم مِن وعدِه !! .

وبمجرد قبولهم العرض قال للفئتين الأخريين ..
منَ الأن فصاعدًا ..هؤلاء الأرضيّون أسيادكم ، هم صفوتى ولقد فضلتهم عليكم ، فامتثِلوا لهم طائعين .
فقال كبير "الرّعديّون"  وكان أشدّهم طاعةً بسبب حبّه للبقاء .. ألا تعلم أيّها الحاكم أنّ هؤلاء "الأرضيّون" لا شئ ؟ أنا أستطيع أن أبيدهم وأقضى عليهم قبل أنْ تقوم من مقامك هذا .
قال الحاكم ..كنتَ تستطيع .. كنتَ .. ، لكن اليوم قد جعلتُ بينك وبين "الأرضيّون"  حاجزًا وحصّنتهم من غطرستك وكبرياءك .. والأن .. أطعنِى ولا تعصنى .
كُنْ أنت وباقى عشيرتك منَ "الرّعديّون "طائعون لهم، عيشوا لهم خدمًا كما امتثل السحابيّون لأمرى.
قال كبير الرّعديّون ثانيةً ..أنا سيدهم ولستُ عبدهم ، وسأنتقم منك على إستحقاركَ لنا ، ولذلك لن أجعلهم يطيعونك ، سأصرفهم عن ذلك ما دمتَ سيّدتهم علينا نحن الرّعديّون.
ردّ الحاكم : وأنا قبلتُ التحدى وسأبقيك حيًا حتى أري ماذا سيواجه الأرضيّون إغوائك .


عاش الأرضيّون فى المملكة لا يجوعون أبداً ، ولا يشقون ، ونجحوا نجاحاً كبيرًا فى طاعته عن حبٍّ.
وفى إنتظار وعده بالرّضوان مدى الحياة  فى المملكة.
وذات يوم تسلّل كبير الرّعديّون إليهم فزيّن لهم عِصيانه قائلاً...
هذا الحاكم سينكص على عقبيه بعد أنْ يتملّص من وعوده ، إذن.. على ماذا تكبتون شهواتكم  !!
لماذا تحيوْن عبيداً له وكنتم أسيادًا على أراضيكم ؟
إنسلخوا وعيشوا أحراراً كما كنتم ، إسفكوا دماء الضعفاء منكم ، وتمتعوا بفروج نسائكم وأدبار رجالكم ، وتبادلوا المتع معاً .. هيّا .. هيّا .
فانسلخ منهم أكابرهم  فنكصوا عهد الحاكم وقفزوا على الصغائر منهم والضعفاء فسفكوا دماءهم وسلبوا أموالهم واغتصبوا منهم النساء والرجال.
فنظر الحاكم إليهم غاضبًا ، بينما كبير "الرّعديّون "وقومه يتراقصون فرحًا.
ثم أمرهم جميعًا بالهبوط إلى حيث كان "الأرضيّون" يسكنون وحدد لهم مدة وكانت مئة يومٍّ فضائىّ ، وسلط بعضهم على بعض. 

ثم نظر إلى "السّحابيّون" وقال لأحدهم .. أنت أنت تقفّ أثرهم واكتبْ أعمالهم،
  أكتب كل ما يعملون من طاعة لى أو معصية حتى لا أنسى...ثم نظر إلى آخر  ..عليكم بأخذ أرواحهم عندما أأذنُ لكَ ، ..
 وقال لآخر ..وأنتَ أنتَ عليك بإحضار "الأرضيّون" كلّهم جميعًا لأحسابهم على أعمالهم بعد  تمام المهمة.
ثُم أمرهم جميعًا بإحضار السلاسل والأغلال لمن أدبر وعصى .. ثم قال أمّا من وفّى وأطاع فسأجعلهم يحيوْن فى المملكة.
وانتظِروا جميعًا وأنا معكم منَ المنتظرين.

ومرّ مئة يوم فضائىّ وحانتْ لحظة النهاية ، ولمّا هَمّ بسلسلة وتقيد  جلّ "الرعديّون" تقريبًا وأكثر "الأرضيّون" إعترضوا قائلين..
 لِم تعذبنا وتكبلنا ؟ ألمْ تكنْ أنت مَنْ أوجدتنا وكلفتنا ؟
فقال طمعكم وجشعكم وجهلكم هُم مَنْ ألقوا بكم فى العذاب عُمياناً، كان يجب عليكم ألّا تقبلوا ، ولكنّكم جهلتم وظننتم أنّ بكم قوة على طاعتى.
أنتم الأرضيّون مارستم جلّ طرائق الطمع والجهل فتوحشتم وطغيتم  قبل أن أعرض عليكم ، وتركتكم وحالكم تأكلون بعضكم بعضًا وتشربون دماءكم بعضكم بعضاً ، ولكن بعد أن قبلتم عرضى لمْ أدعكم وحالكم ، ولقد نسيتمونى واليوم أنساكم ،، ثم سيرهم عُميانا يتخبطون فى أغلالهم.

             إبراهيم أمين مؤمن
       اسالكم الدعاء اخوتى بالتوفيق فى مسابقة كتارا للرواية العربية
          30-8-2019












34
أدب / مقامة الرقصة الأخيرة
« في: 09:35 20/08/2019  »
                                                             مقامة الرقصة الأخيرة

ملحوظة قبل القراءة ...
إلى جلِّ منْ يملك أمره ، آثر السلامة دائماً ولا تُعرّض نفسك لاختيار مآله  "أكون أو لا أكون".

                                                                        النص
وجدّتها فى كهف من كهوف الجبال وأنا أعبر الصحراء ، طفلةٌ شعثاء ، وثيابها العراء ، وملامح وجهها متوحشة ولكنّها تختفى خلف ثوب من بسمات حرباء ، لكنّى ظننته من وحشة البيداء ، وطول المقام وسط الوحوش والظلمات.
أو لعلها تجنّستْ ببيئة من حولها واختفتْ بشريتها خلف قصبان الفيافى المكفرة ، فأردتُ أنا... إطلاق الإنسان .
فبسطتُّ يدي أغيث .
فوجدتها خائفة أو كأنها تفكر فى شئ ما ، فاستنفرتها على بسط يدها ، وأركبتها مطيتى ومضينا .
أدخلتها قصرى .
أمضتْ أحلام طفولتها و ريعان شبابها تحت رعايتى وحاشيتى .
لا أنسى يوم قفزها على خدّى وأنا نائم مذْ كانت طفلة .
ولا أنسى ظهرى الذى حملها فكانت فارساً يلهو بفرسه مذ كانت طفلة .
ولا زمهريرالشتاء الذى فيه خلعتُ ثوبى وألبسته إيّاها ، وأوقدتُ النار لها لتستدفئ وكاد وجهى يحترق دونها ، وكانت ثورتى أشدّ اشتعالاً لرعايتها .
فكان خدّى بساطًا .
وراحة يدى لها عطاءاً .
وظهرى لها لهواً ووقاءًا .
وخدمى وحاشيتى لها أرقّاءاً .
ومن قبل مطيتى لها من الصحراء سفينة نجاة وإمضاءًا .
فشبتْ تحت رعايتى فقررتُ الزواج وإقامة العرْس .
مضى العرس وذهبتُ معها للعرس الأكبر فى قصرى وهو عُرس الرقْص .

طقوس الرقص..
رقصتُ لها وفى يدى كأس السكْر.
وبينما أنا غارق بين الرقص والسكر تراءتْ أمامى مشاهدًا من عقارب الحفن والدعْب .
هو من السحْر ؟
لا أدرى ولكنى قلتُ أنه من هلوثة السكر.
آخذ بيدها تارة وأدعها تارة وأنا ألف وأدور بالكأس.
أتمايل يمينًا ويسارًا وأقفز ثم أهبط لا أبغى نشوتى ولكن نشوتها هىْ .
قبل أن أطلق روحى فى روحها ودمى بدمها على الفراش الوثير .
كمْ انا مشتاق لانفلات نفسى فى لذيذ من متعة الجسد والروح على الفراش الوثير .
تقاربنا راقصيْن ، فلما قبّلتها فى روح شفتيها شعرتُ بمسٍّ فى وريد قلبى فرقص جذلاناً.
مددتُ يدى إلى يدها فكانتْ كأنها غيثٌ من لجج البحار .
ممسك يدها وأدور، وكأس الطّلى فى يدى وظللتُ أدور ، وأنا أستقرأ ملامح الطفولة التى عشتها بين البساتين عندما كنتُ الهو مع أمى فأدور حول السواقى وأمى من خلفى ضاحكة تدور . لكنها ولّتْ أو ضاعت .
فلما تركتها ودرتُ حولها نشواناً ، تذكرتُ حمايتى لها من وحوش الصحراء وكنتُ جذلاناً .
كنت أراقصها وأطربها .
وأسقيها الكأس وأقبلها .
وأدنيها وأحبوها .
ثم أخذتُ التاج وناولتها .
ومالى كاتبتها .
وطيلسانى وطيْلستها .
وصولجانات الملك على كتفيها وضعتها .
وكنت قاب قوسين أو أدنى .
من انتهاء الطقوس العُلى .

المشهد الأخير ......
وانغرس فى ظهرى خنجر الغدر .
غدرتْ لأنها تريد  فردًا الملكَ .
وسال دمى ، دم الغزال بعد المنح.
وامتلئتْ الدنيا دمًا .
سنة الكون فى الخلق سرتْ .
وتوحش الناس على أعتاب الملك ونسوا الحشر والبلى .
وقفزوا وغدروا وسرقوا ونهبوا وتكبروا ونسوا يوم اللقا ..

بقلمى
ابراهيم امين مؤمن ..

35
أدب / رسائل الأمهات
« في: 07:46 12/08/2019  »

                                 رسائل الأمهات

تعالتْ صرخات أمه فاطمة بنت الحق ، أسرع إليها ولدها أحمد فتفجع لصراغها وارتعد رغم ارتفاع درجة حرارة الجو ، فوجدها تتألم كثيراً، فقال لها مالكِ يا أمى ؟، فقالتْ كادتْ أفعال الخلْق تشقُّ رأسي يا ولدى .
وبمجرد أنْ انتهتْ من كلمتها فتكتْ بها غيبوبة السكر ففقدتْ الوعى.
وما غيبوبة السكر التى تعانيها إلا تلك المظاهر الخادعة والإبنتسامات الزائفة التى تبدو حُلوة على وجوه أصحابها ولكنها تتوارى خلف قلوب  حَرَابِيُّ  وشفاه تحمل العلقم ، قلوب ماكرة من البشر.

تركها وأسرع نحو منطقة تسمى أم المدن حيث هى المنطقة الوحيدة التى كُلف بالذهاب إليها لإحضار الدواء لإنقاذ أمه بنت الحق.
دلفَ أمّ المدن،  فلما أصبح فى باطنها وجد الشر تغلغل فى أهلها أكثر من ذى قبل ،  زنىً ووأد بنات وحروب عصابات وشرب خمر وتماثيل لعرايا تملأ أرجاء المدينة كلها.
فاشمئز ونفر ونأى بنفسه بقدر ما يستطيع عن هذه الفواحش كلها وأسرع دالفاً نحو مدخل البناية التى بها الدواء.
إذْ أنه يعلم علم اليقين أنّ دواء أمّه فيه الشفاء لهم ولها ، فحماية الأمومة منَ الموت هو شفاء لهم كلهم.
فوجد على البناية رجلاً حسن المظهر لكنه خبيث يُدعى أبى النار ، ورجل ضخم المنكبين مفتول العضلات ويدعى أبى الغضب.
فلم يثنه ذلك عن المضى قُدماً نحو الباب وبكل عزيمة وإرادة لا تُقهر أقبل عليهما محاولاً الاقتحام لحضور رسالة الدواء.

فلما لمس أبو الغضب ذاك الصبو منه وتأففه وتسفيهه لعادات وتقاليد أم المدن التى يحكمها نهره ، بينما آثر أبو النار الصمت لحين ما ستسفر عنه هذه المنازعات.
قال أحمد :أنا مرسل من أمى ، تعرفونها بالطبع ، تريد الدواء فاتركانى أدخل.
قال أبو الغضب بصوت جهورى :سأحول بينك وبين الدواء فأنتَ تحاول أن تعالج أمّك التى ما تكفّ أبداً عن لعننا وسبنا والتنقيص من أقدارنا.
وما زال أبو النار صامتاً لا يتكلم.
فلم يجد أحمد بُدّاً من الصراخ فى القوم الذين يكرهون أبو الغضب والنار معاً ليستعين بهم على إحياء بنت الحق أمّه بالسماح له بالحصول على الدواء.
فصرخ فيهم أنْ هلمّوا الىّ ،، فلما حضروا قال لهم أنى أريد الدواء لإحياء بنت الحق أمى ، إنها على مشارف الموت ، وهذا الرجل يحول بينى وبين مرادى.
فالتفوا حوله كاظمين غيظهم من فعل ابى الغضب وحاولوا مساندته بالنظرة والاشارة والايحاء بالا يهن ولا تستكن عزيمته .
وأخيرًا تكلم أبو النار قائلاً .. تبّاً لك ، أتهيج علينا أهل مدينتا من أجل دوائك ،  أتشغلنا عما نحن فيه من معاشرة النساء وشرب الخمر والتمتع بالنظر إلى تماثيلنا من أجل ذلك ، واستطرد.. إنْ لمْ تنته لنقاتلنك.
غضب أحد السادة العدول لتوعد أبى النار له ومضى قُدماً إلى أحمد ليثنيه عن ذلك والبحث عن دوائه فى مكان آخر.
فردّ عليه أحمد قائلاً.. والله يا أبتِ لو وضعونى فى مِقلاع وألقوا بي فى باطن الشمس ما تركتُ بنت الحق أمّى بلا دواء ، هو هنا وهم يعلمون أنه لا حيلة لى الأن.. فأنا مأمور.
فكلمه لفيف ممن عاداه ساخرين بعد أن التفوا حول أبى الغضب ..أتريد الدواء ؟ أفجرْ لنا ينبوعًا من الماء  ، أو ائْتِنَا بطبيبك أو أحد رسله  فنحن لا نؤمن بما تقول ، نحن لا نصدقك ، نحن على الصدق سائرين وأنت صابئٌ كاذبٌ ساحرٌ تريد أن تُهيج علينا أهلنا .

فلما التف حوله بعضُ أهل أمّ المدن يناصرونه لإحضار الدواء لأمّه بعد أنْ تركوا أهليهم وذويهم الذين يعادونه توعدوه ،  فجرى وسعوْا خلفه ليفتكوا به.
 دخل على أمّه وهى على مشارف الموت فكلمها بأنّ أكابر ومجرمى المدينة منعوه ، بل وربما يأتوا هنا ليقتلوه.
فقالتْ له لابد أن نهجر المكان ، إحملنى إلى أرض  تجد فيها دوائى .. إحملنى يا أحمد.

وبمجرد أن حمل أمّه على كتفيه وهمّ بالخروج وجدهم على الباب مدججين بالأسلحة الذرية والأسلحة النارية  فقال لأمّه ..
أين المخدر الذى كنتُ أخدرك به أثناء صراخك ؟ فناولته إيّاه فنظر من شرفة المنزل والقى عليهم المخدر وكان كثيرًا جدًا فتخدروًا جميعًا وسقطوا تِباعاً.
 أخذ أمّه وخرج متجهاً إلى حيث بلدة أم القناديل لإحياء بنت الحق.
أفاقوا جميعًا ودخلوا المنزل فلم يجدوا فيها أحداً فعلموا أنه خرج متجهاً إلى أحد أعدائهم ليؤازروه على إحياء الحق الذي يتبناه ويجلس طاعة له ، فتبعوه ، لكنهم  لم يدركوه حيث قد وصل وبدءوا جميعاً فى إعداد العدة لصناعة الدواء كى تحيا بنت الحق أمّه .

                                                        إبراهيم أمين مؤمن
                        8-8-2019





36
أدب / نحن المُخلّصون
« في: 06:06 31/07/2019  »
                                   نحن المُخلّصون

الحياة أصبحتْ كالموت الان ، فنور الشمس وخرير الماء تبدلا فلم يكونا هما ، فقد لوّث كلَّ شئ شرذمة ُمن أتباع إبليس من البشر  ، فكان النور لهيب الأجساد ، والماء بحرٌ متلاطم غارقٌ للقلوب.حتى نجوم الليل طالتها آياديهم فخرج من قلوبها نورٌ اضاء لهم مسالكاً لهدم ضعفاء الأرض ومغيبى العقول ، هدْمهم بمعاول أطماعهم وأهواءهم.
هم لا يألون جُهدًا فى فناء كل ما يستطيعون من الناس ليستحوذوا هم على منح الطبيعة ، يجاهرون بألسنة كالحديد القاطع ويسرّون أحياناً أخرى بألسنة معسولة وقلوب كقلوب الحِرباء.
يعوون فى كل أرض ، ويهلكون مالكيها بفحيحهم الأشبه بفحيح الأفاعى ، تترامى سهامهم مصوبة على القلوب قبل الظهور، وتتكاثر قضبانهم وقيودهم من أجل أن يرتعوا رتعاً فى المُلك والسيادة وملذات نفوسهم.
وما زال الدم يقطر من أيديهم ولم ينتهوا ، وما زالتْ طعناتهم تتوالى ، وما زالتْ الصرخات تملأ الآفاق .ورسائل طبول الحرب محمولة للأسف .. للأسف بأرجل حمائم السلام ..فمعذرة أيتها الحمائم .. معذرة مرة أخرى .
إذن أين الحياة ؟!.
الحياة نجدها فى الخلاص منهم ، ومن أجل ذلك فلابد أن نستنفر مكامن قوتنا  أولاً ، ثم نجعلها تذوب فى عزائمنا ثانيًا ، ثم ترسم لها على طول طريقها محطات النضال سواء الكرّ منها أو الفرّ .
لابد أن ينبض قلب الحياة من جديد.لابد حتى نحافظ على ما تبقى من الضعفاء الذين لا يملكون ذرة أمل فى البقاء أو حتى ما تبقى من رماد أنفاسهم المتهالكة.


لقد عبثنا نحن المخلصون فعبثتْ بنا الأقدار ، وتملكنا اليأس فخارتْ قوانا ، فكان بيت العنكبوت أحصن من بيوتنا !، والبعوضة على  مرأىً من العيون أكثر منا!وذاك لاننا ببساطة.. تلاشينا تمامًا.
لقد انفلتتْ نفوسنا بعد أن استسلمنا للأهواء ، إنفلتتْ ولا رادع يردعها إلا بالعودة إلى قلوبنا البيضاء تلك التى لم تُدنس من قبل .
لقد آثرنا مضاجع النساء ولاكتْ ألسنتنا أطايب الطعام  حتى تمكن أولئك الشِرذِمة من كل شئ  ، فأمسكنا الهوى وانفلتتْ من بين أرجلنا روح النضال.
يجب علينا أن نستفيق من سُباتنا الذى هبط مع هبوط الإنسان على الأرض ، فلابد أن نكون صادقين أمام أنفسنا حتى نرى كل شئ على حقيقته ، فيتبين الجمال من القبيح ، والحق من الباطل ، وتبعاً يستقيم الميزان فلا تميل إحدى كفتيه عن الأخرى ، ونرى فى ثغره ضحكة راسخة لا تعبس أو تهتز ابداً.
ولابد أن نقتل الحقد ليتحرر الحب بداخلنا ، وننكأ الأطماع حتى يتنفس السلام ، ونزيل طغيان الأنانية حتى تنقشع منح الطبيعة .
نفعل كل هذا سِراعاً كالفهود ، وخواطف كالرعد القاصف ، فانْ لم نستطع وجب علينا انْ نتكأ على عِصىِّ إخلاص وعزيمة قلوبنا وأنْ كبونا ثم كبونا.
فلنركب خيول الحرب سائرة نحو حصون الشياطين ، خيول يُسمع صهيلها من عزائمنا المنصهرة من ضمائرنا المستفيقة.
لنهدم بيوتات العنكبوت التى نصبوها فنحفظ الدماء ، و نقطف رءوس الأفاعى التى ما زالتْ تفح السموم ، علينا بتلجيم عِواءهم الأشبه بالذئاب حتى تعود الأرض إلى أصحابها.
علينا بطمْس نِصالهم وسِهامهم حتى تخيب رميتهم ولا تصيب.


فإذا انتصرنا علي هذه الشياطين علينا بعدم ترك ظهور الجياد أبداً ، لابد أن نُكسّر القضبان ونُذيب القيود ونُطلق أسيرالظلم والطغيان .
وعلينا باحتضان أولئك الضعفاء الذين يحيون خلف أسوار الحياة ، فإنْ وجدناهم مازالوا على قيد الحياة نفخنا عزيمتنا فى أرواحهم فيبرءوا ، وعلينا بدفن موتاهم فلا نبكى ولا يبكون فعلينا بالعمل سريعًا حتى لا تنجح الشياطين فى تسديد رميتهم ، ثم نؤازرهم ويؤازرونا باعتصام القلوب واصطفاف الأقدام. لابد أن نحيا ..نحيا من جديد.
فإن أبى قنوطٌ من الحياة دفعناه وأريناه الطريق الذى غدا ضحُوكاً ، وقلنا له لقد عادتْ الطيور إلى أوكارها تغرّد كما غدا الماء يجرى صفوًا.
نبلل شفتيه بمحيّاه السلسبيل فنرويه من خريره الطروب ، ونمسح بترياقه جبينه المكدود.
ونقول له هيا وكفى قنوطاً واثبت من رجفة الخوف وانهمار الدمع .
ونأخذ بناصيته من الرغام ونمسح جبينه من الذلة والعذاب ، ننفث فى أُذنيه ونطلقه ممتطيًا جياد الحياة الجديدة.

وأخيراً ...
علينا بتلثيم أرجل الحمائم اعتذاراً ، ثم اإرسالهم برسائل السلام من مواقع ظفرنا إلى مشارق الأرض ومغاربها لتنشأ الحياة الجديدة.

                                                                    بقلمى ..ابراهيم امين مؤمن  31-7-2019


مفتاح استعاب المقال : المقال فيه فرق الناس الاتية ...
الاولى : المخلّصون الذين انتبهوا.
الثانية  : اتباع ابليس او الطغاة.
الثالثة  : الضعفاء الذين خلف اسوار الحياة.

37
                             

 رواية قنابل الثقوب السوداء أو أبواق إسرافيل


ابراهيم امين مؤمن

أنموذج المقدمة والإشهار
-هى رواية خيال علمى تستشف المستقبل من خلال تاريخ الدول من ماضيها وفى حاضرها ، هذا التاريخ الذى يعبر عن حضاراتهم فى شتى مناحى الحياة.
ولقد ركزت على الدول التى تملك صنع القرارات على المستوى العالمى مثل أمريكا وإسرائيل وروسيا والصين ومصر.تلك القرارات من شأنها تتحكم فى مصاير هذا العالم .

                           ***
-الرواية مجتزئة الى أجزاء ، عدد كلماتها تم تحديده بناء على وقت سرد الحدث وكذلك حال الإنتقال من حدث إلى حدث آخر مختلف ، وبالتالى قد تجد جزءًا فى الرواية يناهز 100 كلمة وجزءًا آخر يناهز 3000 كلمة.
-فى بعض الأجزاء قمتُ بتدوين قول مأثور أو حكمة بخط كبيرمن سماتها أن تعبر عن المحتوى ، ثم أدرجتُ عنصرًا ذا معنى مباشر جدًا بخط متوسط  ثم سردتُ حدث هذا الجزء بخط صغير ، ولقد تعمدتُ ذلك لأكون دليلاً للقارئ على فهم الحدث أو الرواية بشكل أعمٍّ  حتى لا يتوه أو يتعثر فى الإدراك والفهم ولاسيما أن الرواية من الخيال العلمى.
-لقد تعمدتُ سياقة المخرج والمصور من أياديهم كى لا يجدا صعوبة فى تمثيل المشهد الروائى أو تصويره ذاك لأنى كنت دقيقاً جدًا فى التوصيف سواء الشكل أو المكان أو الحركة أو الزمن فضلاً عن استخدام اللفظ القوى والجمل القوية .

                          ***
-لقد عمدتُ دائمًا أن تترابط أحداث الرواية بالعمل على سد أى ثغرة من شأنها أن تضعفها ، وأنصح القارئ أن يقرأها كلها ثم يعيد قراءتها مراراً وتكراراً حتى يُلمُّ بمحتوياتها ، يقرأها جيدا حتى لا يلتبس عليه الأمر فيظن أن الرواية بها ثغرات قاتلة.

                          ***
-أريد أن أنبه كل قارئ أن الرواية تحتوى على بعض المعلومات العلمية الحقيقية وأخرى خيالية ، وهذه المعلومات قد تصيبه بالملل ، أقول له لا تقلق ولا تمل وأنصحه أن ياخذ محتوى هذه المعلومات فقط أنْ لم يرد الإلمام بتفاصيلها ، وهذا ضرورى لأنها تخدم أحداث الرواية.

                          ***
-الدقة فى مواقيت الأحداث :الرواية جديدة تقريبًا سواء على المستوى العربي أو الأجنبي،  إذْ  أن الرواية انقسمتْ إلى شطرين كل شطر متصل مع الآخر إتصالاً أشبه بحبل المشيمة السرى ، الشطر الأول هو الأحداث السياسية المرتبطة بحرب نووية فى المستقبل ، والشطر الثانى هو دور التكنولوجيا فى حسم هذه الحرب ، ولا تكاد تقرأ الحدث السياسي إلا وتشتم منه الحدث التكنولوجى والعكس.
ومن هذا المنطلق كان يجب مراعاة  الزمن الذى وقعت فيه الأحداث سواء التكنولوجى أو السياسي.

                         ***
-راعيت التجديد والإبتكار والبُعد الكامل عن التقليد ، ومن أبرز ما ابتكرتُ في هذه الرواية هو تصميم لقنابل اسميتها "قنابل الثقوب السوداء"هذه القنابل تم صنعها فى خمس خطوات ، كل خطوة عبارة عن تجربة من تجارب الفيزياء تكلم بها عمالقة الفيزياء على مستوى العالم.
ومن هذه القنابل أيضًا أستطعتُ ببعض الخطوات تخليق ممر أو بوابة او جسر إلى بُعد الشيطان ، وقد استطاع البطل من خلال هذا البُعد الوصول إلى ابليس لقتله.
وهذه القنابل نظيفة لا تخلف ورائها أى إشعاع وكذلك لا تتسبب فى موت البشر فى بُعدنا الذى نعيش فيه وانما  تجذبهم وتنقلهم إلى بوابة بُعدية مجهولة ، قد تكون بوابة للسفر ألى الشياطين أو بوابة إلى كون الديناصورات ، أو بوابة للرحيل ألى الملائكة.
وكان من أثر هذه القنابل فى الحرب أنها قلبت موازينها، فامريكا قد ظفرتْ على الروس لكن حصول اليابان على هذه القنابل بوساطة عالمها الفذ ذو القناع الشرير ميتشو كاجيتا كاد أن يتسبب فى محو الجنس الأمريكى من العالم لولا البطل الامريكى جاك المعظم الذى سارع بإنتاجها وصنعها وإنقاذ بلده من الفناء.
كما صممتُ  مصادماً جديداً أسميته  FCC-2 وهو اختصار لمصادم الهادرونات المستقبلى الثانى ، هذا المصادم يحاكى المصادم HLC القائم بسيرن على الحدود السويسرية الفرنسية.
وقد أضفتُ إليه بعض التقنيات والتطورات لينتج طاقة أكبر تمكنه من خلق ثقوب سوداء مجهرية ، تلك الثقوب التى عجز عنها مصادم HLC.
هذه الثقوب إستطاع من خلالها البطل فهمان فطين المصرى صاحب أكبر عقلية فيزيائية عرفها التاريخ أن يتحكم فيها بوساطة تجربة فيزيائية معينة ، تلك التجربة التى مكنته من التحكم فى الثقوب السوداء حيثما أراد  ، فإنْ أراد تلاشيها تلاشتْ ، وإنْ أراد إبقائها بقيتْ دون أن تتضخم وتجذب الكون.

                         ***
-إنفلتَ أحد النجوم من عائلته النجمية وظل سائرًا على مدار آلاف السنين نحو سحابة أورط ، هذه السحابة التى تحزم المجموعة الشمسية ،
ثم انفجرَ فيها وتحول إلى ثقب أسود ، ومذ هذه اللحظة تغيرتْ الأخلاق العفنة لأصحاب القوة والنفوذ  وتبدل حالهم  فعم السلام والأمن وانتهتْ الحرب.وجد  الفقير والضعيف أخيراً ولأول مرة فى تاريخ البشرية ضالتهما وهى الحياة بكرامة وغنى .
لكن يبقى أمر هام وهو أن الثقب يهدد المجموعة الشمسية كلها بالفناء ،، ومن هنا قد وضعتُ تصورًا جديدًا لرحلة فضائية قام بها  جاك المعظم لتدمير الثقب وإنقاذ الأرض  من الفناء.
هذا التصور يشتمل على تقنيات جديدة فى عالم السفن النجمية والرحلات الفضائية ، بل قد يمتد  الأمر لتدوين هذه التقنية فى كتب فيزياء الخيال العلمى.

                        ***
-بالنسبة للمحادثات.. لمْ أنساق لإحساسي أو طريقة تفكيري او اسلوب سردى انا ككاتب فى إطلاق الجمل والعبارات لشخصيات الرواية وخاصة الرئيسة منها  وإنما أطلقتُ طبيعة الحدث وطبيعة الشخصية فى صياغة الجمل والعبارات.
-بالنسبة للوقائع .. لم يكن توصيف الأحداث خاصة قلمى مطلقًا وإنما كانت خاصة الفرد فى الرواية ، والإنسان بصفة عامة يتكلم بحسب التربية والمنشأ والعامل الوراثى والمهنة والتقاليد والثقافة ، وعليه مثلاً نجد من داخل الرواية حدث "زلزال الأرض العظيم والذى حدث بسبب وقوع الأرض تحت جاذبية مزدوجة وهما الثقب الاسود المتمركز فى سحابة اورط  والشمس"..أو حدث.. " كارثة فى الحرب العالمية الثالثة والتى قامتْ فيه قنابل الثقوب السوداء بالتهام الجيوش الأمريكية " الشخصية تصف حدث الزلزال أو كارثة الحرب بحسب العوامل التى ذكرتها آنفاً .
مثل :الرسام وصف حدث ابتلاع الثقوب السوداء للأساطيل الأمريكية حسب مهنته  ، وكذلك الطبيب النفسانى والمقاتل والمخرج السينمائى .

                        ***
-لقد راعيتُ التخلص الكامل من أى انتماء ، سواء انتماء إلى الدولة أو الدين أو المذهب أو حتى العائلة ، وأطلقتُ العنان للتوغل فى أعماق النفس البشرية عمومًا وتركتُ فى النهاية الخيار للقارئ ليختار أى دولة يحب وأى دين يعتنق وأى مذهب ينتمى إليه ، ففى القضية الفلسطينية مثلاً ذكرتُ كلام الساسة وأهل الدين من الطرفين  ثم تركتُ للقارئ الخيار ليحدد بنفسه أيهما على حق .. إسرائيل ام فلسطين.

                        ***
-قد وضعتُ فى الرواية تصورًا لازدهار حضارة أى بلد ، وقد يجدها القارئ متجسدة فى الرواية من خلال العناصر الآتية
-المساواة لكافة أطياف الشعب الواحد فى الوطن الواحد ، ويحكمهم ويعتلى المناصب منهم الأكفأ بغض النظر عن دينه أو مذهبه أو عرقه أو عائلته .
-العمل على نزع الخلافات بين كافة أطياف الشعب فضلاً على التقارب بينهم حتى ينتشر النظام وتختفى الفوضى فيخرج العمل على أحسن وجه.وبذا تستطيع الدولة أن تخدم اقتصادها فى المكان الصحيح بدلاً من إنفاقه على الصراعات الحكمية أوالحزبية أو الدينية أو الطائفية
-الإهتمام بالعلم والقائمين عليه وتخديمه فى ازدهار حضارة الدولة.

                       ***
-والأن أرغب فى نشرها فى أكبر دور نشر فى مصر أو خارجها ، كما أرغب أن تشارك فى المنافسات العربية لأفضل رواية ، وإنْ تعثر النشر فى دور مصر سأحاول أن أرسلها لأى دور نشر أمريكية او اسرائيلية ، وأنا متاكد أنها لو وصلتهم سينشروها على الفور ،، المهم أن تصل.
كما أنى متاكد أن خبراء الفيزياء سوف يمدحون ابتكارى لقنابل الثقوب السوداء أو تقنيات الرحلة الفضائية التى وصلت إلى الثقب بعد تسع سنين لتدميره أو تطويري لمصادم سيرن  HLC ليصبح  FCC-2. 

                      ***
بعض أعمالى ..
أريد أن أُنوه أولاً أن بعض الصحف الكبيرة مثل اليوم السابع والمصرى اليوم والجزيرة وأمد وصوت العراق وكتابات وساسابوست كانوا يضعون نص القصة أو المقال فى صفحة جوجل كأهم الأخبار وهذا دليل التميز والتفرد لقلمى.كما أنوه أنّ مجمل الصحف والمواقع التى تنشر لى قد بلغ عددها 200 صحيفة وجريدة وموقع.
بعض النماذج لإنتاجى الأدبي..
1-القصص القصيرة
-قضبان الحرية
-الصحراء فى عيون إسرائيل

2-الفلسفة
-فلسفة الجمال والقبح ..
-كشف النقاب عن مصاير الموجودات
-خمس مجموعات فلسفية تحمل إسم الأب الفيلسوف

3-المقال السياسي
-التأمل فى الثورات العربية والأجنبية
-أسباب الأزمة اليمنية ومقترحات لحلها

4-مقالات رأى
-الحرية
-الغد

5-الشعر
-رقصة تترجم أسطورة جمالك
-من يدحرج عن قلبي الضجر

6-حكم وخواطر وأقوال مأثورة
-خمس مجموعات كاملة

7 -خواطر
-الحب فى رحم أثداء الأمواج
 
                                                                             
                                                                           

38
أدب / الجبل
« في: 18:18 20/05/2019  »
                                       الجبل
 ابراهيم امين مؤمن

سرتُ  عَضَّا  أناملى بالظلام _________مِن ْ عذابٍ  يضَجَّ  بين  العظامِ
أكظم الآه فى الحشا بارتعاش _________أُسرع الزحف نحو رأس العظامِ
أُسرع الحبو زاحفاً بجراحى _________رافع  العين   ناظراً   فى الظلامِ
فانجلى لى صخرًا يناجى السماء _______جبل   صلب راسخاً    فى الغمامِ
فارتمتْ أحشائى تضم حشاه _________إحتضنا    والأَدْمُعٌ     فى القتامِ
كُسر القيد والبكا كالعباب __________وعلا الرأس عن أُنوف الرغامِ
واخترقت اعماقه كى اقص _________ما مضى من هم وما فى اعتصامِ
             
                         ***
وارتوى حجره على عبراتى __________وأنا أروى ضيعتى وابتسامى
أندب الحب الضائع المتصابى __________وعدواً يرمى لظى بالسهامِ
وحياة   تعضنى  فى  فؤادى ___________والعماليق من طغاة ضخامِ
وفراشى  نار   زفيره   يعلو ___________وأنا أصطلى ضحىً وظلامِ
وفراشى   شهيقه   زمهرير___________وأنا فى قَرَّ ضحى وظلامِ
وأيادٍ    تشدنى     لجباب  ___________وأخاديد فى لهيب الغرامِ 

                                  ***
أيها  المخلوق  المسخر غثنى _______   من صريف الدهر المُذل مقامى
يا كهوفاً أضحتْ طلولاً وذكرى__________أنزلينِى فإن دمعى كلامى
يا بيوت النحل المطن طنيناً __________ إشفنى بالشهد المصفى سقامى
واسقنى من هاماتك العاليات__________ اللواتى كادت تُرى بالغمامِ
ومن الخيل الصافنات امتطينى__________فرساً يجرى فى شعابك عامِ
فى الغرابيب السود والجدد البي_________ض كنوزاً تروى فقير الأنامِ
لأرى فيك من ثراك الثُريا____________والغنى بعد كل فقر الأنامِ
يؤخذ الكنز من ثراك شعابا___________يتبارى فيها جميع الكرامِ
ثبت القلب أن يميد بجسمى __________ يا رواسىً للأرض من اصطلامى
أيها الجد من قديم تشيب____________ سائرًا  عبر  كل  قرن  وعامِ
أيها الآياب المسبح حمدًا ____________خاشعًا صادعًا لوحى السلامِ
إصطفاك الله الملبى نبيه____________ فتجلى فاندك رأس السنامِ
فاهدنى إيماناً وصبراً وذكراً ___________كى يزول الرجس الأليم الضرامِ

                                     ***

فبكى    صارخاً    يخن  خنينًا_________ يضرب الأرض غائظًا من حياتى
وسمعت الصخيخ صوت الضلوع________مادت الأرض من صدى الضرباتِ
ثم كفّ الأنين بعد اكتفاء ____________كفكف الدمع واقفًا فى ثباتِ
واستقرت أرض المعاد تضام __________وتحلى صبراً على النكباتِ
قال ؛ يا ابن النبى آدم اصبر___________فى الرزايا والضيق والشهواتِ
وسينهار كل ظلم وجور ____________ويطل الفجر المنادى الشفاةِ
قلتُ لا أقوى فالفؤاد ذبيح____________وفراشى لظى وأهلى طغاةِ
قال فاتخذ كهفاً لك الان وارقدْ__________وانتظر يومك الذى فى الرفاتِ
فأنا صابر على كهف عاتٍ___________كيف أُقصيك من كهوفى الهُداتِ
وقفْ اليوم زاهداً فى الحياة___________وتجهز لمن أراد المواتِ
فالحياة الفناء وإنى كثيباً ____________ومهيلاً بالبوق والنفخاتِ




39
أدب / مقامة البداية والنهاية
« في: 01:06 04/05/2019  »
                               مقامة البداية والنهاية

وصف الرياض الملائكية..
                                                             
يُغرّد البلبل فى الرياض السالمة .
قطوفها دانية .
وثمارها خضراء يافعة .
وأغصانها تتراقص غضّة ضاحكة .
يرد ماءها الجارى فيرْتوى باسماً.
حامداً .
راضياً .
آمناً .
ينفشُ ريشه كرافع راية بيضاء .
يغنى مع خرير الماء .
ويرْقص على هزيز الأغصان .
ويرْتع بين أشجارها فى أمان .
ينام بالأوْكار .
ويطْعم أولاده الصّغار .

          **
على أحد الأغصان ظلَّ يقهْقه.
يأتى ويذهب ويُفدْفد .
يقْفز .
يرفْرف .
يرْتع .
ثم ثبت تعِباً .
يأخذ أنفاسه لهِثاً .
إلى ان يطير بطعام أولاده نشِطاً .

         **
تسلّل إليه ثعبان من قبيلة قابيل جائعاً حاسداً.
ساخطٌ أبداً .
صاخباً مثرثراً طغيانًا وكبْراً.
أراد أن يستعمر الرياض ويسْفك فى العصفور دماً .
فناداه ولده العصفور أن يا أبى تنبه .
وخلفك فاحذر .
إبعد
إجرِ
ويا حسرةً ما سمع المسكين دعاء النجاة .
وظلّ يحمْلق فى طعام ولده من الزاد .
فانقضّ الثعبان وفحَّ .
وعلى جسد الأمين التفَّ .
وسيطر وتمكن واغترًّ .

       **
قال العصفور للثعبان ويلك .
لا تبدّل الدماء بالماء .
والبوار بالنماء .
والبكاء بالفرحة.
ولا تسنّ فى الرياض الهلاك .
قال الثعبان للعصفور .
إسمعْ ..البقاء للأقوياء .
ولأصحاب الحيلة والدهاء.
واحتفل بسعدكَ الآن.
ألا يسُرّك أن تحيا فى بطنى ؟
وتكون لى طُعْماً وتسرى فى أحشائى؟
يجب ان تقدّس مسراك فى دربي.
مأكولٌ أو مضروبٌ او مذبوحٌ او مسمومٌ.
فارض بقضائى.
قضاء الأقوياء العادل الذى لا يبخس.
ولا يظلم
ولا يغبن
أأتنى طوعاً .. هيّا
رُفعت الجلسة

   **

   مقامة بقلمى .. ابراهيم امين مؤمن




40


الحُبُّ فى رَحِم أثداء الأمواج


ابراهيم امين مؤمن 
                           
على ضفاف شاطئ بحرالتقينا .
البحر هادئٌ مسالمٌ ينادينا فلبيْنا.
كم نادانا بحُمْرة مائه التى تلذّ ناظرينا ..
ولكنْ ..
أهى زرقاء فى  تنفّسِ الصبحِ وصحوةِ الشمس؟
 أم حمراء تدقُّ أبواب الليل ومضْجع الشمس ؟

أيُّها البحر
ما أجملك ؟
هل تلبّستَ بالعقيق الأحمر ؟
هل تلبّستَ بالمُرْجان الأحمر؟
أمْ  أنك تلبّستَ بغروب الشمس الحمراء ؟
ما أجملك !
وما أعظمك من مخلوقٍ لا تموت أبداً.
جمعتَ بين إحيائين ، إحياءٌ بمائك وإحياءٌ بدم عروقك ؟
دمكَ المكنون فى قلائدكَ ..العقيق والمرجان....الأصداف!! اللؤلؤ!! فِردوس الأرض وربّى.
لنلبّي نِداءَك أيُّها المخلوق الأعظم ، نلبّى لنعرف مَنْ أنتَ ومَنْ نحن.
فلنُمضيا حُبّنا بين أحضانكَ.
آآآآآآآآآه من جمالك العبقرىّ .
قد فتنتنا دون جهدٍ منكَ ، فشمّرنا ونزلنا وسِرنا حتى سوّرتنا أمواجك فزينتنا قلائدكَ فانتشينا وتنهّدنا.
واستشعرنا ..
استشعرنا ذاتك الذى حلّ فى دمائنا وعروقنا ، فعظُم حبنا ، وكبُر ملكنا ، وتُوجنا تاجا الفردوس من قعرك الكنيز.
نحن ارتوينا حُبّاً حيّاً من وجدانك فغدونا كنزيْن ككنزِك الدفين فى الأعماق الذى يمتد ظِلاله حتى بلغَ عنان السماء.

فتساقط الحُبُّ فى روْحيْنا كزخّات المطر ، أو سنا كسنا الشمس بعد السحر.
وأنتَ تُطعم وتَروى بما تملكه فى الأعماق من جميل الطعم والزينة وإنّ فى ذالك لعبرة لأولى الفكر.


وكنت قدوتنا ، فاقتدينا ...
تحمل السفينة على ظهرك ما تكلّ ولا تملّ ، فما ألذّ جِوارك ؟ وما أسلك سبيلك ؟ وما أكرم ضيافتك؟
حللتَ رضوانك.
عندما رضيتَ جنّبتها العواصف .
وشددتَ شراعها وحمّلتَ الحوامل.
فاقتدينا بأخلاقك.     
فحملنا حُبّنا فى وجداننا فكنا له نعم الأمنين.
وضيفناه وأكرمناه ، فكنا نعم المكرمين .
وسلكنا سبيله ليسرى فى العروق فى أمن وسلام فكنّا نعم السالكين .
وجنبنا حبنا العواصف  فكنا نعم المغيثين.

نتعانق بين أمواجكَ الحمراء على أسرّة الشمس النائمة ، ونقتبس من القمر نورًا .. نورٌ أحمر أذهلَ عيوننا فالتمعت كلمعانِكَ.
فتحرّشتَ بنا وتحرّشنا بكَ ، فسقيتنا من وجودك الخالد  كأس الحياة  فانتشتْ عروقنا على ظهر الشمس وضوء القمر ، فغدوْنا آية ً إلى آياتٍ ثلاث.
وحيينا بين إحيائيْكَ، وأمِنّا فى جوارك واحتمينا بحمرتك ونحن.. نحن ..نحن نحمل لك دِفءَ أحضاننا فتقبل عطايانا أيُّها الحارس الأمين.
وتلامسنا ، تلامسنا من ارض روحينا حتى سمائها.
تلامسنا، فارتعشنا ، إرتعشنا نشوانيْن من معين روحينا.
فاستقينا اللذة كؤوسًا من بحر حُبّنا
فتبعثرت مشاعرنا فامتزجتْ ، فتبعثرتْ فامتزجتْ وتداخلتْ وتوحّدتْ كالواحد وليس كمثله شيئاً.... فتجانسنا.
توحدنا كالبحر ، رضيتَ ورضيْنا
 أحييتَ فأحيينا .
وتجمّلتَ فتجمّلنا .
وسيّرتَ فسيّرنا .
وأرسلتَ فأرسلنا.
أكرمْتَ فأكرمنا.
وعزفتَ فعزفنا.
وشدوتَ فشدونا.
وخلُدتَ ، فخلُدَ حُبّنا عبر الدهورفى المخلصين ، وسطا على الكارهين .
ما أعظمك ..ما تموت أبداً أيّها البحر كما لا يموت حُبّنا .



                                             
 

41
أدب / محنة الشعراء
« في: 09:50 12/03/2019  »
قصيدة
(محنة الشعراء )
مقدّر....................................
المحنة شعر :
والشعر كأس.
تنْهله النّفس.
نفس الشاعر ...
ماء عذب.
يُحْي كلّ شئ.
ويَبثُّ الروح ,روح الخلْق.
وكُلّ كائن,يدبُّ الارْض .
يُحْيي الزّرع.
يروى الطير .
يَسقى الخلْق.
فى السماء سحاب .
فى الارض حياة.
فى النهر سيّار.
والشعر كأس.
تنْهله النفس .
نفس الشاعر ..
ماء أُجاج مِلْح .
يقتل الزرع .
تنفر منه النفس .
تنفر منه الطير .
فى السماء دخان.
فى الارض رماد .
فى البحر سيّار .
يا ويل الشاعر .
يشرب كاس الشّهد.
ويشرب كاس السّم.
----------------------------
مقاومة ...................................
يروينى العذب فاطلبه.
اطلبه واتجرّعه .
وقناتى اسيّره .
خريرا اشاهده .
فى ضرع الزرْع .
فى غصون خُضْر .
....... وتارة ...........
يطاردنى الأُجاج فارفضه .
ارفضه وادفعه .
احاربه واقاتله .
والكاس أُكسّره .
لا ابكى هَدَرَه .
واحمد صَرَفَه .
اهزمه تارة .
يهزمنى تارة .
فوز او خُسْر .
حياة او موت .
-----------------------------
نصرة ............................
مرّتْ سنوات وسنوات .
وشعرى تاملات .
ابحث عن ذات :
ذات كل الاشياء .
لا تعنينى الاسماء.
لا تعنينى الاشكال.
تعنينى ذات روح الاشياء .
فأسْتقى العذْب وأُسْقِيه .
فاحيا ,والانسان أُحْيه .
واتقى الأُجاج واقِيه .
فانجو , والانسان انجِيه.
وارواح الشعراء فِداكُم .
ايُّها الناس فبشرى لنا وبشراكُم
                       بقلمى :ابراهيم امين مؤمن

42
أدب / فضاء أينشتاين أمام قصرى
« في: 18:32 22/02/2019  »
 

فضاء أينشتاين أمام قصرى
     
 
  ابراهيم امين مؤمن
         
سِرنا على الدرب أُضئ لكَ نورًا ملائكيّاً ينمو بين عينيك شموسًا تتلألأ، فاسدلتَ شيطان أجفانك ، فسيقتْ إلىّ شياطين الظلام .
ولقد عبّدتُ لك دربك ، تنمو بين خطواتك أزاهير عطرة ، تربتها حصباء من اللؤلؤ ، تُروى من أنهار عذب سلسبيل .
كلما مشيتُ.. طرق أذنيْك خرير ماء عندليبي ، فأدميتْ قدمى بالأشواك ، ولم أسمع  منك إلا موسيقىً شاحبةً متهدلةً ،  ثُمّ طرق آذانى صواعق البرق الخاطفة الأبصار.
وآخر الدرب بنيت لك قصراً يطوف حوله حمام الحمى ، لبِنات من حبى ،إنه مُلْك مقدس ، قدسه الإله ، فانهدم فوق رأسي ب..ب.. بالرحيل.


قلتُ أتلو عليكَ تراتيل الوفاء بلهفة وتوسل ، وتلوتُ ، وما زال رماد صوتى المحترق  يعلو بألحان تحثك على الوفاء ، وشكر الفضل والعطاء ، فوليتَ .
جئتك تلقاء وجهك ألا ترحل ، سأحترق ، سأتمزق ، سأنهدم ... فوليتَ مُتكأ ً على عصا الرحيل ، تكبو وتنهزم.
أتختم أكتافنا بوشم الهجر واليباب !!!
ولِمَ الرحيل وفيه اتكاء وانهزام ؟.
ولِمَ الرحيل وفيه إظلام دربي وهَوَاء صرحى ؟
أتريد ان نُحدّق معاً فى وجه الفناء !
وننظر فى أناملنا التى تلمستْ عمياء فى بصمة من الجحيم !
أتظن أن هناك ماء أعذب من مائى !
ودرب أخصب من دربي !
ونور أسطع من نورى !
 وصرح أشيد من صرحى !
تالله لن تجد غدًا إلا ان تقضم مخالبكَ ، وتأكل صغارك ، وتكون وثبتك وثبة العجائز.وتعيش فى لُجج من ظلمات بعضها فوق بعض.

               
مضى ..وأذن الفجر
أنتظرتُ مكانى فقد يعود ، حتى نسج الليل خيوط النور التى ظهرتْ ملامحه فى القِباب ورابية قصرى العالية.
لحظات من الأمل تغذيها غريزة البقاء ، رغم فراغ قلبي المتقلب على جمر نضيج يهوى من الجحيم.
ثوانٍ  تمر من الفضاء السحيق السحيق كأنى أصّعّد فى السماء  ، ولقد هرمتُ وأنا فى مكانى.
وما زالتْ عينى تترقب عودته.
نظرتُ إلى القمر قبل الأُفول ، لمْ يعد يطلّ على جدران قصري .
وإلى الشمس التى  حجبتْ نورها عنه .
وذبلتْ الأزهار بين خرير الماء المتعفن وهجر الشمس .
وسقط حمام الحمى متكسر الأجنحة.
وتحول كل شئ الى أطلال بعد الغدر ونبذ الوفاء .

             
                     
مراجع النص ..
الثقوب السوداء - النظرية النسبية لاينشتاين -التمثيل الضوئى-خواص الأسود-البحار

43
         كشف النقاب عن مصاير الموجودات
ملحوظة : هذا مقال فلسفى كتبته من فكرى الخاص ،  ولم يقع بين يدي اى كتاب او مرجع او مقال تكلم عن المصير.
كتب بتاريخ 23-9-2018.

المصيردائماً هو نهاية لكل بداية للموجودات والمجعولات ، ونستطيع أن نري ملامح هذا المصير مِن مُعطيات خواص البدايات.ودائماً تتفاعل خواص تلك المعطيات وتنفعل مع القوى الخارجية سواءً الخيّرة منها أو الشرّيرة ، كذلك تنفعل مع أحداث الدهر القدرية التى لا تحمل مِن خصائص إلا مِن فِعل الله وقضاءه.
تنفعل وتتفاعل مع القُوىَ والأحداث القدرية ليتجلى فى النهاية مصير مُدرَك شكله، محدد وقته ، موسوماً بالقبح أو بالجمال.

المصير يُذكر فى ماضى الكائنات وأحداثها ويكون ذكره حينذاك محدد المعالم والماهية ،  كما يُذكر فى مستقبلها ولا يُذكر حينذاك إلا رجماً بالغيب ،وهذا الرجم مستمد من معطيات الحدث أو شكله أو صفته ، ولا يرتبط ذكره مطلقاً باللحظة الانية كما لا يرتبط ذكره بالعدم بداهة ً .

كما ترتبط المصائر المختلفة فى بعض الأحايين وكذلك فقد تفترق فى أحايين أخرى.
فمصير الجنين مرتبط بمصير أمّه يعيش إذا عاشتْ ويموت اذا ماتتْ وبِذا.. فقد ارتبطتْ المصائر وانفعلتْ وتفاعلت معاً.
كما أن هناك ما يسمى بالمصير المطلق والنهائى ، فنرى مثلاً مصاير الكائنات مرتبطة بمصاير الكون الذى تحيا فيه فإذا زال زالتْ تبعاً وإذا بقىَ بقيتْ ،وببقائه يخوض فيها المُكلف رحلة الإبتلاء والعبودية بينما يخوض فيها غير المكلف رحلة عبودية فقط ، أمّا فى فناء الكون نجد بعده  يخوض فيها المكلف وغير المكلف رحلة جديدة  ..رحلة  عالم السرمد ، وهكذا نرى أيضاً كيف تلاقتْ المصاير وتفاعلتْ مع بعضها.
وعلى الإفتراق ...نحن نعيش فى كون ذى أبعاد معينة لا تُخترق مطلقاً ، كما أن هناك كون أخر يعيش فى أبعاده والتى كذلك لا يمكن أن يخترقها ، وهكذا إفترقتْ المصاير واكتفتْ كل منها اكتفاء ذاتياً فلا تنفعل مع بعضها ولا تتفاعل.

والمصائر منها المحمودة ومنها المذمومة ، فكما أنها تقترن ببئس قبلها فإنها أيضاً تقترن قبلها بنعم.
فإذا حملتْ الكائنات من حميد الصفات ونزلتْ الأحداث بالنفع على موجوداتها وتجلتْ لِمَن حولها على حقيقتها  تعطّرتْ الأُنوفُ من رائحتها ولذّتْ الألسنُ عند ذكرها وءالتْْ عند الله وعند الناس محمودة ، أمّا إذا حملتْ من سوء الصفات ونزلتْ الأحداث بالمضرة على موجوداتها  وتجلتْ لِمَن حولها على حقيقتها تأفّفتْ الأنوفُ من رائحتها وتعلقمتْ الألسن وعفّتْ من سيرها وءالتْ إلى ربها والناس  مذمومة.

وكما أن المصير ممدوح ومذموم  فهناك منه المصير الصادق والمصير الباطل ،، كما يوجد المصير المتحول  والمصير المُلتَبس فيه.
المصير الصادق : هو صفة لكل مصير نال ما استحقَ  من مدح أو ذم ثم وصل إلينا كما دُوّن فى التاريخ أو الأثار ، أمّا المصير الباطل فلمْ ينلْ ما استحقَ من مدح أو ذم أو لم يصل إلينا كما دون فى الاثار والتاريخ أوكما يجب أن يدّون .
المصير الملتبس فيه :هو مصير  ينتمى إلى المصائر الصادقة  تارة  وتارة أخرى ينتمى إلى الكاذبة  ، وسبب ذلك أنه معزوٌ ألى أيديولوجية الكائنات ، فاختلاف الثقافات والعقائد صناعة مفرزة لصيرورة التغيير ، فما هو موسوم مصيره فى ثقافة أو عقيدة ، موسوم  إلى النقيض فى ثقافة أو عقيدة أخرى ، فهو صادق عند أحدهم وكاذب عند الأخرى ، فتقلب بين هؤلاء وهؤلاء فتزيَّ بلباس الشك.
كما أن هناك بعض النفوس الكاذبة المهيمنة على بعض مجريات الأحداث الكونية فتحول مصاير بعض الثوابت التى لا لبس فيها إلى مصاير أخرى أو يصاحبها الشك او الطعن فى ماهيتها وتقذفها فى النفوس وكل هذا لبلوغ أهواءهم الدنيئة.

أمّا المعنويات الغير ملموسة مثل الخير أو الشر، الحب أو الكُره ، النصر أو الهزيمة، فرغم أنها غير مرئية إلا أنها حقائق لها كيان خالد ، تؤثر فى الأرواح وتُحدد مصائرها بنفسها ولا يُحدد لها  مصائر، إنها مصائر فاعلة دائماً وليست مفعلولة فيها ، خالدة لا تموت ولا تتبدل فى كل الأبعاد سواء ذاك البعد الملائكى أو الشيطانى او البعد الخارج عن نطاق كوننا.وللتوضيح هذه النقطة أقول إن مصير الخير نتيجة واحدة دائماً وهو الخير وكذلك الشر وكل المعنويات،ولن نفعل فيها لنغير مصايرها لكنها تفعل فينا.
والماديات فهى أشياء شكلية صنعناها بأيدينا ولها مسميات صورناها فى خيالاتنا ، والحقيقة أنها لا شئ استوجدناها فى تصوراتنا ، لذلك فإنها تتبدل، تصغر أو تكبر أو حتى تُذر فى الرياح  ، ألم نلحظ أن هذه الملموسات عندما نُحدد لها كياناً نكنيها بكناية  فنحولها إلى معنويات غير مرئية لكى نخلدها ونبقيها فلا تفنى ..أنظر نقول مثلاً... أريكة الحب أو خفافيش الظلام .

فمصير الكائنات والأحداث إجمالاً  جزء من التاريخ يجب أن يُدون على الحقائق اليقينية التى لايشوبها شك وإلا تبدل على غير حقيقته فضلَّ وأضلَّ.
فهو من معارف وعلم الإنسان يجب أن يُدركه ويعِيَه ،يبصره ويعقله.
فإذا أحطنا به وثقفناه   كان ءاية وعلامة ومصباح نتخذه موعظة وعبرة ليضئ لنا دروب الحياة  ، فنتخذ من هذه الدروب ما يُفرز لنا عوامل البقاء والرخاء والإزدهار والنجاة ونتجنب من هذه الدروب أيضا ما يفرز لنا عكس ذلك.
       بقلمى :إبراهيم أمين مؤمن

44
ماذا لو اتجه إلينا نجمٌ هِرمٌ إلى مجموعتنا وتحوّل إلى ثقبٍ أسود ؟   
حركة النجوم:"
السماء ملأنة بمليارات النجوم ، ويصل بعدها عنا ملايين السنوات الضوئية ، وهى ليست ثابتة بل تتحرك ، ولم تكن حركتها مثْبتة فى الكتب السماوية فحسب ، بل أثبتها علم الفلك القديم والحديث معاً.
تلك المليارات من النجوم تتحرك فى الفضاء الكونى بسرعات مختلفة ، هناك ما هو معروف سبب حركته بقوة الثقالية ، ومنها غير معروف سبب حركته.

صورة أربعة نجوم مارقة شاردة
والنجوم تتشكّل على هيئة تجمعات نجمية ، منها السريعة والبطيئة حركتها ، وقد يشرد نجمٌ ضخمٌ  كتلته نحو  20  كتلة الشمس ، يشرد من عائلته أو مجرته بسبب تجاوز سرعته الهائلة سرعة الإفلات من جاذبية مجرته أو عائلته، وقد ينفلت أيضاً بسبب تحوّل إحدى نجوم العائلة النجمية إلى مستعر أعظم فيدفع بالنجم الهارب بعيداً عنه .
والسؤال...
هل من الممكن أن يتحرك نجمٌ مارق إنفلتَ وعقّ تجمعه النجمى كما ذكرتُ تحت تأثير سرعته الهائلة متجهاً نحو مجموعتنا الشمسية ؟
 وماذا لو كان فى مراحل عمره الأخيرة فتحول إلى سوبر نوفا ثم إلى ثقب أسود  فأحدث خللاً فى نظام مجموعتنا أو التهمها وكسّر عظامها بقوة جاذبيته؟.
علينا أن نجيب إذن ، ونتعامل معه  فى السطور التالية من المقال .
 
 ما عوامل ضعف وقوة جاذبية الثقب الأسود ؟
نفترض بعد عقوقه انه ظلّ يتحرك إلى أنْ انفجر متحولاً إلى ثقب أسود على بعد 20 سنة ضوئية من الأرض ثم ثبت مكانه وظلَّ يدور   حول نفسه .
مقدارجذبه للمجموعة الشمسية حينئذٍ يتوقف على كتلته ، والمسافة الفاصلة بينه وبين المجموعة، وهذه المسافة المقترحة من عندى قريبة جداً جداً لكى يؤثر فى ديناميكية المجموعة الشمسية بعد بضع مئاتٍ من السنوات ضوئية ، فيُحدث خللاً فى نسقها التجاذبي فيحرفها عن مسارها حول مجرة درب التبانة ، كذلك كتلته كبيرة نسبياً ، فتكون جاذبيته بمثابة فم يبتلعنا وهو على بعد العشرين السنة الضوئية مستقبلاً.
فى هذه الكارثة الكونية نكون محظوظين لو أنَّ ما حول محيط أُفق حدثه من أجرام  فارغاً فلا يجد ما يبتلعه فلا تزداد كتلته ولا تزيد جاذبيته لنظامنا الشمسي ، بل تقل

يظهر فى الصورة ثقب لسود
مع مرور الزمن  بسبب خروج إشعاعات "هوكينغ" نتيجة ظواهر كمومية ، ومحظوظين أيضاً لو كان  ثقباً من الثقوب الدوّارة وامتلك فى مركزه ثقباً دودياً.
على كلٍ فهو خطر ويجب وجود حل.
فما الحل؟

هل ممكن القضاء على الثقب الأسود قبل أن يقضى علينا؟

1-إشعاع هوكينغ هو إشعاع حراري تتنبأ الفيزياء بأنه يصدر عن الثقوب السوداء نتيجة لظواهر كمومية.
   هوكينغ هو الذي برهن نظرياً على وجود هذه الإشعاعات سنة 1974.
  ويعتقد إلى أن إشعاع هوكينغ هو ما يتسبب في تقلّص الثقوب السوداء واضمحلالها ومِن ثَمّ ضعف جاذبيتها وموتها ، شريطة ان تكون    الأجرام السماوية بعيدة عن أفق أحداثها.
2-قطعاً إنّ ثقبنا المتطفل متكون من المادة ، لإنه لو كان من المادة المضادة لانفجر وفُنِىَ فى فضاء مجموعتنا الشمسية بعد تصادمه مع   كمية متساوية من مادته المضادة ومطلِقا نتيجة ذاك التصادم أشعة جاما.
 ونظرياً لو استطعنا أن نحصل على كمية من المادة المضادة وحجزناها فى مصائد متطورة من مصائد بيننج حتى لا تتلاقى مع مادة الفضاء وحملناها على متن محرك رامجت الإندماجي الذى لواستطاع الحفاظ على تسارع g1 لمدة سنة واحدة فسوف يصل إلى سرعة مقدارها 77 فى المائة من سرعة الضوء مما يسمح لنا بالوصول إلى الثقب خلال 25 عاماً أرضياً تقريباً، فإنه بلا شك سيقلل من كتلة الثقب نتيجة فناء بعضٍ من كتلته إثْر التصادم والإلتقاء بالمادة المضادة ، وتزداد تبعاً لذلك إشعاعاته المطرودة فتقل جاذبيته ويقْصر عمره.
  ولن نحتاج إلى سرعة هذا المحرك بمجرد اقتراب المركبة الحاملة للمادة المضادة من أُفق الحدث إذْ أنّ جاذبية الثقب سترفع  عن المحرك والملتقط عناء العمل ويجذبها كالمقلاع بسرعة الضوء.
وهذه الطريقة نظرية وملأنة بالصعوبات.
 ويرجع ذلك إلى أنّ الوقت الذى يستغرقه محرك رامجت حتى يصل الى أفق الحدث لن يقل عن 25 عاماً ارضياً ، ومع ذلك فإنها فترة كافية لتقليل فاعلية جاذبيته قبل أن يجذب الأرض ويلوكها فى فمه.
وليس من السهل توفير سُبل دعم الحياة من شراب وطعام وأكسجين على مركبة فضائية لمدة 25 عاماً ،وايضاً ليس سهلاً على رواد الفضاء ان يسْلَموا كل هذه المدة إلا إذا كانوا فى ديناميكية الحركة المعلقة "السبات الفضائى"، وأيضا مركبة تسير فى الفضاء كل هذه المدة بلا أعطال تعوقها لامرٌ مستبعد.
ومحرك رامجت هذا قيد التجربة ويحتوى على معضلتين هما ..
  الأولى صعوبة تفاعل إندماج "بروتون بروتون" معاً بمفاعل إندماج رامجت ،علاوة على عدم إمكانية المفاعل بتزويد المحرك بالطاقة الكافية ، و هذا يمثل تحدياً تقنياً فى القرون القادمة .
لكنى أقترح دخول "بروتون بروتون " فى مصادم هادرونات صغير ومتطورضمن ملتقط الهيدروجين لإحداث عملية الإندماج التام فترتفع درجة الحرارة المرجوة اللازمة لإحداث إندماج نووى معتبر نتيجة التصادم.
 والثانية عدم كفاية الهيدروجين المستخدم كوقود فى الجو:وقلة الهيدروجين لا أجد لها حلاً نظرياً .
  كذلك من الصعوبات هو الحصول على المادة المضادة ، فيعتقد أنها موجودة فى جيوب ما  فى الفضاء وجار البحث عنها ولم تسفر عمليات البحث عن شئ ، فحاول الفيزيائيون تصنيعها وما صنعوه على مدى 33 عاما إذا انفجرتْ على طرف إصبعك لن تكون أكثر خطورة من إضاءة عود ثقاب .
3- الوصول إلى الأكوان المتوازية لمقابلة حضارة أرقى منا ...
 

 صورة لشكل الاكوان المتوازية
 اذا قُدر لنا بطريقة ما الوصول الى كونٍ متوازٍ لنا أو عدة أكوان ،  فلعل حضاراتهم تكون أرقى منا بملايين السنين ، فنجد لديهم طريقة لصنع المادة المضادة أو يرشدونا على جيوبها فى كوننا ، أو حتى يعلّمونا طريقة ما نستطيع بها أن نتغلب على ثقبنا المارق ، فحضارة أرقى منا بملايين المرات قد يرون فى الثقب الأسود دُمية يتسلّون بها.
ولا أجد وسيلة للوصول إلى تلك الأكوان إلا عبور الثقب الدودى المتمركز فى الثقب الأسود.
ومسألة العبور تلك تمثل تحديات هائلة تواجهنا ، لأن نتائجها غير مضمونة بالمرة ، وتداعياتها خطيرة جداً.
كذلك فلابد لنا من معطيات ومواصفات خاصة فى ومن الثقب الأسود وهى :
أن يكون فى مراحل شيخوخته.. ونعلم ذلك بتوقف صدور إشعاعاته للخارج أو قلتها ، إذ يعبّر هذا عن ضعف الإندماج النووى فى نقطة التفرد نسبياً ، مما يسهل لنا العبور عبر جسره ب "حقول قوة" حول المكوك العابر تمثل دروعاً ضد درجة حرارة مركز التفرد.
أن يكون الثقب الأسود من النوع الدوّار .
أن يكون الكون فى حالة تمدد..حتى يسمح بتوسيع الثقب ، إذ أن حجم الثقب لا يسمح بمرور وحدة القيادة ،فحجمه حوالى 25سم.
أن نمتلك ألة زمن.. للتوافق بين موعد فتح الثقب ولحظة العبور ، ويقوم بتوفيق هذا حاسوب متطور على متن وحدة القيادة.
أن يحتوى الثقب الدودي على كمية كافية من المادة الغريبة.. التي قد تكون ناتجة بشكلٍ طبيعي أو تمت إضافتها صناعياً،وتلك المادة تحمى  فتحة الثقب من الإنهيار، وهناك محاولات جادة من العلماء لإكتشاف المادة الغربية التى تستطيع أن تبقى الثقب الدودى لفترة تسمح بالعبور من خلاله ، فإذا اكتشفوها أمكننا العبور.
وعند الوصول بالقرب من أفق الحدث  لابد أن تنفصل وحدات المركبة ولا يتبقى منها غير وحدة القيادة برائد واحد وهنا يتعطل كل شئ حيث ما يدفعك ليس المحرك بل قوة جاذبية الثقب التى تجذبك نحوها فتسير أنت بسرعة الضوء وتسير عائداً إلى الماضى بسبب تشوّه الزمان ، إذ يتباطأ بسبب سرعتك التى أحدثتها جاذبية الثقب.

وبعد كل هذه التحديات نكون محظوظين إذا عبرنا ،  ومحظوظين إذا تحقق بعض ظن العلماء بوجود أكوان متوازية ، وكذلك لو كانت حضاراتهم أرقى منا بملايين السنين ، فقدْ  يصل رقيُّهم إلى درجة أنهم قد يتلاعبون بمثل هذه الثقوب السوداء ، ومع كل هذه التسهيلات قطعاً سوف نفجّر الثقب الأسود  أو نلهو به.
                                                                تحليل وتصور:إبراهيم أمين مؤمن






45
   
مَنْ يُدَحْرِجُ ..عَـنْ قَلْبِي.. الضَّجَرَ

ابراهيم امين

   
مِن قعر جحيم   
                                                                           تسلّل لفردوسنا 
                                                                           عصفورُ النار
                                                                       غرّدَ أنكِ زوج إله
                                                                       فتصاغرتُ فى عينيك
                                                                 عينُكِ الشمس...تُفجّر !
                                                                 وقلبُكِ الغزال ...يُهرق !
                                                                              لا ترحلى
                                                                 سيحملكِ ظهرُ خيوط السراب
                                                                   ويرميك فى صروح الندم
                                                                   آذانكِ تسمع تراتيل الثعالب
                                                                              إنتبهى
                                                                              أسكنى
                                                                            لا ترحلى
                                                                         ولّتْ..ولّتْ ..
                                                                              فهويتُ                                         
                                         
                             ****
                                                                              أشلاءً
                                                                        قصفتِ الهوى
                                                                  برعد سبْع مخالبٍ حُسُوماً
                                                                 دمسَ نورُه واكتُحل الدموعَ
                                                                 وكبَّ وجهُه غارقاً فى دمه           
                                                               إنبجس شهداً فى أفواه الشياطين
                                                                   وخاطته الملائكة تقيّةً
                                                                وقُضيَ الأمرُ بتغريدتكِ أنكِ
                                                                          زوج اله
                                   
                            ****
                                                                             جاثمةً
                                                                    على صدرى الجريح
                                                                             أشباحٌ..
                                                                             إبليس؟
                                                                          آذانى تُخترق
                                                                     أصّعّدُ.. أتمزقُ
                                                                               ألوذُ
                                                              أبسطُ يدى نحو فردوس الأمس
                                                                              لكنَّ
                                                                          كبريائكِ قيدنى
                                                                       أرسف فى  مخالبه
                                                                             يُعجزنى
                                                                             يُدمّرنى
                                                                             يهدُّنى
                                                                           يعضُّ قلبى
                                                                              ينْكأه
                                                                         يغلُّه ويرميني
                                                                        فى مُحالات النجاة

                             ****           
                                                                              يا حبيبى
                                                                                أتذكر ؟
                                                                          فردوس العرش
                                                                  بلغناه بسلطان عشقنا المحْض
                                                                                أتذكر ؟ 
                                                              تلمُّسُنا الملائكةِ..فسيفساءُ نورانية 
                                                                      فعزفتْ اوتارَنا طروبة                 
                                                                  ونزلتْ فى قدس أقداسنا خاشعةً
                                                                                أتذكر ؟
                                                                        كمْ داعبتُ جناحيْكَ
                                                                           فى الفردوس
                                                                             الفسيفساء
                                                                           قدس الأقداس
                                                                           الأخضران
                                                                             الرفرفة
                                                                              العناق
                                                                               أتذكر
                                                                       تلك لغتى الخاشعة   
                                                                         وروحى السارية
                                                                      فى عملاقِكَ النّورانى
                                                                                أتذكر ؟
                                                                                 كنّا 
                                                                               الأعلى
                                                                               الأفضل
                                                                               الأطهر
                                                                                الأكبر
       
                             **** 
                                                                               يا حبيباً ...
                                                                        إرفعْ هيكل ابليس
                                                                            بفأس الإله
                                                                واغسلْ فؤادى بماءكِ المُقدّس
                                                                 واصلبْ عودى بأوتاد الجبال
                                                                إرفعْ رأسي من رُغامٍ يحترق 
                                                                    إمسحْ رياق عزرائيل
                                                                      بحطاط ماء الكون   
                                                                           إرجِعْ
                                                                             أهلْ
                                                                إرفع ضجرى بنفثة فى أُذُنى
                                                                وانفخْ الروحَ بجسدى المُخدّر
                                                                             قلقلنى
                                                                           دحرجنى
                                                                         إسقنى دواءً بيدكَ
                                                            خذنى من هيكل ابليس لفردوس الإله
                                                                            كما كان

                            ****
                                                                                 

           
             
                                   
                                       
                     
                                         
                       
 
                 

                                         
                               
                                 
                                 
                                   
                                               
         
                                               
                                     

                                           
             
         

ف

46
ملائكة وشياطين.."قص بالرمز"

العرش
إعتلى "أعمى" العرشَ بحرْق اللحى والنقاب ،  وخرْس الأصوات ،  ودفْن الحقائق بتذرّيها عبر ممرات السحاب .
هؤلاء هم للأسف الغزلان وشوادن الغزلان البشرية .
وأوقد آتون المحرقة بأيادٍ غربية ، أُوقد بحفنة من دولارات ، وبعد قليل عاد كل دولار من حيث أتى بألف دولار.
ووقف أعمى بقدميه فوق الأجساد التى ما تستطيع الحِراك لأنها أموات ، وأعلنَ المرسوم  بأن البلاد تحتاج إلى مُخلِّصٍ قوىٍّ أمين ، وأنا فوق كلِّ إرهابيٍّ حقير ٍ قاهرٌ.

الثورة
وخرجتْ الأثوابُ البالية والبطونُ الخاوية والعظامُ الواهنة من الخيام الورقية والأنفاق المظلمة وجحورالنمل الخائفة ،  تحمل راياتٍ كُتبتْ بدماء القمر ، ودموع الحجر، وحرارة سديم النجم المستعر ، تنادى بإسقاط الرئيس أعمى ، الذى أسقط هبة َ السماءِ من جيوب الضعفاء سلْباً شيطانيّاً فى جيوب بطانته الحمقاء تحت مسمى حرب الإرهاب ونهضة الأمصار.
تصدّتْ لهم الدبابات واخترقتْ كل الخطوط الحمراء ، وأكلتْ الغازات أُنوفهم حتى الغثيان ، بعدما صكَّ للغرب صكوك الغفران ، وشدَّ َّعلى الدروع المقاتلة بالمزيد والمزيد من الدولار.
وتحوّلَ الصوتُ الى رماد ، والأرض إلى أجداث ، والحديد إلى قضبان .
رقدوا على لدغات العقرب ، وكُبّلوا بخيوط العنكبوت .
وأُرسلتْ الخزائن لتركب أشعة الشمس فى شفقها الدامى ولا تعود للشرق بنورها الناصع إلا بجيوب خاوية.
وأصبحتْ الملائكةُ شياطين ـ وانقلب الميزان.

الإغتيال
وأثناء احتفال أعمى وبطانته بوأد ثورات الإرهابيين بزعمِهم ، وأثناء إعداد كؤوس الخمر المعتق بدمائهم ودموعهم ، وطربُ أسماعهم بألحان صراخ أنّاتِهم ، واختيال رقصاتهم على عذابات رعشاتهم ،
 أخرجَ الوزيرُ بصيرُ من جيبه خنجراً ، نصله قذْف الحقِّ على الباطلِ ، سنّتهُ معاولُ الشجعان ، ودعاءُ الأرامل ، والبطون الجائعة
وصراخ الرُضّع ، ووهنُ العظامِ ، وطعنَ بها رئيس الشرق  أعمى.
شعّتْ ضربات خنجره نوراً شقَّ قلب ذاك الذئب المظلم فأماته ، وتقطّرتْ ظلماتُه من بين بريق نور خنجر الرحمة .
إنفجرتْ دماء جسده بحورا ، تباكتْ عليها الشياطين ، وأنشدوا أُنشودة المأتم الحزين .
سالتْ الدماء غيْث رحمةٍ دخلتْ كل بيت فى الشرق فشفتْ صدور العليل المغلول.

المحاكمة
 النيابة:تُوجُّه النيابةُ إلى الوزير بصير تهمةَ قتْل الرئيس أعمى مع سبق الإصرار والترصد..وقالتْ فى أعمى أنه حسنة الأيام ، ورسول الشرق المقدام ، محارب الإرهاب ، وحامى الضعفاء ، ومنعش الاقتصاد ، ومحرر الأبرياء .
وطالبتْ المحكمة بتنفيذ أقصى العقوبة على المتهم بصير بالعذاب حتى الموت .واستطردتْ
فليسري العذاب فى دمائه عِرقاً عِرقاً ، ولتسلبوا روحه رويداً رويداً .

قال بصير :أستحقُ العذاب كما تفضّلتْ النيابة ، بأمر أعمى، كنتُ أقلبُ شعوبَ الشرق على نِصال رُعاتها.
   وكنتُ أعبّدُ لعرشه فأسوقه على الرقاب ، وآتيه أرضنا فأنقصها من أطرافها فتضطرب ويثبتُ عرشَهُ.
وجذْب الأموالِ والبيوتِ والدماءِ بخلْق ثقبٍ أسودٍ فى جيوب بطانته الحمقاء.
وما اللآمر بخير من المأمور ، فالآمرأعمى مأمورٌ من الغرب حامل راية الوعيديْن.. خلْق الأزمات ، وانشطارُ واندماجُ الذرات.
فلما ضجَّ صراخُ الضعفاء فى دمائى إنفجرتْ ،  ولم أجد وسيلة للإنتقام إلا انفجار دم أعمى ..فكلنا شياطين.

المحكمة :حكمتْ المحكمة بشنْق بصير ، أبى سلول الجديد ، والإرهابى الأكبر ، والشيطان الأغوى .
  رُفعتْ الجلسة

الشنق
أقبل خزنةُ العقرب ومعهم شبحُ رئيس الشرق أعمى على الوزير بصير ليسوقوه إلى الموت وهم ينظرون ، فكّوا عنه كل الأغلال التى كانتْ تغله.
 كانوا قد جمعوها من كل حديد الشرق والغرب ودكّوها حتى تقلّصتْ فى حجم النملة ،  فشعّتْ فى جسده إشعاعات غلِّهم وانتقامهم .
فكانتْ تبتلع عزّته وتهشم عظامه .
سحبوه بعد ذلك إلى حجرة شنق الإرهابيين ، غير أنه فاجأهم بأنه هو الذى يسحبهم ، فقد كانتْ نظراتُه الملائكية سهاماً شقّتْ صدورَهم الشيطانية،وبسمته رسالة حقٍّ قذفتْ فى قلوبهم الرعب والعذاب.
ثم خلع عنه ثيابه الأحمرالذى ألبسوه وعصره فقطرَ منه دمائهم وجلودهم محمولة إلى دروب شفير جهنم.
لفّوا  الحبل حول عنقه وأسقطوه ،فسقط للعُلا وسقطوا هُمْ فى الأسفلين.
==========================================================
                     
                                                               إبراهيم أمين مؤمن 4-7-2018
 ملحوظة هامة :القصة الرمزية تتحدث عن اطماع الغرب فى الشرق، ولا تخص دولة بعينها ولا رئيسا بعينه ولا فترة زمنية  معينة .

47
                                     رسالة من المنفى
                                        فلسطين تتحدث

 
                                          فى مضجعى
                                     أفواهٌ ترضع مِنْ أثدائى
                                        نادانى غزالٌ ذئبٌ نادانى
                                    غرس نابه فى أفواههم
                                             بُلفور
                                      عصفور نارٍ غرّد
                                         فوق أوكارى
                                      أكون قربان أدرانهم ؟
                                       أم ترياق أسقامهم؟
                                       أم حِمىَ ظهورهم ؟
                                      تعالىَ نعيق العقبان
                                       صَمّ آذان السحاب
                                وأنا الظامئة فى قيعان محيطاتى
                                              ****
                                  شفق الشمس دماء عروقى
                                 مع كل مغيب تنبجس عروقى
                                   ليلى مأتمٌ فى بهيم القمر
                                 أغصانى راقصةٌ شاحبةٌ تُجرْجَر
                               على رياح أزيز طائرتهم تُخضَّب
                                           بدمائى
                                 تُروَى برياق سموم معسولة
                                          أأأأأأأأه
                                   كمْ سطتْ كواسر الجحيم
                                         أحرقونى
                                   بتغريدات بلابل قروشهم
                                وأنا اتكأ على رماد انفاسهم
                                   ركبتُ مطايا ألسنتهم
                                وصداها حلو يحرق أكبادى
                                      تخطّفتنى مخالبُهم
                                  ورمتْ بى إلى جنة النار
                                   وأنا اللقيطة فى أرضى
                                 أنا اللقيطة ؟ أنا اللقيطة !!
                                   فجر المَقدِس مكتومٍ
                               وأنا عاضّةٌ أناملى مغلولة
 
                                     ******
                               إريز ..نادتْ أفراخى
                                       إنتفضوا
                               رمتْ أفراخى عقبان السحاب
                                      تخطّفوا
                           وحَصَاهم ما زال يُصدّع العقبان
                                      تذمّروا
                           لعمركم أنتم أفراخ طيور خُضْر
                             تحلّق أسفل فردوس الرّب
                               وسأظل أنتفض لأُزيل
                                   أنيابَ البيت الأبيض
                                         قُدسي
                                         قلبى
                                  وطأته أقدامٌ ضاحكة
                               على فروش قلوبى الباكية
                             لكنى سانتفض .. وسأظلُّ أنتفض
 
                                          ******
                                سيأتينى فجر المقْدِس يوماً
                                 صوته المكتوم يتحرّر
                                  وأشواك أرضه تتبدّد
                                وأشباحه تطردهم ملائكتى
                            ستنصهر القضبان مِنْ لفح محابسنا
                                     مِنْ دماء معاصمنا
                                     مِنْ عزّة رقابنا
                              وتنصهرفوق رؤوس اليهود
                             هالات نور التحريرتشعشعنا
                                 وتكفُّ أبصار الخائنين
                              سندبُّ بأرضنا أُيها اللقطاء
                                    فما نحن اللقطاء
 
                                        *******
                                       أفلا تسمعون
                                        صراخاتى..
                         نداء العروبة يسوقه نور شمس الشرق
                              محمول بطلقات الغدر
                                يشع حمراء الدم
                                 أفلا تسعفون!
                         أيادينا  تمتدُّ من لُجج بحرٍ خضّم
                              حملتنا أمواج الموت
                                  بشواطئكم
                                أفلا تشعرون!
                             قضباننا قرابين حرّيّاتكم
                             تدمينا وتنعم معاصمكم
                                    أفلا تطفئون
                       أرض الميعاد تحترق بشرارة أياديكم
                                     فتعساً لكم
                                 شاهتْ وجوهكم
                      أنحن هياكل خلف أسوار الحياة؟
                           تالله سأضجُّ مضاجعكم
                       برسائل رضعائنا لرضعائكم
                        رسائلٌ من المهد إلى اللحد
                        رسائلٌ من المنفى الطهور
 
                                  ****
                                     قصيدة تاريخ فلسطين مع اليهود
                                         إبراهيم أمين مؤمن " روائى "
 

48
المنبر الحر / غزو الشمس
« في: 16:28 19/05/2018  »
غزو الشمس
فى المستقبل ....
قام "زينتارو "ورفاقه بارتداء بذلة النقل الفورى البعيد , وفى أقل من عشر ثوانٍ اقتحموا  كل مراكز الإتصال الأمريكية بكل أنواعها, ثم اقتحموا مبنى وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" ووكالة الإستخبارات الأمريكية "السي آى إيه "وأماكن المفاعلات النووية ومراكز إطلاق الصواريخ الحربية , إقتحموها وسيطروا عليها وقتلوا القائمين على أعمالها.
إتجه زينتارو بمفرده إلى البيت الأبيض وسحب الرئيس الأمريكى من ياقة بذلته مُدفعاً إيّاه إلى الخارج حيث يقف الشعب الأمريكى منتظراً خروجه لإلقاء بيان العقوبات على اليابان الذى أقره الكونجرس الأمريكى والبنتاجون والسي آى ايه .
وقف خلفه ممسكاً بيده اليمنى رقبتَه ، وباليسرى سكين , وسرعان ما ذبحه فى ذهول الجالسين والواقفين , وعلى الفور تداولتْ الحادثة كل وسائل الإعلام المسموعة والمرئية بالدهشة والاستغراب.
وما إنْ وصل الخبر إلى البرفيسور اليابانى "ميتشيو  كاجيتا"صاحب مشروع إختراع بذلة النقل الفورى البعيد , ذاك المشروع السرّي الذى أضمرته اليابان ثلاث سنوات , حتى أجهش بالبكاء وأصابه دوار ورعشة ثم انكفأ على وجهه حيث ما استطاع أنْ يتمالك نفسه من هول المفاجاة.
أفاق ثم أخذ يتمتم بالسب واللعنات على زينتارو , واتجه إلى سيارته فركبها ومضى حيث لا يعلم حتى قاده المجهول إلى أحد الصحارى الشاسعة ، ففجّر السيارة وانتوى الإقامه فيها بزرع الصحراء وتصميم جهاز استخلاص المياه العذبة من الهواء الجوى "الأطر الفلزّية العضوية" (MOF).
 
بعد ثلاثين عاماً ...وصف حالة الشمس...
الأرض ترتقع درجة حرارتها تدريجياً وسرعان ما انخفضتْ فجاة متسببة حالة من الجليد غطتْ قُرى سويسرية بأكملها وتجمّد نهر التايمز .
يقول المرصد الأمريكى إنّ مناظيرنا الفلكية استطاعتْ رصد نجم  قزم غريب إقتحم مجموعتنا الشمسية آتياً من مجرة أندروميدا  ووجْهته الشمس .
كما أنّ أجهزة استشعاراتنا المتطورة رصدتْ خروج غازات هائلة مصحوبة بطاقة رهيبة من الإشعاعات وأثناء تحليلها بمطيافنا تبين أنها من أشعة جاما المميتة .
وأضاف المصدر .. هناك نجم عاقّ آخر  ترك كواكبه وانفلتَ متجهاً  إلى الشمس .كواكبه سقطتْ فى مجرتها .
العلماء حائرون .. لا يعرفون كيف خرجتْ تلك النجوم من مجرة أندروميدا وكيف وصلتْ , العلماء خائفون من تجمد الأرض كلها وتحولها لطبقات من الجليد وانخفاض الحرارة إلى معدلات منخفضة جداً .
 لأول مرة تختفى  البقع الشمسية تماماً من الشمس , ورياحها ضعيفة جداً ومصحوبة بأشعة فوتونات جاما.
الناس على الأرض أصابهم الذعر والهلع بلغ حد الصراخ , حتى أنّ بعضهم فضّل الإنتحار خشية أن يموت مُجمّداً.
المختبرات الفيزيائية تقف حائرة ,وزارات الدفاع عاجزة .. الكل ينتظر المجهول .
تكنولوجيا النقل الفورى البعيد لن تفيد فى هذه الأزمة الكونية تماماً.
 
زينتارو ورفاقه وقفوا حائرين,ولم يجدوا ملاذاً إلا الإنتظار علّ الإدارة الامريكية تجد حلاً  لإن أيديلوجيات تكنولوجياتها متطورة جداً.
فى صيحة لبيبة من بين غفوات متتالية هبّ زينتارو قائلاً ..ميتشيو  كاجيتا ..ميتشيو  كاجيتا..
نادى رفاقه وارتدوا بذلات النقل الفورى البعيد وضغطوا على الذرالمسمى ميتشيو كاجيتا والموجود فى مقدمة البذلة وساروا فى هيئة تموجات كتلك التموجات التى تصدرها الإلكترونات حول النواة , وبسرعة كسرعتهم أيضاً .
"هذا الذر بمجرد الضغط عليه فإنه يبحث عن التابع الموجى لإلكترونيات أجسامنا والتى تترابط مع بعضها البعض بحبل سري غير مرئى تبعا لمعادلة شرودنجر الموجية  , ثم ما تلبث أنْ توجه تابعنا الموجي إلى المكان المراد الإنتقال إليه , فنحلُّ نحن مكان تابعنا الموجى ويحلُّ تابعنا الموجى مكاننا بالتبادل وهكذا تسير أجسامنا بسرعة الإلكترون الذى يسير ب 99% من سرعة الضوء".
ساروا يبحثون عن ميتشيو  كاجيتا.
وجدوه حيث يقطن فى صحرائه بعد أنْ أصابهم الإعياء الشديد ,فقد ظلوا يبحثون عنه أكثر من  ستين ثانية , إذ أنّ إلكترونات أجسادهم لا تستطيع رصد التابع الموجى لها أكثر من ذلك وإلا انفجرتْ أجسادهم .
وجدوه يتناول بعض حبوب القمح وقد تدلَّ حاجباه على عينيه وتقوّس ظهره وخفَّ عظمه وذهب الجلد من وجهه ويديه وقدميه.
إنتصبوا أمامه ثم خلعوا بذلاتهم  وأسرعوا له ساجدين  قائلين ..ميتشيو  كاجيتا ..ميتشيو  كاجيتا..
هبَّ واقفاً وقال .. زينتارو .. ثُمّ انقضَّ عليه كالأسد وجندله ثم لكمه ولطمه ثم هبَّ واقفاً ووطأه بقدمه , بينما زينتارو لا يصدّ شيئاً ولا يجد سبيلاً للخلاص إلا الإنتظار حالما ينتهى معلمه المقدّس.
تركه كاجيتا باكياً وجلس وزايله زينتارو ساجداً تحت قدميه راجياً العفو والمغفرة .
كاجيتا : ما جاء بكم ؟..ثم نظر  للجليد حوله وقال .. الشمس .. استنشق الهواء ثم قال .. الشمس ..
  ثم كرر : أليس هذا ما جاء بكم ؟
 زينتارو : بلى مُعلمى
  كاجيتا  : إخرس أنت .. كفى ما فعلتَ .. أتذكر؟
                ذبحتَ صديقى ..الرئيس.. وأعملتَ وأتباعك خناجركم اللعينه فى خيرة العلماء الفيزيائين الأمريكيين الذين ملأوا الدنيا علماً.
              تخرجتُ أنا من جامعاتهم..هزَّ رأسه مُردفاً..  وتسببتُ فى قتلهم .
            قتلته يا جبان ,تدعى أنك وطنياً تحب بلادك  وأنك فى الحقيقة تنتقم لمقتل أجداداك الكبار إثر إلقاء قنبلتى هيروشيما ونجازاكى
    ما ألعنك !!!
   ظللتَ تثير البغضاء والعداوة  ضد الإدارة الأمريكية ,, تحرّض إدارتنا ضدهم وتذكّرهم بثأرهم المسلوب سنة 1945.
 وما زلت توسوس كالشيطان حتى اقتنعوا تحت تأثير فرض العقوبات علينا,علاوة على إثارتك للنزعة الوطنية والقومية,فتوحشتْ  اليابان فقتلوا منهم حيث تستطيع إحصاءهم أنت يازينتارو.. ألا لعنة يهوذا على هذه البذلات , وما ان إنتهى من كلامه حتى أمرهم بخلعها ثم أخذها وألقاها فى النارالتى كان يستدفئ بها .
ثم عاود ضرب زينتارو بلكمة أدمتْ أنفه مرة اُخرى .
 
 مضوا جميعاً إلى المرصد العالمى الكبير للفضاء الذى أسس فى المستقبل  فوجد أعضاء المرصد مصطفين , فحياهم جميعاً وانحنوا له معظمين وبعضهم خائفين.
غير أنّ أكثرهم من الأمريكيين رمقوه رمقة غيظ مفعمة بالخوف ولم ينحنوا له إلا اضطراراً,بيد أنّهم يجدون فيه مخرجاً وملاذاً.
وكيف لا وهو الذى تغلب على كل من سبقوه واستطاع أنْ يصنع بذلة تُسيّر مرتديها بسرعة  الضوء .. حقاً إنّه حوّل المستحيل الى واقعٍ ملموس ,عجز فيه كل فيزيائى العالم ان يحققوه.
فسألهم عن الشمس فأخبروه بما علموا .
فسأل : ما هو أفضل مرصد شمسى الان ؟
أجاب فيزيائى أمريكى : نملك مرصد ديناميكا الشمس 2020
سأل: والتلسكوب الشمسى ؟
أجاب فيزيائى أمريكى آخر :لدينا  التلسكوب الشمسي (دي.كيه.آي.إس.تي) 2021 بجزيرة ماوى إحدى جزر هاواى .
فنظر بامتعاض إلى زينتارو الذى يرتدى بذلة النقل الفورى البعيد ,فكسر ذرها وقال ألا تتجرد من هذه البذلة اللعينة !!
 ثم أمرالجمع بالمضى قُدماً إلى جزيرة ماوى بولاية هاواى الأمريكية حيث  التلسكوب الشمسي منصوباً هناك.
 
                                            المعاينة
وقف كاجيتا بقمة جزيرة ماوى حيث وجد التلسكوب منتصباً نظر فيه ووجهه كما يريد , وجد سطح الشمس قد تقلّص إلى الداخل , وضوءها فى خفوت متواصل ولكن معدل خفوته بطئ, والرياح الشمسية ضئيلة للغاية , ولا توجد بقعة واحدة على الفوتوسفير" السطح "
وما أنْ انتهى من المعاينة والتحليل حتى ارتعشتْ يداه  وعجزتْ قدماه عن حِمله  فارتكز على أقرب شخص إليه فسنّده حتى جلس.
سأل : منذ متى بالضبط هجم النجم القزم الانتحارى العاق على شمسنا ؟
أجاب أحدهم : منذ يومين وثلاث ساعات.
رمقه بامتعاض وتوجع : قلت متى ؟
أجابه : يومان وثلاث ساعات وخمس دقائق.
كاجيتا : من أين جاء .. مِن مجرة أندروميدا ؟
أجابه : نعم
كاجيتا :والان أتدرون لِم َارتفعتْ درجة حرارتها فجأة ثُمّ أخذتْ فى الإنخفاض المتتابع ؟
أجابوه : نعم .. أشعة جاما التى رصدتها أجهزتنا هى التى رفعتْ درجة حرارة الأرض وما إنْ اختفتْ تدريجياً حتى عمَّ الصقيع.
كاجيتا : هزّ رأسه كعلامة إقرار.. ..ألا تدرون ماذا حدث للشمس ؟
الجمْع :لا
قال كاجيتا : آن الأن للعالم أن يتهذبَ ..ثم أمر بإحضار ورقة وقلم وكتب هذه الرسالة.
   إلى رؤساء العالم أجمع ...شمسنا لن تعود قبل سنين,فانقذوا العالم ليس هناك وقت للدبلوماسية والسياسة , ولا وقت للتفكير فى صراع حول حرب نووية باردة التى ملأت أجهزة إعلامكم وصدّعتم بها رؤوسنا.                         
                                            التحليل
 
 إلى فيزيائىّ العالم أجمع "تحليل كاجيتا العلمى "
...شمسنا استهلكت الكثير من هيليومها فى طبقة الفوتوسفير السطحية بسبب هجوم نجم قزم يا حمقى .. النجم من مادة الهيليوم المضاد ,, لقد التحم مع هيليوم شمسنا بفعل جاذبية شحنتيهما ,ففنى النجم القزم تماماً وأخذ معه الكثير من وقود الهيليوم الشمسي بطبقة الفوتو سفير.
والإندماج النووى لإتحاد ذرات الهيدروجين لتكوين الهيليوم فى باطنها لن يصل قبل سنين,وكل ما يصل الأن إلى الفوتوسفير هو هيليوم قليل جداً من الطبقة المجاورة ولن يفى بغرض دعم الحياة على الأرض اذ انه يأخذ فى التضاءل.
وتضائل بريقها بسبب ندرة الهيليوم فى طبقة الفوتوسفير المسؤول عن الضوء واللمعان,والجليد بكرتنا الأرضية بسبب قلة الرياح الشمسية الحارة والمرسلة من سطح الشمس ,فغاب نصف ضوء الأرض تقريبا.
والبقع الشمسية غير موجودة بسبب ضعف النشاط الشمسي على سطحها .
أما التقلص فبسبب نقص فى حجم طبقة الفوتوسفير.
وشمسنا لن تعود على ما كانت عليه الا بعد مرور بضع سنين حالما يصل اليها الهيليوم من باطنها الى سطحها.وهذه المدة هى مدة وصول فوتونات الضوء من القلب الى السطح , أىْ اننا نحيا الان على الطبقة المجاورة لسطح الشمس والتى تتبعها الى الداخل.
  أنقذوا شمسكم يا أغبياء قبل هجوم النجم الثانى ,فهو يبعد عن الشمس بمسافة ليست بعيدة وفى غضون ساعات سوف يهجم , وإنْ هجم فلن تستطيع الشمس ان تبقينا أحياء لفناء الهيليوم فى السطح والطبقات المجاورة له .
 
 
                                       أساس الخطة
 يجب علينا إيجاد طريقة تعوّض النقص الحاصل فى هيليوم طبقة الفوتوسفير لحين وصول الهيليوم المؤين من الطبقات المجاورة.
نعوّض النقص الحاصل الان ثم ننتظر هجوم النجم القزم الأخر ونفعل مثل ما فعلنا قبل ذلك .
إستعدوا يا سادة نحن أمام أخوين آثمين.عقّوا مجرّتهم فتركوها , سقطتْ كواكبهم التى كانتْ تدور فى فلكيهما تحت تأثير إنعدام الجاذبية.
 
                                            التنفيذ
طلب من جميع الدول تحديد أكبر كمية من الهيدروجين الذرى الغير مؤين والمضغوط ,,ثم طلب من الدول النووية صنع ما يستطيعون من القنابل الهيدروجينية .
فجاءتْ فى المقدمة روسيا بالهيدروجين وقنبلة هيدروجينية بقوة 93000000 ميجا طن
تلتها أمريكا  بنسبة هيدروجين أعلى وقنبلة بقوة أقل وهى       77000000ميجا طن
فرنسا 60000000 ميجا طن
وبريطانيا 57000000 ميجا طن
الصين  55000000 ميجا طن
باقى الدول بمجموع   92000000 ميجا طن .
وأمر بحِمل نصف هذه الكميات من الهيدروجين وقنابلها فى مركبة فضائية تعمل بمحرك ألكوبير الذى يسير بسرعة الضوء .
 تنطلق المراكب كل من بلدها فى آن واحد .
تنطلق لتعوّض النقص الحاصل من فناء مادة الهيليوم الذى اختلط بالهيليوم المضاد للنجم القزم الإنتحارى.
أما القنابل الهيدروجينية فمهمتها زيادة درجة حرارة طبقات الشمس السطحية فتعيد حيويتها ,كما أنها تؤيّن الهيدروجين الذرى المرسل معها , إذْ أنّ الهيدروجين لا يتأين ويتحول إلى هيليوم إلا فى ظل درجة حرارة عالية تقدّر بالملايين,وهذه لا توجد إلا فى باطن الشمس وقنابلنا هذه , وبالتأين تُرسل الإضاءة والطاقة إلى الأرض, فتحيا الشمس من جديد.
 
إنطلقتْ المركبات كلها فى آن واحد كما خطط هو ووصلتْ إلى سطح الشمس فى غضون إحدى عشر دقيقة , بيد أنّ المفروض أن تصل فى ثمانى دقائق , والسبب يرجع إلى أنها أبطئتْ من سرعتها كى تخترق الغلاف الجوى ولا تحترق , فاستغرق ذلك ثلاث دقائق أُخر, قام الحاسوب بهذه المهمة إذ قلل سرعتها حتى لا تحترق  بسبب الإحتكاك بينها وبين هواء طبقات الغلاف الجوى السميك , والذى ينجم عنه ارتفاع شديد فى درجة الحرارة , والكارثة أنها لو احترقتْ فستنفجر القنابل الهيدروجينية وقد تُدمر الغلاف الجوى للأرض وطبقة الأوزون الواقية فتتركها عرضة لهجوم المذنبات والشهب المدمرة للأرض.
كما أنّ تقليل سرعتها أثناء الإختراق لا يقيها من الإحتراق إذ تتعرض أسطحها رغم ذلك للإحتراق , فعالج كاجيتا ذلك بتغطيها بدروع متطورة جداً منفوخة تقاوم الحرارة لم يعرفها العالم حتى هذه اللحظة.
 
جاء النجم القزم الثانى وهجم ففعل فى الشمس كما فعل حبيبه الأول وتوأمه , تبعه دفعة الإنطلاقة الثانية فنشطتْ الشمس من جديد بعد ضربها الثانى .
أشرقتْ الشمس بنورها وبدأت طبقات الجليد الأرضية فى الذوبان شيئاً فشياً
ثم نادى فى الجمع أنّ الباغى تدور عليه الدوائر , وأنّ مَنْ أرادنا بشر اتقيناه فإنْ لمْ نستطعْ  قاومناه فإنْ لمْ نستطع داوينا أنفسنا بأنفسنا من جراء شرّه  ثم  التفتَ فجأة  إلى زينتارو وذبحه قصاصاً .
ثم قال :ليحيا العالم بالعدل واتحدوا على شراسة الطبيعة وغدرها ولا تتحدوا جُموعاً متفرقة يضرب بعضها بعضاً .
وليرحمنا天宇受売命" آلهةالشروق .
 
                 ***********
(مراجع القصة) : النقل الفورى البعيد - الحرب العالمية الثانية - المادة المضادة - البقع الشمسية والنشاط الشمسي - القنبلة الهيدروجينية – النجوم .
السرد : إبراهيم أمين مؤمن
الرواية كاملة لمن ارادها .. تُسلم فى 6 شهور
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 


49
مقالات للرأى .. الغدُّ
الغد ُّعمره لا ينتهى أبداً ،يخلع عباءاتٍ لا تنتهى أبداً ويرتدى أُخريات ليظل دوماً اسمه الغد .
اطول المخلوقات والموجودات عمراً ،مُحال أن يسبقه أحد ،أو يَلغى وجوده أحد ،هو خالدٌ كخلود الله غير أنّ الله ليس كمثله شئ.
ينتظره الكل،الشقى والسعيد والغنى والفقير والقوى والضعيف،الملوك والصعاليك،راغبون فى فضله وستره خائفون من بطشه وفضحه.
فكيف نربحه لنسعد ولا نخسره فنشقى؟
 
يعيش الفرد فى وطنه ،له حقوق وعليه فروض،فإذا أدى فرائضه ونال حقوقه فستدورعجلة حياتهم نحو الإزدهار والرقى والسيادة، يبنون جنّتهم فيه لبنة لبنة،فينكشف عنهم وجه غدهم الجميل ،أولئك الرابحون.
وإذا قصّر أحدهما أو كلاهما فى الفرائض والحقوق فستدور عجلة حياتهم نحو التخلف والإنحدار والشقاء،يؤجّج لهم الجحيم وينكشف لهم وجه غدهم القبيح ،أولئك الخاسرون.
والتاريخ والأديان تكلموا عن أمم صال وجال طغيانها، ثُمّ ما لبثت أنْ ذابتْ ولُعنت ليس بألسنة الأخرين فحسب، بل بألسنتهم هم،ثُمّ دُونتْ فى مذابل التاريخ تتأفّف الأُنوف من سيرها.
كما تحدثوا عن أمم ٍعمّ وانتشر خيرها، فتعطّرتْ الأُنوف بطيبها وطَرِبتْ الأسماع بشدوها،ودُوِنتْ فى صفحات التاريخ الناصعة البياض فقُدِّّستْ وبُجِّلتْ.
كلٌ سلك الدربين،درب الخير ودرب الشر ، ورنين الذهب ليس كرنين الفخار،فنالوا من الغد ما يستحقون .فربح من ربح وخسر من خسر.

فى كل الأحوال فالغدُّ غيبٌ مجهولٌ،غير معلوم الملامح، لكننا قد نحدده،مجهول اسمه لكننا قد نكنيه،يحمل فى قسمات وجهه كل الأشياء ونقائضها ،الشر والخير،الشقاء والنعيم،المنع والعطاء،الشمال واليمين،لكننا قد نتحاشى شره، ونركن الى خيره ، فنملكه ولا يملكنا.
لكنّ الشئ الوحيد الثابت والخارج عن إرادتنا بالكلّيّة، أنّه خالدٌ مفروضٌ علينا كُتب لنا وكُتبنا له، فلا نستطيع أن نلغيه.

زهدنا الماضى فقد طُويتْ صفحاته،ونعيش صفحات الحاضرنسعد بأفراحه ونشقى بأوجاعه،ورغبنا الغدَّ نجاة من شرٍّ ،وأملاً فى خير ،فهو المهيمن والمخيف على النفس لما يحمله من غيب ومجهول.
الكلُّ يخشاه"الغدّ" ،الكلُّ يرجوه، الكلُّ يتقرب إليه بقدرة الربِّ ،جاعله وموجده.فهل الله قُرباناً له، أم احتمينا بالله من شرِّه، أو رجونا خيره تحت مظلة قدرة الإله.
يجب ان نتعلم من ماضينا الموجع لنستسقى ترياق اليوم فنبرأ فى الغدِّ،أو ماضينا الممتع فنستسقى المزيد من كؤوس اللذّة اليوم فننعم كذلك فى الغدِّ.

أيُّها العالَم الواحد ،أتخافونه؟
لا تخافونه إذا تحاببتم،اذا تراحمتم،إذا أخلصتم،تحازوا معاً ولا يَطغَى أحدٌ على الأخر ،قفوا له رحماء أعزّاء تجدونه مِطواعاً رؤوفاً.
 بينكم،بينكم ،كسّروا قيود الرقِّ ،إفتحوا قضبان الحبس، واثقبوا طبول الحرب،وارفعوا رايات السلم،أحرقوا أجساد الشياطين،واركنوا على جُنبات الملائكة،هيّا لا تتردوا حتى لا يضنّ عنكم غد كم بالرحمة والنعيم والسعادة.
إمضوا نحو الشمس،وتزيّنوا بزينة القمر،وابذروا الزهر،واسقوا الزرع،واحملوا الكَلَّ،واكسبوا المعدوم،امسحوا عرق جبين المكدود،هيّا افعلوا ما تُؤمرون لنبنى هنا وهناك، نبنى عالم الغدِّ الجميل ،عالم الفضيلة.
نعمل على الدرب متفائلين لامتشائمين،ننشد فى طلة الفجرالسِقاء، وفى نور الشمس الضياء، وفى قطرات السماء غيث السحاب ،لابد أن نرى كل شئ فى الكون جميلاً حتى نحيا، حتى نعيش ،حتى تستمر عجله الحياه فى أمنٍ وهدوء.

يا ابن الوطن،إرفعْ سلاحك على مستعمرك وانتفضْ ،تنل عزّك وعزّ بنى وطنك فى غدك.
يا حبيس القضبان، ليكن دعاءك وصبرك مِعْوَلاً يهشّم جسد ظالمك وحابسك ،فتظفر فى غدك.
يا ابن الرقّ، لتعلو بجبهتك فأنت إنسان لا تُستذل ولن تُمتهن ،ليكنْ كيانك بداخلك تنلْ  عزّاً من غدك.
أيُّها الضعفاء،اعتصموا الان حتى تنعموا غداً،إقطفوا رؤوس الجبابرة ،واهدموا بيوتات العنكبوت الحمقاء.

هيّا معاً، لنبحث عن الغدِّ الأكبر،كل أيامه الدنيا تتشابه،تطيب لنا تارة وتؤلمنا تارة أُخرى، تعزّنا وتذلّنا،تهبنا وتنزعنا،ترفعنا وتخفضنا،تسعدنا وتشقينا،لكنها كلها فيه"الغد"أو فيهم معانى لاتَحمل فى مضامينها إلا الرسم والشكل ،حيث أنها بلا روح، كالجسد بلا روح ،حتى هو ذاك الغد جسد بلا روح ،وإذا أردنا نحن جسده بروحه، فعلينا بالغدِّ الحقيقي ،الغدُّ الأكبر ، غد الخلود فى جنة النعيم،عندها فقط فقط يكون جسداً بروح ،يكون كياناً واضح الملامح، معلوم الماهيّة تماماً تماماً.

وأخيراً ،قدْ يأتينى الموت قبل أن أُخبركم عنه،وقدْ يأتيكم الموت قبل أن يصل إليكم خبره،قدْ اتعّظُ أنا به وتتعظون،وقدْ أجحده وتجحدون،فالنجدان لنا في شأنه من مراد الإله الرحمن ،فمِنْ عزّة هذا الغدُّ أنّه دائماً وأبداً سابقنا وليس له خط نهاية،ولو افترضنا نهايته فنحن إذن عدم،ونحن نحن لسنا عدم.
                           
                           ***********

                                                                                               تأليف:إبراهيم أمين مؤمن
                       

50
     جماجمٌ فى أُنوفٍ طائشةٍ
"القصة من خيالى ولا علاقة لها بالواقع"........

قام دانتى الإيطالى الذى يقطن بجزيرة صقلية وصاحب أكبر مافيا مخدرات فى العالم آنذاك بقتل عائلة جاك الأمريكى فى أمريكا نفسها,هذا القتل الممنهج والمخطط له والمعفىّ عنه سرّاً مِن قِبلِ السي آى إيه .
لقد كثرتْ هذه العمليات الممنهجة ضد الأُسر الأمريكية فى ولايات كنتاكى والاباما وسوث كارولينا ولويزانا والمسيسبي,وأغلبية الولايات صاحبة البشرة السوداء وخصوصاً لو كانتْ ولايات فقيرة.
هجم دانتى وبعض من رجاله على المنزل القائم بولاية المسيسبي وقتل أُمّه وأُختيْه, وحاول قتل جاك غير أنه استطاع الفكاك والهرب من قبضته .
ولم ينسْ جاك الصبى ملامح دانتى فقد ارتكزتْ فى دماء قلبه الفائرة قبل أنْ ترتكز فى نسيج خياله.
 
عشرون عاماً مضتْ ...................
 بينما جاك يزور عائلته فى مقابر المسيسبي ليلاً إذ سمع وقع أقدام قادمة على بعد عدة أمتار فتوارى خلف جدارليتقيهم وليتبين سبيلهم.
وقفوا وسط المقابر وقال أحدهم ويبدوا أنه كبيرهم , قال تبيّنوا مواعيد الوفيات جيداً وانبشوا قبور أموات العشرين عاماً مضتْ,واحضروا لى جماجمهم .. هيا أسرعوا.
ثُم ولّى وجهه ناظراً فى أرجاء المقابر فرأي وجهه,إنه دانتى.
تضخمتْ عضلات قلب جاك وجسده على الفور,وارتسمَ على وجهه ملامح التوحّش والإفتراس.
إنقضّ جاك على دانتى ولم يسعف دانتى الوقتُ لخروج المسدس من مغمده ,خطفه جاك من يده وقتل به رجاله كلهم .
جثا دانتى على ركبتيه طالباً العفو والمغفرة , لتيقّنه أنه مقتولٌ لا محالة  ولقد دار بخلده ان هذا الشاب من مناصرى الشيوعية المتعصبين جداً, كما أنّ دانتى لم يستبعد أن يكون هذا الشاب أحد أقارب ضحاياه الذين قتلهم أو الذين أخذ جماجمهم.
التفت إليه جاك وعلامات الغضب والتوجع تعبراعن غريزة انتقام شيطانى
فتّاك..
جاك :هل تذكر جريمتك من عشرين عاماً حيث ......... ألم تذكرْ الصبي الذى هرب ؟
دانتى:لا
جاك :حُقّ لك أنْ تنسى,فجرائمك فاقتْ كل تصور.
حاول دانتى جاهداً أنْ يتذكر عملية قتل فيها أسرة نجا منها صبى,وعندما تذكر قال,,جاك لن يفيدك الإنتقام ,سأمنحك مالاً يجعلك أغنى أغنياء العالم.
لم يعبأ جاك بعرضه لإن الإنتقام هو غايته,بيد أنه يريد أن يعرف لماذا قتلوا أهله وماذا يفعلون بالجماجم.
جاك : لماذا قتلتم أهلى؟ ولِمَ تريدون جماجم الموتى؟
دانتى:ما الثمن لو أخبرتك بالحقيقة ؟ عِدنى بألا تقتلنى وأعدك بقول الحقيقة.
جاك : موافق
دانتى :أنا إيطالى الجنسية ,تعاونتْ مع إدارتكم "السي آى أيه"من أجل التخلص من الفكر الشيوعى فى جزيرة صقلية  إبان الحرب الباردة بينكم وبين السوفييت .
كذلك من مهمتنا هو السيطرة على مقاليد الحكم فى جزيرتى وإثارة الشعب ضد الحكام الذين كانوا يوالون الشيوعيين ويتصبّغون بصبغتهم.
 ومن أعمالنا أيضاً القيام على شيطنة الشيوعية وتجميل الدور الأمريكى الرأسمالى وتجسيده فى دور البطل والمُخلِص من براثن الشيوعية.
جاك :ولِمَ
دانتى:لإستعمار بلادنا .
جاك : والمقابل؟
دانتى :  قال متردداً  ومتلجلجاً ..غضُّ طرف إدارتكم عن دخول مخدراتنا الأصلية والمغشوشة فى بلادكم و....لجلج ثانية
جاك : وماذا؟
دانتى:قتْل بعض فقراءكم السود فى الولايات الفقيرة بالأخص والتى يعمها الجهل و...لجلج ثالثة
جاك :لكمه لكمة أدمتْ وجهه ثم قال له وماذا؟
دانتى:سرقة جماجم الموتى وطحنها مع بعض الهيروين وتخدير الشعب الأمريكى بها .
جاك: ولذلك قتلتم عائلتى واليوم بعد أن أينعت جماجمهم لصناعة الهيروين أتيتم لأخذها وطحنها وتركها تتطاير فى أُنوف طائشة.
لم ينبس دانتى بكلمة وحطّ وجهه إلى الأرض مكْراً ورياءً.
 
قال جاك الان أُوفّيك عهدى.
وسأله.. هل تعرف عائلتك لِمَ أنتَ هنا ؟ فى أمريكا ؟ فأومأ برأسه أى نعم .
فردّ جاك بقوله .. آه يا أنذال يا أولاد الكلب.
وخطف جاك هاتفه الجوال بحنقٍ وأرسل رساله إلى أهله نصها "زوجتى وأولادى أنا الان فى أمريكا حيث تعلمون ما أفعل وسوف أُرسل لكم طرْداً وهو مفاجأة كبري سوف تسعدكم أيّما سعادة,فانتظروه فى القصر حتى يأتكم.
جاك :أتريد الوفاء ألان؟  نظر إليه دانتى بوجل ورجاء.
ألان ألان أوفيك,أنت الطرد سأرسلك إليهم.
نظر اليه دانتى بتعجب ممزوج برائحة النجاة.وشحنه جاك .
وصل الطرد لعائلة دانتى فى قصرهم الكائن بإحدى جزر صقلية ,ذاك الطرد الذى أبلغهم إيًاه برسالة من جواله منذ يومين.
أسرعوا نحو الطرد لينظروا ماذا أعد لهم أبيهم من مفاجاة قال لهم عنها فى رسالته أنها ستكون أكبر مفاجآت حياتهم.
قتحوا الطرد فوجدوا دانتى أبيهم ملجم بلاصق راتنجى على فمه ومقطوع الأُذنيْن والأنف والذراعين والقدميْن ومفقوء العينيْن.
سقطوا جميعاً مغشياً عليهم .
جرى أحد الجيران فى القصر المجاور على صوت صراخاتهم ,فنظرإليهم وبجانبهم صندوق به دانتى فأزال الشريط اللاصق من على فمه فوجد لسانه مقطوع ينزف دماً ويعيا فى النطق لعجزه عن الكلام.
 
إتجه جاك إلى مطار إيطاليا قاصداً الإياب إلى أمريكا بعد أن أنهى مهمته,وهو راضٍ تماماً عمّا فعل ,حيث أنه فعل بدانتى ما هو أشرُّ من القتل ,وعذب عائلته به التى كانتْ تعيش  على أجساد الأموات من المقتولين وأصحاب الجماجم من بنى وطنه.
عائلته التى كانت تتنسم الحرية وتستنشق الطيب على رماد جماجم بنى وطنه الغلابة السود.
عاد قاصداً القبور,وفى غفوة غفاها رأى جماجماً تغرق فى لُجج بحر خضم وانبثق من كل جمجمة منها يدان .
هاتان اليدان تندفعان نحوه من وسط البحر تريد النجاة والخلاص.
آفاق من غفوته ثم انتفضّ من مكانه وقرّر الثورة وفضْح الإدارة الأمريكية وإثارة الناس عليهم .
ثم صرخ صرخة ملأتْ الآفاق قائلاً .. الثورة .. الثورة .. الثورة .
 
 ذهب جاك إلى الصحافة لكى يؤلّبهم على السي آى ايه فقابلوه وطلبوامنه دليلاً ,وهذا ليس عجيباً منهم وإنما العجيب أنهم لم يفاجئوا مما سمعوه منه لأنهم كانوا على دراية بما تفعله الإدارة الأمريكية من أجل ايقاف المد الشيوعي ليس فى صقلية فحسب بل فى أوروبا وأفريقيا وأسيا على السواء.
ولم يكن معه دليل ولكن العزيمة بداخله أقوى من أى دليل ,تلك العزيمة المتاججه من بوتقة منصهرة انصهرتْ وما زالتْ تنصهر بسبب قتل
الغلابة من بنى وطنه وبالأخص السود.
ولم يجد جاك بُدّاً من رسم خطة محكمة للخلاص من هذا المخطط الآثم بين السي آى ايه والمافيا الإيطالية.
وتلك خطته ...
نادي فى بعض الولايات الفقيرة والتى كانت أكثرهم من السود ,ناداهم لاصطحابهم إلى زيارة أهليهم فى القبور وقدِ ادعي أنه مرسلٌ من عند المسيح.
ذهبوا خلفه كالنمل حتى أذا أتوْا المقابر قال :أيها الناس من بنى وطنى ,قد جئتُ بكم اليوم لتروا بأنفسكم ما لن تصدقوه بالسمع دون البصر.
ثم نادي فيهم ..من مات له أحد منذ عشرين عاماً فأكثر فليأتنى..
فآتاه  الكثير فقال لهم انبشوا قبور أهليكم .
فتعجبوا واغتاظوا وولوْا عنه . ناداهم .. يا قومى ..لن تجدوهم فرؤسائكم قد أباحوا دمائكم وجمامكم وجماجم أهليكم..
يا قوم ..السي آى ايه على تفاق مع مافيا المخدرات فى صقلية لاستباحة دمائكم وموتاكم للمافيا مقابل أنْ يعاونوهم على إيقاف المد الشيوعى فيها,تلك الحرب الباردة لم تكن باردة عليكم بل إبادة أحيائكم وموتاكم.
بدا القوم يرون فى كلامه شئ من الصدق ,,فنادى أحدهم ..لن نخسر شيئاً لو فتحنا قبرين أو ثلاثة .
فتحوا القبور فوجدوا معظمها فارغة من الجماجم ..
قام بالتصوير ومعاينة الموقع وملابساته كل وكالات الأخبار وخاصة "نيويورك تايمز"،"واشنطن بوست"-لوس انجلوس تايمز"
وفى صباح اليوم التالى صدرتْ الصحف تكبُّ جامّ غضبها على النظام الفيدرالى كله .وقد تصدّرتْ الصحف الأمريكية عناوينا وصوراً حول الحدث برمته من البداية الى لحظة كشف الحقيقة جلية ,وكانت معظمها عناويناً وصوراً ساخرة.
عناوين : المؤامرة السوداء  - وحش التفرقة العنصرية يلتهم السود-جماجم الآباء فى خياشيم أُنوف الأبناء - الشعب الأمريكى يأكل نفسه-رقصات الأبناء على ملهى آبائهم -أرواح الأموات تستعمر أُنوف الأحياء-الأموات تحيا لتتحد مع الأنوف- الهيروين والجماجم -لابد من محاكمة كل من ضلع فى تلك المؤامرة الخسيسة.
عنوان هام : لابد من الثورة وقلب النظام بأكمله
ومن الصور: صورة لرجل أسود يشم جمجمة والده ويلتذ -الولايات المذكورة فى صورة تعلوها علامات المقابر ومدون بها هيا تعالوا الى الكيف - جماجم يطأها دانتى وفى إحدى يديه دولارات والأُخرى حفنة هيروين... إلخ.
 
تعاطف البيض لأول مرة  مع السود واعتصموا ,واصطفَّ الشعب الأمريكى كله منادياً بشعارات ثورية تتطالب بقلب نظام الحكم كله ومحاكمة المسؤولين عن هذه المهزلة .
قامتْ الشرطة بالقبض على مثيري الشغب وإيداعهم فى السجن كى يرتدع باقى الثوار .
 كما تم إلقاء القبض على جاك وإيداعه فى مستشفى الأمراض العقلية.. قالتْ السي آي ايه أن جاك يعانى من اضطرابات نفسية حادة من صغره ,ولقد وافدتنا أخبارمن الأطباء النفسيين كلهم بذلك .
بعد إيداعه بيومين وُجِد َمشنوقاً فى حجرته ,وتصدرتْ الصحف خبرانتحاره وتلقاه الناس للأسف ما بين مصدق ومرتاب.
قُتل جاك فى محبسه النفسي شنقاً واُدُعِىَ عليه بالجنون لدرأ الشبهة عنهم وتلميع صورة السي آى ايه.
 
                    ********
                                                                                   القاص :إبراهيم امين مؤمن
                                                                                     كُتبت :مارس 2018
 


51
أدب / رسالة من المنفى..قصة قصيرة
« في: 11:50 18/02/2018  »
رسالة من المنفى..قصة قصيرة

العالم بعد سنة 2030 ميلادية.
فتح الحرّاس الباب الحجرى المثبت أفقيا على الأرض فتحاً آلياً,ذاك الباب الذى يفصل البشر إلى عالمين علوى و سفلى,أغنياء وفقراء.هو كقضبان لسجون,ولكنها سجون منفية تحت الأرض.
فتحوه ليلقوا بحمزة بتهمة الجريمة الكبري ,جريمة الفقر المدقع ,جريمة توجب العزل والنفى الفورى.
جريمة اقترفها 90% من سكان العالم العربي والغربي آنذاك.
تلقّفه أهل المنفى خشية التردّى,وأجلسوه,وتبادلا الحديث برهة ,حتى إذا ما انتهيا سرعان ما أعدوا له فراشاً وربع رغيف خبزمطعّم بقوت الجُرْذان.
رقد حمزة على ظهره ,وأخذ يفكر فى مشهد القبض عليه ,فقد ظلتْ شرطة الأمبراطوريّة تطارده سنوات,وأخيرًا أوقعوا به وهو متنكرٌ فى ثياب الأغنياء.

تعايش حمزة الفقر معهم ,غيرأنه حانقٌ متبرّمٌ,ذاك لأنه لا يرضى الذلة ولا الهوان.
ومن صفته أنه رابط الجأش شديد المراس قوى الشكيمة فضلاً عن سعة حيلته وقوة حجته وفصاحة لسانه.
عاين ما كان يسمع من قبل ,غير أنه لم يتصوربشاعة الأمر إلا بعد معاينته.
قوم يعيشون على أضواء الشموع فى قواليب طينية بالليل والنهار والمستخرجة من النباتات.
يشربون من المياه الجوفية فى الأرض, وماء المجارى,غير إنّ بعضهم يموت إذا  تعذّر الوصول إلى الماء.
وما إنْ يفارق الفرد منهم الحياة حتى يتحول إلى طعامٍ لغيره,علاوة على أكل الفئران والقليل من الزروع التى يسمّدونها أحياناً من برازهم.
يموت بعضهم من قلة الهواء وصعوبة التنفس .وقد ينامون أحيانا فوق بعض لعدم وجود مساحة كافية .ورائحة الأمكنة تدفع المعدة على التقيّؤ.

أُعجب الفقراء بشخصية حمزة فاصطحبوه إلى بروفسيور عبد العليم وهو رجلً كهلٌ عربي الجنسية ,وكان يعمل فى فيزياء الجسيمات.
قرر الموساد الاسرائيلى تصفيته فطاردوه ,ولم يجد حيلة من الهروب منهم إلا أنْ يتنكر فى ثياب الفقراء فتقبض الشرطة عليه ,لم يجد إلا تلك الحيلة بعدما علم أنّ رئيسه العربي وحكومته وسفارته كانتْ تود أنْ تقدمه قُرباناً لإسرائيل.
دخل عليه حمزة فوجده يغمغم بكلمات اليأس وقلة الحيلة ,لكن حمزة التقط من كلامه كلمة "مفيش فايدة ".
بدا على الرجل الإعياء حتى كاد أن يسقط من الترنح .
دنا منه حمزة وأمسك به وأجلسه قائلاً: إجلسْ يا أبتِ إسترحْ.
حمزة :بما تغمغم ؟
 فتحزّن وتحسّبن وتحوْقل ,هذا حاله عند السؤال.
قال حمزة : ما شأنك!
عبد العليم :الحياة يا ولدى لأصحاب المال والقوة, ومَنْ رمونا زوجوا المال للسلطة ومأذونهم منفانا هذا,دسّتروا دستورهم على مبدأ الغاب.
لكى يحييوا هم فلابد ان نموت نحن, وأنت تعلم ذاك يا ولدى.
وأنا أحاول أنْ أصنع سلاحاً نووياً لأُخرج به هؤلاء البؤساء من تحت الارض ,وما أستطيع لضعف الإمكانات.
حمزة:هل أنت العالم المعروف الذى  تخلّتْ عنه بلاده  ......؟؟
عبد العليم: نعم,لكنهم لم يتخلوا فحسب بل باعونى كالصفقة.
حمزة مخبراً :كنتَ حديث العالم كله.

الحيلة:
سكتَ حمزة بُرهة يفكر فى أمر الرجل الهِِرم ,ثم سرح بخياله يفكر ويتدبر ويشير بسبابة يده,ويدقُّ بها على جانب مؤخرة حاجبه الأيمن تعبيراً عن الإمعان فى التفكير لوضع حد لهذه المهزلة الكونية ورسم خطة محكمة يساعده فيها هذا البروفسور.
ثم صرخ فى البروفسور وقال له وجدتها ,ثم شرح له خطته للخلاص.
أُعجب بها البروفسور واقرها وحددا موعد التنفيذ.

التنفيذ : إنتظرَ حمزة عند أحد أبواب المنفى ,ولم تمضْ سوى أيام قلائل حتى فُتحَ لإلقاء مذنب آخر ,نادى حمزة السجّان وقال
أيُّها السجان ,المنطقة سوف تُدمر خلال 24 ساعة بالبراكين والزلازل ,واستطرد ..قالها لى الدكتور عبد العليم ,تعرفه طبعاً .
أتصلَ الحارس بمركز الأمن القومى للأمبراطورية على الفور حتى أتى الأمن واستخرجهما واصطحبهما فى سيارة لمقابلة الرئيس الذى كان يتوّج نفسه حاكماً على العالم كله بما يمتلكه من نووى ولكنّ المادة المضادة  من سيّدته وسيّدتْ بلده.

فُتح الباب وخرجا,إصطحبتهما سيارة إلى قصر الأمبراطورية حيث يجلس الشاهنشاه كما لقّبَ نفسه.
سألهما عن أمر الزلازل .
تصدّر حمزة المحاورة .
قال حمزة .. أيُّها الملك ..خلفى أكثر من 8 مليار نسمة يريدون الحياة.
عاشوا على الأرض من قبل موْتَى ,والأن يعيشون موتَى.
 منذ القِدم ,وحديثاً من سنة 2007 مروراً بأزمات الربيع العربي 2011 والمجاعة العالمية سنة ألفان و".. " .
وما إنْ عمّ الفساد وقلَّ الماء والقوت ألقيتمونا فى ظلمات الأرض ,تلك الظلمات التى حفرناها وألقينا بحفْرِها إلى مداخل الصحارى التى أطّتْ من وقع أقدام الناس الملتصقة ولم يكُ فيها موضع شبر الأن .
لا فى الأنفاق ولا فى الصحارى التى سيّجتموها بردم ٍكردم ذى القرنين,فلم يكنْ لنا سبيل للوصول إليكم أبداً.
لا يوجد موضع شبرٍ ألأن.بنينا حضارتنا تحت الأرض لنعيش ,حضارة الطين ,الطين فقط.
الملك : نظر إلى عبد العليم وقال له كيف عرفت بأمر الزلازل والبراكين ؟
حمزة :أيُّها الملك ..الزلازل والبراكين تملأ صدورنا منذ نشاة الأمبراطوريات على مر العصور.
   تلك التى استعبدتْ الضعفاء وأصحاب البشرة السمراء وسادها  مؤازرة المال للسلطة والعكس ليكونا سيفين على رقابنا.
 والأن نحن فى بعد عام 2030 تحاورتم فى مجلسكم الملعون بين تقتيلنا أو إلقائنا فى الظلمات ,فاخترتم الثانية.
إتفاقية سايكس بيكو 1916 التى استعمرتم بها الضعفاء وهم يمشون فوق اراضيهم,,والان اتفاقية جديدة 2030 استعمرتم بها أراضيهم وهم يمشون تحتها .. أفٍّ لكم ولما تفعلون.
الملك : عبد العليم  ساعيّنك على الحملة لكى نتحاشى هذه البراكين .. فماذا تقترح؟
حمزة :أيها الملك ..تلك الزلازل لو انفجرتْ فلن ينفعها لا أنتَ ولا عبد العليم ولا سلاحك النووى ولا مادتك المضادة .
 ان منبعها قلوبنا وعزيمتنا فإذا حميتْ حِممُ العزيمةِ في صدورنا فلن يكون على وجه الأرض لا نحن  ولا أنتم ,نحن البروليتاريا وأنتم النبلاء ,ولعلك تُدرك العمليات الإستشهادية على مر التاريخ.
الملك :قال وهو يهزُّ رأسه,إذنْ ليس هناك زلازل ولا براكين .. وجب قتلكما ألأن يا صانعا  الإرهاب.
عبد العليم : معى نووى فى الأنفاق , فارتعدتْ أوصال الملك وذهبتْ دماء وجهه.
 أقبل حمزةٌ على الملك  بثقة وأمسك إحدى أُذنيه وجذبها جذْباً شديداً كادتْ تُوقع الملك من على كرسى العرش قائلاً..
أيُّها الجبان ألأن تخنع ,,ألأن تبكى .. قد فعلها رجالُكَ من قبل كما تفعلها ألان, وأركعوا بها الدول واستذلّوها حتى ألقيتم العداوة بين حكامنا ثم ما لبثتم أن سلّطتم شعوبهم عليهم  وما استطاع أصحاب القرار منهم أنْ يشينوكم لإن السيوف كانتْ فوق رقابهم وأياديهم ممسكة بشحْمات آذانهم كما أُمسكتها أنا الأن,فلتركعْ أنتَ ألأن يا جبان.
رجالُكَ الحمقى من الأمريكيين والصهاينة.
وأنتَ تعلم إنْ لم نعُد إلى الأنفاق فستنفجر الكرة الأرضية كلها ,ولن يترددوا لأنهم كده كده أموات.
الملك : قال مرتعداً لحمزة ..
حمحمحمزة "هكذا نطقها " نحن على مشارف استكشاف كوكب واعد يدْعمُ الحياةَ ,سوف ننتقل إليه قريباً وندعُ لكم الأرض ترتعون فيها وترقصون.
إنه كوكب أكبر بكثير من الأرض به المياه ويدور حول نجم أشبه بشمسنا ..يااا..حمزة ..خلاص؟ناداه وهو يرجع ظهره للوراء خوفاً ووجلاً.
حمزة : يا أخى حتى أنانيتكم تمارسونها فى النعيم , أفٍّ لكَ ولمنْ خلفك يا كلب يا من تحكم الكلاب.
  ولماذا تتعلق مصائرنا بكم ..لنعش معاً على الأرض ,هكذا فطرة الله .
الملك : حمزة لو عرجتم إلينا فسوف نموت جميعاً ولو بعد حين ,فموارد الطبيعة لا تكفى إلا لنا فقط.
حمزة :موارد الطبيعة تكفينا نحن فى ظل الإشتراكية لا النفى أيُّها الملك الحكيم,ولكن كل واحد منكم يخفى ثروته مع الجآن فلا نراها أبداً.. لكننا سنراها ,سنقططعها كما فعلتْ الثورة الفرنسية والبلشفية وثورة ناصر 1952.
 سنقططعها أيُّها الإقطاعيون النافييون.
الملك : أمهلنى أيام حتى أُجهز مكانكم الطبيعى فوق الأرض ,سأضع خطتى وأدعوكم ْ.
حمزة : أيُها الملك أنتم تضعون خططكم منذ آلاف السنين ولم نر من وعودكم شيئاً ,سأنتظر وينتظرون ..معك فرصة أخيرة يا حاكم الأرض كلها ..نحن المنتظرون دائماً .. ولكن اعلمْ أنّ زلازلنا وبراكينا نيران تأكل بعضها بعضاً فى صدورنا فإذا نفّسنا عن أنفسنا فستنفجر فينا وفيكم .  تلك هى رسالتى اليك  ..
"رسالة من المنفى" نفى عبر كل الأزمان والعصور
ثم نظر إلى عبد العليم وقال له هيا يا أبتِ لنعود إلى الأنفاق وننتظر.....ننتظر.....
             
                    **************

                                       الكاتب الروائى : ابراهيم امين مؤمن         
ان شاء الله سوف تصدر روايتى "سر المادة المضادة " فى شهر 12  فاناشد المتخصصين فى الامر مراسلتى عبر البريد  ebrahim2016amin@gmail.com 











52
عازف القيثار المبتور
 "عم جرجس"

جلس يهودا وشمعون ونوعام يتهامسون بأسمائهم المستعارة وهى إسلام وصلاح و محمد ,جلسوا على مرأى من الناس بلحاهم الطويلة و جلابيبهم الناصعة البياض ورائحتهم العطرة بالمسك وأسنانهم التى لا يفارقها المسواك, بينما يُخبّئ أحدهم سيفاً بتّاراً تحت ثيابه, يتهامسون لحين وصول الهدف ,لحين وصول عم جرجس عازف القيثار .
يتفاخرون بإنجازاتهم التى اخترقتْ الآفاق ,من تدمير للكنائس وإثارة الفتن الطائفية,ونثر بذور الثورة لدى الشعوب تحت مظلة الديمقراطية والعدالة الإجتماعية أو حتى تحريك غرائز الخلافة الإسلامية القديمة لدى الإسلاميين للخروج على الحكّام.
كما يتفاخرون كيف أصبحوا أعضاءً بارزين فى المنظمة الماسونية القذرة.
أصمتهم كبيرهم لأنه رأى عم جرجس آتياً من بعيد فأمرهم بالاستعداد للمَهمّة.
ها هو مقبل من بعيد بقيثارته,حتى إذا مرَّ بجانبهم إنقضوا ثلاثتهم عليه وقالوا له الموسيقى حرام يا كافر يا مسيحى يا كلب ,وأمسك أحدهم إحدى يديه والثانى بالأخرى ووضعاها على الأرض وأفرداها ثم قام الثالث بإخراج السيف وبترَ أصابعه ولملمها فى جيبه,ثم كسّرالقيثار وولوْا هاربين فى سيارة كانت تنتظرهم,حتى إذا اختفوا عن الأنظار خلعوا ملابسهم ولحاههم المستعارة وفجّروا السيارة.
صرخ عم جرجس ألماً,ولم يرَ هو هو منظر يديه أبشع من القيثار المهشم .
فما السرّ وراء ذلك القيثار!!!
إجتمع الناس حوله محوْلقين حانقين,يرمون اللعنة على أولئك الشباب الذين بتروه ,وعلى الذين غرّروا بهم.
وهمّوا بحمله إلى أقرب مستشفى ,ولكنه طلب منهم أن يسندوه إلى مستشفاه التى يأتيها منذ 10 سنين,مستشفى الأمراض النفسية بمدينة ال (....) .
فاستقبلته طوارئ المستشفى وعلى رأسهم مدير المستشفى إسلام محمد عبد النبي صديقه الأعلى.
وبعد إسعافه أرقده الدكتورإسلام على أحد اسرّة المستشفى وسأله عما حدث.
 
قصّ له عم جرجس ما حدث بالضبط .
فردّ الدكتور مُحلّلاً..
يا جرجس هؤلاء منظمة إرهابية ,وعلى الأغلب ثيابهم ومساوكيهم تلك عدة عمل .
ولحاهم مستعارة ,وعلى الأغلب يستخدمون أسماءً مستعارةً  .
واستخدموا سيفاً أشبه بسيف على بن أبى طالب ليلصقوا الحادثة بالمذهب الإسلامى الشيعى وهم يعلمون ان بلدنا مذهبها سنّى والقليل شيعى , فيُحْدِثوا الفتنة بين المسلمين والنصارى من جهة ويؤجّجوا الصراع بين المذهبين الشيعى والسنى تارة أخرى,وهكذا ضربوا عصفورين بحجر واحد.
وقد بتروها أمام الناس ليصف شهود العيان الحادثة كما رأوها فتلتصق بالتيار الإسلامى الشيعى.
كما أنهم يراقبونك منذ زمن ويعلمون الدور الحيوي لك فى علاج المرضى النفسيين فى مستشفتى,فكمْ أرسلتْ قيثارتكَ عزفاً كان أوقع أثراً من كبار أساتذة علماء النفس , وأوقع أثراً من كثير من الأدوية المستوردة باهظة الثمن.
ولمْ يدَعوا لك الأصابع المبتورة لعلمهم بوجود عملية تعيد الأصابع مكانها بالزرع فى 12 ساعة ,وبالتالى ينقل الخبراء وحشية الإسلاميين وكراهية الشيعة.
 
جرجس :إطمئنْ فزراعة الأصابع المبتورة أصبح سهلاً .
هناك تقنية أسمها تقنية اليزاروف تعتمد على تركيب أسياخ معدنية فى جذور الإصبع المبتور, كما أن هناك عقارٌ جديد فى حقل التجارب يتيح إعادة نمو الأصابع المبتورة.
وللأسف أخذوا الأصابع معهم ولم يمنحوك استخدام الوسيلة الآمنة لاستعادة أصابعك عن طريق الزرع الفورى لها.
ورائد هذه التقنية أسمه أندرياس أيزينشنيك سكرتير جمعية جراحات اليد الألمانية, غير أن أى جراح يستطيع زراعتها بتقنية هذا الرجل الفذ.
نهض جرجس من فراشه وقال لن يفلحوا أبداً فى تفكيك وحدتنا الوطنية فنحن أبناء وطن واحد نعمل معاً فى سِلْم وأمان لننهض ببلدنا, لن يفلحوا .
ثم اتجه الى الباب فاتحاً درفته بكفِّ يده المبتورة  وقال :
 
دكتور : لن أكلف الكنيسة أو المستشفى أو الناس أى تكاليف مادية ,كما أنى لا أريد لغيري أن يتحمل عبئى,يكفينى عملية زرع بسيطة وسأبيع أثاث المنزل لدفع نفقات العملية , ولن أترك مرضاكَ ولو قطعوا رأسي..
عن إذنك يا دكتور ....
 
مرتْ عدة أيام والمرضى ازداتْ حالتهم سوءً فى مستشفى الدكتور إسلام,فهم لم يعلموا بما حدث له بالطبع ,ولكن مشاعر نفوسهم تُحدّثُهم بالوحشة والخوف.
هم لم يسألوا عنه لأنهم لا يدركون ,لكنهم متأثرون بغيابه فحالتهم أشبه بحالة الطفل الذى غاب عنه والداه؟
رأى إسلام صاحبه دالفاً باب المستشفى وحاملاً قيثارته ومهرولاً ,فترك إسلام الشرفة التى كان ينظر منها على معالم مصحّته وأسرع متجهاً إلى باب الدخول ,
إحتضنه ولم يمهلْه جرجس العازف الوقت لسؤاله عن حاله وعن يده .
قال له على الفورودقات قلبه تتسارع,أدخلنى يا إسلام على أصدقائى .
قال إسلام حاضر حاضر هوّن على نفسك ..
دخل جرجس العنبر واستقبلهم بالأحضان وبسؤالهم عن أحوالهم فردأ فرداً وخاصة المريض أبو بكر .
 
جلس على كرسيه والقيثارة معه كالمعتاد ,والتفّوا حوله فى فرح وشغف أكثر من ذى قبل.
أخذ أهبة الإستعداد واضعاً بنانه الصناعى على الأوتار داعياً بترديد وراءه إفتتاحية الأُرجوزة.
 
                                       يا صاحبى أُرجز لنا أُرجوزة
                                       أضحكْ ضحوك النفس فى جِنانها
                                       أضحكْ تري الآمال تأتي بَذْرها
                                       أرقصْ مع الطيور في أسرابها
                                       غنّىْ نشيد الطير فى أوكارها
                                       أنرْ شموع الشمس فى مِحرابها
                                       إكسرْ سيوف الظلم من أغمادها
 
 
أضحكْ أرقصْ أضحك أرقصْ غنّى ....
 
إندمج جرجس فى الغناء حتى النشوة,وتعالى صوت أوتار القيثار ,كما تعالتْ صيحاته بعبارات إكسرْ ,اضحكْ , غنّى ,أرقصْ.
إستمر الضغط على الأوتار وبدأتْ أصابعه الصناعية تتخلخل من مكانها فهى متماسكة فى قطعة واحدة .تخلخلتْ دون أن يشعر حتى وقعتْ على الأرض .
نهض الدكتور إسلام من كرسيه متخوفاً حِذراً وجِلاً من شكل الأصبع الذى قد يحبط مرضاه .
ولم يشعر جرجس بذلك وإنما وجد أن العزف توقف ,نظر إلى يده فرأى المشهد فاستغاث مسرعاً بكفِّ يده ليعزف ولكن دون جدوى.
أمسك أحد المرضى الأصابع الصناعية وقال صوابع عمو جرجس وقعتْ لوحدها , هرع إليه الدكتور إسلام وخطفها من يده , وانهمرتْ دموع جرجس من تفاعل المريض على جهاز تركيب الأصابع.
ثم صاح مصفّرا بشفتيه تارة وبالغناء تارة ..
صفير ..غنى .. صفير .. أرقص ... صفير .. أكسر سيوف ال ..
غنى .. أرقص .. أضحك .. أضحك .
والمرضى فى صمت لا يرددون ورائه ,ناظرين إليه بعجب ودهشة أو خوف وحزن.
حتى قام كبيرهم وأسمه أبو بكر عمر وكان أُستاذا للعلوم السياسية فى إحدى الجامعات العربية.
قام متجهاً إلى عم جرجس وقال له أرنى يدك يا عم جرجس فلم يجبه وظل واجماً فخطفها عِنوة ورفع كُمَّ الجلباب فوجد يده الأخيرة مقطوعة البنان , فكَّر قليلاً وأدرك ان غيابه طوال هذه الأيام كانتْ بسبب يديه.
قال: من فعل بك ذلك يا عم جرجس ؟
ظل واجماً وناداه الدكتور إسلام بأن يرجع ويعود كل فرد إلى سريره .
فقال أبو بكر :
أتريد يا دكتور ان تخدّرنى كما خُدرتْ عروبتنا ...
وعلم أبو بكر ما حدث لجرجس فتأثر ونظر إلى الدكتور إسلام ومشيراً بيده إلى أصحابه المرضى قائلاً
أنظرْ الى هؤلاء يا دكتور
أمْرضهم الفقر والظلم حتى طغيا على عقولهم وقلوبهم فتاهوا فى دروب الحياة حتى لم يجدوا إلا درباً واحدة هو هنا هنا إما بالظلم والزجّ مثلى وإما الفقر وإما التعذيب فى معتقلات الطغاة.
دولة واحدة هى إسرائيل تحرق العالم كله ,بؤرة الصراع لم تكن فى فلسطين فقط يا دكتور بل القضية برمتها إجتاحتْ عروش حكامنا ,فتسابقوا لإرضاء حليفتها أمريكا ,تسابقوا رغبة فى بقاء عروشهم ورهبة من انقلابات شعوبية داخلية عليهم أو غزوهم تحت مظلة وجود نووى كما حدث فى العراق أو ترعى الارهاب كما حدث فى أفغانستان .
سقوط البلاد العربية وانهيارها واحدة تلو الاخرى اثّر على العالم العربي كله وعلى اقتصادها مما انعكس على حياة الفرد ونفسيته.
خصخصة الشركات التى ألقتْ بالعمال فى الشوارع لصالح من ؟
الثورات الأجنبية نجحتْ فى نزع الملكية الفردية فى ظل الإشتراكية والديمقراطية والشيوعية  فرفعتْ من شأن الفرد ونحن نبيع, نحن نبيع ..هم أخذوا للفقراء من الأغنياء ونحن نأخذ من الفقراء ونعطى الاغنياء.
بثتْ الماسونية التى قطعتْ يد عم جرجس وغيرها من المنظمات أفكار عودة الخلافة الإسلامية وتكفير الحكام ليثيروا الشعوب عليهم فتنقسم الأُمة , قامتْ ثورات الربيع العربي تحت مظلة التيارات الإسلامية وبدون خطوات محسوبة تصادمتْ الشعوب بالأنظمة,
فحدث الانهيار فى مصر وسوريا واليمن وليبيا وتصدرت عدوى الثورات إلى باقى الدول العربية.
تم ايقاظ الفتن النائمة ، واستثيرت مشاعرالشعوب ، وتم التلاعب بعواطفهم ، والعزف على أوتار غرائزهم.
والحل
الديمقراطيةو الشرعية التى تستمد عبر صناديق الاقتراع وليس عبر فوهات البنادق.
هو ده دواء أولئك المساكين يا دكتور , والأن تأتى الماسونية لتقطع لمحات الأمل التى تنبثق من أصابع جرجس ...
ومَنْ أدخل أُولئك عندنا إلا ضعفنا الذى امتد يسرى فى عظامنا فنخر فيها كما ينخر السوس.
عندك ده يا دكتور !!!!!!!!!!!!!!!!!! هو ده الدواء لهم.
ثم انتبه أبو بكر إلى المرضى وأخذ يحرّك باطن كفّيه رفعاً وخفضاً مردداً أُرجوزة عم جرجس ومستنهضاً المرضى فى الترديد ورائه
 
غنى ارقصْ أضحكْ أسقى اكسر ....
أضحك قهقه علّى علّى علّى الضحكة ...أضحكْ .. أضحكْ ... أضحكْ .
 
****************
قص : إبراهيم امين مؤمن


53
أدب / الحبُّ الأعظم
« في: 19:16 23/01/2018  »
                                           

الحبُّ الأعظم
    ابراهيم امين مؤمن

حبُّكِ
   روحٌ تجرى خريراً
 فى بساتين دمائى
   تجرى فى عروقى الظامئة
 تُحْيي بموجكِ الناعم
  أمواج روحى الراكدة
  فهبّا وليديْن
 يَرضعان مِنْ شاطئى العروق
    لَعُمرُكِ
   إنّهما لأثداء لآلئ مائية
   تنزّلتْ من سحابات آيات الحبِّ
    من رياق الملائكة العذبة
       آآآآآآآآآآآآ ه
   من حُبٍ قُدسيْ
   تُسمّيه الملائكه
  بالحب الأعظم

       ****
        الحبُّ الأعظم
   خُلّة
   وجارَ
 كروح الجسد
     كخِلْب الكبد
     كحبل الوريد
   يُلَحّنُ على أوتار قلوبٍ ملائكيّة
 قلوبٌ تمتزج مُثنّاها فتتوحد
    آآآآآآآآآآآه من توحّدٍ محْضٍ ٍ
    توحّد من نفخة الإله
    إلهٌ قلّده حِمل الرسالة
  رسالة الخلاص إلى البريّة
   من شفا حُفر الجحيم

    ****
        حُبُّ
    يهدُّ ظُلمات الشياطين
      بتراتيل أضواء شموعِه
  يُخشّعُ الأنْفس الحجريّة
  بثيابه الملائكية
    يشفى الأسقام
        بترياق السلام
    ظلال أجنحته ترفرف
      على المساجد
       على الكنائس
       على المعابد
        يتموّج مع أسراب الطيور
   يتمطّى على عروش القلوب

        ****
       ها سمائه
   يتشعشع
       بكوكبه الدرىّ
      يتألق
    بثوبه الملائكىْ
         ينادى
   بتغريده الداوودىْ
        أنْ هلمّوا إلىْ
   فارفعوا أكفَّ الضراعة التائهة
     وسلوه ينْزِل بضبابه القدسىْ
                فيسرى
         فى العروق
     ويدقُّ
       فى القلوب
      ويلمع
         فى العيون
            ويُمسكُ بأيديكم
        لتخطُّوا وثائق السلام
    وتحفروا بفؤوسكم دروباً الى
   أبواب الجنان

                                          ***
                                         
                                 
                                             

                                                     

54
أدب / إيريكا 17
« في: 22:18 27/09/2017  »
إيريكا 17
جلس أندا أحد أحفاد ساتورو نامورا فى حديقة قصره بطوكيو التى تُحاط بها من كل مكان عشرات من الحرس الخاص اليابانيين ليتصفح جرائد اليوم فانتبه الى خبر فى الصفحة الأولى فانحنى مائلاً بجسده  على الصحيفة وتدانت يداه بها وحدّق فى الخبر ثم أخذته لحظات من الصمت الطويل يفكر فى خياله ويستجمع لحظات تجمع بين الخوف والأمل فهزّ رأسه وقال نصًا من الخبر الذى قرأه
أكاى أحد أحفاد هيروشى ايشيجورو العالم المشهور فى علم الروبوتات ..... إيريكا ....
ثم هزّ ساخراً مستكبراً وقال يستطيع ان يتعقب المجرمين و .........
أغلق الصحيفة ورماها ثم قال:لو تسلط علينا حصدنا ولو ملكناه حصدناهم
ثم أمسك بالهاتف واتصل بأهم عضو فى عصابته وقال له تعال حالاً
طوكيو 2067 وكالة العلوم والتقنيات اليابانية :
رئيس الوكالة : قررتَ ان تُعلن عن الموعد النهائى لاختراعك فى أول كانون الثانى؟
أكاى :نعم سأعلن لديكم عن امتيازاته فى تشرين الثانى ثم فى مؤتمر سولفاي كانون الثانى القادم لسنة 2068 أمام أبرز علماء العالم كلهم أطرح روبوتى إيريكا 17 وأريهم ان ذكائه تغلب على نيوتن واينشتاين وكبلر وماكس بلانك وقد يأتى بنظرية الأوتار الفائقة ويعلمنا ما بداخل الثقب الأسود من خلال مليارات الخلايا العصبونية التى أخترعتها ووضعتها فى رأسه وشرائح خوارزميات التعليم الآلى الانهائية.
ثم تركه أكاى مودعا قاصداً سيارته فركبها ومضى.
بعد برهة من السير الآلى للسيارة تخطته عربة بصندوق كبير فتحت أبوابها ثم جذبتْ سيارته بواسطة مغناطيس جاذب جذب السيارةَ معها حتى أدخلتها داخل صندوقهاومضتْ إلى أندا بقصره فأنزلاه ربوتان وأجلساه على كرسي بجانب أندا ثم وقفا على جانبي أندا
مرحبا بعالمنا العظيم آكاى.
آكاى : أندا, ماذا تريد؟
اندا :إيريكا 17, فردّ عليه آكاى بكم ؟ فرد اندا بعشرة ملايين دولار
رد اكاى : أبيع لك علم الكون كله بعشرة ملايين دولار! أريد خمسين
أندا :انت تعلم إنه من المستحيل الحصول على مثل ذلك المبلغ من أى جهةٍ كانتْ ,ولتكن خمسة وعشرين مليون دولار
رد آكاى اتفقنا ,وتركه بعدما حددا معاً موعد التسليم .
قال أندا لأحد أفراده بعد مُضى آكاى راقبوه جيدًا .
ثم اتصل بهاتفه على بروفيسور العصابة يسأله,هل انتهيتَ من وضع برنامج التجسس على حاسوب آكاى ؟
فرد البروفيسور نعم انتهيتُ.

ذهب اكاى إلى منزله وأخذ يفكر تفكيراً عميقًا ثم بعد عدة ساعات أرسل إلى وكالة استخبارات الأمن العام رسالة سرية تحتاج إلى إزالة التعمية عليها بخوارزمية خاصة من خلالها تستطيع أن تصل إلى كلمة السر ,مكتوب فيها كل ما حدث بينه وبين أندا زعيم عصابة ياكوزا الإرهابية ,فراسلوه بعد عدة أيام فور تمكنهم من فكها فعرفوه وعرفوا ما فيها وبعد مراسلات طويلة قررا تنفيذ خطة مشتركة بينه وبينهم
الخطة :الإيقاع بأندا فى حالة تلبس بتهمة التهديد بقتل آكاى وحجب إختراع  قومى سلمى لاستخدامه فى عمليات إرهابية.
أبلغ البروفيسورُ أندا بأن آكاى أرسل رسالة مشفرة لإحدى الجهات وأنه حاول فك الشيفرة بكل السبل فما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
 فأرسل أندا الى اليهودى دافيد وكان عالم فضائى متخصص فى علم الذبذبات وضابط سابق فى الموساد الإسرائيلى ففكها بعد وقت طويل وأخبره بها ومذ تلك اللحظة كانت مهمة العصابة قتل العائلة وإحضار ايريكا 17وآكاى .
فى الحال فرقة ذهبت إلى منزله لقتله وعائلته وفرقة ذهبت إلى وكالة العلوم والتقنيات اليابانية بحثاً عن إيريكا 17,لم يجدوا آكاى فى منزله وقتلوا عائلته,ولم يجدوا كذلك إيريكا فى الوكالة بعد تفتيش مضنٍ  لإن رسالة آكاى إلى مدير الوكالة كانت أسرع منهم إليه فأخذ الروبوت وهرب به عبر أحد الأماكن المهجورة وهناك تقابلا وتم تفعيل برامج إيريكا 17 فقام كمن كان نائمًا منذ ملايين السنين,قال آكاى الإنتقام يا إيريكا العظيم.
 المهمة: إقتحام القصر وتصفية أندا والعصابة .
إنطلق إيريكا وفعّل آكاى معجزته الكبري التى أعلن عنها من قبل وهى ملايين الملايين من الخلايا العصبونية الصناعية التى تفوقتْ على ذكاء البشر كلهم .
خرج إيريكا  وشغّل جهاز الجى بى اس المخصص لتحديد المواقع الجغرافية فعرف موقع قصر أندا وما ان وصل هناك شغل الهولوجرام للتصوير المجسم لكل من فى القصر وخارجه وكان من بينهم سبع ربوتات حرس خاص ,فناداه آكاى بأن يحدد أهداف الضرب من خلال تليفونه الذى ظهر فى كاميرا الهولوجرام ومحدد أيضا موقع وصورة آكاى.
وبدأ إيريكا بالهجوم من خلال سلاح شعاع الجسيمات وعلى الفور تم الرد عليه من خلال أسلحة أقل تطوراً منه من الأسلحة الشعاعية, وعن طريق جهاز استشعار شوت سبوتر المتطوربإيريكا إستطاع ان يحدد مكان الأسلحة الشعاعية الموجهة إليه لحظة انطلاقها فيتفادى, ومع عمل الجى بى اس المستمر والتصوير المجسم الآنى معًا يطلق إيريكا أطيافه الشعاعية نحو الهدف باستمرار.
لم يُرهق إيريكا إلا الروبوتات السبعة التى كانت تحدد موقعه من خلال أجهزة ال جى بى اس الخاصة بها ولذا قرر الإلتحام المباشرمعهم,والتحمّ ايريكا بهم فأرداهم جميعاً معطوبين.
إستمرتْ المعركة ساعات طِوال وأُرسلتْ إلى إيريكا إشارة من جهاز استشعاره بان وحدة الطاقة ستنفد خلال ثوانى ,فانطلق ايريكا هارباً بعد مناورة جبارة وعلى إحدى العمارات الشاهقة وقف يشحن بطاريته من خلال الخلايا الشمسية المنتصبة على خلفيته ثم عاد لإتمام المهمة.
وأثناء القتال تمكن إيريكا من رؤية أندا ولكنه كان محتمياً بطفل كدرع بشري فأرسل إليه آكاى بان يقتله والطفل,ولكن ايريكا تمهل وأخذ برهة فلم تطاوعه خلاياه العصبية المتطورة بإطاعة الأمر وخوارزمياته التى على الشريحة فيها برنامج يمنع إيذاء الأبرياء ,ولكن الأمر تفوق على هاتين الخاصيتين وقال إيريكا يبدو ان صاحبي شرير حقير وأطلق الشعاع فاخترق أندا بعد ان اخترق ظهر الطفل,ولقد آلمه منظر دم الطفل البرئ فهو يعلم ان العصابة تستحق القتل وان الطفل لا يستحقه.
الخلايا العصبونية الصناعية تؤدى وظيفتها الان على أكمل وجه,فقال لنفسه ما كان يجب ان أُطيع ذاك الأمر فقد قتلت بريئاً 
ناداه آكاى من محموله بان ينهض ويكمل المهمة .
جاءته شظية نار من الخلف كادتْ تصيب شريحة البرمجيات كلها بما فيها الخلايا العصبونية ولو أصابته لانتهى,فجُن إيريكا وألقي بشئ من يده فجعل القصر دكّاً.
فلماذا جُنّ ايريكا؟ وما هو الذى فعله كى ينهار المبنى كله ؟
جُنّ ايريكا لأنه  مطالب ببقاء نوعه واستمراره, وانهار المبنى  لأنه استطاع أن يحصل من الجو على مادة الهيدروجين المضادة بتجاربه الخاصة وباستخدام حقل مغناطيسى خاص به إستطاع أن يحجزها ثم أطلقها تجاه القصر فتحررتْ من الحقل المغناطيسى وانفجرتْ مع الهيدروجين الموجود بالهواء المحيط بالقصرفولدتْ طاقة وأحدثتْ انفجاراً مدوياً إندكّ على إثره القصر.   
                          ,,,,,,,,,,,
 ترك إيريكا المكان وكان سريعاً كسرعة الطائرة قاصداً مكان خالٍ,وآكاى يناديه متسائلاً ايريكا ايريكا كيف فجرتْ المكان؟
ايريكاأجبنى كيف فجرتْ المكان ؟
ايريكا هل فعلتها حقاً ؟ المادة المضادة ؟
كيف استخلصتها من الهواء ؟ كيف ايريكا استطعتْ أن تحجزها قبل الإنفجار بالهواء ؟
مصيدة ؟ حقول مغناطيسية؟
ام صنعتَ قنبلة ؟ لا يوجد فى الهواء عناصر القنبلة الذرية
لم يردّ ايريكا إلا على نفسه قائلاً:
أما آن للبشر أن يتعقل ؟ قنبلة ذرية على هيروشيما ونجازاكى وحرب عالمية أولى وثانية وثالثة.
والان يريدون منى المادة المضادة ,سوف تركّع مالكوها كل العالم ,فهذه طبيعتكم أيها البشر,القوى يستعبد الضعيف.
ولا أدرى لِمَ يريديون معرفة ما بداخل الثقب الأسود , ولِمَ يذهبون إلى الفضاء أصلاً
ماذا قدّم علماؤهم غير الخراب ,, يريدون نظرية الأوتار الفائقة,معى ما عجز عنه نيوتنهم واينشتاينهم  وباقى علمائهم.
يريدون معرفة ما بداخل الثقب الأسود , فأنا أعرفه وأتساءل ماذا يريدون من العالم الآخر ؟
 وللإجابه على تساؤلاتهم  يريدون إيريكا 17 و18 و100
لن يكون إيريكا 17 لأحد ,لابد أن يختفى إيريكا 17
ولم يكفّ صوت آكاى عن النداء والتساؤل,فرد عليه إيريكا أخيراً عبر إشارة راديويه  محموله تحمل فيروس قاتل فقتله.
وقال إيريكا : لتمتْ ويمتْ السر بموتك وموتى وفجّر نفسه.
ضحى إيريكا بنفسه لتحيا البشرية .
فتحية لك أيها الروبوت العظيم إيريكا
                      ***********
                   من تأليفى الخاص :إبراهيم أمين مؤمن


















55
جواب
رسالة مِنْ إمرأة تحترق
زوجى الغالى :
أكتب إليكَ وقد عسكرتْ أناملى رعشةُ الخوف بعاصفة ابتعادك ,واشتد وجيب القلب حتى انصهر من حرقة الشوق إليكَ ,
وتفجّرَ الدمع من عينى فأذهبَ كل دمعة فرحة إبتسمتْ فى حياتى.
أخطُّ حروفى إليكَ لتكون رسولًا يدعوك إلى الإياب ,أخطّها وأرسمها لوحة لا شمس لها ولا قمر ولا غيث يسّاقط من السماء ولا نبع يتفجّر
لوحة تتساقط فيها الأزاهير وتتكسر فيها الأغصان وتذبل فيها الأوراق وتتهدم فيها الجدران .
لوحة كنتَ فيها وكانتْ مروجاً خضراء وولّيتَ عنها فاصبحتْ أرض بوار,فنعمّ هى وأنت فيها مقيماً,وبئس هى وأنت عنها مدبراً.
                 
                      ************
قلتُ لكَ لا ترحلْ   
 اتذكر ؟
أدفعكَ وأستدفعكَ إلى صدرى وألتصق بك وأضمك بيداى وأستعطفك بدموعى ,أن لا ترحل                         
حتى انفلتَّ عن صدرى وتحررتَ من يدى وصرفتَ بصركَ عن دموعى ومضيتَ وأنا أصرخ لا ترحل
قلت لك كسرة خبز أطعمها فى جوارك خير من شهد أُغمض عينى ريثما يدخل فمى  فى ابتعادكَ
تعالْ لا ترحل وتقول كفى كفكفى الدمع واصبري , وأين الصبر وأنتَ مفتاحه فأنى لى أن ألجه أو أقربه؟
حتى إذا ما ذهبتَ عدوتُ خلفكَ رامية يداى على كتفيك أُزلزلك وأصرخ وأقول لك لا لا لا ترحل.
                       
                      ************

أتعرفنى ألان ؟ ما أظنكَ تعرفنى   
أنا ما عدتُ أنا وأنتَ ما زلتَ أنت َ
أنا الصرخة وأنت صانعها
أرى فى عينى نورشمس يغرب ولا يعود ,صرخة
وقلباً يباباً من بعد رياض كانت تجود,صرخة
ويداً كانت تمد تغيث وتجير وأصبحتْ تضيق,صرخة
وجسداً بارداً من بعد دفء بلا حدود ,صرخة.
وروحًا كانت تطير فى ملكوت علوى فأمستْ تعود,صرخة .
جعلتنى أنحدر فى دهاليز الظلام فأقبع بين جمر الحمم والبركان
 كل أعضاء جوارحى تختلج ثم تنتفض لتحترب حتى إذا بلغتْ ذروة الإعياء سقطتْ على الارض تهذى وتدندن على أوتار أناملى أُنشودة النداء ,ندائى إليك يا حبيبي
نظرة فى هذا الجدار وذاك الجدار ,أتعلمْ أن كهْفاً يأوى إليه فتانا يا حبيبي !
أتعلم أن كُهيْفةً تأوى إليه ,فتاتنا يا حبيبى!
وأنا أنظر الى الجدار إنه كاد يتهاوى فيردينى ويرديهما فالحق بمسار العودة وأقمْ الجدار.
أتململ على فراش مضجعنا وأنصهر عليه من جمرات الشوق والإلتياع,إنها أُسطورة الإحتراق من الشوق والإلتياع.
أتقلبُ وأحترقُ حتى إنّ قلبى يغترب جسدي ويألف النزوح عنه ليسافر إليك ويسري فى أعماقك وبدنى هنا لكهْفٍ وكهيْفةٍ,طفلينا يا حبيبي

                    ************       
لِمَ الرحيل يا أنت ؟         

ألا تذكر 
 رعشة الضم والتوحد يوم ذابت أرواحنا .
وكنا نعدو خلف بعضنا وسط ضحكات إمتدّ فيضها حتى بلغت ما حولنا فانتبهوا مبتسمى الثغور.   
كنتُ أرتع بين أحشائك وأتلمس القرب من حبل وريدك
كنتُ فى كيانك . فى داخلك . فى أنفاسك . فى دقاتك .. أسمع . أصغى . ...
كنتُ أراكَ من داخلك ,فى داخلك تُقر عينى بروضاتك الغنّاء وتُلذ روحى بروحك القدسية العلية ,وينتشي جسدى بمائك الطهور الذى كان يسبح فى شراينى
رأيت الماء السلسبيل من ريق فمك . ورأيتك فى أحلى وأبهى وأجمل حبيب .. ما أعظمك  يا أنت؟                   
 كنا إلفين تحت سقف الأثير من الحب .
تنفجر الأشواق ونحن نفترش الأرض ونتسقفُ الأثير من الحب .
تنفجر محدثة آهات تسرى كنسيمٍ من نسائم الطيب تعبر النفس.
تنساب روحى من جسدى لتلقى السلام والتحية على أعتاب قلبك وانفاس روحك  عتبة عتبة ونَفَس نَفَس
أضم فاستشعر اهتزاز الأغصان , وتفتْح البراعم , و خروج الجنين من الظلمات الى النور .
فماذا جنيتَ من الرحيل يا أبا كهْفٍ وكُهيفةٍ؟
                                                   إذاً إرجعْ
                 
                   **************

من قصّى : إبراهيم أمين مؤمن
       8-9-2017

56
المنبر الحر / ملحمة موت الإله
« في: 18:53 17/08/2017  »
ملحمة موت الإله
تنبيه :
1- ارجو من المتعصبين ان يتريثوا حتى يقرءوا النص
2- وهذا نداء الى المواقع الالكترونية التى تفرّط فى حق القارئ وحق الكلمة ,فهم لا ينشرون الا للمشاهير ولقد ناشدتهم بمناظرة عبر بريدي الالكترونى فلم يجيبونى , وممن اجابنى قال لى انى اجهل تماما كتابة الشعر وتعجبت وقلت كيف وانى اجيد بحور الخليل كلها بزحافها وعللها ولى 16 بيتا كل بيت منهم يمثل مفتاحا لها
3-وللاسف فالكتّاب العرب لم يرقوا بعد الى مستوى الادباء المرموقين فلقد تصفحتُ فى تلك المواقع التى لا تنشر لى بعض الاشعار والقصص فوجدتها سطحية ومليئة بالاخطاء الجمة ,وانا لست ناقدا ولم يُطلب  منى النقد كى اتكلم.
4-وانى من خلال هذا النص والنصوص السابقة ولاسيما الاخيرة منها اعلن على الملأ التحدى الصارخ لكل المواقع التى لا تنشر لى وانى على اتم استعداد للمناظرة مع كل المسئولين عن عملية النشر ولو كانوا اساتذة فى فنونهم  لانى على ثقة فيما اكتب.                                         
================================
                                                                    "الملحمة "
منذ عهد الفضيلة الأول الذى أُسر فيه هذا الإله العتيد وقومه البشريين الغير آدميين  وأُجلوْ تحت الأرض وحتى الأن نجد هذا الإله مكبل بأغلال أحكمتْ صنعها ضمائر حية ,كما نجد قومه الذين الّهوه محبوسين داخل كهوفهم بسد منيع لبناته وذراته بُنيتْ من وحى رحمة عمّتْ البرية فى زمانهم.
إنه إله صنعه آدميين لما توحشتْ غريزتهم وساءوا ,فجاء خَلَفُهمْ على بُسط الأمل والحب والإعتصام فأزالوه ونفوه هو وقومَه المفسدين تحت الأرض .
(وصف الإله ) على جبهته وشْم يظهر فيه إحكام قبضته على مجرات الكون,وفى صدره وشم لعرش مُلكه على الماء وجميع الخلائق أمامه ساجدين يتقدمهم قومه الأراذل أئمة لذلك المحراب وتلك المناسك التعبدية .
(وصف قومه ) على جبابهم وشم رسم الإله "إلههم المقيد " وعلى قلوبهم وشم يظهرون فيه وهمْ يعتصرون قلوب البشر الآدميين الذين خالفوا إلههم .
 ملايين الكهوف تحت الأرض يسكنها أولئك الفجرة ينتظرون لحظة الخلاص والتحرير, فقد هزّه وإياهم الحنين إلى السطو والتملك . إنهم يعشقون عبوديته وإرادته ,وما كانتْ إراداته إلا إبادة أهل الأرض الذين مرتْ عليهم حقبًا ودهوراً طِوالاً ما زالوا يطئون رءوسهم ,اذاً إنها لحظة الخلاص لهم مفعمة بلحظات الانتقام.
وما كان يأتيهم إلا عزازيل يخبرهم بأن آتون الشر لم يبلغ إلى حد الإنصهار بعد.إنه زائرهم ورسولهم. 
 
وفى برهة كلمح البصر إخترق "عزازيل" القشرة الأرضية إلى ذاك الإله وهؤلاء القوم ليخبرهم ان صراعات البقاء قد بلغتْ الذروة وأن الحروب بين الآدميين أصبحتْ حروب أكوان,إنقسمتْ فيه الأكوان إلى كتلتين متحاربتين  ,وأن آتون الشر فى طريقه للإنصهار .
إصطكتْ النبابيت وعلا صليل السيوف وخَرُستْ الأغاريد  بصهيل الخيول ,وتراشق السهام ,
فلما اكتملتْ الملحمة وبلغ الشرذروته,إندكَّ الشركله أسفل الآتون متقلصًا حجمه فى كتلة لا نهائية حتى أصبح الوقود مركّزاً فانصهرتْ النفوس حتى التبخر ثمَّ انطلقتْ حتى بلغتْ عنان السماء وحجبتْ المجعول الذى يُحيي كل شئ وهو السحاب.
 واتجه إبليس بكلامه إلى الإله مستطرداً :وبأن قيودك على وشك الإنصهار إيذاناً بالحرية ,
 ثم نظر إلى قوم الإله وقال :وبأن الردم الذى حال بينكم وبين سطح الأرض أوشك ان ينهار  كثيباً مهيلاً .
 وما كاد يتم عزازيل كلامه حتى ذابتْ القيود وانهار الردم والبنيان فانطلق الإله وتبعه قومه الفجرة .
 
 وانطلق الإله وانطلقوا خلفه مهرعين كوديان النمل إلى سطح الأرض ,وأطّتْ الأرض من وقع أقدامهم العمياء,وتساقط دمع العيون فرحة الخلاص المفعم بغريزة الشر والانتقام رغم أن الإنتقام من خَلَفِهم, واستطالتْ الأيادى رغبة السلب والشر,واشرأبتْ أعناقهم إلى النظر فى زخارف الآدميين الحمقى,وتعرّتْ القِضْبان واستطالتْ رغبة المضاجعة أوالإغتصاب,وامتزجتْ أصواتهم بأصوات الطبيعة كلها فافرزتْ رِعْداتها وسدتْ دروبها فاختنقتْ ,وإلههم يحمل السيف يقودهم إلى جموع أهل الأرض كلهم رغبة السجود له منهم ومِمنْ يخضع له ,وتراقصتْ على إثر ذلك جموع الشياطين تحتفى بمسراهم وغزوهم ,يترقبون الغنيمة الكبري وهى سجود الأرض لإله الكهف.
كان البأس بين الآدميين شديد فجاءهم الإله وقومه وهُم أشد باساً وتنكيلاً.
فسجدوا له معلنين العبودية والإستسلام.
فلما خلُصَ منهم فقتل مَنْ أعرض عنه وأبقى مَنْ عبده من أهل الارض ,أمر أتباعه باإستعمار السماء فحملوا رماحهم وسهامهم وأطلقوها تجاه السماء فارتدتْ عليهم فتحركوا ليتقوها فما استطاعوا ولا استطاع  الإله إلى ذلك سبيلاً فأراد أن يبتغى سُلّماً إلى السماء ليبلغ الملائكة فيقتلهم ثم يفرغ إلى الله خالق الكون فيبارزه ويقتله.
مرتْ السنون,والآدميون كلّوا من الخضوع والعبودية ,واستحضروا فى قلوبهم عهد الفضيلة الأول عهد أجدادهم وتحسّروا بكلمات ممزوجة بالملامة قائلين "لِمَ تركوهم أجدادنا ولمْ يقتلوهم  "
 إستحضروا العهد واستنفر بعضهم بعضاً حتى اعتصموا وتلبّسوا بلباس أجدادهم واعتبروا بهم واقتفوا آثارهم
 فخلُصتْ الضمائر واستفاقتْ بسبب القهر الذى حلّ بهم.
تشابكتْ الأيادى والتحمتْ القلوب وتوحدتْ الأبصار وتحازتْ الأقدام .
وطردوا الشر من أرواحهم فقاموا...
بالكفِّ عن صراع المعتقدات.
وقضم براثن العنصرية التى أفرزتْ العداوة والبغضاء بينهم.
وتمزيق خيوط العنكبوت التى ما كلّوا من نسجها لبعضهم.
وترك الأرض لأوطانها وشعوبها
وكسر تلك القضبان التى يصرخ من ورائها المظلومون.
فلمّا فعلوا ذلك كان ذلك هو السهم الذى شقَّ صدر الإله فسقط صريعاً.
وكان ذلك هو الطير الذى قطف رؤوس قومه فسالتْ دمائهم أنهاراً.
يموت الإله المدّعى فى قوم أقاموا الفضيلة بينهم ,فإذا انتشرتْ بينهم الرذيلة ووجدتْ لها مسلكاً خلقوا لأنفسهم إلهاً يسومهم سوء العذاب .
كل الحكام البغاة هم آلهة صنعتهم شعوبهم لمّا فسدتْ نفوسُهمْ, فإنْ أحسنوا ماتتْ آلهتهم المزعومة وإنْ أساءوا بغتْ عليهم آلهتهم وتولدتْ من أصلابهم آلهة أُخرى.
لابد أن يموت كل دعى,لابد أن يموت الإله المزعوم ,فأحيوا أيتها الشعوب من جديد سنة
     "موت الإله "

        ***************
   من إحدى ملاحمى :إبراهيم أمين مؤمن
                             كُتبت اليوم


57
العودة من المستقبل
قصة قصيرة
الفكرة اولاً:
تعتمد على قراءة لغة الجسد ولغة الرداء انْ صحّ التعبير وترجمتهما معاً لمعرفة شخصية الشخص المراد محل القراءة .
كماأنى جسدتُ كيف أنّ الأعمال السيئة تنمّ عن مستقبل أسود ,والأعمال الصالحة تنمّ عن مستقبل طيب,ومن خلال ا.د أفكار.. تعرضتُ لقضية إجتماعية خطيرة ,من خلالها أخذتها وأخذتُ شادية وسُكينة فتاتيْها مِن مستقبليهما الضائع الغامض وعدتُ بهما إلى مستقبل مشرق بتصحيح مسار حاضريْهما .
 ==========================================================       
القصة :تقول أفكار
كان زوجى تسبح روحه فى اكتئاب حاد حتى صرعها تاركاً إيّاى وفتاتينا الصغيرتيْن شادية وسُكينة ,وكنتُ أحبه كثيراً جداً وتأثرتُ  بموته لدرجة أننى لمْ أجد عِوضاً عنه غير ان أنتقم من هذه الأسقام التى تنال من النفس فترْديها تحت سترة التراب ,أصرع الأسقام قبل ان تصرعهم .
واخذتُ افك شفرات طلاسم النفس  وأكشف ستائر خلجاتها حتى صارتْ تلك النفس بدروبها وجوانحها ومفاصلها مترائية ومطواعة.
  فتوقد ذهنى أيّما توقد وتبحرتُ فى هذا العلم النفيس وحصلتُ على أعلى درجة علمية من أكبر جامعات العالم وتُوّجتُ أخيراً على عرش الأدب بحصولى على جائزة نوبل فى الأدب   .
درّستُ انا ا.د افكار فى اكبر الجامعات العربية والأجنبية ولا أكاد آتى مصر وطنى ومسقط رأسي  إلا قليلاً.
كعادتى دائماً احتضن فتاتيّ شادية وسكينة بحنان بالغ وأسألهما عن حالهما ثم آتى الفراش لأنام .
فتحتُ حاسوبى لأرى أحدث المستجدات العلمية فلفتَ نظرى اثناء التصفح قضية فتاتيْن خلف القضبان ,أهملهما أبَواهما من كثرة الترحال حول العالم اذ كانوا سفيرين لبلدهما.
فانتبهتُ واخذتْ رأسي تشرأب إلى الأمام دافعة أيضاً جسدي معها  فاغرة فاهى محملقة العين  مستحضرة فى مخيّلتى هذا التوافق العجيب بين ترحالى وترحال والديْن هاتيْن الفتاتيْن,فتصارعتْ دقات قلبى ووجب واشتدّ وجيبه حتى سارعتُ فى الدلوف على أبواب صغيرتيّ فوجدتهما نائمتيْن.
فعدتُ حجرتى غريقة النفس وركضتُ حتى أذّن الصبح بلحظات الغيث.
دلفتُ باب شادية وولجتُ الباب فإذا بشادية تتأهب للخروج قاصدة جامعة القاهرة .
فحملقتُ فى زيّها مندهشة مائلة الرأس يميناً وشمالاً تجرى عيناى على بساط  ذاك الزى الفاضح الذى يظهر مفاتن جسدها الصارخة الداعية لكل شهوة او نظرة .
وسكتتُ برهة ولم انبس بكلمة,وما كان سكونى إلا إمعان النظرفى لوحة بخيالى ارى فيها نفْس ابنتى خلف قضبان الأمس بسجية المستقبل .تلك القضبان التى ارتأيتها من ميوعة ألفاظ ابنتى التى أدمنتْها حتى انها عجزتْ ان تظهر أمامى بصورة أليق من هذا وسرعان ما أصابها الإبلاس فتهتهتْ ثم سكتتْ .
واحسرتاه: انا أ.د أفكار ابنتى شادية ترتدى فستاناً ضيقاً تكاد مفاتن جسدها لا تتنفس من الإنضغاط ,يبدأ ينادى مشتهوها من فتحة الثدى المتدلى على قاعدة حمالة الثدى الحمراء.
يبدأ التدلى كاشفاً بين ثدييها ذاك المفرق الناعم الجذّاب وينتهى بحلمتى الثدى المستقرتين على الحمالة الحمراء,وتَبرزُ الحلمتان كسحابتىْ ماء تنادى ظامئيها.
ويظهر تحت الفستان من الأمام ذاك التحدّب المتناسق البارز من الخِصر والفخدين وسرّتها تلك التى لا تخفى على راءٍ.
ومن خلف الفستان ارى مؤخرتها وكأنها وُضِعتْ فى قالب و استُنسختْ بعملية قوْلبة.
أهدابها تومض كألوان الطيف تعلوها حاجبان حادتان يكاد لا يري منهما إلا تلك الألوان التى خضّبتْ أهدابها,وينسدل شعرها المرسل يشعّ من   على سطحه أضواء ذهبية وسيلفرية برّاقة ,وتلبس حذاءً كعبه يكاد يكون كالهرم المقلوب .
وفجأة رنّ المحمول فتناولته واذا بشاب يقول :حبيبتى "غانية" كانت ليلة امس ممتعة  فى حجرتى ما رأيك ان نكررها اليوم؟.
وما ان سمعتْ تلك الكلمات إلا وسكنتْ روحى تختنق بحبال هذه الكلمات واشتد غليان قلبى وانفطر وفرغ.
وأمسكتُ نفسي وطفقتُ أبحث عن حقيبتها.
ففتحتُها فوجدت كارنيه الجامعة مكتوب فيه انها من الفرقة الاولى فسألتها
 ألستِ فى الفرقة الرابعة يا شادية؟
فأجابتْ :انا اسمى "غانية "يا ماما وانا لا أذهب للجامعة ,وهذا سوء عملك يا ماما, فتاتان ليس لهما أب ولا أم .
رحلتِ عنا فرحلنا وتهنا وضاع أسمى وأسم أختى فى فلوات تِرْحالك.

                            *********
 خرجتُ مِن عند شادية فارغة القلب مغمغمة بكلمات الحسرة والخيبة .
خرجتُ قاصدة حجرة سُكينة وكلى وجل وخوف وإشفاق مِن انْ أجد الأخرى مثل أختها.
 فرأيتُ ابنتى الثانية سكينة فتاة عازفة عن كل شئ ,ردائها الأسود من الرأس وحتى أخمص القدم ,شعرها ينسدل بغديرتين تتدليان على ظهرها ويواريهما ذاك الحجاب الأسود .
 شعر شاربها نابت ظاهر ,وشعر حاجبيها مبعثر متشرذم .
 أكاد لا أري من جسدها إلا جلبابها الذى ترتديه,ووجهها المخضّب بالشعر المتناثر .
عيناها لا تكاد تترك بساط الأرض او سقف الحجرة ,تستحى من كل شئ ,وتودع كل حى ,وتخاف من كل شئ,تأنس بالسكون والفلوات.
مشيتها كالسكيرة تسير مترنحة معوجة ومحدبة الظهر كانها جاءتْ من  بين الأموات لتعيش بين الأحياء.
وسألتها :هل أنتِ فى الدنيا يا سكينة أمْ لا ؟
وفتحتُ حقيبتها فوجدتُ كارنيه الجامعة مكتوب فيه إنها من الفرقة الأولى فسألتها
ألستِ فى الفرقة الثانية يا سكينة؟
فأجابتْ انا اسمى "تيْماء"يا ماما وانا لا أذهب إلى الجامعة وهذا سوء عملك يا ماما, فتاتان ليس لهما أب ولا أم
رحلتِ عنا فرحلنا وتهنا وضاع أسمى وأسم أختى فى فلوات تِرْحالك.

                           *********       
وانهدّ جسدى حيث أقرب كرسى وما استطاعتْ قدماى حملى واستبان لى مستقبل فتاتىّ المظلم الذى يهدّهما ويهدّ المجتمع الذى لطالما جاهدتُ فى إصلاحه لتحيا البشرية بنفوس آمنة واعدة مطمئنة.
إندثر ما كتّلته من إرادتى من عزم وإصرار وانفسختْ عزيمتى ,التقتْ آلام الماضى بطعنتىْ الحاضر وشكلتْ ساتورا صدع رأسى.
تعاظم وجيب قلبى وضربة رأسى وتلجلج لسانى واعوج   وتلعثم بغمغمات لحروف عيية محصورة,وقد ثقفتنى المصيبة وأمسكتْ بلجام عزيمتى .
وما ترى عينى إلا أوار من جبال  تعلوها سحابة من العجّاج والإهماج وطنين الذباب الكبير ,يتسارعون جميعاً حاملين ذاك الأوار الملتهب الذى التفَّ حولى ليحرق ويأكل لحمى كما حرق وأكل لحم شادية وسكينة,وما إنْ وصل ذاك الإهماج والذباب الكبير الملتهب حتى خررتُ هامدة أحيا فى موت الغمم .
والتف الفتاتان حولى وأخذانى إلى المستشفى وقد أصبتُ بجلطة فجائية ,ووضعونى فى العناية المركزة .
والفتاتان تبكيان ندماً على استسلامهما لتصاريف الأقدار الخانقة,وتقولان فى حسرة : لولا نقاوم ونصبر على ما بدر منا.
لقد حمل جسد الأم المسجّى بين الحياة والموت رسالة ندم وموعظة وتوبة على ما كان منهما من استسلام لتصاريف القدر.
وخرج الدكتور من العناية يحمد الله على نجاتها من مرحلة الخطر.
خرجتْ الأم من العناية المركزة وما ان سمح لها الدكتور بالكلام حتى اجتمعتْ بفتاتيها وهما يقبّلان يديها وقدميها وسط دموع متبادلة .
أدركتْ أفكار "الأم "الان  انّ  أفكار"أ.د " والحائزة على جائزة نوبل,انّ الأم اغلى وأصلح لمجتمعها ومجتمع فتاتيها,وما كان يجب عليها الترحال .
وقالتْ لنفسها لابد ان نجد أ.د أفكار بلا ترحال حتى تعيش تمد ظلالها على فتاتيها.
لابد ان نأخذ أفكار من المستقبل الذى رسمته لنفسها ونعود بها الى حاضر فتاتيها.
لابد ان نُرجع المستقبل القاتم لأولادى ونلبسهم رداء حاضر صالح ونقى حتى يصلوا إلى مستقبل اخر ,
هو مستقبل النور والأمل والطموح والإنتصار.

                     
                         **********
من قصّى :إبراهيم أمين مؤمن



                   





               



58
سيمفونية الرياض 2...
و الميثاق المنقوض   
                                 

"المشهد الاول "

نظرتُ إلى الرياض القُرْحٌ الوارفات الشاديات الذلولة القطوف تذليلاً.

تسوقها ملائكة ترفرف عبر أرواحها,ترفع السلم تسابيح حمْد يُفترش للأقدام وطئاً ويغشى الرؤوس ظلاً.

تسيل فى أرجائها انفاس طيب تضوع نهماً ولا يكبح جماح تضوعها سلطان.

تنضو الطيور أجنحتها فرحة مستبشرة ,وتغرّد البلابل تراتيلاً تترا عبر آذان الأفئدة فتسكن فيها رضا ورضوان وأمن وسكينة.

ترجرج القلب فى جسدى فأختلج قفزاً وأنساب روحاً لينطلق فى هذا الشهد السلسبيل.

وانساب فى الرياض كانسياب الدم فى العروق .

أنسبتُ فى خرير الماء فحييتُ فى انسياب محْياه .

توارى الكون كله وطُوىَ كل ما فيه من جمال وتقلص حتى تركّز كله فى هذه  البقعة الواعدة,

أرض الميعاد والرياض القدسية.

تنامتْ كل النشوات وازبدتْ وتجسدتْ لترسم نفحة من نفحات جنة الخلد فى لوحة كانها تنزّلتْ من الفردوس الأعلى فى أرض الرحمن….

حقاً جنان سلم وريّا وطيباً وقداسة وجلالة من روح الرب .

 

                                                        *************

"المشهد الثانى"

وذُللتْ لى الرياض تذليلاً,

واصطفتْ الطيور تحمل بين أجنحتها ذاك السلسبيل الذى ينساب فى كؤوس وتمدّه إلىّ لأشربه عذباً سلسبيلاً وما بي ظمأ ولكنها نشوة حوض الكوثر , ثم سجدتْ لى خشوعاً

وتناجتْ البلابل لتصلى لى بأعظم تراتيل الشدو التى لطالما فتنتْ الداووديْينَ أصحاب المزامير الواعدة الخلّاقة التى تنبض برسم حياة الفضيلة والنشوة.

وغشى كل هذا المُلك الأكبر حفيف الملائكة التى ترسل السكينة تتراسل وترسل العبودية فى أرواح كل تلك الكائنات ثم تأمّهم .

تأمّهم جميعاً لأنال قداستى كاملة عبر لوحة تلك السيمفونية الرائعة .

ولكن هناك من يمد ظلاله حسداً وحقداً يريد أن ْيعكّر تلك السيمفونية القدسيّة العليّة . الثعبان

نعم الثعبان أبى أن يكون معهم واختار فحيح الحقد يرسله سمْاً وكِِبْراً

 

                                                    *************

"المشهد الثالث"

تبسط الطيور أجنحتها فوق أوكارصغارها راقصةً ساقيةً طاعمةً هانئةً مرضيّةً.

ظلّ سيْد البلابل  كل غدوة وروحة يحصى الاوكار ويقلّد المناصبَ ويشدو شدو استنفار الهمم

يطير بين خفض ورفع تيّاحا فِدْفاداً

راقصاً مطرباً قفّازاً.

راضياً ودوداً

يحصى عدداً ,يسقى عذباً ,يداوى جرحى,يرسل بسمة ويحضُّ على طعم الجوعى وينادى بثقة وامان

من ذا الذى يحزنك أيتها البلابل النديّة ؟

من يجرؤ ان يعكّر صوف سيمفونيتك العليّة ؟

من يجرؤ ان يدنّس قدسية تلك الرياض فيهدر دمك أيتها البلابل الصادحة المطمئنة الوفيّة ؟؟

 

                                                   *******************

"المشهد الرابع "

تسلل ذاك الثعبان المتّرع بالصلف والحقد أراد ان يسفك دماً.

بسط بفاه ليفحَّ على سيد البلابل ,وكان سيد البلابل فى شغل الراعى لتلك السيمفونية الطاهرة,باسط جناحيه على رعيته.

تسلل الثعبان واقترب اليوم بدلاً من سجود الأمس.

رآه البلبل باسطاً فاه فقال له لئن بسطتَ فاهك لتقتلنى ما أنا بباسط فاهى لأقتلك فاذهبْ راشداً او ابقَ آمناً.

أطلقَ الثعبانُ السمَّ وسفك الدم وسال على كل البستان

سال فى خرير الماء العذب الحى فمات بحمرة الدم وسَدِم

ولّتْ الملائكة إلى علّيين فما كان لها ان تبقى تشاهد لعنة نكص العهد : لا تقتل

إشتروا الخبيث بالطيب,والعهر بالقداسة,وصراخ الالم بأهات اللذّة .

وتعالتْ صراخات المظلومين ,ووُسِدتْ الأبواب , ونُصِبتْ القضبان , وسُلسلتْ السلاسل , وكثر القفز بالسكين,

وغنينا على الأيك الألم والجوع والعطش بصوت محصور مكتوم يقطر دماً.

وما زال السيد ينزف حتى أطلق صرخة النفس الأخير وشهق شهقة الموت وسكن سكوناً زايله استنفار الشر كله.

وافرزتْ غريزة القتل.

 

                                                 ************************

"المقطع الخامس والأخير "

تعكّر صفوى وصفو ابنائى من بعدى انا الرائى , سجد لى الطائعون وقتلوا ابنائى العاصون.

كان علينا نحن المصلحون ان لا نترك سيد البلابل طُعما للشيطان.

لنوارى سوءة الشادى وسوءاتنا,نوارى سوءاتنا بطفو النجاة من لجج البحار ولا نعريها بطفو الغرقى.

لابد تمزّقوا خيوط العنكبوت ,وتدكّوا حصون الشياطين ,وتدرءوا بدروع ضمائركم  تلك السهام التى تترامى على أبرياءكم وضعفاؤكم لتنغرس فى نحوروظهور طغاتكم.

لابد إلقاء سياط جالديهم ,و كسر قضبان حابسيهم ,وهدم جدارالنار لحارقيهم.

                " عندئذٍ فلا "

   قاتل ومقتول وظالم ومظلوم وطارد ومطرود وقاهر ومقهور.

ولكنكم أيها الرعاة والأمراء  شاركتموهم الغنيمة بالأطماع تارة وبالخوف ممَنْ هو أقوى منكم تارة أُخرى.

  وألّا نعود من حيث أتينا كلنا وندع الملائكة تمشى على الأرض آمنة مطمئنة لترى سيمفونيتها الفاضلة الخالصة

الآمنة المطمئنة , ترى سيمفونيتها وارى سيمفونيتى وسيمفونية أولادى

                "سيمفونية الرياض "

 

                                                         *************           

  اخر خاطرة كتبتها ارسلها اليكم :ابراهيم امين مؤمن

59


 تماثيل تلتهم براعماً...قصة قصيرة
"سلمى تروى قصتها بعد إغتصابها "


ابراهيم امين مؤمن



أنا سلمى ...
وجدنى رجل شحّاذ على باب مسجد أصرخ من الجوع والعطش ,
فذهب بى إلى ملجأٍ وتركنى مودعًا دامعاً .
قال لى مدير الملجأ الذى أعيش فيه نقلاً عن الشحّاذ :
خذْ هذا المولود يا "بيه",إرعه واعتنِ به فإنى رجل لا أكاد أحمل نفسى
فانى أجوع أكثر مما أشبع
وأتعرى أكثر مما أكتسى
ولا أبيت إلا على جوانب الطرقات,
وها أنتَ ترى عاهتتى .
وولّى بوجهٍ ممتقع ,
ولّى يغمغم بامتعاض.
*****
نشأتُ فى الملجأ
الملجأ أرضه سلاسل فى الأقدام
وسقفه أغلال فى الأعناق
وهوائه يحبس أنفاسى كأنما أصّعد فى السماء.
وما كتم أنفاسى واختلجتْ فيه جوارحى وتململتْ فيه روحى أكثر من تردد سؤال يجلدنى فى كل ذرة من كيانى كله
لماذا رمونى اهلى ؟
وتاتينى الاجابة بدمع وصراخ حتى اسقط متضعضة كأنّ صرعنى شيطان.
واتساءل:
هل أنا من طين ؟
هل خُلقتُ من أب وأم ,أم نزلتُ من الفضاء كأى صخرلمْ يولد؟
يجب ان تكون الإجابة على كل سؤالاتى أن............
أُوجد كيانى الذى يمثل فخرى وفخر مجتمعى الذى آوانى
أكسررُغام اليأس والتشاؤم وأُعلو راية الأمل والتفاؤل.
لابد أن يكون اسمى أنا هو "بسمة وأمل وطموح وإنتصار.
 وحضارة تنبعث من نفسى إلى مجتمعى مزدهرة , هذا هو اسمى"
عشتُ أحيا بخلقٍ واسع
وأتعلم العلم النافع
وأدعو من معى أن غدهن زواج وإنجاب فى وطن يحتضنهنّ. 
كما إحتضنهن فى هذا الملجأ .
****************
رشدتُ رشد أُولى الألباب وأنا فى العشرين.
أُوتيتُ الرشدُ صبية , فرغم الضربات المتتابعة إلا إن راية الإنتصار كانتْ غالبة عليّة.
وخرجتُ من الملجأ إلى المجتمع .
فضاء فسيح به الحرية والأمل ومرتع الطموح والنجاح والإنطلاق .
أريد الأسرة الطيبة التى تمثل لبنة أبْنيها فى صرح حضارتنا المتهالكة أو بذرة أنثرها فى أرضنا البورالقاحلة.
أُريد إنجاب أولاداً يكونوا براعمًا صالحين .
أرعاهم وترعاهم رُعاتهم من حكام ومسئولين.
وقابلتُ الحلم .
ثروت.
تبدو عليه وسامة الخُلق والحكمة ورجاحة العقل وأصل الدين.
..تبادلنا الحديث بعد لقاءات عديدة.
فكان نِعمَ الإنسان والحبيب والأهل  وقال لى إنى كذلك له.
وجاءتْ اللحظة الفارقة وقلتُ له
أتعرف مَن أنا ؟
فقال لى أنتِ قلبى الذى حيا بعد الموات
و عمرى الذى أتى بعد الفوات
ودمى الذى جرى بعد الثبات
ومائى الذى أنهرَ بعد النفاد
وسماء أستظل بها
وأرض تقلّنى من الإنهيار
وفضاء أسبح فيه طائراً كفراشة,أستنشق الرحيق من الأزهار .
وعمرى الذى مضى ومستقبلى الآت .
فأدهشتنى عجلته ولم يمهلنِِ الردّ وتركنى ثم عاد ليقُل
مفاجأة سلمى مفاجأة حبيبتى
أبى وأمى وافقا على الزواج .
 وأُعلمكِ ان أبى من الأثرياء ورجال الأعمال المشهورين.
واسمه ثروة
فهلّا قابلتُ والداكِ
أُريد أن أرى قبس هذا النور الربّانى الأخّاذ.
أين هما؟؟؟؟؟؟؟
فانهمرتْ دموعى ورويتُ له قصتى.
فامتعض وقطّبَ جبينه
ورفع رأسه مستنكفاً
وفغر فاه وأطلق قذيفته العمياء الحمقاء.
قذيفة الغاب.
آفة القرن وكل القرون
هى التقاليد وهى العنصرية
 التى يتوارثها الأبناء عن أجدادهم
التقاليد التى جسّدناها تماثيلً فى أرواحنا فعبدناها .
وكنتُ أنا سلمى قُربان من القرابين التى ترضى تماثيلهم.
وياويل أمثالى من هؤلاء المكفوفى البصر والبصيرة.
وقذيفته قوله
" آه يا بنت الملاجئ يا حمقاء يا أهل السوابق أمضى إلى بنات الشوارع
أنا أنا أنا وأنتِ أنتِ أنتِ أنا ابن الناس وأنتِ بنت الملاجئ .
إنى من عائلات أصل وثروات,وأنتِ ما وجدتيهم إلا عدماً يا بنت العدم والزوانى"
*************
عدوتُ من أمامه صارخة باكية أرى من حولى يحبون
الجمال وإنْ كان زائفًا
والمظاهر ولو كانتْ كاذبة
والمناصب ولو كانتْ طاغية
 والعائلات ولو كانوا جبابرة
والأبنية العالية ولو كانتْ هاوية .
كانتْ حياتهم كلها "هذا "
تعبد كل هذا فأُصبح "هذا" أصناما تُعبد وتحكم وتشرّع وتحدد مصائرهم.
ألتهمتنى تماثلهم.
وستظلُّ تلتهم إن لمْ تستيقظ ضمائرنا.
او تستيقظ ضمائر رُعاتنا ومسئولينا.
نسوا أن الله الذى خلق سلمى , هو من خلق الأميرة.
مازلتُ أُعدو عدو الفارّين وكأن أشباح تعدو خلفى
لا أرى أمامى إلا أشباح الإنسانيّة
وظلام النفوس الساديّة
وضحكات السخرية ذات الأصوات الساخرة الفاترة المتافّفة.
وفجأة  وجدتُ نفسى بين ذئاب بشرية.
فاغتصبونى واحداً واحداً ثم ضربونى وأطلقونى ولا غيّاث يغيث.
أطلقونى بجسد عارٍ وملابس مهترئة .
وما جرأهم إلا إنى لم يكنْ لى درعاً أو حمىً او ظهراً
ظللتُ أسير كالحابٍ منَ الإعياء حتى بلغتُ الملجأ
قابلنى المدير فزعاً وقال
مالك يا سلمى ؟
فأجبته قائلة " ألان علمتًُ لِمَ رمونى أهلى "
وأشرتُ له أن يحملنى بالداخل
إلى حجرتى القديمة.
    إمضاء : سلمى بنت الملاجئ




60
           حكم وأمثال وخواطر
           ( المجموعة الخامسة)

1-ليس الحقّ ما تعرفه فتجحده,وإنما الحق  ما تعرفه فتقرّه.
2-أصحاب عظائم الأحلام مستخفّون ,وأصحاب عظائم الآمال جادّون.
3-لا تُقيّم بين عملك وعمل غيرك ,ولكنْ جِدّ فى عملك حتى تتقنه.
4-جوارح الإنسان صورٌ والقلب جوهرها,كما متاع الدنيا صورٌ وفى الآخرة جوهرها.
5-سعادة المرء فى الرضا ,وتعاسته فى الطمع.
6-مَنْ عرف قدر نفسه ,تحمّل من الأعباء ما يطيق.
7-شرُّ اللصوص من اقتطع جزءاً مِن مسألة فى كتابٍ ابتغاء تحريف الكلم عَن مواضعه.
8-لا يعرف الإنسان حقيقة نفسه مطلقاً إلا إذا ابتُلِىَ بالشر والخير معاً.
9-الحبيسُ مَنْ أطلق نفسه للهوى ,والحرُّمَن حبس نفسه عنه.
10-تمنّى الأمانى بلا عمل,كالسفينة التى لا ساحل لها.
11-إذا نزلتْ الخاطرة بالقلب فتفرّعتْ لواقعٍ كونيّ ٍ فهذه خاطرة خضراء يافعة.
12-العلم مفتاح يطرق القلب فينفتح,والجهل غلاف يغلف القلب فينغلق.
13-إذا أردتَ أنْ تعرف قدرك فحاسب نفسك على ما نزل بك َ,
      وإذا أردتَ ان تعرف قدر الناس فأقبل عليهم عديماً ضعيفاً ,
      واذا أردت ان تعرف قدر الله فانظر إلى ملكوته.
14-لا تعجبك كلمة منافق ,ولا تستحسن رداء متكبّر ,ولا تستقوى مِنْ ركن الضعيف ,
 ولا تحتمى بدار جبان,ولاتقف بباب لئيم.
15-أنرْ فى الظلام ولو شمعة, وابنِ فى اليباب ولو لبنة , وابذرْ فى الارض البوار ولو بذرة .
16-الحب الحقيقى ما تناجتْ فيه الأرواح أُنساً,والحب الزائف ما تلاحقت فيه الأجساد لذّ ةً .
17-السخط مجلبة الطمع ,والرضا مجلبة القناعة.
18-رُبَ قوىّ ٍ تُجلب المدامح له وتُزال المعايب منه ,ورُبّ ضعيف تُذهب المدامح منه وتُجلب المعايب له .
19-رهبة الصرخة أوقع أثراً فى النفس من أمن السكينة ,
والإباحيّة أشدّ رواجاً من العفاف,
والعدل أذكر فى عقول الناس مِن الظلم لقلّته.
20-إذا نزلتْ بأرض فتنة,فاعلم انّ سفك الدماء فيها أكثر منْ سفك دم حيوان الغاب.
21-ترقب الفجر حتى تدرك تنفس الصبح ,واكسر الظلام حتى ترى وميض النور,
       وضع قدمك على اول السلم حتى تدرك قمة مجده.
22-حاذرْ أن تسير فى أرض صيّاد ,فإن الفخاخ منصوبةٌ  تحت الأزهار,
       وحاذر أن تغوص بأرض فتّان ,فإن الجمر مخبوءٌ تحت الرماد.
===============
تحياتى إليكم : إبراهيم أمين مؤمن
       13-6-2017
ملحوظة هامة جداً .. هذه امثلة (محكمة وموزونة) فان كان هناك بعض المواقع ترفض نشرها ظناً منها انها متضاربة او غير واضحة او غير ذلك فليراسلونى عبر البريد لأُزيل اللبس بالحجة ,وكذلك فتلك الملحوظة للقرّاء أيضاً
       البريد هو   ebrahim2016amin@gmail.com

61

أُسطورة الْتياع روميو وجولييت   

  روميو الى كابوليت:


إبراهيم أمين مؤمن


                                                     غدوتَ تبوّئ لقلبك قمراً
                                                    يا شمساً أضاء للخلد ذِكْراً
                                                         تبتغى روزالينا!!
                                                   قلبك النرجسى يفوح عطراً
                                                    فهل مِنْ حبيبٍ يبتغى العطر؟
                                                 طننتَ طنين النحل يزبد شهداً
                                                   فهل مِنْ حبيبٍ يبتغى الشهدَ ؟

                                                           *********
                                           من روزالينا الى وجولييت:

                                                   رأيتَ جولييت شهدٌ كشهْدِ ك
                                                     يُغشِى الروحَ الروحَ الإله
                                                             تطلبهُ حثيثاً       
                                                    خفق قلبكَ ...إلى جولييت
                                                     قُرّتْ عينكَ. .من جولييت
                                                  هامتْ روحكَ. فى جولييت
                                                             جولييت
                                                     إكسير الإكسيرفى خُلدكَ
                                                    وأثير الأثير فى فراشكَ
                                                 على أهدابها وقفتَ تُبصرعينها
                                               وعلى قلبها تسمّعتَ همس دقاتها
                                                       أرهبتك فى وريدك
                                                   ليحيا وريدها فى وريدك
                                                        لمافيا الخلود

                                                      **********
                                                       وتكلمتُما
                                           فسكنتْ الكلمات فى  ذؤابتى الوريد
                                          ثم أزهرتْ شذاً فى وجدان القلوب
                                                  وتناوشتما للإنصهار
                                                     فانصهرتما 
                                              إمتزجتما مضْغةً مخلّقةً
                                                      لتلدا الأن
                                                وتلدا فى غدٍ لا ينتهى
                                                        تلدا
                                                      حباً
                                                        لا
                                                     ينقطع
                                                      أبداً
                                                       حباً
                                                    كمافيا
                                                 لإرهاب
                                                   الكُره
                                                 الوحش
                                                  الحرب
                                            وإلى القس ذهبتُما
                                                     لتكتبا
                                       وثيقة سكنت تُُتلى أُسطورة حبيبينِ
                                              **************
                                             فراق  :

                                              نُفيتَ مِنْ فيرونا!
                                          بئس الحرب يا ولدى
                                              لا تُبقى ولا تذر
                                                   فاذهبْ
                                                   إرحلْ
                                            إلى نفقِ التياعك.
                                             ***********
                                           موت خادع:

                                                    جولييت
                                        أخذتِ الدواء انتظار الإياب
                                        وسكنتِ القبر كميْتة فناء
                                    وجاء الخبر لروميو بوهم الممات
                                     واستُزلَّ باريس بفقدان الجمال

                                         *************
                                      اللقاء الاخير :

                                  جاء روميو بسُمّه محتقناً عييّاً
                                    يبتغى نظرةً إليكِ قبل المنيّة
                                                يُودعكِ
                                                 بنظرةٍ
                                                 بدمعةٍ
                                              بسقية سُمّ ٍ
                                 قطرات الصُراخ تُغسّل جسدكِ
                                   وتلمّس الأنامل تكفّن جسدكِ
                                          تلمُّس بصراخ
                                           تلمُّس بدموع
                                           تلمُّس الهذيان
                                          ضحك وبكاء
                                          وصمت وكلام
                                           وقفز وسكون
                                        عاقل أم مجنون
                                    وشربَ السُمَّ تجنُّباً... أُسطورة التياع
                                       أُسطورة فى قعر الجحيم
                                     وجثم َ على صدرك ِصريعاً
                                              مات
                                     مات أمير العاشقين
                              أفقتِ على جثومه بصرخة انفجار
                                 إنفجار قنبلة خطّت اللقاء
                                         اللقاء الأخير
                                صرخة امتدتْ إلى خنجره
                                       وطعنتِ نفسكِ
                              صرخة خطّتْ مستقبل فيرونا
                          من طبول الحرب الى حمائم السلام
                                 وخطّتْ لوحة الخلود
                               تُرى رمز الحب والسلام
                                     أُرقدا فى سلام
                                    روميو وجولييت
                                    **************
       

62
كَهف وكُهيْفة .. رسالة الخلاص...قصة قصيرة
                             
كانت الدنيا العروس تحترب خلجات كهف وكهيْفة بعد أن تتخذ هوى النفوس سهاماً فترمى بها فتصيب.
وتُغير حتى إذا ثقفتْ ألقتْ العداوة والبغضاء .
لقد أدركا ان هذا العالم الملتهب لابد ان يهرب من تلك السهام أو يتحصن بعزلة فى كهف من الكهوف .
كما أدركا أنهما لابد ان يحملا عبء هذا العالم المنصهر فى مراجل الكُره والأطماع.
فامتطيا فرسيْن حامليْن راية الهجرة.
مسرعيْن بصهيل الجياد,مضيا مسرعيْن وكأنهما يبعدان عن مرمى سهام الدنيا .
ظل كهف وكهيْفة مسرعيْن حتى ظهر لهما مُرادهما وهو كهف الخلاص.
************
نزلا وأبصرا الكهف فى ذهول لأنه بعث فى نفسيهما الخشوع والزهد .
وتسائلا .. ما بالداخل ؟
إنه يبعث فى النفوس وحى الحكمة التى تخطُّ وثيقة السلام وتفك طلاسم العالم المجهول المحترب وتخلصه.
إنه كهف يربّي النفوس فتطوق إلى الرأفة والحكمة .
فوقفا بالكهف أُفق الحدث.
ذلك الأفق الذى يفصل بين نفسيْن ,(نفسٌ صاخبةٌ) فإذا ولجته آلتْ (نفس مطمئنة).
وأخذا يُرتلا طقوس العبور والتكهّف بخشوع الواجلين.
وعبرا ثم دخلا ثم دارتْ عيونهما ثم رقدا رقد المتفكرين.
وانبسط الفرسان بسط الحارسين,وأعينهما ترمى بشررٍ لافحٍِ لو اطلعتَ عليهما لوليتَ فراراً.
*************
لقد اختليا بالكهف وتجردا من سهام الدنيا المتراشقة من أقواس هوى الأنفس الجامحة.
تركا العالم لإيجاد العالم,وهربا منه إليه,وعزما ان يواجها كل التحديات فى سبيل إنقاذه.
لقد صدقتْ العزيمة فتنزّلتْ عليهما كل المعانى الروحية وتغرْبل قلبيْهما فصفيا صفاء الملائكة بعد طول التكهّف وإتقاء العالم الرذيل.
لقد استقرءا فى أيامٍ قلائلٍ من التكهّف حال هذا العالم وكيف فسدَ واحتربَ وغوى.
فخطا له رسالة الخلاص.
الرسالة...
(من كهف وكهيفة إلى هذا العالم التائه....
لقد عبرنا أُفق الحدث وولجنا باب الكهف الذى أنزلَ علينا حكمة وسكينة ,فاستقرءنا من ماضيكم وحاضركم كيف يكون خلاصكم فى مستقبلكم .
أطلقوا أنفسكم نحو ضمائركم لتزيل الوقر والعمه والغشاوة منها, تُزيل على أرض كهفٍ تستطيعون ان تبنوه من وحى إرادتكم وحسن نواياكم على بُسط قلوبكم .
ما ترغبون لأنفسكم ارغبوه لغيركم.
وارضوا بما وُهبتم ولا تنزعوا نعماء غيركم ,فالقليل مع الرضا كثير والكثير مع الطمع قليل .
واحتموا بكهوفكم ولا تخرجوا منها فتصيبكم سهام دنياكم .
واعلموا ان ألحان السلم كنز البقاء,وطبول الحرب رمز الفناء.)
************
عبر كهف وكهيفة من وحى الحدث إلى خارجه فوجدا الفرسيْن فركبا ومضيا عازميْن على خلاص العالم.
ومرّا على الملوك والسلاطين وقرءا علي أسماعهم المرسوم
مِنْ كهف وكهيْفة إلى الملك الأحمر ...
( الرسالة.............­..... )
مِنْ كهف وكهيفة الى الملك الأصفر
(الرسالة ....................­)
من كهف وكهيفة الى الملك الأبيض والأسود
(الرسالة ....................­)
من كهف وكهيفة الى كل أديان العالم
(الرسالة ....................­)
فأبوا الطامعين
ورضوا القانعين
وابتغوا بها الضعفاءُ..... القوةَ.
وابتغوا بها الأذلاءُ...... العزةَ.
*************
عزم الطامعون الطغاة على طرد كهف وكهيفة .
قال كهف وكهيفة:نخرج بالضعفاء
قال الطامعون : تخرجا صاغريْن واتركا لنا ضعفائنا
وظلا يتحاوران وعلى الجانب الآخر نرى الضعفاء يرغبون فى أمرين:
إما الرحيل او
البقاء بمقاومة الطغاة ...فقد كانت الرسالة تهبهم قوة الشجعان واستنفار الأبطال ورغبة الشهداء.
ولم يجد طغاة الارض جميعاَ إلّا ان يتخلصوا من كهف وكهيْفة حتى يتقوا ثورات شعوبهم .
وبيّتوا أمرهم ليخرجوا على كهف وكهيفة ليقتلوهما .
فلمّا علما بمكرهم ركبا الفرسيْن وخرجا خائفيْن .
فاتبعوهم الطغاة.
حتى إذا بلغا الكهف دخل كهف وكهيفة وعبرا أُفق الحدث واجتذبهما الكهف جذبة المغيث .
وحاول الملأ اختراق أُفق الحدث والعبور فاحترقوا ,
إحترقوا لأن قوة الحق فى الكهف أعلى من مطامعهم وأباطيلهم.
إنتابتهم رعشة الخوف والجبن وتأجج الغضب منهم فاشتعلوا محترقين.
وأردف الضعفاءُ الجمعيْن وشاهدوا هلاك ملوكهم ففرحوا
وخافوا ان يعبروا الكهف ليلاقوا كهف وكهيفة فنادوا عليهما فلم يردّا.
فعزموا على الإنتظار ولكنْ طال الانتظار سنوات ,وعلموا حينئذ أنهما ماتا حميديْن.
*************
نعم ... هذا حال العالم الان
اُجهضتْ كل الرسالات بسبب الأطماع .
ولم نسمع فى هذا العالم إلّا زئير وعواء الطغاة وسط صراخ متواصل من أفواه الضعفاء .
ولاحق الطغاةَُ المصلحين فى هذا العالم ونفوهم وقتلوهم.
ولم تَطلْ المطاردات المصلحين فقط, بل طالتْ الطغاة أيضاً فماتوا ودُفنوا فى مزابل التاريخ.
أقام الطغاة على بُسط قلوبهم عرائن من خيوط العنكبوت وأغمضوا عيونهم عن كهوف الرحمة.
أيها القاصى والدانى:
عليكم بزيارة كل قبر فيه كل (كهف وكهيفة ).
أُنثروا عليهم الزهور
واستقووْا من قبورهم ما يُبقيكم فى عزة وحق.
واعتبروا بسيَرهم حتى تأمنوا مآلكم.
**************
الراوى : إبراهيم أمين مؤمن












   




                       











 




 








63
أدب / سوف تنهض يا وطنى
« في: 14:30 20/05/2017  »
                                                     سوف تنهض يا وطنى
                                                 (خاطرة شعرية لكلِّ العرب)

 أشلاءُك مثْخنٌ بالجروح
طريحٌ معصوب الجبين
مثخنٌ جراح القلب والوريد
وعينك تدور على أشلائك
وتتحسر ماضيك , ماضى الملك والصولة والعروش
وتعضُّ أناملك بغيظ لأنك لا تقبل الضّيم .
 ولا الأسر
ولا الدنيّة
ولا الذلّة
ولا المسكنة
سوف تنهض يا وطنى                                                       
************************
تناوبَ عليك الرماة ....... ...رمى الطامعين
وغافلكَ طُعّان الظهور .... .....طعن الغادرين
وأسقوكَ السّم الزّعاف ......... سمُّ الثعابين .
وجنْدلوكَ مصفّد النفس
وتركوكَ تصرخ الظلم
        سوف تنهض يا وطنى
***********************
قمْ وطنى ولملمْ شعثك
وتخلّصْ من رسف قيدك .
واكسرْ قضبان حبسك
فالسماء تناجيك بأفلاكها
وغيثها غيّاثك
والسفينة معدّة لمسراك.
قُم ْأيُّها الأسد الجريح
أتْفلْ حضارتَكَ تحيا
أيقظْ تاريخَها النائم..................لتنمْ أَعيُن الجبناء.
حرّكْ ركود الماء يجرى
وداوى نفسك بالترياق تُشفى
واغسلْ ثوبَكَ من دماءه
وعطّره بعطر الغد ........... غد التفاؤل
          سوف تنهض يا وطنى
***********************
 ليتحد السيفُ والقلمُ
وبرهان السماء والأرض
 ليتحد العرب العاربة والعرب المستعربة
وسنة وشيعة
صآفُّون صآفُّون
ليتحد حبل الوريد بحبل الوريد
أطيارٌ كالريح
لنخرج جميعاً من الأجداث التى رقدنا فيها قرون
مسبّحين للجمع بالحب والعدل والرحمة
سوف تنهض يا وطنى
***********************
فلنكتب ونملل الحق والسلام .
ونرسل بريد السلام
ولنرفع رايات عليها حمائم السلام .
ونكرم جبين المكدود  ........ بمسحة
ونطلق المسجون      ........بكلمة
ونرسم على الأفواه .......... بسمة
ونحضُّ على طعام المسكين ... بكسرة
.. ونرطّب الحلوق ....     بقطرة
وليكن صليل السيوف وصهيل الخيول  على  الشياطين
ونخلع القلوب التى أماتت النفوس ................. نفوس الملائكة .
سوف تنهض يا وطنى
************************
•   شرح .....................
•   ( ليتحد السيفُ والقلمُ) المراد ان تتعلم الأمة وهى قوية .
•   (وبرهان السماء والأرض) المراد فك رموز علوم الارض والسماء بالسعى وراء العلم.
o   من نظمى : إبراهيم أمين مؤمن
•   19مايو2017
                         

64
أدب / آفاقُ الحبِّ ...
« في: 17:54 11/05/2017  »


افاقُ الحبِّ ...

ولّيْنا قلبيْنا للمحراب بإحرامٍ فوق جسديْنا ولبّيْنا .
وحي السماء يتنزّلُ على بساطا قلبيْنا فانتبهنا .
كمْ تعاهدنا يا حبيبي أن يسكنا ملكيْنِ قلبيْنا .
وأن يكون الكلم آية والبصر بصيرة والفؤاد رغوة شهد طيب وحملناهم فى راحتيْنا .
فحملنا وحُملنا بركب ٍ دفعه وحى السماء وما زال حملُنا فى راحتيْنا .
على بساط الشمس كانا ظلنا لكل البرية أفقاً ممتدّاً وما زال البسط نبض راحتيْنا .
وما زال البسط نبض راحتينا .
**************
حبيبى حبنا سكن بالآفاق.
 فوق الجبال والربا  و الشمس و السحاب .
أخترق العوالى كل العوالى وعلا فوقها فكان للعوالٍ درّة التاج .
 وما زال البسط نبض راحتينا.
****************
حبيبي ناجينا السحاب فانتبهتْ وانتبهنا .
فحمّلتْنا السماء غيثها تُزجيه فوقنا وما ثقُل كاهلينا .
وبصُرنا الشمس فابْصرتْنا .
واحتوتنا .
وعبّأتْ لنا قناديلاً ككؤوس اللؤلؤ فأضاءتْ ما حولنا .
وكانتْْ بأيدينا نرسلها من راحتينا .
فكنا للبريه غيث من الرحمن وكنا للظلمات نور الشمس فى وضح النهار.
وما زال البسط نبض راحتينا .
*****************
نثور عليكم أيها الناس ثورة الرحمة والنعماء فاستقبلوا عطايانا .
ما كان أُفقنا إلا أُفقاً علا وعلا حتى بلغ شغاف قلبيْنا فتنهّدنا .
فثُرْنا ,وصرخنا ,وسطوْنا سطْو المانحين وانتبهنا عندها فانتبهوا .
فلتكن عطايانا لكم براعماً تورق من قلوبكم  حتى تزهر وتعلو ثم تعلو  حتى تبلغ .... شغاف قلوبكم .
نسطو عليكم بالنور فنستعمر قلوبكم به.
نسطو عليكم بالماء فتحيوا فوق الشرور واطئين أجسادهم ..الصرعى.
فلتستنير قلوبكم بالنور ,ولتحيوْا بالغيث ,ولتركبوا بعد الطفو سفينة العزة التى وهبناها لكم من الآفاق .
آفاق الحب .
وما زال البسط نبض راحتينا .
*************
فسيروا أيها العُرْبان فقد طفوتم من لُجج البحر طفو النجاة .
أو طيروا محلّقين فوق مجدكم الفانى فأحيوه وعيشوا بالتاج والصولجان .
أو انفروا على جيادكم وأرونا صهيل الخيل لتمسحوا عرق الجبين من المكدود .
عرق المكدود من ظالميه وزنوا بالقسطاط .
لابد أن يكون حبكم الذى أرسلناه لكم آيات وأن يكون له أُفقا
يمتد من بسط أيدينا ويعلو ثم يعلو حتى يصل إلى ... شغاف قلوبكم فيرتوى.
يرتوى من فيض حبكم بعضاً بعضاً .
والخوف على بعضكم نفساً نفساُ .
ويظل الأُفق فى روائه الحبىّ رفرافاً فوّاحاً مدراراً  ويمتد طيفه إلى كل أرجاء الدنيا فيعم ..
الأمن ,,العدل ,, الخير ,, الرحمة ..و.................
وإيّاكم أن تُغووا فتزول الأفاق من قلوبكم فتُهبَطوا.
وتتكشف سوءاتكم.
فتضيعوا وتُضيّعوا .
وتلقوا بآياتنا من بسط أيدينا فتهلكوا وتُهلِكوا
وتغووا وتُغووا
تلك هى أفاق الحب فانتبهوا وعندئذٍ..
 يكون .............
البسط براحتكم وراحتينا
******************
ابراهيم امين مؤمن
الأربعاء 10 مايو 2017 م


















65
       حكم وأمثال وخواطر .. (مجموعتى الرابعة )
                                              وإنى لأرجو أنْ تترجم إلى الأجنبية ليعلم الكاتب الأجنبي أنّ الحكمة عندنا
1-العين لا تكذب , فإذا بكتْ حُجِبتْ .
-------------
2-لا تُعاهد مضّطرّاً , ولا تُحاسب مجنوناً , ولا تلوم مُكْرهاً .
 ---------------
3- قل لظالمِكَ ألآن : غداً يوم اللقاء.. مظلمتى معى أمْ معك ؟.
 --------------
4-أحْيي قلبكَ بالخير ولا تُمته بالشرّ.
 -----------
5-ليس للنجاح منتهى ..فقفْ حيث تجدُ نفْسَك.
-------------
6-الخوف يُذهب العقل والشكُّ يُشعل القلب .
 -------------
7-الحكمة لغة العقلاء , والحمق لغة الجهلاء .والصبرلغة الاقوياء .
------------
8-أكبر محفّز للنجاح هو نفسه النجاح .
--------------
9 -النتائج حاصلُ المعطيات ,فإذا عظُمتْ المعطيات عطُمتْ النتائج .
----------
10-تُولد القوّة من العزيمة ,وتموت من اليأس والهزيمة
----------------
11-الكذّاب ليس له مستقر , فلا تتعب نفسك فى السعى ورائه.
---------------
12- إذا أردتَ أنْ تبْن عرْش ملْكك,فليكنْ أساسه عدلك . 
--------------
13-قِفْ حيثُ تجد الأمن دون الناس,فإذا اقترن بالناس ففرّ حتى تقفْ .
 -----------------
14- هناك مَنْ يزرعون وغيرهم يحصدون .
--------------------
15-عليكَ بخُطوات التؤده حيث يتوجب التريث,وسِرّعْ خُطوات الهروله حيث تتوجب العجلة.
-------------------
16-فى لحظة الموت تبدأ لحظة الخلود.
-----------------
17- إبحثْ عنْ السعادة فى الأحلام ولا تبحثْ عنْ الأحلام فى السعادة
-----------------
18-الخوف واليأس إذا اقترنا أماتا كل حى.
----------------
19- لحظة الإنهيار الحقيقة هى لحظة أنْ تقرر أنْ لا تفعل شيئاً.
----------------
20- النفس ..أدبٌ إذا قيدتها وفسقٌ إذا حرّرتها .
-------------------
     ابراهيم امين مؤمن                     
  سُطّرتْ الآن 27-4-2017

66
أدب / خواطر أطلاليّة
« في: 14:01 29/04/2017  »
                                 

 خواطر أطلاليّة 
 
   

ابراهيم امين مؤمن


إلى أين ؟
الى الاطلال !                               
أُفٍّ لكم لما تفرّون .
أفلا تعقلون ؟
تمضون إلى الأطلال حال دموع الشمس الحمراء,وتمتطون جيادا صافنات تستنفرونها وهى تصهل صهيل الأرقّّاء وتطيرون بها كالريح مسرعين حتى تسكنوا الأطلال .
ويحكم !
تسرعون ثم تسرعون ثم تسرعون .. نحو أطلال شيدتموها مِنْ موت مَنْ ورّثوكم .
ورّثوكم ما لا يملكون وورِثتم ما لا تستحقون فعمّ الخراب والصغَاروالتخلف وكثرت الثورات .
رويدكم  ,فمسْرَاكُم  جمر ونار
ودروب سقطتْ فيها الأجساد  تباعا .
فترمّلتْ النساء وتيتّم الأطفال وابتلعتْ الأرض الأجساد .
قلّ الزاد فيها وغاض الماء,وانكسرتْ السواقى وانْكفأتْ الأشجار على رؤوسها وانطفأتْ الشموع وتهدمتْ الجدران .
وذابتْ وما زالتْ تذوب فيها الحضارات ,حضارتنا العربية ,كلها كلها تذوب نحو مُضيّكم إلى الأطلال .
على فرارِكم وُطِئتْ رؤوسنا ورؤوسكم تحت الشوكَ واالنارَ .
طيرنا كالرح حتى ركبنا سفينة الاطلال فخُرقتْ السفينة وغرقنا فى بجور الاطلال .
 وأنتم أيها العاشقون: تمضون بزهّاد العابدين نحو الاطلال فتقبّلوا آثار الأقدام ومواضع اللهو والغرام !
===
ماتوا آبائكم فعشتم  تطلبون مجدهم فخالفتم ضمائركم وأمتم شعوبكم فتفجّرتْ الثورات على أراضيكم .
أخذتم ماضيهم كله وشيدتم صروحكم عليه وتشدّقتم وما زلتم تتشدّقون بالملك والخلافة فسالتْ الدماء وما زالتْ تسيل تحت قبّة الأطلال .. تبّاً لكم !!!
أين المستحقون ؟
أين الأكفّاء ؟
أين الأقوياء الأُمناء ؟
كلهم ذابوا بصهير أطلال اطماعكم .                           
 وأنت ايها المحب السالك درب الحبيب .. إلى اين ؟
إلى بيوت عششتْ فيها  ثعابين وفئران !أم تمضى نحو ذلك الإيوان الذى نصّبته بداخلك من ذكريات حبيب آلتْ ترشُقكَ بسهام من نار!
فأحييتم وهْماً بداخل نفوسكم وحوّلتموه قصراً ونصّبتم له إيوانا تعتليه قلوبكم..                     
إنها بيوت عنكبوت ..أفلا تعقلون ؟
لقد تغلغلتْ أطلالكم فى نفوسكم وعشتم كل لحظات حياتكم تتنفسون  الأمانى المميتةوالوهم والبكاء .
=== 
ألآن وضعتم ركابكم تحت قبة أطلال أسلافكم .
وتقلّدتم عروشهم .
وأشرتم بصولجاناتهم .
وتسارعتْ بطاناتهم خشوعاً إليكم.
وسيقتْ أموالهم إلى خزائنكم .
وتسارعتم إلى حبس منْ خالفوكم .
 وانت أيها المحبُّ المرابط بالأطلال                                             
تقف  مناجيا خيالات وأوهام !.                             
وترفعُ رايات ترفرف على بيوت أطلالك كأنك تُعلن أنك بين أحضان الحبيب .
هنا قبلتها , وهنا عاشرتها , وهنا ضاحكتها , وهنا لاعبتها , وهنا طعنتنى ب ...         
أكمل مالك واجماً , طعنتك بماذا ؟
لِمَ تزئر بنداء حبيب مضى وانتهى ! .
وتتناول الكأس وترقص ثم تعدو ثم ترفع أعلامك فوق أطلالك ثم تبكى !
أيها الناسك فوق سجادة الأطلال الملتهبة :كفى
دمعتك غالية ,فلا تبكِ إلّا لغالٍ .
وثيابك طاهر فلا تدنّسه بثرى الأطلال .
نفسك تذهب حسرات بين نعيم ولّى وعذاب ضجّ بين ضلوعك وأحشائك .
تأخذ كأس الطلى ونديمك خيال حبيب استحضرته من وحى كاذب ثم تشرب معه .
تقبّلها بثورة الملتذّ , وتحتضنها بقوة تلاطم بحر ثائر . وتضاجعها برعشة كهزيز الأغصان فى يوم عاصف .
أفقْ أيها المجنون .
لقد ولّى حبيبك فى قبر من قبور البعث,ومضى هازئاً بحبك . 
====
أيها الاطلاليون ...ايتها الاطلاليات ..
اعتلوا جيادكم واهربوا من هذه الاطلال إلى خصوبة ضمائركم.
ولتنتفضوا جميعا من لُجج ِالاطلال الغارقة .
فنطفو طفو النجاة والركب ولا نطفو طفو الغرقى .           
وخذوا رايات ضمائركم تلك واحملوها عالية رفرافة وابحثوا عن مُلك انتم له تستحقون أو أحبّة يستحقون وفاءكم الذى تبذلون ,وانبذوا ذلك الجنس اللعين ,
فتبنون كلكم حضارة أُمتكم فتُسيّر فى البحر لا يكلا مجدافاها ولا يضربها عاصف أو قاصف ولا يتمزق شراعها وتظلُّ بأعلام ترفرف خفّاقة رفرافة فوّاحة فوق أبنيتنا,فوق مياهنا,لتُعلن عن أُمّة عادتْ مِنْ جديد تتبوأ ريادة حضارات العالم .

     


   





                                                                                                                                     








                                     




67
حادثة من حضارة الرقّ فى عصر الرومان القرن ال 14
المقال ............................
فى نزهة أرادها سيد من سادة الرومان على شاطئ بحر وقت الغروب , إصطحب معه بعضاً من جنوده وعبداً حكيماًً ,وسيده يعلم حكمته, ولذالك أراد سيده أنْ يسمع منه حكمته ,, ولكنّ العبد المرقوق فاجاءه بعكس ذالك بعد أن أخذ العبد منه الأمان .
وقد كان العبد وقتئذٍ يعلم أنّ سيده لا ينقض عهداً , ولولا أقوال أفلاطون وأرسطو اليونانيْن رغم أنّه من الرومان, والعادات والتقاليد الرومانية المستحكمة التى تحولتْ إلى طقوس مقدسة فى معاملة العبيد الوحشية,لكان لسيده شأن آخر فى مسألة الرقيق........
أُّيها القرّاء لا تنسوا أنّ المشهد وقت الغروب عند شاطئ البحر ...
قال السيد ...
ألا ترى يا هذا حمرة الشمس عقيقاً أحمراً أو مرجاناً كخاتمى الملكىْ هذا.
أو كلون الدم يسرى ويتدفق فى عروقى وقلبى هذا ( والسيد يومأ نحو اصبعه وعروقه وقلبه وهو يتكلم ) , أو زينة من أزهار المرجان أستنشق عبيرها فتطيب جسدى ؟.
تهبنى كل نعمة يا ( هذا ) ثم تغرب لتتركنى فى ليلٍ أنعم فيه بالنساء والسمر والخمر والرقص والغناء.
قال العبد..
أرى فى غروب الشمس أنّها نذير نومى فى زنزانة مصفّد الأغلال بين الفئران والحشرات بعد كدّ يوم طويل فى نقل الحجارة وأنا اُضرب بالسياط على ظهرى يا سيدي.
يأتى الليل لأبكى على ضحكاتك أُّيها السيد العزيز, وأرقص رقصة المذبوح على لحن موسيقاك وأنت ترقص ملتذّا يا سيدى ,وتلهو بى كدميتك

فى حمرتها , قطر الدم يُسفك من شرايينى وعروقى, فتشقّق جلدى, ويزيد تشقّقا,حال غروبها ,فتأخذ دمى معها ,فأُصبح دميماً قبيحاً لايشمّنى أحدٌ إلا تاذّى وتافّف من نتن الرائحة.
تهبك لون خاتمك ولكنّها تنزع منى إنسانيتى .
تتمتع بالنساء مرتعشاً من اللذّة وأنا أتراقص معذباً محرومًا على لحن لذاتك
.....
قال السيد ..
ألا ترى البحر ؟
يتمطّى بصلبه فيقترب منى حبّاً وودّاً , يرمينى بغبِّ مائه وتتطاير دفقات مِنْ مائه فتسقط قطراتها على وجهى أُنساً وطيباً .
المْ ترَ تراقص أمواجه ؟ كم ذكّرنى برقصتى سامرًا بكأس الخمرفى الليل.
الم ترَ تلاطم أمواجه احتضانا وحُباً ؟ كم ذكّرنى بمضاجعة إمائى بالليل.

الم ترَ يا هذا لونه الازرق ؟
كم ذكّرنى بياقوتتى الزرقاء  التى تضئ فى نفسى وروحى .
الم ترَ يا حقير كم فى أعماقه من الكنوز واللألئ .
كم أعطى الخير لى لأنى شريف ؟ وكم سرتُ بسفينتى فى بطنه فسيّرنى ودفعنى وأخرجنى على شطآنه عزيزاً قديراً .
قال العبد...
يتمطى بصلبه ليدفع منه قروش البحر لتأكلنى يا سيدى, وأنت تأكل حتى بعد الشبع يا سيدى.
تتطاير دفقاته شظايا من لهيب تشوه وجهى كتلك اللطمات المتتاليه منك يا سيدى ..
تتطاير شظايا من لهيب كالشعلة التى حمّلْتنى ايّاها يوماً لأتقاتل بها مع زميلى المسكين من العبيد مثلى ..
فكنا نحترق وأنتم فى رنين متواصل من الضحكات
نحترق وتضحكون سيدى العزيز الأكبر ...
وما فى أعماقه إلا ظلام حالك كظلام نفوسكم الذى يجرى فى كل كيانكم ..
طقوس سيدى .. طقوس ...
ظلمات نفوسكم طقوس تأدونها تقرّباً لآلهتكم المزعومة سيدى ..
وما تلاطم أمواجه سيدي ؟
كنا فى يوم أوقفتمونا أنتم الأسياد فى صفّين من العبيد ومعنا الحرابى والسيوف ثم أطلقتم صفارتكم العمياء إيذانا بالإلتحام والتقاتل فكنا ندفع بعضنا بعضا أملاً فى الحياة
هذا هو طلاطم الأمواج سيدى ..
ودمائنا كانتْ زبد بحرِك أُّيها السيد الوفى فى كلمتك ..
كنوز ولآلى ... كنوز ولآلى ..
ألم نحضرها لكم بعد معارك شرسة مع القروش والحيتان ..
من وهبك سيدي ؟
كنا نموت غرقى ونطفو حتى نتعفن وأنتم تلبسونها وتكنزونها وتتطيبون بالطيب مع الزينة ..
قال السيد ..
كم فى الثرى من حياة ؟
وكم فى الرياح من نسائم .؟
وكم هى الحياة جميلة التذ بانهارها ورياضها ونسائها وما ذالك الا من صنائع يدى وبعلم اوتيته من عندى؟

قال العبد ..كم فى الثرى من قبور.
وكم فى الرياح من عواصف كانت تلفحنى وأنا حامل الثلوج التى تبرّد حلوقكم وعروقكم
يا سيدى ..
يا مالكى ..
قال السيد ..
لولا أنّى امّنتكَ لقتلتُك من أول وهلة فحاذر ..
قال العبد لولا أنّك أمّنتنى لما قلتُ لك هذا يا سيدي
وسوف يأتى يوم نرى فيه نحن العبيد ذاك العقيق الأحمر فى الشمس وننعم بدفقاته التى تروينا وتثلج صدورنا ..
سوف يأتى يا سيدي وننعم بآدميتنا ... سوف يأتى
ابراهيم امين مؤمن




68
أدب / قبور الحب .... قصة قصيرة
« في: 18:02 29/03/2017  »

 
قبور الحب


ابراهيم امين مؤمن

اكتب اليكِ من منفاى, حيث غياهب السجن والاغلال التى صفّدتْ
قلبى وعنقى ومعصمى وقدماى .
هذه قضبان نُصبتْ بايدى رحيلكِ , عزلتنى عن عالم الاحياء ,
وهذه اغلال التفتْ حولى كلى بنفس الايدي , ايدى رحيلك .
فكان هجركِ بمثابة مسافات تحولتْ
الى قضبان
الى قيود
الى ظلمات
الى منفى
الى صرخات
غادرتِ .. غادرتِ.. فارجعِى..
ارجعى فانى مكبّل حتى التفتْ قيود هجركِ حول احشائى . احشائى التى
تَلَبَّدتْ وتجمدتْ وعسكرتْ واصبحتْ اسيرة تطلب الحرية برجوعك .
تنتابنى رعشة خوف تنبعث من فؤادى , تُجسد لى فواتكِ الحى كما تُجسد لى عدم رجوعك.
اريتينى اشواك هجركِ من بعد مسّ نسيمك.
فذقتُ علقمكِ من بعد شهدكِ .
وشربت اُجاج مائكِ من بعد قوارير سلسبيلك.
ارجعى .....
... غادرتِ...
ارجعى......
قد طال الانتظار , فارجعِ قبل فوات الاوان , قبل ان تجدى جسدا بارادا فى
كفن لا يُدفن .. ميت حى , اما الروح فقد هامتْ تبحث عنكِ مرتدية ثوب
الخاشعين
مرتدية ثوب السائلين
مرتدية ثوب المسبحين
مرتدية ثوب الداعين بجمعك يا ضالتى تعيد الىّ روحى.
فكان جسدى ساكن بالسلاسل وكانت روحى فى مذلة السؤال..
لما غادرتِ ؟؟
الم ارضعكِ بفمى ؟ مسّا متواليا من لذّات ولذّات وعبقا من ازاهير شذى عطر.
الم اطعمكِ رضاب مشاعر قلبى التى تحولتْ الى غلاف احاط بقلبك ؟
قلبى هذا قديس وناسك التف حول قبلة قلبك
فقدّس وقُدس ,
وطهّر وطُهر
وغفر وغُفر له,
واحيا وحيا
فمى بفمك وقلبى اتخذ قلبك قبلة رضاها ..
فكيف هنتُ عليكِ !!!

كدتُ ان اجهر بانك رضعتِ محبتى , وفطمتكِ من فتوّتى , وراقصتكِ على بساط
خَدّى, تقفزين ثم تهبطين , كم كان مرحا طيبا .
حتى اذا ترعرعتِ.....

وهبتكِ تاجى وصولجانى , والبستكِ كسائى , واخضعتُ لك عبيدي وكل لبنة من
قصرى كانت طوع امرك .
وكنت انا المانح وانتِ فى نَهَمٍ متواصل قائلة ( هل من مزيد )
ففاضتْ آنَيتك من الماء وغارت آنَيتى.
وذهب ملكى اليك فنُزعتُ انا ووهبتِ انتِ.
واصبحتُ عارٍ من كل شئ .
الذالك غادرتِ ؟؟؟
لا عليك ..
عودى .
عودى ..

لو اردتى فقولى , لا اكلفك عناء العودة, ولا عناء العتاب .
عندئذ تنهض عزيمتى وتستنفر عبر مقولتك فتصرخ بداخلى وفى كيانى كله عزيمة لا تقهر .
تكسر كل القيود, وتفتح كل الابواب, وتسرى طائرة تحطم كل العقبات ,ليصل
اليك حبى الا عظم المتدفق من معين اهل الجنة , ازيدك عشقا طاهرا لا ينبثق
الا من روحى منزها من جسدى لا عبر بك عبر تاريخ المحبين .
اعبر بك الايام والشهور والسنين نزور اوكار الطيور , ودعاء الخاشعين
العابدين , ونقفا سويا فى ظلمة ليل لا ينادمنا الا السماء بمجراتها , نقص
ونبكى ونتحرر من الاثام التى اغرقتنا فى بئر موحش ما بين سلاسل قيدتنى
فيأستنى واطماع احتوتكِ , ونتوبا توبة تجعل من حبى لك حبا ابديا سرمديا
يخلد عبر التاريخ ثم ينهض من الاجداث مظفرا متوجا واقفا امام الملك
القهار فيشقع ويتشفع ويحيا فى الفردوس الاعلى حياة خلد كان هو واضعها فى
الدنيا الدنيّة ..
                   

69
                قصيدة بعنوان ........(العجوز والفتاة )
            عنوان شرحى لها ......( ربَّيْتُكِ ولكنَّكِ )
وتفعيلاتها ( متفاعلن ) (متفاعلن ) متفاعلن ) ( متفاعلاتنْ )
التجربة الشعرية :
القصيدة تتكلم عن رجل التقط فتاة رضيعة فربّاها وكان عاقدا النية من البداية ان يتزوجها عندما تبلغ سن الرشد .
شرح مجمل للابيات :
القصيدة من اربع مجموعات  , كل مجموعة مستقلة بذاتها لانها بتمثل مرحلة من مراحل عمر الفتاة , ثم تتحد الاربع مجموعات لتقدم لنا وحدة عضوية متكاملة تعبّر عن طبيعة المراحل العمرية لاى فتى او فتاة باطلالة خاطفة عن طبيعة هذه المراحل بابيات شعرية موجزة , بداية من مرحلة الرضاعة والطفولة ثم مرحلة الصبا ثم مرحلة البلوغ ثم مرحلة الرشد .
...................................
                            (((((((((القصيدة )))))))))))
                            (     العجوز والفتاة .........)
                                                                           ...مرحلة الطفولة
غدْرٌ !..المْ ارْضعْكِ من عِرقى ..دمى ..روحى ..فؤادى!
ارْضعْتك ِ الحبَّ  الطهور  العنترىْ.. . ثمّ   النّواسىْ!
وفِطامك ِ  التاج   الذى  طعّمته  الدّرّ   السماوىْ!
اضْحتْ  عيونكِ  تبصر  الدّنيا  بعينى  يا  كيانى !
                                   .....................
                                                                        ....مرحلة الصبا
فلِما الرّحيل ؟... الم ْيكنْ خدّى بِساطا فى صِباك ِ!
تثبين  قفْزا  فوقهُ .. فافقْتُ  من  نومى   اراكِ!
وشَدَى َ غِناءكِ خلف عصفور على ايْك  الرّياضِِ!
                                 .....................
                                                                      ... مرحلة البلوغ
هلْ  تذكرينَ  ركوبك  الفرس  الجموح  وقد رماكِ ?
فعقرتُ ساقه دامعا .. وربطت ساقكِ من شِعارى
ويلى ..شبابك جامحا والشيب منى فى انهزامِ
                             ............................
                                                             .... مرحلة الرشد واتخاذ القرار
هجْر ٌ!..رشدْتى من احاسيسي وعقلى .. من كيانى!
علَّمْتُكِ.. الحرّيْة .. كسر القيد .. تحليق السماءِ
علّمْتكِ.. البسمات  .. والآمال ..فوز بالجَنانى
علّمْتكِ.. الشكران ..والسلوان ..والثبْتُ الرضابىْ
ومتى  واين وكيف يُرمى السهم فى بحر الطغاةِ
والان ترمى سهمكِ الشاب الرشيد على بياضى!
الان  ابصرتى  طريقكِ  فوق آفاق  السحابِ!
ورايتِ انك كنتِ فى قيعان شيبي فى انهيارِ!
وتعيّريْنى بالكهولة ... شبْتُ كى ارْعى صِباكِ!
فامضى ..فليس الشيب شيب الشَّعْرِ بلْ سوء الصفاتِ
وفُتوّتى قلبى الذى وفّى رسالات السماءِ
وستُدركينَ الشيب حدّا قبل ميعاد المساءِ
فامضىْ الى وهْمٍ الى غدْر ٍالى فحِّ الافاعى
                                                   من نظمى : ابراهيم امين مؤمن
                                                    14 مارس 2017


                       

70
أدب / المغرّد فى الشّمس
« في: 17:27 18/03/2017  »
المغرّد فى الشّمس
قصة قصيرة ( قسم الادب )
انا الثورة بين الضلوع .
ثورة شوادن الظباء من عرين الليوث .
انا الدم المسفوك .
اردتُ يوما ان اعلن هما ظل مكتوما سنين .
فبتُ ليلتى اقول ما ذنبى وكنتُ سراج العاشقين, فانطفا السراج من غدرة اللعوب.
ابْيضّ شعرى وانحنى ظهرى وانسدل حاجباىّ فى حب حبيب, وكان جزائى انْ طعننى فى شعر المشيب .
فعشتُ مذ رشدتْ( الانين) وجاءت الطعنة فى شُعيرات المشيب, فعشت اتوجع من طعنتين , طعنة رشدها وطعنة المشيب.
فقلت افجّر ثورتى قبل الممات .
فاتيتُ ليلتى ومعى الناى الذى رافقنى منذ الصبا  وانا اشعر بان الروح تريد ان تعبر الكواكب والنجوم .
لاعلن قصتى لدآبة الارض والسماء فتُتْلى لكل القرون.
فنمتُ .....................
فرايتُ الروحَ تنفلت من جسدى على بساط من اريج العطور.
تدفعها ريح من ملكوت سماوى هبطت من فوق سبع سموات. فاخذتْ روحى واعتلتْ بى حتى بلغنا   قلب قرص الشمس.
سديم نووى متفجر ملتهب غير انى وجدته بردا ونورا عنى لا يغيب .
جلستُ على كرسٍ يطلُ على كل الكواكب المرتعشة .
مجرّة باكملها ترانى وانا اقصُّ قصة الارض والانسان والغدر والدم  الذين يتجسدوا فى حبى الوفى والحبيب الغادر.
نعم انا من قبيلة الهابليين وحبيبي من قبيلة القابليين .
ذابتْ قبيلتى فى قبيلتها واعلنتْ الانهزام .
تناولتُ الناى وطفقت اقصّ قصتى .. الحبيب الهابلى المطعون..................
ربّيتها صغيرة وانا اهدهدها بين الضلوع .
الناى الآ ن يعزف حبا من نوع خالص لها هو حب الحبيب الممتزج بالامومة .
يعزف امومة فى ترنيمات هادئة متراصة يقطر منها بياض اللبن واغصان تترعرع على مائى الذى اجريته خريرا جميلا سرى بين احشائها وضلوعها .
سمعتْ الكواكب تلك الترنيمات كما سمعتْها الشمس فاخذوا يتراقصوا فى نماء حتى وُلدتْ نجوما تتراص صفا صفا .
ظللت اعزف حتى مرُ عشرون عاما والنجوم تتلالا امامى وتتراصُّ فى استواء عجيب  . وفجاة .............................
ارتعشتْ يدى وما عاد الهواء يخرج من جوفى وسقط الناى من يدى وتفجّرتْ النجوم وهاجتْ الشمس وتسارعتْ الكواكب كالليوث التى تعدو خلف الغزلان . تسارعتْ تاكل بعضها بعضها .
تمالكتُ نفسى واخذت الناى كى استمر فى العزف لان عزيمتى كانت اقوى من نكرانها لحبى الامومى.
( ايّها القرّاء لنعد معا الى مرحلة الطفولة )
الآ ن الناى يعزف الطفولة .....
الناى يعزف قصة ( القفز بالحبل النطّاط ) ....
الناى يرسل ترنيمات تصوّر الدق والقفز على سطح غرير طرى .
كانت تقفز على خدى تريد ان تلهو بحبلها وكنت غارقا فى النوم فاستيقظتُ وانا اعلن لها مودتى فى ضحكات منها تتوالى من فمها الصغير الدقيق .
 عندها اخذتُ منها عهدا ان اتزوجها بعد عشر سنين .
واخذتُ العهد والميثاق .
كبُرتْ وقلّدتُها الملك والتاج والصولجان .
وآثرتها على نفسى فى كل شئ حتى الماء والغذاء .
ولقد عزف الناى تلك المرحلة فى اتقان ودهاء .
بدا بلحن خفيف ثم تعالى اللحن كانه يكبر فى افق النجوم ثم ارسل ترنيمات عالية تندفع دفقات متوالية تعبر عن النمو ثم دفقات اخرى تعبر عن المنح والملك والعطاء .
كان لحنه عجيبا عندما كثر وصرخ فى كل الافاق والنجوم والكواكب وكان اعجب لما كانت فى ترنيماته الوقار والهيبة المعبرة عن الملك .
ثم توقف فجاة ونحولت الحانه الى صراخ يرسل صوت كصوت الفرائس.
صوت يقطر منه الدم .
صوت طعن فى الظهر والجبين .
صوت صراخ وعويل .
ثم ارسلت من الناى ترنيمات العتاب والتساؤل مع بكاء متواصل ... لِما .... لما .....
غدر ... طعن ... نزع .... نكران .... قتل ..... لما ... لما ... لما ..
او جزائى انى وهبتك كيانى , وملكتك ملكى وسلطانى.
والبستك ثيابى واجلستك على عرشى وناولتك صولجانى .
الم يكن يوما خدّى لك بساطا . وحجرى لك مضطجعا ورقُادا .
والتقطك رضيعة وكنت لك الام والاب والصاحب والرفيق ,, واخلص حبيب.
ثم انزويتُ وانعطفتُ بترنيمات الناى حتى تغير صوته بصوت الثعلب المكير او الثعبان الفحيح .
قالت الحبيبة بلسان الناى :
هذا قضائى وانا الملكة وهذا صولجانى وارض بقضائى
الا تحب ان تلتذ فى نزعى وطعناتى .
الا تحب ان تستشهد فى جمالى .
خذ هذا الكفن وارتديه فقد حفرت لك حفرة فى احد البسلتين التى كنت تسقينى منها ..
اذهب ايها الابلة فعلى قدر حبك الذى سوف يخلد عبر القرون على قدر غدرى الذى يعبر عن حياة الانسان عبر القرون .
عشت الوهم ايها الغبى وانا عشت الحقيقة ..
........................... فامضى الى البستان ..................
وسقط الناى محترقا فى قرص الشمس .
وتوقف العزف .
فاستيقظت من نومى وانا قابض بقطعة من فستان العرس  اقول ...

        ((. ايُّها العالم احذر من حب غير موثوق .   ووهب غير مردود . ومن امل قد يدفنك حيا . وعش على امل تقبضه فى يديك . ذالك هو النور الذى اسمعتكم اياه من فوق نور لا يغطيه الا نور الرب. ذاك الناى سقط فى ثقب الشمس بعد ان انهى ملحمته العصماء ))   
                                       من سردى : ابراهيم امين مؤمن
                                                      تاريخ التعديل
                                                    4مارس2017

 


71
أدب / ثورات الربيع العربي
« في: 19:49 03/03/2017  »


قصيدة ... ثورات الربيع العربي


ابراهيم امين مؤمن

الثعلب يخرج من..
 دموع الشمس.
ودم القمر .
ومحبس السحب .
بالوشاح الملطخ.
والعمامة الذابلة.
وسمة الواعظ الزاهد الرسول.
ويُوعد بالنصرة وكشف الغمة
الثعلب يزمجر من النيل للفرات.
                     --------
الثعلب يؤذّن كبلال
بعد الصلاة جنازة موت الحكام .
واحياء الديمقراطية .
يا عرب... الصلاة .
رتّلوا ...وهيْلوا على الصمت التراب
كسّروا قضبان الحبس
افتحوا ابواب القصر
سيّروا الماء فى الزرع
وادفنوا عاركم فى الارض
مزّقوا خيوط العنكبوت التى مصّت دمائكم..تتحرروا
وسيّروا دماء القمر فى عروقكم... تحْيوا
واغسلوا بدموع الشمس وجوهكم .. تستنيروا
ادخلوا عليهم من كل باب .
                  ---------
الثعلب يرقص فوق اجساد الموتى .
يرقص على ازيز الرصاص
على خشخشات السلاح
على الصراخ
يغنى على الحان خرير الدماء .
يضحك خلف القناع
او بدون قناع
الثعلب يشرب النيل والفرات .
الماء ملا بطون الثعالب.
                 ----------
واحسرتاه
انكشف النقاب
الثعلب فوق منكبه وشاح الدرّ
وما كان وشاحه الا ثوب حرباء
ذيله تراقص بثوب فضفاض
راسه بتاج الشاهنشاه
ومعه السيف الصمصام
يحصد الرؤوس من النيل للفرات
ماله محبّر من دماء الثورات
والذهب سبائك من اصلاب الرعاع.
                  -------

5 ديسمبر 2013

صفحات: [1]